تفسير سورة الشرح

  • 1996-03-01

تفسير سورة الشرح

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتمُّ التسليم على سيِّدنا مُحمَّدٍ خاتّم النَّبيين والمُرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه مِنَ النَّبيين والمُرسلين، وآلِ كلٍّ وصحبِ كلٍّ أجمعين، وبعد:

تفسير سورة الشرح وسبب نزولها:
فنحن في تفسير سورة الانشراح، وسَبَقَ معكم أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم انقطع عنه نزول الوَحي ونزول سيِّدنا جبريل بوحي السماء مدةً اختلف المفسِّرون في تقديرها، فمنهم مَنْ قال خمسة عشر يوماً، ومنهم مَنْ قال أكثر، ولكن ليس هذا المقصود، المقصود بأنَّه انقطع عنه الوحي ومضى على ذلك فترةٌ، وحَزِنَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حزناً شديداً لهذه القطيعة؛ حتَّى قالت سيدتنا خديجة رضي الله عنها: لقد وَدَعَك ربُّك. وكذلك قال كفار قريش أكثر مِنْ ذلك.. وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ شدة شوقه إلى لقاء سفير ربِّه وحامل رسالات الله عزَّ وجلَّ كادَ أنْ ينتحِر، وكان يذهب إلى أعالي الجبال ليتردَّى منها ويُلقِي بنفسه في أعماق وديانها، فكان يتجلَّى له جبريل عليه السَّلام في السماء ويُخاطبه يا مُحمَّد أنا جبريل وأنت رسول الله؛ ثمَّ نَزَلَ الوحي عليه بسورة الضحى.

وَالضُّحَىٰ (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
[سورة الضحى]

(وَالضُّحَىٰ (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2)) إذا أقبَلَ وعمَّ بظلامِه نصف الكرة الأرضية وسَكَنَ النَّاس عن العمل والحركة، (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ) المسافر يُودِّعُ أحبابه، قال لا يوجد فِراقٌ حتَّى يحتاج الأمر إلى وداع، فقال: أنت معي وأنا معك:

{ الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ (1) }

[صحيح البخاريِّ]

وفي الحديث القدسي:

{ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً (2) }

[صحيح البخاري]

فكيف كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في قُربِهِ مِنَ الله عزَّ وجلَّ؟ ولكنَّ هذه حالةٌ خاصةٌ متميِّزةٌ لا تُشبه غيرها مِنَ التجلِّيات الإلهية والاتصالات الربَّانية، وحتَّى هذه الحالة الخاصة ما ودِّعَكَ وما تركَك، ولكنْ في بعض الأوقات يقطَعُ المزارع الماء عن زرعه؛ حتَّى يذبُلَ ويقع رأس نباته على الأرض، فبهذه العملية يغزُرُ إنتاجه ويعظُمُ عطاؤه.

عطاءات الله لنبيه الكريم:
(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (3)) يعني لم يهجُرك ولم يُبغِضك ولم يتركك، (وَالضُّحَىٰ (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ (4)) فأنت دائماً في ترقٍّ وفي قُربٍ وفي زيادة عطاء، (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) ولسوف يعطيك ربُّك أكثر ممَّا أعطاك، (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5)) أنسيتَ عناية الله عزَّ وجلَّ بك؟ أنسيتَ فضل الله عزَّ وجلَّ عليك منذ خلقك؟ صحيحٌ أنَّك وُلِدتَ يتيماً، حيث ماتَ والده وهو في بطن أمه، وماتت أمّه وعمره ست سنوات فتكفَّلهُ جده، ثمَّ مات جده كذلك وهو لم يبلغ الحِنثَ وعمره حوالى اثنتي عشر سنةً، فتكفَّلهُ عمه ولم يزَلْ في الحقيقة في رعاية الله عزَّ وجلَّ وكنَفِه، فهل ضيَّعتُك وأنت في بطن أمك وبعدما وُلِدت وفي يُتمك وفي مراحل طفولتك وكذا.. ومع ذلك كُنْ على ثقةٍ بأنَّك كلَّ يومٍ مِنْ عطائي لك في زيادةٍ لا يوجد توقُّفٍّ في العطاء ولا النقصان، (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ) العطيَّة الثانية أعظَمُ من الأولى، ومنزِلَتُك المتأخرة خيرٌ مِنْ منزِلَتِكَ السابقة.
ثمَّ ذَكَر له بعضَ هذه العطاءات والعنايات: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ (6) هل ضيَّعَك؟ (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ (6)) بجدك ثم بعمك، (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) لا عِلم عندك ولا مُعلِّم لك ولا أستاذ، فمن وَهَبَك العِلم والحكمة وتزكية النفوس حتَّى تصير للمُتقين وللأنبياء إماماً، (ووَوَجَدَكَ ضَالًّا) عن النبوة والرسالة، ويُقال بأنَّه وهو في طفولته ضاع بين شوارع مكة حتَّى صار خارجها وبَعَثَ جده عبد المطلب مِنْ يُفتِّشُ عنه حتَّى عثروا عليه، فكذلك ضالاً يعني ضائعاً، فهداك إليه وأرجَعَكَ إلى جدك، (وَوَجَدَكَ عَائِلًا) فقيراً (فَأَغْنَىٰ) كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبل النبوة يعمل عاملاً وموظفاً عند زوجته خديجة رضي الله عنها قبل زواجها؛ لأنَّ والده لم يترك له ميراثاً وعاش مُعدَماً، فهيَّأ له خديجة رضي الله عنها وأغناه الله عزَّ وجلَّ بمال خديجة رضي الله عنها.
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ) لماذا أفقَرناك؟ لتَذُوق ألم الفقر فتكون بالفقراء وبالأيتام رؤوفاً ورحيماً، (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ) الفقير إذا كان كبيراً (فَلَا تَنْهَرْ ) لا تكسِر خاطِره؛ فإمَّا أنْ تُعطيه أو أنْ ترُدَّه ردَاً جميلاً ورفيقاً، (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11))، (يَتِيمًا فَآوَىٰ (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا) فقيراً (فَأَغْنَىٰ (8)).
ثمَّ أنزل سورة ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ فالعُلماء في هاتين السورتين قولان، قول بأنَّ السورتين سورةٌ واحدةٌ لا يُفصَلُ بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم، ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾، ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾، وبعض العلماء يقولون بأنَّهما آيتان منفصلتان، ومفصولٌ بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم، ففي سورة الانشراح ذكّرَهُ الله عزَّ وجلَّ بالنعم المعنوية وبالعطاءات النبوية والروحانية والعِلمية والحكمة وقوَّة تزكية النفوس؛ فكأنَّ سورة الضحى أكثر ما فيها نِعَمٌ ظاهرةٌ ونِعَمٌ بدنيّةٌ ونِعَمٌ في الدنيا ونِعَمٌ جسدية.

سورة الشرح هي النعم الروحية والنورانية والملائكية:
سورة الشرح النِّعَم الروحية والنورانية والملائكية: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ شَرْح الصدر يقول الله تعالى فيه:

أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (22)
[سورة الزمر]

إذا شُرِحَ الصدر استنارَ القلب بنور الله عزَّ وجلَّ، وطُرِدَت الظلمات وانكشفت الحقائق الربانية التي تعشقها الأرواح، فتظلُّ الروح مع معشوقها ومع محبُوبها ومع ربِّها، (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) هذا الشَّرح ما هو سببه؟ سببه كثرة ذِكْرِ الله عزَّ وجلَّ ومَنْ يُحرَمُ مِنْ كثرة ذِكر الله عزَّ وجلَّ يُحرَمُ مِنْ هذا الشرح، ومَنْ حُرِمَ مِنْ هذا الشرح لقلة أو غفلة قلبه عن ذكر الله عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الويلُ هو الهلاك والخسارة والحَسْرة والنَّدامة، مثلما قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم).

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
[سورة الهمزة]

للمُغتاب وللنَّمام وقال أيضاً:

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
[سورة ص]

كما قال:

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
[سورة المطففين]

الذين يلعبون في الكَيْلِ والميزان.

الحث على ذكر الله عزَّ وجلَّ:
جعل مِنْ بينهم الغافِلُ عن ذكر الله عزَّ وجلَّ، فكَم وكَم ركَّز القرآن على الذِّكر؟ ليس على الذِّكر فقط؛ بل على الإكثار مِنَ الذِّكر، ليس على الإكثار مِنَ الذِّكر فقط، بل ركَّز على دوام الذِّكر بلا انقطاع، فلم يُركِّز على الصَّلاة في كلِّ الأوقات وكلِّ الساعات والدقائق، ولا على الصيام ولا على الحج، ولم يُركِّز على أنْ يكون الإنسان دائمَ الذِّكر بلا غفلةٍ البتة، كما ركَّز على ذكر الله عزَّ وجلَّ، فهذا الذِّكر مع تزكية النفس التي هي التوبة النصوح، والتوبة النصوح هي أنْ تترك الذَّنْبَ فلا تعود إليه أبداً حتَّى يعود اللبن والحليب إلى الضَّرع، يعني إلى الثدي، فهل يعود الحليب إلى الثدي إذا خرج! قال كذلك التائب الصادق يترك المعاصي، فلا يعود إليها إلَّا إذا عاد الحليب واللبن إلى الضَّرع وإلى الثدي.

الأمر بالتوبة النصوح:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
[سورة التحريم]

ما أحوَجَ المسلمين إلى فقه القرآن، أمَّا تلاوةٌ بلا فقهٍ وبلا فَهمٍ وعِلمٌ ولو علِمنا أنَّ النصوحَ هو هذا معناها ولم نعمل بمقتضاها فصار العِلم وبالاً على صاحبه:

{ أشدُّ النَّاسِ عذابًا يومَ القيامةِ عالمٌ لم ينفعْهُ اللَّهُ بعلمِهِ (3) }

[شعب الإيمان للبيهقيُّ]

وفي حديثٍ آخر يقول صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَنَّ رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَيَقُولُ: ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي؟ ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي؟ ابْنَ آدَمَ، مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟(4) }

[المعجم الكبير للطبراني]

(مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَنَّ رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ) وحدَكَ أنت والله عزَّ وجلَّ، مثل التحقيق عندما يُحضرون المتهم للمُستنطَق فلا يوجد معه محامٍ ولا يوجد معه مَنْ يؤانسه، (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَنَّ رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) هل يوجد شكٌّ في هذه الخلوة وفي هذا اللقاء؟ إذا كان القمر أول ليلةٍ خلوةَ غير المرئي وغير الموجود والمنظور؛ أمَّا ليلة البدر ليلة الرابع عشر ظاهرٌ ولا يوجد شكٌّ بعدم اللقاء.

تجرؤ الإنسان على ارتكاب المعصية:
فيقول الله عزَّ وجلَّ: (ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي؟)؛ حتَّى تجرَّأت على معصيتي وعلى ارتكاب محارِمِي وعلى إهمالِكَ لشريعتي وعلى تركِكَ لفرائِضي، هل ظننتَ بي ضعفاً فلا أستطيع أنْ أُعاقِبك؟ وهل ظننت فيَّ نسياناً فأنسى كبائرك وزُورك وبُهتانك وفِسقَك وعِصيانك؟ ما الذي غرَّك بي مني؟ (ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟) علِمتَ الحلال فتركتَه إلى الحرام، عندك زوجة فتركتَها إلى ما حرَّم الله عزَّ وجلَّ عليك، وعندك ما يكفيك مِنْ طعامٍ وشرابٍ ولباسٍ فتعدَّيت إلى السرقة وإلى أخذِ المال الحرام، ما الذي غرَّك بي مني، فهل ظننت أنَّني أعمى لا أراك؛ أو أصمُّ لا أسمع كلامك، أو أعمىً لا أُبصِرُ حركاتك، أو غافلٌ أنسى خفايا صدرك ونواياك؟ ألا تعلم أنِّي أعلَم السِّرَّ وأخفى، أما خاطبتك في القرآن:

هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)
[سورة آل عمران]

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
[سورة الملك]

الذي اخترع الدراجة النَّارية ألا يعرف ماذا يوجد في داخلها؟ وحركة كلِّ آلةٍ فيها؟ ما الذي غرَّك بي مني، هل غرَّك أنِّي عاجِزٌ عن عِقابك وانتهاكِكَ لحُرماتي، ما الذي غرَّك بي مني، هل أخذت مني ضماناً بأنَّك مستثنىً ولا تُحاسَب؟

خوف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الحساب:
مرةً نادى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خادمةً له، وكانت تلعب مع رفيقاتها، فخرج وهو مُغضَب، فرآها تلعب مع رفيقاتها وعمرهنَّ سبعٌ أو ثماني أو عشرة سنوات، فقال لها :

{ لوْلا القَصاصُ ، لأوجعتُكِ بهذا السِّواكِ (5) }

[المعجم الكبير للطبراني]

فخشيَ أنْ يضرِبها بالسواك، كفرشاة الأسنان، هل هذه يلزمُها قصاص؟ فعند الله عزَّ وجلَّ:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

خيراً أو شراً.. يرى المكافأة عليه مِنْ خيرٍ على الخير ومِنْ شرٍّ على الشر، فما الذي غرَّك بي مني؟ فهل نحن أكرم على الله عزَّ وجلَّ مِنْ سيِّدنا مُحمَّد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فخافَ وحذِرَ وتوقف وأمسَك غضبه، فأين نحن كمسلمين؟ يعني كمُستجيبين لأوامر الله عزَّ وجلَّ ومُلبِّين لندائه، نعلن طاعتنا لشريعته بألسنتنا، ونُخالف أحكامه وشرائعه بأعمالنا وبقلوبنا وبأخلاقنا وبصفاتنا، وفي سهراتنا وفي خلَوَاتنا وفي مطامِعنا، وعند غضبِنا وعند أنانيَّتنا وعند مصالِحنا.

ما من أحد إلا وسيخضع للحساب:
(مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَنَّ رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ)، هكذا سيخلو بربه، فيعاتبه ربه قائلاً: (ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي؟)، هل تراني ضعيفاً أو غائباً عن أعمالك لا أُبصرها، وعن كلامك لا أسمعه، وعن نوايا وخفايا قلبك فلا أطَّلِعُ عليها؟ ما هذه التربية الربانية، وما هذه التزكية للنفوس بالإسلام الذي نكاد أنْ نُحرَمَ مدرسته وأساتذته ومُعلِّميه، بقيَ عندنا إسلام الاسم، فهل إنْ أسميتَ نفسَك طبيباً هل ستستفيد شيئًا؟ أو إنْ أسمَيت نفسك طياراَ، فهل ستقود الطائرة ؟ وإنْ قُدتَها ستهلِكُ وتُهلِك، (ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ) الذي تعلَّمته هل أدَّيت حقَّهُ بالتطبيق والعمل؛ ثمَّ بالتعليم والتبليغ لمن لم يعلَم؟ فما هذه العظمة للإسلام في التضامن التعليمي، ولو تعلَّمت كلمةً واحدةً علِّمها لغيرك:

{ بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً (6) }

[صحيح البخاري]


حرص النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته على الدعوة:
إذًا بعشر سنوات انقَلَب المجتمع الوثني، إلى مجتمعِ لا إله إلَّا الله، ومجتمع الخوف إلى مجتمعِ الأمن، ومجتمع سَفك الدماء إلى:

فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)
[سورة آل عمران]

ومجتمع الأنانية إلى مجتمع نحن:

{ ما آمَنَ بي مَن باتَ شَبعانَ وجارُه جائعٌ بجَنبِه وهو يَعلَمُ به (7) }

[المعجم الكبير للطَّبرانيِّ]

لماذا دَرَسَ الإنسان أفكار ماركوس اليهودي في شيوعيته وقلَّدها فوراً باسم وبهدف أنْ يصير الرخاء على كلِّ أبناء المجتمع؟ لا بأس مِنْ أنْ ندرس ما نعتقد أنَّ فيه خيرَنا ونفعَله، لكن يا تُرى هل دَرَسَ هذا الإنسان شريعة الإسلام، وهل قارَنَ بينها وبين شريعة ماركوس في الفكر والنظر؛ أو في التطبيق والتنفيذ والعمَل؟ اللهم لا؛ فيظهر بعض الشباب يدَّعون هذا ولكنْ ادعاءَ وشهوةَ مَنْ لم يُتقِن ما يشتهيه، القضية ليست قضية التمنِّي ولا قضية الاشتهاء، كلِّ إنسانٍ يتمنى أنْ يكون مليونيراً ومليارديراً؛ لكنْ هل يصير غنيَّاً بالتمنِّي أو يصير طياراً، لماذا لم ندرِسُ الإسلام؟ أليس الإسلام نابعاً مِنْ قوميتنا، ومِنْ عروبتنا ومِنْ جزيرتنا العربية؟ فهل نسينا أنَّ ماركوس يهودي؟ وهو ليس بعربيٍّ بل هو إسرائيلي، وهكذا ماركوس وغيره.. هل تعرفون مَنْ هو المسؤول؟ المشايخ نحن لأنَّه والله يا بُني هل يُمكن لأحدٍ في الدنيا أنْ يُلحِدَ بالعمامة البيضاء فيُلحِدُ ببياضها ويقول بأنَّها سوداء هل يمكن؟ وإذا قلنا قال الله عزَّ وجلَّ بأنَّ العمامة سوداءٌ أو خضراءٌ أو حمراءٌ وباسم الله عزَّ وجلَّ وباسم دين الله والنَّاس كلُّهم يرونها بيضاء، فمَنْ الذي خلق الإلحاد ببياض العَمامة؟ القائل بأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول بأنَّها سوداء، كفَروا بالله عزَّ وجلَّ، وكفروا بسوادها، وكفروا بالله عزَّ وجلَّ وبشريعة الله، الدِّين يا بُني هو حقوق الإنسان.

الإنسانية في الإسلام:
عندما مرَّت بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جنازة يهودي:

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)
[سورة آل عمران]

لكنْ هل خَرَجَ عن أنَّه إنسان؟ فلمَّا مرَّت الجنازة أمام الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم قامَ لها. فقالوا: يا رسول الله إنَّها جنازة اليهودي، فقال:

{ أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟! (8) }

[صحيح البخاري]

هذه حقوق الإنسان لم يُضيِّع حقوق الإنسان ولو كان ميتًا؛ ولـمَّا أتاه وثنيٌّ يطلب مساعدةً ماليةً قال له:

{ أنت لستَ عَلى دِينِي فَلا أُعطِيك (9) }

[ورد في الأثر]

نزل الوحي معاتِباً للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم على ما فَعَل، بقوله تعالى في سورة البقرة:

لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
[سورة البقرة]

القضية مِنْ خصائص الله عزَّ وجلَّ يبحث فيها أمَّا أنت مِنْ خصائصك:

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
[سورة الإنسان]

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ) وهُم بحاجةٍ إلى الطعام يُطعِمُونه (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) من هو الأسير؟ العدو المُحارِب فيجب أنْ تُقدِّم لهذا الإنسان العدو المحارب الطعام وأنت بحاجةٍ إليه؛ حيث صار أسيراً بين يديك، لماذا نقول بحقوق الإنسان ولا نقول بالإسلام، الذي ضَمِنَ حقوق كلَّ مخلوقٍ في هذه الدنيا؟ سببه الجهل وقصور المُعلِّم لأنَّه لا يحمِل الكفاءة الكافية في عَرض حقائق الإسلام تفهيماً وتعليماً وكشفاً وبياناً.

تطبيق وفهم القرآن الكريم:
(ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟) يعني يجب أنْ تأتوا وتتعلَّموا لماذا؟ لتعلَموا فعندما يعطيك الطبيب الوصفة الطبية تذهب إلى الصيدلي وتشتري لأجل أنْ تعمَل بما كتبه الطبيب، وإذا اشتريت المصحف وقرأت القرآن.. وهذا حال أكثر المسلمين يقرؤون القرآن ليس مِنْ أجل العِلم، تأتيك رسالةٌ من قريبك أو صديقك وتقرأها يقولك لك فيها أنه سيأتي إليك في اليوم الفلاني ويجب أن تستقبله في المطار، فلو فهمت الكلام ولكنك عازٍمٌ على أن لا تذهب ولاتستقبله في المطار، فيجب أنْ نصبح مُسلمين ما معنى مُسلمين ومُسلم وإسلام؟ الاستجابة لكلِّ أمرٍ مِنَ الأوامر أنْ نفعله ولكلِّ مُحرَّمٍ أنْ نتركه في الأقوال والأعمال والأخلاق والرضا والغضب والطمع والوَرَع إلى آخره..
يا ابن آدم ماذا أجَبت المرسلين؟ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بلَّغَك رسالتي فماذا كان جوابك على ذلك البلاغ؟ والخلوة بينك وبين الله عزَّ وجلَّ لا ثالثَ لكما فلا محامٍ ولا رفيقاً تأنِسُ فيه، فإذا دخلت على مستنطِق، وإذا أخذوك إلى الشرطة وفعلت ذنباً تنزعج، فكيف إذا كنت مًذنباً والشرطي واحدٌ مثلك ومثله؛ أمَّا أمام خالق هذا الكون الذي أرضُنا وكوكِبنا ذرةٌ في هذه المخلوقات، فأمام خالقها بعظَمَته وبسلطانِه ماذا يكون جوابك إذا لم تكن مُستجيباً لندائه ولأوامره ومستقيماً على شريعته؟ ما الذي يُنجيك ويُخلِّصُك؟ فهل فكَّرت وقرأت القرآن؟ فهل قرأته للعِلم والعمل؟ ولو علِمت وعمِلت عليك المرحلة أنْ تُعلِّم الآخرين.

سؤال المرء عن كل صغيرة وكبيرة:
فحتَّى يسأله عن كُحل عينيه يعني المكحلة التي كحَّلت بها عينيك، فهل اشتريتها بثمنٍ حلالٍ أم حرام؟ ربما سرقت المكحلة أو ربما النقود التي اشتريت بها المكحلة مِنْ حرام، حتَّى عن كُحل عينيه:

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا (7)
[سورة الزلزلة]

سرقة الكحل أليست شراً؟ يجب أنْ ترى جزاءه وسؤاله وحِسابه، حتَّى يُسألَ عن فُتات الطين بإصبعه، الطين إذا أخذته من مغمورية طين ويبسوا وبعد اليباس عجَنتَهم، فهل استأذنت صاحب الطين بأخذ الطين؟ كان الإمام أبو حنيفة يشتغِلُ بالتجارة، تاجر، وصار ربع المسلمين وثلثهم تلامذته ولأكثر مِن ألف سنة، وكان له دينٌ على بعض زبائنه، فذهب ليتقاضى دينه منه وكان الوقت ظهيرةً، وقت الظهر وشدة الحر فطَرَق الباب، ولم يستظلَّ بظلِّ سقف الباب ووقف في الشَّمس. فقالوا له: يا إمام لماذا تقف بالشَّمس استظلّ بظلِّ السقف الذي فوق الباب. فقال لهم:
كلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا فهو رِبا (10)
{ مسند الحارث بن أبي أسامة }
هذا مدينٌ لي وأستفيد مِنْ ظلِّه فأُصبِحُ آخذاً للفائدة، رضيَ الله عنهم، لذلك الله عزَّ وجلَّ جعلهم للمتقين إماماً ليس بالعِلم فقط بل بالعِلم وبالتقوى وبالعمل:

وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
[سورة البقرة]

وعن فُتات الطين.. يا معاذ لا ألفَينّكَ يوم القيامة: لا تُريني نفسَك يوم القيامة وأحدٌ غيرُك أسعَدَ منك بما علَّمتُك إيّاه وبما آتاك الله إيّاه، إحرِص على أن لا يَسبِقكَ أحدٌ في التقوى ورضا الله والوَرَع عن محارِم الله.

سورة الشرح زيادة في عطاء الله تعالى:
فسورة الانشراح بعد أنْ ذَكَرَ الله عزَّ وجلَّ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد تخوَّف مِنْ انقطاع الوحي، قال له:

وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ (7)
[سورة الضحى]

فهذا في الظاهر وفي أمور الدنيا، فسورة الشّرح قال له زيادةً على ذلك ماذا أعطيناك في الحياة الروحية ماذا أعطيناك؟ الذي يُعطيكَ هذه العطاءات هل سيقطعُكَ وأنت لم تنقطِعْ عنه، أيُعرِضَ عنك وأنت مُقبِلٌ عليه؟ الله عزَّ وجلَّ يُقبِل عليك رغم إعراضك عنه ويتقرَّب منك ذراعاً إذا تقرَّبت منه شبراً.
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ شرح الصدر يقول عنه صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ إذا دخلَ النُّورُ القلبَ انشرحَ وانفسحَ (11) }

[شرح علل الترمذي]

أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (22)
[سورة الزمر]

وفي آيةٍ أيضاً:

فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)
[سورة الأنعام]

لا يتسِعُ لا لنور الله عزَّ وجلَّ ولا لمعارِفِه ولا للحِكم الإلهية ولا للعلوم الربّانية، إذا كانت المكتبة لا تتسع للكتاب فأين ستُوضع الكتب؟

شرح الصدر يكون بدوام ذكر الله تعالى:
فالذي يفسَح القلب ويُهيِّئه للانشراح هو إدمان ودوام ذِكْرِ الله عزَّ وجلَّ وذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ هو باب الإحسان (أنْ تعبُدَ الله كأنَّك تَرَاه) وذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ أنْ تذكُره في كلِّ حالاتك:

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
[سورة آل عمران]

خاصةً في صلاتك.. فعندما تُصلِّي قبل أنْ تصلي، تعرِفُ أنَّك ستُجالس الله عزَّ وجلَّ، ويقول الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي:

{ أنا جَليسُ مَن ذَكَرَني (12) }

[شعب الإيمان للبيهقي]

لذلك عندما تُجالِسُ الملوك ترتدي أجمل الثياب وتتعطَّر بأحسن عطر، وإذا كان البنطال ليس مكويّاً فتكويه، وإذا أردت أنْ تدخل على ملِكِ الملوك:

قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ (15)
[سورة الأعلى]

(قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ) نظَّف نفسَه ونظَّف قلبه مِنَ الغفَلات وأفكاره مِنْ نوايا السوء، (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) ودخل ذاكِراً (فَصَلَّىٰ) فهذه من شروط صلاة المُنيبين القانِتين، الصَّلاة الحيّة لا الصَّلاة الميتة، لذلك قال الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
[سورة الجمعة]

(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) لم يقُل فاسعوا إلى الصَّلاة، بل: (فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ) يعني إلى ذِكْرِ الله في صلاتِكِم، فلمَّا تقول:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
[سورة الفاتحة]

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) هذا خطاب والخطاب يكون فيه مواجهة المُخاطب.

مصدر الإيمان:

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
[سورة الأنعام]

هل تتراءى نورَ قلبك في صفحة صدرك التي طهَّرتها بالتوبة الصادقة ونقَّيتها مِنْ كلِّ النوايا الخبيثة، ومَلأتها بذِكْرِ الله عزَّ وجلَّ ومحبَّته التي تقتطفها مِنْ مجالس أولياء الله والعارفين بالله؟ فإذا أردت أنْ تأخذ فجلاً، فمن أين تأخُذه، مِنْ سوق الحميدية؟ وإذا ذهبت إلى سوق الحميدية وسألتهم هل يوجد عنكم فجل ويخنة؟ يضحكون عليك، وإذا ذهبت إلى سوق الخضار وقل لهم هل عندكم طقم ملابس شتوي، كذلك سيضحكون عليك.
فهل ذهبت إلى مجالِس الإيمان لتملأ قلبك بالإيمان وإلى مجالِس الذِّكر ومجالِس الحكمة، وقد تكاد أنْ تُفقَدَ هذه المجالِس، المساجد عامِرةٌ بالبنيان والرخام والكهرباء وبالسجاد لكنَّها خَرِبَةٌ وخاليةٌ مِنَ العِلم والمعلِّم ومِنَ الحكمة والحكماء وخاليةٌ مِنَ التزكية والذين يُزكُّون النفوس ويُطهِّرونها، فتبكي المساجد كأنَّها أطلالٌ فقدت سكانها وسرايا فقدت ملوكها وسلاطينها، فأيُّ فائدةٍ في جدرانها وسقوفها؟

العمارة الحقيقية للمساجد:
ومع ذلك نبني المساجد مع أنَّ الله تعالى قال في العمارة الحقيقة:

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)
[سورة التوبة]

(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ) المهندسون؟ المعماريون؟ قال: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) عمارَتها بأنْ تكون مدرسة إيمانٍ بالله عزَّ وجلَّ وبالحساب وبالدَّينونة وبالقيامة (وَأَقَامَ الصَّلَاةَ) التي تنهى عن الفحشاء والمُنكر (وَآتَى الزَّكَاةَ) فجَعَل:

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
[سورة الذاريات]

(وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ) ومَنْ يخشى الله عزَّ وجلَّ:

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
[سورة فاطر]

يا ترى هل مساجدنا الآن يوجد فيها عالِمها الذي يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكِّي النفوس، هل مساجدنا مُعمَّرة؟ ولذلك ضاع المسلمون، مسجد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن معمَّراً بالرخام ولا بالكهرباء ولا بالإنارة ولا بالسجاد، كانوا يُصلُّون على التراب وكان سقف مسجده مِنْ جريد النخل، وليس له بابٌ وكانت الكلاب تدخل وتخرج؛ ولكنْ هل كان مُعمَّراً بمن يؤمنون بالله عزَّ وجلَّ واليوم الآخر ويُقيمون الصَّلاة ويُؤتون الزكاة؟
الجزيرة العربية مِنَ الجهل والجاهلية والخرافة ومِنْ وأد البنات ومِنْ قتل الآباء للذكور مِنَ الأبناء خشية الجوع ومِنَ الفقر، فهو الذي حرَّر العرب مِنَ الأمية لا يقرؤون ولا يكتبون فلا نظام ولا دولة؛ بل قبائلُ عربٍ في الصحراء؛ ثمَّ جعلهم قادة العالَم وهيئة الأمم ومجلس الأمن ووَّحدوا نصف العالَم القديم بالمسجد، هل الذي أُسِّسَ بالإسمنت والحديد؟ أُسِّسَ على التقوى، المسلمون يصرفون في بناء المسجد الملايين فعندما يصلون لإمام المسجد يُخصصون له ألفي ليرة، فخَرَبَ هؤلاء المسجد ولغَّموه وفجَّروه، إمام المسجد لو دفعنا له مئة ألف ليرةٍ فهذا قليل.

على إمام المسجد واجبات مادية كثيرة:
إمام المسجد لم يُخلَق فقط لأجل أنْ يأكل ويشرب هو وأهله، يجب أنْ يُنفِقَ في سبيل الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُعطي في الساعة الواحدة وادياً مملوءً بالجمال والبقر والغنم والماعز لأحد أمراء العرب تألُّفاً لقلبِه وطمعاً في إسلامه، فيا تُرى هل عند الشَّيخ هذه الميزانية ليُنفقها في بناء الإسلام، فهل المسلمون يفقَهون هذا المعنى وهل يُدركون؟ بالعكس لو وجدوا عليه ثوباً جديدًا يستكثرونه عليه أو نعلاً جديدًا، فيقولون مِنْ أين له؟ ولو ركب سيارةً.. أنا عندما اشتريت سيارةً في سنة سبعٍ وأربعين أصبح الناس ينظرون إليَّ وكأنَّ غوريلا قادمٌ إلى الجامع أو فيلٌ لم يرَه الأطفال، عجباً! يجب أنْ لا يركب الشَّيخ السيارة، يجب أنْ يكون عنده عشر سيارات فيُهدي لفلان الفلاني سيارةً ولفلان الفلاني سجادةً مِنَ النوع الرفيع:

{ تهادَوا تحابُّوا (13) }

[ضعيف الجامع]

فأسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُعطينا ويُعطي للمسلمين ويملأ رؤوسهم بعقل الإسلام وبعقل القرآن وبعقل سيرة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ حتَّى كان بعض العرب يقولون عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ مُحمَّداً يُعطي عطاء مَنْ لا يخشى الفقر، فإذا كان إمام الجامع.. أتاني أحدهم ويلبس حطةً وأعرفه عادةً يلف لفةً فقلت له: أين لفتك؟ قال لي: والله امرأتي قالت لي: أنْ أحضر لها قماشاً ولم يكن معي مال، فأخذت مني اللَّفة وصنعت منها قماشتين أو ثلاث، فيصل الشَّيخ الذي هو نائب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ووارِثُه في الحاجة إلى هذا المستوى، ونقول عندنا جوامع مُعمَّرة؟ والله الجوامع مهدومةٌ إلى الأساس، فأسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُوقِظنا مِنْ غفلتنا ومِنْ نومتنا.

فصل علماء اليوم للدين عن الدنيا:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ فإذا دخل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسَح ليمتلِئ بالعِلم ليُعلِّم الجاهلين وبالحكمة ليُوقِظَ عقول النائمين فيستعملون عقولهم في دنياهم وفي أخراهم، فجَمُدَ فهم الإسلام وفقهه حتَّى صار المسلمون على قسمين: قسمٌ يسمونهم علمانيين رأوا الجمود والفكر الإسلامي وتخلُّف المسلمين باسم الدين فرأوا أنَّ الدين هو سبب التخلُّف والضعف فتركوه، واتجهوا إلى العِلم وتسمَّوا بالعلمانيين وفصلوا الدين عن الدولة، مَنْ سببه؟ نحن المشايخ والعلماء، لماذا؟ لأنَّنا سبقناهم بهذا الفصل ولأنَّنا قبل أنْ يفصِلَ العلمانيون الدين عن الدنيا نحن فصَلنا الدنيا عن الدين، فنحن لا نريد الدنيا فقط نريد الدين الصلاة والصوم والحج والزكاة والفكر ولا أدري ماذا.. أين نحن مِنْ قوله تعالى:

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
[سورة القصص]

أين نحن مِنْ:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

أين نحن مِنْ طلب نبيِّ الله سليمان عليه السَّلام:

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35)
[سورة ص]

أين نحن مِنْ قول نبيِّ الله يوسُف عليه السَّلام لفرعون مِصر:

قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
[سورة يوسف]

سلِّمني وزارة المالية، فالأنبياء يطلبون الوزارات ووَصَل الشَّيخ لدرجةِ أنه إذا كان هناك دوريةٌ لترصيف الحي للبلدية فيقول له الشَّيخ: امضِ. يقول: لا هذه دنيا وأنا لا أتدخَّل بها، ففَصَل الدنيا عن الدين، فعندما رأى المتعلِّمون الدين الممثَّل زوراً في مثل هؤلاء النَّاس كذلك، ففصَلوا الدين عن الدولة فأسمَوهم علمانيين، فيا تُرى أيهما المسؤول: العلمانيون أم المشايخ؟ كلاهما.. فلو دَرَسَ العلماني الدين لكنَّه أيضًا معذورٌ فكيف سوف تدرس اللغة الفرنسية مِنْ غير عالِمها على جهل، فلن تستطيع أنْ تفهم الدين.
فلم يتوفَّى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضمن العشرين سنةً حتَّى ملك الجزيرة العربية ووَّحدها وعلَّمها العِلم والحكمة، وطهَّر نفوسها وتنازل عن اللقب السياسي عندما خيَّره جبريل عليه السَّلام النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ملكاً نبياً أم عبداً نبيّاً؟ قال عبداً نبيّاً، فالأنبياء وأصحاب الإيمان هدفهم ليس إلَّا إرضاء الله عزَّ وجلَّ بإسعاد الإنسان كلّ الأنسان، وأنْ يكونوا رحماء بكلِّ المخلوقات للإنسان ولغير الإنسان، ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ أتخاف أنْ نُقاطِعَك ولا يعود الوحي إليك، فهل صدَّقتَ قول المُرجِفِين؟

وضع الوزر عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ الوِزر هو الشيء الثقيل:

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)
[سورة المزمل]

وأمرٌ هائلٌ عظيمٌ ما هو الأمر؟ أنْ تنقل أمم الأرض مِنَ الظلمات إلى النور ومِنَ الجهل إلى العِلم ومِنَ الخرافة إلى الحقيقة والحكمة، ومِنَ التخلُّف إلى التقدُّم ومِنَ الأميّة إلى العِلم فكان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ }

[صحيح البخاري]

فهذا قبل الإسلام أم بعده؟ هذا قَبله أمَّا بعد الإسلام لم يتركوا مكتبةً في الهند ولا عند الفرس ولا في اليونان إلَّا تَرجموها وهذه الكتب والعلوم هل كانت كتب علوم الدين أم علوم الدنيا؟ علوم الدنيا، المشايخ أنا أدركت يا بُني ومنْ قبل مئات السنين كانوا يُباعدون المسلم عن الدنيا عِلماً وعملاً وواقعاً وباسم الزهد فهماً خاطئاً، الزّهد ليس أنْ تكون فاقِداً، الفاقِد لا يسمى زاهِداً، هذا مُعدَم، والزاهِد هو الواجِد المالِك والذي يزهَدُ فيما يجد ويملِك فيستعمِلُه في سبُلِ الخير حسب المخطط الإلهي، وأقل درجاته الزكاة فكم مرَّ على المسلمين مِنْ قرونٍ وهم يبتعدُون عن حقائق فقه الإسلام باسم الزُّهد تارةً فافتقروا مِنَ العلوم ومِنَ المال؟ وكم أهملوا العقول باسم التوكُّل على الله عزَّ وجلَّ وترك التفكُّر واستعمال الأسباب والمُسبَّبات؟ اتركها لله عزَّ وجلَّ توكَّل على الله عزَّ وجلَّ، دعها لله عزَّ وجلَّ، النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما أتت قريش فلو لم يحفِر الخندق ويترُكها لله عزَّ وجلَّ فماذا كان سيحصل بأهل الله عزَّ وجلَّ؟ هذا كلُّه أتى وباسم الدين وعلى المسلمين.

محاربة الحكومات الوطنية خطأ:
الإسلاميون الآن يُحاربون الحكومات الوطنية وهذا خطأ بدعوة أنَّه يجب أنْ تُطبَّق الشريعة الإسلامية هذا صحيح، لكنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم استطاع أنْ يُطبِّق الشريعة بيومٍ أم بسنة؟ بثلاثٍ وعشرين سنةً ومع وثنيين، حاكم تجده مُصلياً وصائماً ويقول ربي هو الله فتعامل معه، وليس على أساس ساعةٍ واحدةٍ مِنْ ليلة العرس يأتيك ولدٌ بشوارب ويصبح رئيس وزارة، هؤلاء هكذا يُريدون، يا تُرى هل يستجيب الله عزَّ وجلَّ لأمانيهم ولرغباتهم ومطامِعهم الباطلة؟ لا والله، ضَعْ يدَك بيد الحاكم وبالتدرُّج وبالحكمة والموعظة الحسنة، أنا تجاربي مِنْ خمسين سنةً يوم من الأيام، مع جميل مردم رحمة الله عليه، وكان في كلِّ بلدٍ مثل سوريا كان هناك سوقٌ للزنا الذي يسمونه المحل العمومي محل البغايا ومحل الزنا، ففي جلسةٍ واحدةٍ استغرقت مدة ساعتين أو ثلاثة، اتفقنا على إغلاق أسواق الزنا والمحلات العمومية في كلِّ المدن السورية، بدون شتائم ولا صراعات مع التقدير والاحترام والمحبة.
فالإسلاميون يُريدون أنْ يصبُّوا السقف على دعائمٍ أُنجِزَت مِنْ يومٍ واحد، ونريد أنْ نُزيل الخشب ونصب السقف على الدعائم التي عمرها يومٌ واحدٌ فماذا سيحصل؟ يسقط السقف، وماذا يحصل بالدعائم؟ وإذا صبرنا ثلاثين يوماً تتم الدعائم ويصير السقف، دعونا نصبر على بعضنا، الحاكم مِنْ أين، من فرنسا أم من إيطاليا؟ ابن بلدك ودينك وابن حيِّك ومِنْ أقاربك إلى آخره.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا الحكمة:

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
[سورة البقرة]


امتنان الله عزَّ وجلَّ على نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ الذي شرحنا له صدره ونوَّرنا له قلبه فهل نهجُره ونقلِيه ونُودِّعه ونتركه وننساه؟ هل هذا ظنُّك بنا؟ ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ هذا عتبٌ إلهيٌّ وزيادةٌ في الطمأنينة وزيادةٌ في بيان منزِلَة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند ربه، ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ حمَّلناك حملاً يقصم الظهور فحملناه عنك فحملته حملاً خفيفاً، فكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يلقى ما يلقى مِنَ الإيذاء والإعراض والشتائم والمؤامرات والإشاعات والأكاذيب والمُقاطعات ومِن ومِن.. قال هذا الوِزر والحِمل الثقيل حملناه عنك ووضعناه عن ظهرك لئلا تشعر بثِقله، والمؤمن يعمَل ما يعمَل ويتحمَّل مِنَ المشقَّات ما يتحمَّل؛ حتَّى كان يحلوا لهم الاستشهاد والموت في سبيل الله عزَّ وجلَّ ويشتهون الاستشهاد كما يشتهي الشاب الزواج والجائع الطعام الشهيّ، كان يقول:

{ لَوَدِدْتُ أنِّي أُقاتِلُ في سبيلِ اللهِ حتَّى أُقتَلَ ثمَّ أُحْيَا ثمَّ أُقتَل ثمَّ أُحْيَا ثمَّ أُقتَلَ ثمَّ أُحْيَا ثمَّ أُقتَلَ (14) }

[صحيح البخاري]

هل يقولها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رياءً أم غيرةً صادقةً؟ كان يشتاق إلى لقاءِ ربه، وعند موته خُيِّرَ بين أنْ يُخلَّد في الدنيا ثمَّ يكون في الجنة أو بين أنْ يلقى ربه، فاختار لقاء ربه على بقاءه في الدنيا.

وضع الله تعالى عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأعباء الثقيلة :
﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ ما هو الوِزر؟ الأعباء الثقيلة والواجبات التي قام بها مِنْ تبليغ الدعوة وما تعرَّض في دعوته مِنْ إيذاءٍ في عِرضه وكرامته، والخطر على حياته والمؤامرات مِنْ أجل قتله؛ حتَّى في آخر ما يكون مات مسموماً سمَّمته اليهودية، وقال:

{ فَهذا أوانُ وجَدْتُ انْقِطاعَ أبْهَرِي مِن ذلكَ السُّمِّ }

[صحيح البخاري]

وهل يُخيفُ الموتُ المؤمن؟ لا بالعكس المؤمن دائماً يشتاق إلى لقاء ربه:

قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (94)
[سورة البقرة]

ألم نضَع عنك حِملك الثقيل الذي أنقَضَ ظهرك؟ حَمْلُ الدعوة يقسِم الظهور لذلك قالوا: الظهور، فإذا ظهر الإنسان في الدعوة والعمل إلى الله عزَّ وجلَّ يتسلَّط عليه مِنْ شياطين الإنس والجن بكلِّ الأسلحة وبكلِّ أنواع الإيذاء، لذلك كان يقول صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ما أُوذِيَ أحدٌ ما أوذيتُ (15) }

[الجامع الصغير للسيوطي]

كم مرةً تعرَّض للاغتيال والقتل؟ مرةً ابنته عندما أرادت أنْ تُهاجر وأظنُّها زينب رضي الله عنها، تريد أنْ تُهاجر من مكة إلى المدينة فبعض أعداء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نغَزَ برُمحِهِ جملها فنفَرَ جملُها وكانت حاملاً فسقطت عن جملِها وأسقطت جنينها ومات إثر ذلك.. ما سببه؟ سببه ليُخرِجهم مِنَ الظلمات إلى النور ولينقُلَهم مِنَ الفقر إلى الغنى ولينقُلَهم مِنَ التخلُّف والذلِّ إلى التقدُّم والعز، وليجعَلَهم ملوك وسلاطين الأرض وأئمَّتها وأساتذتها ومُعلِّميها، فهذه ضريبة الأنبياء عليهم السَّلام وخلفاء ووَرَثة الأنبياء.

عون الله عزَّ وجلَّ لأنبيائه:
فأيضاً لا يترك الله عزَّ وجلَّ المؤمن: ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ الحمل الثقيل ﴿الَّذِي أَنْقَضَ﴾شيءٌ يكسِر الظهور، ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ لا يُذكَرُ الله عزَّ وجلَّ إلَّا ويُذكَرُ حبيبه معه: الحمد لله عزَّ وجلَّ والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، أشهد أنْ لا إله إلَّا الله وأشهد أنَّ مُحمَّداً رسول الله، في الأذان والتحيات السَّلام عليك أول التحيات أولاً تُسلِّم على الله عزَّ وجلَّ التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله عزَّ وجلَّ، وبعدها يقول لك صلِّ على النبي السَّلام عليك، هذه السَّلام عليك هذه الكاف كاف ماذا؟ كاف الخطاب ألا يجب أنْ تتصور صورة النبيّ وأنت تُخاطبه بعليك أليست هذه رابطة؟ وفي أثناء الصَّلاة تتخيَّل صورة وهو أمامك هل يصلُحُ أنْ تقول عليك وهو خلفك أو بجانبك أو فوقك، يجب أنْ يكون أمامك، ومن ثمَّ اللهم صلِّ على مُحمَّدٍ وعلى آل مُحمَّدٍ، وآل مُحمَّد كان النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ آلُ مُحَمَّدٍ كلُّ تَقِيٍّ (16) }

[ضعيف الجامع للألباني]

أمَّا إذا خرج مِنَ التقوى إلى الفِسق والضَّلالة:

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
[سورة هود]


قطع الله تعالى الوحي عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليزيد اشتياقه:
﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ لماذا أخذت على خاطرك لأنَّنا قطعناك عدة أيام؟ لتزداد عطشاَ شوقاً وتحبباً إلى لقائنا ونحن نُعاملك بالحكمة لنرفَعَ مقامك كلَّ ساعةٍ بساعةٍ وكلَّ لحظةٍ بلحظة، ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ﴾ أنزلنا عنك حملك الثقيل، ﴿الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ لو لم نضع عنك هذا الحمل وهذا الوِزر، ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قال لو مرَّت عليك أيامٌ فيها عسر؛ لكنْ لا نتركك وحدك مع العُسر سنُرفق بالعُسر يُسراً ونجعل لك مع العُسر: مع الجوع لو خَلَقَ الله عزَّ وجلَّ الجوع بلا أكل، لمات النَّاس مِنْ جوعهم ولو كان العطش بلا ماءٍ لماتوا مِنْ عطشِهم ولو كان الليل بلا نهار..

علامة شح الصدر:

وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
[سورة الذاريات]

فكيف إذا كان الإنسان في رعاية الله عزَّ وجلَّ وضمانه ومحبَّته ومرضاته فيقرأ: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾.

أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (22)
[سورة الزمر]

ويوجد أناسٌ يشرح صدورهم للكفر والطغيان، يشرح صدورهم للأبالسة وللشيطان، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يشرح صدورنا للإسلام (فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ).
قالوا: يا رسول الله وهل لهذا الشرح مِنْ علامة؟ نريد أنْ نعلَم إذا كانت صدرونا مشروحةً أم لا. قال: نعم. ما علامته؟ قال:

{ الإنابةُ إلى دارِ الخُلودِ (17) }

[الزهد والرقائق لابن مبارك]

الدنيا مؤقتة، عِشْ ما شِئت فإنَّك ميت، خمسون وستون سنةً.. خصوصاً إذا كبِرت وشُخت، فما معنى أطال الله عمرك؟ يعني أضعفَ الله بصركَ وسمعك وبدنك ونبضك وقواك وتملَّ الحياة، ولو أعاش الله عزَّ وجلَّ إنسانًا مئة سنةٍ أو مئةً وخمسين وصار مُقعَداً ويبول في مكانه ولا يستطيع أنْ يقوم على قدميه، يعني طول العمر هذه دعوة له أم عليه؟ فدعاء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

{ أنَّ رجلًا قالَ : يا رسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ خيرٌ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ ، وحَسنَ عملُهُ (18) }

[سنن الترمذي]

أطال الله عزَّ وجلَّ أعمالنا في الأعمال الصالحات ومع العفو والعافية.
﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ فإذا حصلت معك الأشياء على خلاف ما ترغب فلا توجَلْ ولا تشُك وتظنَّ أنَّك بلا مددٍ وأنَّك متروكٌ هملاً، لا.

العُسر واليُسر :
﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ﴾العسُر معه يُسر، ففتِّش عن اليُسر بعقلك وتفكيرك وبحُسنِ ظنِّك بربِّك كأصحاب المغارة التي سُدَّتْ عليهم، فالتجأوا إلى الله عزَّ وجلَّ فأنجاهم بعد أنْ كانت النجاة ميئُوساً منها بسببٍ ماديٍّ وتارةً بسببٍ غير ماديّ، بسبب تملِكُه وتارةً بسبب لا تملِكُه لكن كُنْ دائماً على ثقةٍ مع الله عزَّ وجلَّ، إذا كنت مع الله عزَّ وجلَّ بطاعة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة محمد]

﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾ أول حجةٍ حججتُها مع شيخنا رضي الله عنه كانت في زمن الاحتلال الفرنسي، وبعد أنْ حججنا ونحن في جدة وكان الفرنسيون يفرُضون على الحجاج ويجعلون تأشيرةً للدخول إلى سوريا وهم في جدة، يعني مَنْ يريد أنْ يرجع إلى بلده يجب أنْ تكون معه التأشيرة وقيمتها ليرة ذهب، وكنت في سن المراهقة معه، فذهبنا إلى السفارة وازدحام وقت الظهيرة والحر شديد وشيخنا كان صدره فيه ضيقٌ ولا يتحمل الحر، فقال لي: دعنا نجلس في الظل إلى أنْ يخفَّ الزدحام، فاستندنا على جدارٍ ويمرُّ علينا إنسانٌ يسألنا: لماذا أنتم تقفون هنا؟ قلنا له: ننتظر من أجل التأشيرة. قال: أروني حافلتكم، أريناه إياه قال لنا: هذا مؤشَّر عليه. ليس مؤشَّراً عليه. قلت له: ليس كذلك، في ذلك الوقت وإلى الآن أقرأ الفرنسي في ذلك الوقت قال لي: والله العظيم إنه مُؤشَّر، شيخنا قال لي: قُم يا بُني قُم. قلت له: ولكنَّه ليس مؤشَّراً. قال لي: لقد حَلف بالله، حَلف بالله وأنا كنت في سن المراهقة لا أملك المعارضة، فقمت وطبعاً في ذلك الوقت جدة لم يكن فيها رصيف وكان الشاطئ كلُّه صخور فبين الباخرة والشاطئ بالسفن يبقى الحاج ثلاث ساعات، كلها صخور ولفات، ثلاث ساعات لكي يصل إلى المركب داخل البحر، إلى أنْ وصلنا وصعدنا على السلَّم وأخرج العمال الحقائب والموظف فرنسي في أعلى الدرج يُفتِّش الباصات عن التأشيرات، فواحدٌ منهم لم تكن معه تأشيرة فلَطَمه ورفَسَه وكاد أنْ يسقط في البحر ورمى بحقائبه إلى البحر، وأنا قلت في نفسي هذا مصيرنا، هل يوجد شك؟ وصار قلبي ينبِض، فعندما وصلنا إلى الضابط الفرنسي أعطيناه الجواز، لا يوجد قال لنا: حسناً ادخلوا.
﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ فإذا تولَّاك الله عزَّ وجلَّ سيجعل الكون كلَّه طوعَ إرادتك، وإذا تولَّاك الشيطان فلا تنغرَّ بكلِّ القوى، فما هي إلَّا رغوةٍ بنفخةٍ:

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
[سورة الأنبياء]


الفرق بين العُسر واليُسر في الآية:
﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ كانوا يقولون بأنَّه في اللغة العربية إذا كان الاسم المفرد معرفاً بالألف واللام رجلٌ الرجل، هذا مُعرَّفٌ بالألف واللام رجلٌ لا يوجد في أوَّله ألف ولام، فالذي بأوله ألفٌ ولام إذا كُرِّرَ مرتين يكون كلَّ مرةٍ غير المرة الأولى، فإذا قلت جاء الرجل ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ بالألف واللام إذا كَرَّر يكون واحداً ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، إذا قلت جاء الرجل ورأيت الرجل وذهب الرجل مع الألف واللام مكرراً كم واحداً يكونون؟ المعرَّف مهما تكرر يبقى واحداً وإذا كان بدون ألفٍ ولام: رأيت رجلاً وساهرت رجلاً وسافرت مع رجلٍ مِنْ دون ألفٍ ولام، ماذا يكون؟ مكرراً ثلاثةً، فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ العُسر مع الألف واللام كم عُسراً يكون؟ واحد، ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ إذًا العُسر واحد، لكنْ يُسر بلا ألفٍ ولام لذلك قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ (19) }

[شعب الإيمان للبيهقي]

في الآية العُسر مع الألف واللام كُرِّرَ مرتين لكنَّه ماذا يكون؟ عُسر، واليُسر بلا ألفٍ ولام فماذا يكون، يُسرين لمرتين يكون، ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ).

العبادة بعد الفراغ من الواجبات:
﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ فإذا فرَغْتَ مِنْ رجوعك مِنَ الجهاد؛ أو فرَغْتَ مِنَ التبليغ والدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ ﴿فَانْصَبْ﴾ في الليل:

قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
[سورة المزمل]

{ العُلَماءَ ورَثةُ الأنبياءِ (20) }

[سنن ابن ماجه]

العالِم ليس عنده فراغٌ ولا دقيقةٌ واحدة.. دائماً في عملٍ في بناء الإسلام وفي ترميم الإسلام والدفاع عنه بكلِّ الوسائل الممكنة، بجسمه وببدنه وبماله وبتعَبه وبشبابِه وبشيخُوخَته، ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ﴾ مِنْ ماذا فرَغْتَ؟ مِنَ اللهو أم مِنَ البطالة وكلام السهرات الفارغ الذي هو إمَّا لغوٌ وإمَّا تأثيمٌ؟

الخطاب للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم خطاب لنا:
فيا تُرى عندما يقرأ المسلم ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ هل يفهم؟ هذه بعد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لو كانت موجَّهةً للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لكانت يجب أنْ تُحذف، هذه للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد ذهب النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ويجب أنْ تذهب، هذه أيضاً هذه مُوجَّهةٌ لكلِّ مؤمن: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ﴾ مِنْ عملٍ صالحٍ فتوجَّه إلى عملٍ صالِحٍ آخر إذاً مِنَ التعليم والتبليغ والجهاد ﴿فَانْصَبْ﴾ النَّصب مِنَ التعب، أتعِبْ نفسك في صلاة الليل وفي ذِكْرِ الله عزَّ وجلَّ وفي الأعمال الصالحات، معنى ذلك لا تُضيِّع شيئاً مِنْ وقتك بلا إنتاجٍ وبلا عملٍ مُثمر:

{ إنَّ اللهَ يَكرهُ العبدَ البطالَ (21) }

[ورد في الأثر]

هذا الإسلام الذي كلُّه حياةٌ وكلُّه عملٌ لا يسمح لك أنْ تمرر دقيقةً وأنت فارغٌ إلَّا إذا تعبت وسئمت:

{ روِّحوا القُلوبَ ساعةً فساعةً (22) }

[أخرجه الديلمي]

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ الهُوا والعَبوا ، فإنِّي أكرهُ أن يُرَى في دينِكم غِلظةً (23) }

[شعب الإيمان]

كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض الأوقات يُسابِقُ عائشة رضي الله عنها، سباقاً مثل السباق الذي في التلفاز، ففي أول الأمر سبَقتْهُ، وعندما سمِنَت تسابقا فسبَقها فقال لها: (هذه بتلك)، فإذا فَرَغْتَ لا تُبقِ وقتك مُعطلاً ﴿فَانْصَبْ﴾ إلى عملٍ آخر فاجهَد واتعَب أمَّا أنْ تجلس بطالاً عاطلاً.. إذا فرَغْتَ مِنْ أمر الدنيا اعمل بعمل الآخرة، ومِنْ أمر السوق اعمل بالذِّكر وبزيارة أخٍ في الله وبصلة الرحم وبقضاء حوائج المسلمين؛ أمَّا بطالاً: (إنَّ اللهَ يَكرهُ العبدَ البطالَ).
﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ تكون في كلِّ أعاملك في نومك وأكلك وشربك ولباسِك وفي عملك الدنيوي يكون هدفك مِنْ كلِّ تحركاتك: "إلهي أنتَ مقصُودي ورضاكَ مطلوبي".

الحياة في ظل التربية القرآنية:
فما أجمل هذه الحياة، وما أجمل العمر أنْ يكون في ظلِّ هذه التربية القرآنية، يا تُرى عندما يقرأ المسلمون القرآن هل يُحاولون أنْ يفهموا، وإذا حاولوا سيفهموا، وإذا لم يفهم يسأل العالِم ليُفهِّمَه ما يجهَل، وإذا فهِمَ هل يقصد مِنَ الفَهم العِلم والعمل؟ وإذا عمِلَ هل يفهَم أنَّه بعد العمل يجب عليه أنْ يُعلِّم؟ تُعلِّم وأن:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[سورة التحريم]

هذه أول المراتب نفسُكَ ثمَّ أهلك، المرتبة الثانية:

وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
[سورة الشعراء]

الذين يعاشرونك: أصحابك في السوق والسهرات والمجتمعات، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَتُحَوَّلُونَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، لَمْ تَظْهَرْ فِيكُمُ السَّكْرَتَانِ: سَكْرَةُ الْجَهْلِ وَسَكْرَةُ الْعَيْشِ، وَسَتُحَوَّلُونَ عَنْ ذَلِكَ، الْقَائِمُونَ يَوْمَئِذٍ بِالْكِتَابِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً كَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، لَهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟، قَالَ: لَا بَلْ مِنْكُمْ (24) }

[مسند البزار]

(أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الدنيا نهارٌ والجسر ظاهرٌ مِنْ أين، النهر والحفرة والوديان مِنْ أين، فتمشي بلا خطر، ومَنْ كان المُنير في طريق السعادة، وجود النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

انظر إلى الصفة في المسلم إذا رأيت مُسلماً تاركاً واجباً، فلا تظنَّ أنه المسؤول الوحيد فأنت أيضاً مسؤولٌ معه: لماذا تترك الصَّلاة ولماذا لا تأتي إلى مجالس العِلم لتتعلَّم؟

{ طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ (25) }

طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ (25)

هل لك مُعلِّمٌ يُعلِّمُك دينك؟ وليس قراءة القرآن بل فَهم القرآن، فهل لك مُزكٍّ يُزكِّي نفسك من نقائصها ورذائلها؟

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
(أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) كلُّ واحدٍ منَّا مع صديقه في السهرة، مع أهله، وليس شرطًا أنْ يتقبَّل منك، وبالحكمة وبالموعظة الحسنة، ويوجد الكثير مِنَ النَّاس لا يخطُر على بالهم أنْ يهتدوا بكلمةٍ صغيرةٍ سيجعلهم الله عزَّ وجلَّ يسبقون الذين دعاهُم وهداهُم، ويسجل لك سواءً استجاب أو لم يستجب، فهل أنت خاسرٌ أم رابح؟ وهل يوجد إنسانٌ يسلكُ طريقاً ويستقيم عليه ولا ينجح فيه؟ يعني إذا فتحت دكاناً مِنْ أول يومٍ يجب أنْ يكون عندك خمسون زبوناً؟ شهرٌ أو شهران أو ثلاثة وأربعة وخمسة وعشرة.
(أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) كانوا يُجاهدون في الله عزَّ وجلَّ الجهاد الكبير وهو جهاد الدعوة؛ ثمَّ الجهاد الصغير جهاد الوثنيين وعبدة الأصنام، والآن الحرب بيد الدولة ونحن علينا الجهاد الأكبر جهاد النفس والجهاد الكبير العِلمي نتعلَّمُ والتعليمي نُعلِّمُ ما تعلَّمناه.

