تفسير سورة الطارق 01

  • 1995-10-20

تفسير سورة الطارق 01

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتم التسليم على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّدٍ سيِّد الأولين والآخرين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخوَيه سيِّدينا موسى وعيسى، وآل كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين، وبعد:


تنزيل الله تعالى لسورة البروج:
فنحن في تفسير سورة الطارق، وسبق معكم في سورة البروج كيف أنَّ المسلمين وأصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لاقوا مِنَ العذاب ومِنَ الاضطهاد إلى درجة أنَّ الواحد منهم كان يُحرَّق بالنَّار ولا تنطفئ النَّار إلَّا بما يذوب مِنْ شحمه، مثل الخباب بن الأرَت، وبعدما رفع الله عزَّ وجلَّ البلاء عن المسلمين كان يُرِي ظهره للجيل بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكيف أثَر الحريق في جسده أبيض مثل جلد الأبرص، وكان بلال الحبشي رضي الله عنه يُلقى على ظهره في حرِّ مكة وتوضع الصخرة على صدره ويُعذَّب في حرارة الشَّمس البالغة فوق الخمسين أو الخمس وخمسين درجةً ليرتدَّ عن دينه، فيقابلهم بقوله: أحدٌ أحد فردٌ صمد، فأنزل الله عزَّ وجلَّ سورة البروج وكيف أنَّ المؤمنين في الأمم السابقة لقَوا مِنَ العذاب مِنَ الكفرة ومِنَ الاضطهاد حتَّى حُرِّقوا بالنَّار وحُفرِت لهم أخاديد النَّار وصمدوا فكان هذا درسًا للمسلم والمسلمة، كيف تكون شخصيتها فولاذيةً أمام الابتلاء في سبيل العقيدة.

تهديد الله للكفرة ببطشه وانتقامه:
ثمَّ ذَكَر الله عزَّ وجلَّ بعد ذلك تهديدًا لقريش:

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)
[سورة البروج]

أنَّ الجبار لابدَّ وأنْ ينتقم الله عزَّ وجلَّ منه، الظالم والطاغي؛ فإذا لم يُقاصَص في الدنيا.. الله عزَّ وجلَّ قاصَص فرعون والنمرود في الدنيا، والأمم بشكلٍ عام كقوم صالح وقوم هود: (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) فهذا كان درسًا لكلِّ مسلم؛ بألَّا يطغى:

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)
[سورة النازعات]

فطَغى، والطاغي والطغيان:

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)
[سورة الشمس]

فهذا كان لبِنةً في بناء إسلام المسلم لئلا يطغى ولا يظلم ولا يجور وتهديداً للكافر بأنَّه في عدوانه على الضعاف مِنَ المؤمنين بأنَّ:

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)
[سورة البروج]


فضل سورة الزلزلة:
وكذلك سورةٌ تعدِلُ نصف القرآن كما يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ {إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدِلُ نِصفَ القرآنِ(1) }

[سنن الترمذي]

سورة الزلزلة تتلخَّص بقوله تعالى:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
[سورة الزلزلة]

يعني يرى المكافأة عليه كقوله تعالى:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة النحل]

(حَسَنَةٌ) المكافأة الحسَنة للمُحسن.

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

يرى العقوبة عليه سواءٌ في الدنيا كما فعل الله عزَّ وجلَّ بفرعون: في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالحَرق بنار جهنم؛ فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ({إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدِلُ نِصفَ القرآنِ) لأنَّ نصف القرآن يدور حول القِصاص، وحول قصاص المُسيء، وحول مكافأة المُحسن يقول الله تعالى:

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)
[سورة يونس]

ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)
[سورة الروم]

سيُعاقب المعاقبة السيئة.

الأعمال مسجلة خيرها وشرها:
والأعمال مُسجَّلةٌ في:

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
[سورة الكهف]

كتاب أعمال الإنسان لا يترك مِنْ أعماله صغيرةً مِنَ الأعمال ولا كبيرةً؛ إلَّا أحصاها، وكلُّه مُسجَّلٌ، وكلُّه لابدَّ مِنَ الحساب ومِنَ المكافأة على الإحسان:

هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
[سورة الرحمن]

وللمُسيء:

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)
[سورة إبراهيم]

لذلك لا يصحُّ إسلام المسلم إذا لم يُؤمن بالقرآن، فهل الإيمان بالقرآن أنْ تقول آمنت؟ بالزواج والعرس بأن تقول تزوجت؟ والغداء للجائع أنْ يقول أكلت، يعني تغدى؛ وآمنت هذه كلمة تكون ترجمةً لتقبُّله لكلام الله عزَّ وجلَّ وامتثال أمره واجتناب نهيه، هذا هو الإيمان، فإنْ قال لك الطبيب هذا سُم، فما معنى السُّم؟ يعني اجتنبه فهل تُؤمن بكلام الطبيب؟ تُؤمن، وإنْ قال لك: إنْ لم تستعمل هذا الدواء هذه الجمعة أو هذا اليوم إنْ كنت قد شربت شيئًا مسمومًا أو كذا.. فيمكن أنْ تنتهي حياتك، فما معنى مُسارعتك باستعمال الدواء؟ إيمانك بكلام الطبيب، وإنْ قال لك هذا سُمٌّ واستعملته فهل يدل على أنَّك مؤمنٌ مُصدق؟ وإذا قال لك أحدهم هذا شيك بمئة ألف خذه وتسلَّى به فأخذته ورميته في نهر بردى فهل أنت مُؤمن!

المسلم هو المستجيب لأوامر الله:
لا تُغشُّوا بأنفسكم ولا بإسلامكم، مسلم؟ معنى المسلم هو الاستجابة لأوامر الله عزَّ وجلَّ فإنْ أمرك الله عزَّ وجلَّ بأمرٍ:

وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) ﴾
[سورة آل عمران]

خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
[سورة المطففين]

في آية: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) بماذا المسابقة، هل هي بمسافة المئة متر أو الألف متر؟ بل المسابقة إلى التوبة، والمسابقة إلى أداء الفرض المتروك، والمسابقة إلى التوبة بترك المحرمات وما يُغضب الله عزَّ وجلَّ مِنْ أعمالٍ وأخلاقٍ وسلوك، فسورة البروج إنْ لم يتأمَّلها كلُّ واحدٍ منَّا ويقف عند حدود الله عزَّ وجلَّ في معاصيه فيتوب منها، وفي إهمال فرائضه فيُسارع إلى أدائها فيكون لم يقرأ القرآن ولم يحصل على ثوابه مِنَ القرآن وقد ورد في الأثر قول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ رُبَّ قارئٍ للقُرآنِ والقرآنُ يَلعَنُه }

[ورد في الأثر]

يقول:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
[سورة هود]

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)
[سورة آل عمران]

فإذا كان ظالـمًا أو كاذبًا ويقرأ القرآن فيكون لاعنًا نفسه، هذه سورة البروج.

