تفسير سورة القمر

  • 1995-07-21

تفسير سورة القمر

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمدٍ خاتم النبيين والمُرسلين، والمبعوث رحمةً لكل البشرية والعالمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم، وعلى أخيه سيدنا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمُرسلين ومن تَبِعهم وأحبّهم وتابعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


رسالة الله زرعت الحبّ والتراحم في قلوب البشر:
وبعد: نحن الآن في تفسير بعض آياتٍ من سورة القمر؛ كان عليه الصلاة والسلام يقول:

{ شَيَّبَتْنِي هودٌ وأَخَواتُها، وما فُعِلَ بالأممِ قبلي }

[الألباني السلسة الضعيفة]

هود أي سورة هود، لأنَّ الله ذكر فيها هلاك الأُمم الماضية لمّا كذّبوا أنبياءهم، ورفضوا الاتباع والعمل والاستجابة لرسالة ربهم، وأنزل الله شريعته من السماء لا من المجلس النيابي السماوي، من الواحد الأحد الفرد الصمد الذي خلق الإنسان، ويعلم ما يُصلحه، وما يُسعده، وما يُشقيه، وما يُتعسه، فأنزل الله له مثل كتالوج التشريع السماوي، أو مثل السكّة بالنسبة للقطار، فالقطار تتحقق منافعه ويتحقق مسيره إذا مشى على سكته، والسيارة تُوصِل إلى المطلوب إذا التزَمت الطريق المُعبَّد، وإذا حادت يميناً أو يساراً في الوعر أو بين الجبال إما أن تتعثر وإما أن تندثر، كذلك الإنسان أنزل الله قانونه من السماء ليسلُك قطار حياته على سكة قانون الله عز وجل، ليصل الإنسان بركوب هذا القطار إلى حيث يهوى، وإلى حيث يرضى، فليس لله في شرائعه منفعة أو مصلحة من الإنسان إذا أطاع واتقى، وليس على الله مضرةٌ أو أذيّةٌ من الإنسان إذا كفر وعصى، كله لمصلحة الإنسان، لمّا العرب مشى قطار حياتهم وعقولهم وأخلاقهم ومعيشتهم على سكة رسالة السماء أين أوصلتهم وأوصلت قطارهم هذه السكة؟ أوصلتهم إلى العِلم، إلى المجد، إلى قيادة العالم، إلى وحدة الشعوب والأمم، إلى جعل العالم أُسرةً وعائلةً واحدة، المؤمنون إذا تَقبّلوا هذه الرسالة ومشوا الصراط المستقيم سواء الطريق المعبّد أو السكة الحديدية.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
[سورة الفاتحة]

في تواددهم وتراحمهم، فرسالة الله لتزرع الحُب في قلوب البشر، والتراحم، ليرحم قويُّهم ضعيفهم، وغنيُّهم فقيرهم، وحاكِمهم محكومهم، فلما مَشوا الصراط المستقيم كانوا كما كُلنا يعلم ما كان لهم لا دولة، ولا يوجد أمة اسمها الأمة العربية قبل القرآن، كانوا قبائل في الصحراء، عند الجوع يأكلون الفطائس والميتات لذلك القرآن قال:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3)
[سورة المائدة]

إذا كان شخص لا يأكل لحم الكلاب هل يقول له أحد: حرام عليك أكل لحم الكلاب؟ يقال له ذلك إذا كان يأكل، أما إذا كان لا يأكل فلا أحد يقول له: لا تأكل لحم الكلاب، وهم كانوا يقولون: كنا قبل الإسلام نأكل الفطائس والميتات، هم من عندهم ليس من عندي باستنباط وتحر وبالاجتهاد، الشاهد النبي قال:

{ شيَّبتني هودٌ، والواقعةُ، والمرسلاتُ، وعمَّ يتَسَاءَلُونَ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }

[صحيح الترمذي]

لمّا نزلت وكان يقرؤها ويقوم معظم الليل في تلاوة القرآن باكياً وخاشعاً ومُنفعلاً ومُتفاعلاً ومُتجاوباً مع ما يسمعه من كلام الله، فكانت تلاوته كمن يُدخل الطعام في فمه، فأول مرحلة الهضم في الفم، لأن المواد الصلبة كلها تنطحن، وبالإفرازات المَعدية تنخلط حتى تصير مائعاً، وعندما تصبح مائعة تذهب للأمعاء لتمتصها الأمعاء، كذلك القرآن هو غذاء للعقل ليكون حكيماً، وللقلب ليكون نُورانياً، وللنفس لتكون ملائكيةً، عندما تتلو القرآن وتهضمه بعقلك وبقلبك يتحول إلى حُبٍّ لله، إلى إعظامٍ لأمر الله، إلى خشوعٍ بين يدي الله، تتحول هذه المعاني وقصدها إلى أخلاق، إلى أعمال، إلى واقع كان يراها وهو وحده يريد أن يقوم بتوحيد العالم، وأُمي لكن إذا أنت يعاملك إنسان مثلك بالحقوق أو بالطب أو بالهندسة تصير مُثقفاً، وإذا شخص أستاذه ربّ الكون، ربّ المجرات والشموس والأقمار، هاتان المجرتان إذا اكتشفتهما أمريكا الآن تبعدان عن الأرض ثمانية عشر مليار سنة ضوئية، سرعة الضوء بالثانية ثلاثمئة ألف كيلومتر، هذه التي توصّل لها إنسان أمريكي يا ترى هذا كله كون الله؟ المجرة عبارة عن مجموعات الشموس والأقمار والأراضي بعدد ذرات الرمال في الأرض! فإذا كانت المجرات بالمليارات، فلمّا ينزل لك منهاجاً لحياتك وبعد ذلك جُرّب الدواء، متى يستعمل؟ بعد أن يُجّرب وينجح ينزلونه إلى الأسواق فالإسلام جُرّب؟ نعم جُرّب، نجح؟ في مجال العلوم صاروا أعلم أمم الأرض، وربما دخل في مدرسة المسلمين فنهضت نهضتها مدة خمسمئة سنة، في ميدان القوة هُزموا الاستعمارين الفارسي الشرقي والروماني الغربي، وهم صاروا هيئة الأمم ومجلس الأمن، هذا ليس مجلس الأمن هذا مجلس الظلم، هذا ليس مجلس القانون هذا مجلس استغلال القانون، والضحك على الذقون ذقون الشعوب الضعيفة، القانون طُبّق على العراق فعلوا به ما فعلوا، وقانون مجلس الأمن من أربعين سنة قوانين وقرارات كلها يأكلها العث ويُدفن في الغبار، أما الإسلام كان مجلس الأمن لمّا القبطي ضربه ابن عمر قال: أنا ابن الأكرمين، رفع مظلمته إلى مجلس الأمن سيدنا عمر فالقبطي وابن عمر مع عمر فاتح مصر أعطاه القضيب وقال له: اضربه على رأسه، اضرب ابن الأكرمين، ضربه والصحابة أعضاء مجلس الأمن قالوا: ونحن نُحبُّ أن يضربه! ما أحد قال إن هذا نصراني يضرب مسلماً وفاتح مصر والده! لم يكن أحد مع الباطل أو مع الجورِ والظلم، كلهم كانوا مع الحقّ والعدالة والمساواة بلا تفريقٍ بين مسلمٍ وغير مسلم.
كانت الشعوب لمّا يأتي الجيش الإسلامي وهي مسيحية كانت تثور على الدولة الرومانية المسيحية، لأنهم في الدولة المسيحية كانوا يرون الظلم والجوّر والفساد ويرون في الدين الإسلامي العدل والرحمة والمساواة، والشعب ماذا يريد؟ الإنسان ماذا يريد؟ يريد حريته وكرامته وحقوقه وما وجدها إلا في ظلال الإسلام.

