تفسير سورة التكوير 01

  • 1995-05-16

تفسير سورة التكوير 01

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه ويُكافئ مزيده، وأفضل الصلوات وأعطر التحيات نقدمها إلى سيدنا محمدٍ خاتم النبيين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى وجميع إخوانه من النبيين والمُرسلين وأحباب كلٍّ وأصحاب كلٍّ وآل كلٍّ أجمعين، نحن الآن في تفسير سورة التكوير، التكوير نسبة إلى:

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
[سورة التكوير]

يعني انطفأت وبَطل نظامها وسُلبت نورها.

وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)
[سورة التكوير]

كذلك تناثرت وتفتّت وذهب وجودها وضوءها.

وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
[سورة التكوير]

لا يبقى لها وجود عند قيام القيامة وخراب هذه الأرض وهذا الكوكب.

محكمة الله يوم القيامة تشمل الإنسان وغير الإنسان:
وما أكثر سور القرآن التي ذكرت القيامة، عشرات السور من صغيرةِ الحجم إلى متوسطة إلى كبيرة، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام عن سورة الزلزلة التي تصف بعض أوصاف القيامة فقال:

{ { إِذَا زُلْزِلَتْ } تعدِلُ نصفَ القرآنِ ، و{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } تعدلُ ربعَ القرآنِ ، و{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تعدلُ ثلثَ القرآنِ }

[الألباني ضعيف الجامع]

يعني نصف القرآن يبحث ويُركز على شرح وتوضيح وبيان خراب هذا الكوكب وانتقال الإنسان إلى كواكب لا يعلمها وإلى عالم لا يعلمه إلا الله عز وجل كما يقول القرآن:

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ(48)
[سورة إبراهيم]

وعند ذلك تكون وتُفتح محكمة الله عز وجل لمخلوقاته ليُحاسبوا على أعمالهم في حياتهم الدنيا، حتى الحيوان يُساق إلى محكمة الله وإلى قضاء الله.
مرةً والنبي جالس مع أصحابه الكرام وإذا بشاتين يعني غنمتان يتناطحان فقال النبي الكريم لأصحابه: أتدرون فيما ينتطح العنزان؟ ما الدافع حتى يتناحطان؟ قالوا لا، قال: ولكن الله يعلم ما سبب انتطاحهما وسيقضي بينهما بالعدل يوم القيامة ثم يقال لهما كونا تراباً.

{ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأى شاتينِ ينتطحانِ فقال : يا أبا ذرٍ أتدري فيم يتناطحانِ؟ قلتُ : لا قال : ولكنَّ اللهَ يدري وسيقضي بينهما يومَ القيامةِ }

[تخريج الإحياء للعراقي]

فمحكمة الله تشمل الإنسان وغير الإنسان.

الإيمان الحقيقي يمنعك عن كل معصية ويقربك من كل فضيلة:
فذكر الله في سورة التكوير اثني عشر مقدمة قبيل قيام الساعة، ستةٌ منها على الأرض، وستةٌ منها في العالم الآخر، ثم يقول بعد ما يذكر مقدمات القيامة يقول وعند ذلك:

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
[سورة التكوير]

وإذا، وإذا ماذا يكون قال:

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
[سورة التكوير]

فأعمال الإنسان تُعرض عليه في محكمة الله ويراها بنفسه بالفيديو الإلهي، يرى سرقته عندما سرق، يلتفت يميناً ويساراً هل يراه أحد؟ فلو كان مؤمناً بالله يرفع رأسه إلى السماء هل يراه الله؟ فلو آمن بالله الإيمان الحقيقي لردعه إيمانه عن كل نقيصةٍ، وعن كل رذيلةٍ، ولدفعه الإيمان إلى كل فضيلةٍ، وإلى كل سعادةٍ، والعرب لمّا شُرّفوا بمدرسة النبوة المُحمديّة كانوا من أحطِّ شعوب العالم فقراً وجهلاً، وأُميّةً، وتنازعاً، وتقاتلاً، وحروباً، وخرافات، يعبدون الأحجار والأصنام يتخذونها آلهة، فبمدرسة السماء بمدرسة الله وإذا بهم بأمرٍ لم يجرِ في التاريخ مثله بعشرين سنة يُمثّلون أعظم أُمةً أخلاقاً، ورُوحانيةً، وربانيةً، وعدالةً، ومشارعةً، ويمثّلون أعظم دولةٍ عالميةٍ إنسانيةٍ ربّانيّةٍ سماوية، في ظل وتحت مظلة ثقافة السماء بأصالتها كالماء لمّا ينزل مطراً من السماء ينزل مُعقماً لا جرثوم ولا مكروب، لمّا يختلط الماء بالإنسان فالإنسان يلوثه، فكانت الرسالة بصفائها بأسرع الأوقات وبأقل النفقات والتضحيات يُمثلون ما ذكره القرآن الكريم.

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

يتساوى فيها الإنسان مع الإنسان في حقوق الحياة بقطع النظر عن دينه، أو لونه، أو قوميته، أو لُغته، الإنسان حرٌ فيما يؤمن ويعتقد

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
[سورة الكافرون]

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
[سورة البقرة]

أنت عليك يا محمد أن تُبين للناس الحق بحقيقته والباطل بواقعه، ولا تُكره أحداً على ما تدين به وتؤمن به، (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
[سورة يونس]

هذا استفهام استنكاري يعني أن لا تُكره أحداً، وعاش المجتمع والشعوب والدولة بلا شرطة وبلا سجون وبلا قُضاة، فالمجرم والمذنب لمّا يُذنب يكون في نفس الوقت الذي هو مذنب يكون في نفس الوقت الذي هو القاضي على نفسه والمُعاقب لنفسه على ما فعل من خطأٍ أو ذنبٍ أو معصية.
أبو لبابة مرةً من أصحاب رسول الله وقع في ذنب وما علم بالذنب أحد، فدخل النبي المسجد وإذا به يرى الصحابي أبو لبابة ربط نفسه بأحد عواميد وسواري المسجد، ربط نفسه بالحبل وحلف بأنه لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ويظل مربوطاً إلا وقت الصلاة حتى يتوب الله عليه ويغفر له أو يموت ولا يريد الحياة مع ذنبٍ واحد! فأي قاضٍ حكم عليه بهذه العقوبة ؟! وأيُ شهودٍ شهدوا عليه، ورآه النبي الكريم فقال: مادام قد عمل بنفسه ما عمل فأمره إلى الله أنا لا أفكه، فبقي مربوطاً خمسة أيامٍ بلياليها، والنبي قبل الفجر في صلاته للتهجد ينزل عليه روح القدس جبريل في شأن أبي لبابة، فحُكم المحكمة الإلهية ولكن بالعفوِ عن خطيئته في قوله تعالى في سورة الأنفال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
[سورة الأنفال]

