تفسير سورة التين

  • 1996-03-08

تفسير سورة التين

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات وأعطَرُ وأكرَم التحيات على سيِّدنا محمَّدٍ المبعوث رحمةً لكل شعوب العالم ليُنقذها مِنَ الظلمات إلى النور ومِنَ الجهل إلى شرف العِلم ومِنَ العداء إلى المحبة والتعاون والإخاء ليبنيَ العالَم أمَّةً واحدةً وليُهيِّئ لها دولةً عالميةً واحدة، توزع العدالة والمساواة وضمان الحياة بكلِّ أنواعها وفروعها على قدمِ المساواة حتى لا يكون في المجتمع الإنساني فقيرٌ إلى العِلم، جاهِلٌ بالحقائق وضعيفٌ مظلوم، ولا يوجد قويٌّ جائرٌ مُعتدٍ حيث المجتمع الإسلامي بحقيقته لا يجتمع مع وجود القضاة والمحاكم والسجون.

فضائل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم :
أقام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم نواة هذه الدولة بلا شرطةٍ ولا قضاةٍ ولا محاكمٍ ولا سجون، كان المذنِبُ هو قاضي نفسه يحاكمها ويقودها للسجن، وكان السجن هو المدرسة والمشفى لمعالجة أمراض النفس، فيدخل المذنِب المسجد ويربِطُ نفسه بساريةٍ وعامودٍ من سواري المسجد فيحلف أن لا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتى يموت أو يتوب الله عليه، خُيِّر بين موت ضميره وأخلاقه ونفسه وبين موت جسده وبدنه وحياته الترابية فاختار موت الجسد إذا كان هناك خطرٌ على موت النفس وفضائِلها، فأعطَرُ التحيات وأكرَم الصلوات على هذا النَّبيّ العظيم، الذي ما وَرَدَ مثله في تاريخ الإنسان، فإبراهيم أبو الأنبياء ووُجِدَ في العراق واصطدم بالنمرود وألقاه في النار وبمعجزةٍ أنقذه الله منها وما كان له مِنْ طاقةٍ إلا أن يترك بلده ويفرَّ هارباً ومهاجراً، وفي طريقه إلى مصر اغتصب ملكها زوجته سارة ولم يستطع أن يحميها لولا أن تداخَل الله بمعجزةٍ فأنقذها وأنقَذ عِرضه، لم يستطع أن يفعل شيئاً.
موسى عليه السَّلام كذلك فرَّ منهزماً مِنْ فرعون حيث يُقتِّلُ ذكورهم ويستحيي نساءهم ويُبقيهن في الحياة، واعترضه البحر الأحمر فإما الغرَق وإما إهلاك فرعون له ولقومِه، وتداخَل الله فجفف له البحر وأنقَذه.
وسيدنا المسيح أراد اليهود أن يقتلوه ويصلِبوه ولم يستطع أن يُدافع عن نفسه ورسالته فتدخَّل الله عزَّ وجلَّ وأنقَذه مِنَ المشنقة بأن ألقى شبه صورته على أحد المجرمين.
أما خاتَم النبيين صلَّى الله عليه وسلَّم فماذا فعل مع أعداء الإنسان وأعداء التقدُّم والتطوُّر والعقل والعِلم؟ قتلوه أم قتَلَهم؟ وصلبوه أم صلَبَهم؟ وهزموه أم هزَمَهم؟ تمكنوا مِنْ تحقيق ضلالهم وهمجيتهم وتخلُّفهم أم فَرَضَ العِلم والتقدم والحكمة والنهوض لبناء نواة الأمّة والدولة العالمية ودخَل مكة عاصمة الأصنام، ثلاثمئة صنمٍ حول الكعبة حطمها في ساعةٍ واحدةٍ بعد أن حطَّم رؤوس كلَّ مَنْ ملأت رؤوسهم عبادة الأصنام، ولم يخرج مِنَ الدنيا حتى أسس نواة الأمّة العالمية لا فضل فيها لأبيضَ على أسود ولا استعلاء لقويٍّ على ضعيفٍ ولا نسيان غنيٍّ لفقير، قال:

{ مَا آمنَ بي مَن باتَ شبعانًا وجارُه جائعٌ إلى جَنبِه وهوَ يعلَمُ (1) }

[المعجم الكبير، للطبراني]

كان الأنبياء قبْلَه يُرسَلون إلى قومِهم، يا قومي يا قومي:

لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
[سورة الأعراف]

أما سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم الله قال له:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)
[سورة الأنبياء]

لكلِّ شعوب العالَم أبيضهم وأسودهم، ولا فضل لغنيٍّ على فقيرٍ ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، يعني التفاضُل بالعِلم والعمل لا بالنَّسب ولا اللون ولا العنصرية، فمهما صلَّينا عليه فحقُّه على الإنسانية أعظَم وأعظَم، ولو أن إنسان هذا العصر عَرَفَ هذه الحقيقة لتحوَّلت الحروب وأسلحتها المُدمِّرة إلى محارِيث وأدواتٍ للبناء والزراعة والتصنيع ولما وُجِدَ فقرٌ في العالَم ولا مريضٌ مُهمَل ولا مظلومٌ لا يجد مُناصراً، صلَّى الله على سيدنا محمَّدٍ نبيِّ الرحمة.
ومع كلِّ ما أتى به لم يستعلِ على نبيٍّ مِنَ الأنبياء قبله، بل قال:

{ مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهِ، يَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِلَّا هَذِهِ اللَّبِنَةَ، فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةَ }

[صحيح مسلم]

(مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا) أي بناء الأنبياء قبله (فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةَ)(2).

لا خير إلا في عالِم ومتعلِّم:
الإنسان يُحاول أن يكتشِف الفضاء ويكتشِف الأبعاد بين النجوم وبالسرعة الضوئية، أما كان الأولى والأحرى أن يبحث عن شيءٍ في أرضِه وعالَمه ليُحقق له سعادته التي هي فوقَ ما يُفكِّر بها ويتعشَّقها ويحرِصُ عليها!
المسلمون مسؤوليتهم عند الله كبيرة في أنهم لم يعرفوا نبيَّهم المعرفة الحيَّة المثمِرة المنتجة والدافعة إلى المعالي والسعادة والإخاء بين الأمم، لذلك على كلٍّ منّا أن يجتهد ليكون مُسلماً حقيقياً لا مُسلماً مزوَّراً، الشيك إذا كان مزوَّراً ولو حَمَلَ مئة مليون دولار، فكلَّما كان المبلغ أكبر تكون الكارثة على حامِله أفظع وأخطر، فإسلامٌ مزوَّرٌ كالشيك المزوَّر.
جدِّوا لتتعلموا الحقيقة عِلماً عملياً لننقل العِلم مِنْ صفحة الفكر والفهم إلى صفحة العمل والتطبيق ثم التعليم للآخرين، وكما قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ليس مني إلا عالمٌ أو مُتَعَلِّمٌ }

[ضعيف الجامع]

{ النَّاسُ رجُلانِ : عالمٌ و متعلمٌ ، و لا خيرَ فيما سواهما (3) }

[مسند الفردوس للديلمي]

(لا خيرَ) أي أنا بريءٌ مِنْ عالِمٍ لا يُعلِّم ومِنْ جاهلٍ لا يتعلَّم، أي فيلسوفٍ مِنْ حين ما خَلَق الله الدنيا وأيُّ نبيٍّ مِنَ الأنبياء قام دعوةً ورسالةً بعد ذلك نجاحاً وانتصاراً وهو أميٌّ وأول كلمةٍ نزَلَت في كتابه المُنزَلِ عليه:

اقْرَأْ (1)
[سورة العلق]

وأول سورةٍ مبدوءةٍ بكلمة (اقْرَأْ) وجُعِلَ عنوان السورة اقرأ، وعنوان السورة الثانية بعد اقرأ وأولها:

ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
[سورة القلم]

(ن) يعني الدواة (وَالْقَلَمِ) أحلِفُ بالدواة والقلم (وَمَا يَسْطُرُونَ) دواةٌ وقلمٌ وكتابةٌ هي قسَم الله ويمينه ليُنبِّه الإنسان إلى قدسية القراءة والكتابة التي هي أبواب ومفاتيح العِلم.

