تفسير سورة الفلق 2

  • 1996-10-04

تفسير سورة الفلق 2

الحمد لله رب العالمين، وأعطر التحيات وأزكى الصّلوات الطيبات المباركات على سيِّدنا مُحمَّد خاتم النبيين والمرسلين، والمبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحبِ كُلٍّ أجمعين.

معنى الفلق
نحن الآن في تفسير ما تبقى من سورة الفلق، سبق معكم أن سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا أراد أن ينام جمع كفيه هكذا، وقرأ سورة الإخلاص والفلق والنَّاس ثلاثة مراتٍ، ثم يَمْسَحُ بها وجهه وما أقْبَلَ من جسده، كان يفعل ذلك كلما أراد أن ينام، وقد سبق معكم في الدرس الماضي تفسير بعضٍ منها، بسم الله الرحمن الرحيم:

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
[سورة القلق]

فالفلق فُسِّرَ بتفسيراتٍ كثيرةٍ وأوضحها بأنه الصبح إذا فَلَقَ بنوره ظلمات الليل، كما قال تعالى:

فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)
[الأنعام:96]

رب الفلق يَفْلِقُ ظلمات الليل بنور الفجر، ويَفْلِقُ وجود العدم بهذه الموجودات في الأرض والسماء، رب الفلق بهذا المعنى هو رب المخلوقات كُلِّهم لأنها انفلقت عن بحار العدم حيث لم يكن لهم وجودٌ فيما مضى.

الاستعاذة هي اللجوء والاستعانة
والمقصود: أعوذ أي ألجأ وأستجير وأستعين برب الفلق أي بربِّ العالمين، والاستعانة والاستعاذة إذا كان الإنسان غريقاً في البحر، ورأى قارباً أو مركباً وطلب الإغاثة ليعيذه من الغرق، فيُلقون عليه حبلاً، فاستعاذ واستغاث بهم فأغاثوه ، استعان بهم فأعانوه، فإذا قَبِلَ هذه المعونة وهذه الإعاذة والإنقاذ نجا من الهَلَكَة، وإذا قال: أعوذ بكم وألتجئُ إليكم وساعدوني، وألقَوا إليه الحبل ولم يتمسك به، وأصرَّ على أعوذ بكم وألتجئ بكم ورفض مادة الإعاذة والنجاة فهو كاذبٌ فيما يقول أو لا يفقه ما يقول، فأعاذنا الله عندما نقول:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
[سورة الفاتحة]

في سورة الفاتحة أول ما يُكتَبُ في المصحف، يُجيبنا الله تعالى على هذا الطلب اهدنا:

ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)
[سورة البقرة]

أحدهم يمشي في الظلمات بين الآبار والحفر والوديان يطلب ما يُضيء له الطريق، فيُعطى المصباح ويوجد فيه بطارية ٌولا يستعمله، ويقول: أرجوكم أنيروا الطريق أمامي، فيعطونه اللكس (جهاز للإضاءة كان يستعمل في ذلك الوقت) ويقولون له خذ هذا الكبريت وأشعله لتهتدي إلى الصراط المستقيم وحيث لا تضل ولا تضيع ولا تتيه، فيرفض العمل والهداية ثم يُكرر الطلب، فمن يرى هذا الإنسان أو يرى فيلماً مصوراً له، غريقاً يطلب الإغاثة ويمدُّون يدهم إليه فلا يَسْتَمْسِكُ بها ويقول أنقذوني وأعيذوني من الغرق.

الاستجابة ضرورةٌ في الاستعاذة
فكذلك عندما يقرأ المسلم أعوذ وألتجئ وأستعين وأستغيث برب الفلق، رب أعذني وخلصني، يعطيه الله آلة الخلاص.. النَّار مشتعلة فيطلب الإطفائية، وعندما تأتي الإطفائية لا يفتح لها الأبواب، فاستعاذ بأدوات الإطفاء فلما صارت بين يديه أعرض عنها وأهملها ولم يستعملها، فمن يفعل هذا الفعل ماذا يقول الناظرون إليه؟ كاذب! هل هو كاذبٌ في طلب الاستعاذة والخلاص، أم هو مجنون؟ يطلب الخلاص وتُقَدَّمُ له وسائل الخلاص.. واقعٌ في أسفل البئر ويشكو الجوع والعطش والوحدة، ويُنزلون له الحبل وفي الحبل يوجد كرسي.. أعينوني وأنقذوني وأستعيذ بكم وألتجئ إليكم، نحن أنزلنا لك الحبل وفيه الكرسي، فاركب إليه ونحن نسحبه حتَّى تكون على ظهر الأرض، فلا يركب، وهم يُكررون منه طلب الركوب، أستغيث بكم وألتجئ إليكم وأعوذ بكم، هلَّا تركب وتنقذ نفسك؟ نحن أنزلنا إلبك الأدوات وآلة النجاة والخلاص، يغرق وأرسلوا له دولاباً منفوخاً: تمسك به ونحن نَجرُّكَ بالحبل، فلا تَمسَّكَ بالدولاب ولا رَضِيَ بإنقاذ المنقذين، ولكنه يصيح: أرجوكم سأغرق وأموت، ثم ماذا يقولون له؟ فلتمت.

شروط الاستجابة
كذلك عندما يقول المسلم والمسلمة أعوذ برب الفلق، ألتجئ إليك يا رب أن تُنجينا وتُنقذنا وتنصرنا وترزقنا وتُعِزَّنا، دَلَّنا الله على طريق العزة فهجرناها، ودَلَّنا على طريق القوة فأهملناها، وعلى طريق الكرامة فامتهناها، ونُكرَّرُ الألفاظ، وإذا لم يستجب لنا فهذا حسب الطلب، وهو بشرط:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
[البقرة:186]

أنا مددتُ لهم طريق النجاة فليتمسكوا به.

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
[سورة آل عمران]

حبل الله هو القرآن، لا تلاوته والتنغيم بكلماته، قال الله:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

المبارك هو كثير الخير والعطاء، وغزير النفع، (لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) أي تقرأ الآية وتتدبرها.

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
[سورة الكوثر]

والكوثر هو الخير الكثير، هل يوجد أعظم من عطاء القرآن؟ لما أعطاه الله للعرب كيف غدا حالهم؟
شخصٌ لوحده في الغابة، ويعاني من العطش والجوع والضياع وأُرْسِلَتْ له سيارة، فهل هذه السيارة هي كوثرٌ أم لا؟ فيها إنقاذه من الهلاك، فإذا رفضها ولم يركبها ولم يقبلها وهو يقول: أرجوكم أغيثوني، ويعاود الاتصال بالهاتف ويستعمل وسائل المواصلات، ها قد بعثنا لك سيارةً وأخرى، فالقصة في القلب:

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
[سورة محمد]

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
[سورة البقرة]

لا ينطق بالحق ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، عالمٌ لا يُعلِّم، جاهلٌ لا يتعلم، المسألة يا بنيّ ليست بالتمني، مهما قلت ربي ارزقني ولداً وأنت عازمٌ على أن لا تتزوج، فدعاؤك :

قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)
[سورة الرعد]

ضلال أي ضياع..

