تفسير سورة التكوير 02
- 1995-05-19
تفسير سورة التكوير 02
|
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110[سورة آل عمران]
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)[سورة الأنفال]
إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)[سورة الأنبياء]
إذا أردنا الذهاب إلى الأردن لا نحتاج جواز، وإذا أردنا أن نذهب إلى العراق لا نحتاج جواز سفر، كان المسلم من إسبانيا إلى بكين كان يذهب بلا جواز سفر، اللهم اجمع كلمة المسلمين، هذا الدعاء، بعد الدعاء مطلوب منك العمل، إذا قلت اللهم ارزقني ولداً وأنت أعزب ماذا يجب أن تفعل بعد الدعاء؟ يجب أن تتزوج، وإذا دعيت ولم تتزوج هل سيتقبَّل الله دعائك؟! لذلك لا تكونوا داعين فقط، وكسالى بلا عمل. |
لتصل إلى أهدافك تحتاج مشيئتك ومشيئة الله:
أتى رجل إلى سيدنا عمر وقال له: جَرِبت جمالي، فادعو الله لي بشفائها، فقال له: أنا سأدعو لك ولكن اجعل مع الدعاء قطرانا، القطران هو دواء الجَرب. |
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)[سورة التكوير]
الله يقول لنا حتى تصلوا إلى أهدافكم تحتاجوا إلى مشيئتين، مشيئتك وإذا أنت شِئت يشاء الله عز وجل |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)[سورة محمد]
إذا شئت أن تنتصر مشيئة صادقة وإرادة حقيقية، لا تتخلف مشيئة الله بأن ينصُرك، وإذا كانت مشيئتك بالأماني وبالأقوال، اللهم انصرنا ولا تشتري السلاح! اللهم انصرنا ولا تقابل العدو! اللهم انصرنا. |
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)[سورة الأنفال]
لا تُهيئ القوة، فإن الله لن ينصرك، اجعل مع الدعاء قطرانا إلى آخره. |
درسكم اليوم ومحاضرتكم اليوم في تفسير سورة التكوير، ومرّ معكم في خاتمة سورة عبس وتولى قول الله تعالى: |
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)[سورة عبس]
الناس صنفان يوم القيامة:
والصّاخّة اسمٌ من أسماء يوم القيامة، لأنه عند حدوثها لِما يجري فيها من أهوال وزلازل ونسف الجبال، تظهر أصوات تصخُّ الآذان، قال: |
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)[سورة عبس]
من أهوالها الأخ إذا استغاث بأخيه يَفرُّ منه يقول نفسي نفسي. |
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ (36)[سورة عبس]
لا الزوجة تتعرف على زوجها، ولا الابن ولا الأب ولا الأم. |
لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)[سورة عبس]
كل واحد يقول: نفسي نفسي. |
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38)[سورة عبس]
مع كل هذه الأهوال المُرعبة، ما تجعل المرء في هذه الصفات الفرار من كل من يُحبّ ويعرف، طلباً لِنجاة نفسه، قال مع كل هذا (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ) مُضيئة بنور الله، مُضيئة بنور إيمانها، وأعمالها الصالحة. |
ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39)[سورة عبس]
لِما تُبشَر من طرف الملائكة، بُشراكم اليوم: |
لَا يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103)[سورة الأنبياء]
{ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ }
[صحيح البخاري]
أول ما بَدء بالحاكم العادل، الإسلام كيف يُقدِّر رجل الدولة ورجل السياسة، كيف يُركز عليه بأنه إذا عَدَل، وإذا كان مستقيماً مع الله عز وجل، فهو مُقدَّمٌ عند الله على كل عباد الله، بعد ذلك اعتنى بالشباب، قال: (وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ) كان المسجد في زمن النبي لم يكن هو الجامعة الأنثى، كان الجامع الذكر. |
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)[سورة النساء]
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(11)[سورة النساء]
|
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)[سورة يونس]
حُبّ النفس والهوى نوع من أنواع الشرك بالله:
النبي يقول: " ليس على أهل لا إله إلا الله"، نفى كل الآلهة وثبّت الله، لا عيسى الله، ولا الصنم الله، ولا هواك وأنانيتك أيضاً هذه آلهة، يا ترى تَعبُّد مع الله هواك ونفسك، ومطامعك المُحرَّمة؟ فإذا كنت هكذا مع نفسك وهواك فأنت لست موحداً لله، أنت لست من أهل لا إله إلا الله، لا تظنّ المُشرك فقط الذي يَعبُد عيسى أو يعبُد صنم، لا إذا عَبدت نفسك كنت عبداً لها، ولهواها، ولشهواتها، فأنت مشركٌ ويسمى هذا الشرك الخفي. |
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)[سورة الجاثية]
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39)) النبي يقول: كيف ضاحكة مُستبشرة من حين أن يبعث من قبره، النبي يقول:"ليس على أهل لا إله إلا الله وحشةٌ في قبورهم" يعني عند الموت وإلى قيام الساعة الروح في عالم البرزخ. |
لَا يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(103)[سورة الأنبياء]