إهمال المسلمين لقرآنهم:
هذه السورة يقرَؤها المسلمون الآن على الأموات، فهل الأموات استفادوا وفهموا وانتفعوا من هذه السُّور؟ إذا حُرِمَ الإنسان في حياته من أكلِ الحلويات، فعند موته ودفنه، إذا دفناه بنصف طنٍ بقلامن الحلويات فهل تُفيده شيئاً بعد الموت؟ كذلك القرآن بعد الموت إذا هجَرَه في حياته فهل يقبَلُه القرآن ويُسعِدُه بعد وفاته؟ فالصلاة والسلام على محمَّدٍ خاتَم النبيين والمُرسلين الذي كان يقول:

{ لا تُفَضِّلوني على يونُسَ بن متَّى }

[ورد في الأثر]

عندما تَرَكَ أمر ربِّه في تعليم قومِه مللاً وإعراضاً منهم وحَبَسَه الله في الحوت، لذلك في سورة الصافات لما يَذكر الله إخوانه مِنَ الأنبياء كلَّ نبيٍّ يقول عنه مثلاً:

سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)
[سورة الصافات]

أما يونس لم يقل سلامٌ على يونس، ولكن في آخر سورة الصافات قال:

وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)
[سورة الصافات]

أتاه السلام بالشكل العام، يعني ترك الرسالة ضجراً وضعف تحمُّلٍ على حمل أعبائها، قال: (لا تُفَضِّلوني على يونُسَ بن متَّى)(4)، فالصلاة والسلام على هذا النَّبيّ العظيم وعلى إخوانه مِنَ النبيين والمُرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وآل كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين:

شرح سورة التين:
هذا اليوم درسكم في التين والزيتون، سورة التين والزيتون، يقول الله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ هذه الواو اسمها واو القسم، لما يحلِفُ الإنسان ويُقسِم يُحضِر الواو فيقول والله وَرأس أبيك، وإن كان القسم محدداً في الشرع بالقسم بأسماء الله عزَّ وجلَّ، فالله يحقُّ له أن يحلِفَ بمخلوقاته، أما الإنسان فلا يحقُّ له أن يحلِفَ إلا بخالِقه وبربِّه، أقسم، مَنْ المُقسِم والحالِف؟ الله، بماذا يحلِف؟ يحلِفُ بالتين، هل يظهر لأنه كان يُحبُّ التين أو الزيتون؟

بلد التين والزيتون:
المقصود أقسِمُ ببلد التين والزيتون التي هي فلسطين التي وُلِدَ فيها السيد المسيح في بيت لحم وفلسطين وبلاد الشام وفلسطين هي جزءٌ مِنْ بلاد الشام هي بلاد التين والزيتون، يعني أحلِفُ ببلد التين والزيتون، أحلِفُ ببلد الشام، لأنه يقول:

{ ما مِنْ نبيٍّ إلا مِنها أو هاجَرَ إليها (5) }

[تاريخ دمشق لابن عساكر]

إبراهيم هاجر من العراق إلى بلاد الشام وفلسطين، ومعنى هذا الحَلف إشارةٌ إلى أنها بلادٌ مُقدَّسة، يا ترى القدسية في أحجارها وترابها؟ لا، القدسيَّة في وجود أساتذة السماء الذين أوجَدَهم الله فيها فتقدَّست بلاد الشام بالإنسان ولم يتقدَّس الإنسان بالتراب والأحجار، مكة وادٍ في صحراء، وادٍ غير ذي زرع، بماذا صار مُقدساً؟ صار مُقدساً بإبراهيم الذي بنى مسجد الكعبة، صار مُقدساً بولادة سيدنا محمَّدٍ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وولادة نبوَّته ورِسالته.

عناية الإسلام بالزراعة:
يقول الله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ ولماذا ذَكَر الله التين والزيتون كعنوانٍ على هذه البلاد؟ للعناية بالشجرة وبأهمية غرسِها، كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في هذا المضمار:

{ ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ (6) }

[صحيح مسلم]

(يَغْرِسُ غَرْسًا) أي يزرع شجرةً، أي أنَّ الأجر والثواب لغارِس ذلك الغرس وزارِع ذلك الزرع، كما أنك إذا صليت يُعطيك الله الثواب والأجر، قال: كذلك إذا جعلت الصحراء جنَّةً خضراء فهذه عبادةٌ تؤجر عليها وهذه عبادةٌ تُؤجَر عليها، أقِمْ الصلاة هذا أمرٌ إلهي:

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
[سورة القصص]

أليس هذا ترغيباً إلهياً بالاهتمام بأمور الدنيا؟ ثم لما يُعلِّمُنا أن نطلب:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

الحياة الحسَنة في الصحة والمال والعِلم والحكمة والعقل والأخلاق (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً).

القسم بأماكن بعثة أصحاب الكتب السماوية الثلاث:
والتين والزيتون، سُمِّيت السورة بسورة التين، ويمينٌ آخر قال: ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ الطور جبلٌ مثل بقية الجبال، طور سيناء، فلماذا يحلِفُ الله بجبالٍ وصخورٍ وأحجار؟ هل يحلِفُ بشيءٍ بهذا المستوى؟ لا، هذا رمزٌ لأن جبل الطور حصَل سيدنا موسى عليه السَّلام فيه على شرف وقدسيَّة مُكالمة الله له وعلى نزول التوراة عليه، ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا﴾ وأقسِمُ بهذا ﴿الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ وهو مكة وسُمِّيَ أميناً لأن مَنْ دخَله كان آمناً، فلو لقِيتَ القاتِل لأبيك أو ابنك في هذا البلد فحرامٌ عليك أن تمسَّه بسوءٍ قدسيَّةً وتقديساً لبلدٍ وُلِدَ فيه نبيُّ الإسلام والقرآن محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أنه وادٍ في صحراءٍ لا ماء فيه ولا شجر:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
[سورة إبراهيم]

صار مُقدَّساً يحلِفُ ربُّ العزة به، وجَمَعَ مراكز ظهور الأديان الثلاثة الإبراهيمية، دين موسى عليه السَّلام بتوراته وعيسى بإنجيله وسيدنا محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم بالقرآن الكريم، لماذا جمَعَهم؟ ليُبيِّن لنا أنَّ أديان الله مصدرها واحدٌ وهو الله جلَّ جلاله، وهدفها واحدٌ وهو النهوض بالإنسان ونقلُه مِنَ ظلمات الجهل والتخلُّف والظلم والطغيان والعدوان إلى نور العِلم والتقدُّم والرَّحمة والتعاون والتآخي.
وكما يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث آخر:

{ وَالأنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ (7) }

[صحيح البخاري]

أي أن شرائعنا مِنْ مصدرٍ واحدٍ ومِنْ جنسٍ واحد، ديننا واحدٌ لأن مصدره واحدٌ وهو الله وهدفه واحدٌ وهو تحقيق سعادة الإنسان بوسائل السعادة مِنَ العِلم واستعمال العقل وتغذيته بالحكمة وتزكية النفوس وتطهيرُها مِنْ رذائلها وشرورها إلى فضائلها وكمالاتها.