هذا الخطاب موجه لأبي لبابة لأنه عَمِل عَمل فيه خيانة في أمور الدولة، وسبب الخيانة الطمع المالي أو بعض حظوظ النفس، وبنزول هاتين الآتين في حقه كانت إشارةً إلى عفوِّ الله عنه فأتى النبي ففكه من رباطه، وهكذا فعلت مدرسة السماء وهكذا كان المُذنب الجاني لا يحتاج إلى قاضٍ ولا إلى شهود ولا إلى شرطة ولا إلى سجون.
في عهد خلافة أبي بكرٍ جعل القاضي عنده عمر بن الخطاب، فبعد سنتين من تولي عمر وظيفة القضاء، أتى إلى بكرٍ الصديق يُقدّم استقالته، وقال له: أنا لا أريد أن أعمل بهذا العمل، قال له: لِمَ؟ هل تداخل في قضائك أحد؟ هل منعك أحد؟ قال له: لا أبداً، قال له: لماذا إذاً تستقيل؟ قال له: في هاتين السنتين ما أتاني لا مُدّعي ولا مُدّعى عليه! لا خصم ولا خصمان ولا مُتخاصمان! فبعد أن كانت الحروب بينهم تطول عشرات السنوات ولأتفه الأمور، وأبناء الصحراء ولا يقرؤون ولا يكتبون هكذا نهض بهم الإيمان ورسالة السماء حتى محكمة واحدة لا يأتيها أي مظلومٌ واحدٌ يشكو ظالمه، فأقام النبي ببركة الوحي أقام أعظم أمة بعد أن كانت أحقر وأفقر و أجهل أُمة، وأقام أعظم دولة ودولةً عالميةً، ربّانيةً، إنسانيّةً، من الهند إلى البحر الأطلسي مع اختلاف ألوانها ولُغاتها وثقافتها جعلهم كالجسد الواحد:

{ مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى }

[صحيح مسلم]


على الإنسان أن يُراقب الله في كل أعماله وأفعاله:
إذا مرض عضو، إصبعك الجسد كله تُصيبه الحُمى من أجل هذا العضو الواحد، فما أحوج إنسان القرن العشرين المُتباهي باختراعاته وتقدمها، لكن يا ترى هل تقدَّم الإنسان؟ هل صار الإنسان أخا الإنسان؟ هل صار الإنسان يُراقب الله في أعماله، صغيرها وكبيرها، مع عدوه مع صديقه، لمّا القرآن يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)
[سورة النساء]

إذا حكمتم فاعدلوا وأقسطوا بين الناس، شهداء لله، إذا أردت أن تؤدي الشهادة ليس لأجل مصلحة نفعاً ولا ضرر، ولو على أنفسكم إذا أذنبت يجب أن تقر بذنبك، أو الوالدين إذا أبوك أو أمك فعلوا ما فيه ظلمٌ أو عدوان وكنت أنت الشاهد يجب أن تؤدي الشهادة ولو على أبيك وأمك، والأقربين، الآن حكومات العالم إذا تحركوا وتصرفوا، الدافع العدل والمساواة أو المصلحة التي يسمونها قومية أو وطنية، يقول لك مصلحتي هكذا تقتضي، هذا غير حق هذا ظلم يقول لك المصلحة، أما في شريعة الله وقانون الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
[سورة النحل]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)
[سورة المائدة]

يعني لو كان الخصم خصمك وعدوك والحق معه إياك أن تحملك العداوة بينك وبينه على أن تجور أو تظلم أو تمنعه حقه، وإن لم تفعل فهناك محكمة الله (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) فهل يستطيع إنسانٌ أن يتفلت من هذه المحكمة؟ بواسطة محامي قدير، أو بواسطة شفاعة وزير، أو أن يكون قريب من الملك أو الرئيس، أو بدفع رشوة، الله لا يرتشي والله عز وجل:

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
[سورة الأنبياء]


أعمالك تُعرض عليك يوم القيامة صغيرها وكبيرها:
فبعد أن ذكر الله مواصفات مقدمات القيامة قال عند ذلك، (عَلِمَتْ نَفْسٌ) كل نفس، الملك، والرئيس والإمبراطور، والملياردير، ورجل الدين، والمرأة، والرجل، وصاحب الجاه، وصاحب الجمال، وصاحب المال، تُعرض أعماله عليه في محكمة الله، الله قاضيها والأنبياء أعضاء المحكمة:

يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)
[سورة المائدة]

ويُقدَم للإنسان كتاب أعماله ويقال له حسب القرآن:

اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
[سورة الإسراء]

وإذا كان كتابه مُصوَّر وناطق هذا ماذا يسمونه؟! فإذا كان شتم الدين والمَلَك

مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
[سورة ق]

مخابرات الله، يراك ولا تراه، فلسانك قلمه وريقك حِبره، وأعمالك مُسجلةٌ بصحيفةٍ الكترونية ربّانيّة (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ).
لمّا مشهد السرقة يقول له سرقت؟ هو يرى السرقة لما مدّ يده، ولمّا أحضر المفتاح، ولمّا التفت هكذا وهكذا، ولمّا سمع وقع أقدام اختفى، الصورة كلها مُجسمة وأمام من؟! لو أمام أخوك أو أبوك أو صاحبك تخجل وتُخفي نفسك حياءً.

وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
[سورة التكوير]

نُشرت صحائف أعمالك وبهذا الشكل،(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا )

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
[سورة يس]

في محكمة الله، يدك هي التي تنطق، تقول يا ربي أنا سرقت هو الذي استعمل هذه اليد في السرقة، أنا يا ربي ظلمت، أنا ضربت، أنا قتلت، (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم) لمّا أنت ذاهب إلى ما يُغضب الله من ظلمٍ، أو خيانةٍ، أو عدوانٍ، أو معصيةٍ، أو فسقٍ، أو فجور، (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فبهذه الثقافة السماويّة ماذا كان حال مُثقفيها وتلامذتها وخريجيها؟

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
[سورة الأنبياء]

الذكر هو اللوح المحفوظ الكتاب السماوي.

الإسلام ساوى بين الشعوب وساوى بين الناس جميعاً:
وصدق الله لمّا العرب استقاموا على تعاليم الله أورثهم الله عز وجل الأرض وماذا فعلوا لمّا فتحوها؟ الاستعمار همه أن يجمع الأموال الثروات، أن يستعمل الشعوب المغلوبة خدماً وعبيداً، أما برسالة السماء فعلَّم كل الشعوب كما يتعلّم العرب تتعلّم بقية الشعوب، ثقّف كل الشعوب، هذَّب كل الشعوب، ساوى بين كل الشعوب، في ظل الحرية والعدالة والضمان العلمي والتعليمي والضمان الغذائي والصحي والطبي.
لمّا سيدنا خالد عمل المعاهدة عند فتح الشام مع نصارى العرب، كان من جملة بنود المعاهدة أنَّ النصراني إذا تعطّل عن العمل ولم يتهيأ له ما يقوم بحاجة أهله وعياله فبيت مال المسلمين يعني خزينة الدولة ووزارة المالية هي المُكلّفة بأن تُقدم له ما يحتاج من أمور معيشته، طعامه، شرابه دواءه، لباسه، إذا عجز عن أداء ديونه فالدولة تضمن للدائن حقه لا يضيع، وللمدين تؤدي عنه حتى لا تُجرح كرامته ولا يُنظر إليه نظرةً غير لائقة.
ورأى عمر مرةً مسيحياً يتسول، يعني يسأل الناس ويشحذ فغضب عمر وقال لِم؟ للمسلمين تأخذون منه الجزية شاباً وتضيعونه شيخاً، افرضوا له عطاءه في بيت مال المسلمين، والجزية التي هي ضريبة سُميت الجزية كانت تُفرض على غير المسلم إذا كان غنياً مهما بلغت ثروته أربع دنانير في السنة، والمتوسط ديناران، والعادي دينارٌ واحد، أما المسلم إذا يملك ألف دينار ما الضريبة التي تجب عليه التي تسمى بالزكاة؟ خمسة وعشرون دينار المسلم يدفعها ضريبة وتسمى بالزكاة، وإذا كان يملك عشرة آلاف دينار يجب أن يدفع مائتان وخمسون دينار، والمسيحي إذا يملك عشرة آلاف دينار يدفع أربع دنانير، لو أي دولة تعمل الضرائب بهذا الشكل، لهاجر الناس إليها وتركوا دينهم فقط ليُعفوا من الضرائب الباهظة.
فبعد أن ذكر الله مقدمات القيامة في هذه السورة فقال (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)، ففكر أنت يا أيها الإنسان وأنت في محكمة الله وأعمالك عُرضت على الله، وظلمت ضعيفاً، خُنت من ائتمنك، تعديت على أي مخلوق من إنسان أو حتى من حيوان، زوجتك، خادمك، جارك، شريكك، أجيرك، في القضاء، في الحكم، في الدولة، يوم القيامة عند الله لا يوجد لا صاحب الجلالة ولا صاحب السعادة

{ يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، النِّساءُ والرِّجالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ! قالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا عائِشَةُ، الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ }

[صحيح مسلم]

وفي محكمة الله كل شيءٍ مسجل في كتابٍ

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
[سورة الكهف]

مرةً نادى النبي لجاريةٍ خادمةٍ في بيته فلم ترد عليه، فخرج يُفتش عنها فرآها تلعب مع رفيقاتها وكان بيده سواك، والنبي ينادي وهي تسمعه ولا تجيبه فقال لها: والله لولا خشية القصاص، لولا أني أخاف أن يُحاسبني الله لأوجعتك بهذا السواك، هذا السواك يؤلم؟! ما استطاع أن يضربها بفرشاة الأسنان خوفاً من القصاص وإن كان نبياً.

{ كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتي وكان بيدِه سِواكٌ فدعا وصيفةً له أو لها حتَّى استبان الغضبُ في وجهِه فخرَجَت أمُّ سَلَمةَ إلى الحُجراتِ فوجَدَت الوصيفةَ وهي تلعَبُ ببُهْمَةٍ فقالت ألا أراكِ تلعبين بهذه البُهْمةِ ورسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعوك فقالت لا والَّذي بعَثك بالحقِّ ما سمِعْتُك فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لولا خشيةَ القَودِ لأوجَعْتُك بهذا السِّواكِ وفي روايةٍ لولا القِصاصُ لضرَبْتُك بهذا السِّواكِ وفي روايةٍ لولا مخافةُ القِصاصِ لأوجَعْتُك بهذا السَّوطِ }

[الهيثمي إسناده جيد]

ومرةً عثمان ابن عفان وقد بلغت جيوش الفتح وكان الفتح ليس استعماري كما هو في القرن العشرين، كان الفتح تحريري للشعوب من الاستعمار، بلاد الشرق الأوسط البحر المتوسط كانت كلها مستعمرة من الرومان، فأتى الإسلام مُحرراً مع أن الدولة الرومانية كانت تفرض مذهبها الأرثوذكسي على كل الطوائف النصرانية، ومن لا يستجيب كانت تصادر أوقافهم وتُغلق كنائسهم، لمّا فتح الإسلام البلاد أعطى الحرية لكل الطوائف كاثوليك، واليعقوبيين، والملكانيين، والسريان، كلٌ حسب ما يعتقد، لمّا كان الحكم نصراني أرثوذكسي فالدولة على المذهب النصراني الأرثوذكسي لا تريد إلا المذهب الذي تعتنقه، أما في الإسلام حرية المُعتقد (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)

قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
[سورة سبأ]


كل الرسالات السماوية تدعوا إلى عبادة الله وحده:
الله هو الذي سيكون الحَكَم، فلما رأت الشعوب في الإسلام، الإسلام الأول إسلام عهد النبي والخلفاء الراشدين حرية الدين، وحدانية الله، ويحمل الإسلام في نفس الوقت رسالة المسيح، يقول للمسيحي: لا أقبلك في الإسلام إلا ومعك مسيحيتك، ولليهودي يقول: لا أقبلك في الإسلام وأن تُفارق موسى وتوراته.