الاستعاذة تقتضي الفهم والعمل والاستجابة
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) إذا كان سبعٌ أو ضبعٌ أو نمرٌ يُلاحقك، وأنت تقول: أرجوكم أعيذوني، وأحدهم فتح لك الباب وقال لك ادخل، ولم تدخل، وكرر ذلك مراراً وأنت ترفض، وأنت تقول له: أرجوك سيفترسني النمر، أغثني، ثم سيُغلق الباب ويقول لك يجب أن تكون طعاماً لا للسباع بل للقطط والفئران والذئاب، جعلنا الله مسلمي الفهم عن الله.. إذا كنت تقود سيارتك وأوقفك الشرطي، هل تمتثل لأمره؟ وقال لك: أعطني الأوراق وأنت لست مخالفاً وتعلم ذلك ولكنك تخاف.. فرب العالمين يا بنيّ يُكلمك ويُعلمك، كل التلامذة يُصْغون ويَحفظون ويَمتَثِلُون لمعلم الابتدائي والثانوي والجامعي، فعندما يكون الله هو معلمنا وأستاذنا ومربينا وخالقنا ورازقنا وواهِبُنا السمع والبصر والنعم التي لا تحصى ولا تُعد؛ عندما يخاطبنا في كلامه ويُعلِّمُنا في مدرسته وقرآنه، فهل نعطيه ظهرنا في الفهم والعمل والاستجابة! ما معنى هذا؟ هذا يعني أنَّ القلوب غير طاهرة.

الطهارة هي طهارة القلب
والقرآن لا يَمَسُّهُ إلا المطهرون، هذه الآية في سورة الواقعة وسورة الواقعة نزلت على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مكة، ولم يكن هناك مصحف، لأن المصحف لم يكتمل إلا في آخر حياة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد عشر سنين في المدينة المنورة.. فإذا أنزل في مكة فما معنى قوله تعالى:

لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
[سورة الواقعة]

أي لا يَمَسُّ روح القرآن وجوهره ومعانيه وفهمه والعمل به إلا القلوب التي تطَهَّرت والنفوس التي تزكَّت، قال تعالى:

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)
[سورة الشمس]

فصَبَغَها لها صَبَّاغٌ بناها لها بَنَّاءٌ وزكاها لها مُزكِّي، فأنت لما تقرأ القرآن وتقرأ:

قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14)
[سورة الأعلى]

وتقرأ :

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

يزكيهم من المُزكِّي؟ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وبعده؟ قال:

{ العلماء ورثة الأنبياء (1) }

[سنن أبي داود]

والعلماء المقصود بهم ليس القُرَّاء الذين قرؤوا الكتب وأخذوا الشهادة، القُرَّاء الذين عناهم النبي عليه الصلاة والسلام ما أشار إليه بعضهم بقوله:
والعلمُ ما أورثَ القلبَ الزكيَّ تُقى وخشيةً عند أهل اللّه كلهم
{ الفقير الى مولاه ذى الكرم }
النفس التي تتزكى، فإذا كانت النفس نجسةً ملوثةً لا يدخل فيها نورُ العلمِ المقدس، العلم نورٌ إلهي:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُـــــــورٌ ونورُ الله لا يُهدى لِعَـاصي
{ الإمام الشافعي }
(والعلمُ ما أورثَ القلبَ الزكيَّ تُقى) فالتزكية معنى من معاني التوبة، الندم على ما فعلت في الماضي، ثم تبديل سيئاتك بحسناتٍ، وأصدقاء المعاصي والآثام والجهالة والغفلات تستبدلهم برفاقِ التقوى والعلم والذِّكر والإيمان، فهذه هي التزكية، (والعلم ما أورث القلب الزكيَّ تقى)فإذا تزكت النفس ينزل في قلبك نور العلم، وأما إذا كان القلب مُلوثاً بنجاسات المعاصي الظاهرة أو الباطنة فنور الله عزَّ وجلَّ قُدسيٌ سَماويٌ ربانيٌ لا يَسْكُنُ في مكان النجاسات والقاذورات، (وخشيةً عند أهل اللّه كلهم):

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
[سورة فاطر]

فإذا لم يُثمر العلم الخشيةَ والتقوى يكون هذا العلم كالحمار يحمل أسفاراً، يحمل الكتب، إذا حمل الحمار مكتبةً هل صار عالماً؟ هذا حامِل، وأشد النَّاس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم يَنْفَعْهُ الله بعلمه.
(والعلم ما أورث القلب الزكيَّ تقى) ما هي التقوى؟ امتثالُ أوامرِ الله واجتناب محارِمِه، وصحبة الصالحين من عباده، والبُعد عن مجالسة أعدائه، هذا هو التُقى، أن تُحبَّ في الله وأن تُبغضَ في الله.
(وخشيةً عند أهل اللّه كلهم) أي أن هذا العلم نورٌ وخشيةٌ بإجماع كُلِّ علماء المسلمين.

الالتجاء من المعصية إلى التوبة
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) فهل عندما نقولها يا تُرى هل نفهم ما نقول؟ وإذا فهمنا هل نلتجئ إلى الله من معصيته إلى طاعته، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذِّكر، ومن المعصية إلى التوبة؟ هذا هو الالتجاء والاستعاذة، فإذاً يُعينك الله ويحفظك ويُنقِذُك وينصرك إذا استعذت بالله من الهزيمة أمام العدو، أعوذ بك يا ربي من الهزيمة، فالله يقول لك:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة مُحمَّد]

أُعيذك من الهزيمة إذا نصرت دينك، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) أما أن تقولها بدون أن تفهمها ولا تعمل بها ..
شخصٌ يقول أنا جائعٌ أرجوكم سأموت، فيحضرون له طبقاً من اللحم الطازج، وتخرجُ منها الروائح الزكية ومن الفرن مباشرةً، فلا يأكل ويقول: أنا جائعٌ، سأموت من الجوع، أستعيذ بكم من الجوع، اللحم أمامك! وبعد طبقٍ آخر يُكرر: أرجوكم أنا جائع، ويبقى يتكلم فقط؛ فهذا يستحق أن يضربونه بالأحذية أو يضعونه في مشفى المجانين، أو يتركونه يموت بحمقه وجهله، وكذلك العاصي يموت بفِسْقِهِ وقسوة قلبه وبُعده عن الله ومع أنه دائماً يقول:

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
[سورة الفلق]


أعدى أعداء الإنسان هي نفسه
من كل شرٍ في الكون، وأعظم الشرور.. يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ولعله أعدى عدوٍّ لك نفسك التي بين جنبيك (2) }

اعتلال القلوب للخرائطي

يعني استعذ بالله من نفسك، معنى من نفسك يعني من أهوائِك وشهواتك التي لا يَرضى بها الله، ومن أنانيتك التي لا ترى غيرها، أنا وفقط، أما الله عزَّ وجلَّ وأوامره ورضاه وأحبابه وذِكْرُه! أليس شراً أن تكون عبد الهوى والبطن والفرج والدينار والدرهم والنَّاس؟ تقول: يتكلم الناس عني، يا أخي الله يقول لك هكذا، يتكلم النَّاس عني، إذاً أنت تعبد النَّاس وتَكْفُرُ برب النَّاس وأعمالك شاهدةٌ عليك:

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
[سورة الكهف]

(مِن شَرِّ مَا خَلَقَ) كثيراً ما تأتيك الشرور ومعصية الله والآثام من نفسك وولدك وزوجتك وأصحابك.
تريد أن تتصدق فتمنعك زوجتك وابنك من الصدقة، يُروى: أن أحدهم جلس في مجلس بعض الشيوخ فسَمِعَ من درس الشَّيخ أن من يتصدق بصدقة يفك حنكَ (فَمْ) سبعين شيطاناً، فخرج من الدرس وقال: سأفكُّ حنكَ (فَمْ) الشياطين كلهم، ولم يكن معه نقود، فدخل بيت المؤونة وأخذ شيئاً من مؤونة البيت من الرز والبرغل وخرج، فرأته زوجته، فقالت: ما هذا؟ قال: والله سمعت من الشَّيخ بالدرس كذا وكذا، فأخذت القليل من الرز والسكر والبرغل للفقراء، فقالت له: فوراً لعب الشَّيخ بعقلك؟ أعِد ما أخذته.. لا أُعيده، فتشاجرا، فشدته فوقع البرغل والرز والسكر وتلقى بعض اللكمات، فعاد إلى الشيخ وجلس فرأى الشَّيخ على وجهه آثار العراك، وفي نهاية المجلس سأله الشَّيخ: هل فككت حنكَ (فَمْ) سبعين شيطاناً؟ قال: فككت حنكَ (فَمْ) سبعين شيطاناً ولكن أم الشياطين فكت حنكي (فَمْي) ، فالشاهد (مِن شَرِّ مَا خَلَقَ) فقد تكون نفسك من أشرِّ الأشياء عليك، زوجتك وابنك وصديقك، لذلك :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[سورة التحريم]

فقبل أن يفكوا حنكك (فَمَك) فُك حنك (فَمْ) شيطانهم ليكونوا عوناً لك على مرضاة الله وطاعته.

معنى الغاسق في الآية
(قُلْ أَعُوذُ) هل نقول أعوذ فقط أم معها قل؟ لأن الله أنزلها على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بلسان جبريل، فنحن نقرأ ما قاله جبريل لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.(وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) الغاسِقُ هو الليل، ووَقبَ يعني إذا شَمِلَ ظلامه كل ما حولنا، لأن في الظلمات يكون تسلط الأعداء وتخرج الحشرات واللصوص والمتربصين وإلى آخره.. وكذلك يُشْمَلُ ظلمات القلوب ومجالس الظلمات والمعاصي، هذه كلها ظلمات، حمانا الله من شرِّ ظلمات الليل ومن شرِّ ظلمات القلوب والمجالس التي تكون كلها ظلماتٌ بعضها فوق بعض، مجالس الغيبة والنميمة وإيذاء النَّاس والتَّعدِّي عليهم، هذه كلها ظلمات، فإذا أحاطت هذه الظلمات (الغاسق) بالقلب تُمِيْتُهُ فلا يُبْصِرُ أمامه الصراط المستقيم، فيَضيع في صحراء الشهوات والمعاصي، وفي نهاية الأمر يَهْلِكُ دينه وإيمانه وإسلامه، ولا يُبالي الله في من اختار الهلاك على السعادة والنجاة.

النفاثات هي النفوس التي تنفث الشرور والآثام

وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
[سورة الفلق]

النَّفث هو النَفْخُ وليس معه رِيْق، والنَفْخُ هو هواءٌ خالص، يعني يخرج شيءٌ بسيطٌ من الرذاذ، هذا المعنى معروفٌ بين النَّاس، فالنفاثات هي النفوس التي تَنْفُثُ وتُلقي في القلوب وفي النفوس الشرور والآثام والفساد والفِسق والمعاصي، أمرنا الله أيضاً أن نتحرَّز منها ونستعيذ بالله منها فنتَّبِعْ تعاليمه.
كيف نحترَّز من هذه النفوس التي تَنْفُثُ وتَنْفُخُ وتُلقي الشرور والآثام والجرائم والمعاصي وغضب الله؟ إنسانٌ تجلس معه جلسةً في الحافلة، خلال عشر دقائق أو ربع ساعة يَنْفُخُ في نفسك شيئاً يحملك على معصية الله، فنفسه خبيثة نفثت فيك إثماً من الآثام وشراً من الشرور، زوجتك وابنك قد يَنْفُثا فيك، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا أن نستعيذ.

العقد التي تحلها النفاثات
فمعنى الاستعاذة أن نبتعد عن هذه النفوس التي تَنْفُثُ وتُلقي في القلوب والأفكار حب الآثام والميل إلى المعاصي.
(النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) يكون في قلبك عقدة الإيمان والتقوى ومحبة الله ومحبة أحباب الله عزَّ وجلَّ، فيأتيك شيطانٌ من الشياطين يَنْفُثُ فيكَ حتَّى يَحُلَّ عقدة الحب بينك وبين أحباب الله، أو يَنْفُثُ فيك من النميمة والأخبار الكاذبة أو الصادقة بينك وبين أهلك وأصحابك وزوجاتك وبين الأحبة بطريق النميمة صادقاً أو كاذباً، فأمرنا الله بالاستعاذة من هذه النفوس الخبيثة سواءاً بطريقة النميمة أو التحريض إلى معصية الله والتزهيد في مرضاة وطاعة ومحبة أحباب الله، فأمرنا أن نستعيذ بالله من هؤلاء.

عدم مجالسة أهل الشر
فطريق الاستعاذة أن لا نجالسهم:

وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
[سورة الأنعام]

بعض المُحدثين روى حديثاً عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه سُحِر وسَحَرَهُ لبيد بن الأعصم حتَّى صار يُخيَّلُ إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله، هذا بمصطلح الحديث اسمه حديث آحاد يعني رواه واحدٌ عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والعقائد الدينية لا تَثْبُتُ ولا تُقبل عن طريق أحاديث الآحاد إلا إذا كانت متواترة، أي التي يرويها راوٍ عن راوٍ بالجمع الكثير الذي لا يمكن تواطؤه على الكذب، فإذا كان حديثَ آحادٍ وفيه شيءٌ يتعلق بعصمة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، إذا أراد يهوديٌ أن يُؤثر على عقلِ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهذا عقائدياً غير مقبول، وإذا كان من طريق آحاد، فحديثُ الآحاد ليس بحجة.
فإذاً الأصحُ في التفسير أن النفاثات في العُقد هي النفوس التي تنشر الشرور مثل ما تَنْفُثُ الأفعى سمومها عندما تلدَغُ مَلْدُوْغَهَا سواءٌ بالنميمة أو الإفساد أو الإضلال، أو بالتحريض على المعصية، أو القطع عن الطاعة، أو بالبعد عن مجالس الخير وأهله، أو بالتحبيب بمجالس الآثام والمعاصي، أمرنا الله أن نستعيذ من شرِّ هذه النفوس التي تَنْفُثُ وتَنْفُخُ وتُلقي في العُقَد.

