تفسير سورة الشمس

  • 1996-01-26

تفسير سورة الشمس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات وأعطر التحيات على سيِّدنا مُحمَّد سيِّد الأولين والآخرين، وعلى آلِه وأصحابه الطيبين الطاهريين، وآلِ كلٍّ وصحبِ كلٍّ أجمعين، ومَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قواعد حلف اليمين:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالشَّمس وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)﴾ هذه الواو في ﴿وَالشَّمس﴾ هذه واو القسم واليمين، فعندما يريد الإنسان أنْ يحلِف يقول والله فما هي هذه الواو؟ يعني أُقسِم وأحلِفُ بالله العظيم، فلا يحقُّ للإنسان أنْ يحلِفَ إلَّا بالله عزَّ وجلَّ أو باسمٍ مِنْ أسمائه؛ أمَّا الله عزَّ وجلَّ فله أنْ يحلِفَ بنفسه؛ كما قال تعالى:

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (62)
[سورة النساء]

فحَلَفَ الله عزَّ وجلَّ بمِنْ؟ بذاته العليَّة الإلهية؛ والله عزَّ وجلَّ فلَهُ أنْ يحلف بما شاء مِنْ مخلوقاته؛ لأنَّها عمل يده وصنعة قدرته فكأنَّما يحلِفُ بذاته العليَّة الربانية، فيقول الله عزَّ وجلَّ: أُقسِم بالشَّمس وضحاها يعني في أول النهار عندما تنقُل الإنسان والحيوان والنبات مِنَ الظلام إلى النور وإلى حرارة الشَّمس، وما تهَبُ المخلوقات والأحياء مِنْ نعمة الحرارة والنماء والحياة والوجود بصُنع الله عزَّ وجلَّ وعظيم تدبيره، أقسم بالشَّمس إذا أضحَت وأشرَقت وارتفعت يعني أول النهار، أُقسِمُ بالشَّمس وضحاها.

عظمة خلق الشَّمس والقمر:
﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾ فجعل الله عزَّ وجلَّ الشَّمس في منتصف اليوم والليلة، وجعل القمر في النصف الآخر، وجعله يتزايد ويتناقَص:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
[سورة يونس]

فجعل جَرَيان الشَّمس والقمر وانتقالهما مِنْ أبراجهما وأفلاكهما ساعةً لنعرِف بها عدد الشهور وعدد الأسابيع وتحديد أوقات الزمن:

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
[سورة المؤمنون]

لم يكن هناك ساعات يدٍ ولا ساعاتٌ جدارية، فصنعنا ساعات تتعلق بالسماء وبالمجان ليس فقط ساعة، وجعلهما الله عزَّ وجلَّ سبب مصدر الحياة على هذا الكوكب الأرضي.
أُقسِم وأحلِفُ بالشَّمس، فلماذا حلَفَ الله عزَّ وجلَّ بها؟ ليُذكِّرَنا بنعمته التي أوجدها فيها؛ ممَّا جعلها سببًا لوجود الحياة على هذه الأرض، حياتك أيها الإنسان جعلها الله عزَّ وجلَّ مستمدةً مِنْ نور وحرارة الشَّمس، وحلَفَ بها ليُفكِّرَ الإنسان في هندسة الله عزَّ وجلَّ وعظيم خلقِهِ ونظامه في هذا الكون، وجعل الأرض على مسافةٍ بينها وبين الشَّمس بمليارات الكيلومترات أو كذا إلى آخره.. فلو كانت الشَّمس أقرب إلى الأرض ممَّا هي عليه لأحرقت الحياة والأحياء، ولو كانت أبعَدَ لماتت الحياة والأحياء مِنْ شدة البرودة، فمَنْ الذي خلَقها ومَنْ الذي بحكمته وضَعَها في مكانها المعين، في وقتٍ الأرض ليست بثابتةٍ وغير متحركة، الأرض تسير بسرعة مئة ألف وثمانية آلاف كيلومتر حول الشَّمس، والشَّمس تجري أيضاً بسرعاتٍ أكبر وأكبر.. فمع هذه الحركات والتحرُّكات بين الشَّمس وبين الأرض والمسافة بينهما لتتحقق الحياة في الأرض لا تختلف ولا قيد شعرة، وإذا اختلفت لتتحقق الفصول الأربعة، فلو بقي الزمن شتاءً ما أنتجت الأرض ثماراً ولا رزقاً ولا طعاماً، فحَلَف بها ليُذكِّرنا بعظيم نعمته بخلقها وإبداعها ونظامها لنقول:

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)
[سورة الصافات]


خلق الليل والنهار:
﴿وَضُحَاهَا﴾ لو لم يجعل للأرض حركتها وللشمس حركتها، لو كانت الأرض ثابتةً:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)
[سورة القصص]

يصير الليل والنهار بسبب دوران الأرض حول نفسها، فيا تُرى أيُّ نابضٍ مُركَّبٌ ليُدوِّر الأرض؛ أو أي بطاريةٍ كهربائيةٍ في الأرض حتَّى يديرها، فكم طنّاً يبلغ وزن الأرض، وكم طنّاً تزن هذه البطارية وكم يجب أنْ يكون حجمها؟ لا أقل مِنْ جبل هيمالايا، وبأكثر مِنْ عشرين مرةً، فهل هذا في قدرة الإنسان؟ هذا الإنسان ينسى هذا الخالق العظيم فلا يُفكِّر في مخلوقات الله عزَّ وجلَّ سواءً في السماء أو في الأرض، انظر إلى البعوضة كيف خلق الله عزَّ وجلَّ قلبها ودورتها الدموية وأعصابها وكيف ركب مفاصل أعضائها وكيف أوجَد مخها وخلايا المخ الذي يُسيِّرُها نحو ما ينفعها فتعرفه أو نحو ما يُؤذيها فتجتَنبَه؟ مِنَ المَجرَّات إلى الذرَّات نجد صنع الله عزَّ وجلَّ الذي أتقَن كلَّ شيء.

الله عزَّ وجلَّ خالِق الوجود:
فيحلِفُ بها لأجل أنْ يُعلِّمنا ويُنبِّهنا ويُوجِّهنا إلى ذاته العليَّة في صناعته وخلقِه وبديع ما أودَع وأوجَد في هذا الكون، فيحلِفُ لنا ومَنْ نحن؟ يا تُرى هل يحلِفُ الملك لخادمه؟ وهل يحلِفُ لمدير مكتبه؟ وهل يحلِفُ لوزيره؟ مع أنَّ كلاهما مِنْ جنسٍ واحدٍ وهو الإنسان، فالله عزَّ وجلَّ خالِق الوجود.
قرأت في أثناء سفري في بعض المجلات بأنَّه تم اكتشاف إلى الآن خمسة ملياراتٍ مِنَ المجرات، والمجرة مجموعاتُ النجوم، وكلُّ مجموعةٍ مستقلةٌ عن المجموعة الأخرى، وما نرى في سمائنا بالعين المجردة يبلغ ستة آلاف نجم وهذا جزءٌ مِنَ المجرة، أمَّا عدد نجوم مجرتنا فتُعدُّ بالمليارات وبمئات الألوف مِنَ النجوم والكواكب، وهذه كلُّها مجرةٌ واحدة، فإذا اكتشف الإنسان ستة أو خمسة مليارات مجرة، ويقول الله تعالى:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً (85)
[سورة الإسراء]

عندما سَأل سيِّدنا موسى عليه السَّلام في درسه سائِل: هل يوجد أعلَمُ منك يا موسى؟ قال: لا، فعَتِب الله عزَّ وجلَّ عليه، وقال له: إنَّ لنا عبداً بمجمَع البحرين، هو أعلَمُ منك يا موسى، فقال لغلامه: لنذهب إلى الأعلَم لنزداد ونُضيف علماً إلى عِلمنا، فاجتمع بالخضِر وبينما هما يمشيان على شاطئ البحر وجدا عصفوراً ينقُر في البحر، فقال الخضِر لموسى عليهما السَّلام: أرأيت هذا العصفور ماذا أخذ بمنقاره مِنَ البحر؟ قال: كما تعلَم لم يأخذ شيئاً، فقال له: يا موسى ما عِلمي وعِلمُك إلى جانب عِلم الله إلَّا كما أخذ هذا العصفور مِنْ هذا البحر المحيط.