(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) من هم الأولياء؟ الذين آمنوا بالله، بوحدانية الله، وقبل كل شيء يَنفي الأنا والهوى، وما يُسمى المصالح الشخصيّة التي حرَّمها الله عز وجل، من العدوان، أو أكل الحرام، أو الإقدام على الأعمال الحرام في الأخلاق، أو في الكلام، ومع الآخرين، " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشةٌ في قبورهم" يعني بعد الموت الإنسان يرى القبر، لكن الحقيقة الروح في عالم البرزخ بين الدنيا والآخرة، ولا عند نشورهم، في القيامة أيضاً قال: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشةٌ في قبورهم، ولا في بعثهم ونشورهم، كأني بهم يعني كأني أنا في ذلك الموقف لمّا يخرجون من القبور، يخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤوسهم قائلين: الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن". |
فإذاً مواقف القيامة على المؤمن حسب القرآن (وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) هذا في الآخرة، وإذا المسلم كان مسلم العِلم والحكمة والأخلاق، مسلم أداء فرائض الله، اجتناب مَحارم الله، حُسن الأخلاق والمُعاملة مع مخلوقات الله، هل الله سيُخيفه في قبره؟ أو في مواقف القيامة؟! |
الله ينقل المؤمن إلى نعيم أعظم وإلى حياة أفضل بعد مفارقة الجسد:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(30)[سورة فصلت]
هذا عند الموت، أما بعد الموت وقبل القيامة. |
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (69) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(169)[سورة آل عمران]
|
أسفر الصبح وانجلى وتلالى، (ضَاحِكَةٌ) من النعيم الذي كانت فيه، و(مُّسْتَبْشِرَةٌ) بالنعيم الأعظم الذي ستتجه إليه. |
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)[سورة عبس]
القسم الثاني عليها غبرة، غَبرة الغضب الإلهي، وغبرة الشقاء الذين أصابهم بمعصيتهم لله. |
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)[سورة عبس]
القترة الشُحار ، غبرة وسواد وشحار |
أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)[سورة عبس]
الكفرة بالله، الفجرة، الظالمين، الجَائرين، المُسيئين المُعاملة مع عباد الله، هذا درسكم الماضي. |
الإيمان الحقيقي أن تفعل ما يطلبه هذا الإيمان منك:
الآن أنتم في درس إذا الشمس كورت، كان نبيكم العربيُّ الهاشميّ القرشي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ مَن سرَّه أن يَنظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنه رَأْيَ عينٍ! فليقرأْ إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت. }
[أخرجه الترمذي وأحمد]
يُصور القيامة مقدمتها وواقعها. |
نحن المسلمين يا ابني كأننّا لا نقرأ القرآن، لو قرأنا القرآن بما يجب أن يُقرأ حسب مواصفات القرآن في القراءة الله يقول: |
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)[سورة البقرة]
لمّا أنت تؤمن بالعسل الإيمان الحقيقي، وقُدِم لك العسل، ما مقتضى إيمانك بالعسل؟ تقبل أم ترفض؟ ولمّا تؤمن بالعقرب أو بالأفعى بمواصفاتها القاتلة ورجل قدَّم لك أفعى ويُمسكها من رقبتها وقال لك: امسكها من ذيلها، يا ترى هل تقبل أو ترفض؟! فالإيمان إذا ما اقتضى أن تفعل بما يُوجبه الإيمان لذلك الشيء، فأنت مُؤمن اللسان كافر القلب. |
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)[سورة المائدة]
إذا عرفت شيك فيه مليون ليرة وأنت تاجر وتعرف الشيك، وقُدّم لك شيك بمائة ألف وقال لك هذا هدية، أو مليون وأنت مؤمن أنه شيك، ما مقتضى الإيمان ترفض أو تقبل؟ تَعبس بوجهك أو (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39)، وإذا أحضر لك صحيفة قديمة ومُتّسخة وقال لك هذه أكبر أو أوسع يا ترى تقبل أو ترفض؟! الله يجعلنا مؤمنين الإيمان العملي، لا إيمان الغرور، لأننّا مؤمنون بالكلام، أو الإيمان الذي يتناقض مع أعمالنا وأخلاقنا وسلوكنا، كان الإنسان العربي وهو بدوي أُمّي لا يقرأ ولا يكتب، كان أخلاق العرب إذا وعد وفّى، وإذا قبل الشيء لا يتراجع عنه، كان يأتي أحدهم إلى النبي ويقول: عِظني يا رسول الله وأوجز، كلمتين مُختصرين فالنبي يقول له: |
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)[سورة الزلزلة]
إذا عملت من أعمال الخير ولو مثقال الذرَّة، الذرَّة التي تُرى بشعاع الشمس، فهذه الذرَّة لو انقسمت إلى سبعين جزء، وعملت من الخير واحد من سبعين من الذرَّة، قال: سترى مكافأة من الله عليها في الدنيا والآخرة. |
وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)[سورة الزلزلة]
ومن يعمل مثقال ذرة شراً، كذلك سيرى عقابه من الله في الدنيا أو الآخرة أو فيهما جميعاً، فهذا البدوي الراعي الأُمّي لا شهادات ولا جامعة، قال: تكفيني تكفيني، عِظني وأوجز أعطاه موعظة مُختصرة وأوجز، وانصرف وهو يقول: كفتني كفتني، فقال النبي الكريم في شأنه: أفلح الأعرابي إن صَدَق. |
مُقدّمات يوم القيامة:
فالآن نحن في سورة التكوير يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم |
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)[سورة التكوير]
فمعنى تكوير الشمس إذا بَطَلَ نِظامُها، وانعدم إشعاعها ونورُها، وتفكَّك وتمزق جُرمُها وجسمها، وصارت ذرّا ت مُتمزقة في الفضاء، إذا حصل هذا الشيء، هل تدري يا أيها الإنسان ماذا سيكون مصيرك؟ وهو المصير الأبدي في ذلك الوقت. |
(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) إذا واحد قال لك جاء الرئيس أو رئيس الوزارة، تقول: وماذا سيحدث؟ ثم لم يجيبك قال: |
وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ(2)[سورة التكوير]
|
المُراد من قراءة القرآن العِلم ثم العمل:
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)[سورة القمر]
للذكر يعني للفهم شيء مفهوم وواضح، هل من فاهم؟ هل من مُتذكر؟ هل من واعي؟ هل من عامل؟ لكن الله يقول: |
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)[سورة ق]
|
دايان قائد معركة ألف وتسعمائة وسبعة وستون هل تتذكرونه؟ له كلمة يقول فيها: "إنَّ العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون" المُراد من القراءة يا ابني العِلم ثم العمل، فهذا يحتاج إلى مُربي النفس حتى النفس تفتح أُذُنها الداخلية، الحيوان يسمع بإذنه الخارجية، أما الإنسان مطلوبٌ منه أن يسمع بالإذُن الخارجية والأذُن الداخلية، الله قال: |
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)[سورة الأنفال]
يعني بالأذن الخارجية (وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) يعني بالأُذن القلبية وبالأُذن التفكريّة، ولمّا الله قال: |
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)[سورة البقرة]
ما معنى ذلك بالنسبة للجوارح الجسديةّ؟ بالنسبة للجوارح النفسيّة والعقلانيّة والفكريّة، فما لم نفهم الأمور وكلام الله، لو أتتك ورقة من رئيس المخفر، تقرأها بفهم وعِلم وتحمُّل المسؤولية، وإذا من مدير الشرطة أبلغ وأبلغ، وإذا من وزير الداخلية أعظم وأعظم، إذا من رئيس الوزارة؟ إذا من رئيس الجمهورية! فهؤلاء أعظم أم خالق الكون؟! ومُبدع وفاطر السماوات والأرض هو يُكلمك، هو يُخاطبك، والذين سمعوا فأحسنوا السَمع، والذين علموا فطبقوه بالعمل، ماذا كانت نتيجة سماعهم وتنفيذهم لأوامر الله؟ جعلهم الله أعظم رجال التاريخ الإنساني وإلى قيام الساعة، لم يُحرروا أنفسهم، لم يُحرروا فلسطين، ولا سوريا، ولا الأردن، ولا العراق، ولا مصر، حرّروا نصف العالم القديم، إلى الآن خمسون سنة كل العرب يُنشدون الوحدة ما استطاعوا أن يُوحدّوا بلداً مع بلد، أما بقرآن العِلم والعمل والمُربي، المُربي يا ابني ليس المهم خصوبة الأرض، وليس المهم فقط جودة البِذار، وحُسنِه، المهم المُزارع الذي يحرث الأرض والذي يُحسن البِذار، والذي يُحسن السِقاية، والذي يُحسن التعشيب، والذي يُحسِن التسميد، والذي يُحسِن الحصاد، فإذا ما وجد المُزارع فالبِذار تأكله الطيور والأرض تبقى بُوراً كما قال تعالى: |
بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)[سورة الفتح]
بوراً إما بور كالأرض المُعطّلة، أو بوراً قوماً هلكى من البوار، الله يوقظنا ويوقظ بنا، فإذا كنت نائم على سكة القطار، والله أرسل إليك من يوقظك، وتسمع صفير القطار من بعيد ماذا يتوجب عليك؟ تبقى على السكة ورقبتك على السكة؟! وإذا أنت وقفت ورأيت أخوك جنبك نائم ما واجبك هل تتركه؟ النبي يقول: |
{ انفذْ على رسلِك ؛ حتى تنزلَ بساحتِهم ، ثم ادعُهم إلى الإسلامِ ، و أخبرُهم بما يجبُ عليهم من حقِّ اللهِ فيه ، فواللهِ لأنْ يهْدي اللهُ بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أنْ يكونَ لك حُمرِ النعمِ }
[الألباني صحيح الجامع]
فالله عز وجل يقول بالسورة عن مواصفات القيامة مثل فيلم إلهي يصور لكن بطريق الكلام وبطريق الكتابة (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)؟ وسكت، فأنت يجب أن تسأل ماذا سيحصل بعد ذلك؟ حدِّثنا، ثم يقول لك (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ)؟ النجوم ستتساقط وتفقد نورها ونظامها ووجودها وتتفكك ولا يبقى لها وجود، حسناً وإذا النجوم انكدرت ماذا سيحدث؟ قال: |
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)[سورة التكوير]
الجبال لن يبقى لها وجود. |
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)[سورة ص]
سهل لا وجود لأثرٍ من الجبال. |
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (5)[سورة القارعة]
مثل القطن المنتوف هباءً منثوراً. |
حدِّثنا يا رب إذا الجبال سيّرت ماذا سيحدث؟ لم يخبرنا ماذا سيحدث، قال هناك أشياء أُخرى يجب أن تعرفوها قبل حتى أُخبركم ماذا سيحدث. |
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)[سورة التكوير]
ما العشار؟ الناقة تحمِل اثنا عشر شهر، فلمّا تصل للشهر العاشر ماذا تُسمى؟ العُشراء، فكان العرب باعتبارهم أصحاب المواشي يعملون بالغنم، والبقر، والماعز، والجِمال، والإبل، كان أغلى أموالهم وأعزَّها كانت الإبل وإذا كانت مُعشِّرة، فالبقرة المُعشِّرة أغلى أم الغير مُعشِّرة؟ يعني أغلى أموالك تُعرِض عنها من أهوال يوم القيامة. |