تفسير سورة الطارق:
الآن سورة الطارق وقبل سورة البروج سورة الانشقاق:

إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)
[سورة الإنشقاق]

عندما أمرها الله عزَّ وجلَّ بالانشقاق (وَأَذِنَتْ) يعني سمِعت وامتثلت، إلى أنْ قال تعالى:

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)
[سورة الإنشقاق]

هذه أُوتيَ كتابه بيمينه، مثل سورة:

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)
[سورة البروج]

(فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) يا تُرى أنت يا مسلم وأنت يا مسلمة هل آمنتِ بالقرآن لتأخذي كتابك بيمينك يوم القيامة؟ فأدَّيتي كل فرائض الله عزَّ وجلَّ على أكمَل الوجوه!
إنْ منَعت الدولة التجول بدءً مِنَ الساعة العاشرة فهل سيخرج المؤمن ببلاغ الدولة مِنْ بيته؟ لن يخرج، وإنْ أراد أنْ يخرج مِنَ البلد فهل يخرج بلا جواز؟ وإنْ كان سيتخطى الحدود بلا جواز فيقولون هذا مُهرِّب ويبقى في السجن:

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)
[سورة الإنشقاق]


لفتة عن سورة المطففين:
وقبل الانشقاق سورة المطففين:

وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)
[سورة المطففين]

(الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) عندما يكون له الحق يطلب أكثر مِنْ حقه ويريد أنْ يُعامل النَّاس على أنْ يُعطوه أكثر مِنْ حقه، (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ) وحقوق النَّاس (يُخْسِرُونَ) فلا يُعطي النَّاس حقها بل يُخسِر مِنَ الحق ويُنقص أو قد لا يُعطيه الحق أبدًا، وهذا ليس بالبيع والشراء فقط بل في كلِّ المعاملات، كان يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ اتَّقوا اللهَ في هذه البهائمِ المعجَمَةِ، فارْكبوها صالحةً وكُلوها صالحةً (2) }

[سنن أبي داوود]

(اتَّقوا اللهَ في هذه البهائمِ المعجَمَةِ) فإنْ جاعت لن تستطيع أنْ تُخبرك بلغتك أنَّها جائعة، عجماء (كُلوها صالحةً) فأشبِع الغنمة وسمنها، وإنْ كانت دابةً؛ فغذِّها وقوِّها لتحمل الأحمال الثِّقال:

{ فرُبَّ مَرْكوبةٍ خيرٌ من راكِبِها وأَكْثَرُ ذِكْرًا للهِ منه }

[ورد في الأثر]


الإيمان ما صدقه العمل:
في القرآن الذي إذا لم تُؤمن به فأنت كافر:

{ ليسَ الإيمانُ بالتَّمنِّي ولكنهُ ما وقرَ في القلبِ وصدَّقَهُ العملُ (3) }

[شعب الإيمان للبيهقي]

فأنت مسؤولٌ عن الدابة وأنت مسؤولٌ عن قطة البيت، وأنت مسؤولٌ عن الكلب.
فتطلب منه كلَّ حقك وإذا أراد حقه فتبخَسُه أو تمنعه حقه فما هو وصفك في القرآن؟ مِنَ المطففين، وماذا قال الله عزَّ وجلَّ عن المطففين:

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (12)
[سورة المطففين]

الهلاك واللعنة والغضب الإلهي للمُطفف، فهذا المطفف في بيعه وفي شرائه، وفي غضبه وفي رضاه، وفي مالَه وفي ما عليه مع خادمه، ومع أجيره ومع عامله، ومع زوجته ومع زوجها فقد تكون الزوجة مطففة، الخلاصة يا بنيَّ: الإيمان بالقرآن لا أنْ تشتري المصحف بالورق الثقيل الجيد، والتجليد المذهب، وتجعله في البيت المطرز؛ بل القرآن نور، والقرآن عِلم، والقرآن تربية، والقرآن أخلاق، فبمدرسة القرآن وكتابٍ واحدٍ ولكنَّه مِنَ السماء أوجد الله عزَّ وجلَّ منه الإنسان الذي عجز الفلاسفة والحكماء أنْ يصنعوا هذا الإنسان، وأوجد الأسرة والعائلة التي عجَزت كلُّ القوى التعليمية والتربوية أنْ تُوجد مثل هذه الأسرة، وأوجد الأمة، وأوجد الدولة العالمية على مستوى ما تخيَّله الفلاسفة وعجَزوا أنْ يصنعوه في الإنسان الفرد؛ فما أعظَم القرآن.

القرآن يحتاج إلى معلم:
ولكنَّ القرآن الكتاب يحتاج إلى مُدرِّسه ويحتاج إلى مُعلِّمه؛ فالقرآن مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنشأ خيرَ أمَّةٍ منذ خلق آدم وإلى أنْ تقوم الساعة:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

فأنْ تكون مسلمًا أمرٌ هيِّن، تستطيع أنْ تقول أنا إمبراطور فلن يعصيك لسانك ولن يتمرَّد عليك، لكنْ يا تُرى في الواقع هل أنت كما تقول؟
نرجع إلى القرآن وإلى تفسير القرآن، فقراءة القرآن إذا لم تكن عمليَّةً لتحويل كلماته وأوامره إلى امتثال، ونواهيه ومحرماته إلى ابتعادٍ عنها واجتناب، وأخلاقه ووصاياه إلى تخلُّقٍ واتصاف؛ بحيث مَنْ يرى المسلم ومَنْ يرى المسلمة يعشق الإسلام؛ لأنَّه يقرأ القرآن في أعمال وفي أخلاق المسلم.
كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرةً في المسجد وكان معه أحد سبطيه الحسن أو الحسين رضي الله عنهما، فالتقط تمرةً وهو طفلٌ فزجَره النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنها بلغة الأطفال؛ فقال له كِخ يعني اجتنبها؛ ثمَّ قال:

{ كِخْ كِخْ، أَلْقِهَا، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَة (4) }

[مسند أحمد]

لأنَّ الصدقة مُحرَّمة على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى أهل بيته الكرام رضوان الله تعالى عليهم.

عدم ظلم الضعفاء:
فهل تعلَّمت من سورة البروج ألَّا تظلم ضعيفًا ولا تعتدي على مُستضعف؛ وألَّا تكون طاغيًا ولا مُتعدِّيًّا ولا جائرًا ولا ظالـمًا سواءٌ في المستوى العالي أو في المستوى الأدنى؟ فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن أو للحسين مِنْ أجل تمرةٍ والطفل لا يُؤاخذ، قال له: كخ كخ.
ومرةً كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُسوِّي الصفوف، وكان أحد الصحابة واسمه سواد رضي الله عنه، مُتقدمًا فقال له بالقضيب هكذا سوِّ الصف وضربه بالقضيب ضرب التسوية وليس ضرب البطش؛ فقال: "يا رسول الله بعثك الله بالحق ضربتني وأطلب القوَدَ والقِصاص"؛ فلو كان ضرب انتقام فيلزمه قصاص؛ أمَّا ضرب التسوية فمعروفٌ ضرب التسوية مثل الذي يفعله بيده، "فأعطاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم القضيب، وقال: (اقتصَّ لنفسك يا سواد)؛ فإنْ أقمنا القيامة على أنفسنا في الدنيا وقاصصنا أنفسنا بأنفسنا أحسن أم يكون القصاص في نار جهنم والخزي يوم العرض الأكبر؟ "فاستلم القضيب، وقال: كان بدني مكشوفًا يا رسول الله وأنت عليك ملابس فاكشف عن بدنك". تقول له ألا تستحي على نفسك يا قليل الأدب يا منافق؟ صلَّى الله على مُعلِّم النَّاس الخير:

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)
[سورة آل عمران]

يا تُرى نحن كمسلمين بمَنْ يجب أنْ نقتدي في أفعالنا وفي أقوالنا، وفي رضانا وفي غضبنا، وفي حبنا وفي كراهيتنا؟ بسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واتباعه في كلِّ شؤون حياته.
"فكشف النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن بدنه، وقال له: (خذ حقك) فاحتضنه والتزمه، وصار يقبله ويقول: فداك أبي وأمي، قال له: (لم فعلت؟)" والساعة ساعة هجوم والتحام الجيشين. "قال: يا رسول الله؛ لعل الله يرزقني الشهادة، فأردت أنْ أودِّعك فيكون آخر عهدي من الدنيا أنْ يمس جلدي جلدك"، أمَّا لو ضرب النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالقضيب فهل كان سيغضب النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ يا الله.

من صور العدل عند الصحابة رضوان الله عليهم:
مرةً كان عمر رضي الله عنه يتجسس في الليل كحارسٍ ليلي، صار الإمبراطور حارسًا ليليًّا حتَّى لا يكون سارقٌ في الليل أو معتدٍ على الآخرين، فسمع صوت غناءٍ وصوت شبهةٍ في اجتماعٍ على معصية، فتسوَّر الحائط ونظر وإذا برجل يشرب الخمر وراقصة وما يناسب هذا المقام.. فقال له: "يا عدوَّ الله أفي بلد رسول الله"، خمرٌ وفسقٌ ومجونٌ وكذا.. فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين إنْ كنتُ عصيت الله في ذنبٍ فأنت خالفت الله في ثلاثة أمورٍ: أولاً قال الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) ﴾
[سورة الحجرات]

وقد تجسست عليَّ، وثانيًا قال:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
[سورة البقرة]

وأنت تسوَّرت عليَّ الجدار، والثالثة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
[سورة النور]

فأنت دخلت عليَّ لا سلام ولا تحية. فمَن يجرؤ أنْ يُقابل شرطي سيرٍ إنْ كانت سيارته مخالفةً ويقابله بهذا الكلام؛ ولكنْ ما أعظَم الإسلام، وما أعظَم المربي الأول والمربِّي السماوي.
"فقال له: هل لك في أنْ تتوب وأتوب؟". فهل يوجد وزيرٌ إنْ أخطأ معه المستخدَم فيُكلِّمه بهذا الكلام ويقول له هل لك أنْ تتوب وأتوب؟ أو يوجد الجندي مع الضابط؟ لا يخلو؛ لكنْ ملِكُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم القلوب والعقول والدولة والأمَّة، وخليفته عمر رضي الله عنه:

{ لو كان بعدِي نبيٌّ لكان عمرَ (5) }

[مسند الإمام أحمد]

"قال له: نعم سأتوب". وإلَّا لكان سيُقام عليه ما يُقام، هكذا كان نتاجُ ليوم القيامة، وهكذا كان إيمانهم بيوم الدين.

معنى يوم الدين:
وفي كلِّ ركعةٍ نقرأ سورة الفاتحة:

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
[سورة الفاتحة]

يوم الدين، وما معنى الدين؟ يعني القصاص والحساب والجزاء والتقاضي، فهذه الآية: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يا تُرى لو طَهُرَ قلب المؤمن وهضمها فتمثَّلت فيه مسارعةً إلى مرضاة الله عزَّ وجلَّ، ومسارعةً إلى التوبة عن معاصي الله عزَّ وجلَّ؛ كان الأعرابي يذهب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويقول: "عظني موعظةً وأوجِز". لا أريد الكثير فعقلي لا يتحمَّل، فيتلوا عليه قوله تعالى:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
[سورة الزلزلة]

مثقال الذرة، لو جزأنا السمسمة إلى سبعين جزءً فواحد مِنْ هذه الأجزاء السبعين هو مثقال الذرة تقريبًا؛ فإنْ عملت مِنَ الخير مثقال ذرة سترى مكافأتها وثوابها في الدنيا والآخرة؛ أو في الدنيا أو في الآخرة، وكل شيءٍ بحسَبه:

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

فقال الأعرابي: "كفَتني كفَتني"، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ أفلحَ وأبيهِ إن صدقَ (6) }

[صحيح البخاري]

فإنْ قلنا نحن آمنا بالقرآن فقد أفلحنا إنْ صَدَقنا، وإنْ كنَّا كاذبين فيا تُرى هل نحن مفلحون أو نحن مخذولون؟

مذلة العالم الإسلامي اليوم:
العالَم الإسلامي مليار مسلم، ولماذا مضروبٌ على المسلمين الذلة والمسكنة، يُسامُ المسلمون سوء العذاب في البوسنة والهرسك، ويَقتُلُ بعضهم بعضًا في أفغانستان؟

{ إذا التَقَى المسلِمانِ بسيفَيهما فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّارِ (7) }

[صحيح البخاري]

ولماذا في الصومال ولماذا في الجزائر ولماذا في كشمير؟ فيا تُرى إسلامٌ وإيمان فهل هذه ثمرات الإيمان والإسلام؟ رحمة الله تعالى على الشاعر النجفي عندما يقول: "مُحمَّدُ" يعني يا مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم:
مـحـمـدُ هـل لهـذا جـئت تـسـعى وهـل لك يـنـتـمـي هـمـلٌ مـشاع أإســلامٌ وتــغــلبــهــم يـهــــودٌ وآســادٌ وتــقــهــرهــم ضـــباع أيــشـغـلهـم عـن الجُـلّى نــــــزاعٌ وهـــذا نـــزعُ مــوتٍ لا نــــزاع شـرعـت لهـم سـبيل المجد لكــــن أضاعوا شرعك السامي فضاعــوا
{ أحمد الصافي النجفي }
" أيشغلهم عن الجلى نزاع" في الأمور الخطيرة التي أمامهم يُشغَلون عنها بالتنازع والتقاتل فيما بينهم.

العلماء ثم الحكام ثم الأغنياء:
والسبب هم المشايخ وحكام المسلمين، هاتان الفئتان ويأتي أغنياء المسلمين في الدرجة الثالثة؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يملك قوةً؛ أمَّا في الدرجة الأولى العلماء فهم المسؤولون فلو كانوا ورَثَة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بما في الميراث والإرث مِنْ معنى:

{ العلماءً وَرَثة الأنبِياء (8) }

[سنن أبي داود]

فهل إرثُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّهم سيرثون الوسادة والفراش؟ بل يرثون العِلم والحكمة ليُعلِّموا النَّاس الكتاب والحكمة ويُزكُّوهم فهذا هو ميراث النبوة، فهل يُعلِّم العلماء يا تُرى الكتاب كما كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعلِّم الكتاب، وهل يُعلِّمون النَّاس الحكمة كما كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعلِّم الحكمة، وهل يُزكِّي العلماء نفوس المسلمين كما كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُزكِّي المشركين والوثنيين حتَّى أخذوا شهادةً نبويةً مِنْ منطقه النبوي الشريف؟ حتَّى وصفهم بقوله:

{ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كادُوا من صِدْقِهِم أن يكونوا أنبياءَ (9) }

[حلية الأولياء]

فالنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مهندسٌ وصانِعُ أمَّة، وهل صنعوا أمّةً؟ صنعوا أممًا؛ فأمَّة الكرد وأمَّة الترك، وأمَّة الفرس وأمَّة الأفغان، وأمَّة الهند وأمم إفريقيا، فمن صنع الإسلام في هذه البلاد؟ الذين سماهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأعطاهم شهادة: (عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كادُوا من صِدْقِهِم أن يكونوا أنبياءَ) والفقه ليس فقه الوضوء فالطفل الصغير يعرف كيف يتوضأ، وليس فقه الطهارة والنجاسة فالقطة تعرف فقه الطهارة والنجاسة، إنْ شمَّ الحيوان شيئًا ملوثًا فيقول هذا شيءٌ ملوث وحتَّى لو كان مشتهيًا له فيعزِفُ عنه، لذلك أعود يا بنيَّ إلى الإيمان بالقرآن، قال الله تعالى:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ) أي في القرآن، فالطعام يحتاج إلى الجهاز الهضمي الذي يعمل بانتظام وهذا الذي يُحيل الطعام ويُمثِّله دمًا وطاقةً وأعمالاً؛ أمَّا إذا كان الجهاز الهضمي فاسدًا فلعل الطعام أنْ ينقلب إلى أمراضٍ وإلى أسقام، فرُبَّ تالٍ يتلوا القرآن بفيهِ وهو يُفضي به إلى الخذلان.

الطارق هو النجم:
فالآن وأنتم في سورة الطارق بعد سورة البروج، يقول تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ الطارِق: هو النجم؛ فكما يطرُق الضيف على الإنسان في الليل، يطرُق عليه الباب فيفتح له الباب، فما اسم هذا الضيف في الليل؟ الطارِق، فكذلك النجم، متى يأتينا ونراه ونشاهده يطرُقنا في الليل، فحَلَف الله عزَّ وجلَّ بالسماء وما فيها من نجوم والتي كلُّ نجمٍ فيها قد يكون عالَـمًا أكبر مِنْ أرضنا بآلاف آلاف المرات، وفي السماء مِنَ النجوم والكواكب قال بعض علماء الطبيعة: أنَّ صحراء إفريقيا الكبرى التي طولها آلاف الكيلومترات وعرضها كذلك، قال وبعمق أربعمئة متر تحت الأرض، فقالوا لو أحصينا عدد ذرات رمالها فعدد ذرات الرمال أنقَصْ مِنْ عدد النجوم والكواكب والعوالِم التي خلقها الله عزَّ وجلَّ في السماء.
فالمعنى عندما يحلِف الله عزَّ وجلَّ بالسماء أي انظروا إلى ما خلقت وانظروا إلى عَظَمة ملكي وملكوتي، فالذي يخلق هذا الخلق العظيم كيف تكون عظَمته؟ عظَمته في عِلمه، وعَظَمته في عطائه، وعَظَمته في قصاصه وانتقامه، وذَكَر لنا مَنْ انتقَم منهم، وذَكَر لنا مَنْ سيُكافئهم وكافأهم:

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
[سورة الزمر]

وإذا قرأنا التاريخ وأمتنا الإسلامية آخر الأمم، فبهذا القرآن وبمدرسته فقط كيف نقَلهم الله عزَّ وجلَّ مِنَ العَدم، ومِنَ الفناء ومِنَ الفقر في أحطِّ مستوياته، ومِنَ التمزُّق ومِنَ العداوات، ومِنَ الجهل ومِنَ التخلف، ومِنَ اللاشيء إلى أنْ صاروا هم الدنيا، هم جمالها وهم تاريخها، وهم علومها وهم تقدُّمها، وهم عِزَّتها وهم كرامتها.

قسم الله بالكواكب تأكيدًا وتعظيمًا:
﴿وَالسَّمَاءِ﴾ يقول الله عزَّ وجلَّ أحلف لكم بسماواتي وبكواكبي التي عددها أكثر مِنْ عدد رمال صحراء إفريقيا الكبرى، فهل هي أكبر بمرة؛ أم بمليون مرة، أو بمليار مرة؟ لا يُحصي ذلك إلَّا الله عزَّ وجلَّ، يحلف الله عزَّ وجلَّ.. لـمَّا يحلف أحدهم فيقول والله فمعناه وجود أمرٍ هام لك لذلك قدَّمه باليمين، فإنْ حلَفَ لك أحدهم فهل تصدقه؟ فإنْ كان صادقًا فالصادق يُصدَّق بلا يمين، فالله عزَّ وجلَّ يحلِف، فهذا يعني أنَّنا لا نعرف الله عزَّ وجلَّ، ولو عرفنا الله عزَّ وجلَّ لما احتاج الله عزَّ وجلَّ أنْ يحلِف لنا؛ فمع عَظَمته ومع قَسَمه ومع يمينه هل صدَّقناه؟ وإذا قال لك الطبيب: والله هذا سُمٌّ فاحذر أنْ تتجرَّعه، فماذا تكون نتيجة كلام الطبيب؟ لا يحتاج الطبيب إلى قَسَم فإذا أكد ذلك باليمين والقسم ثمَّ مع كونه طبيبًا عالِـمًا وحالِفًا ومُقسِمًا وتجرَّعت ما نهاك عنه فما تكون عاقبتك؟
فإذا حلَفَ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِق﴾ معاذ الله يا ربي تحلِف لي! وهل أنا لست مُصدِّقًا لكلامك، ولست مُصدِّقًا لقرآنك؟ مُرْنِي ولو بأنْ أبذل روحي وحياتي فأنا تحت الإشارة؛ ومع ذلك حلَفَ الله عزَّ وجلَّ لنا: ﴿وَالسَّمَاءِ﴾ وما فيها مِنْ مخلوقاتٍ ومِنَ العوالم التي بعضها أكبر مِنْ أرضنا بملايين ملايين المرات، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ وهذا الجنس الذي اسمه الكوكب ما أدراك ما شأنه وما عَظَمته وما عدده وما فيه؟ أرضنا كوكبٌ مِنَ الكواكب فلو وصل أحدنا إلى الشَّمس لا يرى للأرض صورةً، ولو صورةً لكوكبٍ صغيرٍ لبعد المسافة، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ هذا الجنس الموجود في قاموسكم اسمه النجم والذي يطرقكم في الليل ويغيب عن رؤيتكم في النهار، ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ نوره يثقب الظلام والظلمات حتَّى تدركه أبصاركم، خيراً لماذا تحلِف يا الله؟ لأُخبركم وأحلِف لكم لأوكِّد لكم خبري وصحة كلامي، وهل تكذب يا ربي وهو أصدق القائلين!
فإذًا مَنْ يدَّعي أنَّه مسلم بعد أن يحلِف الله عزَّ وجلَّ له ويُقسِم له بأنْ يفعل كذا فلا يفعل فيكون صدَق الله العظيم؛ أم يكون حاله كذَب الله العظيم؟ قولوا يا بنيَّ، أنت عندما تقرأ القرآن تقول صدق الله العظيم فهل اعتقدت بصدق الله عزَّ وجلَّ؟ لو اعتقدت بصدق الله عزَّ وجلَّ لامتثلت أوامر الله عزَّ وجلَّ؛ لكنْ عندما تُخالف أوامر الله عزَّ وجلَّ بعد أنْ تسمعها ثمَّ تقول صدق الله العظيم فلسان حالك يقول كذب الله العظيم، ولو صدَّقته لامتثلت أمره، ولو صدَّقته لسارعت إلى امتثال أمره:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
[سورة البقرة]

(آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) هو يقول قل أنا إمبراطور، قلت: أنا إمبراطور، والواقع ما هو بإمبراطور (يُخَادِعُونَ اللَّهَ) هل يُخدَع الله عزَّ وجلَّ، وهل الله عزَّ وجلَّ أبلهٌ ليُصدق الكاذب؟

علم الإنسان محدود:
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ الطارق: هذا النجم، وعالم النجم عالَمٌ عظيمٌ لا يستطيع عقلك ولا عِلمك ولا دراستك أنْ يُدرك عدده، ولا أنْ يعلَم ماهيته وحقيقته، ولا أنْ يعلَم ما فيه، الأرض كوكب والذي يكون في الكواكب يرى كوكبنا، فإنْ كان قريبًا فهل سيعرف يا تُرى ماذا في كوكبنا؟ القارات الخمس والحكومات والشعوب والبحار والجبال.. لا يعرف شيئًا إلَّا أنَّه ماذا؟ كوكبٌ في هذه السماء، بعض علماء الطبيعة والفلك يقول: مَنْ يعتقد بأنَّ كوكب الأرض مسكونٌ والكواكب لا سكان فيها كمَنْ يعتقد ويقول أنَّ قطتنا في الدنيا هي التي تلِد وقطط الدنيا لا تلِد، يا تُرى هل هذا الكلام معقول؟ يُستَأنس بسكنى الكواكب بمثل قوله تعالى:

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
[سورة الشورى]

(وَمَا بَثَّ) وخَلَق ونَشَر، (وَمَا بَثَّ فِيهِمَا) في الأرض أم في السماوات والأرض؟ والسماوات يعني الفضاء أم الكواكب في الفضاء والعوالِم؟ (وَهُوَ) الله تعالى (عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ) إذا شاء أنْ يجمع بين هذه الدواب التي تدبُّ على كوكبنا (وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) ما يدلُّ على أنَّ الكواكب مسكونة.

الحافظ هو من يسجل أعمالنا:
فنرجع إلى أصل التفسير: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ ما هي عَظَمة هذه العوالِم وماذا فيها وما هو نظامها وقوانينها وأفلاكها وإبداعها، ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ أُقسِم بالسماء وما فيها وبالنجم الثاقب وكذا وكذا.. ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ انظر أيها الإنسان كلُّ إنسانٍ وكلُّ نفسٍ آدميةٍ مِنْ مشارق الأرض ومغاربها:

وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)
[سورة الانفطار]

تحفظ أعمالكم وتُسجِّلها عليكم.

مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
[سورة ق]

الكلام مُسجَّل وعمل الجوارح الأيدي والأرجل مُسجَّلة، خطواتك مُسجَّلة، أعمالك في الأمكنة مُسجَّلة.

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
[سورة النور]

أين الشهادة؟ في محكمة الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة، أعضاؤها الأنبياء عليهم السَّلام:

يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)
[سورة المائدة]

(مَاذَا أُجِبْتُمْ) هل استجابت شعوبكم وأممكم إلى كتابي ورسالتي وشريعتي؟

الإيمان الحقيقي برقابة الله عز وجل:
فالمسلم يُفترض أنَّه مؤمن بالقرآن، فيا تُرى هل آمن أحدنا بـ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾؟ لمَّا يجب عليك أنْ تقول وتتكلَّم فهل تشعر أنَّ الملك يُسجِّل كلامك؟ وعندما تظلِم ولو قطة هل يُنشئ الله عزَّ وجلَّ محكمةً للقطط؟ وإذا ظلَمَ شخصٌ قطةً فهل يوجد لدينا محكمةٌ للقطط؟ إذا ظُلِمَت هرة فهل ينتصر القاضي بالقانون لأنه مخلوق ويحاسبك: لماذا ظلمت القطة؟ أمَّا عند الله عزَّ وجلَّ فمحكمة للقطط إذا ظلم شخصٌ قطةً فيأتي الله عزَّ وجلَّ بالظالِم ليُحاكمه ويقتصَّ منه لأنَّها مخلوقٌ تشعر بما تشعر به أنت، بالإحسان تُقبِّل يدك وتتملَّق إليك وبالعصا تصرخ وتقول آلمتني وأوجعتني انتقم الله منك، ويقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ دَخَلَتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حَبَسَتْها ، فلا هي أَطْعَمَتْها ، ولا هي تَرَكَتْها تأكلُ من خَشَاشِ الأرضِ (10) }

[صحيح البخاري]

هذه قطة فكيف إنْ ظلمت ضعيفًا أو عاملاً أو أجيرًا أو الأب أيضًا الابن أو الزوج أو الزوجة أو الشريك أو شريكه أو الغاضب عند غضبه أو الطماع عند مطامعه!

كل نفس عليها رقيب عتيد:
﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا ﴾ على أعمالها مِن سمعٍ:

وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
[سورة الإسراء]

(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ) إنْ نويت المكر أو الخداع أو الغش أو الأذى، (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) ستُسألُ وتُستَنطق وعند المستَنطِق، هل آمنت بهذه الآيات؟﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ لـمَّا قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للأعرابي:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

قال له كفتني، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (أفلحَ وأبيهِ إن صدقَ (11).
إخواني لا تجعلوا مِنْ كلامي تسليةً لكم والله كلام الشَّيخ جميلٌ وظريف، وأطال الله عمره، فماذا استفدنا يا بنيَّ؟ يا تُرى تخرجون مِنَ الجامع ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ ؟ كونوا رقباء على أسرتكم، فلا تتكلم بسوءٍ ولا تتكلم إلَّا بخير، ولا تسمع آذانكم إلَّا الخير ولا تسمع الشر:

وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
[سورة القلم]

وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
[سورة الأنعام]

(الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا) الذين يتكلَّمون عن القرآن وعن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما لا يليق (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) عن مجلسهم وعن سماع كلامهم، (حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لمَّا تقرأ هذه الآية فهل تتمثَّل فيك خلقًا وسلوكًا وواقعًا؟ بذلك تكون مسلمًا استجبت لكلام الله عزَّ وجلَّ، وتكون مؤمنًا صدَّقت كلام الله عزَّ وجلَّ، فإذا قلت صدق الله العظيم تكون صادقًا فيما تقول؛ أمَّا إنْ كان عملك مخالفًا فتكون كمَنْ يقول كذَبَ الله العظيم!

استحقاق لقب المؤمن والمسلم:
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ ما أدراك ما هو عالَم السماوات، ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ ترى بعض النجوم، ما يُرى مِنَ النجوم بعين الرأس لا يزيد عن ستة آلاف نجم؛ وأمَّا أعدادها يفوق مليارات المليارات والله أعلم بأعدادها، إنْ كان الله عزَّ وجلَّ قد حلَفَ لنا بهذه الأشياء التي نراها فهل يا تُرى الله عزَّ وجلَّ صادقٌ فيما يحلِف، ولماذا حلَف؟ فيكفي أنْ يقول ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ لكنْ مِنْ رحمته بنا ورأفته ألَّا نشقى بدنيانا وأخرانا كلَّمنا بلغتنا لغة الرشوة ولغة الأطفال؛ أنْ خذ عشرة ليرات واذهب إلى المدرسة؛ فيظن الطفل أنَّه يذهب إلى المدرسة مِنْ أجل أبيه، والحال أنَّ ذهابه إلى المدرسة منفعتها عائدةٌ إليه.
﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ هذه الآية يا بنيَّ ومع أَيمان الله عزَّ وجلَّ الثلاثة: ﴿وَالسَّمَاءِ﴾ هذا واحد ﴿وَالطَّارِقِ﴾ اثنان ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ شرَح لك أيضًا ما يحلِف به، حلَفت لك بأمرٍ عظيمٍ وعظيمٍ جدًّا وأنا أعظَم مِنْ كلِّ شيءٍ عظيمٍ لتُصدِّق كلامي لتكون مسلمًا ومؤمنًا، فهل نحن سنصدِّق كلامه في سورة الطارق؟ وهل سنصدِّق بأنَّ كلَّ عملٍ مِنْ أعمالنا، وكلَّ نظرةٍ مِنْ نظراتنا، وكلَّ جلسةٍ مِنْ جلساتنا، وكلَّ خطوةٍ مِنْ خطواتنا ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ مُراقب:

مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
[سورة ق]

عندما تقول (رَقِيبٌ) يُراقبك وينتظر يضع القلم في الدواة وينتظر متى ما قلت يُسجِّل، (عَتِيدٌ) يعني حاضرٌ لا يغيب، (رَقِيبٌ) مستيقظٌ وغير نائمٍ ولا ملتهٍ عنك بسواك، فهل آمنَّا لنكون مؤمنين يا بنيَّ، وهل استجبنا لنكون مسلمين؟ الإسلام هو الاستجابة، والإيمان هو التصديق فهل صدَّقنا كلام الله عزَّ وجلَّ؟ ولـمَّا يقول لك شخصٌ لا تشرب مِنْ هذا الماء فيه جرثوم الملاريا أو الكوليرا فتقول فورًا شكرًا، ولا تعود لإمساك الكأس بأصابعك وليس فقط أنَّك لن تشرب، ويقول ارمها وعقِّم الكأس، ولا أدري ماذا؟ إلى آخره.. فمتى سنكون المستجيبين لنستحق أن نأخذ لقب المسلمين، ومتى نكون مصدِّقين لنستحق أنْ نُلقَّب بالمؤمنين، جملةٌ مِنْ جمل القرآن لعلنا إذا فتشنا أنفسنا هل نحن مؤمنون بها؟

الإيمان بكل ما في الإسلام:
فكيف والقرآن يقول لو آمنت بنصفه أو بثلاثة أرباعه وتركت الربع أو تركت النصف؟ يقول الله تعالى:

أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
[سورة البقرة]

(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) فالتي تأتي على هواك وتناسب طبيعتك تقوم بها والتي لا تناسب هواك وطبيعتك ورغباتك لا تقوم بها، (فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الآن المسلمون مُخزَون أم فخورون، أعزَّة أم أذلَّة، مستضعفون أم تملأ قلوب أعدائهم عظَمتهم، وقوَّتهم وكرامتهم؟ لماذا؟ يا تُرى هل آمنا بالنصف وكفَرنا بالنصف؛ أو آمنَّا بالبعض وكفرنا بالبعض؛ أو آمنَّا بالعشرة وكفرنا بالتسعين؛ أم آمنَّا بالخمسة وكفرنا بالخمسة والتسعين أو:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)
[سورة البقرة]

عندما خَطَب النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على منبره قال:

{ ما بالُ أقوامٍ لا يُفقِّهون جيرانَهم ، ولا يُعلِّمونهم ، ولا يَعِظونَهم ، ولا يأمرونهم (12) }

[المعجم الكبير للطبراني]


مسؤولية المسلم عن الدعوة في مجتمعه:
أنت أيها المسلم وأنت أيتها المسلمة أنت مسؤولةٌ عن جيرانك فضلاً عن قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[سورة التحريم]

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
[سورة البقرة]

صلينا وَ (قُوا أَنفُسَكُمْ) هل وَقَيت نفسك مِنْ غضب الله عزَّ وجلَّ ومِنْ معصيته، وهل وَقَيت أهلك وأبناءك وجيرانك؟

وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
[سورة الشعراء]

إنْ لم تفعل فأنت قد كفَرت بهذه الآيات، فما معنى الإيمان إلَّا المسارعة إلى التنفيذ والطاعة والانقياد؟ وما معنى الكفر؟ الإعراض والإهمال وعدم العمل، لذلك يا بنيَّ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ واللهِ لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم ، ويُفقِّهونهم ، ويعِظونهم ، ويأمرونهم ، وينهونهم ، ولَيَتَعَلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم ، ويتفقَّهون ، ويتَّعِظون ، أو لأُعاجِلنَّهم العقوبةَ }

[المعجم الكبير للطبراني]

المسلمون نائمون منذ مئات السنين، كان يرى سفراء الدولة العثمانية أنَّ أساطيل الأجانب تجوب البحار فهل كان عندهم مِنَ الفِطنة ليقفقهوا قوله تعالى:

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
[سورة الأنفال]

وهكذا كلُّ إنسانٍ بحسَبه، (واللهِ لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم، ويُفقِّهونهم، ويعِظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم، ولَيَتَعَلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم، ويتفقَّهون، ويتَّعِظون، أو لأُعاجِلنَّهم العقوبةَ).

اله عزَّ وجلَّ يعاقب المسلمين اليوم لتقصيرهم:
الله عزَّ وجلَّ يُعاقب المسلمين في الدنيا الآن أم لا يُعاقبنا؟ المسلمون أمَّةٌ واحدة، المؤتمر الإسلامي كم أمَّةً وكم دولةً يجمع؟ اثنان وخمسون أو يزيد، فهل هذه مفخرةٌ للمسلمين؟ المسلمون دولةٌ واحدة، وأمَّةٌ واحدة:

{ تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى }

[صحيح البخاري]

(كَمَثَلِ الجَسَدِ) يا تُرى البوسنة والهرسك (إذا اشْتَكَى عُضْوًا) فالبوسنة آلامها وصراخها إلى السماء (تَداعَى) وتجاوَبَ ولبَّى لنصرته (له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى)(13)، يجب أنْ نُجدِّد إسلامنا يا بنيَّ، ونُجدِّد إيماننا ويحتاج هذا إلى طبيبٍ يُعالج أمراض قلوبنا وعقولنا لنفقه القرآن كما أراد القرآن، ونفقه كلام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما أراد النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ لو كانت سيارةٌ تمشي ووراءها سيارة شرطة السير وهي تمشي وراءها لمراقبتها فهل تجرؤ يا تُرى السيارة الـمُراقَبَة وليست الـمُراقِبَة أنْ تُخالِف قانون السير؟ أنخشى الشرطة ولا نخشى الله عزَّ وجلَّ! هل الشرطة أعظَم والله عزَّ وجلَّ أضعَف؟

أصل خلق الإنسان من ماء:
﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ فلو تُرِكَ الماء الدافِق على طبيعته هل يصير إنسانًا؟ وهل إنْ لم توضع القمحة في مدرسة التربة والتربية فهل تصير سنبلةً؟ وإنْ لم توضع النواة في مدرسة التربة فهل تصير نخلةً؟ وكذلك النُّطفة إنْ لم يكن لها المصنع الذي يصنع العيون، والصناع الذين يصنعون الأعضاء والأعصاب والعظام ويشدون العظام بعضها إلى بعض بالبراغي بالحبال؟ هذا المفصل مربوطٌ بهذا المفصل، ووضع لك الجلد حارسًا لو مشت عليه نملة ينبِّهك الحارس أنَّه في المكان الفلاني فيدك مِنْ غير عيونٍ ومِنْ الخلف تقع على مكان النملة.
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ ومِنْ كلِّ الماء يُخلَقُ الولد؟ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ليس مِنْ كُلِّ الماءِ يكونُ الوَلَدُ (14) }

[مسند أحمد]

العِلم الحديث بواسطة الميكروسكوب قالوا بأنَّ الإبرة لو وُضِعَت في المني يعلق في رأس الإبرة خمسون ألف حيوان منوي، فهؤلاء إذا كانوا جيشًا مِنْ خمسين ألفًا فلربما يفتحون فلسطين، فأنت كنت واحدًا مِنْ خمسين ألفًا على رأس الإبرة، فمَنْ صوَّرك ومَنْ جعل لك السمع والأبصار والأفئدة؟ ومَنْ وضع فيك جهاز الأمعاء، ومَنْ ركَّب لك جهاز المعدة وجهاز الكبد، ومَنْ مدَّد لك الأعصاب الكهربائية، ومَنْ صمَّم لك الدماغ، فهل هذا يصير لوحده؟ ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ﴾ ينظر ويدرس ويتعلَّم ويتفهم قصة الخلق ليعلَم الخالِق ودقة الصنع؛ وليعلَم عظَمة الصانع الرحيم الرحمن:

الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)
[سورة الأعلى]


فضل صلاة الفجر:
﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ هذه الذرَّة ويحلِف لها خالِق الكون لتتقبَّل كلامه وتعاليمه، ويُقدِّم لها خريطة حياتها لتسعَد بها فترفضها وتُعرِض عنه وعنها على حقارتها وعلى عظَمته، على حقارتها وعلى قدسيته، فغداً يوم القيامة لو وقفنا بين يديه وقال على أي شيءٍ أدرت ظهرك إلى كلامي، وعلى أيِّ أساس أعرَضت عن شريعتي وأوامري، وعلى أيِّ أساس تجرأت على معصيتي ومخالفتي؟ أظننت نفسك أنَّك أقوى وأعظَم وأكبَر مني؟ ماذا نُجيب الله عزَّ وجلَّ؟
﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ عدده وعظَمته ماذا فيه، ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ بعضها جعلها قريبةً منَّا لنراها وجاء العِلم ووسَّع معارفنا ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ﴾ إنْ هذه حرف نفي، يعني ليس، وما كلُّ نفسٍ إلَّا وعليها حافظ، يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ (15) }

[صحيح البخاري]

دورية عمال الليل هم وحدة تنزل مِنْ بعد العصر تراقبك إلى طلوع الفجر؛ ولـمَّا تنتهي مهمتها تنزل ملائكة النهار عند صلاة الفجر فتجتمع ملائكة شرطة الله عزَّ وجلَّ التي تقوم بإحصاء أعمالك ومراقبتك، فأين يجتمعون؟

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
[سورة الإسراء]

تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، فإذا وضعت وزارة الداخلية عليك دوريةً في الصباح تلاحقك ودورية في المساء فهل تستطيع أنْ تُخالف القانون؟ يا تُرى تعمل بمقتضى المراقبة مع شرطة الدولة فيا تُرى هل شرطة الدولة أعظم حتَّى احتقرت شرطة الله عزَّ وجلَّ وحضرَته؟ فهل أنت مُؤمن، وهل أنتِ مؤمنة؟ فيجب يا بنيَّ أنْ:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
[سورة آل عمران]

(لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) التفكُّر فيها، (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا) تذكُر أن الله عزَّ وجلَّ معك والله عزَّ وجلَّ ناظِرٌ إليك وشاهِدٌ عليك:

وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)
[سورة الأنبياء]

فهل أنتم مؤمنون بالقرآن؟ أجيبوني، يا تُرى إيمان القول أم إيمان العمل؟ وفي الوقت الذي أنتم فيه معي في الجامع لا تستطيعون أنْ تقولوا لا، هل تستطيعون؟ تخجلون، لكنْ في خارج الجامع يا تُرى هل أنتم مؤمنون؟ عند شهواتكم ومطامعكم وفي ثورة غضبكم وعند إعجابكم وعند رؤية النَّاس لكم، تعصي الله عزَّ وجلَّ لئلا ينتقصك النَّاس، ولا تطيع الله عزَّ وجلَّ ليرضى عليك رب النَّاس، هذا ليس إيماناً يا بنيَّ.

مراقبة الله عز وجل في كل وقت:
لذلك يجب أنْ نُحاسب أنفسنا:
حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا ، وزِنوا أنفسَكم قبل أن تُوزنوا (16)
{ عمر بن الخطاب }
﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظ﴾ فأنت في الدكان هل تراقب الحافظ؟ وعندما تريد أنْ تبيع وتشتري فتغشُّ أو تكذب أو تقول غير الحقيقة فهل تتذكر ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾؟ وعندما تكون أنت القوي أمام ضعيفٍ لتبطِش به أو لتعتدي عليه فهل تُراقب ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾؟
يُقال بأنَّ عمر رضي الله عنه كان يعسُّ ليلةً -تفتيش في الليل- إمبراطور لا ينام الليل، ينام على التراب وثيابه مرقعة فأي إمبراطورٍ أو رجل دولةٍ منذ خُلق آدم إلى قيام الساعة رفض الدنيا؟، قال:
إذا أردتَ شريفَ الناسِ كُلِّهِـــــمِ فانظُر إلى مَلِكٍ في زيّ مسكينِ ذاك الذي عَظُمت في الناسِ حُرمتهُ وذاكَ يَصْلحُ للدنيا وللديـــنِ
{ أبو العتاهية }
سيدنا عمر سمِعَ امرأةً تقول لابنتها: ضعي ماءً في الحليب حتَّى يزداد وزنه سيأتي مشتريه، قالت: يا أماه إنَّ عمر نهى عن مزق وخلط الماء بالحليب، قالت: ويحك أويَراكِ عمر؟ قالت: يا أماه إذا لم يراني عمر ألا يراني ربُّ عمر؟ هي مؤمنة:

وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)
[سورة الانفطار]

قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
[سورة الحجرات]

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
[سورة الحديد]

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
[سورة المجادلة]

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)
[سورة البقرة]

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)
[سورة التغابن]

هل آمنَّا بالقرآن؟ إذا آمنَّا بالقول وخالفنا العمل فنحن لسنا مؤمنين بل نحن منافقون ندَّعي قولاً ونكفر عملاً، هل سوف نبقى هكذا إلى أنْ نموت؟ وقد مضى مِنْ عمرنا نصف العمر، أو الثلث أو الثلثين؛ أو كله؛ إلَّا أيام أو شهور أو بضع سنين، يا تُرى هل نريد أنْ تكون الخاتمة على هذا المستوى أم نبدِّل السيئات بالحسنات؟

نتيجة تصديق أيمان الله عزَّ وجلَّ :
﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ في سورة البروج:

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5)
[سورة البروج]

(وَالسَّمَاءِ) أُقسِم بالسماء (ذَاتِ الْبُرُوجِ) وأُقسِم بـ (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) وبـ (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ) هناك جوابٌ محذوف يعني أُقسِم بكل هذه الأيمان أنَّكم ستحاسبون وستُبعثون بعد موتكم وإلى محكمة ربكم ستُحاسبون:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)
[سورة المرسلات]

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)
[سورة النازعات]

خمسمئة يمين يحلِف الله عزَّ وجلَّ لنا فيه في القرآن فهل صدَّقنا الله عزَّ وجلَّ في أيمانه؟ إذا صدَّقنا نكون خير أمَّة وإذا كذبنا فنحن شرُّ أمَّة، وإذا صدَّق أحدنا فهو مِنْ خيرة النَّاس وإذا لم يصدِّق فهو مِنْ شرار النَّاس، فهل تريدون أنْ تكونوا مِنَ الأشرار أم مِنَ الأخيار؟ والذي يريد أنْ يكون من الأشرار ليرفع يده، ليس أمامي هنا لا يوجد شيء، لكنْ خرجت إلى الخارج وذهبت إلى السوق وفي الدكان أو في بيتك أو البستان فإذا صار لك مطمعٌ ونفَخَ الشيطان فيك فتطرد وتنتقم بلسانك أو بعينك أو بأذنك، العبرة هناك، إنْ شاء الله عزَّ وجلَّ أن يزيدكم إيمانًا، وإنْ شاء الله ربي أنْ يجعلنا من المؤمنين حقاً:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
[سورة الأنفال]

(وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) وبه يثقون.
يا تُرى هل سنحظى بشهادة الله عزَّ وجلَّ؟ يقول الله عزَّ وجلَّ لنا أولئك وأنتم المؤمنون حقاً، أصحاب الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أكثرهم نالوا هذه الشهادة رضوان الله عزَّ وجلَّ عليهم، وإنْ شاء الله تعالى:

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)
[سورة الأنعام]


عاقبة التقوى في الدنيا والآخرة:
﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ فدرسنا الذي سوف تحفظوه طوال هذه الجمعة هو هذه الآية ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ رقيبٌ ومُشاهد، رقيبٌ وعتيدٌ على كلامك يوجد حافظٌ يحفظ كلامك ويُسجِّله، وعلى خطواتك يوجد حافظٌ يُسجِّلها، وبالفيديو ليس بالصوت ولكنْ بالصوت والصورة، فهل يا تُرى تكونون بهذه الآيات رابحين أم خاسرين، وتكونون ناجحين أم فاشلين، ويا تُرى تكسبون الآخرة وتخسرون الدنيا أم تكسبونهما؟

وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
[سورة الطلاق]

وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
[سورة النحل]

(وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) لمن يستجيب لأمر الله عزَّ وجلَّ، (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) هل يكذِبُ الله عزَّ وجلَّ أو يغشّ أو يتكلَّم بغير الواقع.

