تفسير سورة الماعون

  • 1996-07-26

تفسير سورة الماعون

الحمد لله رب العالمين، وأفضلُ الصَّلوات وأعطرُ التَّحيات والتَّسليمات على سيدنا محمَّدٍ خاتم النَّبيين والمرسلين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم وعلى أخويه سيِّدَينا عيسى وموسى، وعلى جميع إخوانه مِنَ النبيين والمُرسلين وآلِ كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين، وبعد:

الإيمان بيوم القيامة:
فنحن اليوم في تفسير سورة الدِّين أي الحِساب وهو حِساب الله عزَّ وجلَّ للإنسان يوم القيامة، وقد يُعجِّل الله عزَّ وجلَّ للإنسان بعض الحساب في الدنيا قبل الآخرة إن خيراً فخير وإن سوءاً فبِما يستحق، كما أهلَكَ الله قوم نوحٍ وقوم عادٍ وقوم صالح، وهذا بعض ما يستحقُّون في الدنيا، وكما أهلَك الله أبا جهلٍ وكُفار قريشٍ هذا بعض ما يُدانون به وما أدانهم الله عزَّ وجلَّ به في الدنيا، مع ما يتَّصِلُ بهم مِنْ عذابٍ في القبر-في عالم الروح- إلى يوم القيامة، فهذه المكافأة للمُحسن على إحسانه، وعقوبة المُسيء على إساءته هذه اسمها الدِّين، يُقال في المحكمة: أدانت المحكمة المتَّهم فلاناً: حكمت عليه بأنه يستحق العقوبة، ومِنْ ذلك قول الله تعالى في سورة الفاتحة:

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
[سورة الفاتحة]

يعني هو القاضي وهو الحاكِم وحدَه وليس معه مستشارون ولا شركاءٌ أو محاكِمٌ استئنافيةٌ أو تنفيذيةٌ، هو وحده الذي يَدِينُ الإنسان بأعماله وحتى لا يقول الإنسان بأنِّـي ظُلِمت قال تعالى:

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)
[سورة النور]

(دِينَهُمُ) أي من الهِداية، جزاءَهَم وإدانَتَهم دينهُم الحقّ (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)، فالإيمان بيوم الدِّين هو أحدُ أركان الإيمان، ولا يصحُّ إيمان الإنسان إذا لم يؤمن بيوم القيامة وأن أعماله مسجَّلةٌ عليه من نظرات عينيه أو سمْعَ أذنيه أو نطق لِسانه أو خطوات الرِّجلين أو عمَلَ اليدين، قال تعالى:

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ (12)
[سورة يس]

(وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) مِنْ أعمال، (وَآثَارَهُمْ) إذا بنى أحدهم خمّارةً ومات، فستبقى مُسجَّلةً في صحيفته ما دامت الخمّارة موجودة، وإذا بنى مسجداً أو عَمَلاً خيرياً ترَكه بعده فكما يقول ﷺ:

{ إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو له }

[صحيح مسلم]

(صدقةٍ جاريةٍ) كما لو أوقف وَقْفَاً أو بنى مسجداً أو مدرسةً أو أي عمِلٍ مِنْ أعمال الخير الثابتة، (وعلمٍ ينتفعُ به) علَّمَ الناس وانتفعوا وعمِلُوا بعلِمه وعلّموا بعده ،فمادام أثر علِمه باقياً والناس يستفيدون منه ككتابٍ أو مكتبةٍ أو علَّم الناس ومادام العلِم باقياً فالثواب لايزال جارياً، (وولدٍ صالحٍ يدعو له)(1).

يوم القيامة في القرآن الكريم
والله عزَّ وجلَّ ذكَرَ يوم الِدِّين في القرآن الكريم بأسماءٍ متعددةٍ منها الواقعة قال تعالى:

إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3)
[سورة الواقعة]

(لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ)ولا يوجد نِفْسٌ تستطيع أن تقول أنه لا يوجد حسابٌ للإنسان يقينٌ وواقعٌ، (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ)تخفِضُ أُناساً وترفعُ آخرين.
ومرةً سمَّاها الحاقَّة: لأن الإدانة والقيامة والحساب واقعٌ لا ريْبَ فيه، قال تعالى:

الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
[سورة الحاقة]

وتارةً سمَّاها القيامة، قال تعالى:

يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
[سورة المطففين]

إلى محْكَمته.. وقال تعالى:

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
[سورة الزمر]

(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ) ويسألهم الله عزَّ وجلَّ: هل أبلغتم أُممكم؟ هل أبلغتموهم رسالتي وشريعتي وأوامِري ومحرَّماتي؟ (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ) وهو القاضي الحقّ (بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ) بالقِسط (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ) وهم ليسوا مِنَ الجِنِّ، ولا مِنَ الملائكة التي لا تراها العيون، (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى) يحذِّرونكم ويقولون لكم: انتبِهوا! لماذا عصيتُم اللهَ عزَّ وجلَّ وكفرتُم به؟ (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) ظلُّوا جاحدين ورافضين ومُعادين لرُسل الله عزَّ وجلَّ، (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) هُم كفروا باستعلائهم على الحق، وجعلوا شهواتِهِم وأهواءَهُم، ومصالحَهم وأنانياتهم مقدَّمةً على أوامِرِ ووصايا وشرائع الله عزَّ وجلَّ، (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى) ومصيرُ (الْمُتَكَبِّرِينَ) وذلك بسبب الرفض والتَّكبُّر والتَّعالي على أوامِرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، أما المتواضع لعَظمِة الله والخاضع لأوامره فهذا ليس بالمتكبِّر، (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) جماعة أبو النّور زُمَراً، وكذلك جماعة المُعلِّم الفُلاني والصَّالح الفُلاني.. قال تعالى:

احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)
[سورة الصافات]

أي أصحابهم الذين كان يُصاحِبهم، وفي الحديث:

{ المَرْءُ مع مَن أحَبَّ (2) }

[صحيح البخاري]


جزاء المؤمنين يوم القيامة
(حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) طابَتْ لكم الحياة الخالدة والأبديَّة لكم فيها ما تشتهيه الأنفُس وتَلذُّ الأعين (فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) شبابٌ لا يعقِبُه الهَرم، وصِحّةٌ لا يُضعِفُها ويُزيلها المرض والسَّقم، وشبابٌ ليس بعده شيخوخةٌ ولا هرمٌ، في الدنيا إذا أحبَّ الرجل غيره فيقول له: "أطال الله عُمرك" أي أفقدك الله قِواك وسمعك وبَصرك ويداك وأرجُلك وأن تبُولَ على ثيابك! وهذا معنى طول العمر، أي ضَعْفَ القِوى ثم فقدُها، وأما أن يقول له: "حَفِظَ الله عزَّ وجلَّ عليك إيمانك وصحتك وأكسبَكَ رضا الله"، وأما طول العمر مع معصية الله عزَّ وجلَّ فانتهاء الأجل وقصْمُه أفضل، (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) طابَتْ لكم الحياة وطابَتْ لكم الإقامة، وطابَتْ لكم العاقِبَة والنهاية.
(فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) أرضَ الجنة، (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ) وأقلُّ واحدٍ مِنْ أهل الجنَّة يُملِّكه الله عزَّ وجلَّ بمقدار الدنيا عَشْر مرات، وفي عالم الآخرة لو كان الإنسان حيواناً منويّاً في النُّطفة، كم هو عدد الحيوانات المنويَّة الموجودة في الحُويصل المنوي والذي هو خزانٌ للمني والتي يُقدر عددها بالمليارات أليس كذلك دكتور وائل؟ وأنت ألست متخصصاً بالغدد؟ كم هو عدد الحيوانات الموجودة في الحويصل المنوي؟ فيه حيواناتٌ منويَّةٌ أكثر مِنْ عدد سكان الأرض وهو بحجم حبة التمر، وهذه كانت دنيا الإنسان.
والشَّاهد يا بُني لو أنَّ الحيوان المنويَّ أُعطيَ عقلاً وفهمًا وسمعاً وبصراً وقالوا له: غداً سننقُلك إلى عالمٍ أكبر بعشرِ مراتٍ مِنْ دنياك التي تعيشها، والتي هي الحويصل المنوي، لو أعطوه بيتاً هو أكبر من الحويصل المنوي، ولو أعطوه بستاناً هو أكبر مِنَ الحويصل المنوي بكم مرة؟ وكذلك نحن عندما نسمع الأحاديث: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُعطي أقلَّ أهل الجنة بحجم الدنيا بعشر مرات! العقل البشري لا يُمكن أن يُدرك ذلك! ولكن الإنسان يعلَمُه عن طريق الوحي السماوي وعن طريق تعليم الله عزَّ وجلَّ لأنبيائه، (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) أرض الجنة، (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ) حسَبَ ما نَهوى ونشتَهِي فليس هنالك جوازاتٌ ولا حدودٌ ولا تفتيشٌ ولا..
(فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) تحتاج إلى عملٍ وبذل الجُّهد، وأحد إخوانكم وأظنُّه الشيخ أحمد السَّقا ذات مرةٍ أخبرني بأنه رأى القيامة في منامِه ورأى ازدحام الناس فيها ورأى الشمس فوق الرؤوس ومنهم مَنْ قد غَمَرَ العَرَقُ نصفه، ومنهم مَنْ وصل إلى أعلى صدره، ومنهم مَنْ وصل إلى شَحْمتي أذنيه، وهو في حيرةٍ وارتباك إلى أين سيذهب! وإذ به يرى الشيخ وحوله الأحباب وهم يسيرون باتجاهٍ واحدٍ، وعندما رأى الشيخ والأحباب ركض باتجاه الشيخ وهذا أمرٌ طبيعيٌّ وصار يقول: أرجوك يا شيخي، ولكن الشيخ قال له: يا بُني المسألة تحتاج إلى عمل، فقال: يا شيخي وهل الآن وقت العمل؟ وقت العمل قد ذهب ومضى.

عقاب المكذِّبين بيوم الدِّين:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
[سورة الماعون]

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) يُكذِّب بيوم القيامة وبالحِساب وبمجابهة الإنسان لأعماله، فالله عزَّ وجلَّ يقول لنا: أرأيت هذا الإنسان ما أسخَفَه وما أحمَقه وما أجهَله! وقد يكون طبيباً أو أستاذ جامعة، أو حاصلاً على شهاداتٍ عليا، وقد يكون ملِكاً أو رئيساً أو وزيراً.. وإذا كان يُكذِّب بيوم الدِّين! وهل يا تُرى إذا وضعنا كلَّ هذه العلوم التي حصل عليها في كفَّةٍ ووضعنا جَهْله بيوم الدِّين في الكفَّة الأخرى فأيُّهما تَرجُح؟ ولو فَقَدَ الدنيا كلَّها وفقد العلوم كلَّها، وآمن بيوم الدِّين؛ أعتقِدُ أنه رابحٌ أكثر مما لو اكتسب علوم الدنيا كلَّها وخسِر إيمانه وعلِمه بيوم الدِّين، فالله عزَّ وجلَّ يسأل الإنسان سؤالاً تعجُّبيَّاً، أرأيت هذا الإنسان ما أجهَله وما أعظم خسارته وما أشدَّ حُمقه وقلَّة عقله! الله عزَّ وجلَّ أرسل سيدنا جبريل عليه السلام واختار أشرف خلقه سيدنا محمد ﷺ حتى يبلَّغوك رسالة الله عزَّ وجلَّ، وتعالِيمه لتَسْعَد بها في الدنيا قبل الدار الآخرة، قال تعالى:

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
[سورة الزمر]


علّة تحريم الميتة في الإسلام:
لما كان أصحاب رسول الله ﷺ يأكلون الفطائس والمَيتة قبل الإسلام، وكانوا إذا ذبحوا الغنم أو البقر يُبقون الدَّم ويخلِطُونه بشعرها ثم يجفِّفونه ويأكلونه، ولذلك قال تعالى:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ (3)
[سورة المائدة]

وإذا كان الإنسان لا يأكل الجرذان فهل يجوز أن تنهاه عن أكلها؟ ولا يجوز أن تنهاه عن شيءٍ غير واقع، (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) وهذا يعني أنَّهم كانوا يأكلون الميتة، وأتى الإسلام لينهاهم عن ذلك، وذلك لأن الحيوان عندما يموت تكثُر الجراثيم في جسده وتزداد بتعفُّنِه.. ويجابِهُونهم بقول الجاهلية: أنتم لا تأكلون حتى تذبحوا الذبيحة، أفتأكلون ما ذبحتم ولا تأكلون ما ذبَحَ الله -وبرأيهم أن الحيوان حين يموت فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يكون قد ذبَحَه - وهذا هو الفَهم الجاهلي الخاطئ، ورغم ما كانوا عليه مِنْ جوعٍ وفقرٍ وتمزُّقٍ لم يكونوا أمَّةً ولم تكن لهم دولةٌ ولا حضارةٌ ولا ثقافةٌ ولا ثروةٌ وهم بوادِ غير ذي زرعٍ، قال تعالى:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
[سورة الجمعة]

فبهذا الإسلام: إسلام الفَهم والعِلم، وإسلام العَمل والسُّلوك، وإسلام المعلِّم والحكيم المُربي والمُزكِّي، هل مِنَ المُمكن أن تُحصِّل عِلم الطب مِنْ غير كلية الطب؟ أم هل مِنَ المُمكن أن تكون نجَّاراً مِنْ غير أن تذهب إلى النجارين ليعلِّموك؟
مما يُروى: أن جحا أراد أن يحلِق شعره، فمرَّ على صالون حلاقةٍ فخمٍ وسأله ما أجر حلاقة الشعر؟ فقال له: مئةٌ وخمسون ليرة، فترك الصالون ومضى، وفي طريقه رأى حلاقاً يضع كرسيّاً مِنَ الخشب في الطَّريق فسأله؟ ما أجر حلاقة الشعر؟ فقال له: عشرُ ليرات، قال في نفسه: هذا والله أفضل، ثم جلس على كرسيٍّ مِنَ القَشِّ وبدأ الحلاق يحلِق له بالمُوس، وبدأ جحا يشعر بألمٍ في رأسه، ثم أحسَّ بشيءٍ ساخنٍ ينزل على خدِّه! فوضع يده على رأسه وإذ بالدَّم يسيل على رأسه، والحلَّاق كلَّما جَرَحه يضع له قطعةً مِنَ القطن! نظر جحا في المرآة وإذا نصف رأسه مليءٌ بالقطن، فقال للحلاق: يكفي إلى هنا، فسأله الحلاق: ولما لا تدعني أُكمِلُ لك الحلاقة؟ فقال جحا: النصف الأول سأزرعه قطناً والآخر شوندر!

الفهم الحقيقي للقرآن الكريم:
فهذا يا بني مِنْ يُريد أن يأخذ دِينه مِنْ غير مصدره الأصيل الحقيقي، الكثير مِنَ الناس اليوم أصبحوا بلا معلِّمٍ يُعلِّمهم القرآن، فتعلُّم القرآن ليس أن تتلوَ ألفاظه وتُخالف أحكامه، وترفض وصايا الله عزَّ وجل، وتُؤثِرُ وساوس الشيطان، وتجاهِرُ الله عزَّ وجلَّ بالمعاصي وأنت حافظٌ للقرآن! في رمضان تقرؤه خمسَ مرات! وتُعلِّم القرآن ليس تعلُّمَه بالكلمات، مثل أن تحفَظَ كلمات الكمبيالة: "ادفعوا لحامله مئة ألف دولار" ثم قرأتها تجويداً ثم قرأتها مع الموسيقا والأنغام وصِرت تُتقنها بشكلٍ تام، وصِرت تمشي في الأسواق وأنت تقول: ادفعـــوا .. وهذا المدُّ ما اسمه؟ مدٌّ منفصل، إلى حاملِه توفيـق وهذا ما هو؟! والله ما شاء الله حِفْظه للتجويد متقن، وهذا شيءٌ جميلٌ ويا تُرى ماذا يقبض؟ وهل يقبض غير الهواء! وكذلك يا بني إذا قرأت القرآن وحفِظْت التجويد مع القراءات، ولكنَك لم تُطبِّق مِنْ ذلك شيئاً ولم يكن لك مَنْ يُزكِّي نفسك ويُربِّيها ويغرِسُ فيها تقوى الله تعالى بالمُسارعة إلى رِضاه، والوقوف عند حُدوده وعدم تجاوُزِها إلى معاصيه ومُخالفته، فما الفائدة مِنْ قراءتك للقرآن؟ وينطبِقُ عليك القول:
رُبَّ تالٍ للقُرآنِ بِفِيــهِ وَهُوَ يُفْضِي بِهِ إِلى الْخُذْلانِ
{ سلسلة الذهب للجامى }
وفي الحديث النبوي:

{ رُبَّ تالٍ للقُرآنِ والْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ (3) }

[إحياء علوم الدين للغزالي]

يتلو القرآن الكريم وهو ظالِـمٌ لأجيره! أو ظالِـمٌ لجاره، أو ظالِـمٌ لزوجته، أو ظالِـمةٌ لزوجها، وهو يقرأ قول الله عزَّ وجلَّ:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
[سورة هود]

وهذا الذي استفاد منه عند تلاوته للقرآن أن يقرأ لعنَتَهُ لنفسه! فما أجهل هذا الإنسان وما أحمَقَهُ وما أشقاه وما أتعَسَهُ ومَنْ هو؟ (الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) بيوم الحِساب ويوم المُحاكمة الإلهيَّة، فيا تُرى إذا نظرنا إلى أعمال الناس، وإلى فرائض الله عزَّ وجلَّ فهل نجدُ أنَّهم يُؤدُّونها حقَّ أدائها؟ أو أنَّهم كما قال تعالى:

أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
[سورة البقرة]

هو يُصلِّي ولكنَّه لا يؤدِّي الزكاة! أو يصلِّي وليس له معلِّمٌ ولا مُربٍّ، والعِلم في القرآن الكريم أن تتعلَّم تلاوة القرآن، وأن تتعلَّم الحكمة في كلِّ أمورك الحياتيَّة صغيرها وكبيرها، أن تكون في أعمالك حكيماً.
والحكمة: هي فِعْل ما ينبغي: أن تعمل الشيء النافع والمُفيد، في الوقت الذي ينبغي، على الشكل الذي ينبغي، وهي الصّواب في القول والعمل، إذا تكلَّمتَ فلا تتكلَّم خطأً، وإذا عمِلت فلا تعمل إلَّا صواباً، ولا تعمل إلا بفكرٍ ودراسةٍ لِتعلَمَ النافع فتأتيه، وتعلَمَ الضَّار فتتجنَّبه، فالإسلام أن تتعلَّم الحكمة، وأن تتعلَّم القرآن.

الحساب وعودة الحياة بعد الموت:
قال الله عزَّ وجلَّ في سورة يس: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى) فهل يتذكَّر القارئ بأنَّ الله عزَّ وجلَّ سيُعيِد إليه الحياة بعد موته ويُحاسبه عن كلِّ أعماله، (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) ما قدَّمتَ في حياتك لآخرتكَ مِنْ أعمالٍ صالحةٍ ومِنْ أعمالٍ ترفع درجاتك وتُحققُ سعادتك عند الله، (وَآثَارَهُمْ) وهو ما تركته بعد موتك مِنْ أثر صالحٍ أو أثرٍ سيء، (وَكُلَّ شَيْءٍ) مِنْ أعمالك (أَحْصَيْنَاهُ) سجّلناه فِي (إِمَامٍ مُبِينٍ) في كتابٍ لا يُغادر ولا يترك ولا يُهمل صغيرةً مِنْ أعمالك أو كبيرةً إلا أحْصَاها، قال تعالى:

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
[سورة الكهف]

(وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً) أمام الله عزَّ وجلَّ يا بُني، وإذا كنت قد فعلت عملاً مُشيناً واستدعوك للمحكمة، والنَّاس تعلم بذلك العمل ولكن عندما تشعر بأن الناس تراك وهم يعلَمُون بفِعلك فكم يكون لك مِنَ الخزي! وإذا كنت قد فعلت عملاً جنائيّاً وأنت تعلم أنك ستُحاكم، وكم ستكون مُنزعجاً عندما تعلم أنَّ الشرطة والأمن قد علِموا بذلك وأنك ستُساق إلى المحكمة، وكيف لو كانت المحكمة مع ربِّ العالمين؟! وقد أرسل إليك أشرف الأنبياء والمُرسلين وأعظَمَ كتابٍ سماويٍّ أنزله الله عزَّ وجلَّ على أنبيائه ولكنك أعرَضت عنه ولم تُبالِ به، فالله عزَّ وجلَّ يقول: أرأيت هذا الإنسان الشَّقي والتَّعيس، ولو صار أغنى الأغنياء وبعدها سيترك المال ويرحل، ولو صار أعظَمَ مُلوك الدنيا وبعدها سيترك هذا المُلك، الشباب عاريةٌ والصِّحة عاريةٌ، والمال عاريَّةٌ وكما قال الشاعر:
ومَا المالُ والأهْلُونَ إلاَّ وديعة ولابد يَوْماً أنْ تُرَدَّ الوَدائِــعُ
{ لُبيد بن ربيعة }

ضرورة الهجرة إلى الله ورسوله:
قال تعالى:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
[سورة الصف]

وفي آيةٍ أخرى قال تعالى:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
[سورة الجمعة]

الصحابة هاجروا إلى رسول الله ﷺ ليتعلّموا الكتابة والحكمة وتتزكَّى نفوسهم وتتطهَّر مِنْ كلِّ رذائل الأخلاق، ومِنْ كلِّ رذائل الأعمال، ومِنْ كلِّ ما يُحقق الشَّقاء، وليتعلَّموا ما يُسعدهم في دنياهم وفي أموالهم وفي أجسادهم وفي أعمالهم، فهل فتَّشت عن المُعلِّم؟ وهل إذا وجدته هاجرت إليه؟ وكان المسلمون في مكة إذا أراد أحدهم الهجرة فإنَّ الكُفار يمنعونه ويُقاتلونه، ويسجِنُونه ويُشبِّحونه بأن يربِطُوه مِنْ رجليه ويُعلِّقُوه بالسَّقف ورأسه للأسفل، ثمَّ يُلقوا الرَّوث عليه ـ وهو نجَس الحيوانات ـ جزاءً لأنه أراد الهجرة إلى العِلم والحكمة والتزكية.
صار النَّاس يفهمون الهجرة بأنها إلى المدينة، وفي المدينة إذا لم تجد المُعلِّمَ الذي يُعلِّمك الكتاب والحكمة ويُزكيك! ولو أن النبي ﷺ هاجر إلى باريس في ذلك الوقت لكانت الهجرة إلى باريس، فهل كانت الهجرة إلى المدينة أم إلى الله ورسوله ﷺ؟ هل الله عزَّ وجلَّ في المدينة؟ لا، الله عزَّ وجلَّ معك أينما كنت، ولكن إذا هاجرت إلى رسول الله ﷺ أو إلى وارثٍ محمديٍّ حقيقيٍّ ستجِدُ الله معه وستتقِيْه حقَّ تَقواه، وستقِفُ عند حدوده، وستتعلَّم الكتاب والحكمة وتتزكَّى بمقدارِ ما تجذِبُ زجاجتك الكهربائية مِنَ الطاقة الإلهية، والزجاجة التي نِمرَتُها خمسون إذا رأت زُجاجةً نمرَتُها خمسة آلافٍ فتعترِضُ عليها ولكن الأخرى تُجيبها قائلةً لها: أنتِ هكذا استعدادك وإن زدتِ فستزيد الطاقة، وهي معروضةٌ للكلِّ وبحسَبِ قابليَّته واستعداده.

فضل سورة الزلزلة:
النبي ﷺ يقول:

{ إذا زُلْزِلَتِ الأرضُ تَعدِلُ نصفَ القُرآنِ (4) }

[سنن الترمذي]

لأنها ككلٍّ تدور حول يوم القيامة وحول الحِساب والإدانة، ونصف القرآن يدور حول هذا الموضوع، وإذا كان الله عزَّ وجلَّ يقرأ عليك نصف القرآن والنبي ﷺ يُبلِّغه لك وأنت مُعرِضٌ عنه بعقلك، ولا تفهَمُه بفكرِك، وبإرادتك لا تُطبِّقَه، وبأوامره تُهمِلُها ولا تنفِّذُها، وبمحارمه ترتكِبُها وتُقدِم عليها، وبهذا هل أنت تُكذِّب بيوم الدِّين أم تُصدِّق به؟ ومَنْ يأكل الحرام ومَنْ يعتدي ومَنْ يظلِم ومَنْ يجورُ هل هو مصدِّقٌ بيوم الدِّين أم مكذِّبٌ به؟

الراحمون يرحمهم الله:
ذات مرةٍ نام سيدنا موسى عليه السلام في مكانٍ مِنَ الأرض وبجانبه قرية نملٍ فأتت نملةٌ وقرَصَته، فاستيقظ وأحرَقَ قرية النَّمْلِ! والنَّمل لا يملِكُ مِنَ القوَّةِ للدِّفاع والشَّكوى ولكن هناك مُدَّعٍ عامٌ يقيم الدَّعوة، فأوحى الله تعالى إلى موسى كَليْم الله عزَّ وجلَّ ورسوله قائلاً له: يا موسى قرصَتْك نملةٌ واحدةٌ فهلَّا واحدة، وأما أن تُحرق بقية النمل فما ذنبهم؟! وإذا أراد الله عزَّ وجلَّ أن يُحاسب على حقِّ النَّملة، وقد ورد في الحديث:

{ إنّ عبداً في جهنم لينادي ألف سنة يا حنان يا منان قال فيقول الله عز وجل لجبريل عليه السلام اذهب فائتني بعبدي هذا فينطلق جبريل فيجد أهل النار مكبين يبكون فيرجع إلى ربه فيخبره فيقول ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا فيجئ به فيوقفه على ربه عز وجل فيقول له يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك فيقول أي رب شر مكان وشر مقيل فيقول ردوا عبدي فيقول يا رب ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها فيقول دعوا عبدي }

[مسند الإمام أحمد]

بأن رجلا يُنادي في جهنم يا حنَّان يا منَّان -خلِّصني مِنْ نار جهنم- ووالله أعلم بعد سنةٍ أو سنتين أو عشر سنين يأمر الله عزَّ وجلَّ الملائكة أحضِرُوه فيقول يا ربِّ ارحمني فيقول له الله عزَّ وجلَّ: (هلا رحمت نملةً حتى أرحَمَك)(5) وفي حديث آخر:

{ الرَّاحمونَ يرحمُهمُ الرَّحمنُ (6) }

[سنن الترمذي]


صِفات المكذِّبين بيوم الدِّين:
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) هل الغشَّاش هو مصدِّقٌ بيوم الدِين؟ وعاقُّ الوالدين هو مكذِّبٌ بيوم الدِين، أو المرأة التي لا تتَّقي الله عزَّ وجلَّ في زوجها هل هي مُصدِّقةٌ بيوم الدِين؟ أو الزوج الذي لا يتَّقي الله في زوجته، الجيران والإخوة والشُّركاء مع بعضهم والحاكم والقاضي والقوي مع الضعيف والغني مع الفقراء؟ فيوم الدِّين كلُّه ستحاسَبُ عليه قال تعالى:

مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
[سورة النمل]

وقوله تعالى:

مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖوَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
[سورة الأنعام]

وهذا اليوم والذي فيه مكافأة المُحسن ومُعاقبة المُسيء ما اسمه؟ يوم الدِّين، ويوم القيامة والواقِعة والحاقَّة والقارِعَة، والله عزَّ وجلَّ قد شكّل لك الثقافة بهذا اليوم حتى إذا لم تفهَمْهَا بهذا اللَّفظ فستفهَمُها باللَّفظ الآخر، أما إذا أعرضتَ عن الكلِّ أعرَضَ الله عزَّ وجلَّ عنك يوم القيامة وعاقَبَك بما تستحِقُّ قال تعالى:

وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
[سورة النمل]

ولو كنت قارئاً للقرآن على القراءات السَّبعة أو العشرة أو الأربعة عشر، وفي الحديث: (رُبَّ تالٍ للقرآنِ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ)(7) وما رأيكم هل تكونون ممَّن تشملهم هذه الآية (يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) بيوم الدِّين؟ وإذا كذَّبت فهل تكون مُصدِّقاً بيوم الدِّين؟ أو إذا أخلفت وعدك؟ أو منعت زكاة مالِكَ؟ أو ظَلَمت؟ أو أنك لم تَرْحم الخلق؟ وهل يمكن أن تكون حلَّاقاً مِنْ غير معلِّمٍ؟ والحلَّاق مِنْ غير معلِّمٍ ماذا زَرَعَ في رأس جحا؟ القطن، وهل القطن يُزرع في الرأس أم في الأرض الزراعية.

لا خيار لدى الإنسان بعد الموت:
الآن لنا الـخَـيَار ولكن عند الموت أو بعد الموت كما قال تعالى:

لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)
[سورة المؤمنون]

(لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) فقد تركتَ المال والجاه والإمكانات والشباب والقوَّة والمُلك والحُكم والسلطان.. يا ربِّ أرجعني حتى أعدِلَ بين النَّاس وأردَّ الحقوق إلى أصحابها، فيأتيه الخطاب (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) وبالنسبة للنِّـيَّة الذي يتمنَّى أن يكون ملِكاً ماذا يحقِّقُ مِنْ هذه النية؟ النُّطق بها، أما حقيقتها (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ) وعندما تخرج روحك مِنْ جسَدِكَ فلن تعود (إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

تعامل المُكذّب بالدِّين مع الإنسان الضعيف:
والإيمان هو أن تُؤمن بالله وملائكته وكتُبه، هل يا تُرى آمنت بسورة الدِّين؟ (أرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ)، وما علامتُه؟ أن يُخالف أوامِرَ الله عزَّ وجلَّ فلا يُؤدي فرائِضَه، ولا يتجنَّبَ محارِمَهُ، مِثْلُ ماذا؟ (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) فهو لا يرحمُه ولا يُشفِقُ عليه، ولا يُكرِّمه ولا يُساعده، يَمْتَهِنُهُ ويُحقِّره ويُؤذيه، يدفَعُه بلا شفقةٍ ولا رحمةٍ سواءً بيدِه أو بإعراضِه عنه.
(وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) وأنت لست مسؤولاً أن تُساعد المسكين بمالِكَ فقط، حتى عندما تفقِدُ مالَك أو تتصدَّق به فيجب أن تُرغِّب النَّاسَ في مساعدة الإنسان الضَّعيف، فهل تسأل نفسك عندما تقرأ هذه السورة: هل أنت ممَن يُحرِّضُ ويدعو ويُرغِّب النَّاس بمساعدة الفُقراء في أعمال الخير؟ لأن علامة المُكذِّب: عندما تعلم بوجود ألماسةٍ في هذه العُلبة وقد قدَّمها إليك شخصٌ ما، فهل ترفضُها؟ وإذا كانت هنالك أفعى سامةٌ وعلِمت بأنَّ لدغتها قاتلةٌ فهل تُقدِم على لمسِها والاقتراب منها؟ فإذا اقتربت مِنَ الأفعى ورميت الألماسة في النَّهر فهل تكون مصدِّقاً لحقائق هذين الشيئين أم تكون جاحِداً وكافراً ومُكذباً بهما؟ وإذا أردت أن تعرِفَ نفسك بأنك مُؤمنٌ فانظر إلى أعمالك وإلى سلوكك، يا تُرى هل هاجرت إلى مَنْ يُعلِّمك الكتاب والحكمة والتزكية؟ وكما قالوا: "من لا شيخ له (مُعلِّم) فشيخه الشيطان" والمشايخ كثيرون ولكنَّ منهم مَنْ يُعلِّمكَ الهُدى، ومنهم مَنْ يُعلِّمك الضلالة، وإذا لم يكن لك مُعلِّمُ الهدى فلا بد أن تكون في مدرسة مُعلِّم الضَّلالة،

عقوبة المُعرِض عن الله عز وجل:
قال تعالى:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126)
[سورة طه]

(فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) تعيسٌ ولو كان غنياً ولو كان ملِكاً، ولو كان عظيماً، تعيسٌ نفسياً وشعورياً، (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) يعني أهمَلتها ولم تعمَل بها ولم تمتَثِل أوامِرَها ولم تجتنِبْ محارِمَها (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) وأنت كذلك ستُهمَل في جهنم وتصرُخ ويحترِقُ جلدك مرةً ومرتين وثالثةً ورابعةً.. (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) ومن ينسى أوامِرَ الله عزَّ وجلَّ سيُعامل معاملة المنسيِّ في نار جهنم.
هذا يوم الدِّين فهل أنت مؤمِنٌ به؟ وأعمالُك هي التي تدلُّ على إيمانك وكذلك سلوكك في حال رِضاك أو غضبِكَ وفي حال مطامِعك ومصالحك وفي حال خوفِكَ ومحبَّتك.
أتى أعرابيٌّ إلى سيدنا عمر رضي الله عنه فأنشده قائلاً: (يا عُمَرَ الخيرِ جُزيْتَ الْجَنَّه) الله عزَّ وجلَّ يُعطيك الجنة، (اُكْسُ بُنَيَّاتي وأمَهُنَّ) بناتي وأمُّهم بحاجةٍ إلى لِباسٍ فأطلب منك لِباساً لَهنَّ (أُقْسِمُ بِاللهِ لَتَفْعَلَنَّ) وأحلِفُ عليك بالله أن لا ترُدَّني خائباً، فقال عمر: فإن لم أفعل فماذا يكون؟ ماذا ستفعل؟ فقال الأعرابي: (والله عن حالي لتُسْأَلَنَّ) يوم الدِّين، (يَوْمَ تَكُونُ الْأُعْطِيَات مِنَّه) العطاء والثواب مِنَ الله عزَّ وجلَّ (والواقفُ المسؤولُ بينهُنَّ إمَّا إلى نارٍ وإمَّا إلى جَنَّه) فهذا البدويُّ في زمانهم، وفي زماننا هنالك مَنْ يأخذ أعلى الشهادات ولا يملِكُ ثقافة هذا البدوي بيوم الدِّين، كل ثقافته وشهاداته عندما يموت لا قيمة لها وكذلك هو لا قيمة له ويدفنونه في التراب كي لا يُؤذي الآخرين، (والواقف المسؤول بينهنَّ) بين الذين ظلَمَهُم وتعدَّى عليهنَّ ولم يُعطهنَّ حقوقهنَّ، وبناتي يومها سيُقيمون عليك دعوى، وأنت بينهنَّ وستُسأل عنهنَّ وسيكون مصيرك إمَّا إلى نارٍ وإمَّا إلى جنة، فبكى عمرٌ حتى أخضَلَت لحيته بدموعه، وهذا هو الإيمان بيوم الدِّين، وقال لغلامه: أعطِهِ قميصي هذا لذلك اليوم، لا لِشِعْرِهِ! ووالله لا أملِكُ غيره، هكذا كان الإمبراطور على إيران والجزيرة العربية ومصر وتونس.. فرضِيَ الله عنهم ورضُوا عنه.

الجزاءُ من جنسِ العمل:
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) وما علامته؟ أنه يستهتِر بأوامِرِ الله عزَّ وجلَّ ولا يُبالي بمخالفة شرع الله عزَّ وجلَّ كمَثَلِ (الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ويُقال بأن بعض الأولياء ركِبَ حماراً ـ والظاهر أن الحمار كان هرِماً وكأنَّه في آخر حياته ـ فصار هذا الولي يضرِبُ الحمار على رأسه، فأنطق الله عزَّ وجلَّ الحِمار وليس بلغة البشر، ولكن بعض الأولياء وفي بعض الأوقات الله عزَّ وجلَّ يُسمِّعهم مِنَ الجماد ومِنَ النبات ومِنَ الحيوان، فقال له الحمار: اضرب على رأسي ما شِئت أن تضرب فلأضربنَّك يوم الدِّين كما ضربتَني، وفي الحديث:

{ دَخَلَتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حَبَسَتْها ، فلا هي أَطْعَمَتْها ، ولا هي تَرَكَتْها تأكلُ من خَشَاشِ الأرضِ (8) }

[أخرجه البخاري]

(من خَشَاشِ الأرضِ)من الحشرات والفئران وما شابه ذلك.. وفي حديثٍ آخر قول النبي ﷺ:

{ بيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ، كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لها بهِ (9) }

[أخرجه البخاري]

(بَغِيٌّ مِن بَغايا) أي زانية، رأت في الصحراء كلباً (كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ) فقالت هذا الكلب مسكينٌ أصابه الذي أصابني، فنزلت إلى البئر ولا يوجد دلوٌ فشرِبَت وفكَّرت بالكلب فملأت فَمَها وخُفَّها ماءً فسقت الكلب فشكر الله فِعْلَها وغَفَرَ لها.
قال الصَّحابة: وهلْ لنا في البهائم أجرٌ فقال ﷺ:

{ في كلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أجْرٌ (10) }

[أخرجه البخاري]

كلُّ شيءٍ فيه روحٌ وحياةٌ إن أحسنت إليه لله ستُكافأ عليه، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزُقنا الإيمان بيوم الدِّين، فهل أنتم مؤمنون بالقرآن؟ اتركوا القرآن جانباً، هذه السورة هل أنتم مؤمنون بها؟ وهذا الكلام بيننا وأنتم تَكلَّموا بما شِئتم فماذا سأفعل لكم وهل أعاقبكم؟ لكن غداً بين يدي الله عزَّ وجلَّ ولا مفرَّ مِنْ ذلك اليوم، وأعمالك كلُّها مُسجلةٌ عليك صوتاً وصورةً، إذا غمَزْت أو لمَزْت، وإذا قرَصْت، وإذا أخفيت مكان العيب حتى لا يعلَمَه البائع، وإذا ظلمتَ زوجتك التي ليس لها مَنْ يُدافع عنها، أو أن ربَّة البيت تظلِمُ الخادمة لأنَّها لا ناصِرَ لها إلا الله تعالى، وكلُّه مُسجلٌ عليك صوتاً وصورةً ومكاناً في كتابٍ لا يترك ولا يُهمل صغيرةً ولا كبيرةً إلا ويُسجِّلها، قال تعالى:

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
[سورة الكهف]

وقال تعالى:

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
[سورة المجادلة]

أنت إذا نسيت ذنوبك فالله عزَّ وجلَّ لا ينساها، إلا إذا تُبْتَ توبةً نصوحاً عن ذنوبك وخطاياك، وماهي التوبة النصوح؟ ألَّا تعود إلى ذنوبك كما لا يعود الحليب إلى الضَّرع -الثدي- إذا خرَجَ منه، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يتوب علينا، وإذاً فيجب أن يكون في فِكرِنا أن نتوبَ وليس فقط أن نَدعو دعاء التمنِّي، وإنما مع الدعاء يجب أن يكون هناك عزمٌ وإرادةٌ صادقةٌ في سلوك طريق التوبة الصحيحة، ويجب أن تترك صُحبة الفُسَّاق إلى صُحبة الأبرار، وأن تترك مجالِسَ الجَّهل إلى مجالِسِ العِلم، ومجالسَ الغَفْلة إلى مجالِسِ الذِّكر، ونسأل الله أن يجعلنا مِنَ الموفَّقين وألَّا يجعلنا مِنَ المخذُولين.

ضرورة تدبُّر القرآن الكريم:
(أَرَأَيْتَ) وهذا شيءٌ مُدهشٌ يجب ألَّا يكون (الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) بيوم الدِّين، وهو يُكذِّب مَنْ؟ يُكذِّب الله عزَّ وجلَّ! والله عزَّ وجلَّ يُخبِرك بأن يوم الدِّين موجودٌ، قال تعالى في سورة الفاتحة:

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
[سورة الفاتحة]

أنت حين تقرأ الفاتحة هل تفهَمُ ما تقول؟ كأن تقول: قثَّاء وأنت تفَهم معنى أنها قثَّاء، فهل أنت تفهَمُ وتُدرك ما تقول؟ وهل الفاتحة للأموات أم للأحياء؟ للأحياء، وهل هي للأحياء ليقرؤوها بفهمٍ أم ليقرؤوها بلا عِلمٍ ولا عَمَل؟ وكذلك سورة يس حين تقرأها عن روح الأموات وفيها قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) ستَحيَا بعد موتك (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) مِنْ أعمالٍ (وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ) نُحصي عليك (فِي إِمَامٍ) كتابٍ (مُبِينٍ)، هل آمنت بهذه الآية؟ لا نقول لك سورة يس، ولا نقول لك القرآن ككلٍّ، هل أنت مؤمنٌ بهذه الآية؟ أيُّ عملٍ صغيرٍ أم كبيرٍ وقليلٍ أم كثيرٍ قال تعالى: (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا).
(يَدُعُّ الْيَتِيمَ)فهذا فِعلٌ مُحرّمٌ وأما (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) هذا ترْكُ واجبٍ، فهو يفعل الحرام ويترك الواجبات، ولا يُبالي بذلك ولا يفهمُ ما يفعل وهو يقول عن نفسه مُسلم! والإسلام هو الاستجابة لأوامر الله عزَّ وجلَّ قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
[سورة الأنفال]

وإذا أدرْتَ ظهرك لله عزَّ وجلَّ ولكلامِهِ ولكتابه ولسورة الدِّين فهل أنت مُسلِم؟ أنت مُعرِضٌ، وإذا أتاك الموت فهل تستطيع أن تعود أم أنه لا رجعة وانتهى الأجل، والميت يتمنى أن يرجِعَ إلى الدُّنيا ويصلِّي ركعتين مقبولتين، ولو كان يملِكُ الدنيا ويخرج عن مُلكِه كلِّه ليكسِبَ ركعتين مقبولتين، والآن الفُرصة معنا لا تغتَرَّ بالصحة، ولا بالشباب ولا بالمُلك، ولا بالوزارة ولا بالحُكم ولا بالسُّلطان، ولا بالقوَّة، بلحظةٍ واحدةٍ يُجرِّدك الله عزَّ وجلَّ من كلِّ شيءٍ؛ فزوجتك يتزوَّجُها غيرك ومنزِلُك يسكنُه غيرك وسيارتك..
(وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) فهذه السورة لتوقِظَك فتجتنَّب الحرام مثل: دفع اليتيم وإهانته وتحقِيره وإيذائِه، ولتُسارِع إلى مرضاة الله وامتِثال أوامِره وطاعته، والحضِّ والترغيب على عمل الخير كإطعام المسكين.

الويل في القرآن الكريم:
(فَوَيْلٌ) هذا مِثْلُ الدعاء؛ لا أسعَدَهُ الله ولا وفَّقه، مَنْ الذي يقول (وَيْلٌ)؟ الله عزَّ وجلَّ هو الذي يقول لك (وَيْلٌ) وإذا قال الله عزَّ وجلَّ: الويل لك! فهل يا تُرى ستكون من السُّعداء؟ (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) وكذلك المُصلِّي الله عزَّ وجلَّ يقول له: الويلُ لك، كما قال تعالى:

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (47)
[سورة المرسلات]

مِنْ أصحاب النار، وقوله تعالى:

وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1)
[سورة المطففين]

وقوله تعالى:

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)
[سورة الهمزة]

وإذا كنت مِنَ المُصلِّين فلا تغتَرَّ وفي الحديث:

{ مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرْ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلَّا بُعْدًا (11) }

[المعجم الكبير للطبراني]

إذا كان تاركاً للصَّلاة ويقول لك: دعنا مِنَ الصلاة، فالشيء ليس بالصلاة، لا ! وإنَّما بترك الصلاة، وبمعصية أوامر الله عزَّ وجلَّ، وبالإعراض عن كتاب الله! غرورٌ وجهلٌ لأنّه لا معلِّم ولا مزكٍّ ولا حكيم، وكما قيل: "إذا كان أبوه البصل وأمه الثُّومة فمن أين ستأتيه الرائحة المنظومة" (قولٌ شعبي)، إذا كان في ليله ونهاره مع الجاهلين والفاسِقين والمغرُورين ومع أموات القلوب ومع الغافلين، لا يعرف العُلماء ولا الحُكماء ولا ورثةَ رسول الله.. فمن أين سيُقرأ القرآن في أعماله؟ ترى المؤمن الحقيقي إذا رأى مسكيناً يتواضع له ويُكرمه ويُساعده، والنبي ﷺ يقول:

{ أنا وكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كهاتينِ (12) }

[صحيح مسلم]

كيف أن السَّبابة مع الوسطى لا يُفارقان بعضهما البعض وكذلك الذي يُكرِم اليتيم يكون رفيقَ النَّبي في الجنة كما أن السَّبابة والوسطى بجانب بعضهما البعض.

تعريف اليتيم:
واليتيم على قسمين يا بُني: اليتيم هو الذي لا أبَ له ولم يبلُغ مَبلَغَ الرجال، أمَّا إذا أبْلَغَ فـ:

{ لا يُتْمَ بعدَ احتلامٍ (13) }

[سنن أبي داود]

وهناك يتيمٌ أبْلَغَ ولكنَّ حالته أصعب وهو مَنْ فَقَدَ الْمُرَبِّي والمعلِّم والمزكِّي، واليتيم إذا أبلَغَ يصبح رجلاً، أما هذا إذا بقيَ فاقِداً الذي يعلِّمه الكتاب والحكمة ويُزكِّيه فهل هذا يبلُغُ مَبْلَغَ الرِّجال؟ أم أنَّه لا يبلُغُ إلا نار جهنم وعندها يعرف الحقيقة، ولكن هل يُفيده عِلمه وإيمانُه بيوم الدِّين في ذلك الوقت؟!
(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) كذلك ويلٌ لقارئي القرآن وكما قالوا:
رُبَّ تالٍ للقُرآنِ بِفِيــهِ وَهُوَ يُفْضِي بِهِ إِلى الْخُذْلانِ
{ سلسلة الذهب للجامى }
والله تعالى يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)
[سورة الحجرات]

إذا أتت باءٌ ساكنةٌ ووراءها باءٌ متحركة فما الحكم؟ إدغامٌ متماثل فهذه تحفظها، وسورة الصمد كذلك تحفظها، ولكن يا تُرى هل هضَمَهَا في عقله ونفسه وإرادته ليُحوِّلها من كلمات تُلفظ إلى أعمالٍ تُشاهَد مع الإخلاص والصِّدق مع الله، القرآن يُقرأ لهذا، فيصلِّي! ولكن لا ينتهي عن الفحشاء والمنكر، وأنت صلَّيت نعم، ولكن هل صليت الصلاة التي قال الله عزَّ وجلَّ عنها:

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
[سورة العنكبوت]

لا! وهو يصلِّي مِنْ عشرين سنةٍ ولم تنههُ صلاته عن الفحشاء والمنكر! وهو كالذي يُصلِّي بلا وضوء، كأن يقرأ في الركعة الأولى سورة البقرة وفي الثانية آل عمران، وهو يصلِّي بلا وضوء أو بلا غُسل جنابة! فهل صلاته تنفعُه؟ وكذلك إذا صلَّى ولم ينتهِ عن الفحشاء والمنكر، فتحتاج يا بُني إلى هجرة إلى من يُعلِّمك الكتاب الحكمة ويُزكِّيك، والنبي ﷺ يقول:

{ العلماء ُوَرَثةُ الأنبياء (14) }

[سنن أبي داود]

وهم العلماء بالله وبشريعة الله وبكتاب الله وبالعِلم الذي قال عنه الإمام الشافعي رضي الله عنه:
شَكَوتُ إلى وكيع ٍسُوْءَ حِفْظِـــي فَأَرْشَدَني إِلى تَرْكِ الْمَعَاصِــــي وَأَخْـبرنـــي بـــأن الـعلْمَ نــورٌ وَنُوْرُ اللهِ لا يُهدى لِعـاصِـــي
{ الإمام الشافعي رضي الله عنه }
(وكيع) اسم شيخ الإمام الشَّافعي.

المعونة على قدر المؤونة:
البطارية الفارغة لم تفقد مِنْ هيكلها شيئاً ولكنها فقدت روحها وفقدت النور، (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) هو ساهٍ عن أوامر الصلاة وعن معاني الصلاة، ما هو معنى الركوع؟ عندما تقول في الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) يا ربِّ اهدني إلى الصراط المستقيم، في أول سورة البقرة والتي هي بعد الفاتحة، إذا كُنت تريد الهداية فالله تعالى يقول:

ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)
[سورة البقرة]

(ذَٰلِكَ الْكِتَابُ) هذا كتاب الله عزَّ وجلَّ هو الهداية، (لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) نحن هل شاهَدْنا الجنَّة؟ لا، ولكننا آمنّا بها وهي مُغَيَّبةٌ عنَّا، هل رأيت القيامة؟ لا، ولكنَّك آمنت بها غيباً، فأنت من (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، هل رأيت الملائكة الذين يُسجِّلون أعمالك؟ لا، ولكنك آمنت بهم إيماناً وهو غائبون عن نظرك، (وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) وليس مَنْ يُصلُّون، وإنما هم الذين يُصلّون الصلاة القَويْمَة والمُستقيمة والتي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

الامتثال لأوامر الله تعالى بالجسم وبالعمل :
(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) ساهون عن فهم معانيها، لما تقرأ الفاتحة وتطلب من الله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ثم تقرأ سورة الماعون (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) فها هو قد دلَّك وهداك وعلَّمك وفهَّمك، فإذا تقبَّلت ذلك فتكون قد اهتديت وإذا سمعت كلام الله عزَّ وجلَّ وتلوتَه بلسانك وأعرضت عنه فهماً وعِلماً وعملاً فبعد أن تقرأ سورة الماعون.. تركَعُ فما هو معنى الركوع؟ يا ربّ خضعت لأوامرك وسأستجيب لكل أحكامك، وسأعمل برسالتك التي أرسلتها إلى نبيِّك، وإذا أعطيت إشارة الخضوع والامتثال بالجسم وخالفت بالعمل فأنت تُكذِّبُ على الله عزَّ وجلَّ، وأنت يمكن أن تكذِبَ على بشرٍ مثلك سواءً على زوجِك أو على زبونك وأما أن تكذِبَ على الله فلا يمكن! ويا بُني دعنا نصحو قبل أن نصحوَ بالموت الذي هو موت الجسد وتحرُّر الروح إلى عالم الغيب.
(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ) عن فهم معانيها، عن فهم تلاوتها، عندما تُكبِّر في الصلاة وتقول: الله أكبر فهل تعرف أنَّ الله أكبر في نفسِك من المال، من الحُكم ومن الهواء ومن المصلحة؟ أم الله أصغر من مصلحتك أو قد لا يكون لله وجودٌ في قلبك مُطلقاً! ولا يأتي على بالك لا في أعمالك ولا في طعامك، ولا في بيعك ولا في شِرائك ولا في غضبك، (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) كل همِّهم أن يراهم الناس وهم يغِشُّون الناس لكي يمدحوهم! وأما أن يكون همُّه أن يراه الله عزَّ وجلَّ وأن يكون محبوباً ومقبولاً عنده فهذه لا وجود لها لا في الميزان ولا في فكره ولا في عقله، وإنَّما همُّه أن يمدحه الناس وأن يقولوا عنه: ما شاء الله وهمُّه أن يكسب الناس ويخسر الله، فهل يا تُرى يكون رابحاً في هذه الصفقة أم خاسراً.