بناء المجتمع والعالَم في القرآن الكريم:
ولذلك النَّبيّ في القرآن كما نقرأ فيه حياة سيدنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم في بناء الإنسان فرداً وأسرةً وعائلةً ومجتمعاً ووطناً وأمةً ثم أمماً ليكون العالَم أمّةً واحدةً وعائلةً واحدةً أو:

{ مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى }

[صحيح مسلم]

فإن حصَل بؤسٌ على شعبٍ مِنَ الأمّة فإن هذا مثل إصبعٍ في الجسم فيجب على كلِّ الجسم الإنساني أن يقوم لإصلاح ذلك الخراب ومعونة ذلك الشعب، في أفغانستان الحرب والمجاعة والأمراض والأوبئة:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
[سورة الحجرات]

أتى بإخوَّةٍ تشمل كلَّ نوعِ الإنسان وبيَّنَ حقوق الإخوة بعضها على بعض: أن تزوره كلَّ فترةٍ وفترة، وتُفتِّش عن حوائجه إذا كان محتاجاً لشيء، وتعوده إذا مرِضَ وتساعده على مرضِه، وتبرُّه وتسعِفُه إذا افتَقَر:

{ لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه (8) }

[صحيح البخاري]


جمع الله عزَّ وجلَّ عائلة الأنبياء الإبراهيميين في سورة التين:
ففي هذه الآيات الثلاث: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ جَمَع الأديان الإبراهيمية الثلاثة مقدَّسة، هي يمين الله الذي يحلِفُ به، وأتى القرآن وإذا بنا نجد به عائلة الأنبياء الإبراهيميين، مِنْ إبراهيم إلى إسحاق وإسماعيل ويعقوب وسليمان وداود وإلى إلياسين وهو إلياس إلى لوطٍ عليهم السلام..

إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
[سورة الأنبياء]

عصبة الأمم مِنْ قبل وهيئة الأمم الآن هل حققت العدل وكَفَّ الظالِم عن المظلوم كما فعَله المسلمون لما جعلوا القرآن دستورهم وقانونهم؟

قصة القبطي والعدالة المطلقة:
قبطيٌّ واحدٌ مِنَ الشعب في سباق الخيل سَبَقَ ابن عمرو بن العاص، فغضِبَ ابن فاتح مصر كيف يسبقه شخصٌ مِنْ عامّة الناس وهو ابن ملك مصر تقريباً؟ فضربه بالسوط وبالقضيب على رأسه مُترفعاً وقائلاً: أنا ابن الأكرَمين! ويبلغ الخبر إلى عمرٍ رضي الله عنه فيستدعي عمرو بن العاص فاتِحَ مصر وابنه الضارِب وبحضور القبطي المضروب المظلوم ويقول عمر للقبطي: خُذْ القضيب واضرِب ابن الأكرَمين كما ضرَبك، فيضرِبُه.
وقال أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: نُحبُّ أن يضربه، يعني لا يوجد أحدٌ انتصر لقوميته أنَّ القبطي يضرب العربي، أو انتصر لإسلامه لأن النصراني يضرب المسلم، فهذه إهانةٌ للإسلام؟ لا، كان الانتصار للحق والعدالة والإنسانية، فلما شبِعَ واشتفى وأوقَف الضرب قال له: اضرِب بالسوط على صلعة أبيه عمرو، القائد الفاتح وهو لم يضرِبه ولا عنده عِلم، فقال عمرو: ما ذنبي يا أمير المؤمنين؟ ابني هو مَنْ ضرَب وأخذَ قصاصه، فقال: إن ابنك ضرَب القبطي النصراني بسلطانك وجاهِك فأنت شريكٌ في الجريمة، لو لم تكن أنت الحاكم وهو ابنك لا يجرؤ على أن يعتدي على النصراني المُستضعف، فقال القبطي: لا يا أمير المؤمنين، وانتهى الأمر.
فهذه القدسيَّة التي أعطاها الله عزَّ وجلَّ لدين الله لأنها العدل المطلق والمساواة لكلِّ الناس والضمان الاجتماعي في الطعام والغذاء والأمن والعِلم والتعاون والتآخي، العالِم الغربي الآن يبعث الأدوات إلى الفضاء ليكتشف المجهول لعلَّه ينتفِعَ به، أما كان الأولى والأحرى أن يعمل الجهد ليكتشف الإسلام؟ وكيف بأقلَّ مِنْ مئة سنةٍ وبالوسائل البدائية قبل أربعة عشر قرناً كيف استطاع أن يُوحِّدَ نصف العالَم القديم أمّةً واحدةً وبعشرات اللغات وبمختلف الألوان واللهجات أمَّةً واحدةً ودولةً واحدة، لا يوجد فيتو للقوي على الضعيف، إنما الفيتو للعدل على الظلم وللضعيف على القوي إذا انتقَصَ وهضَمَ حقه، ألا يستحقُّ هذا النَّبيّ الكريم الذي أكرَمَه الله بهذه الرسالة أن نُصلِّي ونُسلِّم عليه؟ هو الذي أحيى سيرة جده إبراهيم وأخوَيه موسى وعيسى وإخوانه مِنْ أنبياء التوراة عليهم السَّلام وعلى آلهم وصحبِهم أجمعين.

أنزل الله تعالى القرآن للعمل والتعليم:
﴿وَالتِّينِ﴾ فالقرآن لماذا نقرؤه؟ لنفهمه ثم لنعمل به ثم لنُعلِّمه، لما تشتري بطيخةً مِنَ السوق لماذا تشتريها؟ أو عندما تسأل هل يوجد في السوق بطيخ؟ جاهِلٌ يسأل عن عِلم، فإذا علِمت فبعد العِلم تذهب للسوق وتشتري، وبعد الشراء وتحصيل المُشترى تستعملها فيما خُلِقَت له فتجعلها تفكُّهاً وغذاءً لك، والقرآن كذلك:

{ خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ (9) }

[صحيح البخاري]

وكونوا على ثقةٍ أنكم لو قرأتم القرآن في اليوم مليون مرةً دون أن تتفهموه وبلا قصد أن تعملوا بما تعلَمونه فرُبُّ قارئ يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، يقرأ القرآن:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
[سورة هود]

وهو ظالمٌ يلعنُ نفسه بنفسه بتلاوته للقرآن والقرآن يلعنه:
رُبَّ تالٍ للقُرآنِ بِفِيــهِ وَهُوَ يُفْضِي بِهِ إِلى الْخُذْلانِ
{ سلسلة الذهب للجامى }
الآن حِفْظُ القرآن سنّةٌ جميلةٌ، يا تُرى هل وُضِعَ منهاجٌ لتعلُّم وتعليم ما تحفَظه؟ لوضع برنامجٍ لتُحيي القرآن وتُنعشه بتطبيقه في نفسِك وأهلِك، ما الذي ينقصُنا؟ العرب في زمن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانوا بدواً أعراباً يعيشون في الصحارى فقراءَ جياع، استطاعوا أن يقرؤوه ويَعلَموه ويعملوا به ويُعلِّموه للناس عِلماً وعملاً وتطبيقاً.