الإسلام هو الاستسلام والانقياد لأمر الله عزَّ وجلَّ:
فهل يا تُرى نوينا أنْ نصير مسلمين؟ فما معنى مسلمين وما معنى الإسلام؟ أنا أريد أنْ أسأل، الاستجابة لكلِّ أوامره، بلسانه ويده ورجله وبطنه وفكره وكلِّه.. فهل أنتم مستعدُّون لأنْ تستجيبوا؟ جرِّبوا أنفسكم هذا الأسبوع إلى الجمعة القادمة، مِنْ هذا اليوم إلى العشية الثانية للمساء، خطواتكم وأذنكم وعينكم ولسانكم فإذا رأيتم منكرًا تنكرونه؛ أو مُقصرًا في أداء فريضة أو معروف تأمرونه، فإذا فعلتم ذلك فقد استجبتم لله عزَّ وجلَّ فاستحققتم لقب مسلم ومسلمة، وإذا رأيتم منكرًا شخصٌ يرتكب الحرام ولا أبالي وأنَّ كلَّ إنسانٍ مسؤولٌ عن نفسه، هذا كلام الله عزَّ وجلَّ صدق الله العظيم:

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
[سورة التوبة]

فهذا ليس كلام الله عزَّ وجلَّ بل هذا كلام السوق، وهذا واقعنا يا بنيَّ، هل سنكذب على أنفسنا؟ فلتعاهدوني: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ بالدكان وبالسوق، وبالبيت وبالشارع، بلسانك وبأذنك، وبعينك وبقدمك، وبيدك وبالذي لك وبالذي عليك؛ فإذا فعلتم ذلك والله سعِدتُم في الدنيا والآخرة.

دعاء وترحيب:
اللَّهم اجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسَنه، واجعلنا اللَّهم هادين مهديين ولا تجعلنا ضالِّين ولا مُضلِّين ولا تُخزِنا لا في الدنيا ولا يوم الدين.
الآن يشرفنا زيارة أخونا في الله الدكتور مُحمَّد باقر حجتي مؤلف إسلامي إنْ شاء الله أنْ يكون مؤلفًا إسلاميًّا ويجعلنا مؤلفين ونعيد بناء الإسلام، والله تصبحون أسياد الأمم، من شهرين أو ثلاثة رأيتم بعينكم وسمعتم بآذانكم المسؤول الأمريكي لـمَّا ألقى الكلمة هنا ونائب المخابرات المركزية في أمريكا سابقًا كيف فهم الإسلام وكيف عبَّر عن إيمانه وإسلامه، وقبله كان أحد أساتذة الجامعة في أمريكا وأحد زعماء سود المسلمين، عصركم هو عصر الإسلام والإسلام آتٍ وهذه لحيتي، هل تتذكرون أول الثمانينات حين قلت لكم هذه لحيتي والشيوعية قريباً ستنتهي هل تتذكرون؟ الذي سمع فليرفع لي إصبعه، والقرن الحادي والعشرين قرن الإسلام، فشمِّروا لتكون جنوده وبُنَاته، أولاً اِبنُوا إسلامكم في أنفسكم وفي أهليكم وفي مَنْ حولكم كلٌّ على قدر استطاعته، والله عزَّ وجلَّ يقول في الأثر: (عبدي حرك يديك أنزِل عليك الرزق) فمؤلف الإسلام إنْ شاء الله نصير مِنْ مؤلفي الإسلام، والأستاذ هدايتي المدير العام لمنظمة القرآن الكريم ومعهما عدد مِنَ الناجحين بمسابقة تحفيظ القرآن الدولية وفرقة الترشيح النبوية، يريدون أنْ يتكرمون علينا بأنْ يُسمعونا شيئاً مِنْ كلام الله عزَّ وجلَّ، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلنا نسمع بالقلوب الطاهرة والنفوس التي تتقبَّل قراءة القرآن كأوامر إلهية ووصايا ربانية لتتمثَّل فينا لا أنغاماً وطرباً بموسيقاها بل تتمثَّل فينا أعمالاً وأخلاقًا وسلوكًا.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّدٍ وآله وصحْبه والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:
(1) سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في إذا زلزلت، رقم: (2894)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه، رقم: (12510)، (3/146).
(2) سنن أبي داود، أول كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، رقم: (2548).
(3) شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (9891)، (13/19)، المستدرك للحاكم، رقم: (2136)، (2/5)، مسند الشهاب القضاعي، رقم: (1151)، (2/185).
(4) مسند أحمد, رقم: (9308), (15/177), بلفظ: ((أَنَّ الْحَسَنَ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِخْ كِخْ، أَلْقِهَا، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَة)), سنن الدارمي, رقم: (1682), (2/1023).
(5) سنن الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، رقم: (3686)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (17441)، (4/154). قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"
(6) صحيح البخاري, كتاب الإيمان, باب الزكاة من الإسلام, رقم: (46), صحيح مسلم, كتاب الإيمان, باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام, رقم: (11),
(7) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} فسماهم المؤمنين، رقم: (31)، وكتاب الديات، باب قول الله تعالى {ومن أحياها}، رقم: (6481)، صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، رقم: (2888).
(8) سنن أبي داود، أول كتاب العلم، باب الحثُّ على طلب العلم، رقم: (3641). والتِّرمذيُّ، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682). سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (223).
(9) حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني, (9/279)
(10) صحيح البخاري، كتاب الأذان: باب مايقول بعد التكبير، رقم: (745)، كتاب المساقاة: باب فضل سقي الماء، رقم: (2365)، كتاب بدء الخلق: باب خمس من الدواب فواسق، رقم: (3318)، كتاب أحاديث الأنبياء: باب حديث الغار، رقم: (3482)، صحيح مسلم، كتاب الكسوف: باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، رقم: (904)، كتاب السلام: باب تحريم قتل الهرة، رقم: (2242)، (2243)، كتاب البر والصلة والآداب: باب تحريم تعذيب الهرة، رقم: (2619).
(11) سبق تخريجه.
(12) المعجم الكبير للطبراني كما عزاه له الهيثمي في بغية الرائد (1/403)، ومعرفة الصحابة لابن منده كما عزاه السيوطي في الدر المنثور (2/301).
(13) صحيح البخاري، كتاب الأدب: باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (6011)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب: باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم: (2586).
(14) مسند أحمد ط الرسالة (18/ 43) رقم (11462).
(15) صحيح البخاري, كتاب مواقيت الصَّلاة, باب فضل صلاة العصر, رقم: (555), صحيح مسلم, كتاب المساجد ومواضع الصلاة, باب فضل صلاتي الصبح والعصر, رقم: (632).
(16) سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب، رقم: (2459)، المصنف لابن أَبى شيبة، رقم: (16306)، (13/270),