القصص في القرآن الكريم للفهم والعبرة:
الشاهد سورة القمر الله ذكر لنا قصة نوح ليس من أجل التسلية، نوح ذهب وقومه هلكوا في الغريق، القصة لم تعد تنفعهم، وقصّ أيضاً قصة عاد قوم لوط، أيضاً هلكوا ومات نبيهم، وأيضاً ثمود قوم صالح، الآن قوم لوط أيضاً مات لوط وهلك قومه، كانت كل هذه الأحاديث وحياة الأنبياء مع أقوامهم موعظةً لقريش، دروساً لقريش، الكتاب وحده هل يجعلك طبيباً؟ إذا أخذت كتب الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي وكتب الطب هل ستصبح طبيباً بالكتب؟ تحتاج الأساتذة مع الكتاب، الآن القرآن موجود ككتاب لكن لا يوجد أستاذ لذلك يقرؤون ولا يفهمون:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

الذكرى لفهم القلوب، يحتاج إلى أستاذ القلوب، كيف تتعلم الطيران بالكتب وتُطلق المدافع بالكتب؟ الآن ربنا يذكر لنا قوم لوط قال:

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
[سورة القمر]

أولاً قال:

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)
[سورة القمر]

قبلهم قبل من؟ قبل قريش، قبل العرب، فماذا كانت نتيجة التكذيب لقوم نوح؟

فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ(12)
[سورة القمر]

الخلاصة أهلكهم الله بالغرق، جعل الله الأرض عليهم كالبحار، ثم قال:

كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)
[سورة القمر]

ماذا كانت النتيجة؟

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
[سورة القمر]

قوم نوح كانوا بالطوفان، وهذا الطوفان يقولون عنه عوامل طبيعية، والريح الصرصر العواصف والزوابع مع البرد أصبحوا:

تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)
[سورة القمر]

ثمود أرسل عليهم صيحةً من السماء، الصاعقة بأي اسم الله سماها صيحة؟

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
[سورة القمر]

الراعي لمّا يجمع العشب ويُكومه فيصبح كله مثل التبن فكانوا هكذا كهشيم المحتظر أي الحظر على أغنامه .

الله تعالى يمهل ولا يهمل:
الآن قوم لوط:

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
[سورة القمر]

الله لم يبعث لهم إنذاراً واحداً ولا إنذارين، ولا ثلاثة، ولا أربعة، ولا خمسة، لأن الله لا يعجَل:

فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
[سورة الطارق]

يُمهلك؛ أبو جهل كم أمهله الله؟ ليس من أول يوم كفر وآذى النبي الله خلع رقبته، أنْظرَه سنة وسنتين وثلاث وأربع وخمس، قوم نوح ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً، أبو جهل عشر أو خمس عشرة سنة ثم خلع رقبته.

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
[سورة القمر]

الله يُهلكهم، هذا نحن لم يحصل لنا شيء، غداً لم يحصل لنا شيء اغتروا بحلم الله.

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
[سورة فاطر]

فيا بني الناس في غفلة وفي موت الشعور عن إنذارات الله، وعن تهديدات الله، لأن القلوب ماتت، ليس كل الناس لكن الكثير يتجرأ على معصية الله، يتباهى بها، يتفاخر بها، رغم أن القرآن بالإذاعة، بالتلفزيون، بالمطابع، بالخُطب، بالمنابر، لكن يا بني إذا أحدهم ذهب أبلغ البلغاء إلى المقبرة وألقى محاضرة ليُخيفهم أو يُنشطهم هل ينشطون؟ هل يتأثرون؟ لو أحضر لهم صدر بقلاوة وقال لهم: هذه البقلاوة بالسمنة البلدية والفستق والجبنة الحموية هل يستفيد شيئاً؟ هكذا إذا ماتت القلوب لا تنفذ إليها العِظة.

فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
[سورة الروم]

ما كانوا صُمّ الأذان لكن صُمّ القلوب، ما كانوا عُمي العيون بل عُمي القلوب:

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
[سورة القمر]

ليس بالإنذار ولا بالإنذارين بالنُّذر، هذه من رحمة الله يرسل لك إنذاراً فلا تسأل، ثم ثاني إنذار أيضاً لا تسأل، ثالث إنذار، رابع إنذار، خامس إنذار، الله من أسمائه الحليم وهو أرحم الراحمين.

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
[سورة القمر]

الدولة هل ترسل نُذراً؟ تُرسل لك إنذاراً واحداً، بالبلدية أو بالمحافظة أو بالمحكمة ترسل لك إنذاراً واحداً، يجب أن تحضر في الساعة الفلانية إذا لم تحضر تحجزك أما الله فهذه من رحمة أرحم الراحمين.

عقاب من يتمرد على إنذارات الله عز وجل:
لمّا أصرّوا وتمرّدوا ولم يرفعوا لإنذارات الله رأساً ولم يستجيبوا لنبيّهم:

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
[سورة القمر]

فأمطرنا عليهم مطراً، نزل عليهم مطراً لكن ليس المطر ثلجاً؟ ليس المطر ماء السماء؟ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا، حجارة من السماء ملء الكف بدل المطر، واقتلع جبريل قُراهم ورفعها في الفضاء وضرب بها بعد أن أمطرهم الله مطر حجارةٍ من السماء، إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا، أنت الآن فكر يا ترى هذه الآيات ليست لقوم لوط؟ قريش قرؤوها حق قراءتها وببركة المُعلِّم الأول سيدنا رسول الله أعانهم على حياة قلوبهم، وضمائرهم، ووجدانهم، وإحساسهم، فوعوها حقَّ الوعي، وفهموها حقَّ الفهم، فصار منهم أبو بكرٍ وعمر وسعد خير أمةٍ أُخرجت للناس أخذوا حظّهم منها، الآن القرآن يُعرض علينا فهل نأخذ حظّنا منه كما أخذوا حظّهم منه؟ وإذا ما جعلنا القرآن لنا نأخذ منه حظّنا الكامل، آيات لوط موجّهة إلينا كانت معصيتهم بالشذوذ الجنسي وأمور أُخرى، قوم صالح كانت لهم معاص من نوع آخر عقروا الناقة:

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
[سورة الأعراف]

ما عبدوه.

أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)
[سورة الأعراف]

ما تقبّلوا نُصحه واتهموه بالكذب، وأنبياء يا بني، ورسُل، أبو جهل هل يوجد أعظم من النبي عقلاً وحكمةً وأخلاقاً ومن كل النواحي لكن يا بني إذا أحضرنا خمسة آلاف حمار وأحضرنا لهم أم كلثوم وغنت لهم ولم يَطربوا الحق على أم كلثوم أم الحق على من؟ بعض الشعراء يقول:
سَقَوني وَقالوا لا تُغَنَّ وَلا سَقَوا جِبالَ حُنَينٍ ما سُقتُ لَغَنَّتِ
{ الحلاج }
سقوني أي من خمر حبهم وأروني نور جمالهم، متى الواحد يغني؟ عندما يكون مُسروراً، عندما يكون ابنه ميتاً يًغني؟ يولول:
سَقَوني وَقالوا لا تُغَنَّ وَلا سَقَوا جِبالَ حُنَينٍ ما سُقتُ لَغَنَّتِ
{ الحلاج }
وَمَن سَمِعَ الغِناءَ بِغَيرِ قَلبٍ وَلَم يَطرَب فَلا يَلُمِ المُغَنّي
{ بهاء الدين زهير }
بغير حب، بغير عشق، محبوبك متى غنّى لك سترقص له، أما الحمير فيرقصون لموال أم كلثوم لماذا لا يرقصون لأن صوتها غير جميل أم لماذا؟ لأنهم حمير، أما إذا حمارة غنت لخمسمئة حمار هل سيُغنون لها أم لا؟ كلهم يتجاوبون معها بصوتٍ واحد:

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
[ سورة القمر]

الله قال:

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
[سورة هود]

مُّسَوَّمَةً عند ربك كل حجر مكتوب عليه اسم صاحبه، وما هي من الظالمين ببعيد، كل من سلك مسلكهم، وكُل من عصى نبيه، وكُل من عصى شرع الله عز وجل، وسلك مسلك قوم لوط مع نبيهم، وسلك مسلك ثمود مع نبيهم صالح:

مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
[سورة هود]