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
[سورة البقرة]

فالنصراني يدخل في الإسلام لا يسمع ولا يرى تصغيراً أو تنقيصاً لمقام السيد المسيح، ولا لوصاياه، ولا لرسالته، ولا لمبادئه، بالعكس يُنقيّها مما علق بها من غبارٍ أو أخطاءٍ في الترجمات، الآن الأديان الثلاث كلها تحتاج إلى دراسةٍ جديدة وإعادة النظر بما فيها الإسلام، لأنَّ الإسلام الذي عليه المسلمون اليوم ليس الإسلام الذي كان في زمن رسول الله، وليس الإسلام الذي ذكره ودعا إليه القرآن، الأديان الثلاث تحتاج إلى ثورة، إلى رجال دينٍ أحرار يُرجعونه إلى صفائه، ونقائه وجماله الأول حتى يتحقق ما حققّه سيدنا محمد رسول الله جعل كما يقول نابليون: من نصف العالم القديم أُمةً واحدة وفي أقل من مائة سنة.

كيف تكون مؤمن حقيقي؟
نعود (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) لمّا أنت تعمل خطيئة، أو نقيصة، أو ظلم، أو غش، أو خيانة، أو خديعة، أو تعدي، أنت مؤمن بهذه السورة (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)؟ إذا تكلمت بكلمة آذيت بها إنساناً هل تعلم أنها سُجلت عليك وأنها ستُعرض عليك في محكمة الله وأنك ستُقاصص عليها؟ فيا ترى القانون الإلهي أصلح للإنسان وأضمن لسعادته أم القوانين المعاصرة التي في كل بلد تجد عشرات المحاكم وآلاف جنود الشرطة والمحامين وكذا، وكذا، وكذا، من ظلم وعدوان وغش والتعدي والخيانة وكذا، لكن بدستور وقانون السماء مع وجود المُعلّم الحكيم المُزكّي أوجد أمةً لم يوجد التاريخ مثلها، ولا يوجد إلا إذا سارت على قانون الله عز وجل.
مرةً سيدنا عثمان أخطأ معه مملوكه أو موظف عنده فأخذ أُذنه ففركها، فبعد ما فركها ذكر (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) فقال للخادم: تعال فافرك أذني كما فركت أذنك! فأخبروني إذا شرطي فرك أذن سائق مخالف ظلماً هل يشعر بأنه أخطأ؟ ويطلب الصفح والمسامحة؟! إذا رئيس المخفر هل يفعلها؟ إذا رئيس الشرطة يفعلها؟ إذا مدير الناحية، إذا الرئيس إذا الوزير إذا الملك؟! سيدنا عثمان كان أعظم من كل هؤلاء وصل جيشه إلى بكين ووصل جيشه إلى حدود إسبانيا، وفرك أذن الخادم والمؤمن كما قال النبي:

{ إذا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، و ساءَتْكَ سَيِّئَتُكَ ، فَأنتَ مُؤْمِنٌ }

[أخرجه أحمد]

إذا عملت حسنة وفرح قلبك بفعلها وشكرت الله عليها، وساءتك سيئتك وإذا عملت السوء وشعرت بتأثرك وندمك على ما فعلت، فأنت مؤمن، وإذا تعمل مائة ألف سيئة وتترك مائة ألف فريضة وتدعي الإيمان، فدعوى الإيمان مع فقد حقيقته فهو نفاق وصاحبه اسمه مُنافق، يا ترى هل أنتم مؤمنون أم من النوع الثاني؟ أيهما أفضل، إذا أردت أن تشتري فجل من الخضري ويوجد فجل طازج والآخر غير طازج فأي تشتري، وإذا أردت أن تشتري نعل أحدهما جيد والآخر ليس جيد أيهما تختار لقدمك؟ إذاً لروحك ولمستقبلك الأبدي ولسعادتك في الدنيا ماذا ستنتقي يا ابني؟ يجب أن نذكر الله، ونذكر لقاء الله ونقرأ القرآن ونتمثل إذا قرأنا سورة إذا الشمس كورت لما تقرأها تتصور أنك في ذلك الموقف، الشمس عُدمت وتفتّت وذهبت في القضاء، والنجوم تناثرت، والجبال صارت
كالعهن المنفوش، والعشار التي هي أعز أملاك العرب الناقة المًعشرة قريبة الولادة صاحبها كم يحرص عليها؟ يهرب من جِماله وسياراته وتجارته ومن بضائعه من هول القيامة.

وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
[سورة التكوير]

الحيوانات التي يخاف بعضها من بعض تجتمع كل واحدٍ منها يذهل عن طبيعته وعن عدوانه على من هو أضعف منه (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) .
هذه السورة وحدها لو الإنسان يؤمن بها لتجعله الإنسان الفاضل وتجعل من المدينة، المدينة الفاضلة ومن الدولة، الدولة الفاضلة، وهكذا العرب في زمن رسول الله صار الشخص الفاضل والعائلة الفاضلة، والمجتمع الفاضل، والدولة الفاضلة، والأمة الفاضلة، والقصة يا ابني مُيسّرة القرآن موجود لكن تحتاج من يساعدك على بلوغ حقائق الإيمان، بأن يصل روحك لروح الله، أنت اسمك حي وبكَ حياة يعني حياة الجسد، يعني في حياة الجسد اسمك حيّ ولست بالميت، يا ترى روحك هل هي حيّةٌ بالله أم ميتةٌ بانقطاعها وغفلتها عن الله؟ تذهب إلى مستشفى الأرواح وطبيب الروح ليُعالج لك روحك ويُفتِّح بصيرتك مع بصرك، ويفتح أذنك في رأسك ومعها أذنك التي في قلبك،

وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)
[سورة الأعراف]

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)
[سورة الأنفال]

بحسب القلب والروح، (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) أنتم هل قرأتم هذه السورة؟ ماذا كانت ثمرتها بعد قراءتها في نفوسكم؟ في أعمالكم، في استعدادكم لذلك اليوم؟ لمّا تُعرض عليك الأعمال صالحها وسيئها، خيرها وشرها، هل فكرت؟ هل تُبت من أعمالك القبيحة، من صفاتك الرزيلة؟ هل أرجعت الحقوق التي أخذتها من الناس أرجعتها إلى أصحابها قبل أن تُؤخذ حسناتك يوم القيامة التي هي رأس مالك في الحياة الأبدية الخالدة؟ ثم قال تعالى بعد (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) يا ترى لو ثقافتنا في المدرسة تُربي الطالب على هذا الأساس إذا كان شرطي، إذا كان قاضي، إذا كان وزير، إذا كان مدير معمل، إذا كان فلاح، إذا كان شريك، إذا كان أجير، إذا كان زوج، إذا كان أب، إذا كان ابن، إذا كان جار، كيف تكون المعاملة؟ فلا تحتاج شرطة ولا تحتاج سجون، كم الدولة تتكلف على الأمن، السجون، إدارة السجون، الشرطة، المحاكم، القضاء، إلى آخره؟

مقدمات يوم القيامة:
ثم قال تعالى بعد ذلك:

فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
[سورة التكوير]

ما الخنس؟ الخنس هي النجوم التي تستتر عن رؤية الإنسان وعن نظره إذا طلعت الشمس، تخنُس وتستتر فلا تُرى، إذاً الخنس ما هي؟ هي النجوم المُستترة عن رؤية الإنسان إذا طلع النهار.

الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)
[سورة التكوير]

ما الجَوارِ؟ الجَوارِ هي النجوم، الخنس الجاريات التي تسبح في الفضاء، أرضنا كوكبٌ من الكواكب يجري في الساعة الواحدة بسرعة كم؟ ويقطع من المسافة كم من الكيلو مترات في أثناء الجري؟ الأرض تقطع في الساعة الواحدة مائة وثمانية آلاف كيلو متر، أسرع طائرة، أسرع قطار، أسرع سيارة، فالدراجة تحتاج إلى قائد والدراجة الكهربائية تحتاج قائد وتصليح دائماً، وكلما فرغ الوقود تحتاج وقود، يا ترى الأرض بأي وقودٍ تُسيَّر؟ الطائرة الطاقم فيها لطيرانها كم واحد؟ الأرض كم طاقم تحتاج في هذه السرعة وفي هذا الفضاء حتى لا تصطدم النجوم بعضها ببعض، فمن يقودها؟ وما هو وقودها؟ ومن رتب طريقها وسيرها لا تحيد يميناً ولا يساراً وفي ملايين السنين؟ لو الصحراء الكبرى في أفريقيا عُدّت ذرات رمالها! كم عدد الرمال في الصحراء لبلغت نجوم السماء أكثر من رمال الصحراء في إفريقيا! بهذه السرعات الهائلة وبقيادة من؟ وبتخطيط من؟ وبنظام من؟!
(فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) والخنس النجوم التي تُحجب عن النظر إذا طلعت الشمس أو حصل الغمام في أثناء الليل، الجوارِ التي تسير بسرعاتها الهائلة، الكُنّس التي تظهر في وقت الليل، ففي النهار النور يحجبها وفي الليل الظلام يُظهرها، عكس طبائع الأشياء نحن بالنسبة لنا الظلام يحجب الأشياء والنور يكشف الأشياء، فالله يقول: لا، يعني لا تنسوا يوم القيامة لا تنسوا محكمة الله، هذه بعض مُقدماتها، فكيف لو شاهدتموها وكنتم مُساقون إلى محكمتها؟ لا محامي ولا رشوة ولا أي شيء إلا

يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (41)
[سورة الدخان]

وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (48)﴾
[سورة البقرة]


الإيمان هو الذي يُربي ويُنمي الضمير في الإنسان:
إذا حكمت المحكمة هل يوجد من ينصره على قضائها؟ فهذه التربية هي التي جعلت الإنسان العربي الإنسان الفاضل، الإنسان الملائكي، القاضي العادل، فعثمان لمّا فرك أُذن خادمه وأشعره إيمانه بأنه أخطأ ولو خادم وأنت إمبراطور، عند الله لا يوحد خادم و إمبراطور الناس سواء، قال له:تعال فافرك أذني كما فركت أذنك! يا ترى شرطي إذا ضربك يقول لك تعال واضربني؟! مدير الشرطة الأكبر في الجيش؟ أي إنسان قوي مع أي إنسان ضعيف! هنا إمبراطور حكمه واصل إلى حدود الصين إلى إسبانيا ومع من؟! لم يُقدم دعوى ولا شكوى ولكن الإيمان، الآن يقولوا الضمير، ما هذا الضمير؟ عند من يكون الضمير؟ من أين نشتري الضمير؟ كيف نجد الضمير؟ الضمير الحقيقي هو الإيمان، الإيمان هو الذي يُربي الضمير، هو الذي يُنمي الضمير، هو الذي يجعلك ((إذا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، وساءَتْكَ سَيِّئَتُكَ ، فَأنتَ مُؤْمِنٌ)) فالخادم يمتنع لماذا؟ الخادم قال له: لا ، قال لماذا؟ قال له: أخشى يا أمير المؤمنين أن أفرك أذنك أكثر مما فركت أذني فتقتص مني يوم القيامة! والله لو يا ابني لو كان أعظم كاتب روائي أو كاتب خيالي ليُصور المسؤولية من باب التربية للناس لا يبلغ ما بلغه الإيمان في نفس الإمبراطور وفي نفس الخادم، فقال له: إذاً سامحني قال سامحتك.
مرةً أبو ذر حدث بينه وبين بلال خِلاف، فأبو ذر شتم بلال وقال له: يا ابن السوداء! يعني ماذا يقصد من هذه الكلمة يعني يشتمه يعني من أنت؟ أنت أسود وليس لك قيمة! فشكاه إلي سيدنا رسول الله، فدعاه سيدنا رسول الله ليس بعد شهر، المحكمة تطول وسنة وسنتين وخمس سنوات ومع ذلك الشخص يكسب حقه أم لا يكسب حقه؟ ويدفع المبلغ المرقوم للمحاماة وغيرها وطوابع وإلى آخره، والنبي مُغضب ووبخ أبا ذر، وقال له: يا أبا ذر أما علمت أنه ليس لابن البيضاء فضلٌ على ابن السوداء إلا بالتقوى؟ تُعيّره بسواد أمه! فرجع سيدنا أبو ذر إلى بلال ولم يقل النبي وبخني، وشتمني وحقرني أمام الناس، فأتى إلى بلال ووضع خده على التراب، وقال: أقسمت عليك بالله إلا أن تطأ بنعلك خدي الآخر لعل الله أن يغفر لي ما أسأت به إليك.