فهم الحج بمعناه الحقيقي :
قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) وكذلك ويل للصائمين الذين ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش، كذلك ويل للحُجاج الذي ليس لهم مِنَ الحج إلا الرَّفث والفُسوق والجِدال قال تعالى:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)
[سورة البقرة]

والحج كلُّه ذِكرُ الله قال تعالى:

لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
[سورة الحج]

وقال تعالى:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
[سورة البقرة]

فالحج هو توبةٌ وتجرُّدٌ مِنْ كلِّ الآثام وعهدٌ مع الله ليرجع مستقيماً على صراط الله وليصحَبَ الصالحين ويترك صُحبة المغضوب عليهم، وهل الحاج فاهمٌ لذلك أم يرجع وتقول الناس له: الحمد لله على السلامة وتهانينا، وهو يتحدَّث للنَّاس عمَّا جرى معه في الحجِّ!
ومنها البائع يقول له: يا أخي اطلب ما تريد من البطيخ والفواكه، وفي كانون الثاني لا يوجد بطيخ ولكن هناك في أسواق مكة كلُّ بطيخةٍ بنكهةٍ ووالله البضاعة رخيصة، وركبنا في الطائرة ونزلنا من الطائرة! ... وأمَّا ما هو أثر الحج وما هو تقواه وماهي توبته وإنابته وماهي استقامته؟ ولا يجوز أن تحِجَّ إن لم يكن معك راعٍ ومعلِمٌ، هل يجوز ان تُرسل الغنم إلى المرعى بدون راعٍ؟ ستأكلها الكلاب وليس الذئاب، فذئبك الشيطان وهناك شيطانٌ ومعه شياطين كثيرة، أحدهم بصورة صديقك وآخرٌ بصورة عمك وآخرٌ بصورة خالك وآخرٌ بصورة زوجتك..
(فويل للمصلين) وكذلك ويلٌ للصائمين، وويلٌ للحجاج، وويلٌ لقُراء القرآن، يُنغِّم ولكنه هل يفهَمُ شيئًا؟ الله عزَّ وجلَّ يُصدر أوامراً ولكنَّ هل في نية القارئ أن يفهمها ويُطبقها؟ فلا القارئ ولا المُستمع والله أعلم، ولكن بشكلٍ عمليٍّ لما تسمع القرآن في الصلاة أو لما تقرأ في المصحف أو مِنْ قارئٍ هل تقصِدُ أن تفهم الكلام حتى تطبقه أم أنك تُعجب بصوته؟ وتقول: ما شاء الله صوته جميلٌ ما شاء الله ما شاء الله، وكذلك المطرِبُ صوته جميل! ويمكن إذا فتحت الراديو واستمعت إلى صوته أن تترك قراءة القرآن وتنتقل إلى سماع قرآن الشياطين.

الرياء من صفات المكذبين:
(الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) همُّه في الحياة أن يُري الناس محاسِنَه صدقاً أم كذباً حتى يصيرَ محموداً وممدوحاً ومقبولاً عندهم، أما أن يراه الله عزَّ وجلَّ تقيَّاً وصالحاً ومخلِصاً فهو من الغافلين والجاحدين والفاسدين، (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) حتى يراه الناس تقيَّاً وهو غير تقيٍّ، وصالحاً وهو غير صالح.

المصدِّق بيوم الدين هو إنسانٌ الخير:
(وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يمنع معونته عن الناس وقد يستطيع أن يُعينهم بطنجرةٍ وقلمٍ و.. أو بمساعدته وشفاعته أو بمعونته على ظالمٍ لتخليصه من كربِه، والمصدِّقُ بيوم الدِّين هو إنسان الخير، يعمل الخير فيما بينه وبين ربِّه- الأعمال الصالحة- ويعمل الخير فيما بينه وبين الناس، وهو الإنسان الفاضل والعالِم والحكيم والمزكَّى، ولما سارَ العرب البدو الوثنِّين والأُمِّيين على هدي القرآن، كم مكتبةً كان في زمن النبي ﷺ ؟ وكم مصحفاً كان مكتوباً ومطبوعاً ومُغلفاً ومُذَهَّباً وله غلافٌ مُقصبٌ؟ ولكن كان القرآن في أعمالهم وفي عقولهم وفي سلوكهم، وكانوا بالقرآن فَهْماً وعِلماً وعملاً كما قال تعالى:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

ديناً ودنيا، والنبي ﷺ قال:

{ زويت لي الأرضُ مشارقُها ومغاربُها وسيبلغُ ملكُ أمتي ما زُوِيَ لي منها }

[سورة آل عمران]

(زويت لي الأرضُ مشارقُها ومغاربُها) والله عزَّ وجلَّ بسط له الأرض خريطةً وليس على الأرض وإنما على الواقع(وسيبلغُ ملكُ أمتي ما زُوِيَ لي منها)(15) ولم يمضِ خمسون أو ستون عاماً حتى حرَّر العرب بالإسلام فلسطين؟ لا بل حرروا شرقاً إلى الهند وغرباً إلى حدود فرنسا بخمسين أوستين عاماً، ولم يكن عندهم لا سيارات ولا طيارات ولا قطارات ولا كهرباء وإنما على أرجلِهم وعلى فقرهم، ولكن على غناهم بالقرآن عِلماً وعملاً ومُعلِّماً حكيماً ومربياً ومُزكِّياً.

توحيد الإسلام للأمة العربية:
وأنت يا ترى هل في نيَّتك أن تمشي على هذا الخط؟ وتحرير فلسطين بمَ يكون وبمَ حررها النبي ﷺ والصحابة؟ وهو ﷺ بأي شيءٍ وحَّد العرب؟ هل وحدَّهم بالقرآن المطبوع والمجلَّد والمُذهَّب؟ لا وإنما بقرآن العلِم وبقرآن المُعلِّم والمُربِّي والمُزكِّي والحكيم، يا تُرى هل في نيتك أن تسلُك هذا الطريق؟ وإذا سلكت هذا الطريق فهل تكون رابحاً أم خاسراً؟ وإذا بقينا على هذا الطريق التقليدي فهل نحن رابحون أم خاسرون؟ وكل الوسائل التي نستعملها فهل نستفيدُ شيئاً؟ هم يقولون عنا بأننا الأمة العربية، ولكن الأمة العربية كم دولةً صارت اليوم؟ إذا أردت أن تدخل مِنَ درعا إلى الأردن، فأنت أجنبيٌّ أليس كذلك؟ وكذلك لو ذهبت إلى حدود العراق فأنت أجنبي، وكذلك لو ذهبت إلى اليمن أو إلى مصر، وصرت كالأمريكي والفرنسي والإنكليزي، كلُّه صار أجنبيَّاً، أما بالإسلام فتصِل إلى الهند وأنت في الوطن، وكذلك إذا وصلت إلى فرنسا وإسبانيا وأنت في الوطن، قال تعالى:

وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16)
[سورة الجن]

لجعل الله عزَّ وجلَّ الدنيا كلَّها الجزيرة العربية.

البدء بالنفس ثم المحيط:
وأنتم الآن يا بُني:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
[سورة المائدة]

فابدأ بنفسك ثمَّ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[سورة التحريم]

وإذا خلَّصت نفسك وأهلك فتبدأ بأقاربك قال تعالى:

وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
[سورة الشعراء]

وهذا فرضٌ مثل صلاة الظهر وصلاة الجمعة، لو كنتم في المسجد ولم تصلُّوا فماذا تكونون؟ وإذا لم تنذِرُوا عشيرتكم الأقربين؟ وإذا لم تأمروا أهلكم بالصلاة؟ وإذا لم تحضوا على طعام المسكين؟ وإذا لم تأمر بالمعروف ولم تنهَ عن المنكر؟ وإذا لم تتعلَّم ولم تتزكَّى ولم تُهاجر إلى العِلم والحكمة والتَّزكية؟ فلا تكون قد استفدت مِنْ كلمة إسلامٍ ولا مِنْ قراءة القرآن ولا مِنَ العمر ولا مِنَ الحياة، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا وإياكم ممَّن آمن بهذه السُّورة.
كالأعرابي الذي أتى للنبي ﷺ فقال : يا رسول الله أوصني وصيةً مختصرة وأوجِز، فقرأ له النبي ﷺ قول الله عزَّ وجلَّ:

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الشعراء]

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) سيرى المكافأة عليه في الدنيا والآخرة(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(16).

المؤمن معرضٌ عن اللغو:
هل أنتم مستعدون لتُعاهِدُوني على سورة الماعون، وهل معاهدَتُكم كلامٌ بكلامٍ أم بشكلٍ جديٍّ؟ علِّموها أهلكم وفي سهراتكم وفي الحافلة وذلك أفضل من الكلام الفارغ، والله عزَّ وجلَّ وصف المؤمنين بقوله:

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
[سورة المؤمنون]

ما هو اللغو؟ هو كلُّ كلامٍ لا ينفع ولا يضرّ، انظر إلى سهرتك وقد جلست ساعةً من الزمن، هذا الكلام الذي تكلمت به ساعةً مِنَ الزمن هل انتفعت به أو هل حقق نفعاً أو دفع ضُرَّاً؟ وإذا كنت مدعوَّاً إلى سهرةٍ ففكِّر إن كان فيها مجلس لغوٍ والله عزَّ وجلَّ قال عن المؤمنين (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) فإذا كنت مؤمناً فتُعرِضُ عن هذه السهرة لأن الله عزَّ وجلَّ وصف المؤمنين (هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) وهم دائماً في ميدان (َيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وقال تعالى:

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
[سورة التوبة]

وقال تعالى:

لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)
[سورة النساء]

(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ) سواءً في اجتماعاتهم ونواديهم وأحاديثهم وسهراتهم (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).

كل شيءٍ ممكنٌ بشرط وجود النية:
ما هذا القرآن العظيم يا بُني؟ هل أنت آمنت بهذه الآية؟ وهل صارت هذه الآية من أخلاقك وصفاتك؟ حين تجلس للتناجي والتحدُّث في السهرات وفي ذهابك وإيابك هل تنوي أن تُحقَّقَ إيمانك بهذه الآية وتقول في نَفِسك: إذا كان في هذه السهرة أمرٌ بصدقةٍ في مساعدة الفقير أو أمرٍ بمعروفٍ أو إصلاحٌ بين الناس أو للعِلم أو مصالحة بين خصمين أو بين مُتهاجرين أو بين زوجين أو بين أخوَين؟ إن لم يكن فيها شيءٌ مِنْ ذلك إلا اللغو فأعرِضْ عنها امتثالاً لقوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) أنا مؤمنٌ بهذه الآية، وأول إيماني بالقرآن بهذه الآية، وإذا آمنا بها فما تُعطينا مِنَ الخير؟ وهل عندك قدرةٌ على تحقيقها؟ وكلنا لدينا القدرة على ذلك، ولكن إذا قصدت، إذا قصدت أن تتزوج فهل يأتيك أولاد؟ وإذا أوصلت الكهرباء في البيت فهل يُضيء البيت؟ وإذا ركبَّت أنابيب الماء فهل تصِلُك الماء؟ وكذلك إذا قصدت أن تُحوِّل القرآن إلى عملٍ وتصيرَ أنت قرآن العمل فأينما جلست فتمتثل قول الله عزَّ وجلَّ: (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) سواءً أكانت صدقةً بالمال أو بالعِلم فتُعلِّمهم وتتصدَّقُ عليهم بعِلمك، فعلِّمهم ما علِمت وأنقِذهم مما جهِلوا، وكذلك أمرك بالمعروف صدقةٌ ونهيك عن المنكر صدقة، والكلمة الطيِّبة صدقة، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة:
إخوانكم نظَّموا معرضاً في الطابق الخاص بالإناث بعد الصلاة إن شاء الله عزَّ وجلَّ نزورهم، وهذا الشيء باكورة عملٍ وأمنيتي على الله عزَّ وجلَّ أن يصير لكم مصانعٌ ومعاملٌ وأن نرى معمل سيارات وطائرات ودبابات، أليس هذا من الإسلام يا بُني؟ والنبي ﷺ يقول:

{ إنَّ اللهَ يُدخِلُ بالسَّهمِ الواحِدِ ثلاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صانِعَهُ يَحتسِبُ في صَنعتِه الخيرَ، والراميَ به، ومُنَبِّلَهُ، وارْموا وارْكَبوا، وأنْ تَرْموا أحَبُّ إليَّ من أنْ تَرْكَبوا. ومَن تَرَكَ الرَّمْيَ بعدَما عَلِمَهُ رغبةً عنه؛ فإنَّها نِعمةٌ تَرَكَها "أو قال: "كَفَرَها " }

[سنن أبي داوود]

(إنَّ اللهَ يُدخِلُ بالسَّهمِ الواحِدِ) صناعة طَلقة المسدس (ثلاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صانِعَهُ يَحتسِبُ في صَنعتِه الخيرَ) السلاح لا يعتدي به على الغير، وإنما ليُنقِذَ المُعتدى عليه ولا ليكون ظالماً وإنما ليُناصِرَ المظلوم (ومُنَبِّلَهُ) يناول المُقاتل السَّهم (والراميَ به) (17) فالصانع والمُناول والرَّامي، وفي حديثٍ آخر: (إن الله ليدخل الجنة بقطعة الخبز) لصاحب البيت والطبَّاخ والمُناول، وكان النبي ﷺ يقول:

{ الحمْدُ للهِ الذي لم يَنْسَ خَدَمَنا (18) }

[مختصر تاريخ دمشق]

فنسأل الله عزَّ وجلَّ ان يُوفِّقَنا لفِعْلِ الخير يا بُني وصلَّى الله على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم والحمد لله رب العالمين.

الحواشي:
(1) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له)) صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم: (1631)، سنن الترمذي، كتاب الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في الوقف، رقم: (1376)، واللفظ له، سنن النسائي، كتاب الوصايا، باب فضل الصدقة عن الميت، رقم: (3651).
(2) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب علامة حب في الله عز وجل، رقم: (5816)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب المرء مع من أحب، رقم: (2640).
(3) إحياء علوم الدين للغزالي بلا سند عن أنس رضي الله عنه. (1/274).
(4) سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في إذا زلزلت، رقم: (2894)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (11130)، (3/15)، وقال محققه: "إسناده ضعيف".
(5) حديث: ((إنّ عبداً في جهنم لينادي ألف سنة يا حنان يا منان قال فيقول الله عز وجل لجبريل عليه السلام اذهب فائتني بعبدي هذا فينطلق جبريل فيجد أهل النار مكبين يبكون فيرجع إلى ربه فيخبره فيقول ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا فيجئ به فيوقفه على ربه عز وجل فيقول له يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك فيقول أي رب شر مكان وشر مقيل فيقول ردوا عبدي فيقول يا رب ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها فيقول دعوا عبدي)) مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (13435)، (3/230). وقال محققه: "إسناده ضعيف جدا".
(6) سنن الترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين، رقم: (1924)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة، رقم: (4941)، واللفظ عند الترمذي: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله».
(7) لم أجده إلا في إحياء علوم الدين للغزالي بلا سند عن أنس رضي الله عنه. (1/274).
(8) لفظ الحديث عند البخاري: عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، رقم: (3140)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذى، رقم: (2619)، وكتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (2619)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، رقم: (4256).
(9) ورد الحديث في الصحيحين بلفظ: عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ((بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به)) صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، حديث الغار، رقم: (3280)، صحيح مسلم، كتاب الآداب، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، رقم: (2245).
(10) الحديث ورد في الصحيحين بلفظ: عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا قال في كل كبد رطبة أجر)).
صحيح البخاري، كتاب المساقاة الشرب، باب فضل سقي الماء، رقم: (2234)، وكتاب المظالم، باب الآبار على الطرق إذا لم يتأذ بها، رقم: (2334)، وكتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم: (5663)، صحيح مسلم، كتاب الآداب، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، رقم: (2244).
(11) المعجم الكبير للطبراني, رقم: (11025), (11/54)، مسند الشهاب للقضاعي، رقم: (509)، (1/305)، وفي سنن البيهقي، رقم: (2994)، (4/546)، بلفظ: ((مَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صَلَاتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ تَنْهَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا)).
(12) صحيح مسلم في الزهد والرقاق بَابُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ، رقم (2983)
(13) سنن أبي داود، كتاب الوصايا: باب ما جاء متى ينقطع اليتم، رقم: (2873)، بلفظ: «لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل».
(14) سنن أبي داود، أول كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم: (3641)، سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682)، سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223).
(15) سنن ابن ماجه، كتاب أبواب الفتن، باب: ما يكون من الفتن، (3952) واللفظ: «زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها، ومغاربها، وأعطيت الكنزين، الأصفر أو الأحمر، والأبيض، يعني الذهب والفضة، وقيل لي: إن ملكك إلى حيث زوي لك ...».
(16) عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق: ((إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} قال حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها)) مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (20613)، (5/59).
(17) سنن أبي داود، أول كتاب الجهاد، باب في الرمي، رقم: (2513)، سنن الترمذي، كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، رقم: (1637)، سنن النسائي، كتاب الخيل، باب تأديب الرجل فرسه، رقم: (3578).
(18) مختصر تاريخ دمشق، (23/110)، ولفظه: ((إن الله تبارك وتعالى ليدخل الجنة بلقمة الخبز وقبضة التمر ومثله ما ينفع به المسكين ثلاثةً: صاحب البيت الآمر به والزوجة والخادم الذي يناول المسكين))، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الحمد لله الذي لم ينس خادمنا)).