فأنت عندما تقرأ قوم لوط أو قوم صالح أو قوم هود هل تفكر أن هذه الآيات موجهة لك؟ إذا فعلت كفعلهم، وعصيت الله كمعصيتهم، يرسل الله أول إنذار، ثاني إنذار لك، ثالث إنذار، رابع إنذار، فلمّا تنتهي الإنذارات، لمّا الحلفاء أنذروا صدام حسين كم إنذاراً أنذروه؟ عدة إنذارات ثم صار تنفيذاً أم لا؟ الله أقوى أم الحلفاء؟

لكلّ إنسان رقيب وعتيد يسجل كل أعماله:
يا ترى هذه المصائب التي تنزل بالعرب وبالمسلمين هل يعرفون أنها إنذار من الله وتعليم من طرف الله:

فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)
[سورة القمر]

كيف عاقبة الإنذارات لمن لا يسمع؟ لمن لا يقنع؟ لمن لا يفهم على الله عز وجل؟ هل الله يا بني ولد صغير؟ هل الله يا بني درويش؟ لا يا بني هذا الله جبار السماوات والأرض:

وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
[ سورة طه]

وضع لك ملائكة يسجلون عليك:

مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
[ سورة ق]

رقيبٌ يراقبك، وعتيد حاضر لا يُفارقك أبداً، كل هذه الآيات لمّا تقرأها يا ترى تنتج في قلبك وقوفاً على حدود الله واستقامة على طاعة الله وابتعاداً عن معصية الله وغضب الله؟ إذا لم تُعط هذه الآثار فأنت لا تقرأ القرآن، رُبَّ تالٍ يتلو القرآن بفيه وهو يُفضي به إلى الخذلان كلمّا يقرأ أكثر، ألا رب تالٍ يتلو القرآن والقرآن يلعنه فإذا قرأ:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
[سورة هود]

وهو ظالم أي يلعن نفسه بتلاوة القرآن.

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
[سورة البقرة]

اليهود ذهبوا وانتهوا هذه الله ذكرها لنا حتى لا تُضرب علينا الذًلة والمسكنة إذا أتينا بأسبابهما، ما هي أسباب الذل والمسكنة؟ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، الآن المسلمون ألا يكفرون بآيات الله؟

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
[سورة المؤمنون]

كافرون بها أم مؤمنون؟ قوم لوط وعمل الشذوذ الجنسي واقع أم غير واقع؟ إقامة الصلاة المسلمون كلهم يُصلّون؟ إيتاء الزكاة، طلب العِلم، الأمر بالمعروف، النهي عن المُنكر، النبي قال:

{ الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، أعلاها قولُ لا إله إلا اللهُ ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ }

[رواه مسلم]

أكثر من سبعين وأقل من ثمانين، أسماؤهم تعرفها؟ أسماء هذه الشعب فقط الأسماء، إذا عرفت أسماءها يا ترى هل اتصفت بها؟ هل تخلّقت بها حتى تدخل الإيمان يا بني؟ الإنسان مُركّب من ماذا؟ من رأس وعيون وأذان وأسنان وأنف إلى آخره، فإذا لم يكن فيك أذان ولا رأس ولا معلاق ولا يدان ولا أقدام كيف نسميه إنساناً لشيءٍ معلوم؟ الإيمان يا بني كذلك، من أستاذك بالإيمان؟ من أي مدرسة إيمان تخرجت؟ إلى أي مستوى وشهادة توصّلت؟ المسلم ليس مُذكّراً ولا مُعلّماً ولا مُربياً ولا من يُعلّمه الحكمة ولا من يُزكي له النفس ولا من يُعلّمه علوم القرآن.

الشكر منجاة من الهلاك:

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
[سورة القمر]

يقولون: البلاء يَعمّ، والرحمة تخصّ، والبلاء يخصُّ أصحابه، والرحمة أيضاً تخصُّ أصحابها، لماذا الله لم يُهلك لوطاً وابنتيه؟ ويُقال أصهاره معه.

نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)
[سورة القمر]

نجيناهم بفضلٍ من عندنا كذلك ليس فقط نُنَّجيهم، ليس إذا كان العدد القليل بين المجموعة الكبيرة المختصة بآل لوط قال:

نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)
[سورة القمر]

فكُل من يشكر الله، ما الشكر؟ الحمد باللسان، والطاعة بالأعضاء والجوارح والأركان، وامتلاء القلب من خشية الله ومحبته لأنوار الإيمان.

العبرة ليست بالقرابة الجسدية بل بالقرابة الأخلاقية السلوكية:

وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36)
[سورة القمر]

قال لهم: غداً يبطش الله بكم، هذا يهزأ، وهذا يضحك، وهذا يقول: مجنون، قال: اتقوا الله، وهناك أناس تغضب:

وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)
[سورة البقرة]

يقول: أنت اتق الله، يرفض النصيحة، واحد يهزأ بالنصيحة:

وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36)
[سورة القمر]

هَزئوا ولم يكترثوا ولم يتيقنوا، لأن كلام الله ليس ككلام شخص مجنون، إذا شخص مجنون تكلم معك بشيء تكترث؟
فلمّا دقّت الساعة ساعة التنفيذ والله إذا أراد أن يعمل شيئاً بنفسه يقوم به، أرسل لهم ملائكة بصورة مرجان ومن أجمل الشباب الصغار، منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملائكة السماء ولكن بصورة طلاب عمرهم خمس عشرة سنة ومَلَك، عندما يكون الإنسان جميلاً جداً ماذا يقولون؟ مَلَك، لأن الجمال من صفة من؟ الملائكة، وزوجته العجوز المنحوسة كانت من جماعة قوم لوط فأرسلت إليهم خبراً، جاءكم شيء عظيم جداً، أولاد لا يوجد أحلى منهم، نسأل الله العافية، زوجته ورفيقته دائماً كانت كافرة مثل زوجة سيدنا نوح، يوجد زوجة أنبياء كافرة، يوجد أب كافر كأب سيدنا إبراهيم، ابن كابن نوح، الإخوة كإخوة يوسف ما كفروا لكن فعلوا الذي فعلوه إلى آخره، العم مثل عمّ النبي:

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
[سورة المسد]

العبرة يا بني ليست بالقرابة الجسدية، العبرة بالقرابة الروحية، بالقرابة العلمية، بالقرابة الأخلاقية السلوكية، قال:
وما ينفع الأصلُ من هاشم إذا كانت النَّفس من باهلـة
{ جرير }
وأصل البولة الماء القراحُ، البول ما أصله؟ مَن أمه وأبيه؟ الماء لكن ماذا خرج؟ هو البول، فأصل الكلام لعملك وإيمانك واستقامتك وأخلاقك.
سلمان الفارس أعجمي والنبي قال

{ سلمانُ منا أهلَ البيتِ }

[الألباني ضعيف جداً]

وأبو لهب عمّ النبي ما قال الله في شأنه؟

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
[سورة المسد]

وماذا قال في حق ابن نوح؟

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
[سورة هود]

لماذا؟ أي هل أمه خائنة وابن زنا؟! لا، قال: إنه عمل غير صالح، عمله لا يتناسب مع عمل أبيه في النبوة يُعتبر النسب مُنقطعاً.