عجز البشر عن إدراك ذات الله العلية:
فهذا الإله العظيم الخالِق الذي تعجَزُ العقول عن معرفة ذاته العليَّة، نعرفه بصفاته ونعرفه بانعكاس أنواره في مرآة قلوبنا إذا صفَتْ بالتوبة الصادقة وتزكَّت بالمزكِّين الذين هم ورَثةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنْ عرفنا أنَّ موسى والخضِر أخذوا مِنَ البحر ما أخذه منقار العصفور فنحن بالنسبة لكليم الله عزَّ وجلَّ والخضِر ماذا أخذنا؟
فيحلِفُ الله عزَّ وجلَّ بالشَّمس ليوُقِظ عقولنا لنُفكر بخالق الشَّمس، وضحاها وبنورها لنذكُر نعمة الله عزَّ وجلَّ بنورها، مصباحٌ كهربائيٌّ واحدٌ مِنَ عند الله عزَّ وجلَّ ينير علينا الكرة الأرضية كلَّها، فيا تُرى الماركة أمريكية أم إنجليزية أم ربانية؟ الكهرباء لكي تشعل لك مصباحاً صغيراً في الشهر ستدفع المبلغ المرقوم، فلو حاسَبنا الله عزَّ وجلَّ على كهرباء الشَّمس فكم يكون عليكم في الشهر؟ الكهرباء فقط لمنزلك؛ لكنْ إذا ذهبت إلى الشارع فهل تُضيء لك، وإذا ذهبت إلى الجبل تُنير لك، وفي البحر؟ فأعطاك الله عزَّ وجلَّ كهرباءَ تُنير لك الدنيا كلَّها.
﴿وَالشَّمس وَضُحَاهَا﴾ أول النهار، ﴿وَالشَّمس وَضُحَاهَا﴾ قال ما تركناكم فقط في النهار أيضاً في الليل عمَلنا لكم كهرباء ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾ خاصةً في ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، تغيب الشَّمس مِنْ هنا فيتلوها القمر بالشروق مِنْ مشرِق الأرض، فمَنْ رتِّب هذا الترتيب ومَنْ الذي صنَعَ هذا الصنع؟

من أدلة وجود الله عزَّ وجلَّ:
أتاني عضو اللجنة المركزية الشيوعي في بلغاريا هنا في المجمع ونحن نشرب الشاي وأنا أتكلم معه عن الله عزَّ وجلَّ قال لي: ما هو الدليل على وجود الله؟ فالشيوعي لا يُؤمن بوجود الله عزَّ وجلَّ. قلت له: أما رأيت الدليل والأدلة؟ قال: ما هو الدليل؟ قلت: كأس الشاي التي تشرب منها الشاي دليلٌ مِنْ مليارات الأدلة، وهذه المسبحة دليل، والمذياع دليل، والزجاجة دليل، وغطاء الزجاجة هذا دليل، والشعر الذي في ذقنك وشاربك دليل، فكلُّ شعرةٍ مثقوبةٌ يتنفس الجسد منها، مثل الأنبوب تخرج الأبخرة مِنَ الشعرة، فمن غرسها ومَنْ صنعها وما هي مادة صنعها ومَنْ ثقبها؟ قلت: كأس الشاي، قلت له: هذا الشاي الذي يا تُرى زُرِعَ بنفسه أم له زارِع؟ له زارع، قلت له: قُطِفَ بنفسه أم له قاطِف؟ قال: له قاطف. قلت له: أُخِذَ إلى المعمل بناقِلٍ أم انتقل بنفسه؟ له ناقِل، لما صُنِعَ ولـمَّا عُلِّبَ ولـمَّا أُخِذَ مِنَ المصنع، ولـمَّا ذهب إلى الجمرك، ولـمَّا.. حتَّى وصل إلى هنا وطبَخه الطابِخ ووضَعه الواضِع، قلت له: هل تريد أيضًا أنْ أُكلِّمك عن كأس الزجاج، ولـمَّا اقتنعت أنَّ الشاي الذي تشربه يقول لك انظر إلى مَنْ خلقني، قلت له فهل يوجد الله أم لا يوجد؟ هل يستطيع أنْ يقول أنَّه لا يوجد ، فهل يستطيع أنَّ هذا خيارٌ أو بطيخ، فإنْ قال فيُحكًمُ عليه بأنَّه مجنون ولا يرضى المرء على نفسه أنَّه مجنون.

واجب الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ:
لكنْ نحن لا نقرأ القرآن للعِلم والفهم، هذا المرض عامٌ في المسلمين إلَّا مَنْ رَحِمَ الله نقرؤوه لمجرد القراءة فقط، أنا تركت المدرسة مبكراً، وبعدها درسنا العلوم في بيوت مشايخنا لم يكن في وقتها يوجد مدارس، إلى الآن أقرأ الفرنسي لكن لا أفهم شيئاً.
وصفة الطبيب للمريض إذا قرأها وحفِظها عن ظهر قلب وكرّرها كلَّ يومٍ ألف مرة يا تُرى هل تُؤثِّر الوصفة الطبية في مرضه شيئاً، وهل تنقُله التلاوة والقراءة مِنَ المرض إلى الصحة، ومِنَ الضعف إلى القوة، ومِنَ الفراش إلى العمل، فهكذا أكثر النَّاس يقرأون القرآن ويكون حجةً عليهم في الدنيا والآخرة، لما يُدعى بعضهم إلى الإسلام مِنْ غير المسلمين يقول لو كان الإسلام كما تقول لكنتم أنتم المسلمون أرقى الأمم وأنتم الآن في أخريات الأمم، وهذا يدل على أنَّ الإسلام ليس ديناً كما تقول، فصرنا حجةً على الإسلام، وحجةً على القرآن، فأسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُوقِظنا مِنْ رقدتنا:

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
[سورة الكهف]

والنائم إذا تحرَّك يا تُرى حركته ليكسِبَ منها مالاً أو يستفيد منها شيئاً؟ هي حركةٌ غير إرادية، فأنتم يا بُني في عنقكُم ما تسمعون لنقوم بالدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ كما نُقيم الصَّلاة:

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
[سورة الإسراء]

وقال تعالى:

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
[سورة النحل]

واجبٌ عليك، ليس الواجب بأنْ تكون شيخًا بعمامةٍ ولفةٍ ولحية ومتخرج مِنَ الأزهر، هل قال الله عزَّ وجلَّ ادعُ أيها الأزهري، وغير الأزهري مسامح؟ لا؛ بل قال (ادْعُ) يعني أيها المؤمن وأيتها المؤمنة، كما يفرض عليك صلاة الجمعة، وصلاة العصر، وصلاة المغرب والوضوء، وكذلك مفروضٌ عليك أنْ تدعو نفسك حتَّى تُسلِم وتستجيب لله عزَّ وجلَّ.

تعريف الإسلام:
ما هو الإسلام؟ الإسلام هو الاستجابة لأوامر الله عزَّ وجلَّ والامتثال لشريعة الله عزَّ وجلَّ، فإنْ استجبت وانْقَدْتَ وأطَعْتَ فأنت مُستجيبٌ يعني أنت مُسلم، وإذا لم تستجِبْ فأنت لم تُسلم، يعني لم تنقَدْ، فيا تُرى أترضون أيها الإخوة وأيتها الأخوات أترضون أنْ تلقوا ربكم وأنتم غير مسلمين، يعني أنتم لم تستجيبوا لربكم، قال الله عزَّ وجلَّ عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السَّلام، لما أمَرَ الله عزَّ وجلَّ إبراهيم عليه السَّلام بذبح ولده إسماعيل عليه السَّلام واستجاب الوالد لأمر الله عزَّ وجلَّ ليذبح ولده، والولد لأمر الله عزَّ وجلَّ ليذبحه والده، ماذا قال الله عزَّ وجلَّ عن صنعهما واستجابتهما لأمر الله عزَّ وجلَّ؟ فقال تعالى:

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
[سورة الصافات]

(فَلَمَّا أَسْلَمَا) ما معنى الإسلام؟ الاستجابة؛ فلمَّا استجابا لأمر الله تعالى (وَتَلَّهُ) أضجَعَهُ لليمين على جانبه، فهل يأمُر الله عزَّ وجلَّ بالفحشاء وبالسوء؟

وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)
[سورة الأعراف]

يذبح الولد، ما هي الفائدة؟ لا يأمُر الله عزَّ وجلَّ بشيءٍ لا نفع فيه؛ لكنَّه أمره واستجاب ليُعلِّم المسلم والمسلمة أنْ يستجيب لأمر الله عزَّ وجلَّ ولو رأى في أول الأمر أن فيه شيئاً مِنَ الضرر أو شيئاً مِنَ الخسارة، لكنْ نهايته ربحٌ وعزٌّ ومجدٌ في الدنيا والآخرة، (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) انتهى فصار الانقياد وصار الإسلام:

وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
[سورة الصافات]

جعله الله عزَّ وجلَّ خليله وجعل مِنْ ذريته أنبياء اليهود ونبيَّ النصارى ونبيَّ الإسلام:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)
[سورة الحديد]

نوح وإبراهيم عليهما السَّلام.