أسلوب التعليم النبوي:
يذكرون عن أستاذ لغةٍ إنكليزية يقول: أنا علَّمت ألفي رجلٍ لا مِنْ طريق المدرسة لكن بجهدي الشخصي، أُعلِّم الشخص اللغة الإنكليزية، وبعد أن يستكمل تعلُّمها أقول له كما علَّمتك علِّمْ شخصاً آخر لا أكثر، وقُل له عندما يتعلَّم أن يُعلِّم شخصاً آخر، قال: فبهذه الطريقة استطعت أن أنشر اللغة الإنكليزية في ألفي شخص، أنتم إخواني الذي تتعلَّمونه في هذا المسجد هل تُفكرون في أن:

{ خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ }

[صحيح البخاري]

أن تُعلِّمه لأهلك ورفاقك، لو دُعِيَ أحدكم لنزهةٍ وأُرسِلَ له أربع بطاقات ليأتي بمرافقين بعدد البطاقات، يا تُرى هل يكتفي بأن يأتي وحده خاصةً إذا كانت الدعوة لمنتزهٍ والأكل شهيٌّ والمجتمع جميل، يا تُرى هل يُضيع البطاقات؟ ألا يأتي معه أصدقاءٌ بعدد البطاقات؟
هكذا كان أسلوب التعليم النبوي، كلُّ واحدٌ منكم إذا تعلَّم الذكر فليُعلِّمه والصدق فليُعلِّمه والتقوى فليُعلِّمها وإذا تعلَّم سورة التين، ترى رجلاً عمره ستين سنةً اسأله: ما معنى ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ﴾؟ يقول: لا أعلم، اسأله عن صنعته مِنْ أدقِّ ما فيها إلى أعظَم ما فيها تراه مثل الحاسوب لا يُضيع ولا شعرة، فلماذا كلُّ الجهود في دنياك وكلُّ الإهمال في دينك جهلاً وبُعداً ومخالفةً ثم تدعي زوراً وبُهتاناً أنك المسلم؟ وكلمة مسلم تعني هو المستجيب لأوامر الله وهو المُمتثل لشريعة الله والمتعلِّم العامِل المُعلِّم للآخرين.

قيام الصحابة رضوان الله عليهم بالتبليغ:
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بشخصه هل هو بلَّغَ الناس في حياته؟ لا، أبو بكرٍ أسلَم على يديه عشراتٌ مِنَ الناس، وبعد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قاموا فأدخلوا الأمم والشعوب في الإسلام، بذلوا أرواحهم ودماءهم في سبيل أي شيء؟ في سبيل السَّلب والنهب والغنائم؟ في سبيل إنقاذ الإنسان من جهله وجاهليته وشقائه وتعاسَته الدنيوية والجهل والجاهلية إلى سعادته العِلمية والدنيوية والروحية والأُخروية، هكذا يكون المسلم وهذه صفة المجتمع الإسلامي، أما أن لا نعلَم أو أن يكون أهمُّ ما عندنا دنيانا مالاً وعملاً وإنتاجاً وأرباحاً ونبكي على خسائرها ونفرَح بأرباحها، ولا نبكي على خسائرنا في ديننا ولا نفرَح بأرباحنا في إيماننا، فهذا إما موتٌ للإيمان أو مرضٌ عميقٌ بحسَبه للإسلام والإيمان في نفس ذلك الإنسان.

فلسطين وسيناء ومكة :
نعود إلى السورة: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ يحلِفُ الله بالتين والزيتون ويعني بها البلاد التي تغرِسُ التين والزيتون وهي بلاد الشام وعلى الأخصِّ بلاد فلسطين، ويعني بها مولد سيدنا المسيح عليه السَّلام لأنه وُلِدَ في بلاد التين والزيتون وهي فلسطين في بيت لحم، ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ الجبل الذي اعتكَف فيه موسى عليه السَّلام وأنزل الله عليه فيه كتابه التوراة وشريعته ومدرسته الإلهية لإسعاد الإنسان اليهودي، ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ وهذا اليمين الثالث وهو مكة وسُمِّيَ أميناً لأنه مَنْ دخَله يكون أميناً مِنْ أعدائه ولو كان قاتِل أبيه لا يستطيع أن يمسَّه بسوءٍ ما دام في حدود الحَرَم الأمين.
فهذه إشارةٌ إلى أن الأديان الثلاث ينبغي على أهلها والقائمين عليها أن يكونوا أمةً واحدةً لأنهم أبناء إبراهيم ومصدر دينهم واحدٌ وهو الله وهدفها واحدٌ وهو سعادة الإنسان، فكثيرٌ مِنَ النصارى ملؤوا العالَم، بلاد الشام كانت كلُّها نصارى، لما عرفوا القرآن معرفة أهدافه وأوامِرِه ونواهيه ووصاياه، هذه البلاد كانت نصرانيةً فاعتنقت الإسلام، ولما اعتنقت الإسلام هل تركت مسيحَها؟ هل كفَرَت به وعادَته لأجل الإسلام؟ لا، بل زاده الإسلام تقديساً وقدَّمه للإنسان تقديماً لا يستطيع رفضه.
العالَم الغربي الآن رفض المسيح حسب الكنيسة، المسيح الإله الذي هو ثالث ثلاثة، مما جعل العالم الغربي يرفض أيضاً مبادئ المسيح بسبب الغلو الذي دعَت إليه الكنيسة في سيدنا المسيح عليه السَّلام، أما نصارى عصر النبوة وما بعدها قُدِّم لهم المسيح الإنسان وعبد الله ورسوله، لا إلهٌ ولا شريك إلهٍ ولا ابن إله، فتقبَّل النصارى كلهم المسيح القرآني، لا المسيح الكنسي، وبذلك توحَّد العالمان وتوحَّدت الألوهية في معتقد الإنسان وصار العالَم العربي كلُّه الذي كان معظمه مسيحياً انقلب إلى مسيحيٍّ إسلامي، لأن كلَّ مسلمٍ هو مؤمنٌ برسالة وبوصايا المسيح زيادةً على ما أنزَلَه الله على سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم بتوحيد العالم أمّةً واحدةً وعقيدةً واحدةً تحت إشراف دولةٍ واحدةٍ، العدالة للجميع والمساواة في الحياة للجميع والتعليم إجباريٌّ لا أميّة في حدود دولة الإسلام.

البراءة من الجهل:
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (إنما الناسُ صِنفان عالِمٌ ومتعلِّم ولا خيرَ فيمَن سِوَاهما) و الحديثٌ في هذا المعنى: أنا بريءٌ من الجهل، وفي حديثٍ آخر يقول: (ليسَ مِني إلّا عالِمٌ أو متعلِّم)(10) يعني ولست منه.