الشقي يسلك طريق الشقاء ويترك طريق الله عز وجل:
لمّا ركضوا أغلق دونهم الباب فصاروا يدفعون الباب من الخارج وهو يدفع من الداخل والأكثر هو الذي سيكسب قال:

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
[سورة هود]

لأنه وحده ما أحد آمن فيه غير ابنتيه، أو آوي إلى ركن شديد، لا يوجد أحد يؤازرني ويعينني وينصرني، نبي ورسول وهكذا ابتلي بقوم أي قوم؟ لما يُقال قوم لوط معروف.
فلمّا كادوا أن يكسروا الباب الملائكة أخرجوا هوياتهم، وظهروا بصورتهم الملائكية التي عرفهم بها، وفتحوا الباب ضربهم جبريل بجناحه فأعمى الله أبصارهم جميعاً، فصاروا يتلمسون الجدران وعادوا قالوا: نرجع إلى قومنا حتى نقتل لوطاً لأنه هو كان سبب العمى، العمى على عمى يا بني فبدل أن يتوبوا لأنهم رأوا انتصار الله، ورأوا نجدة الله عز وجل، وتصديق ما أمرهم به لوط، لكن يا بني المنحوس منحوس لو وضعوا بين عيونه خمسمئة ألف فانوس لا فائدة.
ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا
{ أبو الطيب المتني }
المريض عندما تسقيه ماء يقول لك: مُر وهو عذب، فالعلّة منه أم من الماء؟ الله عز وجل لا يجعل قلوبنا مرضى، مرض الأجسام بالصبر والاحتساب يؤجر عليها الإنسان أما مرض القلوب:

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
[سورة البقرة]

يا بني الحياة والله منام، الشباب منام، الصحة منام، الحكم منام، وإذا مشيت على طريق الله والله تكسب الدنيا والآخرة.
ما الشقاء؟ أن يسلك طريق الشقاء ولا يعلم أنه شقيٌ يسير في طريق الشقاء:

أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
[سورة فاطر]


الابتعاد عن الغفلة ومرض القلوب:
الآن أوحى الله إلى لوط أن أخرج من القرية، فلمّا خرج أرسل الله عليها حاصباً ومطراً من الحجارة، الحصباء ما تملأ الكف كل واحد حجره على حجمه باسمه فأهلكهم الله عز وجل:

وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
[سورة القمر]

أرادوا أن يفعلوا الفاحشة بمن؟ بالملائكة الذين جاؤوا بصورة الأولاد المراهقين وليس بصورة الملائكة، وهم لا يقدرون على الحمير حتى يقدروا على الملائكة، هذا يا بني المقلب الإلهي، إذا أراد الله أن يعمل مع أحد مقلباً يا دافع البلاء يحضر له البقلاوة ويضع فيها السم الزقوم، يرسل له المرجان بصورة الملائكة ويكون وراء ذلك الهلاك والحطام وهذا من الغرور:

أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ (206( مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)
[سورة الشعراء]

الله يمتعه بالقوة وبالبناء وبالنفوذ وبالاستعلاء، الله يحمينا من الغفلة، ويحمينا من موت القلوب، ومن مرض القلوب.

وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
[سورة القمر]

تعتقدون أنه لا يوجد؟ وإنذاراتي صادقة أم غير صادقة؟

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)
[سورة هود]

وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
[سورة القمر]

عذاب مستمر لا يوجد فيه انقطاع حتى يهلكوا عن بُكرة أبيهم وعن آخرهم.

فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)
[سورة القمر]

هل فهمتم؟ هل تفعلوا كما فعل قوم لوط؟ تغدروا بنبيكم؟ وتعادوا نبيكم؟ وتؤذوا نبيكم؟ وتُعرضوا عن نبيكم؟ العرب مع كونهم عابدي أصنام ومع كونهم أهل جاهلية بالتكرار صاروا أصحاب رسول الله، وصاروا من المهاجرين والأنصار، وصاروا من السابقين الأولين، وصاروا خير أمةٍ أخرجت للناس، لكن مع إنذارات في صحبة النبي، أي المستشفى بلا طبيب مع وجود كل الأدوية تستطيع أن تدخل إلى الصيدلية وتأخذ أي دواء هذه أفضل، قد يكون سم فأر هذه أكبر، وهذه صغيرة، هل تستطيع أن تأخذ الدواء من غير طبيب؟ فالصحابة صاروا بالقرآن وحده أم صاروا بالقرآن مع النبي؟ بعد النبي قال:

{ العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ، يُحبُّهم أهلُ السَّماءِ، وتَستغفِرُ لهم الحيتانُ في البحرِ إذا ماتوا }

[الألباني السلسة الضعيفة]

العلماء بالله.

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
[سورة فاطر]

العلماء الذين يعلمون الناس الخير.

الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(1)
[سورة ابراهيم]

الوارث إذا لا يحمل هذه المواصفات يجب أن تبحث عمن يحمل صفات الوراثة مع القرآن، تصير الإنسان الفاضل، والإنسان الكامل، والمسلم الحقيقي، والمؤمنة الحقيقية، أما لو تقرأ قرآناً مئة ألف ختمة، رُبَّ تالٍ يتلو القرآن والقرآن يلعنه، الناس الذين يقرؤون قوم لوط هل يفهمون أن هذا الكلام موجه لهم؟ قد تكون أنت تعمل عملاً أكثر من عمل قوم لوط بعشرين مرة.
اعبدوا الله واتقوه لا تكن عبده ولا تتقيه بامتثال أوامره، واجتناب محارمه، فماذا سببت اتقوا الله واعبدوه التي قالها قوم نوح؟ البرد والعرق.
في فلسطين، في بنغلاديش، في كشمير، المسلمون في زمن الخلفاء الراشدين هل كانوا يحتاجون لمعونة من الأعداء؟ من الغُرباء؟ من البُعداء؟ إذا كنا موضع رحمة البُعداء والأعداء والغرباء الله يحمينا من عمى القلوب، الله يحمينا من جهل القلوب.

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)
[سورة الأعراف]

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
[سورة الحج]

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)
[سورة القمر]

فهل من متذكّر من مُتعظ؟ من المُتعظ؟

إنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

يقرأ بالتفكر، بالتدبر، بالمُعلم، بالمُربي، بالمُرشد، المسلم يا بني فيه تدبر؟ فيه مُرشد؟ فيه مُعلِّم؟ فيه وراث نبوي؟ المسلم ضائع يا بني في الصحراء، المجنون هل يظن نفسه مجنوناً؟ أو المجنون يُدرك جنونه؟ الحشاش يُدرك حشيشه؟ الله يحمينا من حشيش التعتير، حشيش الشقاء والخُذلان يمكن أن يستمر إلى يوم القيامة لا يوقفه إلا عذاب الله إذا نزل، أو سيدنا عزرائيل إذا أتى لقبض روحه وملائكة العذاب لتأخذه في السلاسل بالأعناق والنيران:

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)
[سورة الأنفال]


مرض القلب مهلك لصاحبه:

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)
[سورة القمر]

نحن جعلنا القرآن مفهوماً غير مُعقد، ليس بلغة غير عربية.

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)
[سورة يوسف]

لا تكفي الكتابة واللفظ المهم، الأكل طيب لكن نحتاج إلى معدة وصحة قوية، إذا شخص أحضرت له كل أنواع الطعام وقال لك: لا أشتهيه، وإذا أكله معدته ترفضه ويتقيأ، فإذا مرض القلب يا بني هذا المرض الذي يُهلك صاحبه، الله يحمينا من مرض القلوب ويوفقنا لنلتزم أطباء القلوب حتى نظل في عافيةٍ وصحةٍ في دنيانا وفي أُخرانا:

وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)
[سورة القمر]

فرعون الله أهلكه من غير إنذارات فوراً؟ أرسل له تسع معجزات العصا والطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم:

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133)
[سورة الأعراف]

رأوا المعجزات، رأوا الآيات، فصاحة الأنبياء، نبينا عليه الصلاة والسلام، أبو جهل لم يستفد شيئاً يا بني فالحق على النبي أم الحق على أبي جهل؟ أبو لهب عم النبي والعم أبّ نسأل الله العافية كان إذا النبي جلس للدعوة إلى الله أبو لهب كان يقول: لا تصدقوه فإنه مجنونٌ يَهذي، ومن؟ عم النبي، وآزر من؟ أبو النبي، وابن نوح الله قال: ليس من أهلك، وزوجة نوح ولوط:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
[سورة التحريم]

ليست الخيانة الزوجية بل الخيانة الإيمانية، هؤلاء يكون عذابهم مضاعفاً يا بني لأنه حسب القرب يجب أن يكون إيمانهم أقوى، واستجابتهم أسرع، ولكن الله يحمينا من الشقاء، ومن العمى، ومن موت القلوب.