ثمرة الصدق عند المسلمين الأُول:
لـمَّا كان المسلمون الأولون مسلمين صادقين يعني مستجيبين استجابوا لكلِّ القرآن؛ فكان يُقرأ القرآن في أعمالهم وفي ليلهم متهجدين، وفي قلوبهم خاشعين وفي ألسنتهم وقلوبهم ذاكرين، وفي أوامر الله عزَّ وجلَّ مُتسابقين مُتسارعين، وفي أموالهم باذلين كُرماء مُعطين، وفي الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ لدمائهم باذلين، فأكسَبَهُم الله عزَّ وجلَّ عزَّ الدنيا وعزَّ الآخرة:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة النحل]

الحياة الحسَنة، وما كانوا أمّة؛ بل كانوا قبائل مُتناحرةً في صحراء جزيرة العرب، فهل جعلهم أمَّةً؟ لا جعلهم:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

وبحروبهم التي طالت عشرة أيامٍ مِنَ حياتهم السياسية، بعشرة أيام قضوا فيها على الاستعمار العالمي شرقيِّه وغربيِّه، فقضوا على الاستعمار الروماني الغربي الأوروبي في معركة اليرموك، وكم كانت أيامها؟ ستة أيام؛ وقضوا على الاستعمار الشرقي الفارسي المجوسي بكم يوم؟ في معركة القادسية، فهل أيامُهم مثل أيامنا؟

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
[سورة القدر]

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)
[سورة الحج]

يوجد يومٌ مِنْ أيامك يُسجِّلُه الله عزَّ وجلَّ لك عنده كألف سنة مِنْ عمَل غيرك ممَّن يُمضي عمره في البطالة واللهو وحياة الطفولة والأطفال إلى غير ذلك..
فأقسم الله عزَّ وجلَّ بالشَّمس ليُذكِّرنا بعَظَمة صنعَته ولينتقل العقل والفكر إلى الإيمان بعَظَمة الصانع والاستجابة لأوامره، ﴿وَضُحَاهَا﴾ لو خلَقَ الشَّمس ولم يجعلها بالنظام التي هي عليه في أرضنا، فهل كان لنا وجودٌ أو حياةٌ أو أحياءٌ على هذه الأرض؟ أُقسِمُ بالشَّمس وضحاها وبحركات الأرض بدورانها حول نفسها فتسبب الشروق وأوَّل النهار، ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾ كذلك لما يكون النصف الثاني محجوباً عن شعاع الشَّمس خَلَقَ لها القمر ضياءً وساعةً لنعلَم عدد الشهور وعدد السنين والأيام.

صنع الليل والنهار:
﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ لو بقيت الأرض غير متحركةٍ إلى وقت الضحى وتقف الأرض عن حركتها انتهى الوقود وانتهت الطاقة، إنْ انتهى وقود الطائرة وهي في السماء فماذا يحدث؟ قال لا ستبقى الأرض تدور حول نفسها تُشكِّل الشروق والضحى والظهر والعصر، ففي النهار تجلُو كلُّ الأشياء وتظهر ليخرج النَّاس إلى أعمالهم بالمدة النهارية المعروفة.
﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ بدوران الأرض تُحجَبُ عنَّا أشعة الشَّمس وضياؤها كما قال تعالى:

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
[سورة النبأ]

يعني راحةً، انتهى وقت العمل، فحلَفَ الله عزَّ وجلَّ لنا بشيءٍ مِنْ مصنوعاته ولله عزَّ وجلَّ أنْ يحلِفَ بخلقه وليس للمخلوق أنْ يحلِفَ بمخلوقٍ بل يحلِفُ بذاته عزَّ وجلَّ أو اسمٍ مِنْ أسمائه، ومَنْ الذي يحلِف؟ خالِق الكون، لمن؟ لخالِق كونٍ مثله؟ هل العظيم يحلِفُ للحقير، وهل يحلِفُ الملك للخادم، إذا كنت تظن أنَّني أكذب فأنا الملك سأحلف لك أيها الخادم، ما هي إلَّا رحمةٌ مِنَ الله عزَّ وجلَّ لهذا الإنسان الضعيف الجهول الفقير، مَنْ الذي يُشغِّل قلبك لستين أوسبعين أوثمانين سنةً ليصل الدم إلى كلِّ خليةٍ مِنْ خلايا عظمك وعصبك ومخك ورئتيك وأظافرك إلى آخره.. فمَنْ صنَعَ ومَنْ نظَّم ومَنْ رتَّب:

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
[سورة المؤمنون]

ماذا يا ربي أتحلف لنا أنت صادقٌ ولا يليق بعَظَمتك أنْ تحلف لحقارتنا؟ قال: أنا أرحم الراحمين وأخاطبكم بلغتكم رحمةً بكم وحناناً عليكم ولأنقلكم مِنْ ظلمات الجهل إلى نور العِلم، ومِنَ الضعف إلى القوة ومِنَ الذلِّ إلى العِزَّة.

كانت الأمية في الحبر والورق وليس في العلم:
لـمَّا وصف الله عزَّ وجلَّ العرب في القرآن بالأميين، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وهَكَذَا. يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وعِشْرِينَ، ومَرَّةً ثَلَاثِينَ (1) }

[صحيح البخاري]

أميَّة الحبر والورق لكنَّهم كانوا علماء بالعقول بحكمتهم فكانوا الحكماء وكانوا علماء استفادوا بعِلمهم فتزكت نفوسهم وكانت نفوسهم نفوس الملائكة، وكانوا علماء تعلَّموا كلما يمكن في حياتهم وفي زمانهم مِنْ أنواع العلوم عند كلِّ الأمم، فترجموا علوم الشرق وترجموا علوم الغرب وعلوم اليونان وعلوم الفرس وعلوم الهند.. ويدعو صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إلى الحكمة أي الحقيقة فيجب أنْ تعرف الحقيقة، حقيقة العقرب ما هي الفائدة مِنْ معرفة حقيقة العقرب؟ أنْ تجتنِبَه حتَّى لا يلدغك وتعرف حقيقة الذهب لتنتفِعَ مِنْ قيمته:

{ اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ عِلمًا نافعًا وأعوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا ينفَعُ (2) }

[صحيح مسلم]


خلق الله عز وجل للكون:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ عندما يكون النصف الثاني خلف النصف الأول بدوران الأرض يغشى الليل على نور الشَّمس، لماذا؟ لأجل:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)
[سورة يونس]

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
[سورة النبأ]

لماذا سُمِّي السَّبْتُ سَبْتاً؟ كان يقول اليهود بأنَّ الله عزَّ وجلَّ خلَقَ السماوات والأرض في ستة أيامٍ واستراح اليوم السابع، لذلك لـمَّا كان السُّبات هو الراحة يعني يوم السبت فمعناه يوم الراحة، فردَّ الله عزَّ وجلَّ عليهم خرافتهم بقوله تعالى:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
[سورة ق]

يعني ما مسَّنا تعبٌ ولا نَصَب، فهذا مِنْ صفة المخلوق وليس مِنْ صفة الخالق.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ أحلِفُ لكم بالسماء بعالَم الكون وما بَنيتُ فيه، النجوم ما يعرف مِنْ مجرَّتنا كما ذكرت لكم وما يُرى بالعين كم العدد؟ ستة آلاف، وما كان أحدٌ يدري أنَّه يوجد أكثر مِنْ ذلك لكنَّ علم الفلك أثبت أنَّ في مجرتنا ملياراتٌ مِنَ النجوم منها ما هو أكبر مِنَ الأرض بملايين المرات.
فماذا في هذه الكواكب؟ كوكبنا الصغير الحقير كذرةٍ يوجد فيه كم مليار؟ ستة مليارات أو خمسة مليارات فأرضنا ذرةٌ فماذا تمثل أنتَ على هذه الذرة؟ وخالِق هذا الكون يحلِفُ لك ولو حلَفَ لك خادمك لصدَّقته، فالله عزَّ وجلَّ يُخاطبك، إذا خاطَبَ الملك وزيره يقول أنا تنازلت وأنا ملكٌ وتحدثت معه، فالله عزَّ وجلَّ يُحدِّثُك ويحلِفُ لك واليمين واحد؟ ﴿وَالشَّمس وَضُحَاهَا﴾ وبعد ذلك يمينٌ آخر وأُقسِمُ بالقمر ﴿إِذَا تَلَاهَا﴾ ويمينٌ ثالث..