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)[سورة الزلزلة]
والجبال إذا نُسفت، والبحار إذا تفجرت واجتمعت بعضها إلى بعض، فأهوال وأهوال، وأهوال ماذا سيكون؟ لم يُجيبنا، فإذا العرب أغلى أموالهم العِشار والنوق، وأصحاب الأبنية والتجارات، والأسواق، والشركات، ماذا سيكون؟ يُعرضوا عن أموالهم كما أعرض البدو عن جٍمالهم وعن مواشيهم؟ لمّا تصير الزلازل، والصواعق، والجبال، تطير وكذا |
وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ(11)[سورة المعارج]
ترى أبوك فتُعرض عنه، ترى أمك تُعرض عنها، يبصّرونهم |
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)[سورة عبس]
ففي ذلك الوقت هل ستسأل عن سيارتك المرسيدس؟! عن أبنيتك التي أخذتها وتريد أن تكسوها، هل تفكر بالكسوة، إذا خاطب امرأة وتريد أن تعقد عليها هل ستفكر بالزوجة والعروس والعقد والمحكمة، وإذا العشار، وإذا الأموال، وإذا كل ما هو غالي عليك في الدنيا يتعطل ولا تُفكر فيه لِعِظم الأهوال التي تكون مُقدمة للقيامة، وللسَوق إلى محكمة الله، لتُحاسَب على أعمالك ولو بمثاقيل الذرِّ والخردل. |
الإسلام يريد منك أن تكون نظيفاً من الداخل ومن الخارج:
لماذا الله يقول: |
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(4)[سورة التغابن]
|
لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29)[سورة المدثر]
فالإنسان، الحيوان، السبع، والضبع، النمر إذا قتلك لا يُخرب لك بيتك، أما هذا الإنسان إذا قتلك يُخرب لك بيتك فوق رأسك، فوق الأطفال، وفوق النساء، ويمنع عنك الماء، واخترع الآن القنابل الوبائيّة، يُرسل لك الأمراض الجرثومية، لا الأفاعي فعلت ذلك، والحيوان كل ما في الأمر إما بدافع الجوع أو دفاعاً عن النفس لأنه إنساني، لا يعتدي، الآن إذا رأيت أفعى هل يهجم عليك أم يفرّ منك؟ وإذا هجم عليك مثل الأسد بسبب الجوع، أما إذا كان غير جائع الأسد فقط معدته تكون ممتلئة، لا يريد مخزن للطعام لا يملأه كل ما في الأرض، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، علَى المِنْبَرِ بمَكَّةَ في خُطْبَتِهِ، يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقولُ: لو أنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وادِيًا مَلْئًا مِن ذَهَبٍ أحَبَّ إلَيْهِ ثَانِيًا، ولو أُعْطِيَ ثَانِيًا أحَبَّ إلَيْهِ ثَالِثًا، ولَا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرَابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تَابَ. }
[صحيح البخاري]
فقط عندما يأتي سيدنا عزرائيل يشبع، أما قبل سيدنا عزرائيل يقول لمعدته هل امتلأتِ؟ وتقول هل من مزيد؟ |
فأتى الإسلام حوّل إنسان الجسد إلى إنسان النفس، إلى إنسان الفكر، إلى إنسان العمل، أعماله إنسانية، تفكيره إنساني، أخلاقه، معاملاته إنسانية، حكم فعدل، حكم فعلّم، حكم فحارب الفقر، كان كل نصراني في بلاد الشام كانت تعامله الدولة الإسلامية إذا كان مديناً وعجز عن أداء دينه، فالدولة هي التي تدفع دين المديون النصراني أو اليهودي، يعني الضمان الاجتماعي إذا بلغ سن الشيخوخة وعجز عن العمل كان يُرتب له راتب ما يقوم بكفايته وليس ربع الراتب، الآن التقاعد كم يُعطوه؟ هذا إذا كان موظف عند الدولة، أما في الإسلام الضمان لكل أفراد الشعب بقطع النظر عن دينه أو لونه أو قوميته. |
مسؤولية المسلم أن يتعلم ثم يعمل ثم يُعلِّم وبذلك يكون مسلماً:
|
مرّةً النبي خطب على منبره قائلاً: |
{ ما بالُ أقوامٍ لا يُفقِّهون جيرانَهم، ولا يُعلِّمونهم، ولا يَعِظونَهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم؟! وما بالُ أقوامٍ لا يتعلَّمون من جيرانِهم، ولا يتفقَّهون! ولا يتَّعِظون؟! واللهِ لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم، ويُفقِّهونهم، ويعِظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم، ولَيَتَعَلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم ، ويتفقَّهون، ويتَّعِظون، أو لأُعاجِلنَّهم العقوبةَ. ثم نزل. فقال قومٌ : مَن ترونَه عَنِيَ بهؤلاءِ؟ قال : الأشعريِّينَ، هم قومٌ فقهاءُ، ولهم جيرانٌ جفاةٌ من أهلِ المياهِ والأعرابِ فبلغ ذلك الأشعريِّينَ فأتوا رسولَ اللهِ فقالوا: يا رسولَ اللهِ ! ذكرتَ قومًا بخيرٍ، وذكرتَنا بشرٍّ، فما بالُنا ؟ فقال: لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم وليَعِظُنَّهم، وليأمرُنَّهم ، ولينهونَّهم، وليتعلمَنَّ قومٌ من جيرانِهم ويتَّعظون ويتفقّهون، أو لأعاجلنَّهم العقوبةَ في الدنيا . فقالوا: يا رسولَ اللهِ! أَنُفَطِّنُ غيرَنا ؟ فأعاد قولَه عليهم، فأعادوا قولَهم: أَنُفطِّنُ غيرَنا؟ فقال ذلك أيضًا. فقالوا: أَمهِلْنا سنةً ، فأمهلَهم سنةً، ليُفقِّهونهم، ويُعلِّمونهم، ويعِظونهم . ثم قرأ رسولُ اللهِ هذه الآيةَ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ الآية }