هناك من يَنْفُثُ الخير والحكمة
ويجب أن نتجه إلى من يَنْفُثُ فينا الخير والحكمة والنور والعلم وخشية الله ومحبته.
فالنَّفْثُ كما يكون في الشرِّ يكون في الخير، كيف تَنْفُثُ الزهور في الصباح؛ ماذا يَنْفُثُ الياسمين في الصباح؟ وكذلك الورود والزهور والزنبق ماذا تَنْفُثُ؟ الروائح المُنْعِشَة الطيبة الزكية، كذلك ورد في حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفَثَ في رُوعي: إنَّ نفْسًا لا تموتُ حتى تَستكمِلَ رِزقَها (3) }

[سنن ابن ماجه]

(إن روح القدس) يعني جبريل (نَفَثَ) نفثاً، يَنْفُثُ نفثاً فهو نافثٌ ونفاثٌ ونفاثةٌ ونفاثات، (إن روح القدس نَفَثَ)يعني ألقى وأوحى، والإلقاء والوحي للروح القدس والمَلَكْ من غير أن يظهر له جسمٌ أو يُسْمَعُ له صوت، كذلك بعض الأوقات تصحب صاحبك لخمس دقائق فيُفْسِدُ إيمانك ويُفسدُ تقواك ويستبدل أحباب الله بأعدائه وسعادتك بشقاء، ويوجد جليسٌ على العكس، الجليس الصالح في الحديث النبوي :

{ إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة(4) }

[متفق عليه]

كحامل المسك، إما أن يعطيك بلا مقابلٍ وبلا جُهدٍ فلا ترى إلا أن الله رفعك درجاتٍ بلا جهدٍ وبلا تعب، وإما أن يبيعك تعمل وتجتهد، وإما أن تشم منه رائحة طيبة، إلا تأخذ منه شيئاً، وجليس السوء كنافخ الكير الحداد إما أن يُحرقك بناره، أو يُؤذيك بشراره أو تشُمَ منه ومن دخانه رائحةً خبيثة، جعل الله جلساءنا أحباب الله، وجعل معشوقينا ومحبوبينا المقربين لله، فأعظم ما يُسعد هو الجليس الصالح والصديق الصالح.

الهجرة بمفهومها الحقيقي
لذلك كانت الهجرة في زمن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرضاً على كل مسلم، على الرجل أن يهُاجر وعلى المرأة أن تُهاجر وعلى الصغير الذي يُطِيْقُ أن يُهاجر، من مكة إلى المدينة، لا، لم يقل الله في القرآن من مكة إلى المدينة، قال:

وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)
[سورة النساء]

هل الله في المدينة؟ لا، الله عزَّ وجلَّ:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
[سورة الحديد]

لكن إذا كنت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقلبك وحبك وصدقك يَصيرُ قلبك أيضاً مع الله ذكراً وحباً وعشقاً ومجالسةً، ومن يُجالسُ الحدائق الغناء يشمُّ منها الروائح الزكية، فالنَّاس يظنون أن الهجرة هي إلى جدران وأرض المدينة، لا، المقصود إلى من يُعلِّمُكَ الكتاب والحكمة ويُزكِّيك، فقد تكون الهجرة في بلدك وأنت تُهاجر منها إلى حيث لا تجد من تُهاجر إليه، وإن كان المسجد الحرام والمسجد النبوي له ثوابٌ خاصٌ، ولكن يا تُرى هل المسجد أقدس وأعظم أم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكي، فيأخذ المسلم عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما هو أعظم وأكبر وأقدس، النَّاس يفرحون أنهم بنوا جامعاً، يُؤجرون ويُشكرون وهذا شيءٌ عظيم، ولكن قبل أن يبنوا الجامع يجب أن يُفكروا بالشَّيخ الذي يكون هو روح الجامع، يُعلم الكتاب والحكمة ويُزكي النفوس، إذا دفعوا لبناء الجامع عشرين أو خمسين مليوناً يجب أن يدفعوا للشيخ مئة مليوناً، إذا لم يرضَ إلا بمئة مليوناً فوالله هم الرابحون، تجد الأمر على العكس، يضعون مئة مليوناً، وعندما يأتي الشَّيخ يُذلِّونه ويَستضعفونه، كل شخصٍ يصبح باشا عليه آمراً وناهياً، والشَّيخ أيضاً لا يحمل معنى وحقيقة المشيخة فضاع المسلمون.

دور المسجد الحقيقي
ظنوا أن الإسلام يُبنى بالجدران والقبب والسجاد، مسجد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم طوال حياته وحياة أبي بكر رضي الله عنه ومنتصف خلافة عمر كانت أرضه تراباً لا فرش فيها لا سجاداً ولا حصيراً، وسقفه من جريد النخل، إذا نزل المطر كانوا يسجدون بين الماء والطين وليس له باب، هذا المسجد الذي وَسَّعَ الإسلام من أقصى مشارقِ إلى أقصى مغاربها.. المساجد الآن؛ المسجد الحرام كَلَّفَ مئات وآلاف المليارات، ولكن ما إنتاجه؟ هل سيُوزِّعَ العلم والحكمة ويُزكي النفوس كما كان إنتاج مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ السيارة والطائرة بحجمها أم بطائرها؟ إذا كانت بطائرها تكون طائرةً وإذا لم يوجد الطيار فالعربة التي يجرها حيوانٌ ستكون أفضل منها، والدراجة أيضاً توصلك أسرع منها، رزق الله المسلمين الفهم والفقه في الدين:

{ من يرد الله به خيراً يفقه في الدين(5) }

[صحيح البخاري]


الاستعاذة العلمية والعملية بالله
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) فاستعذت بالله والتجأت إليه، وقلت: يا ربي علِّمْنِي، فإذا علمك هل نَفَّذْتَ تعاليمه؟ وأمرك فهل نفذت أوامره وعملت بوصاياه؟ عند ذلك تكون صادقاً بقولك (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، فإذا استعذت بالله الاستعاذة العلمية والعملية يُعيذك من شرِّ ما خلق، يُعطيك تعاليماً تَقِيْكَ وتحفظك:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
[سورة الفاتحة]

وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
[سورة مُحمَّد]

إذا قال لك هذا سمٌ فاحذره، فشربته.. طلبت الهدى فأعطاك إياه فرفضته.

النفاثات تنفث الشرور في النفوس

وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
[سورة الفلق]

النفاثات هي النفوس التي تَنْفُثُ الشرور في النفوس من نمامين وحاقدين، ترى رجلاً يأتي إلى المسجد فتأتي نفسٌ شيطانيةٌ بهيئة صديق، ثم تقول لك: أتذهب إلى المسجد؟ هذا المسجد كذا والشَّيخ كذا وهذا كذا ..! كنت قرأت في ذلك النهار:

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
[سورة الفلق]

ثم جاءت النفاثات وتَنْفُثُ بك لتَحُلَّ عقدة الحب والإيمان في قلبك وحَلَّت لك العقدة ونَفَثَتْ فيك الشر والنفاق والقطيعة عن الله وعن أحبابه ومجالس القرآن، وتقول أنك تقرأ القرآن على قراءاته وبأحكام التجويد وتعمل بعكس ما تقرأ وما تسمع، وتنطرب بسماع القرآن، القرآن ليس نغماً، لأنه لو قرأ قارئٌ نفس الآيات وصوته ليس جميلاً يقول لك: لنغير الإذاعة، تصل لمطربةٍ تغني، فيقول: هنا توقف، إذاً هذا لا يريد الله ولا كلامه.
القرآن يُسمع لنَمْتَثِلَ أوامر الله ونجتنب محارمه ولنعمل بوصاياه، ثم نُعلِّمها للآخرين بذلك:

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
[سورة الإسراء]

حمانا الله من النفاثات.