الحكمة من خلق الليل
﴿وَالنَّهَارِ﴾ النهار يُظهر الشَّمس بجلائلٍ ووضوحٍ في كلِّ النصف الثاني مِنَ الأرض، ﴿وَاللَّيْلِ﴾ الذي يأتي ويُغطي الشَّمس لنأخذ قسطاً مِنَ الراحة والنوم، في عالم اليقظة ينحلُّ مِنْ خلايا الدماغ بعض أجزائها فتختلط بالدم ما يُسبب التعب للإنسان، فبالنوم ترجع هذه الأجزاء المنحلَّة مِنْ خلايا الدماغ إلى أماكنها ويستقِرُّ كلُّ شيءٍ في مكانه الأصيل فيشعر الإنسان عند يقظته بالراحة، مَنْ خلَقَ هذا النظام ومَنْ أبدَع؟ أربعة عشر مليار خليةٍ في الدماغ وكلُّ خليةٍ لها عملٌ محددٌ لا تتجاوزه إلى غيره، أربعة عشر ألف مليار هؤلاء أكثر مِنْ سكان العالَم يعملون بوحدةٍ وبنظامٍ واحدٍ ولمصلحةٍ واحدةٍ لمصلحتك أيها الإنسان، فمَنْ خلَقَ هذا الجيش العظيم وهؤلاء المهندسون والعمال والصناع والفنانون والإخصائيون في خدمتك، فهل ذكَرتهم وذكرت صناعتهم وما يُقدِّمونه ومَنْ صنعهم ومَنْ وضع نظامهم ومَنْ وضع العقل في الخلية كيف تصنع وكيف تعمل؟

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
[سورة المؤمنون]


الإيمان الواجب:
فهل نحن مُؤمنون الإيمان الذي يجب أنْ نؤمنه؟ وهل نحن مسلمون؟ يعني هل نحن مستجيبون؟ فما معنى الإسلام وما هو الإسلام؟ هو الاستجابة بمقدار استجابتك لأوامر الله عزَّ وجلَّ يكون إسلامك، وإذا كنت غير مستجيبٍ فلا يكون اسمك مسلماً بل يكون اسمك مُتمرداً، فنسأل الله عزَّ وجلَّ ألَّا يجعلنا مِنَ المتمردين ولا يجعلنا مِنَ الطغاة المفسدين ولا يجعلنا مِنَ الغافلين.
﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ بنظامها وبإبداعها وبعَظَمتها، في الكون يوجد كوكب الأرض، ويوجد مليارات المجرات وفي كلِّ مجرّةٍ مليارات الكواكب التي بمقدار الأرض وأعظَم بملايين المرات مِنَ الأرض وأصغر، قال بعض علماء الفلك: مَنْ يعتقد بأنَّ كوكبنا الأرضي فيه حياةٌ وأحياءٌ وبقية الكواكب لا حياة فيها ولا أحياء فهذا مثله كمثل مَنْ يقول بأنَّ قطتنا هي الوحيدة في الأرض التي تلِدُ قططاً صغاراً؛ وأمَّا بقية القطط فإنَّها لا تلِد، إنَّما الولادة مختصةٌ بأرضنا، فيا تُرى هل يقبل أحدٌ منكم كلمته أو يُصدِّقُ مقولته أو يقول بأنَّه عالِم؟ فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا العِلم بما يجب علينا أنْ نعلَمه ونعرِفه.
﴿وَالسَّمَاءِ﴾ والله يا بُني يجب أنْ نطمر رؤوسنا بالتراب، الله عزَّ وجلَّ يحلِفُ لنا! الله عزَّ وجلَّ يأمُر ولا يحلِف ومَن نحن؟ الملك إذا حلَفَ فهو عبدٌ مثلك؛ أمَّا أنْ يحلِفَ الله عزَّ وجلَّ حسناً حلَفَ لكنْ لا نُصدِّق بل نقول لا نريد أنْ نفهم كلامك ونقرأ لا لنفهَم ونقرأ الأوامر لا لنُنفِّذ ونقرأ الأوامر لا لننتهي، فهل أنت مؤمن وأنتِ مؤمنة وأنت مسلم وأنتِ مسلمة؟ أسأل الله أن يتوبَ الله علينا ويجعلنا مسلمين صدقاً ومؤمنين حقّاً.

جعل الله عز وجل للأرض:
﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ سوَّاها وجعلها مُهيأةً لسكنك وجعل فيها الهواء المركَّب مِنْ عدة أجزاءٍ مِنَ الغازات، الأكسجين بنسبةٍ معينة والآزوت بنسبةٍ معينة والغاز الفلاني بنسبة.. فلو اختلَّت هذه النسب أقلَّ اختلالٍ لاضطربت الحياة ولزالت الحياة، هذه المسبَحة كم مِنْ صانعٍ صنعها، مَنْ قطَع خشبها ومَنْ زرَع خشبها ومَنْ صنعها هكذا، ومَنْ نظَمَها في خيطها ومَنْ أخرجها مِنْ مصنعها إلى متجرها مَنْ ومَن.. وهي مسبَحةٌ صغيرة، وهذا الكون والله خالق الكون، ﴿وَالْأَرْضِ﴾ يعني انظر إلى نعمي عليك كم هي نعمي عليك؟ يعرِضُ عليك النِّعم بطريقة اليمين والقسم، ﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ سوَّاها وجعلها لك مهداً مثلما جعل حضن أمك لك مهداً، مثلما تصنع لك أمك السرير والفراش الصغير مهداً فكذلك جعَل الأرض ﴿طَحَاهَا﴾ لنا وجعلها لنا مَهداً.

عظمة خلق الإنسان:
﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ﴾ أيضًا أُقسِمُ بكَ، يحلِفُ الله عزَّ وجلَّ بنا كما يقولون (وحياة رأسك)، يوجد رأس يلزمه القطع ورأسٌ فارغ ورأسٌ محشيٌّ بخبائث الأعمال والأفكار الرديئة والأعمال الخبيثة، ومع ذلك جعلها الله مُطلقةً فقال ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ جعَل كلَّ ما فيها متقناً كاملاً، لو جعل الله عزَّ وجلَّ يدك بلا مفصل المرفق أو بلا مفصل الكتف، ولو جعل أصابعك قطعةً واحدةً، جعل فيها الجلد وجعل فيها حاسة اللمس تضع يدك في جيبك فتُفرِّق بين المفتاح وبين المحفظة وبين القلم وبين العلبة، فمَنْ ومَنْ يستطيع أنْ يصنع جلداً كجلدك فلنسلخ جلدك ونجلب لك جلداً مِنْ ذهبٍ أو مِنْ الألماس فهل تبيع! هل تبيعون جلدكم بالألماس إنْ ذهب جلدك فما الفائدة مِنَ الألماس؟

وجوب التبليغ:
لا يكفي أنْ نعمل به لنقوم فنُعلِّمه، كان يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ بلِّغوا عنِّي ولَوْ آية (3) }

[صحيح البخاري]

هذا كلام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، هل هذا الكلام لفئةٍ معينةٍ مِنَ النَّاس لأبناء الثلاثين أم لأبناء الأربعين أم للشياب أو للنساء أو للرجال أم لعُموم الأمة؟ للعموم فالصغير مأمورٌ أنْ يُبلِّغ والمرأة مأمورةٌ أنْ تُبلِّغ:

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
[سورة النحل]

وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
[سورة الأنعام]

نحن قلنا يا رب لا نريد كلَّ السُّبل التي عرضتها، لا نريد سبيل الإسلام والإيمان والتقوى والصلاح والديمقراطية! يا تُرى في خزانة الله عزَّ وجلَّ وتعاليمه لا يوجد ما يُوازي بل يفضُل مراتٍ على مرات مِنَ الديمقراطية، يا تُرى هل كان سيِّدنا عمر رضي الله عنه ديمقراطياً؟ فهل حكم عمر رضي الله عنه أفضل أم حكم إنجلترا الديمقراطية أفضل؟ أم أمريكا أفضل؟ يا تُرى حكم الإسلام في زمن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر رضي الله عنه أفضل أم الديمقراطية؟ ويقولون عروبة فهل كلمة ديمقراطية عربية؟

تضييع المسلمون لقرآنهم:
انظروا في القواميس نقول قومية ونقول عروبة كلمة الإسلام والسنة صرنا نخجل منها ونستحي منها والسبب لأنَّ المسلمين حرَّفوا الإسلام، حرَّفوه بأعمالهم وبسلوكهم وبفهمهم، فما هي الفائدة إذا أُعطيتَ صندوقاً مليئاً بالذهب وتركته مُغلقاً وأنت لا تجد رغيفاً، وتقول أنا أملك مليون ليرةٍ من الذهب فما هي الفائدة؟ الفائدة مِنَ الذهب إذا استعملته إذا كنت عطشاناً وقُدِّمَ لك الماء المثلج فتركته حتَّى مِتَّ عطشًا فما فائدة وجوده عندك؟ فكلُّ واحدٍ منكم وكلُّ واحدٍ مِنَ المسلمين ملكاً أو مملوكاً صغيراً أو كبيراً واجبٌ عليه أنْ يتفقَّه في الدين:

{ من يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ (4) }

[صحيح البخاري]

وإذا لم يتفقَّه في الدين فمعناه أنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يُريد به خيراً، والفقه في الدين أين يكون في القنوات الفضائية؟ هذا القنوات هل ورَدت في القرآن؟
لا يوجد في قاموس الإسلام حقائق أرقى ممَّا عند أعدائنا وعند الأعاجم تخلَّينا مِنْ:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

مع كلِّ هذه الألفاظ، فهل يا تُرى وصلنا إلى عشر معشار ما وصل إليه العرب الأمّيون مِنْ عِزَّةٍ وكرامة؟
بعدة سنوات وحَّدَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جزيرة العرب ولـمَّا وصل إلى المدينة بدأ بناء الدولة بعشر سنين تم بناء الإسلام في مكة، وهو الأمّي لم يحمل لقب لا ماجستير ولا دكتوراه وليس متخرجاً مِنْ جامعاتٍ مرموقة، فصرنا نريد أنْ نتباهى بلغات أعدائنا وألقابهم؛ وأمَّا ألقاب:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
[سورة الأحزاب]

فلا نهتمُّ بها.

وجوب العودة إلى كتاب الله وأوامره:
يلزمها عودةٌ ورجوعٌ لكنْ بعِلمٍ وتأنٍّ وحكمةٍ ورفقٍ ورحمةٍ والبعض يقوم لكنْ بشكلٍ مِنَ العنف والتسرع بالأمور على خلاف ما دعا إليه القرآن:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
[سورة آل عمران]

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
[سورة التوبة]

يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلَّا زانه ولا كان الخرَقُ في شيءٍ إلَّا شانه }

[الترغيب والترهيب]

(الخَرَقُ) الحَمَق والعجلة (إلَّا شانَهُ)(5).

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
[سورة النحل]

(بِالْحِكْمَةِ) بالإقناع والعقلانية (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) الترغيب والترهيب بالشكل الحسن، فرعون الذي ادَّعى الألوهية، قال الله عزَّ وجلَّ لكليمه موسى وأخيه هارون عليهما السَّلام:

اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)
[سورة النساء]

(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) هذه كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائر، كيف نقولها؟ فهِمَ بعض النَّاس أنَّنا يجب أنْ نقولها بالفظاظة والغلظة وسفكِ الدماء هذا خطأٌ وهذا جهلٌ بالدين، يقول أنا ربكم الأعلى قال: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) قال: (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) ليس شرطاً أنْ يستجيب (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ).

المسؤولية تجاه خطاب الله تعالى لنا:
فيا تُرى هل شعر أحدٌ منَّا والله عزَّ وجلَّ يُقسِمُ ويحلِفُ لنا أنْ نُصدِّقه فيما يقول؟ وإذا قال لنا ما يقول فهل نحن على استعدادٍ لأنْ نفعل ما يدعونا إليه؟ كم يميناً حلَفَ الله عزَّ وجلَّ؟ ﴿وَالشَّمس وَضُحَاهَا﴾ وضيائها ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا﴾ سوَّاها خلقاً وإبداعاً، فلو جعل رأسك تحت ورجلاك فوق أو يداً في صدرك ويداً في ظهرك ولا تلتقيان ببعضهما البعض، ويُمسَكُ الخيط بين أسنانك فما هذا الاتقان؟ ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ ووضع لك الدماغ والعقل والأعصاب وسواها على أكمَل :

الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ (2)
[سورة الأعلى]

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
[سورة التين]


بين للنفس التقوى والفجور لتختار:
قال: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ لم يخلقها فقط وسوَّى جسمها وعظامها وأعضائها وأعصابها وعضلاتها، قال: لا، كذلك سوَّى إدراكها وفهمها وعقلها لما ينفعها لتتجِّه لعمله وما يسوؤها ويُؤذيها لتتجنَّبه وتبتعد عنه، فهل يا تُرى استجبنا لقانون الله عزَّ وجلَّ واستعملنا عقولنا مِنْ أجل ما خلقها الله عزَّ وجلَّ؟
خلَقَ الله عزَّ وجلَّ لنا العقل لماذا؟ حتَّى إذا رأينا البئر لا نقع فيه وإذا رأينا الأفعى لنبتعد عنها وإذا رأينا النافِع لنكتسِبَه، ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ فلو خلقك بلا عقلٍ لا تُفرِّقُ بين النافع والضار مثل المجنون يُسحَبُ منه ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ سحَبَ منه عِلم ما ينفعُها وما يضرُّها، فلماذا خلَقَ لك العيون لتُفرِّق في حياتك بين ما ينفع وبين ما يضر، والسمع إذا سمعت صوت أمّك أو أبيك تستجيب وإذا سمعت صوت الأسد وأنت في البرية، فلماذا خلق الله عزَّ وجلَّ السمع؟ لتعمل بما يُسعِدُك وتتجنَّب ما يُؤذيك وما يُتلِفُك وهكذا.. تستعمل اليدين والقدمين وكلَّ الجوارح والأعضاء.. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُوفِّقنا لنستعمل نعَمَ الله عزَّ وجلَّ فيما يُرضيه، وهل ينتفِعُ الله عزَّ وجلَّ منَّا بشيء؟ لكنْ الله عزَّ وجلَّ خاطبنا بحسب عقولنا وكلُّ ما أمرنا به والله لإسعادنا ووالله لمصلحتنا ولفائدتنا ولعزتنا ولكرامتنا، اللَّهم أرِنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلهما مُتشابهين علينا فنتَّبِع الهوى؛ لأنَّ الهوى عمى، فعندما تتبِّع الهوى أي ما تهواه نفسك وتتشوَّق إليه مِنْ غير أنْ تعرِضَه على نور عقلك لتتبيَّن أنَّه ينفعك أو يضرُّك، فبالهوى قال: "إنَّ الهوان" الذلُّ والحقارة والصَّغار:

أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
[سورة الفرقان]

(إنَّ الهَوانَ هُو الهَوى قُصِرَ اسْمُهُ) الاسم الممدود إذا قلت السماء بمد الألف هذا ما اسمه؟ اسمٌ ممدود، لكنْ إذا قلت السمى بقصر الألف هذا ماذا يصير؟ مقصور، قال: "إنَّ الهوان" ما هذا؟ اسمٌ ممدودٌ "الهوى" مقصور:
إنَّ الهَوانَ هُو الهَوى قُصِرَ اسْمُهُ فـإذا هَويْتَ فقـدْ لَقِيْتَ هَوانا
{ أبو تمام }

قسم الله تعالى بالنفس:
﴿وَنَفْسٍ﴾ وأُقسِم بنفسٍ وما سواها، كم يميناً يحلِفُ الله عزَّ وجلَّ لكم؟ بالله عليكم إذا حلَفَ لك أجيرك يميناً واحداً ليس بالله عزَّ وجلَّ بل برأس أبيك فهل تُصدِّقه أم لن تصدِّقَه، وتعمل بحسب ما حلَفَ أم لا؟ وإذا حلَفَ الله عزَّ وجلَّ لكم عدة أيمانٍ وأنتم لا تُصدِّقون ولا تعملون بما يُخبِركم به، فماذا يكون موقفنا وحالنا مِنَ الإعراب أمام الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة؟ فتريدون أنْ تجعلوا أنفسكم لا تسمعون، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبِعون أحسَنه ولا يجعلنا مِنْ فئة:

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
[سورة البقرة]

وفي آية:

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)
[سورة البقرة]

جعلنا الله ممّن يعقِل وممّن يرجع عن خطأه إلى صوابه ومِنَ غيِّه إلى رَشَدِه.

الجميع يعرف فرائض الله عزَّ وجلَّ:
﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ كلُّ النَّاس يعلمون فرائض الله عزَّ وجلَّ فهل يوجد مَنْ لا يعرف أنَّ الصَّلاة فرض والزكاة فرض وبر الوالدين واجب والزكاة فريضة، هل يوجد مَنْ لا يعرف هذه الأمور؟ الأمور الدقيقة التي تشتبه على بعض النَّاس هناك علماءٌ تسألهم فيبيِّنُون لك الأمور بدقائقها، والحيوان يعرف ﴿فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ والقط أعطِهِ قطعة لحم وأنت تأكل فيعرف أنَّها حلال فأين يأكل اللحم؟ بجانبك وإذا خطَفَ اللحم مِنَ المائدة فبقفزةٍ واحدةٍ يصير على السطح؛ لأنَّه يعرف حينها أنَّه لصٌّ يأكل الحرام ﴿فَأَلْهَمَهَا﴾ فإذا كان القط يعرف الحلال والحرام فهل أنت لا تعرف؟

{ أشدُّ النَّاسِ عذابًا يومَ القيامةِ عالمٌ لم ينفعْهُ علمُهُ (6) }

[المعجم الصغير للطبراني]


الشهادة على الإنسان يوم القيامة:

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)
[سورة النساء]

(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) هل بلَّغتَهم يا مُحمَّد؟ نعم بلُّغتُهم،
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ) عندما تقف أنت على الأرض يصير لك وجودٌ ناتئ ومرتفع؛ أمَّا عندما يكون لك وجودٌ تصير الأرض مستوية، قال فتتمنى ألَّا يكون لك وجودٌ عند دخولك إلى محكمة الله عزَّ وجلَّ وسؤالك هذا السؤال، وبحضور النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، هل بلَّغته؟ نعم، وبعد أنْ حلَفت لك أيماناً متعددةً فهل صدَّقتني؟ ولو حلَف لك خادمك وأجيرك لصدَّقته لنتُب إلى الله عزَّ وجلَّ ونُصدِّقه وإذا حلَفَ لكم واهتمَّ بكم فهل تهتمّون به وبأوامره كما هو مهتمٌّ بسعادتكم؟ السعادة الخالدة والشباب الخالد والصحة الخالدة والنعيم الأبدي والسَّرمدي وفي الدنيا يقول:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة النحل]

الحياة الحسنة والدولة الحسنة والصحة الحسنة، هل الإيدز في الدنيا حسَنة؟

وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
[سورة الإسراء]

(إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) نفسيّاً وعقليّاً وأخلاقيّاً شيءٌ فاحشٌ قبيحٌ (وَسَاءَ سَبِيلًا) طريقٌ سيء النتائج، وتظهر النتائج لكنَّ الهوى "إنَّ الهوان هو الهوى قُصِرَ اسمه فإذا هويتَ فقد لقيتَ هوانًا" هل أنتم مِنْ أهل لا إله إلَّا الله أم مِنْ لا إله إلَّا الهوى؟ قال الله تعالى:

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
[سورة الجاثية]

لما تهوى معصية الله عزَّ وجلَّ فأنت عبد الله أم عبد الهوى؟

الهجرة إلى المعلم:
فلماذا كانت الهجرة فريضةً على كلِّ مسلمٍ ومسلمة؟ مِنْ مكة التي هي أشرف بلدٍ في الدنيا، لماذا؟ لماذا صارت مكة يميناً وقسماً لله عزَّ وجلَّ، ولماذا في مرحلةٍ أخرى وجَبت الهجرة منها وعدم السُّكنى فيها؟ صارت قسماً لله تعالى:

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)
[سورة البلد]

هذه الـ (لَا) زائدةٌ للتأكيد، يعني أحلِفُ بهذا البلد، قال إذا كنت حالّاً ووجودك في هذا البلد ومعنى وجودك وحلولك أي وجود المُعلّم الذي يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكِّي النفوس، وإذا خلَت هذه البلد المقدسة مِنْ مُعلِّم الكتاب والحكمة والمزكِّي وجَبت الهجرة.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)
[سورة النساء]

(ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الذين تقاعسوا في زمن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الهجرة إلى المدينة يعني عن العِلم والحكمة والتزكية تسألهم الملائكة عند الموت: لماذا تخلَّفتم عن الهجرة؟ (فِيمَ كُنْتُمْ) بأيِّ بلدٍ لِمَ لَمْ تهاجروا؟ (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) كنَّا ضعفاء ولا يوجد عندنا مال وكذا.. وهم غير صادقين فتقول لهم الملائكة: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) فأولئك متقاعسون عن الهجرة إلى دار العِلم والحكمة والتزكية (فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ) الذي لا يستطيع لشيخوخته أو مرضه (وَالنِّسَاءِ) المرأة وحدها (وَالْوِلْدَانِ) حتَّى الولد مأمورٌ بالهجرة إذا كان يستطيع أمَّا إذا كان لا يستطيع (فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا).
يا تُرى هذه الآية كان حكمها باقٍ أم نُسِخَت؟ باقٍ، إذا كان لا يوجد في بلدك مَنْ يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكِّي فيه، فيجب عليك أنْ تُهاجر إلى بلد الحكمة والعِلم والتزكية، والحكمة هي العقل الكامل الناضج بحيث يكون صاحبه يفعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الشكل الذي ينبغي.

الإسلام بمعناه الحقيقي:
الإسلام بمعناه الحقيقي هو الذي يصنع الإنسان العظيم والإنسان الفاضل والإنسان الذي لا يعرف الهزيمة في حياته، لـمَّا هُزِمَ المسلمون في أُحُد قالوا للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أما وَعَدنا الله عزَّ وجلَّ نَصره ها قد هُزمنا! فرَدَّ الله عزَّ وجلَّ عليهم في القرآن، وأجاب الله عزَّ وجلَّ على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في سورة آل عمران:

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ۚ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)
[سورة آل عمران]

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ) في أوَّل معركة أُحُد انتصر المسلمون وانهزَم المشركون؛ ولكنْ بدل أنْ يُتابع المسلمون نصرهم بدأوا بجمع الغنائم، ونهاهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلم ينتهوا وغَلَب عليهم الهوى، فقال الله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ) ما هو صِدْق الوعد؟ الانتصار في أوَّل المعركة.
(إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) ما هو الحسّ؟ هو القتل الذريع ذبحوهم ذبحاً (حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) فضلاؤهم قالوا: ليس وقت جمع الغنائم أكملوا كما قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) ما هو الذي أراهم ما يُحبُّون؟ النصر، (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا) الذين يجمعون الغنائم (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ).

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)
[سورة الأنعام]


قسم الله له دلالة قوية:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ جَعَل هذه جواب القسم فقد حلَفَ لنا كلَّ هذه الأيمان صدِّقوني، أنا الصادق المصدَّق، مَنْ يحلِف؟ خالِق الكون والمجرات كما قلت لكم قرأت في مجلةٍ مِنْ أسبوع؛ أنَّهم اكتشفوا خمس مليارات مجرة، يحلِفُ لنا هذا الصانع! إذا أمرك الشرطي بشيءٍ لا يحتاج لأنْ يحلِفَ لك يميناً، يأمرك افعل كذا ..أمرك سيدي، فكيف برب العالمين؟ والله شيءٌ يذيب مِنَ الحياء والخجل لما يسمع الإنسان كلام الله عزَّ وجلَّ إذا لم يمتثِل أمره، فهل ستصدقون الله عزَّ وجلَّ بأيمانه أم لا، وهل ستُزكّون نفوسكم أم ستبقى مُدسّاة وأمارةً بالسوء أو لوّامةً رقيبةً عليك أو مطمئنةً بذكر الله عزَّ وجلَّ وهي أشرفُها وأعلاها، اللهم اجعل نفوسنا مطمئنةً بذكرك لوّامةً إذا وقعنا في مخالفتك، ولا تجعلها أمارةً بالسوء بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
قد أفلح ونجح وفاز وانتصر وربِحَ مَنْ ﴿زَكَّاهَا﴾، مرةً سيدتنا عائشة رضي الله عنها في الليل رأت أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليس في فراشه، فظنَّت ظنَّ السوء بأنَّه ذهب إلى ضرةٍ مِنْ ضرائرها، فقامت ولم يكن عندهم كهرباء ولا ضوءٌ في الليل، وإذ وقعت يدها على بطن قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ساجدٌ فسمعته يقول وهو في سجوده:

{ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا }

[صحيح مسلم]

(اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا) اللهم آمين اللهم آتِ نفوسنا، ما هي التقوى؟ امتثال أوامر الله عزَّ وجلَّ بأداء ما أوجَب وتَرك ما حرَّم ونهى وكرَّه. (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا)

اللهو المباح:
فالأَيمان وجوابُ الأَيمان ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ فإذا حلَفَ الله عزَّ وجلَّ لكم الأيمان يعني زكُّوا أنفسكم بالتوبة الصادقة والهجرة إلى مواطن العِلم، أناسٌ يبقون إلى الآن أنصاف الليل على القنوات الفضائية ماذا يرون؟ الفضائل والعِلم والحكمة والتزكية؟ وقد وَصَف الله تعالى المؤمنين:

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
[سورة المؤمنون]