[الألباني صحيح الترغيب]
إذا صرت عالِم يجب أن تُعلِّم، يعني الضمان العلمي، ليس فقط لأستاذ المدرسة، كل من تعلم شيئاً يجب عليه أن يُعلِّمه للآخرين من أمور العِلم والخير، ولا يفقهونهم إذا أراد أن يبيع بيعة وهو بسيط وأرادوا أن يشتروها بثمن بخس، يكون سعرها ألف وهو سيبيعُها بثلاثمائة هذا يكون قليل الفقه قليل الذكاء، وأنت تفهم الحقيقة يجب أن تنصحه، الزوجة مع الزوج إذا لا تعرف أن تحيا معه وتُحسن معاملته، جارتها إذا كانت تعرف الحياة الزوجية الناجحة يجب أن تُفقه جارتها وتنصحها أن تعمل كذا وكذا، فالضمان العلمي، والضمان الأخلاقي، والضمان في نجاح المجتمع، الأفراد كلهم مُتكافلون مُتضامنون، ولا يأمرونهم بالمعرف، إذا رأيت واحد تارك واجب فالإسلام يوجب عليك أن تذكره بالواجب فيؤديه، ولا ينهونهم عن المنكر، إذا رأيت أحد يعمل شيء يؤذي نفسه أو يؤذي غيره من أبناء المجتمع، مثل الشرطي إذا رأى مُنكر في قانون السير ألا ينهى عن المنكر؟ وكذلك يكتب مُخالفة، والدولة إذا رأت موظف عسكري أو مدني يجيد في أداء عمله، تشجعه على عمله في أدائه للمعروف، ثم قال: ( وما بال أقوامٍ لا يتعلمون من جيرانِهم) لم يجعل المسؤولية فقط على العالِم أن يُعلِّم، وجعل المسؤولية على الجاهل أن يذهب إلى العالِم ليتعلم منه، ثم قال: (أو لأعاجلنَّهم العقوبةَ في الدنيا) واجب العالِم أن يُعلِّم، يعلمن جيرانهم، ويفقهنهم بأمور الدين وأمور الدنيا، إذا جارك يعمل بعمل يضره ولا يعرف يجب أن تفقهه، (واللهِ لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم، ويُفقِّهونهم، ويعِظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم، ولَيَتَعَلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم ، ويتفقَّهون، ويتَّعِظون، أو لأُعاجِلنَّهم العقوبةَ)، هذا نبيُّكم العربي، هذا هو وحيّ السماء، هذا هو: |
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3)[سورة النجم]
ما القانون؟ التعليم إجباري، ومع الإجباري مجاني، المُعلِّم لا يأخذ أجر. |
لِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)[سورة الشورى]
الإسلام رفع من شأن العرب ففتحوا نصف العالم:
فبتطبيق الإسلام المُحمدي النبوي القرآني، ماذا كان شأن العرب بعد وجود هذه المدرسة؟ عمر كان وسيط للجِمال في السوق بين البائع والشاري، وأبو بكر كان بائع أقمشة، وفي مكة ومكة كانت قرية صغيرة في ذلك الوقت، وبهذا الذي اسمه الإسلام قرآناً ومُعلماً، قرآناً ومُربياً بأقل من مائة سنة فتحوا نصف العالم، ليس فتح استعماري وتسلطي وسلباً ونهباً، وإفساداً في الأرض، فتح تحرر للشعوب من الاستعمار، ومن الخرافة، ومن الفقر، ومن الجهل، ومن الأُميَّة حتى كانوا جديرين وأهل لقول الله في القرآن: |
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)[سورة آل عمران]
|
{ طلبُ العِلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ }
[أخرجه الطبراني والبيهقي]
والطلب من أين يطلب العِلم من الجدران أم من الإنسان المُعلِّم؟ فنريد الإنسان المُعلِّم الذي يُعلمنا الإسلام مثل الطيار الذي يُعلِّم الطالب الطيران بالصحبة والمُجالسة، طائرة التعليم كم مقود يكون فيها؟ يكون فيها اثنان واحد للمُعلِّم والثاني للتلميذ المُتعلِّم، لا يَتعلم الطيران بالمحاضرات، بالمحاضرات بإذنه، وبالممارسة بعينه وبيده، بذلك يصير الجاهل طياراً. |
أهوال يوم القيامة:
(وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ)، يا رب أخبرتنا(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)؟ إذا قلت لك إذا جاء الأمير ماذا سيحدث؟ لا يوجد جواب، (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)؟ ماذا سيحدث؟ (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ)؟ ماذا سيحدث؟ قال: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ)، حسناً أخبرنا الشمس، والنجوم، والجبال، والعِشار، كل الناس أعرضوا عن أموالهم، وعن آبائهم، وعن أمهاتهم، من الأخطار والفزع الأكبر |
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)[سورة التكوير]
الأرنب والغزال يجتمع مع الضبع ومع السبع ومع الذئب، لا السبع والذئب يُفكر أنه يأكل الغنم، ولا الغنم يخطر ببالها أن الذئب يريد أن يأكلها من الهول، من الزلازل، والصواعق، لخراب الدنيا وطيران الجبال، تتطاير كل صخرة بحجم المسجد وأكبر وأصغر، فلا يبقى للوحوش عقل، ولا يبقى فيها رُعب من بعضها البعض تجاه هذا الرُعب الأعظم الأكبر، حسناً أخبرنا وإذا حشرت الوحوش ماذا سيحدث، قال: |
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)[سورة التكوير]
|
وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)[سورة الإنفطار]
تتفجر، ثم بعد ذلك الطبقة الصوانيّة تنهار فإذا انهارت تُخرِج النار، فالمياه تشتعل والأرض كلها تنقلب إلى حطبةٍ وجسمٍ محترق، يا رب ماذا سيحدث بعد ذلك؟ قال: |
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)[سورة التكوير]
الإسلام أنقذ المرأة من الوأد ومن الاحتقار:
|
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)[سورة الإسراء]
فيا ترى الإسلام أتى أساء إلى العرب أم أحسن إليهم؟ جمعهم أم فرقهم؟ أغناهم أم أفقرهم؟ أذلَّهم أم أعزَّهم؟ّ جَهلهم أم ثَقفهم؟ أليس حرام أن يكون لنا هذا الإسلام وهذا التاريخ ونحن نجهله؟! أو نحن نُعاديه؟ أو رجل الدين بذاته يحتاج إلى تعليم أكثر مِمَن لا يعلم الدين، يفهمُه فهماً عكسياً، بدل أن يَجمع يُفرّق! بدل أن يُحبّب يزرع العداوة والبغضاء! بدل أن يُعلِّم الحكمة يُعلِّم الخُرافة! وكذلك كل بذرٍ لا يُنتج إلا ما هُيّئ له من قانون الإنتاج، تزرع بذر الشوك يخرج شوكاً، ورد يخرج ورداً، كذلك الأرض هي العقل والفكر، والبذر هي العلوم والتعليم، فإذا تعلمت عِلماً صحيحاً يُنبت في عقلك الأمور الصحيحة، النافعة، المفيدة والعكس بالعكس. |
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)[سورة التكوير]
|
{ من كانَ لَهُ ثلاثُ أخواتٍ أو ابنتانِ أو أختانِ فأحسنَ صُحبتَهنَّ واتَّقى اللَّهَ فيهنَّ فلَهُ الجنَّة }
[ضعيف الترمذي]
وقاء من نار جهنم، يا سلام يعني في الآخرة لا يوجد جهنم ولا نار إذا أكرمت الأنثى من أول وجودها! بعد أن كانوا يئدوا الأنثى حسب القرآن يقول: |
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)[سورة النحل]
يقول يا سواد وجهي وليس المراد سواد اللون، المُراد الخزي والعيب الذي يَلحقُه بحسب مجتمعه، (وَهُوَ كَظِيمٌ)غضبان وحزين، وكثيراً ما يترك بيت الزوجية، لا يدخل لأنّ زوجته ولدت له البنت، والآن يوجد أُناس فيهم شيء من الجاهلية، إذا زوجته أنجبت له البنات إما يغضب، أو يحزن، أو يتزوج عليها، أو يطلقها، رغم أنه علمياً الذكورة والأنوثة من خصائص جسد الرجل وليس جسد المرأة، الحيوان المنوي في الرجل إذا كان ذكراً ولقّح البويضة في المرأة يأتي الولد ذكر، وإذا كان الحيوان المنوي في الرجل أنثى ولقّح البويضة في المرأة يأتي المولود أنثى، فإذا أردنا أن نعمل العقوبة على أساس سبب الذكورة والأنوثة فيجب أن تتزوج المرأة عليه، تقول له أنت ذريتك كلها بنات، ولكن في الإسلام هذا لا يجوز، ولذلك بعضهم كان يهجر زوجته، فإحداهنّ كانت تقول: زوجها يقال له أبو حمزة وهي ماذا تكون أم حمزة، فولدت أنثى والمرة الثانية أنثى فهجر البيت، ولم يعد إلى بيته فقالت: |
مـا لأبـي حَمـزةَ لا يَأتـينا يَظـلّ في البيتِ الّذي يَلينا غَضـبان أَن لا نـلدُ البَنـينا ليس لنا من شأننا ما شينا حـكمة ربٍ ذي اقتـدار فيـنا{ زوجة أبي حمزة الضبي }
ينام في بيت الجيران لأنه أنجبت له البنات، لكن لو عرفت ما كُشف الآن من العِلم الحديث من الذكورة والأنوثة مصدرها مِن مَن؟ يجب أن هي التي تحزن، فأتى الإسلام فقضى على هذه العادة الخرافية، الجاهلية، الجاهِلة، الظالمة . |
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)[سورة التكوير]
إذا وضِعت المحكمة أول قضية يحكم الله بها حسب سورة التكوير، إنصاف المرأة والنُصرةُ لها، قبل كل شيء قال أنت لِمَ وأدّت الأنثى؟ بعد أن يُعطي للمرأة حقها في محكمة العدل الإلهيّة، يتجه إلى بقية المخلوقات. |
أعمال الإنسان كلها مُسجلة في كتابٍ لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة:
(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) كل إنسان أعماله مُسجلة في صحيفته، أمير، مأمور، صغير، كبير، ملك، مملوك، ضابط، عسكري، مدني، غني، فقير، مليونير، متسول، (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) |
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)[سورة الكهف]
كتاب أعمالك الذي سُجلت فيه، لمّا يروا أعمالهم مُسجلة في الكتاب الإلهي، في المحكمة الإلهية وقاضيها الله عز وجل، لا يرتشي ولا يخفى عليه خافية، والمحكمة لنصرة المظلوم من ظالمه، والمُعتدي من المُعتدى عليه، (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) يعني هذا الكتاب لا يترك صغيرةً من أعمالنا ولا كبيرةً، إلا أحصاها (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) كله مُسجل، يا ترى مسجل على الآلة الكاتبة؟ أو بالإذاعة شريط إذاعة صوت؟ أم على الفيديو صوت وصورة؟ |
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)[سورة النور]
هذا الفيديو تشهد عليهم ألسنتهم، وأيديهم، سارق الفيلم مأخوذ من أول السرقة لآخرها، الضرب، السبّ، الشتم، الغش، كيف يخلط الماء بالحليب، وكيف يخلط السمن النباتي بالسمن الحموي، وكيف يبيع القماش الرديء باسم القماش الجيد، ويحلف الأيمان الكاذبة، ويُعرض الفيلم أمام جبار السماوات والأرض. |
(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)، يا ترى أنت المسلم والمسلمة لمّا تقرأوا القرآن، تتذكر موقفك لمّا تُنشر صُحفك، وتظهر مخازيك، وفجورك، وعدوانك، وغشُّك، وفسقك، هل تفكر؟! وأنك أمام الله لا يوجد محامي، ولا تستطيع أن تكذب، ولا يوجد رشوة، ولا يوجد شفيع. |
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ(28)[سورة الأنبياء]
العدل الحقيقي:
|
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُون (48)[سورة البقرة]
لا أحد يستطيع أن يُنقذك، كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: |
{ يا بَنِي عبدِ مَنافٍ، اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ، يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ، يا أُمَّ الزُّبَيْرِ بنِ العَوّامِ عَمَّةَ رَسولِ اللَّهِ، يا فاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، اشْتَرِيا أنْفُسَكُما مِنَ اللَّهِ لا أمْلِكُ لَكُما مِنَ اللَّهِ شيئًا، سَلانِي مِن مالِي ما شِئْتُما. }
[صحيح البخاري]
توبوا إلى الله استقيموا، أهل بيتي لا أستطيع أن أنفعهم إذا كانوا يمشون على الخط الأعوج. |
فبهذه الثقافة القرآنيّة التي هي الإسلام، قامت الدولة وقام المجتمع الإسلامي على الحكم، والدولة، والحكمة، والعِلم، والأخلاق، والفضائل، قامت الدولة والأمة والشعب ولا محكمة في كل الجزيرة العربية، لا محكمة صلح، ولا جزاء، ولا جِنايات، ولا استئناف، ولا تَمييز، ولا شرطة ولا سجون، بهذه التربية المُذنب يأتي إلى النبي ويقول: يا رسول الله زنيت فطهرني، فعلت الذنب الفلاني فعاقبني، فنفس المُذنب يكون هو الحاكم والقاضي على نفسه، المُذنب هو القاضي، والحاكم والمحكمة، وهو الشهود وهو البينة، فيا ترى هذا أرقى أم ما عليه أمريكا وأوربا والعالم الذي يسموه المُتحضر؟ |
|
فنحن المسلمون يا ابني إذا لم نرجع إلى الإسلام، إسلام العِلم، إسلام المُعلِّم، إذا أردت أن تصبح طيار تحتاج لطيار يُعلمك الطيران، إذا أردت أن تصبح حداد تحتاج لمُعلِّم يُعلمك الحدادة، إذا أردت أن تصبح مُزارع تحتاج مُعلِّم أستاذ زراعة، أما تصبح طبيب من غير أساتذة طب؟ّ لا يمكن، هل في مكان تصليح الأحذية ومع العمال هل هناك تصبح طبيب؟! أو صيدلي( طلبُ العِلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ). |
في محكمة الله تُنشر الأعمال على الملأ:
(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)، تُنشر أعمالك على الملأ الأعلى، وبالإذاعة الإلهية، تعالوا وشاهدوا فلان ماذا فعل في حياته الدنيا، سَرق، نَهب، ظَلم، قتل، غَشّ، اعتدى، لم يرفع رأسه بأوامر الله، لم يَتورع عن محارم الله، لم يُفكر في الآخرة ولا في محكمة الله، تُنشر أعماله (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)، كيف الجرائد والصحف لمّا تُنشر، إذا فيها خبر عنك سيء ماذا يحصل معك؟ تقول لقد فُضحت، هناك مع الفضيحة يوجد جهنم، ومع الفضيحة يوجد عذاب، (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)، ما الحال يا رب؟ الله لم يجيب، بل زاد وقال: |
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)[سورة التكوير]
جهنم يضعوا فيها كل أنواع الوقود من المازوت، إلى الحطب، إلى الفحم الحجري، على حسب محروقات يوم القيامة. |
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11)[سورة التكوير]
السماء التي نرى فيها الشمس والقمر تنكشف، مثل جلد الغنم إذا انسلخ يظهر اللحم. |
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)[سورة إبراهيم]
ننتقل بعد مُفارقة الأجساد إلى عالم الله به أعلم (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ)، ننتقل إلى سماء غير هذه السماء وعالم غير هذا العالم، ماذا سيحدث قال: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) جهنم مستعدة لاستقبال الزائرين والحاجزين، الذين حجزوا لأنفسهم في الدنيا مكان في جهنم، فأنتم أين تحجزون ؟ |
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)[سورة التكوير]
صارت على مرأى من الإنسان في مواقف القيامة فأنت أين حجزت؟ الحجز الآن يا ابني، والثمن الآن. |
ثمن الجنّة أن تكون نفسك وهواك تِبعاً لأوامر الله:
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)[سورة التوبة]
هذا هو الثمن، يريد نفسك وهواك تكون تَبَع لأوامر الله، تكون مُتخرج من مدرسة الله، مُثقف بثقافة الله، لمّا العرب دخلوا هذه المدرسة وكانوا الطلاب النُجباء، وأخذوا أحسن العلامات بماذا الله كافأهم في الدنيا قبل الآخرة، كافأهم حسب وعده الإلهي: |
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
|
مـحـمـدُ هـل لهـذا جـئت تـسـعى وهـل لك يـنـتـمـي هـمـلٌ مـشاع{ أحمد الصافي النجفي }
يعني يا محمد، هل أنت جئت إلى هذه الدنيا حتى العرب هكذا يكونوا، أمة تنهب منها ما شاءت، تأخذ من أموالها، ومن أراضيها، ومن كرامتها، ومن عِزها ما تشاء، محمد هل لهذا المصير جئت تسعى؟ والله محمد يقول ما لهذا أنا جئت، جئت لأجعلكم أعزّ، وأشرفَ، وأقدس فمن تبعني كان أعزّ شعوب العالم، وأسعد شعوب العالم، وأرقى شعوب العالم، وهـل لك يـنـتـمـي هـمـلٌ مـشاع. |