لكل زمان فرعون:

وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)
[سورة القمر]

النُّذُرُ ليس إنذاراً واحداً بل إنذارات، كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا، كل الدلائل، وكل البراهين، وكل الأشياء التي يفهمها الجدار لم يفهموها! الآن المسلمون هل يفهمون القرآن يا بني ؟
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا من؟ فرعون وآل فرعون وأنصار فرعون وجيش فرعون، وقال:فَأَخَذْنَاهُمْ أخذة ماذا؟ أخذة عزيمة؟ أخذة عرس ووليمة؟ أخذة هلاك وفناء وغضب وانتقام، أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، هذه الآيات ليست لفرعون، وليست لآل فرعون، أنت لا تكن فرعوناً أو تكن من آل فرعون، فرعون هو الظالم، هو المُعتدي، هو الذي يتجاوز حدود الله على مخلوقات الله، فإذا أنت كنت الظالم المُعتدي فأنت فرعون، وإذا كنت من أنصاره تكن من آل فرعون، إذا كانت الآية لفرعون وجماعته لم يعد بحاجة فقد ذهبوا:

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
[سورة غافر]

وصلوا لعقوبتهم، الآن الآيات هذه لي ولك من زمان النبي إلى أن تقوم الساعة، أنت من جماعة موسى أم من جماعة فرعون؟ "كل عصرٍ فرعون فيه وموسى وأبو جهلٍ في الورى ومحمد".
أنت في هذا الزمان من جماعة سيدنا محمد أم من جماعة أبي جهل؟ فكل من وقف في طريق الدعوة، وفي طريق الإرشاد، وفي طريق الإسلام، وفي طريق العِلم والتعليم والتربية، هذا يا بني أبو جهل، وهذا فرعون، وهذا قوم ثمود، وقوم صالح، وأتى من قوم عاد، وقوم هود، وهلك بالطوفان، أو بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، أو بصيحة من السماء، أو بغرق في البحر كما أغرق فرعون، أو بقطع الرأس كما قطع الله رأس أبي جهل، وأحضر رأسه للنبي، فلما رآه سجد سجدة الشكر، وقال: الحمد لله الذي أهلك الله فرعون هذه الأمة، فرعون هذه الأمة في زمان النبي لكن بعد زمان النبي كل زمان له فرعون وله ماذا؟

وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)
[سورة القمر]

فيه فرعون، وفيه آل فرعون، وفيه أنصار فرعون، وفيه جماعة فرعون، والمُظاهرون المُساعدون، لو فرعون وحده كان موسى قطع رقبته، وآل فرعون، وجيش فرعون، وأنصار فرعون، الله أهلك الكُل:

وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)
[سورة القمر]

كذّبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أم فأخذناه؟ فرعون وأنصاره وجنوده وأعوانه لكن بيوم واحد لمّا دعا عليهم سيدنا موسى فقال:

قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)
[سورة يونس]

فكان بين استجابة الدعوة وبين هلاكهم أربعون سنة كم الله حليم يا بني؟!
مرة جحا شخص اعتدى عليه، وآذاه، فرفع يديه ودعا عليه قال: الله يكسر رجلك بعد أربعين سنة، الناس ضحكوا ما طول البال هذا؟ تعدى عليك، فقال لهم: أنتم لا دخل لكم، أنا بيني وبين ربي لا أحد يتدخل، مضى نصف دقيقة، والظالم داس على قشرة موز فوقع وكُسرت رجله، فقالوا: يا جحا أنت دعوت عليه بعد أربعين سنة لكن الآن كسرت رجله؟ قال لهم: لا، هذه ليست دعوتي، أحدهم دعا عليه من قبل وبسببه كُسرت رجله، وبسببي ستكسر رجله بعد أربعين سنة.

لكل أمة أجل ولكل أجل كتاب:
يا بني ما الإيمان؟ من شُعب الإيمان مخافة الله، من شُعب الإيمان خشية الله، من شُعب الإيمان ألا نأمن مكر الله:

أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)
[سورة الأعراف]

ترى نفسك الآن عضلات وشباباً ورياضة ومالاً وجاهاً وحُكما وسلطاناً، واحد من إخوان شيخنا رحمه الله وصل إلى رتبة عسكرية في زمن تركيا وصل لرتبة عميد أو جنرال لمّا ذهبت تركيا بقي على راتب خمس ليرات سورية، فبعض الأوقات يشكو لشيخنا الفقر، فشيخنا يقول له: أنت الحق عليك، أنت عندما كنت تذهب إلى القرية وتنزل ماذا كنت تطلب منهم؟ قال: كنت أطلب منهم الخراف والعجول، قال له: لو أنت خبأت عدداً من الخراف لكبرك ما كنت ستجوع، لكن أنت أخذتهم، وظننت أن العمر يوم واحد، والعمر ليس يوماً واحداً يا بني، وإذا عملت ذنباً والله لم يؤاخذك ليس معناه أن الله مات، وليس معناه أن الله نائم ولم يشعر بك، وليس معناه أن الله مشغول، لكن لكل أمة أجل، ولكل أجل كتاب:

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)
[سورة الأعراف]


قوانين الله تسري على الناس في كل زمان:

وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)
[سورة القمر]

هذا الكلام موجّه لمن؟ لفرعون وآل فرعون؟ موجّه الآن لنا، في زمان النبي لمن كان موجّهاً؟ لكفار قريش، فأنت الآن فرعون الذي تُخرِّب الدين أو تعاون الذي يُخرِّب الدين لا تنغر بحلم الله عنك لمّا يأتي الوقت:

كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)
[سورة القمر]

فأخذناهم أخذ عزيز لا يُقهر، مُقتدر لا يَعجز، بعد أن قصّ الله القصص التفت إلى قريش فقال:

أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
[سورة القمر]

كفار نوح أم كفار قوم هود أم كفار قوم صالح أم كفار سيدنا موسى فرعون وجنوده أم كفار قوم لوط؟ هل أنتم أفضل منهم؟ أي أولئك الله يهلكهم على كفرهم، ومُعاداة أنبيائهم، ورفضهم لرسالة السماء، أي أنتم لكم ميزة أنهم هم الله يهلكهم، وينتقم منهم، ولكن أنتم لكم ميزة وامتياز واختصاص الله لن يُعاقبكم؟! أَكُفَّارُكُمْ الموجودون ونحن الآن الذين يكفرون الآن أفضل من قوم فرعون؟ أي هم الله يهلكهم وهؤلاء لهم امتياز يقربون الله؟! أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أي أخذتم براءة من كتاب سماوي أن تكفروا وتلحدوا وتُفسدوا في الأرض وتُخربوا وتُدمروا وتعتدوا وأنزل عليكم صكّ من السماء من طرف الله أن اعملوا ما شئتم أنتم معفو عنكم، أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ لا الاثنان بالكُفر واحد، أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ الزُّبر الكتب السماوية هل عندكم براءة من السماء أن تعملوا ما شئتم وأنتم معفو عنكم؟!

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
[سورة القمر]

نحن أقوياء متوحدون ضد النبي، ضد النبي هذا الضعيف والعبيد حوله والأولاد الصغار هؤلاء ماذا؟

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
[سورة القمر]

لمّا نزلت هذه الآية سيدنا عمر قال: ما كنت أعلمها ولا أفهمها، كانوا مضطهدين، مُعذبين، مُطاردين، مُشردين، لا يستطيعون أن يظهروا بصلاتهم فكيف سيهزم الجمع ويولون الدبر؟
فلمّا كانت معركة بدر وصار الهجوم دخل النبي قُبّته لأن الكفار كم عددهم؟ ألف، والصحابة ثلاثمئة، ولم يخرجوا بسلاح المعارك بل بسلاح المسافر سيف، أي لا يوجد تكافؤ لا في العدد، ولا في السلاح، وصارت المعركة، لكن النبي دخل قُبته، وبعد صلاة ركعتين رفع يديه إلى السماء حتى ظهر بياض إبطيه وهو يناشد الله قائلاً: اللهم أُنشدك عهدك ووعدك.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
[سورة الروم]

النبي والمؤمنون والذين معه هل فيهم تارك صلاة؟ فيهم شارب خمر؟ فيهم أحد من قوم لوط؟ فيهم أحد يسب الدين؟ فيهم واحد عاق لوالديه؟ فيهم واحد مانع زكاة؟ شارب خمر؟ آكل ربا؟ كلهم خير أمةٍ.