واللغو هو كلُّ شيءٍ لا ينفع ولا يضرُّ أمَّا ما يضرُّ ولا ينفع هذا إمَّا إثمٌ أو ضرٌّ فلا يصرِف المؤمن وقته في لغوٍ وفيما لا ينفع إلَّا إذا تعِبَ وسئِم فلا مانع مِنْ أنْ يتلهَّى بالمباح فكما ورد:

{ الهوا والعبُوا ، فإِنَّي أكرَهُ أنْ يُرَى في دينِكُمْ غِلْظَةً (7) }

[شعب الإيمان]

هذا في وقته وبالشكل الذي شرَعَهُ الشارع الحكيم، واللهو النافع، العَب أنت وزوجتك ودَعْ أيضاً زوجتك تتزين لك بكلِّ ما تُغري به المغريات الفاسقات الضالات، هناك نساء إنْ كان الرجل ضعيف الدين أو كذا فهنَّ مَنْ يخرب له أخلاقه، فتجعل نفسها بمنظر غير مُحبّب فينتقل نظره إلى العارضات في التلفاز والسفريات وإلى آخره. وبرقبة مَنْ؟ برقبتها ووصَف الله تعالى نساء أهل الجنة ليُعلِّم نساء أهل الدنيا فقال:

عُرُبًا أَتْرَابًا (3)
[سورة الواقعة]

العَروب قال هي المرأة المتغنِّجة تغنُجُ له، المرأة الصالحة هي التي تمتثل أوامر الله عزَّ وجلَّ أمَّا إنْ جعلت نفسها بمنظرٍ غير مُحبّب فهي جاهلةٌ بالقرآن وهي جاهلةٌ لا عِلم لها بالدين ولو سبَّحت بخمسمئة مسبحة ولو جعلت ثوبها خلفها بحوالي ذارعٍ ونصف.

تقوى المتزوجة:
مرةً أتت امرأة إلى رسول الله لتبايعه فقال لها:

{ مالِي أرَى يَدك كيَدِ السَّبع؟ اذهَبي فاختَضِبي ثمَّ تعالَيْ حتَّى أُبايِعَكِ }

[ورد في الأثر]

(مالِي أرَى يَدك كيَدِ السَّبع) يدك مثل يد الضبع، (اذهَبي فاختَضِبي ثمَّ تعالَيْ حتَّى أُبايِعَكِ) هل ستختَضِبُ للنبي؟ لا تختضِبُ لزوجها.
كانت رابعة العدوية في المساء إذا أتى زوجها، تتزيَّن بأحلى زينتها ثمَّ تقول لزوجها: هل لك بي مِنْ حاجة، فإنْ قال نعم باتت معه كما تبيت المرأة مع زوجها، وإنْ قال لا خلعت زينتها وغسلت وجهها ولبست ثوب الشعر على بدنها الخشن، وتقول هذه ليلة الركوع فتظلُّ راكعةً إلى الفجر.
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول افهموا أنتنَّ يا نساء، هناك نساءٌ قطعةٌ واحدة مثل الإسمنت، فهذه جاهلة في دينها، كانت تقول: "كنت أؤخر" مَنْ القائلة؟ "كنت أؤخر قضائي في رمضان" أيام حيضها التي أفطرتها قالت: "كنت أؤخر قضائي إلى قرب رمضان الآتي أداءً لحقِّ رسول الله"، هل فهمتنَّ يا نساء؟ جمادى الأول لا يوجد في الإسلام جمادى الثاني، لا يوجد في الإسلام إلَّا ربيعاً الأول أو ربيعاً الثاني تزيَّني، كل ما تفعله الشيطانات للإفساد في الأرض افعليه لزوجك.
النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول:

{ احفظْ عورتَكَ إلَّا عن زوجتِكَ أو ما ملكَتْ يمينُكَ }

[صحيح ابن ماجه]

إذا كانت عند زوجها ولابسة ثياباً قبيحةً ورائحتها وقد طبخت سمكاً ولم تغسل يديها؛ فإنْ ركلها بقدمه! فهل هذه فقيهةٌ في الدين أم سيدتنا عائشة رضي الله عنها هي الفقيهة؟ ولـمَّا قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للمرأة :(مالِي أرَى يَدك كيَدِ السَّبع). (8)

الإسلام دين ودنيا:
فهل هذا دينٌ أم ليس بدين؟ فقّهنا الله، فالدين ليس فقط صلاةً وصوماً، الدين دنيا وآخرة والدين جسدٌ وروحٌ والدين: (الهوا والعبُوا) في وقت.
أتى شاعرٌ إلى عمر بن عبد العزيز ومدَحه بقصيدةٍ قال فيها: "تشاغَلَ النَّاس في الدنيا وزينتها وأنت" ما شاء الله "وأنت بالدين عن دنياكَ مشغول" قال له: قفْ بئس ما قلت ما زِدْتَ على أنْ جعلتني عجوزاً في قعر داراها لا تستطيع الحركة تصلي وتصوم هلا قلت "فلا هو في الدنيا مُضيعٌ نصيبه ولا عَرَضَ الدنيا عن الدين شاغله؟" لما يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ليسَ بخيرِكم مَنْ ترَك دُنياه لآخرتِه، ولا آخرتَهُ لدنياه، حتَّى يُصيبَ منهُما جميعًا }

[تاريخ دمشق لابن عساكر]

(ليسَ بخيرِكم) أي ليسَ بأفضلِكم (مَنْ ترَك دُنياه لآخرتِه، ولا آخرتَهُ لدنياه، حتَّى يُصيبَ منهُما جميعًا)(9).

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ فهل إذا دخل الحرب يُفلِحُ أم يفشل؟ وإذا دخل في التجارة يُفلِحُ وهل حدَّد الله عزَّ وجلَّ الفَلاح في نقطةٍ معينةٍ أم جعله عامّاً شاملاً؟ لما زكَّى المسلمون نفوسهم ببركة المزكِّي الأول صلَّى الله عليه وسلَّم وتعلَّموا الحكمة فماذا أخذوا شهادة ماجستير أو دكتوراه؟ أخذوا الشهادة النبوية فقال عنهم:

{ حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ }

[السيرة النبوية لابن كثير]

(عُلَمَاءُ)يُعلِّمُهم فصاروا علماء (حُكَمَاءُ) يُعلِّمُهم الحكمة (حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)(10).

النَّبيُّ هو الذي يصنع الأمة الراقية:
مَا هو النَّبيُّ؟ النَّبيُّ هو الذي يصنَعُ الأمة الراقية عِلماً وعقلاً حكيماً وأخلاقاً فاضلةً ونفوساً مزكّاةً، هذا هو الإسلام أنْ تستجيب لهذا القانون الإلهي وتكون الخريج والطالب النجيب الناجح في هذه المدرسة الإلهية، وهذا كتابٌ نقرأه مثلما تقرأ ورقةً تأتيك مِنَ المحكمة كشاهدٍ في اليوم الفلاني وفي الساعة الفلانية ستحضر المحكمة سمعاً وطاعةً، أما الأوامر الإلهية تأتيكم فلا سمعاً ولا فهماً ولا طاعةً، فإذا قال الله عزَّ وجلَّ له غداً هل الشرطي أعظَم أم أنا أعظَم؟ بماذا سيجيبه؟ هل يريد هذا الجنة؟ فإذاً ماذا يريد؟ يلزمه إسطبلٌ وكرباج، نسأل الله أن يتوب علينا توبةً نصوحاً، فهل صدقتم الله عزَّ وجلَّ؟ أنَّه ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ وقال بعض المفسرين أن جواب القسم محذوفٌ بأنَّكم ستُعذَّبون إذا خالفتم أوامري وستُحاسبون على أعمالكم قليلها وكثيرها في كتابٍ:

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
[سورة الكهف]

ما معنى أنْ تُسجَّل عليك الصغيرة والكبيرة؟ لأنَّك يجب ان تُعطي جواباً عنها بين يدي الله عزَّ وجلَّ إذا لم تتُب إلى الله عزَّ وجلَّ توبةً نصوحاً.

خاب من غمس نفسه في الفسق:
﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ والذي يدسُّها ويغمُسها في التراب في الفسق وفي الفجور خابَ وخسر وندم وتحسَّر، وهذا حال المسلمين الآن في خيبةٍ أم في فلاح؟ جعل الله المسلمين يُوحِّدون أمم العالم، يقول نابليون بدهشةٍ وإكبار: كيف استطاع العرب في أقلّ مِنْ قرنٍ مِنْ أنْ يُوحِّدوا نصف العالَم القديم؟ وهل نحن الآن نعرف كيف نُوحِّد بين بلدين صغيرين؟ العرب أولئك الأمّيون وحَّدوا الأمم باختلاف ألوانها ولغاتها وأديانها وشعوبها بماذا؟ بكتابٍ واحدٍ عندنا الكتب جبالٌ وبملايين الأطنان وثمَّ ماذا؟
لفقْدِ المعلِّم:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

(وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) لا تلاوة حروفه وكلماته بل فهم معانيه وهضمها بإعداد القلوب النيرة والعقول الفاهمة، ﴿وَقَدْ خَابَ﴾ وخسر وهُزِمَ واسودَّ وجهه في الدنيا قبل الآخرة ﴿مَنْ دَسَّاهَا﴾ أهلكها وأهملها فلم يُعلِّمها العِلم والحكمة ولم يُزكِّها.

طغيان قوم ثمود:
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ ﴾ قوم صالح هؤلاء كانوا في جزيرة العرب، في مدائن صالح على طريق الحج، ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾ فمع الطغيان والتجاوز لأوامر الله عزَّ وجلَّ، وحال المسلمين الآن يوجد تجاوز أم لا ؟ الأسرة والعائلة والشارع والحكم في كثيرٍ مِنَ الأمور والقرآن يقول: ﴿كَذَّبَتْ﴾ تكذيب الله عزَّ وجلَّ له نتائج ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ سيِّدنا صالح عليه السَّلام كان لهم ماءٌ يومٌ هم يشربون ويومٌ لناقة صالح، فتضايقوا مِنْ ناقة صالح فتآمروا على قتلها، قتل ناقة الذي يُعلِّمهم الكتاب والحكمة ويُزكِّيهم ﴿نَاقَةَ اللَّهِ﴾ حافظوا عليها وعلى سقياها، ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ الدَّمدمة القتل العام والاستئصال الجماعي، ألا يقولون الرصاص دُمدُم أي دمدَمة، الذي تُصيبه رصاصة تنفجر داخل جسمه وفي الغالب يكون في عالَم الأموات؛ فلأنَّهم خالفوا أمراً واحداً مِنْ أوامر الله عزَّ وجلَّ بعقر ناقة سيِّدنا صالح عليه السَّلام، فكيف المسلمون الآن؟ هل يُخالفون فقط بناقة سيدنا صالح أو ما يشبه خمسمئة ناقةٍ وألف ناقة، وكثيرٌ منهم يُؤذون ورَثة الأنبياء بأقوالهم وبأعمالهم ولا يستجيبون إلى ندائهم ولا يتعلَّمون في مدارسهم، مَنْ يتخلَّف عن الهجرة سمعتم في الآية التي ذكرتها في سورة النساء:

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)
[سورة النساء]

متخلِّفٌ عن الهجرة يعني الذي يتخلَّف عن مجالس العِلم والذِّكر والحكمة والتزكية، فأنت يا تُرى هل تفهَم كيف تقرأ القرآن، وهل تقرأه القراءة التي أمَر الله عزَّ وجلَّ بها:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)
[سورة البقرة]

(يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) حقَّ التلاوة أنْ تقرأه فهماً وخشوعاً وتدبُّراً وعملاً، (أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ)يعني لا يتلوه حقَّ تلاوته (فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) نسأل الله عزَّ وجلَّ ألَّا يجعلنا مِنَ الخاسرين.

يشترك في الإثم من عرف به ووافقه:
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ مع طغيانها فعاقِر الناقة لم يعقرها إلَّا برضا قومه ومشاورتهم فصاروا في الإثم سواء، ففاعل الإثم والشر والراضي به ولو كان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب كلُّهم في المسؤولية سواء، نريد أنْ نُنكر المنكر فبيدنا أو بلساننا وأقل مايكون بقلبنا بحسب الإمكان وبالحكمة والموعظة الحسنة.
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ مع طغيانها، ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ أشقى الأشقياء الذي يُؤذي الأنبياء والذي يُؤذي ورثة الأنبياء أليس أشقى الأشقياء؟ عندما يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ العلماءُ ورَثةُ الأَنبِياء (11) }

[سنن ابن ماجه]

تذهب مِنْ هنا إلى الحج، فتضع يدك على الحجر وتُقبِّل الحجر الأسود، فهل الحجر الأسود والكعبة أفضل أم المؤمن أفضل؟ لـمَّا طاف ابن عباس رضي الله عنه بالكعبة والحجر الأسود وقال: "ما أعظَمك وأعظَم حُرمتك عند الله غير أنَّ المؤمن أفضل عند الله منكِ" فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا الفهم والفقه في دين الله عزَّ وجلَّ.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ضربةٌ وصار قوم ثمود على وجه الأرض وكأنَّهم لا وجود لهم.

عقوبة من يقف في وجه الداعي:
﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ هل يحسب الله عزَّ وجلَّ حساب أحدٍ أو يخاف مِنْ أحد؟ ذهبت ثمود وكذلك الناقة، وبقي التاريخ فمَن المقصود؟ أنْ لا تكون أنت عاقِر ناقة صالِح زمانك، وألَّا تكون كقوم ثمود الذين تعاونوا على عقرِ ناقة صالِح، كلما يُساعد الداعي والدعوة، إذا كنت معرقلاً للداعي وللدعوة فأنت مثل عاقِر الناقة.
يجب أنْ نفهم القرآن فهماً حيّاً، سيدنا صالح انتهى فلماذا ذكر الله عزَّ وجلَّ قصته للنَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ مِنْ جهةٍ ليتحمل لأنَّ الطريق شائك فقد حاولوا قتله وقاطعوه وما تركوا نوعاً مِنْ أنواع الإيذاء والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بشر، فتنزِل الآيات بذكر الأنبياء قبله أنَّهم أوذوا كما تُؤذَى فيجب أنْ تصبر :

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
[سورة الأحقاف]

فأسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلنا مِنْ جماعة أنبياء الله عليهم السَّلام وورَثته، ولا يجعلنا مِنْ جماعة ثمود وعاقِر ناقة صالِح:
كلُّ عصرٍ فرعونُ فيه موسى وأبو جهلٍ في الورى ومحمَّدُ
{ منقول }
مُحمَّد ليس معناه النَّبيَّ بل وارِث النَّبيِّ، وقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (العلماءُ ورَثةُ الأَنبِياء) يذهب إلى الحج ويضع يده على شباكٍ مِنْ نحاس، فهل يُعلِّم الشباك العِلم وهل يُعلِّم الحكمة وهل يُزكِّي النفوس؟ يضع يده على الخشب، حسناً أيُّهما أعظَم الوارِث الذي يُعلِّم الكتاب والحكمة أم الشباك والكعبة؟ أسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا الفقه في الدين، وأنْ يرزقنا الله عزَّ وجلَّ العِلم عِلم الكتاب وعِلم القرآن والحكمة ويُؤتِ نفوسنا تقواها ويُزكِّها هو خير مَنْ زكاها، فهو وليُّها وهو مولاها.
فهل حفظتم السورة جيداً والتي تتركَّز بكم يمينٍ مِنَ الله عزَّ وجلَّ لنعرف ما حلَفَ الله عزَّ وجلَّ به مِنْ جهةٍ ولنعرف رحمة الله عزَّ وجلَّ بنا لينقلنا مِنَ الظلمات إلى النور ومِنَ الذلِّ إلى العزّ ومِنَ الضعف إلى القوة ومِنَ الفقر إلى الغنى:

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله ربِّ العالمين.

الهوامش:
(1) صحيح البخاري، كتاب الصوم: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكتب ولا نحسب»، رقم: (1913)، صحيح مسلم، كتاب الصيام: باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، رقم: (1080).
(2) صحيح مسلم، كتاب الذِّكر والدُّعاء والتَّوبة والاستغفار، باب التَّعوُّذ من شرِّ ما عُمل وشرِّ ما لم يُعمل، رقم (2722).
(3) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم: (3461).
(4) صحيح البخاري باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1/ 25) ورقم (71). ورواه الإمام مسلم في صحيح مسلم باب النهي عن المسألة (2/ 719) ورقم (100-(1037).
(5) صحيح البخاري، كتاب الصيام، باب صوم داود عليه السَّلام، رقم: (1977)، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، رقم: (1159).
(6) شعب الإيمان، رقم: (1642)، (3/273)، المعجم الصغير للطبراني، رقم: (507)، (1/305).
(7) شعب الإيمان (5/247، رقم 6542) وقال : هذا منقطع وإن صح فإنه يرجع إلى اللهو المباح . والديلمي (1/106، رقم 357) .
(8) ورد في الأثر.
(9) تاريخ دمشق، لابن عساكر (65/197).
(10) السيرة النبوية لابن كثير، (4/181).
(11) سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223). وأبو داود، أول كتاب العلم، باب: الحث على طلب العلم، رقم: (3641). والترمذي، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682).