أقرب الناس قد يكونون من النفاثات
في بعض الأوقات نفسك هي بذاتها تَنْفُثُ فيك، تُهَيِّئُ لك من الأفكار ما يقطعك عن الله وأحبابه وعمل الخير، مصداق قول النبي الكريم :

{ أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك }

[رواه البيهقي]

ولعلَّ أعدى عدوٍ لك وُلَدُك الذي هو من صلبك، أو زوجتك.. حمانا الله من النفاثات سواء كانت نفوسنا أو أصحابَنا أوجُلساءَنا في السهرات أو في القطار، علينا أن نكون دائماً يا بنيّ يقظين..
إذا دخل الرجل إلى بلدٍ فيها كوليرا أو ملاريا، كيف يكون يقظاً ؟ لا يشرب الماء حتَّى يغليه، يستعيذ من الملاريا بغلي الماء، إذا كان هناك كوليرا يستعيذ منها بالتلقيح والمصول التي ضد الكوليرا، وإذا استعاذ بالقول ولم يَستعِذْ بالعمل لن ينفعه.. تستعيذ من الجوع بالطعام، هذه هي الاستعاذة، بدلاً من أن تقول أعوذ بالطعام من الجوع، إذا أكلت وجبة طعامٍ هل تعيذك من الجوع أم لا؟ ولو لم تقل، وإذا قلت مليون مرةٍ أعوذ بالطعام من الجوع، والمائدة أمامك ولا تأكل، إذا رآك النَّاس ماذا يقولون عنك؟
فلا تدعوا أنفسكم مضحكةً للشيطان، يقول لك: اقرأ القرآن، تقرأه، الشيطان يحب من يقرأ القرآن من غير فهم، يحبهم كثيراً، يقول لك: قرأت ثلاث ختم، ماذا فهمت وعَمِلْت وعلَّمت؟ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: كنا نقرأ القرآن عشر آياتٍ عشر آيات، لا نقرأ العشرة الثانية حتَّى نفقه العشر الأولى علماً وعملاً وأيضاً كانوا في نفس الوقت أيضاً يُعلِّمون ثم نقرأ العشر الأخرى، فهمنا الله هذه القراءة، قراءة الأربعة عشر، هذه القراءة وحدها إذا أتقناها فيها الخير كله.

الأمر بالحذر من الحاسدين

وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
[سورة الفلق]

أيضاً أمرنا الله أن نحترز من الحاسدين، أعداء النعم الذين يريدون أن يشاركوا الله في ملكه، الله عزَّ وجلَّ يريد أن يُعطي إنساناً، الحاسد يغضب ويحقد على هذا المُعطى ويريد أن يؤذيه ويحاول إزالة النعمة عنه، فشرور الحسد كثيرةٌ وأول معصيةٍ وقعت في الأرض حسد إبليس لآدم، لما شرَّف الله آدم وأمر الملائكة بالسجود له، قال إبليس: لا أسجُد ، قال:

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)
[سورة الأعراف]

هذه الأنا هي الهوى.
إن الهوانَ هو الهوى قُصِرَ اسمه فإذا هويتَ فقد لقيتَ هوانا
{ الأصمعي }
الهوى مقصورة، الهواء ممدودة، هذه ليس بممدودة، فالهواء إذا قُصِر يصبح هوى، وإذا صار الهوى يُوقعك في الهوان والذل والحقارة في الدنيا والآخرة، (فإذا هويتَ فقد لقيتَ هوانا)فالله أمرنا أيضاً ؤأن نستعيذ من شر حاسدٍ إذا حسد، ومن الاستعاذة والحفظ من شر الحاسد تعليم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قوله:

{ استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود (6) }

المعجم الكبير للطبراني


أمثلةٌ عن الحسد
سيِّدنا يوسف عليه السَّلام لما رأى منامه المذكور في سورة يوسف، قال سيِّدنا يعقوب له:

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)
[سورة يوسف]

والحسد دائماً يكون من الأقران والأمثال، الأخ مع أخيه والضرَّة مع ضَرتها والجار مع جاره والتاجر مع التاجر إلا إذا نضج إيمان المؤمن ودخل في مدرسة الإيمان مع مُعلم الإيمان، حتَّى دخل نور الإيمان في قلبه فيُطَهِّرُ قلبه من الحقد والحسد وكل الرزايا والرذائل، فالحسد يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُحذر منه، فيقول:

{ دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحمَّد بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلام بَيْنَكُمْ (7) }

[سنن الترمذي]

(دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ) فسماه داءً ومرضاً، (الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ) .. إذا أغنى الله شخصاً لا تظن أن هذا أمرٌ كبير، قد يكون هلاكه في غِناه، وقد يكون غضب الله عليه في ثروته، يَمنَع الزكاة ويأكل الربا ويأخذه من حلالٍ وحرام، هذا هلاك وهذا حرام:

يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
[سورة التوبة]

صار حاكماً ووزيراً، لعلَّه يظلم النَّاس ويتعدى عليهم، هذه نكبةٌ ومصيبةٌ ومحنة، على ماذا تحسده؟ إذا أردت أن تَحْسُدَ ولا بد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها(8) }

[متفق عليه]

(لا حسد إلا في اثنتين) إذا كنت ستغار وتدب فيك الغيرة من نعمةٍ على إنسان يجب أن تغار من اثنين (رجلٌ آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الخير)، صار يُنفق المال في ما يحبه الله ويرضاه، في الفقراء وبناء العلم وتشجيع الإيمان ونشر الإسلام وكل عملٍ يعود بالقوة على هذا الدين: بتقوية رجاله وتأمين مأكلهم ومَشْرَبِهِم ومسكنهم وزواجهم وسكنهم، ابحث عن طالب علمٍ ينفع النَّاس اشترِ له بيتاً، والله هذا الغنى يُحسد صاحبه، هذا الحسد في الخير وعليه ويسمى غِبْطة.

الفرق بين الحسد و الغبطة
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ المؤمن يغبِط ولا يحسُد (9) }

[لم أجد تخريجه]

يَغْبِط يعني يتمنى أن تكون له مثل النعمة التي يراها عند غيره، أنعمَ الله على فلانٍ فيقول يا ربي أعطني مثله واحفظني من فتنة الدنيا، فكم وكم من أناسٍ كان الفقر خيراً لهم من الغِنى، لما كانوا في الفقر كانوا أتقياء وأصفياء وحريصين على التزوُّد من الدار الآخرة، فلما صاروا في الغنى:

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
[سورة الفتح]

الحَسد المحمود هو حَسد الغِبْطَة، المؤمن يَغبِط والمنافق يَحسُد، الحسد أولاً أن تكره المحسود، وتعمل على إيذائه وعلى أن تزول النعمة عنه، الضرَّة تسحِرُ ضرَّتها لكي لا يحبها زوجها، مع أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ من أتى ساحراً أو كاهناً أو عرافاً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على مُحمَّد (10) }

[سنن أبي داود]

هؤلاء النسوة اللاتي يذهبن ويعملن بالسحر يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن عملهن بأنه كُفر (من أتى ساحراً أو كاهناً أو عرافاً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على مُحمَّد)،السحر في هذا الزمان كله دجلٌ وكذب، لم تبقَ له حقيقةٌ إلا على البلهاء والبلهاوات والمجنونات اللاتي لم يتفقهن ولا تعلَّموا دينهم ولا يعرفون الحلال من الحرام.

الحسد والبغضاء
حمانا الله من الحسد، (دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم) ويأتي من الحسد البغضاء، تعاديه وما ذنبه؟ الضرَّة إذا كانت ضرَّتها جميلةً لماذا تعاديها؟ لأن الله زيَّنها وجمَّلَهَا، لتَغَرْ على الدين والتقوى، إذا كان تقياً كن تقياً أكثر منه، متديناً كن متديناً أكثر منه، منفقاً كن منفقاً أكثر منه، هو تعلَّم فأنت تعلَّم أكثر منه، وفقنا الله يا بنيّ وفَقَهَنا فيما يُسعدنا،(دَبَّ إليكم داء) فسماه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم داءً ومرضاً (داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء) يُبغِضُه ويُعاديه ويُؤذيه ويُشَوِّه سمعته ويحاول إضراره مالياً وسمعةً، ويعلم بنفسه أنه يكذب فيما يقول، (وهي الحالقة) لا أقول تحلِقُ الشعر ولكن تحلِقُ الدين، لا تدعُ له ديناً أبداً، يُؤذيه ويَضرُّه ويُشوِّه سمعته وهو كاذبٌ فيما يقول، ((دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة))(11).

المحبة من أسباب دخول الجنة

{ والذي نفس مُحمَّد بيده: لا تدخلون الجنة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتَّى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السَّلام بينكم (12) }

[سنن الترمذي]

(قُلْ) كلمة قل التي أوحى الله بها إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فبعد قل ماذا يوجد؟ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) بتعاليمه وأوامره وشريعته، الذي هو خالق الكون وخالق كل موجود،(مِن شَرِّ مَا خَلَقَ) من أنفسنا ومن القريب والبعيد والعدو وكل ذي شرٍّ الله آخذٌ بناصيته (وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)السافِرُ في الليل والصحراء أو في ظلمات الجهل ومسيرة الحياة والعمر.. يبقى غافلاً جاهلاً فاسقاً ضالاً مجالسه مجالس الإثم والضلال، وهذه هي الظلمات، ثم تُغطِّي على كل قلبه حتَّى لا يفرق بين الخير والشر وبين رضاه ومعصيته.

نفس الإنسان قد تكون من النفاثات
(وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) تَحذَرُ من نفسك أن تَنْفُثَ وتُلقي فيك ما يُباعِدُك عن الله وعن محابِّ الله وأحبابه وعن عمل الخير، تعمل الخير في بعض الأوقات ومساءً تصبح ومن دون أن يكلمك أحد تَنْفُثُ فيك نفسك عدم عمل الخير بأفكارٍ متعددة، ولذلك إذا أُلهم الإنسان عملاً لا يُؤخره إلى غدٍ، فلا يدري من هنا إلى غدٍ هل يَبقى ويُحفظ من شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء؟

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)
[سورة يوسف]

(وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) تكون هناك عقدة المحبة بينك وبين أحباب الله فيأتي شيطانٌ من شياطين الإنس يَنْفِثُ فيكَ لا بالشيء المادي بل بإيحائه وكلامه وجهله وشيطانيته، شياطين الإنس والجن :

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)
[سورة الأنعام]

الشيطان أعوذ بالله فيهرُب، أما شيطان الإنس فيحتاج جنزيراً يسحبه من رجله لتنتهي منه، فوفقنا الله وفقَهَنا في كتابه.

وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
[سورة الفلق]

فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويرزقنا من النفس من يَنْفُثُ فينا الخير كما كان روح القدس يَنْفُثُ في قلب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
إلا (إن روح القدس نفث) يعني ألقى (في روعي) في قلبي ونفسي (أنه لن تموت نفسٌ حتَّى تستكمل رزقها وأجلها)، (إن روح القدس نفث) يعني ألقى وأوحى (في روعي) في نفسي (أنه لن تموت نفسٌ حتَّى تستكمل رزقها)(13)
إذا فاتك شيءٌ فلا تحزن، إن كان رزقاً لك سيأتيك ولو أراد أهل الدنيا منعه، لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت، المحسودون الذين يُحسدون كم يتكلم عنهم النَّاس؟ أتمنع عطاء الله عنهم! فلتكن ثقتك بالله، (نفث في روعي أنه لن تموت نفسٌ حتَّى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله) كونوا مع رضاء الله (وأَجْمِلُوا في الطلب)، إذا أردت أن تطلب رزقك فليكن بشرفٍ وكرامةٍ وثقةٍ بالله.
ما كان لكَ سوفَ يأتيكَ على ضَعفك وما لم يكنْ لكَ لنْ تنلهُ بقوتك
{ علي الطنطاوي }
ولا يحملكم طلب الرزق والاستعجال به على أن تطلبوه بمعصية الله.

قصة عملية وواقعية
سأختم الحديث بقصةٍ عمليةٍ وواقعية، سمعتها من شيخنا وقد حدثت معه، يقول: كان هناك رجلٌ خادمٌ في الجامع الأموي أو أحد الجوامع وفقيراً ودرويشاً، ففي الظاهر أنه في يومٍ من الأيام جاع وليس معه ما يشتري به طعاماً، ولم يتنبَّه له أحد، سابقاً كان النَّاس حول الجامع يُحضرون الطعام لخادم الجامع، في طفولتي كان خادم الجامع كل يومٍ يأتيه طعامٌ من الجيران، خطيب القرى أيضاً هكذا، كانوا يَتفقدون شيخهم وخادم جامعهم، الآن لا يفكرون بشيخهم ولا بخادم جامعهم، لا يُفكرون إلا بشهواتهم وأهوائهم ولهوهم ولعبهم.. الخلاصة فهذا الخادم جاع وخرج من البيت وهو يعاني من الجوع، رأى باباً مفتوحاً وبشكلٍ لا اختياري رأى نفسه داخل المنزل، في المنزل كانوا يصنعون مكَبَّات من القصب يضعون الطعام تحتها، جوعٌ ومعاناة، رفع المكَبَّة فرأى طبقاً فيها طعام، جائعٌ وبلا اختيار أيضاً أخذ قطعةً وضعها في فمه وعضَّها وقبل أن يقطعها تذكَّر أنه دخل بيت النَّاس ويأكل من أموالهم وبلا إذنهم، فهذا حرام، فلم يُكمِل العضة وأعادها لمكانها وخرج من البيت، ولكن قطعة الطعام قد عُضَّ نصفها، لماذا لم يكملها؟ حرام هذا لا يجوز.. الخلاصة بهذا الدخول والخروج رآه الجيران، رأوا خروجه ودخوله.
فشاع الخبرُ في حيّهم، وصاحبة البيت أرملةٌ وغنيةٌ ولا يوجد عندها أحدٌ في البيت، قالوا هذه التي تُظهر نفسها جيدةً وصالحةً وتقيةً، يدخلُ الرجال عليها ويخرجون، وما أمسى المساء إلا وانتشرت القصة في الحي، وبلغها الموضوع، وهي ليست متزوجة، قالت: مادام هذا فأفضل شيءٍ لي أن أتزوج لأقطع لسان النَّاس عني، فبعثت إلى إمام الجامع وأخبرته القصة، وقالت له: اختَرْ لي، غني أم فقير لا فرق لدي، فقال لها: إذا أردت هناك خادم الجامع فهو رجلٌ صالح، وأنت ليس لديك أحد ولا تحتاجين رجلاً غنياً، فالمال عندك وأنت تحتاجين رجلاً صالحاً، قالت له: الذي تختاره أنت أياً كان، فقالت له: الآن، أحضرَ شاهدين والخادم، وقال له: جاءك الرزق، عقدوا العقد وأحضروا الشهود، لما انتهوا وأراد الشَّيخ الذهاب، فقالت له: إلى أين أنت ذاهب؟ أنت زوجي ابقَ في المنزل، لديك بيتٌ وزوجة، ولا زال لم يأكل وعلى تلك العضة، قال لها: والله هلَّا وضَعْتِ طعاماً.. ولم تنتبه لما وضعت الطعام أن هناك واحدةً معضوضةً فوضعتها فوق البقية، فلما قدمت وأرادوا أن يبدأوا بالطعام رأت القطعة المعضوضة فقالت: لا تؤاخذني، قطعةٌ معضوضة! وأنا لا يوجد أحدٌ عندي في المنزل، أنا لم أعُضَّها فمن فعلها؟ (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم الاستعجال بالرزق على أن تطلبوه من ما حرم الله).
فبكى الرجل، لماذا تبكي؟ لأني قدمت لك هذا الطعام؟ وأنا لا أعرف قدرك؟ والله لم أنتبه، فصار يبكي أكثر، أرجوك لا تؤاخذني.. قال لها: هل تعلمين من عضَّ الطعام؟ قال لها: السيد الذي أمامك، وقصَّ عليها القصة، فالشاهد والله:

وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
[سورة الطلاق]


القرآن شفاء من سوء الخُلق

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
[سورة الإسراء]

إذا كان لديك أمراضُ الحسد والحقد والبخل، أمراضٌ قد تجعلك حطباً لجهنم، يشفيك الله بالقرآن فهماً وعلماً وعملاً ومُرَبِّياً ومُزَكِّياً، إذا أردت تَعَلُّمَ الطيران من البائع المتجول هل تصبح طياراً؟ مهما بذل جهده وأخلص معك هل ستصبح أكثر من بائعٍ جوال؟ بالأماني لا يحدث شيء، فقصَّ عليها القصة من أولها لآخرها، قال لها: فأنا تركت شيئاً لله فعوضني خيراً منه في ديني ودنياي.
رزقنا الله الثقة به والإيمان به وصدق الإيمان بكلامه وحسن الفهم للقرآن، لا نقرأ القرآن للتلاوة فنقول: قرأنا جزءاً وجزأين، لا، كم فهمت وعمِلت وعلَّمت، وكما جاء في الحديث النبوي:

{ كُنْ عالماً، أو مُتَعَلِّماً، أو مُسْتَمِعَاً، أو مُحِبَّاً ولا تَكُنْ الخَامِسَةَ فتَهْلِكُ }

[أخرجه الطبراني]

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

كلمة بمناسبة حرب تشرين التحريرية
بعد يومين تأتيكم ذكرى حرب التحرير، أليس كذلك؟ يعني إسرائيل تَنْهَزِمُ لأول مرةٍ من الجيوش العربية، جيش مصر استطاع أن يحرر سيناء أليس كذلك؟ وجيشنا اجتاز الحدود ووصل إلى طبريا، ولو بقي الأمر على طبيعته يمكن كانت فلسطين قد تحررت، لكن دخلت أمريكا بكل القوات في المعركة بالشكل السريع المُفاجئ، جيوشها التي في ألمانيا أرسلت الدبابات بطاقمها تنزِلُ من الطائرة فوراً إلى المعركة، فكان الذي كان.. رحمة الله على شُهدائنا وهَيَأَ الله عزَّ وجلَّ للعرب والمسلمين معركة النصر الحقيقية.
أنا من وجهة نظري أنَّ النصر في طريق النصر أسهل وأضمن وأسرع من كل الوسائل التي يفكر بها رجال السياسة، الطريق التي أفكرُ بها هي التعريف بالإسلام للعالم الغربي، بهذه الوسائل الحديثة والأقمار الصناعية، والله أنا أضمنُ إذا هُيُأت قناةٌ أو اثنتين واحدة باللغة الإنكليزية والأخرى بالألمانية والأخرى بالفرنسية، ويُهيَّأ لها الدعاة الأكِفّاء الذين يُحسنون ترجمة الإسلام للإنسان الأوروبي، ويُوضع برنامجٌ للتعريف بالإسلام.. الإسلام في الفرد والمجتمع والوطن والعالم، إسلام السَّلام والتقدم والمَجد ووحدة العالم، والله أي دولةٍ تتبنى هذا المشروع والله ليُخلِّد الله اسمها في الأرض والسماء.

جهد الدعاة في الدعوة
أقرأ البارحة عن أحد شيوخ الطريقة النقشبندية، الشَّيخ ناظم القبرصي حفظه الله ووفقه له جولاتٌ في أوروبا وأمريكا، وأنتم بعينكم أيضاً وأنا رأيت هذا الشيء بعيني، أساتذة الجامعات في أمريكا، هل يوجد أبلغُ من أمريكا؟ والله كانوا بين يدي الإسلام مثل الأطفال الصغار، والله كانوا معي كُلَّ ليلةٍ يسهرون معي لبعد منتصف الليل كالأطفال في أحضان الأب والأم، في اليابان والاتحاد السوفييتي.. خالد بكداش رحمه الله في عدة جلساتٍ كان يقول ويُكرر وقالها الرئيس حفظه الله في الجبهة التقدمية هو الذي قالها لي من فمه لأذني خالد بكداش، سأله الرئيس قال له: أبو عمار بلغنا أن المفتي أسلَمَك، كان لما أقول له عن الإسلام يقول: الإسلام الذي أسمعه منك أضعه على رأسي، هذا زعيم الحزب الشيوعي في الشرق الأوسط.. في الكرملين وقلب موسكو لم يكن الموضوع أقل من هكذا.

تشويه بعض المسلمين للإسلام
هل يوجد أكبر من الكرملين؟ الكرملين كعبة الشيوعية في كل الدنيا، مع البابا هل يوجد أكبر من هذا؟ آخر كلمة قالها: إذا كان الإسلام هو هذا فأنا أقرأ القرآن كل يوم، وهذا الدرويش المسكين في حي الأكراد وفي هذا الجامع المتواضع الذي وسَّعه الله، إن شاء الله يكون واسعاً عند الله، هذا الإسلام يا بنيّ نحن نجهله، وتأتي فئاتٌ تنتسب إليه وتُشَوِّهه من حيث تريد أن تُكرِّمَه، هؤلاء الإسلاميون، في الجزائر لماذا قتلوا خمسين قتيلاً؟ الأفغان كل لحيةٍ تملأ الصدر وكل لفةٍ تكون ذراعاً.. هل هذا إسلام يا بنيّ؟ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ إذا الْتقى المسلمان بسيفَيهما ، فقتل أحدُهما صاحبَه ، فالقاتلُ و المقتولُ في النَّارِ قيل : يا رسولَ اللهِ هذا القاتلُ فما بالُ المقتولِ ؟ قال : إنه كان حريصًا على قتلِ صاحبِه (14) }

[صحيح البخاري]

والله أي دولةٍ مهما صَغُرَتْ إذا تبنَّت الإعلام الإسلامي ليس بأي شكلٍ فنُحضر أي رجلٍ يتكلم عن الإسلام وآخر عن الصَّلاة وآخر عن الصدقة، هذا شيءٌ حسن.. ولكن هذا له برنامجه الخاص للداخل وللخارج، هناك دولٌ عربيةٌ أقمارها الصناعية تُسمِّع العالم كله.

ضرورة وجود وسائل اتصال للدعوة حول العالم
والله هذه الدول إذا دعت حكماء العلماء والشيوخ ويَضَعُون البرنامج وكيف يكون البرنامج والتعريف بالإسلام، فبأقل من عام سوف نُغير الدنيا والعالم.. الأفارقة بنظر أمريكا وأوروبا شعبٌ متخلف، فالإفريقي يكون مؤمناً صادق الإيمان ويُسلم على يده أساتذة الجامعات، فأستاذ الجامعة الأمريكي ينقلب ويُقبل يد الإفريقي الأسود، فمن أصبح السيد والقائد ومن أصبح المَسُوْد والجندي؟ بالإسلام.. هذا الإسلام المجهول وبدلاً من أن يتعاون الإسلاميون مع حكوماتهم للنهوض بوطنهم وأمتهم واقتصادهم وأخلاقهم، يقومون بالعكس وهذا خطأ.
كثيرٌ من الإسلاميين في كثيرٍ من البلاد الإسلامية يفعلون هذا، يقتل المسلم أخاه المسلم، ويقولون الحاكم.. الحاكم يقول أنا مسلم، ولو قصَّر، فالمسلم مسلم، خالد بكداش يا بنيّ في جريدة السفير قرأت له تقريراً من صفحتين كاملتين، أفرد عموداً خاصاً لجامع أبو النور، ويقترح على الحكومة السورية أن أكون عضواً في الجبهة التقدمية، رحمه الله وغفر لنا وله.
النَّاس كلها بخير، لا يوجد أحدٌ في الدنيا يستطيع أن يُلحد إذا عُرِضَ عليه الإسلام بمعناه الحي، والإسلام بمعناه الحي أجمل من ملِكات الجمال، وأطيبُ رائحةً من الفلِّ والزنبق والياسمين، وأعظم في إعطاء الحياة من الشَّمس لسكان أهل الأرض، المفقود هو إيصال رسالة الإسلام إلى العالم وصارت الوسائل متاحةً ومهيأة، فمن يملك الوسائل هي الحكومات العربية والإسلامية.

على المسلمون أن يتعلموا دينهم وهم يدعون إليه
وأعظم من هذا أن يتعلَّم المسلمون الإسلام ليُعلِّموا الآخرين بأعمالهم وسلوكهم وبأنظارهم لا بآذانهم، فأسأل الله أن يُهيئ الوسائل الإعلامية بالأقمار الصناعية والدعاة الأكفّاء، يُعلِّمون النَّاس بأعمالهم وإخلاصهم وقلوبهم وصدقهم، وحرب التحرير جعلها الله قريبةً منتجةً مثمرةً منتصرةً لا في فلسطين فقط بل في العالم كله، معركة الأمة العربية لم تكن في أرضها، ولم تكن للمغانم والاستيلاء على الشعوب.. في الحوار بين ممثل الجيش الإسلامي مع الفرس، فسأله قائد الجيش الفارسي لماذا أتيتم وما غايتكم وما هدفكم؟ فقال له: إن الله ابْتَعَثَنا -المسلمين- لنُخرج العباد من عبادة العِباد إلى عبادة الله، لا تكون العبودية إلا لله، أما أن يذِلَّ الإنسان للإنسان، سنُعزُّ كل النَّاس، ولنُخرِجَهُم من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن الفقر إلى الغنى، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدالة الإسلام، أن لا يكون هناك مظلومٌ ولا مقهور.
هذا الإسلام يا بنيّ مجهول وخصوصاً عند هؤلاء الذين يُسمّون أنفسهم إسلاميين، في الداخل أو الخارج الذين قتلوا الرهبان السبعة في الجزائر، هذا شرعاً لا يجوز، المواطن أو المُهاجر أو الضيف أو الغريب شرعاً لهُ ما لنا وعليه ما علينا.. الخلاصة: فأنتم اعملوا على كل حالٍ بحدود إمكاناتكم واصدقوا الله، إذا صدقتم الله فيما تملكون يُمِدُّكم الله بما لا تملكون، والحمد لله رب العالمين.

الحواشي:
(١) سنن أبي داود، أول كتاب العلم، باب الحثُّ على طلب العلم، رقم: (3641). والتِّرمذيُّ، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682). سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (223).
(٢) اعتلال القلوب للخرائطي، رقم: (32)، (1/26)، الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (343)، (ص: 156)، الفردوس للديلمي، عن أبي مالك الأشعري، رقم: (5248)، (3/408).
(٣) سنن ابن ماجه، كتاب التِّجارات، باب: الاقتصاد في طلب المعيشة، رقم: (2144).
(٤) صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، رقم: (5534)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين..، رقم: (2628).
(٥) صحيح البخاري باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين (1/ 25) ورقم (71). ورواه الإمام مسلم في صحيح مسلم باب النهي عن المسألة (2/ 719) ورقم (100-(1037).
(٦) المعجم الكبير، الطبراني، (20/94). شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (6228) ، (9/34) و اعتلال القلوب للخرائطي (2/ 335) رقم680.
(٧) سنن الترمذي، أبواب: صفة القيامة والرقائق والورع، رقم: (2510)، أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، باب مسند الزبير بن العوام رضي الله عنه، رقم: (1412)، بلفظ:
((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحمَّد بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلام بَيْنَكُمْ)).

(٨) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، رقم: (73)، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب من يقوم بالقرآن ويعلمه، رقم: (816).
(٩) إحياء علوم الدين، (3/139)، وقد وذكرت في أحاديث الأحياء التي لم يجد لها السبكي إسناداً، (ص: 40).
(١٠) سنن أبي داود، كتاب الطب، باب في الكاهن، رقم: (3904).
(١١) سبق تخريجه.
(١٢) سنن الترمذي، أبواب: صفة القيامة والرقائق والورع، رقم: (2510)، أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، باب مسند الزبير بن العوام رضي الله عنه، رقم: (1412).
(١٣) سبق تخريجه.
(١٤) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، رقم: (4142)، صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما، رقم: (2888).