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

لا النطق بألفاظه ولكن أيضاً الفهم لمقاصده ومعانيه، ثم العمل به ثم القيام بالتعليم للآخرين لعلوم القرآن، القرآن الذي يجعل الأمم أمّةً واحدة، في سورة الأنبياء بعدما ذَكَر الله عدداً مِنَ الأنبياء وختَمَهم بـ:

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
[سورة الأنبياء]

(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) بمريم، بعدها قال: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
فأين المسلمون الآن مِن القرآن ومِنْ مَنْ فهموا القرآن فيما بعد عصر النبوة؟ استطاعوا بعِلم القرآن وعِلم علومه ومقاصده وأهدافه لا أن يُوحِّدوا أنفسهم بتوحيد الجزيرة العربية بعدما كانت قبائل تتقاتل وتتناحر مِنْ أجل فرسٍ أربعين سنة، استطاعوا أن يُوحِّدوا نصف العالَم القديم مِنْ حدود فرنسا إلى أواسط الهند بالقرآن، لا بتلاوة ألفاظه وإجادة النطق بحروفه والتغنِّي بآياته أي يجعل القرآن مَغنى، لا، بل بقرآن الفهم والعِلم والعمل والتعليم وبذل كلِّ ما ملكوا مِنْ روحٍ ودمٍ ومالٍ ووجودٍ في سبيل تحقيق هذه الغاية الإلهية وهذا الهدف الإلهي الربانيّ العالميّ المُقدس.

ضعف المسلمين اليوم:
الآن يا إخواني الأمر أسهل، لأن الوسائل موجودة، في هذا الزمن مِنْ وسائل التعليم والإعلام لو ملكوها في زمنهم لما أبقوا على الكرة الأرضية رجلاً وإنساناً إلا يقول ربي الله ومحمَّد رسول الله، فلماذا مع قلَّة عددهم مات النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه كانوا يبلغون المئة ألف، الآن المسلمون مليارٌ ومئتا مليون، لكن الذباب لو بلَغَ عدده مئات المليارات أي فائدةٍ منه؟ الخيل إذا كانت ميتةً أي فائدةٍ منها؟ حمارٌ يمشي على أربعٍ خيرٌ مِنْ ألف فرسٍ فاقدةٍ للروح، وروح المسلم هي فهم القرآن، والتعصُّب المذهبي أن نُحيلَهُ جانباً:

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
[سورة الحج]

لا نتباهى بآبائنا وأئمتنا الذين سبقونا، لهم أعمالُهم ولنا أعمالُنا، ولا نذكُر نقائصَ مَنْ انتقصُوا لأن هذا لا يضرُّهم بل يُمزِّقُ وحدة المسلمين.

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)
[سورة البقرة]


وجوب التشمير للعمل:
لنذكُر عيوبنا ونقائصنا وتقصيرنا وفُرقتنا وتخاذُلنا وجهلنا وجاهليتنا، هذه هي التي ينبغي أن نُركِّز على إذابتها والخلاص منها وأملي بالله كبيرٌ وعظيمٌ في أن القرن الواحد والعشرين الآتي قريباً هو قرن الإسلام، ولكن هذا يحتاج للتشمير وشحذ العزائم والعقل الحكيم وأن نتقصَّد جوهر الإسلام وبالحكمة والموعظة الحسنة، وأنا بجهدي المتواضع رأيت مِنَ اليابان إلى أمريكا عبر الاتحاد السوفييتي بل عبر الكرملين مرتين مع كبار رجال الشيوعية، والله ما كانت نتائج الحوار مع نائب السكرتير العام للحزب الشيوعي مرةً ومع رئيس الاتحاد القوميات الأعلى إلا كما قال الشاعر:
لو يَسمَعونَ كَما سَمِعتُ كَلامَها خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وَسُجــــودا
{ كثير عزة }
الأول نائب سكرتير الحزب الشيوعي قال فوراً: إذا كان الإسلام ما أسمعه منك فالإسلام شيءٌ حسَن، الآخر كان حول وجود الله واستغرق ساعتين كاملتين، هل الله موجودٌ أم لا؟ وانقطعت حجة الجَهول، ولكن أرسل لي خبراً مع أحدِ إخواننا وكان نائباً في الوفد البرلماني ألقى خطبته في الكرملين بمشهد هذا الإنسان فقال له: أشمُّ مِنْ كلامك رائحة مفتي سوريا، رئيس الوفد قال هذا مِنْ تلامذتي، يقول هذا الأخ لما ودَّعهم رئيس الاتحاد القوميات الأعلى في المطار أخذ هذا الأخ جانباً وسارَره في أذنه قائلاً له: قُلْ للمفتي أنا مؤمن، فيا إخواني هذا هو الإيمان.
لقائي مع البابا الحالي في حديثٍ طويل، آخر كلمةٍ قالها عند المصافحة والوداع: أنا أقرأ القرآن كلَّ يوم، فكلمة كلَّ يومٍ ماذا تعني؟ تعني شيئاً أكثر مِنْ ما يفهمه بعض الناس، فهذا العصر عصر الإسلام لمن أحسَن العدّة واستعمل الحكمة وانطلق مِنْ قلبٍ ربانيٍّ لا يُريد إلا كما يُقال: إلهي أنت مقصُودي ورِضاك مطلوبي.

خلق الإنسان في أحسن تقويم:
يحلِفُ الله أيماناً ثلاثة: بالتين والزيتون إشارةً إلى مكان ولادة سيدنا عيسى عليه السَّلام، وطور سينين إشارةً إلى مكان ما أنزَلَ الله فيه التوراة على سيدنا موسى عليه السَّلام، والبلد الأمين إشارةً إلى مكة مبعَثُ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وولادة جسده المحمدي وبعد أربعين سنةً ولادة النبوة والرسالة التي كانت رحمةً للعالمين، ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ .

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)
[سورة الإسراء]

فلماذا خلَقَه الله هذا الخلق:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
[سورة البقرة]

وجعَلَه خليفةً في أرضه على مخلوقاته، فمعنى ذلك أن الله عليم، يجب أن يكون الخليفة عليماً حكيماً وكريماً وبالأخلاق الإلهية، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ .

استعمال الإنسان للنعم:
فهل هذه النِّعم التي أنعمنا بها عليه استعمَلها في المخطط الذي خططناه له ليكون خليفةً لنا في هذه الأرض على كلِّ مخلوقاتنا؟ يرعاها بالعِلم والحكمة والرَّحبة وكلِّ ما يُسعِدُ الإنسان ويرحَم الحيوان ويجعل مِنَ العالم كما قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى (11) }

[متفق عليه]

في أواخر الثمانينات كنت في الصين، وأنا أمشي في أحد شوارعها مع بعض المرافقين رأيت صينياً مِنْ عُرض الشارع يتوجه نحوي، حتى صرت وإياه وجهاً لوجه، فنظر في وجهي قائلاً: الله أكبر! ماذا تعني كلمته؟ هل أنت مسلم؟ قلت له: الله أكبر، فما استكملت كلمتي إلا عانقني وقبَّلني وذُرِفُتْ الدموع مِنْ عيني وعينيه، ويقول:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
[سورة الحجرات]

فما كان مني إلا أن قلت صلَّى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، بعد أربعة عشر قرناً تبقى شريعته وتبقى الرابطة.

الإسلام باق رغم قوة الأعداء:
الشيوعية مَلَكت نصف الدنيا وكانت أعظَم دول العالم، كم بقيَ مبدؤها وبالحديد والنار؟ مع الحديد والنار والقنابل النووية لم تستطِع أن تصمُد سبعين سنة، الإسلام مع التبشير والاستعمار وتشويه الإسلام وكذا.. يغزو أمريكا ويغزو اليابان، الآن بينكم مِنَ الأمريكان مِنْ مختلف الثقافات، الآن موجودون معكم في مسجدكم هذا، وأكرَمَهُم الله بالإسلام، منهم مَنْ تسمَّى بعبد الرحمن أو فاروق أو محمَّد أسعد، أليس هذا والمسلمون في منتهى الضعف والتبشير أقوى وأغنى مِنْ إحدى مؤسستين عالميتين مِنْ كلِّ المؤسسات، أغنى المؤسسات مالاً في العالَم مؤسستان، إحداهما مؤسسة الفاتيكان مع كلِّ ما تملك مِنْ مالٍ ونفوذٍ ومع ما عليه المسلمون مِنْ ضعفٍ ومِنْ كلِّ النواحي الإسلام يغزو أمريكا وأوروبا واليابان، فكيف لو كان الوضع كما ينبغي مِنْ إيجاد الإمكانات التعليمية والإرسالية والإعلامية.
والله أضمَن أنا إن وُجِدَ الإعلام بواسطة قناةٍ مِنَ القنوات الفضائية أو الإنترنت أو الوسائل الحديثة للتعريف بالإسلام لنجِدَنَّ الشعوب كما قال تعالى:

وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
[سورة النصر]

وهذا هو الجهاد الذي لا ننتصر بدونه وهو الذي سمَّاه الله في القرآن الجهاد الكبير:

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَوَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
[سورة الفرقان]

(وَجَاهِدْهُم بِهِ) بالقرآن ودعوته لا بالسيف والسِّنان.
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ خَلْقُ الإنسان بما أعطاه الله مِنْ دماغٍ وعقلٍ في استعمال هذا الجهاز وصَلَ للنجوم والقمر وإلى أعماق البحار، فكان ينبغي أن يصِلَ به إلى معرفة الحقائق والعلوم الإلهية التي لا تمنعُهُ مِنْ هذه العلوم المادية والحياتية، بل:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

لتنقُلَه ليكون الإنسان الفاضِل الكامِل العادِل البرُّ الرحيم الحكيم الذي يقود العالَم وراثةً عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)
[سورة الأنبياء]


الشرح الصحيح للقرآن الكريم:
وأنا أضمَن والله لو يُهيَّأ الإعلام للتعريف بالإسلام، لكن لا إسلام الفقهاء المذهبيين، فقه الشافعي أو الحنفي أو المالكي أو الحنبلي أو السني أو الشيعي، هذا يُضيِّعُ الإنسان في صحراءٍ مِنَ المفاهيم، مثلما يُروى عن الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه أسلَم أحد الفرنسيين فسلَّمه لفقيهٍ ليستزيدَ في إسلامه، بعد ثلاثة أشهر جاء ذلك الفرنسي إلى الشيخ محمد عبده وقال له: أنا سأرجع لنصرانيتي، لم؟ قال: هذا الشيخ مِنْ ثلاثة أشهر يُعلِّمني أبواب الطهارة ويعلِّمني أبواب المياه وللآن لم ننته مِنْ معرفة المياه التي يصحُّ التطهير بها، فالشيخ محمد عبده استدعى الفقيه فقال له: قُل له: الماء الذي تشربه تتوضَّأ منه.
نحتاج فقه القرآن المشروح بالحديث والصحيح مِنَ السنة المتلاقي مع صريح القرآن وقواعده وأهدافه، والمذاهب نتركها جانباً، الشيعة: كلُّ مسلم شيعي وكلُّ مسلمٍ مُحبٌّ لآل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولنعالهم ولخلالهم، وكلُّ شيعيٍّ سنيٌّ يحبُّ سنّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلماذا نجعل من هذين الاسمين أداةً لسوء استعمال الجاهل لها أو سلاحاً بيد العدو ليُفرِّقَ بين المسلمين ويُلقي الفتن والبغضاء وإلى آخره..

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
[سورة الحج]

ألا تكفينا تسمية الله لنا بهذا الاسم؟ سمَّاكم المسلمين يعني المستجيبين المُلبِّين لنداء الله في أوامره ونواهيه ووصاياه وإلى آخره.. ولكن نحتاج إلى رجالٍ والرجال يحتاجون إلى إمكاناتٍ والإمكانات صارت بالاختراعات الحديثة؛ وصار العالم بما يمكنني وأنا في المسجد أن أجعل المسجد في أمريكا في نفس الوقت بواسطة الإعلام تسمعونني ويسمعني أهل نيويورك في وقتٍ واحد، لو ملَكَ هذه الوسائل سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يا تُرى ماذا كان مصير العالَم مِنْ حيث الإيمان والإسلام؟ أعتقد بأقلِّ مِنْ سنةٍ يتوحَّد العالَم عقيدةً وإخاءً وتعاوناً وسلاماً وأماناً.

خلق الله الإنسان ليكون على الصراط المستقيم:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ جسداً وعقلاً وصورةً وفكراً وإمكانات، وفي أحسن مصيرٍ هيَّأناه لا ليعيش عمراً مؤقتاً خمسين وستين وسبعين سنةً ثم يصير شيخاً هرماً ضعيفاً عاجزاً ومصيره إلى التراب، لا، خلقنا الإنسان للخلود ولنعيمه وللسعادة الخالدة بل وللسعادة في هذه الدنيا، إذا مشى على الصراط المستقيم، خَلَقه في أحسَن تقويمٍ ليمشيَ على صراط الله المستقيم، فإذا مشى على الصراط المستقيم ليعيشنَّ في هذه الدنيا سعادة الحياة إلى أن تستقبله سعادة الأبد والخلود في عالَم الآخرة:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)
[سورة النحل]

(جَنَّاتُ عَدْنٍ) يعني إقامةً خالدة، إلى آخر الآيات.. ولما نفَّذَ المسلمون كلام الله كما أمَرَ الله وكما أراد جعَلَهم أسياد العالَم بعد أن كانوا أمّيين وثنيين جياعاً وعراةً ومتقاتلين وبأقصر مدةٍ وبأيسَرِ وسائل.

العودة إلى سنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
فما أحرى بنا أن نعود إلى سُنّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا باللحية، اللحية سُنة أي رجلٍ يقوم بها، واللفة أيضاً أي رجلٍ يقوم بها، لكن هل نستطيع أن نُطبِّق سنة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كيفية بناء الأمة وتوحيدها ونقلها مِنَ الضعف إلى القوة ومِنَ التخاذل للتعاون ومِنَ الجهل للعِلم ومن الخرافة للحقيقة والحكمة؟ هذه هي السنن الإلهية التي تنهض بالأمة وتجعلها للمتقين إماماً وتجعلها خير أمَّةٍ أُخرِجَت للناس، وأنا والله شخصياً لو أملك قناةً فضائيةً وأقوم بتعريف الناس بالإسلام فبأقلَّ مِنْ سنة، ولا تكون بالطريقة السلبية، الطريق ينبغي أن يكون كلُّه إيجابياً لا مثيراً لأحقادٍ ماضيةٍ قديمة، وإنما لدفن الأحقاد الماضية وإثارة مِنْ طريق الإخوة الإنسانية والعِلم ومصلحة الإنسان، العالَم المتقدم مُهيَّأٌ لهذا.
لذلك ترون في هذا المسجد يأتينا كبار المفكرين مِنْ أمريكا وأوروبا زرافاتٍ وجماعاتٍ وأفراداً، ويُلقون الكلمات ويُعلنون الإسلام ويرجعون إلى أقوامهم دعاةً إلى الله ومُبشرين، وبوسائلنا البسيطة لا توجد لدينا دعاية، لكن واحدٌ يذهب إلى هناك فيُخبرهم بما رأى فيشوِّقُ الآخرين، والله بعضهم كان يشهق بالبكاء وكلُّهم أساتذة جامعات، العالَم مهيَّأٌ فهل المسلمون مُهيَّؤون ليعرضوا الإسلام بحقيقته وجوهره وروحانيته وعقلانيته وعالميَّته ودنياه وآخرته بقلبه وروحه وحكمته؟ العالّم مُهيَّأٌ وهذا آتٍ ولكن مَنْ الذي سيختاره الله لحمل هذا اللواء لواء النصر؟ جعلنا الله مِنْ هؤلاء الجنود.

من يكرمه الله بحمل لواء الإسلام:
يُقال أن بعض الأولياء الصالحين حضرته الوفاة، فطلب مُريدوه أن يُعيِّنَ خليفة له، فقال: أنا لا أُعيِّنُ لكم خليفة، ولكن عند موتي وأنتم على قبري يأتي طائرٌ أبيض، فإذا نزَل هذا الطائر على كتف أيِّ واحدٍ منكم فهو خليفتي، فدفنوا الشيخ وبينما هم في الانتظار أتى طائرٌ مِنَ الفضاء ونزل على شخصٍ لم يكُن بالحسبان أن تكون فيه جدارةٌ لأن يكون خليفة الشيخ، فإذا هو مِنْ أولياء الله لكن مغموراً في المنظر وإلى آخره.. أيضاً طائر النهوض بالإسلام وعزته تنزل على كتف مَنْ؟ لا ندري، أبيضٌ أم أسودٌ أم باكستان أم إيران أم أفغانستان، أفغانستان أعانهم الله على مصيبتهم، لذلك كلُّ واحدٍ منكم يجب أن يعتبر نفسه أنه هو المسؤول وحده عن الإسلام، صغيراً يدعو الصغار وامرأةً تدعو النساء وتاجراً يدعو التجار وصانعاً يدعو الصُّناع وراكب الباص يدعو مَنْ يكون بجانبه، النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا انتهى مِنَ الطعام يرفع فُتات الخبز إذا كان ساقطاً على الأرض ويُقبِّلها ويضعها على عينه ويقول:

{ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ (12) }

[صحيح مسلم]

لا تحتقروا فُتات الخبز لعلَّ البركة والخير والنور يجعله الله آخرها أو محترِمِها.

الأمل مع العمل:
لذلك أولاً لا تيأسوا، ومعنى لا تيأسوا الأمل القوي، ولكن الأمل إذا لم يُصاحبه العمل مثل سكتي القطار، القطار لا يمشي على خطٍ واحدٍ فلا بد مِنَ الخطين، فإذا كلُّ واحدٍ منا سَبَقَ الله عزَّ وجلَّ في فهمه لواجباته الإسلامية تعلُّماً للكتاب.. توفي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يكن هناك مصحفٌ مجموعٌ مع كلِّ المسلمين لا في الورق ولا غيره، على الأحجار والعظام وعلى جريد النخل، لكن كان القرآن مكتوباً في قلوبهم نوراً وفي عقولهم حكمةً وفهماً وفي حياتهم عملاً وتطبيقاً، وهم أمّيون وجابهوا أعظَم القوى الاستعمارية في المشرق والمغرب لأنهم كانوا فقهاءَ في القرآن والإسلام وحكماءَ بحكمة القرآن والإسلام ونصروا دين الله عزَّ وجلَّ على قلَّتهم وضعف سلاحهم وقلَّة إمكاناتهم نصَرَهم الله على جيوش المشرق والمغرب، وهُزِمُوا في بواتييه لأنهم نَسوا فقه المعركة، ونَسوا بعض آيات القرآن لم يطبقوها، لما انتصر جيش الغافقي في المعركة على الجيوش الفرنسية فبدأ الجيش الإسلامي يجمع الغنائم كما فعل المسلمون في معركة أحُد، كما حصل في أحُد لما اشتغلوا بالغنائم أتى المشركون مِنْ خلف أظهرهم وطوَّقوهم وبدَّل النصر بالهزيمة، نفس العملية بالذات حصلت في معركة بواتييه، اشتغل المسلمون بالغنائم فالتفَّ الفرنسيون حولهم فكانت الكارثة.

النصر يأتي مع الطاعة والاستجابة:
وفي أحد أتى الصحابة يعاتبون النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أين نصر الله لنا؟ وعدَنَا الله بنصره ولم ننتصر؟ فأجابهم الله في القرآن:

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25)
[سورة التوبة]

الآية الثانية في سورة آل عمران:

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)
[سورة آل عمران]

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ) يا أهل أحُد (إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ) القتل الذريع (حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ) اشتغلتم بالغنائم (وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) منهم مَنْ قال لنلُمَّ الغنائم ومنهم مَنْ قال لا، اختلفوا وتنازعوا فصار الفشل (وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ) النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لهم لا تبرحوا مكانكم ولو تخطَّفتكم الطير، لو صرتم جثثاً وأكلت منكم الطير لا تتركوا مكانكم فتركوه، (وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ)، في بواتييه لو حفظوا هذه الآيات القليلة كلماتٍ وأحرفاً لكانت أوروبا كلُّها بلاداً إسلامية، فالواجب أن نرجع للقرآن فهماً وعملاً وتعليماً.

استبدال الشباب بالشيخوخة:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ بالشيخوخة والهَرَم والضعف:

وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
[سورة يس]

ليُلهِمَه الله أنه غير مستقرٍ وغير مُخلَّدٍ في هذا العالَم، سينتقل لعالَمٍ أرقى، فتهيَّأ وتزوَّد فإن خير الزاد التقوى، ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ﴾ إذا لم يتهيَّأ ولم يتزوَّد ويستعدَّ لعالَم الخلود ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ خسر الدنيا استبدل شبابها بشيخوخةٍ وقوَّتها بضعفٍ وإلى آخره.. واستبدل الدنيا بالآخرة يُحشَرُ مع المجرمين هذا أسفل السافلين، قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أما المؤمن ولو صار في الشيخوخة فكلما تقدم نحو الشيخوخة كلّما ازداد استعداداً وتزوداً وتأهُّباً ليكون السعيد سعادة الأبد في عالَم الخلود، ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لا يكون في أسفل السافلين لا في الدنيا ولا في الآخرة، لو صار شيخاً وعجَزَ عن بعض الأعمال الصالحة، يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ إذا مَرِضَ العَبدُ أو سافَرَ، كُتِبَ له مِثلُ ما كان يَعمَلُ مُقِيمًا صَحيحًا }

[صحيح البخاري]

الذي كان يعمله في زمن الصحة وعجِزَ عن عمله في زمن المرض يكتبه الله له كما كان يعمَله (مُقِيمًا صَحيحًا)(13)، المسافر له أعذار فيترك بعض واجباته أو أوراده، فبعذر السفر يكتب الله له ما كان يعمله في حال إقامته.