{ خيرُ القُرونِ قَرْني ثمَّ الذين يَلُونَهم ثمَّ الذين يَلُونَهم }

[ابن تيمية صحيح]

ما العصر؟ ليس طلوع الشمس وشروقها، الفضل لجيلها والموجودين في ذلك الزمن.
اللهم أُنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لن تُعبد بعد اليوم في الأرض أبداً، اللهم إن تُهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض أبداً، قال: فأخذ أبو بكر بيده وهو رافع يده وقال له: حسبك يا رسول الله يكفي ألححت على ربك رضي الله عنه وأرضاه، الظاهر النبي أخذ الجواب جواب البرقية جاءه في هاتف، في تلكس، قال: فخرج يَثب في درعه وهو يقول: سيُهزم الجمع جاء الأمر الإلهي بالنصر الربّاني:

إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بلى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ(125)
[سورة آل عمران]

لو صار عليكم هجوم مُباغت وأنتم مع الله لا تخافوا، لكن ينصركم ليس بلا أسباب لا، بل بقانون الحكمة، فالإسلام الأسباب مع الارتباط بالله طاعةً وإيماناً وامتثالاً وثقةً ويقيناً، أسباب ومُسببات اجعل مع الدعاء قطراناً.

النصر حليف من ينصر دين الله ويقيم شرائعه:

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
[سورة القمر]

قال: كان بين نزول هذه الآية وبين معركة بدر كم سنة؟ سبع سنوات، بين الوعد وتنفيذ الوعد، بين التهديد وتنفيذ التهديد، بين الإنذار وتنفيذه كم؟ سبع سنوات، فأطفال العقول أو من لا عقول لهم يسمع كلام الله ولا يُبالي، الله يحمينا يا بني، كلام الله:

وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
[سورة الروم]

لمّا النبي دخل مكة فاتحاً قال: الحمد لله وحده، نصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، نحن الآن يصعد الخطيب على المنبر ويقول:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
[سورة الروم]

أي نحن سننتصر أي نحن مؤمنون أم كافرون يا بني؟ النبي من أجل صلاة الجماعة قال:

{ لقد هَممتُ أن آمرَ فِتيتي أن يجمَعوا حِزَمَ الحطَبِ، ثمَّ آمرَ بالصَّلاةِ فتقامَ، ثمَّ أحرِّقَ على أقوامٍ لا يشهدونَ الصَّلاةَ }

[صحيح الترمذي]

لقد هممت أن آمر بحطب ثم توقد فيه نار ثم أذهب إلى أقوامٍ يتخلفون عن صلاة الجماعة فأحرِّق عليهم بيوتهم، فكيف بالذي لا يُصلي أبداً؟! كيف بالذي جاحد بالصلاة وغير مؤمن؟! كيف بالذي يهزأ بالصلاة والمُصلّين؟ كيف بالذي يمنع الزكاة وإذا رأى أحداً يُزكي يقول له: أمجنون أنت! كيف إذا رأى المعاصي مثل الجبال ومثل أمواج البحار يؤاكلوهم ويُشاربوهم ويُناكحوهم ولا يتمعر وجه أحدهم؟! أقل الدرجات لا نكون شركاء، أي نكون مؤمنين أن الله سينصرهم، هل الله ولد صغير يا بني؟ قانون الله:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة محمد]

أي الله في معركة ويريد مدداً؟ إن تنصروا دينه، إن تُقيموا شرائعه، إن تنصروا دينه على أهوائكم، توبتكم عن معاصيكم، إيمانكم على فسقكم ينصركم ويثبت أقدامكم، يجعل النصر ثابتاً غير زائل:

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
[سورة القمر]

هذا الغرور؛ غرور بالله يظنون أن الله غير موجود، أي لا يوجد غير محمد وحوله كم رجل من الدراويش المساكين الله قال له:

سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
[سورة القمر]

يعتزون بكثرتهم وقلتك، بكثرتهم وقلة عددك، بقوتهم وضعفاء المؤمنين، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، هذا في الدنيا وفي الآخرة ماذا يوجد؟ قال:

بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)
[سورة القمر]

الساعة القيامة، العذاب عذاب القيامة، عذاب جهنم، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى؛ الداهية هي الأمر الفظيع الذي لا يُستطاع رده ولا الخلاص منه، هذه ما اسمها؟ الداهية فهزيمتهم داهية، قال: أما عذاب يوم القيامة أدهى وأحلى حلواً؟ مُرّ وَأَمَرُ،ّ أمر من هزائمهم ومن قتلهم، قتل أشرافهم وزُعمائهم وعُظمائهم، والنبي أمر برمي جثثهم في بئر جافة، ووقف على طرف البئر وقال لهم: هل وجدتم ما وعد ربي حقا؟
قالوا: يا رسول الله أتكلم أجساداً لا أرواح فيها؟! قال: ما أنتم بأسمع منهم لما أقول غير أنهم لا يستطيعون ردَّ الجواب:

{ إنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا قاتَلَ قَومًا فهزَمَهم؛ أقامَ بالعَرصةِ ثَلاثًا، وأنَّهُ لمَّا كان يَومُ بَدرٍ أمَرَ بصَناديدِ قُريشٍ، فأُلقوا في قَليبٍ مِن قُلُبِ بَدرٍ خَبيثٍ مُنتِنٍ، قال: ثم راحَ إليهم، ورُحنا معه، ثم قال: يا أبا جَهلِ بنَ هشامٍ، ويا عُتبةَ بنَ رَبيعةَ، ويا شَيبةَ بنَ رَبيعةَ، ويا وَليدَ بنَ عُتبةَ، هل وجَدتُم ما وعَدَكم رَبُّكم حَقًّا؟ فإنِّي قد وجَدتُ ما وعَدَني رَبِّي حَقًّا. قال: فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، أتُكلِّمُ أجسادًا لا أرواحَ فيها؟ قال: والذي بعَثَني بالحَقِّ؛ ما أنتم بأسمَعَ لمَا أقولُ منهم. قال قتادةُ: بعَثَهم اللهُ عزَّ وجلَّ ليَسمَعوا كَلامَهُ؛ تَوبيخًا وصَغارًا وتَقمِئةً، قال في أوَّلِ الحَديثِ: لَمَّا فرَغَ مِن أهلِ بَدرٍ؛ أقامَ بالعَرصةِ ثَلاثًا }

[أخرجه البخاري ومسلم]

الذي تسمعونه أنتم الجهاز لا يلقط موجة أصواتهم.

من يترك الفرائض وينتهك المحارم فهذا كله إجرام في حق دين الله والإسلام:
بعد أن ذكر الله قصص الأمم التي كذّبت أنبياءها، ورفضت شرائع ربها، وذكر ما أنزل الله بها من خزيٍ ودمارٍ وعذاب قال: إن المجرمين في الماضي قبل النبي، وفي الحاضر في زمن النبي، وفي المستقبل بعد النبي وإلى قيام الساعة:

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47)
[سورة القمر]

الذي يرتكب الجرائم بترك فرائض الله، بانتهاك محارم الله، بالجرأة على معاصي الله، بمؤازرة أعداء الله، هذا يا بني كله إجرام في حق دين الله عز وجل والإسلام، في ضلال ضائع عن طريق السعادة، عن طريق العزّ والمجد، وَسُعُرٍ: السُعر تارةً يُفسر بالسعير والنيران، وتارةً يُفسر بالجنون وفقد العقل، الضلال هنا قلة العقل، وفقد العقل الذي يُدرك الحقائق بواقعها، السُعر معناها أي السعير، هم في الدنيا في متاهةٍ وضياعٍ عن الصراط المستقيم، وفي الآخرة في نيران جهنم.
هذا شيْ جيد؟ هل هذا ربح؟ هل هذا عزّ؟ هل هذا مجد؟ هل هذا نجاح؟ هل هذا توفيق؟ يا بني والله الناس بخير، والله الناس من ساحل أمريكا الغربي إلى اليابان وما بينهما والله ما رأيت إنساناً لا خير فيه، الأراضي كلها مُنبتة يا بني إلا النادر من الأرض الصلخد التي الله قال عنهم:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)
[سورة البقرة]