السكرتان حب العيش والجهل:
(تَظْهَرْ فِيكُمُ) بعد أنْ تأمرون بالمعروف وتنهَون عن المنكر وتجاهدون في الله عزَّ وجلَّ (تَظْهَرْ فِيكُمُ السَّكْرَتَانِ) أي علتان ومرضان، (سَكْرَةُ الْجَهْلِ) مجالِس الجهل وصحبة الجهلاء وأحاديث الجهل، (وَسَكْرَةُ الْعَيْشِ) نريد أنْ نعيش لا يُهمُّنا إلَّا هذا الجسد مثل الحيوانات، فماذا يُهمُّ الحيوانات؟ تُهمُّها أجسادها وطعامها وشرابها ومأواها وتناسُلها (وَسَتُحَوَّلُونَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) ترى أحدهم قد ترَك فريضة الله عزَّ وجلَّ فلا تُبالي، لا يُصلِّي ولا يُزكِّي ولا يتعلَّم.
هذا الجهل أكبر الآفات فماذا يضرُّك إذا كنت ذاهباً إلى مجلس العِلم أن تأخذ ابنك وجارك، تأخذين جارتك ورفيقك ورأيت أخاك في الطريق، أخٌ مِنْ إخوانكم الله يغفر لنا وله، كان يُقال له أبو سعيد السلعة، يوجد منكم مَنْ يعرفه كان عندي في ذلك الوقت درس في يلبُغا، وبعد أنْ انتهى الدرس جاء الإخوان ليُسلِّموا عليَّ وإذ قدَّمَ ليَ رجلاً وقال لي: هذا أنطون أو ميشيل لا أدري ماذا.. فأنا استغربت أهلاً وسهلاً، قال لي: شيخي، فهذا الرجل قال: هل تعرف كيف أتيت إليك للمسجد؟ قلت له: كيف؟ قال لي: وأنا أمشي في شارع النصر على الرصيف مرَّ هذا أبو سعيد السلعة ووضع يده بيدي، وقال لي: تعال معي في مشوار، لم يرَه ولا يعرفه مسلم أو نصراني طاهِرٌ أم جُنب قال له تعال ليس عليك وسوف ترى، وسيطر عليه بقوة حبِّه وإيمانه، والحب أقوى القوى ولا يوجد أقوى مِنَ الحب، والحبُّ في الله عزَّ وجلَّ.
قال له: ألا تحبُّ الله عزَّ وجلَّ؟ قال له: إلى بيت الله عزَّ وجلَّ، فقط خمس دقائق أخذ خمس دقائق ربما تخدَّر، وكثيرٌ مِنَ الإخوان أتوا بكثيرٍ مِنْ رفاقهم أننا نريد أنْ نصلي المغرب نصلِّي وهو يحضره إلى الدرس بين صلاة ثلاث الركعات والسنة يسمع شيئاً يعلَق فيه فيقول هل نبقى خمس دقائق أخرى، ما رأيك؟ يقول له حسنًا، وخمس دقائق على خمسِ دقائق إلى أنْ يذهب الدرس كله (وَسَتُحَوَّلُونَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ).

أعظم المعروف وأعظم المنكرات:
وأعظَم المعروف العِلم وأعظَم المنكرات الجهل:

{ لأن يَهْديَ اللَّهُ علَى يدَيكَ رجلًا ، خيرٌ لكَ ممَّا طلَعت علَيهِ الشَّمسُ وغرَبَت (26) }

[الزهد والرقائق لابن المبارك]

أين نحن؟ نحن نيام:

{ الناسُ نيامٌ فإذا ماتُوا انتَبهوا (27) }

[حلية الأولياء]

وإذا انتبهوا ندِمُوا حيث لا ينفعُهم الندم.
فعند ذلك (فَلَا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) إذا رأيت مُنكراً فبالحكمة فإذا استمع فقد سمِع وإذا لم يستمِع فهو المسؤول لن يشنقَك ولن يشتُمك، يقول لك: أخي عليك من نفسك، إذا قصدت لو قالوا لك: إذا اهتدى على يدك سنعطيك خمسمئة ليرة هل تتركه؟ والله سيعطيك الله عزَّ وجلَّ أكثر، وإذا قال لك إن ذهَبَ معك نعطيك ألف ليرة فهل تتركه؟ والله تقبل يديه وقدميه ومِنْ أجل لحيتي ومِنْ أجل خاطري وإذا لم يعجبك تصنع له خمسمئة حيلة، يوجد وراءها مال، مالُ الله عزَّ وجلَّ أغلى وأبقى، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا الإيمان بكلام رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، (وَلَا تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْقَائِمُونَ يَوْمَئِذٍ بِالْكِتَابِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) ألا يأمُرنا القرآن بالمعروف ويأمُرنا بأنْ ننهَ عن المنكر؟ والسنة سُنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وطريقة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عبادته وذِكْرِه وفي تعلِيمه ودَعوته (الْقَائِمُونَ يَوْمَئِذٍ بِالْكِتَابِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً كَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، لَهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟، قَالَ: لَا بَلْ مِنْكُمْ) لماذا؟ قال:

{ لأنَّكُم تَجدُون عَلى الخيرِ أعْوانًا ولا يجِدُون عَلى الخيرِ أعوانًا (28) }

[المعجم الكبير للطبراني]

اللَّهم اجعلنا مِنَ الذين يستمِعون القول فيتَّبعون أحسَنَه، واجعلنا اللَّهم هادِين مَهديين ولا تجعلنا اللَّهم ضالِّينَ ولا مُضلِّين.

الهوامش:
(1) صحيح البخاريِّ، في: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السَّلام، رقم: (50).
(2) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ويحذركم الله نفسه، رقم: (7405)، صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب الحض على التوبة والفرح بها، رقم: (2675).
(3) شعب الإيمان للبيهقيُّ، رقم: (1642)، الجزء (3/273)، المعجم الصغير للطبراني، رقم: (507)، (1/305).
(4) المعجم الكبير للطبراني، رقم: (8899)، (9/ 182)، حلية الأولياء، (1/131).
(5) المعجم الكبير للطبراني، رقم: (889)، (23/376)، مسند أبي يعلى، رقم: (6944)، (12/373)، حلية الأولياء، (8/378).
(6) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم: (3461).
(7) المعجم الكبير، للطَّبرانيِّ، رقم: (751)، (1/ 259).
(8) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي، رقم: (1312)، صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، رقم: (961)، ولفظه عند البخاري: "إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: ((أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟!))".
(9) ورد في الأثر,.
(10) مسند الحارث بن أبي أسامة، رقم: (437)، (1/ 500).
(11) شرح علل الترمذي (772/ 2).
(12) مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (1224)، (1/ 108)، حلية الأولياء، (6/ 37)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (670)، (2/ 171).
(13) ضعيف الجامع، للألباني (ص: 2490).
(14) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب تمني الشهادة، رقم: (2797)، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، رقم: (1876).
(15) الجامع الصغير، السيوطي، ص: 7834.
(16) بحر الفوائد، ص: (305)، الفردوس بمأثور الخطاب عن أنس، رقم: (1692)، (1/418)، ومعناه في الصحيحين: «ألا إن آل أبي، يعني فلانا، ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين» البخاري، كتاب الأدب: باب تبل الرحم ببلالها، رقم: (5990)، مسلم، الإيمان باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم رقم: (215).
(17) مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (34314)، (7/76)، الزهد والرقائق لابن مبارك، رقم: (315)، (1/106).
(18) سنن الترمذي، أبواب الزهد: باب ما جاء في طول العمر للمؤمن، رقم: (2329)،
(19) شعب الإيمان، للبيهقي، رقم: (9541)، (12/361)، والمستدرك للحاكم، رقم: (3950)، (2/575). وهو مرسل.
(20) سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223). وأبو داود، أول كتاب العلم، باب: الحث على طلب العلم، رقم: (3641). والترمذي، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682).
(21) المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (8934)، وضعَّفه الشَّوكانيّ.
(22) أخرجه الديلمي (2/253، رقم 3181). وأخرجه أيضا: القضاعي (1/393، رقم 672).
(23) شعب الإيمان، (5/247، رقم 6542) وقال : هذا منقطع وإن صح فإنه يرجع إلى اللهو المباح . والديلمي (1/106، رقم 357) .
(24) مسند البزار، رقم: (2631)، (7/80)، حلية الأولياء، (8/48).
(25) سنن ابن ماجه، افتتاح الكتاب بالإيمان: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
(26) الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 484) ورقم (1375).
(27) حلية الأولياء، (7/52).
(28) المعجم الكبير للطبراني، رقم: (5414)، (5/315)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (8/200)،