كيف صار العرب بعد الإيمان والقرآن؟
فكيف كان العرب قبل الإيمان وكيف صار العرب بعد الإيمان والقرآن؟ يا ترى قرن العشرين وإنسان القرن العشرين والواحد والعشرين والألف والثلاثمائة وعشرين بحاجة إلى هذه الثقافة؟ إلى هذه المدرسة؟
مرةً كان معاوية عمل صُلحاً مع الروم وهُدنة لسنة أو سنتين قبل انقضاء الهُدنة بثلاثة أيام جهز الجيش وأمره أن يتجه إلى الحدود، والمُعاهدة لا تقتضي ذلك، فالصحابة قالوا له: أغدراً يا أمير المؤمنين؟! يوجد هدنة وتقرب الجيش إلى الحدود يعني عندما تنقضي هذه الأيام الثلاثة سيهاجم الروم، فالصحابة انتقدوا عليه أن هذا خلاف الأمانة وخلاف العهد والقرآن يقول:

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا(34)
[سورة الإسراء]

ما أوجب على معاوية أن يُرجع الجيش إلى حدوده الأولى وفاءً بالعهد الذي جعل الله الوفاء بالعهد علامةً من علامات الإيمان، ونقض العهد علامةً من علامات النفاق، فما رأيكم الدين لازم أم غير لازم؟ الدين رجعي أم تقدُّمي؟ الدين عطاء أم سلب، الدين رفعة أم خفض؟ لمّا النبي يقول:

{ منِ استَوى يوماهُ فَهوَ مَغبونٌ ، ومن كانَ آخرُ يوميهِ شرًّا فَهوَ مَلعونٌ ، ومَن لم يَكُن في الزِّيادةِ فَهوَ في النُّقصانِ ، ومن كانَ في النُّقصانِ فالموتُ خيرٌ لَهُ ، ومَنِ اشتاقَ إلى الجنَّةِ سارعَ في الخَيراتِ }

[السخاوي إسناده ضعيف]

إذا كل يوم لا تزداد علماً، كان يقول لا بورك لي اللهم لا تبارك لي في يومٍ لم أزدد فيه قرباً إليك وعلماً ومعرفةً بك، اللهم لا تبارك لي في هذا اليوم، فيقول: من استوى يوماه كل يوم يجب أن يكون أفضل من اليوم السابق في التقوى، في الأخلاق، في العِلم، في كل ما يُسعدك ويُسعد الآخرين، من استوى يوماه فهو المغبون الذي يشتري الحاجة بأكثر من ثمنها، أو يبيعها بأقل من ثمنها، ومن لم يكن يومه خيراً من أمسه في الخير وفي العِلم وفي التقدم، فهو محروم ومن لم يكن في زيادة من العِلم والتقدم والخير والفضائل فهو في نقصان ومن كان في نقصان فالموت خيرٌ له.
اطلبوا العِلم ولو في الصين، الآن تذهب للصين بالقطار وتذهب بالسيارة في ذلك الوقت لم يكن إلا على قدمك أو على الجمل فهكذا حضّ على العلم وقال:

{ ليس مني إلا عالمٌ أو مُتَعَلِّمٌ }

[الألباني ضعيف الجامع ]

(فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ)، ما الخنس؟ النجوم المُستترة بشعاع الشمس، الجوارِ الكواكب الجاريات، الكُنّس التي تظهر في الليل.

وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)
[سورة التكوير]

وأُقسم بالليل إذا أقبل

وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)
[سورة التكوير]

والنهار إذا أقبل بنوره وبشمسه وضيائه.

أشرف ملائكة السماء حمل رسالة الله إلى الإنسان:

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
[سورة التكوير]

إنه أي القرآن، تبليغ الله الذي يبلغه لك يا محمد هو روح القدس جبريل، إنه لقول رسول حامل رسالة من الله إلى الإنسان وهذا الرسول مُكرَّم عند الله، لأنه هو سفير السماء إلى الأرض وسفير الله إلى عباده الإنسان، إنه يعني القرآن، لقول يعني لكلام وتبليغ رسولٍ من الرسول؟ جبريل، أشرف ملائكة السماء الله أرسلها لك رسول برسالة من عند الله، لو مخفر الشرطة أرسل لك رسالة الحضور غداً الساعة الثانية عشر، أو التموين أذاعت الساعة الثانية عشر توزيع السكر الكيلو بخمس ليرات من الساعة الثانية عشر للساعة الثانية، ماذا سيكون موقفك تجاه هذا البلاغ؟ هل أحد سيقول مشغول ليس لدي وقت! نمت! فلما رب العالمين أرسل لنا البلاغ مع أشرف ملائكته برسالة لتُسعدنا في الأرض وفي السماء وقد جُربت فأوجدت أعظم، وأشرف، وأقدس، وأعزّ أمة، وأعظم وحدة، وأعلم أمة بحسب زمانها وعصرها، فإذا جاءك بلاغ من الله ليُحقق لك سعادة الدنيا في جسدك، في عقلك، في علمك، في دنياك في زراعتك، في اقتصادك، رسولٌ كريم ذو كرامةٍ عند الله لم يرسل لك أي أحد، رسولٍ كريم.

ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)
[سورة التكوير]

القوة الملائكية لمّا الله أوحى إليه أن يقلب قرى قوم لوط قلبَها في السماء وجعل عاليها سافلها، مكين له مكانته وكرامته ومنزلته عند الله عز وجل.

مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
[سورة التكوير]

الذي حمل رسالة الله إلى الإنسان في هذا الأرض الذي هو القرآن، ومن قبله رسالة المسيح التي هي الإنجيل، ورسالة سيدنا موسى التي هي التوراة، ورسالة سيدنا إبراهيم التي هي الصُحف ثم الله قال بأن كل هذه الكتب السماوية تعني شيئاً واحداً إلى هدفٍ واحد وعقيدةٍ واحدة.

إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ (19)
[سورة الأعلى]


القرآن جاء ليتمم رسالة الكتب السماوية ويحقق سعادة الإنسان:
يعني القرآن ما أتى ليُخالف التوراة التي أنزلت على موسى ولا ليُخالف الإنجيل بل أتى ليؤكدها ويتمم ما يحقق سعادة الإنسان كما ورد في الحديث يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:

{ مَثَلِي ومَثَلُ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيانًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ مِن زَواياهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به ويَعْجَبُونَ له ويقولونَ: هَلّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ قالَ فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتَمُ النبيِّينَ. وفي رِوايَةٍ : مَثَلِي ومَثَلُ النبيِّينَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. }

[أخرجه البخاري]

ينقص لبنة حجر واحد، كل نبي وضع لبنة في بناء الإيمان وأتى سيدنا محمد باللَّبنة الأخيرة فإذاَ الدين واحد.

إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
[سورة الأنبياء]

يقول أيضاً في القرآن:

شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)
[سورة الشورى]

الدين الذي أنزله عليكم هو الذي وصى به نوحاً، وهو الذي أوصى به إبراهيم وموسى وعيسى.
المسلمين جعلوا الإسلامية مائة إسلام، والمسيحيين جعلوا المسيحية مائة مسيحية، واليهود جعلوا اليهود أيضاً عدة مذاهب، والله يقول الدين واحد، يقول الله في سورة النساء:

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)
[سورة النساء]

إذاً المسيحي يَجِد المسيح في القرآن، واليهودي يَجِد موسى وأنبياء التوراة في القرآن على شكلٍ أقدس وأرقى مما ذكرته التوراة، التوراة تذكر في حق الأنبياء أشياء لا تليق في حق الإنسان العادي، بينما في الإسلام لا يجوز أن يصدر من الأنبياء ما لا يليق بكرامة وقدسية النبوة.
إنه يعني القرآن، لقول يعني لبلاغ رسولٍ من هو الرسول الكريم؟ روح القدس سيدنا جبريل، ذي قوةٍ، قوة في العِلم، وقوة في النور وقوة في التصرف في عالم الأكوان (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) ذي العرش هو رب العالمين، مكين له مكانته ومنزلته العالي عند الله، مُطاعٍ هو رئيس الملائكة والرئيس يجب أن يطيعه المرؤوسون، ثمَّ يعني هناك في السماء أمين على رسالة لا يُبدل ولا يُغير ولا يُحرّف إلا كما أمره الله فيما يبلّغه من شريعة الله

وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)
[سورة التكوير]

أقسم بالخنس وبالجواري الكنس وبالليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس، إنه لقول رسولٍ كريم هذه بالنسبة لجبريل، وبالنسبة للنبي كانوا يقولوا عنه مجنون، عبادين الأصنام ماذا يقولون عن سيدنا محمد قال (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) أيضاً سموه صاحباً

وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
[سورة التكوير]

الصاحب رأى جبريل بالأفق المبين، فيذكر لنا سيدنا محمد أنه طلب من جبريل أن يراه في صورته الأصلية الحقيقية لأنه كان يتمثل له بصورة الرجل الإنسان، قال له: إنك لا تطيق رؤيتي، قال له: لا أريد أن أراك، قال له: الموعد في صحراء خارج مكة في وقت الضحى، فلما كان في المكان ظهر جبريل وملأ الأفق وملأ السماء، فالنبي بشر وإنسان فلم تتحمل طاقته البشرية ما رأى فوقع مغشياً عليه، فرجع جبريل إلى صورة الإنسان فأسعفه إلى آخره، فالله أشار إلى هذا المعنى بقول ولقد رآه من الرائي؟ سيدنا محمد ومن المرئي؟ سيدنا جبريل قال (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)

وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
[سورة التكوير]

هذه الأمور الجنة، النار، الحساب، القيامة، كلها أمور مُغيّبة عن الإنسان يعجز العقل عن إدراكها، بلَّغها بكل أمانة بلا خيانةٍ ولا زيادةٍ ولا نقصان إلا كما أوحى الله وإلا كما هو رسالته السماوية.

النبي مُنزَّه عن كل الصفات السيئة:

وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)
[سورة التكوير]

الكُهان تلقي عليهم الشياطين بعض الأمور، قال: لا ليس بالكاهن، كانوا يقولوا عن النبي كاهن يقولوا ساحر، يقولوا شاعر، يقولوا مجنون، (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)، الضنين يعني المُتهم أنه يزيد أو يُنقص من عنده فهو مُنزَّهٌ عن هذا.
لمّا هرقل بلغه أمر سيدنا محمد استدعى بعض العرب ليسأله عنه وكان المسؤول زعيم قريش، فسأله فيما سأله: هل كنتم تجرّبون عليه كذباً قبل أن يقول ما قال؟ يعني في شبابه، في حياته، في أعماله، هل جربتم عليه كذباً؟ قالوا: لا، فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله، وسيدنا المسيح يقول: ما كان من عند الله فلا ينتقض، الذي يكون وحي من السماء لا أحد يستطيع أن يهدمه، فكم رسالة الإسلام عاداها المُعادون بكل الإمكانات بالحرب، والكذب، وبالدس، وبالافتراء، ما كان من عند الله فلا يُنتقض.
(وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)، يُبلِّغكم رسالة الله بكل أمانة بلا زيادةٍ ولا نقصان. (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيم) كما الجن تُلقي الأمور على السحرة والكهنة

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)
[سورة التكوير]

مالكم لا تستعملون عقولكم تذهبون إلى التكذيب إلى التكفير وقد وضح الحق خاصةً بعد أربعة عشر قرن بالرغم من كل ما عمله أعداء رسالة السماء ولا تزال رسالة السماء.