أما الكثرة الكاثرة كلها قابلة فقط لو وُجِد المزارع والبِذار والمطر، الآن البذار موجود، والمطر موجود، لكن المزارع غير موجود، فالحَب يأكله السوس، والأرض تبقى بُوراً، والسبب فقد المزارع:

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(41)
[سورة الرعد]


ضرورة التأدب بآداب الروحانيين والتخلق بأخلاق الصديقين:
أعظم ما ينقُص فقد العلماء النبي يقول:

{ إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا }

[أخرجه الترمذي والبخاري ومسلم]

العِلم جعله أين؟ العلم ليس في الرأس، الذي يُقرأ في الكتب هذا في الرأس، بالفكر، بالدماغ، في الذاكرة، أما قال عن العِلم الحقيقي هو الذي في الصدور، هذا الذي يحتاج إلى ذكر، ويحتاج إلى توبة، وإنابة، وصحبة الشيخ العارف بالله، الوارث لرسول الله، وإلا لو تقرأ كتب الدنيا من أولها إلى آخرها الورق كل العلوم موجودة فيه، والمُسجل يُسجل كل هذا الكلام لكن هل يفهم منها شيئاً؟ هذا القرآن موجود، لكن القرآن المهم أن يكون هنا، قال: ليس العِلم في السماء فتحتاج إلى عروجٍ لتصل إليه، ولا في أعماق البحار تغوص لتصل إليه، ولا في أعماق الأرض ليخرج إلى سطحها، إنما العِلم مخبوءٌ في الصدور، ومدفونٌ في القلوب، ثم يقول الله في الحديث القدسي: تأدبوا بآداب الروحانيين، وتخلَّقوا بأخلاق الصديقين، أُنزل عليكم العِلم فأغمركم به، ويكون مُحيطاً بكم من كل الجهات.

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
[سورة البقرة]

{ مَن عمِلَ بما يَعلَمُ أَورثَهُ اللَّهُ عِلمَ ما لَم يعلَمْ }

[أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء]

ورث علوم الأنبياء وعلوم الأولياء بهذا النور وبهذا العِلم يحيّا العِلم الظاهر؛ العِلم الذي على ظواهر الجسم، وأعمال الأعضاء، الركوع والسجود والتحيات إذا لا يوجد روح من القلب ركوعك لا تفهمه، حركات جسدية، حركات لسانية من غير أن يكون له أثر، النبي قال:

{ شيَّبتني هودٌ، والواقعةُ، والمرسلاتُ، وعمَّ يتَسَاءَلُونَ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }

[صحيح الترمذي]

ألا تُشيب لكن:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)
[سورة القمر]

الذوق بطرف الإصبع أما لمّا تصبح في الأسفل هذا هو المسّ.

كل شي خُلق بقدر:

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
[سورة القمر]

خلق السماوات بقدر صنع الأرض، بقدر صنع الإنسان، بقدر صنع شريعته، بقدر كلها قائمة على الحكمة، كلها قائمة على الحقائق، كلها قائمة على العِلم من أجل أن يكون الإنسان سعيداً، والعائلة سعيدةً، والمجتمع سعيداً، والدولة سعيدةً، والعالم كله سعيد، لذلك النبي أُرسل إلى الناس:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(158)
[سورة الأعراف]

لذلك الآن الإعلام الذي يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها القرآن يصل إلى مشارق الأرض ومغاربها لكن يحتاج إلى رجال يا بني، القرآن وحده لا يكفي، لو كان يكفي النبي لا يوجد بديل له، النبي مات ولم يُجمع القرآن، كان مكتوباً على الحجارة، وعلى العظم، الآن مجموع بأحسن طباعة، ويتباهون بالطباعة الحلوة المُذهّبة، وكذا، أما هل يفكرون بالمعاني وبإحياء القرآن بالعمل؟

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
[ سورة القمر]

عذابنا بقدر، وشرائعنا كلها بقدر على نصاب كامل يُحقق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة، وعدنا بقدر، وعيدنا بقدر، ثوابنا بقدر، العقوبة بقدر، ولمّا نُنفذ الشيء الذي نُريد:

وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)
[ سورة القمر]

كلمة واحدة كُن، كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ لمّا الله يريد تنفيذ أمره وقدره الذي مُقدّره ومُرتبه وكاتب الإضبارة فيه والبلاغ والتنفيذ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ.

الذلة والمسكنة عاقبة أتباع قوم لوط وقوم صالح وفرعون:

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)
[ سورة القمر]

أشياعكم أشباهكم من قوم نوح إلى قوم لوط إلى قوم صالح إلى قوم هود، ماذا تنتظرون هل فهموا؟ هل أنتم تفهمون؟ إذا فهمتم يجب على كل واحد منكم أن يكون أمة أو جماعة، لكن تحتاج إلى ذكر، سيارة كاديلاك بلا بنزين لها فائدة؟! الحمار أحسن منها، الدراجة أحسن منها، الطيارة خمسمئة راكب لكن لا يوجد بنزين أو يوجد بنزين ولكن دون طيار الطنبر أحسن منها.
إحدى المُريدات رأوها بعد وفاتها - رحمها الله - كانوا يسمونها أم شاكر، لكن كانت حمامة المسجد، باعت دُنياها بآخرتها، وباعت كل شيء في الدنيا في محبة الله، رآها بعضهم في منامه ووجهها مثل الشمس قال لها: من أين هذا يا أم شاكر؟ قال: أعطته مسبحة من جيبها قالت له: من هذه، تحتاج إلى ذكر يا بني لا يوجد شيء الله ألح عليه وكرره وأكد عليه مثل الذكر، لا يهم إذا كان شاذلياً، قادرياً، رفاعياً، اقرأ قرآن وانتهت المسالة، أي القادري مذهبه يُخالف القرآن؟ إذا خالفوا القرآن نحن نُخالفهم:

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)
[ سورة القمر]

إذا أنتم من أشياعهم سنهلككم كما أهلكناهم، ونذلّكم مثلما أذللناهم، ونسلّط عليكم العدو كما سلّطنا عليهم العدو:

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
[ سورة البقرة]

الذلة تسلّط العدو، والمسكنة الفقر، الآن المسلمون بماذا؟ الاثنتان، العالم الإسلامي فقير أم غني؟ فقير، إذا فيه مال المال لا يتحقق منه الهدف السامي الذي يتحقق في الدول الغنية، والذلة تسلّط العدو، الآن عملوا هيئة الأمم وهو كذب ودجل، مجلس الأمن الفيتو، من قبل كانت الشيوعية والرأسمالية الآن بقيت الرأسمالية، الأحكام الآن قضية ليبيا مُتهمة طلبوا أن يُحيلوهم إلى محكمة العدل الدولية فلو كانوا واثقين من إدانتهم، ولو كانوا واثقين من محكمة العدل فإذا هم الذين عملوا محكمة الدولة ليس لديهم ثقة بها فلماذا عملوها؟ عملوها لمصالحهم، وإذا عرفوا مصالحهم غير مؤمنة لا يرضون بمحكمة الأمن، قرارات مجلس الأمن بشأن فلسطين لماذا لم ينفذوها بالقوة العسكرية؟ بغداد مع أن صدام ليس ظالماً ومُعتدياً أكثر بكثير لكن بالنسبة إذا قابلنا قضيته بقضية إسرائيل ازدواجية والقانون فيه ابن الست وابن الجارية، هذا يا بني وهذه الأمم مساكين، وهذه الشعوب التي يسمونها النائمة أم النامية؟ هي الأصح النائمة، هم يضحكون عليها باسم النائية، الله يستر ما تصير الميتة:

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)
[ سورة القمر]

أي إذا أنتم ستسلكون مسلكهم أيضاً نهلككم، نحن من أمة محمد إذا استجبنا لقرآن الله وسنة محمد، إذا استجبنا لآل لوط وقوم هود وقوم صالح وقوم فرعون الله سيهلكنا كما أهلكهم، اليهود لمّا كفروا الله سلط عليهم الفرس، وسلط عليهم الرومان، وشتتوهم في شتى بقاع الأرض، أخواننا في فلسطين الآن أليس هذا ما يحدث لهم؟ إذا نظرنا في أعمالنا نحن العرب المسلمين في كشمير، في الصومال، نحن نقتل بعضنا البعض يا بني، جاهلية لكن جاهلية بأسلحة فتّاكة، القرآن أين؟

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
[سورة الفرقان]

السبب لا يوجد شيخ يا بني، كُلّية الدعوة، كلية الشريعة، الأزهر، إذا لا يوجد تربية، ولا يوجد تزكية، ولا يوجد قلب، ولا يوجد نور كله.