أجر الذين آمنوا وعملوا الصالحات:
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ﴾ وسعادةٌ ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ غير مقطوع، سعادةٌ دائمةٌ ومتواصلةٌ ومكافأةٌ بلا انقطاع ﴿أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾.

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
[سورة العصر]

(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ) كحياة دنيوية وجسدية (لَفِي خُسْرٍ) قواه سيخسرها وسمعه وعقله وبصره ثم جملةٌ واحدةٌ بدنه ومالَه وكلَّ شيء، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) يا تُرى هذه الآية الصغيرة (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) إذا كنت في مجلسٍ هل تُناصِرُ الحق تجاوباً مع القرآن؟ (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العمل يحتاج صموداً ومثابرة، لا تملَّ ولا تيأس، جعلنا الله عزَّ وجلَّ مِنْ تلامذة مدرسة القرآن عِلماً وعملاً.
والقرآن يحتاج قبله الإيمان، كان أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولون للتابعين أي الجيل الثاني: نحن أوتينا الإيمان قبل القرآن، الإيمان هو الأرض المحروثة التي تستقبل البذار بالشكل الجيد لتُنبِتَه، وأنت أوتيتم القرآن قبل الإيمان، لو حفظنا القرآن كلَّه بكلماته وسُوره دون أن نفقه منه شيئاً فما الفائدة؟ صار القرآن وحِفْظُه حجةً علينا لا حجةً لنا، ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ عطاءٌ وأجرةٌ غير منقطعة، يعني يجب أن يكون المؤمن في كلِّ أوقاته عامِلاً ليُعطيه الله الأجرة بلا انقطاع لأن عمله غير مُنقطع، وهو نائمٌ يفكر، حتى في منامه قد يُجاهد ويُناضل، ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ ما الذي يدعوك أيها الإنسان أن تُكذِّبَ بدين الله؟ يعني بحساب الله ودينونته؟ كما تدينُ تُدان، ستُكافأ على الإحسان إحساناً وعلى السوء سوءاً:

وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
[سورة النمل]

هذه الآيات إذا لم تُقرَأ في حياتنا وواقعنا وأعمالنا ونتائج تصرفاتنا فأيُّ قراءةٍ هذه التي نقرؤها؟ هذه قراءة:

فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
[سورة الماعون]

وقراءة:
رُبَّ تالٍ للقُرآنِ بِفِيــهِ وَهُوَ يُفْضِي بِهِ إِلى الْخُذْلانِ
{ سلسلة الذهب للجامى }

الاستنكار على المكذب بالدين:
﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ بالجزاء والحساب؟ ألم تقرأ القرآن والدلائل على أنك بعد الموت سيُحييك الله ويُحاسبك؟

أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)
[سورة يس]

هل أنت مؤمنٌ بأنه أحكَمُ الحاكِمين وأعدَلُ العادلين ولا بدَّ أن يُحاكمَك ويُحاسبَك وأن تقف بين يديه وتُعرِضُ أعمالك كلُّها عليه؟

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
[سورة يس]


خلاصة السورة:
فنرجع لخلاصة السورة، حلَفَ الله بالأماكن الثلاث: التين والزيتون مولد عيسى عليه السَّلام، وطور سينين مكان ما أُنزِلَت التوراة على موسى عليه السَّلام، والبلد الأمين مبعَثُ النَّبيّ الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم ومهبِطُ الرسالة، للتنويه بقيمة الإنسان وعظيم مِنَّة الله عليه، ليقوم بعد الأيمان الثلاث وبعد تنويه الله له بأنه جعل له المكانة العظمى ليقوم بحمل الرسالة العُظمى نيابةً عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لهداية الخَلق ونقلِهم مِنَ الظلمات إلى النور، فإذا قرأنا السورة وفهمنا هذا الفهم وقُمنا بأداء ما أوجبَته الآية مِنْ واجباتٍ نكون بذلك قد قرأنا القرآن، والنبي يقول: (خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ)(14)، يجب أن تُعلِّمه لا كلاماً، بل كلاماً وفهماً وعملاً وحكمةً وواقعاً، كلُّ واحدٍ منا.. كان الصحابي عمره عشر سنين فيذهب إلى رفاقه فيأتي بهم إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مؤمنين ومسلمين، الأعرابية تُسلِمُ وترجع إلى قبيلتها فتأتي بألف أعرابيٍّ وأعرابيةٍ مؤمنين ومسلمين وهي بدوية، فالتاجر يا تُرى كم تاجراً يستطيع إحضاره إلى مدرسة القرآن؟ والمهندس كم مهندساً يأتي به إلى مدرسة القرآن؟ والطبيب كم طبيباً والشاب كم شاباً والصانع كم صانعاً والمرأة كم امرأة؟

وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)
[سورة يونس]

يجب أين ما وُجِدَ الإسلام أن توجد مدرسة الإسلام عِلماً وحكمة وتزكية، هل تعاهدوني على هذا؟ في الجامع وخارجه أم في الجامع فقط؟ قولاً أم قولاً وعملاً؟ ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُحقِّق أمانيَّنا بالإخلاص والصدق وأن يُريَنا عزَّة ووحدة الإسلام والمسلمين، ولا نكون مِنَ المُتمنّين بل نكون مِنَ المؤمنين العامِلين المُخلصين الصادقين، وصلَّى الله على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله ربِّ العالمين.

الهوامش:
(1) المعجم الكبير، للطبراني، رقم: (751)، (1/ 259).
(2) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، رقم: (2286)، ولفظه: ((مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهِ، يَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِلَّا هَذِهِ اللَّبِنَةَ، فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةَ)).
(3) مسند الفردوس للديلمي، (3/419).
(4) صحيح البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9] {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، رقم (3395)، و مسلم في الفضائل باب في ذكر يونس عليه السلام رقم 2377. بلفظ: (( لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى )).
(5) تاريخ دمشق لابن عساكر، (1/164).
(6) صحيح البخاري، كتاب المزارعة: باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه، رقم: (2320)، صحيح مسلم، كتاب المساقاة: باب فضل الغرس والزرع، رقم: (1552)، (1553)، بلفظ: «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة».
(7) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها}، رقم: (3442 - 3443)، صحيح مسلم، كتاب الفضائل: باب فضائل عيسى عليه السلام، رقم: (2365)، واللفظ عند البخاري: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد».
(8) صحيح البخاري، كتاب الإيمان: باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم: (13). صحيح مسلم، كتاب الإيمان: باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه، رقم: (45).
(9) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب خيركم من تعلم القرآن، رقم: (5027).
(10) سبق تخريجه.
(11) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (6011)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم: (2586).
(12) صحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، رقم: (2034)، ونصه: ((عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ: وَقَالَ: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ»، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ)).
(13) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير: باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، رقم: (2996).
(14) سبق تخريجه.