أإســلامٌ وتــغــلبــهــم يـهـودٌ وآســادٌ وتــقــهــرهــم ضــبــاع{ }
ممكن الضبع يأكل الأسد؟! ممكن إذا كان الأسد ميت يأكله الضبع، بل يأكله الجرذ وتأكله الدبور، أمّا إذا كان حيّ لا أحد يتجرأ فهو ملك الغابة. |
أيــشـغـلهـم عـن الجُـلّى نـزاعٌ وهـــذا نـــزعُ مــوتٍ لا نــزاع{ }
الجلّى الأمر العظيم الخطير وقت يختلفوا يتنازعوا. |
شَـرعـتَ لهـم سـبيل المجد لك أضاعوا شرعك السامي فضاعوا{ }
يختلفوا على توافه الأمور سواءٌ السياسيين، وسواءٌ رجال الدين، رجال الدين عملوا الإسلام خمسمائة إسلام، ورجال السياسة عملوا البلاد العربية أشكال وألوان، ومثل قطع الشطرنج وإلى آخره والفسيفساء، يا ليت فسيفساء فالفسيفساء لها منظر جميل. |
(وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) اثنا عشر مرة الله يقول إذا وإذا ماذا سيحدث؟ الآن سيقول لنا ماذا سيحدث؟ قال: |
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14)[سورة التكوير]
أعمالنا كلها مُسجلة في كتابٍ (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، وظهرت الأحكام الإلهيّة وإذا هي (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا). |
أعمالنا ستُعرض علينا أمام عظمة الله وأنبياء الله وملائكة الله:
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)[سورة الإسراء]
اللص لمّا جرم السرقة تظهر، القاتل جرم القتل يظهر، الغشاش الغشّ يظهر، (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ)، عندما نقرأ هذا، يا ترى ماذا أحضرنا في صحائف أعمالنا التي ستُعرض في محكمة الله، وتُعرض علينا أمام عظمة الله، وملائكة الله، وأنبياء الله؟! |
والله يا ابني الآن (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ)،العرب خصوصاً والمسلمون عموماً من أندونيسيا إلى بلاد المغرب يا ترى هل في عزةٍ ؟ في وحدةٍ؟ في تقدمٍ؟ في قوةٍ؟ كانوا قادة العالم، كان العالم يأتون إلى بلاد المسلمين يتعلمون العلوم، العلوم ليس علوم الصلاة والصوم، كل العلوم الطبيعية، والفلكية والطبيّة، وكل العلوم الحضارية ، لمّا كانوا يقرأون القرآن بفهم، ويوجد المُعلِّم الحقيقي والمُدرِّب الحقيقي، الكتاب مهما كان عظيماً إذا ما وجد مُعلِّمه الكتاب وحده لا يُفيد، الآن المصحف موجود بين أيدينا؟ ماذا نستفيد منه؟ لا نُحسن قراءته ولا فهمه، المُسجل يقرأ القرآن، الآن اسأل الشريط ماذا فهمت؟ لا روح فيه ولا عقل؟ فإذا كنا نحن والشريط سواء في عدم الفهم، وفي الجهل، وعدم التطبيق والتنفيذ. |
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)[سورة الفرقان]
نحن الآن في هُجران مع القرآن، في هُجران وانفصال عن الله، عن هداية الله، بأسماء سميناها ما أنزل الله بها من سلطان، فكل واحد منا يا ابني لا تقول الحاكم والحكومة والدولة، لا، كل منّا مسؤول، القرآن ليس باللغة التركية، ولا الكردية، ولا الهندية. |
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)[سورة الشعراء]
|
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)[سورة آل عمران]
كُن دعاة إلى الخير لا دُعاة الشر، نصنع الخير لا نصنع الشر. |
(وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)، إذا رأينا واحداً تاركاً واجب من الواجبات الاجتماعية أو الإلهية نأمره برفق و بحكمة وبإحسان، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)هذا التكافل العِلمي، والاجتماعي، والأخلاقي، فصار المجتمع كأنه الجسد الواحد. |
{ مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى }
[صحيح مسلم]
(عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ) فالصحابة لمّا قرأوا هذا القرآن، وهم بدوّ، وأعراب، ومتقاتلين ومتعادين، الحرب بينهم من أجل فرس تدوم أربعين سنة، لمّا قرأوا القرآن مع المُعلِّم المُربي المُزكِّي من أي شيءٍ كانوا وإلى أي شيءٍ صاروا؟! |
نعود إلى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ(2)) اثنا عشر صفة من صفات أحوال القيامة ستة قبلها، وستة عند حدوثها، لأجل أن يزرع الله في قلوبنا أننا سنُحاسب وأنَّ أعمالنا محفوظة غير ضائعة (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ). |
فيا ترى معاني هذه الآيات، هل أنتم الآن آمنتم بها؟ يا ترى هل صار عندكم الشعور القوي أنَّ أعمالكم محفوظة وستُعرض عليكم، وستُحضَّر في مواقف القيامة في محكمةٍ الله قاضيها، وأعضاءنا وجوارحنا شهودٌ علينا، وبحضور الأنبياء والمُرسلين؟ |
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)[سورة المائدة]
فهل تعاهدوني على ما سمعتم من سورة التكوير أن تنقلوها من السماع إلى العمل، إلى أن تُشاهد في أعمالكم، وتُشاهد في تبليغها لِمن لا يعلمها بذلك نكون آمنّا بالقرآن. |
اللهم اجعلنا من المؤمنين عِلماً، وعَملاً، وتعليماً، ودعوةً إليك، وإرشاداً لخلقك. |
{ الخلْقُ كلُّهم عِيالُ اللهِ، وأحبُّهم إلى اللهِ أنفَعُهم لعِيالِه. }
[أخرجه الطبراني وأبو يعلى والبزار]