أعمال الإنسان كلها مسجلة عليه وسيحاسب عليها:

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
[سورة الجمعة]

قرؤوا التوراة بألسنتهم وذاكرتهم، ثم لم يحملوا أنوارها في قلوبهم ووجدانهم، كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ما الأسفار؟ القرآن أجزاء، والتوراة أسفار، كل مقدار منه يسمونه سفراً، فالحمار إذا كان حامل القرآن بسوره والتوراة بأسفارها يستفيد منها علماً أو حكمةً أو تزكيةً؟!

وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)
[سورة القمر]

كل شيء يفعلونه مُسجل عليهم أين؟ في الزُّبر، في صحائف الملائكة تُرفع إلى الله عز وجل، اليوم كيف ترفع أعمالك تسود الوجه، وثاني يوم، وثالث يوم، ورابع يوم، وخامس يوم، الله يرسل لك إنذارات في الراديو والقرآن والمصحف والدرس وكذا وبعد ذلك؟

وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
[سورة القمر]

من أعمالك الصغيرة من الذنوب الكبيرة، الذنوب كلها مُسطرة عليك فسارع بالتوبة قبل أن يُسارع الله إليك بالعقوبة.

مرتبة المتقين يوم القيامة:
لا تغتر بحلم الله، الله حَلِم على قوم نوح، حَلِم على قوم صالح، على قوم هود، على أبي جهل، لكن بعد ذلك؟ الحِلم له حدود قال:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
[سورة القمر]

ما النَهَر؟ الأنهار أي فيه أنهار من عسل، وأنهار من عرق، وأنهار من لبنٍ لم يتغير طعمه، وأنهار من ماءٍ غير آسن، والله يُخاطبنا بلغة الدنيا أن أنهار الجنة غير أنهار الدنيا:

فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
[سورة القمر]

في مقعد الرضا، في مقعد الإقبال، في مقعد المحبوبية إلى الله عز وجل، في مقعد القُرب من الله عز وجل، عند مليكٍ مقتدر، آيات الترغيب آيتان في آخر السورة، والسورة كلها في الترهيب والتحذير والتنبيه، حتى السكران هذا بسكرة الجهل، سكرة الغرور كما قال عليه الصلاة والسلام:

{ غَشِيَتكمُ السَّكرتانِ: سَكرَةُ الجهل ، وسَكرةُ حُبِّ العيشِ فعندَ ذلك لا تَأمُرون بمعروفٍ، ولا تنهَونَ عنِ منكرِ والقائمون بالكِتابِ والسُّنةِ كالسَّابقينَ الأوَّلينَ مِنَ المُهاجرينَ والأنصارِ }

[الألباني السلسلة الضعيفة]

حديث آخر:

{ لَتأمرُنَّ بالمعروفِ، ولتنهوُنَّ عنِ المنكرِ، أوْ لَيُسلِّطنَّ اللهُ شرارَاكم على خيارِكم، فيدعو خيارُكم، فلا يُستجابَ لهُم }

[الألباني السلسلة الضعيفة]

أنت مُكلَّف عن عائلتك، عن صديقك، عن أخيك، عن أمك، عن أبيك، عن جارك، فالأمر بالمعروف فرض وركن من أركان الدين، في بعض الأحاديث تعد أركان الإسلام خمسة، وفي بعضها تعد ثمانية، ويُعد الأمر بالمعروف من أركان الإسلام، هذا الركن أين؟ إذا أمرت ونهيت بالحكمة والموعظة الحسنة:

{ انفذْ على رسلِك؛ حتى تنزلَ بساحتِهم، ثم ادعُهم إلى الإسلامِ، و أخبرُهم بما يجبُ عليهم من حقِّ اللهِ فيه ، فو اللهِ لأنْ يهْدي اللهُ بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أنْ يكونَ لك حُمرِ النعمِ }

[الألباني صحيح الجامع]

والساعي في الخير كفاعله وفاعله في الجنة:

{ الدَّالُّ على الخيرِ كفاعلِه }

[أخرجه مسلم والطبراني]

الله يجعلنا يا بني من أدوات الخير من الدعاة إلى الخير، من الدعاة إلى الله، من العاملين بما ندعو.
حقٌّ على من يصعد المنبر أن يترك الفحشاء والمُنكر ويُحسن القول الذي قالــــــه ويُحسن السر الذي أضمر
{ }
نسأل الله أن يجعل سرائرنا خيراً من علانيتنا، ويجعل علانيتنا صالحة، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الرجوع إلى الله ومجاهدة النفس:
ادعوا لإخواننا في ليبيا، يقال: تسلط المتسلطين عليه الدول الاستعمارية الكبرى تسلط جور واعتداء، ليبيا أقول: حاكموا المتهمين في المحكمة الدولية التي تعتبر حيادية إلا الغريم يحاكم الغريم، هل يجوز أن يكون الخصم هو خصم وقاض بآن واحد ؟ هذا زمان القرن العشرين.
الله يرد المسلمين جميعاً، والله إذا ما رجعنا إلى الله أفراداً وجماعات، وذكوراً وإناث وحُكاماً وشعوباً إذا ما رجعنا إلى الله، سيدنا موسى صار قحط بزمانه، وخرجوا للاستسقاء كلما يدعو تظهر الشمس، وتشتد حرارتها، ولا يوجد مطر، فسيدنا موسى قال: يا ربي هؤلاء بنو إسرائيل وأنا نبيهم ولا ينزل المطر!؟ فأوحى الله إليه كيف أستجيب لكم وأتقبل الاستسقاء وفيكم رجلٌ نمّام؟ أليس فيكم نمّام أنتم؟ النمّام الذي ينقل ويكون صادقاً بخبره، إذا فلان شتم فلاناً بأمه، بعرضه، يقول له: فلان شتمك بعرضك، بأمك، هذا صادق أم غير صادق؟ النمّام هو الصادق في نقل الخبر الصحيح ولكن يريد منه الإفساد، لو نقل الخبر هذا المُفسد بشكل غير صحيح قال له: والله دعا لك ويحبك ويتمنى أن يراك وهو كاذب فيُكتب كذبه صدقاً ولا يسمى كاذباً، النبي قال:

{ لم يكذبْ من نمى بين اثنين ليُصلِحَ وفي لفظٍ: ليس بالكاذبِ من أصلحَ بين الناسِ فقال خيرًا أو نمَّى خيرًا }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي واحمد]

لأن الزنا إذا تبت بينك وبين الله إذا تبت توبة صادقة، أما المغتاب فيجب أن تستسمح من خصمك ثم تتوب إلى ربك، أليس فيكم مانع زكاة؟ الله يحمينا من المعاصي ويوفقنا للطاعات.
الشاهد يا بني جاهدوا نفوسكم كان النبي يقول:

{ رجَعنا من الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ }

[ابن باز إسناده ضعيف]

مع العدو الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس، تغلب نفسك يا بني:

{ ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ }

[صحيح البخاري]

الذي يصرع رجالاً، النبي قال: هذه ليست رجولة، لكن الرجل الذي يملك نفسه عند الغضب.
الله يثبتنا بالقول الثابت، ويؤيدنا بمدد وبروحٍ من عنده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
والحمد لله رب العالمين