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
[سورة التوبة]

هل يستطيع أحد أن يُطفئ نور الشمس بلُعاب فمه؟! ما كان مصدره الخلود فشأنه الخلود (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) إن هو القرآن ورسالة السماء.

إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)
[سورة التكوير]

إن هو إلا ذكرٌ للعالمين لكل الناس، ولماذا سماه ذكر لأنه دين الفطرة فكل شيء أمر الله به اعرضه على عقلك، على فكرك، على مشاعرك، تجد نفسك تستجيب له وكأنه شيءٌ منسي وذُكِّرت به فذكرته.

لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28)
[سورة التكوير]

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
[سورة الكهف]


الإسلام يدعو إلى حرية المُعتقد والفكر:
هذه حرية المُعتقد القرآن ينص على أنه لا يجوز أن تُجبر أحداً على الإيمان، الإيمان بمحض الإرادة والاختيار.

لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
[سورة التكوير]

ومشيئة الله شاءت أن تؤمنوا، ولذلك من علامة مشيئته أنه أرسل أشرف ملائكته في السماء إليك لتستجيب لها، وأرسل إليك أشرف أنبيائه ليبلغك لتستجيب لها وأعطاك العقل السمع والبصر وقال:

قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
[سورة سبأ]

إذا رأيتم شيئاً موافق للعقل موافق للمنطق فاقبلوه، وإذا رأيتموه مُناقض للعقل وللفكر فارفضوه، (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيم) مع كل هذا يحتاج الإنسان إلى عناية الله، لذلك كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم آت نفسي تقواها، وزكها طهرها أنت خير من زكاها أنت وليها وأنت مولاها، اللهم إنا نسألك نفوساً بك مطمئنة تطمئن بذكر الله، ترتاح بمجالسة الله، تؤمن بلقائك وترضى بحكمك وقضائك وترضى بعطائك، لا تحسد أحد لا تتعدى على أحد ترضى بما قسمه الله لك، (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )

النبي الكريم هو أجود بني آدم:
فنسأل الله عز وجل أن يتفضل علينا جميعاً بهدايته، ورعايته، وتوفيقه، وطاعته، وأن يجعلنا كما قال النبي الكريم،ألا أخبركم بالأجود الأكرم؟ أجود من في هذا الوجود؟؟ قال الله الأجود، هو أكرم الأكرمين، أكرم من أبوك وأمك ومن نفسك عليك، وأنا أجود بني آدم، ولذلك الأنبياء مع قُدسيتهم عليهم الصلاة والسلام سيدنا موسى كان في ضمن بني إسرائيل، سيدنا المسيح خرج من الأرض وما عمل ما عمله سيدنا محمد ما خرج إلا أوجد الأمة وأوجد الدولة السماوية، وأجودهم من بعدي هنا الشاهد، الله الأجود وأنا أجود بني آدم في بعض الأحاديث قال لا تفضلوني على يونس ابن متى:

{ من قال أنا خيرٌ من يونسَ بنِ مَتَّى ، فقد كذَب }

[أخرجه البخاري ومسلم]

هذه قالها تواضعاً، وتلك لتُعرف مكانته للإنسان حتى يتقبل الرسالة لتتحقق له السعادة، وأجودهم بعدي، الله أول أجود والدرجة الثالثة من؟ هل تريدون أن تكونوا من أهل الدرجة الثالثة؟ من هو الأجود من الدرجة الثالثة؟ قال ورجلٌ المقصود ليس الرجل بل الإنسان، تعلّم علماً فعلَّمه للناس، تعلّم علماً تعلّم كل ما فيه الخير كل ما فيه السعادة لا تحتكره لنفسك عليك أن تقوم وتبلغه للآخرين.
الدرجة الرابعة ورجلٌ قاتل في سبيل الله حتى قُتل، قاتل في سبيل المغانم، النهب، السلب؟! لا، قاتل ليُبلغ رسالة الله إلى الناس علماً وحكمةً وتزكيةً، فقام من يعارضه ويكون بينه وبين نشر علم السماء، وحكمة السماء، وأخلاق السماء، ليُبقي الضعفاء مُستغلين بين يديه، فأمره الله أن يبذُل روحه ودمه في سبيل إيصال الخير إلى الآخرين، ومع كل هذه المكانة العظيمة للشهيد في سبيل الله، الله لم يعتبرها إلا أدنى درجات الجهاد أي الدرجة الدنيا، أما الجهاد في الإسلام على ثلاثة أقسام، الجهاد الأكبر، الثاني الجهاد الكبير، الثالث الجهاد الأصغر، الجهاد بالسلاح على الظالم المعتدي الذي يسد على الخير هذا الجهاد الأصغر، الجهاد الأكبر أن تجاهد نفسك وهواك، أنانيتك وشهواتك، حتى تتغلب إرادة الله على إرادتك ورغبات الله على رغباتك هذا ما اسمه؟ الجهاد الأكبر، والجهاد الكبير هو جهاد التعليم والتربية للناس فإذا قمت بتعليم الناس الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر هذا هو الجهاد الكبير.
الله يرزقنا قبل كل شيء أن ننتصر على نفوسنا وأهوائنا وطبائعنا الحيوانية أو الشيطانية حتى تنتصر ملائكيتنا على بهيميتنا ثم نقوم بالجهاد الكبير مُعلمين للناس ومُربين ومُهذبين، وإذا عارضنا مُعارض في نشر العِلم والأخلاق والإنسانية نضطر إضطراراً إلى الجهاد الصغير.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين.