تفسير سورة الانشقاق 01

  • 1995-09-01

تفسير سورة الانشقاق 01

بسم الله الرحمن الرحيم. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلِّي وأسلِّم على سيِّدنا مُحمَّد المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه مِنَ النبيين والمُرسَلين، وآل كلٍّ وصَحْب كلٍّ أجمعين، وبعد:


خضوع الكون لله تعالى:
فنحن في سورة الانشقاق؛ بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ﴾ يعني استمعت لأمر الله عزَّ وجلَّ لها بالانشقاق، ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ أصغَت واستمعت وأطاعت فانشقت، ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ ويحقُّ لها أنْ تسمع وأنْ تُطيع، وأنْ تمتثِل أوامِر الله عزَّ وجلَّ؛ ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ فتُنسفُ جبالها:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
[سورة طه]

(قَاعًا صَفْصَفًا) القاع السفلي، (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) لا تلةً مرتفعةً ولا وادٍ منخفض.
﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾ ممَّا في باطنها مِنْ كنوز، وجثث أمواتٍ ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾ مِنْ بترول وما شابه ﴿وَتَخَلَّتْ﴾ صار باطنها خاليًا ممَّا كان ممتلئًا به، ﴿وَأَذِنَتْ﴾ يعني أحسنت الاستماع لأمر الله عزَّ وجلَّ فأطاعت أمره بما أمرها به مِنَ الانفطار والانشقاق وعدم أهليتها لحياة الإنسان.

خطاب الإنسان بالكدح والحساب:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ الكدح: العمل الحثيث المتواصل بالجهد، وبالطاقة الكاملة؛ فالإنسان في حياته يكدَحُ في عمله، وفي رزقه وفي دراسته، وفي تعلُّمه، ونهاية هذا الكدح، ونهاية ثمرات كلِّ ما يبذله مِنْ جهدٍ ينتهي ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ كلُّ يومٍ خطوة نحو لقاء الله عزَّ وجلَّ، وكلُّ ساعةٍ تمرُّ مِنَ الزمن يعني خطوةً نحو الاقتراب مِنْ محكمة الله عزَّ وجلَّ، ومِنَ الدخول في القضاء الإلهي: ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ كلُّ يومٍ يمرُّ علينا هذا ينقُصُ مِنْ حياتنا ويُقرِّبنا مِنْ آجالنا، وتقصُر وتُختصر المسافة بين الإنسان وبين لقاء الله عزَّ وجلَّ ليُحاسبه على ما عَمِله في عمره وفيما أنعم الله عزَّ وجلَّ به عليه، فماذا عمِلَ بنعمة الشباب، وماذا عمِلَ بنعمة المال، وماذا عمِلَ بنعمة العِلم؟ هل أدَّى فرائض الله عزَّ وجلَّ فيما بينه وبين الله عزَّ وجلَّ؟ هل أدَّى فرائض الله عزَّ وجلَّ في فرائض العبادات وفرائض الله عزَّ وجلَّ مع مخلوقات الله عزَّ وجلَّ؟ مع والديه ومع أرحامه ومع جيرانه ومع أعدائه، فجعل الله عزَّ وجلَّ لكلِّ ناحيةٍ مِنَ النواحي مخططًا.

كيفية التعامل مع العدو:
فجعل لك مع العدو مخططًا كيف تتعامل مع عدوك، فقال تعالى:

وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)
[سورة الرعد]

فهل يا تُرى آمَن المسلم والمسلمة بهذه الآية؟ أنْه عندما تُمتحَن وتُبتلى بعدوٍّ فهل تأخذ المخطط والترتيب الإلهي بكيفية التعامل معه حسب القرآن، وحسب تعاليم الله عزَّ وجلَّ؟ فيقول الله عزَّ وجلَّ مع العدو:

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
[سورة المؤمنون]

ادفع السيئة، لا بسيئةٍ ولا بحسنة؛ إذا وُجِدَت الحسنة والأحسن، فادفع العدو بالتي هي أحسن، ويقول تعالى في آية أخرى:

أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54)
[سورة القصص]

(وَيَدْرَءُونَ) يدفعون، (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) فإنْ رزقه الله عزَّ وجلَّ عِلمًا؛ أو ذكاءً أو قوةً بنية، أو غنىً في المال؛ فيجب أنْ يُنفق ممَّا أعطاه الله عزَّ وجلَّ.

قصر الحياة في الدنيا:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ فوجودنا في هذه الدنيا بحسب الحقيقة؛ المسيرة تبدأ مِنْ حين ما نكون في أصلاب الآباء، إلى أرحام الأمهات، فهذه رحلةٌ ونُقلة؛ ثمَّ نقلةٌ ثانيةٌ مِنْ أرحام الأمهات إلى عالَم الأرض، وإلى عالَم الرضيع، ومِنْ عالَم الرضيع إلى عالَم الفِطام، ومِنْ عالَم الفِطام إلى عالَم الطفولة؛ ثمَّ إلى عالَم المراهقة؛ ثمَّ إلى عالَم الشباب، وهو شعلةٌ مِنَ الجنون، وكلُّ مرحلةٍ لها مخططٌ إلهيٌّ خاص، تريد أنْ تنفذ المخطط حسب المرحلة التي تسيرها، إذا كان الطريق وعرًا فقيادة السيارة على الخامس أم على الأول؟ فإذا كان هناك منعطفات أو إذا كان صعودًا قاسيًا أو نزولاً قاسياً إلى آخره..

القرآن هو الدستور الإلهي :
فالقرآن هو المخطط الإلهي ليخرُج المؤمن مِنْ مصنع القرآن، ليخرُج ويتخرَّج العَالِمَ الـمُعلِّم الحكيم الذي يستعمل كلَّ عقله وكلَّ طاقات فكره حسب مقتضى الحكمة وتحقيق الهدف والمصلحة:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
[سورة البقرة]

تخرج مِنْ مصنع القرآن متعلمًا ومُعلِّمًا حكيمًا لا يُخطئ فيما يُباشره مِنْ عمل؛ فمثلاً أقام النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الدولة مِنَ العَدم مِنَ الفوضى ومِنَ العداوات، ومِنَ التمزُّق ومِنَ الاقتتال، إلى:

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
[سورة التوبة]

وَ:

{ تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى (1) }

[صحيح البخاري]


إنشاء الدولة دون دماء وبفترة قصيرة:
وأنشأ دولةً في المدينة ضمن عشر سنوات، بأقصر وقتٍ وبأقل الكُلف؛ الثورة الشيوعية حتَّى صنعوا دولةً أذهبوا عشرات الملايين مِنَ النفوس، ودمروا مِنَ المدن الله عزَّ وجلَّ أعلَم بعددها؛ أمَّا دولة الوحي أقامها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بحسب التخطيط الإلهي بعشرِ سنوات، الأمَّة العالمية:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

بشهادة القرآن في التاريخ البشري كلِّه، كذلك بعشرين سنةً بدءاً مِنْ مكة وانتهاءً بوفاته في المدينة، بنى الدولة العالمية والأمَّة العالمية، والدولة الإنسانية العادلة، دولة العِلم:

{ ليس منِّي إلَّا عالِمٌ أو متعلِّمٌ (2) }

[مسند الفردوس للديلمي]

دولة المساواة بين النَّاس، كلٌّ على حسب ما يستحق؛ فأعطى لكلِّ إنسانٍ في المجتمع مهما اختلفت الأديان والعقائد أعطى لكلِّ ذي حقٍّ حقه،

حرمة التعدي على الحقوق وعلى الدماء:
نسمع في بعض البلدان الإسلامية أنَّهم يقتلون الأجانب، وهؤلاء يكونون قد قدِمُوا ضيوفًا إلى تلك البلاد، فماذا يسمى هذا في المصطلح الفقهي؟ يُسمى بالـمُعاهِد، يعني نتعامل نحن وإياهم بأننا آمنون في بلادهم، وهم في المقابل آمنون في بلادنا؛ فما اسم هذا؟ يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن المُعاهِد:

{ من قتل قتيلًا من أهل الذِّمَّةِ لم يَرَحْ رائحةَ الجنةِ }

[صحيح البخاري]

(لم يَرَحْ) يعني لا يشُم، (لم يَرَحْ رائحةَ الجنةِ) (3)، فقد يكون يهوديًّا؛ أو يكون نصرانيًّا أو يكون مجوسيًّا؛ أو يكون لا ديني علمانيَّ، فحقوق الإنسان لا تمحُها الأديان، بل تُؤكِّد على حقوق الإنسان وتُحافظ على حقوق الإنسان وتجعلها مِنْ صُلب الدين.

التعليم من حقوق الإنسان:
فمِنْ حقوق الإنسان التعليم، لذلك يقول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:((ليس منِّي إلَّا عالِمٌ أو متعلِّمٌ)) فما هو العِلم الذي يجب أنْ نتعلَّمه حسب المنطوق الإسلامي؟ كلُّ ما ينفع الإنسان في جسده؛ أو روحه أو مجتمعه ويرقى به إلى الأعلى وإلى الأفضل فهذا اسمه عِلم، سواءٌ كان عِلم الحراثة أو الزراعة أو الطب، أو الأحكام الإسلامية أو العِلم القلبي الرباني:

فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)
[سورة الكهف]

{ طلبُ العلمِ فريضةٌ مِنَ المهد إلى اللحد (4) }

[ورد في الأثر]

ومنذ متى يبدأ؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (مِن المهد) قال: (إلى اللحد)(5)، والآن في عصرنا الحاضر يُعلِّمون الرضيع بعض العلوم وهو ما يزال في شهوره الأولى، قالوا لأنَّه يدرك ويفهم ولكنْ ضمن طاقةٍ محدودة. فما هذا التشريع الإلهي الذي يفرض العِلم؟ لا مِنْ سن السبع سنوات، ولا مِنْ سن العشر سنوات؛ بل مِنَ المهد، ولا عند أخذ شهادة الدكتوراه؛ فإنْ أخذ شهادة الدكتوراه فقد امتلأ إناؤه مِنَ العِلم فلا توجد حاجة لأنْ يتحمَّل الجهد في الزيادة والازدياد مِنَ العِلم (طلبُ العلمِ فريضةٌ من المهد إلى اللحد)؛ أي فيلسوف في تاريخ الدنيا نظر في تقديس والحث على العِلم والمعرفة كما علمنا سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؟ فيا تُرى نحن المسلمون الآن هل نحن على مستوى كلام الله عزَّ وجلَّ؟

الكدح في الحياة الدنيا:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ في وجودك في الحياة، كلُّه كدحٌ وكلُّه جهادٌ وكلُّه نضالٌ في سبيل الرزق، وفي سبيل مواجهة العدو، وفي سبيل مكافحة المرض، وفي النهاية؟ قال والنهاية وأنت في هذا الكدح والقطار يسير بك نحو الاقتراب مِنْ لقاء الله عزَّ وجلَّ؛ وعند لقاء الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾ فورًا إلى محكمة الله عزَّ وجلَّ، وعندما يصل المجرم إلى المحكمة:

يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)
[سورة الرحمن]

فعندما تُمسك الشرطة بالقاتل كيف يكون وجهه؟ وعندما يدخل إلى المحكمة كيف يكون وجهه؟ وإذا نجح شخصٌ في مسابقة أو سوف تُقدَّم له جائزةٌ مِنَ الجوائز مثل جائزة نوبل لعِلمه أو براعته في عِلمٍ مِنَ العلوم، فكيف يكون وجهه عندما يدخل إلى الحفل؟

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (106)
[سورة آل عمران]

فيا تُرى نحن المسلمين عندما نقرأ مثل هذه الآيات هل نتمثل أنفسنا في مرحلة الكدح؟ وبأنَّ الكدح ليس هو المقصود بذاته؟ يوماً عن يوم تقترب مِنَ المحكمة، ويوماً عن يوم تزداد أعمالك سواءً خيرًا أو شرًّا، ومحكمة الله عزَّ وجلَّ مُحصيةٌ ومُسجلةٌ عليك كلَّ أعمالك، صغيرها ولو كان بمثقال الذرة؛ وكبيرها سرَّها:

وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
[سورة طه]

يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)
[سورة التغابن]


الخشية من الله:
عندما تعمل عملاً معيبًا أو ناقصًا لو شعرت أنَّ إنسانًا ينظر إليك فهل ستُقدِم على العمل القبيح؟ بل ستقول الآن سيراني النَّاس ويتكلَّمون علي، يا تُرى هل جعلت منزلة الله عزَّ وجلَّ مثل منزلة واحدٍ مِنَ النَّاس؟ الله عزَّ وجلَّ معك والله عزَّ وجلَّ ناظرٌ إليك فهل استحييت منه؟ وهل حسَبت له حسابًا؟ أم جعلت الله عزَّ وجلَّ أحقر شيءٍ يُحيط بك ويطَّلع على أعمالك؟ فإيماننا بالقرآن إيمانٌ ادعائي؛ أمَّا الإيمان الحقيقي هو أنْ يستقر معنى القرآن في النفس وفي القلب وفي العقل مثلما يستقر الطعام في المعدة؛ ثمَّ في المعدة والجهاز الهضمي تحوِّله إلى دمٍ وتُوزِّعه على الأعضاء قوةً لتعمل اليد وتمشي الرجل وتُبصر العين، هكذا القرآن هو غذاء القلوب وغذاء العقول.

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190)
[سورة البقرة]

الآن كلُّ يومٍ قد يزداد دقيقةً أو ينقص دقيقةً على مدار السنة، فقد يتأخر طلوع الشَّمس دقيقةً أو يتقدم دقيقةً فمَنْ المهندس المشرف على الصيانة، والمشرف على سير الكواكب؟ حتَّى لا تنتهي البطارية على مدى مئات وملايين السنين؟ ولا يتعطَّل النابض:

اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8)
[سورة الرعد]


الدليل على وجود الله عزَّ وجلَّ:
مِنْ أسبوعٍ زارني نائب رئيس الأساقفة في إنجلترا، وهو رجلٌ فاضلٌ ويُتقن اللغة العربية ودارسٌ للإسلام كأكبر علمائه، قال لي: نحن في إنجلترا يسألوننا ما هو الدليل على وجود الله عزَّ وجلَّ؟ وكان هناك مُسجِّلٌ صغيرٌ يُسجِّل الحديث بيني وبينه. فقلت له: الدليل على وجود الله عزَّ وجلَّ هو هذا المسجل وهذه الطاولة وهذا الكتاب وهذا المذياع وهذا القلم، فكلُّ هؤلاء دليلٌ على وجود الله عزَّ وجلَّ. قال لي: كيف؟ قلت له: هذا القلم صُنعَ بنفسه أم له صانعٌ وعالِمٌ عاقلٌ وحكيم؟ قال لي: لا، قد صنعه عالِمٌ عاقلٌ وحكيم. وهذا الدفتر؟ فمَنْ صنع أوراقه ومَنْ جلَّده ومَنْ جعله؟ بنفسه أم صدفةً أو أنَّ هناك صانعٌ عاقلٌ مُدبِّرٌ حكيم؟ وهذه المسبحة مَنْ صنع حبيباتها ومَنْ أدخل الخيط فيها؟ ومَنْ جعلها بهذا الشكل وبهذا العدد؟ صدفةً أم بنفسها أم هناك صانعٌ مُدبِّرٌ يقظٌ حكيم؟ إلى آخره..
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
{ لبيد بن ربيعة }
لكنْ عندما يُعرَض الإله في العالم المسيحي على أنَّه السيد المسيح، والعقل قد تحرر، فقد كان سابقاً موثقًا ويريد أنْ يمشي بغير إرادته، فتحرر العقل الآن، فكان يُقال له في الظلام عن هذا الثوب إنَّه أحمر؛ لكنْ لـمَّا طلعت الشَّمس وأضاء الكون ورآه أبيضاً وما زال القائل يقول عنه بأنَّه أسودٌ أو أحمر، فهل سيُلحِد في هذا القول أم سيبقى مؤمنًا به؟ لذلك يقول الكثير مِنْ علماء الغرب بأنَّ التمسك والتعصُّب لألوهية سيِّدنا عيسى عليه السَّلام، يقول هي خيارٌ بين أحد شيئين لمن يؤمن بألوهية سيِّدنا عيسى عليه السَّلام، قال هو مخير إمَّا بين جمود العقل فيُعطل العقل؛ وإمَّا أنْ يختار الإلحاد، ولا خيار ثالث معهما، ولذلك عندما تحرر العقل رفض الجمود؛ ولكنَّه اختار الإلحاد؛ لأنَّه لم يعد يقبل العقل أن إنساناً يأكل وإنْ لم يأكل فسيموت مِنْ جوعه، وإذا أكل سيتغوَّط وإذا شرب سيبول، فما هذا الإله الذي يبول ويتغوط؛ وبحسب عقيدة الصلب ما هذا الإله الذي غلبه بضعة أشخاص حتَّى صلبوه بحسب المعتقد الكنسي؟ لذلك ألحَد الكثير مِنَ الغربيين ومَنْ آمن منهم يقولون: لا نبحث لأنَّ العقل لا يقبل البحث إلى آخره.. أمَّا القرآن الذي حفِظَه الله عزَّ وجلَّ مِنَ التحريف وحفِظَه مِنَ التراجم الخاطئة:

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
[سورة الإسراء]

فما أعظَم وما أجلَّ وما أقدَسَ وما أحوَجَ الإنسان إلى كلام الله عزَّ وجلَّ؟

عرض الأعمال في محكمة الله عز وجل:
﴿ إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ فلا تغترَّ بكدحك ولا بركضك، ولا بغناك ولا بملكك أنت راكضٌ نحو الأشياء، لكنْ بآخر المشوار وإذ أنت مع الله عزَّ وجلَّ وجهاً لوجهٍ في محكمته وتُعرَضُ أعمالك في كتابٍ:

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
[سورة الكهف]

يعني لا يترك صغيرةً مِنْ أعمالك، سواءً أعمالك أمام النَّاس؛ أو أعمالك في خلوتك أو أعمالك في غناك أو في فقرك؛ أو مع زوجتك أو زوجك أو مع ابنك أو مع أبيك أو مع أخيك أو مع عدوك أو مع ربك كلُّه مُسجَّل:

مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
[سورة ق]

والأعمال كلُّها مُسجَّلةٌ؛ صغيرها وكبيرها عظيمها وحقيرها، هذا كلام الله ّعزَّ وجلَّ، وأنت تظن نفسك كادحًا وتُسابِق وهمُّك أن تُعمِّر بناءً وتعمل مزرعةً وتأخذ شهادةً وتصير في الوظيفة الفلانية فهذا لا مانع منه، ولكنَّ هذا كلُّه في نهاية الأمر سيزول وسينتهي، والذي سيبقى بعد الكدح ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾ يا تُرى هل حسبت حسابًا لكلمة ملاقيه؟ واللقاء على أساس ماذا؟ على أساس (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) مَلَكٌ يترقَّبك ومتى ما خرجت الكلمة منك يُسجِّلها فورًا، ولا يصدر منك عملٌ فلا ينتهي حتَّى يكون قد سُجَّل، و(عَتِيدٌ) ما معنى عتيد؟ يعني لا يغيب عنك ليس لديهم مأذونيةٌ شهرية؛ أو أنًّ عمله ثمانية ساعات أو ستة عشر ساعةً؛ ثمَّ يذهب لأهله أو لأولاده أو لراحته لا، لا يُفارقك لا ليلاً ولا نهارًا؛ إلَّا عند الجماع وعند قضاء الحاجة، فما أعظَم وما أقدَسَ وما أخطَر هذه التربية القرآنية! لم يكتفِ القرآن بأنْ يُعلِمك بأنَّ أعمالك الجسدية مُشاهدةٌ ومُسجلةٌ لا، بل قال:

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)
[سورة الملك]

َاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)
[سورة النحل]

عليك أنْ تراقب سرَّك؛ فلا تُسرُّ بسرٍّ وتنوي نيّة شرٍّ أو سوءٍ لإنسانٍ أو مخلوقٍ مِنْ مخلوقات الله عزَّ وجلَّ. فما هذه التربية الإلهية؟

رفع القرآن للمسلمين:
عندما فقه المسلمون الأول القرآن وقرأوه ليعلموه وقرأوه ليُنفِّذوه، وقرأوه ليُحوِّلوا القراءة إلى عملٍ مُشاهَدٍ منظور، وهو لغة المجتمع، فإلى ماذا رفعهم الله عزَّ وجلَّ بقرآنه العظيم؟ جعلهم خيرَ أمَّة، وأعظَم دولة، ولم يتركوا عِلمًا مِنَ العلوم في عصورهم إلَّا وأخذوا خيرَ ما فيه، وعندما يقرأ المسلمون القرآن الآن، فهل يقرأ المسلم والمسلمة القرآن ليفهموا ما يُخاطبهم الله عزَّ وجلَّ به؟ عندما يُكلِّمك الشرطي فلن يذهب مِنْ كلامه من المئة واحدًا إلَّا وتفهمه، وكلُّه سمعًا وطاعةً لأنَّ الدفتر بيده والسيارة واقفةٌ وأخذ رقم اللوحة، فإذا كانت أعمالك مُسجَّلة هكذا فهل تشكُّ في كلمات الله عزَّ وجلَّ أو في القرآن؟

حساب الله لا مفر منه:
﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى﴾ كلُّ الركض بالدراسة وبالتجارة، وبالصناعة وبالسياحة؛ وفي النهاية تنتهي إلى أين؟ إلى عزرائيل عليه السَّلام، آخر سفرتك وآخر محطة وآخر فندق وآخر مُستقبِل مَنْ؟ سيِّدنا عزرائيل عليه السَّلام، يقول لك تفضل إلى المحكمة الإلهية، وأعمالك مُسجَّلة عليك:

الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
[سورة غافر]

هذا إلى جانب أنه قد تصير محاكماتٌ كثيرةٌ على خطايا الإنسان في الدنيا قبل الآخرة؛ سواءً على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمم والدول، لماذا قصَّ الله عزَّ وجلَّ قصص أمَّة نوح؟ أمَّةٌ بكاملها أقام الله عزَّ وجلَّ قيامتها وحاسبها بمحكمته العادلة، فحكم عليها بالغرق؛ وبعدما قال الله عزَّ وجلَّ لنوحٍ عليه السَّلام ووعده بأنْ يُنجيه وأنْ يُنجي أهله؛ فلمَّا ركب سيِّدنا نوح عليه السَّلام في السفينة وهو يعرف ما هو الطلب وما هو التنفيذ، قال:

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
[سورة هود]

(قَالَ سَآوِي) وألتجئ (سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) فمهما نزل المطر فهل سيصل لذروة الجبل؟ (قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ) فالذي يتقبَّل رحمة الله عزَّ وجلَّ، والذي يتقبَّل الإيمان وأحكام الإيمان، وواجبات الإيمان فيقبَلها إيمانًا وعِلمًا وعملاً، فهذا الذي ينجو؛ وأمَّا مَنْ يرفض رسالة الله عزَّ وجلَّ فلا شيء يُنجيه مِنْ قصاص الله عزَّ وجلَّ ومِنْ أليم عذابه، إلى أنْ قال سيِّدنا نوح عليه السَّلام بعد ذلك:

وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
[سورة هود]

(فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) وعدتني أنْ تُنجيني وتُنجي أهلي، وابني مِنْ أهلي (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) كَفَر وتقول هذا مِنْ أهلك؟ ما دام قد كَفَر فهذا انقطعت صلته بك وصلتك به، ولذلك يقال:
لَعَمرُكَ ما الإِنسانُ إِلّا بِدينِهِ فَلا تَترُكِ التَقوى اِتِّكالاً عَلى النَسَب
{ علي بن أبي طالب }
قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ سلمانُ منا أهلَ البيْتِ (6) }

[المعجم الكبير للطبراني]

فجعله النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ أهل البيت وهو غير عربي ولا توجد قرابةُ رحم بينه وبين رسول الله عزَّ وجلَّ؛ ومع ذلك قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (سلمانُ منا أهلَ البيْتِ)، وقال القرآن في عمِّه أبي لهب وأخو والد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
[سورة المسد]

لم يذكر الله عزَّ وجلَّ أبا جهلٍ على كفره ولعنته في القرآن باسمه، وذكر اسم عمِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأخُ أبيه، قال:
فَقَد رَفَعَ الإِسلامُ سَلمانَ فارِسٍ وَقَد وَضَعَ الشِركُ الشَريفَ أَبا لَهَب
{ علي بن أبي طالب }
إذا العودُ لي يُثمر وإن كان شُعبةً من المُثمراتِ اعتدَّه الناسُ في الحطبْ
{ ابن الرومي }
(إذا العودُ لي يُثمر) إنْ لم يبقَ في عود الفل ورقٌ ولا ورد الفل، وإذا كان غصن مشمش ولم يُثمر ولم يُزهر؛ (وإن كان شُعبةً من المُثمراتِ)، فأصله مُثمر؛ لكنَّه لم يُثمر ولم يتجاوب مع أصوله: (اعتدَّه الناسُ في الحطبْ) ماذا يقولون عن المشمشة اليابسة، التي هي لا ورق ولا زهر ولا ثمر؟ فهل يقولون شجرة مشمش، ماذا يقولون؟ يقولون حطب، نسأل الله عزَّ وجلَّ ألَّا يجعلنا حطبًا؟.

رحمة الله بعباده:
الخلاصة: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ مَنْ الذي يُنادينا ويُنبِّهنا؟ كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع أصحابه رضي الله عنهم تحت شجرة، وكان هناك عشٌّ لطائرة وأفراخها، ورأى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم والصحابة رضي الله عنهم كيف تجلب الأم لأفراخها طعامهم ورزقهم، وتطعمهم مِنْ منقارها إلى مناقيرهم، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ أرأيتم عظمة حنان هذه الطائرة لأفراخها، والله أرحمهم بعباده المؤمنين مِنَ الطائرة بأفراخها (7) }

[ورد في الأثر]

لكنْ بالمؤمنين.
لـمَّا عارض سيِّدنا عمر رضي الله عنه النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صلح الحديبية ولم يُوافق على الصلح ليس معاندةً للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، لا بل اجتهادًا منه أنَّ عدم الصلح أصلَح وأنفَع للمسلمين، والصلح يضرُّ بمصلحة المسلمين، اجتهادٌ بريءٌ وطاهرٌ ونقي، وبعدما تمَّ الصلح، فكان يقول سيِّدنا عمر رضي الله عنه: "كلما فكرت في مخالفتي لرسول الله" يقول: لا يوجد صلح. ويقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يوجد صلح. ثمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (يا عمر أأرضى وتأبى؟)، أنا رضيت بالصلح وأنت لا ترضى؟ (أأرضى وتأبى؟) صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ثمَّ قال عمر رضي الله عنه: "فما زلت كلمَّا أتذكر موقفي في ذلك الحال وامتناعي عن موافقة رسول الله" قال رضي الله عنه: "فما زلت أتصدَّق وأُعتِق" أتصدَّق على الفقراء، ويُعتِق العبيد مِنْ عبوديتهم، "وأصلِّي وأصوم رجاء أنْ يغفر الله لي ما فعلته أمام رسول الله"، مِنْ عدم الموافقة على صلح الحديبية؛ مع أنَّه في نهاية الأمر وافق ورضي وكذا؛ لكنْ هذه المعارضة الطارئة. فهذا هو الإيمان.
ولـمَّا تخلَّف الثلاثة الذين خلِّفوا عن اللحاق بجيش رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة تبوك؛ فلمًّا رجع النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ الغزوة وأحضَر المتخلفين إعتذَرَ المنافقون بأعذارٍ كاذبة، وليس لهم عذرٌ بحسب الحقيقة، وقبِلَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عذرهم لأنَّه كان يحكم بالظاهر، لكنْ فضحهم الله عزَّ وجلَّ في القرآن في قوله:

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ۚ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ۖ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ۖ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)
[سورة التوبة]

(لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) لئلا تعاتبوهم، لماذا لم تذهبوا إلى الجهاد؟ (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ) هؤلاء نجَس، وليس إعراضًا عن معاتبتهم؛ بل إعراضاً عنهم كليًّا (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
فكلمة ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ بالتجارة وبالسفر، وبالهموم وبالأحزان، كلُّه لأجل الخمسين أو الستين سنة، يوجد أمامك عمرٌ يُعدُّ بملايين السنين، فيا تُرى هل يحتاج هذا العمر بملايين السنين إلى اهتمام وأن تغضب مِنْ أجله؛ أو ترضى مِنْ أجله؟ أو عمر خمسين أو ستين سنة وإذا عشته ترضى مِنْ أجله وتغضب مِنْ أجله؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا الفقه في الدين، فالفقه في الدين هو الفقه بكلام الله عزَّ وجلَّ.

الفقه بكلام الله عزَّ وجلَّ:
ولا يكون الفقه بكلام الله عزَّ وجلَّ؛ إلَّا إذا حيَّ القلب بذكر الله عزَّ وجلَّ:

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
[سورة الرعد]

مِنْ شكوكها ومِنْ ترددها ومِنْ تقاعسها، ولا يكون لك هذا القلب إلَّا بصحبة أصحاب القلوب، والقلب هو مهبط النور الإلهي، والقلب هو مهبط الحكمة الإلهية، والذي يفتح القلب إلى مطر الفيض الرباني هو صحبة أهل القلوب، ليس الصحبة الجسدية بل الصحبة القلبية والروحية الحبية ميراثًا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فعندما يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ العلماء ورثة الأنبياء (8) }

[سنن ابن ماجه]

كلمة العلماء بمنطوق النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير كلمة العلماء بمنطوق الجامعات والكليات، الشريعة والدعوة وغيرها؛ فمِنْ صفات العلماء في القرآن:

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
[سورة غافر]

الخشية خوفٌ مِنَ الله عزَّ وجلَّ مقرونٌ بالتعظيم والحب والمسارعة إلى مرضاته، فإذا وجدت الخشية في حامل الشهادة فتشمله كلمة (العلماء ورثة الأنبياء)، وهذا يكون مِنْ جملة القراء، ويقرأ هذه العلوم المؤمن وغير المؤمِن.

الإنسان يستجيب للنداء:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ يا تُرى أنت هو ذلك الإنسان؟ إذا نادى أحدهم يا إنسان، فلن تلتفِت الدواب ولا تُلبِّي؛ أمَّا الإنسان فيلتفِت إلى المنادي، فيُنادينا الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ فهل أنتم يا تُرى إنسان؟ لكنْ قال في القرآن:

أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
[سورة الفرقان]

يوجد إنسانٌ جسمًا؛ لكنَّه دابةٌ وحيوانٌ روحًا وعقلاً:

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)
[سورة الأعراف]

فمَنْ هم كالأنعام وأضل منها؟ قال أولئك هم الذاكرون أم (هُمُ الْغَافِلُونَ)؟

وضع حجر الأساس لبناء الإسلام الحقيقي:
فلا نريد أنْ نفرَح بأن حضرنا الدرس بل نريد أنْ نضع الحجر الأساس لبناء الإسلام الحقيقي، فهذا قائمٌ على التوبة الصادقة، تفحص نفسك مِنْ أعلى شعرة في رأسك إلى أخمص قدميك، ماذا يوجد فيه مِنْ مخالفةٍ لأمر الله عزَّ وجلَّ، في أعمالك أو في يدك أو رجلك، وسمعك وبصرك وجليسك وصاحبك ومحبوبك وعدوك، ما تأكل وما تشرب وما تعمل؛ فقبل كلِّ شيءٍ التوبة الصادقة، وبعد ذلك تفتش على (العلماء ورثة الأنبياء)، فماذا سيرِث الوارِث من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ يرث مِنَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم العِلم والحكمة والتزكية في نفسه وفي الآخرين:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

فبعد أنْ تعرفه يجب أنْ ترتبط به برابطة الحب حسب تعاليم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ }

[صحيح البخاري]

ثلاثٌ مَنْ كنَّ فيه ذاق طعم الإيمان، هذا بالملعقة أم برأس الملعقة؛ ذاق لكنْ هل شبع؟ قال: (أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا) أحبَّ إليك مِنْ أمك ومِنْ أبيك، ومِنْ مالك ومِنْ جاهك، ومِنْ كلِّ محبوب، (وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ) إذا أردت أنْ تُصادِق صديقًا أو رفيقًا أو حبيبًا (لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ)، فتُحبّه لطاعته ولتقواه ولعِلمه ولذكره، (وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ)(9) فهذا لم يصر مؤمنًا بعد، هذا ذاق الطعم؛ لكنْ إذا ذاق المرء البقلاوة الأصلية وبالعسل وبالسمن البلدي، فإذا ذاق فهل سيقف؟

الاستجابة لله تتطلب التوبة والذكر الكثير:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ هذا خطابٌ لي لوحدي؛ أم للصحابة رضي الله عنهم؟ هذا موجَّهٌ لكلِّ إنسان هذا موجَّهٌ لكم؛ ومَنْ يُخاطبكم؟ الله عزَّ وجلَّ، إذا خاطبك وزيرٌ فكيف سيكون أدبك معه وإصغاؤك له وتفهمك لما يقول؟ وكموظف أنْ تُنفذ له كلَّ ما يطلب، يا تُرى هل نحن هكذا مع الله عزَّ وجلَّ؟ فهذه تحتاج بعد التوبة إلى الذكر الكثير، كما وصف الله تعالى أولي الألباب:

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
[سورة آل عمران]

ليس فقط ذكرًا.. (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) السماوات النجوم التي فيها الكواكب، لم تحصِ الملايين الكواكب؛ وكلُّ كوكب يكون أعظم مِنْ أرضنا بملايين المرات، وكلُّها تجري بنظام؛ فيا تُرى فقط كوكب أرضنا الذي لو كنا على مسافة الشَّمس فلن نرى أرضنا إلَّا أقل مِنَ العدسة، فبهذه المسافة والرائي الناظر للأرض التي نسكنها أقل مِنَ العدسة؟ فهل يخطر لبال المرء أنَّ فيها ستة مليار إنسان، وفرنسا وبريطانيا والجزيرة العربية والهند واليابان؟ فيا تُرى هذه العوالِم هل هي مخلوقةٌ بلا سكان؟ فهذا الإله العظيم الذي يُعلِّمنا كيف نبني شخصيتنا، قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، مع (يَذْكُرُونَ) (وَيَتَفَكَّرُونَ) خائفون (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

لقاء الله تعالى لا مفر منه:
﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ راكضٌ لعلك تلحق الطائرة، وتسرع لتلحق السيارة والقطار وكذا.. وبعد ذلك وفي آخر السفر وإذ تأتيك رسل الله عزَّ وجلَّ تقول لك تفضل اخرج مِنْ الدنيا، ومِنْ بيتك ومِنْ زوجتك، ومِنْ مالك ومِنْ جسدك، إلى لقاء الله تعالى: ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾ وكلٌّ أعمالك وأضابيرك في محكمة الله عزَّ وجلَّ، والنتيجة عند اللقاء، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ الذي أخذ القرآن:

يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13)
[سورة مريم]

(يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) يعني اقرأه بقوة الفهم، وبقوة العِلم وبقوة التطبيق وبقوة العمل، (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ) صار حكيمًا فأوتي الحكمة، (وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا) على مخلوقات الله عزَّ وجلَّ (وَزَكَاةً) زكَّينا نفسه (وَكَانَ تَقِيًّا) فهذه روضة الأطفال في القرآن العظيم: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) وكأنَّ القرآن يقول: "علِّموا صبيانكم الحكمة وهم لا يزالون في دور الطفولة".
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ إذا أخذ كتاب أوامر الله عزَّ وجلَّ الذي هو القرآن في الدنيا باليمين عِلمًا وعملاً وتعليمًا وإرشادًا للآخرين ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ أيضًا بطاقة دخول الجنة يُعطاها بيمينه، كما أخذ العمل بالقرآن بيده اليمنى، كذلك يُعطى إجازة وتذكرة دخول الجنة بيمينه.

الحساب اليسير:
﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ ما أحلى الحساب اليسير، عندما يخرج الموتى مِنْ قبورهم وتُعاد إليهم أرواحهم:

لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
[سورة الأنبياء]

(وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ) أهلاً وسهلاً (هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
[سورة الزمر]

فما أحلى أنْ نسمع هذا الاستقبال وهذا الترحاب عند اللقاء، ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ أنت أيها المسلم وأيها المؤمن وأنتِ أيتها المؤمنة يا تُرى هل ضمِنت لنفسك أنْ تعمل بالقرآن بقوة يدك اليمنى، بكلِّ طاقتك؟ لأنَّك يمكن أنْ تموت بعد لحظة. وقف شخصٌ أمام الصنبور ليتوضأ فسقط ميتًا، وآخر ذهب ليقبض معاشه فسقط ميتًا، وواحدٌ نام في فراشه فلم يستيقظ، فإنْ لم يكن مهيأً.. إذا وقع في الكنيف ومدعو للقاء الملك، وليس لديه وقت وأتوا وأخذوه، وهو واقع في الكنيف؛ فأيُّ لقاءٍ سيكون لقاءه مع الملك؟ سيُؤثر أنْ يموت ولا يحصل ماذا؟ اللقاء في الوقت.

يؤاخذ الإنسان على الكلمة:
سمعت سيدتنا عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مدحه لضرتها صفية رضي الله عنها، فقالت له: (إلى متى تمدحها؟) يعني أشغلتنا بصفية، (حسبك مِنْ صفية أنَّها قصيرة) فلو لم يكن فيها مِنْ عيبٍ إلَّا قصرها لكفاها، وأنت ما تزال تمدحها؟ فغضب رسول الله وقال:

{ عائشة لقد قلت كلمة، لو ألقيت في بحر لأنتنته (10) }

[سنن أبي داود]

حسنًا إذًا؛ فيا تُرى هل يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلامًا فارغًا أم كلُّ كلامه حقائق؟

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)
[سورة النجم]

قالت: (يا رسول الله ما قلت إلَّا ما فيها) هي حقيقة أنَّها قصيرة، فقال: (لو قلت غير ما فيها لبهَّتيها) لافتريتي عليها الكذب والإفك والبهتان، هذه قصيرة؛ وهذه الكلمة (لو ألقيت في بحر لأنتنته) وإذا كان المرء يصنع أكثر مِنْ كلمة قصيرة قولاً وعملاً باليد وبالرجل وبالأذن وبالبيع وبالشراء وبالمعاملة فكيف سيلقى الله عزَّ وجلَّ عند قوله ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾؟ وبأيِّ رائحةٍ سيدخل على حضرة الله عزَّ وجلَّ؛ وبأي صورة: أبيض الوجه أم أسوده؛ وطيِّب الرائحة أم خبيثها؟ أمسكت الشرطة العسكرية به:

يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)
[سورة الرحمن]

لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
[سورة الأنبياء]

يا تُرى هل نقرأ القرآن لنفهمه؟ وهل نقرأ القرآن فنتأثر به؟ إنْ وضع الغذاء في جوف وفم الميت هل يعطيه قوةً؟ ويعطي لعينه النظر ولأذنه السماع ولرجله المشي؟ لذلك قال الله تعالى:

إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ۖ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)
[سورة النمل]

(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ) فالذي يقرأ القرآن لا ليفهمه، ويقرأه لا ليعتبر ويتَّعظ به، ولا ليعمله فسواءً قرأه أو سمعه فهذا ينطبق عليه قول الله تعالى: (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ) الطّرش (الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) يُناديهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فبدل أنْ يُقبلوا إليه يركضون مُدبرين ومُنهزمين، (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ) تريد أنْ تأخذ بيدهم لتمشيهم على الطريق وهو يريد أنْ يمشي على عماها فيسقط في بئرٍ أو تدهسه دابة أو إلى آخره..

شهادة الأعضاء على الإنسان بما عمل:
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ فهل أنتم مُتيقنون بأنَّكم ستلقون الله عزَّ وجلَّ؟ أجيبوا. ومُتيقنون ومؤمنون بأنَّ أعمالكم مُسجَّلة عليكم؟ الآن يستطيع الإنسان أنْ يحصُر ويُسجِّل كل أعمال الإنسان الآخر، نطقًا وحركةً وعملاً، فهذا عمل الإنسان مع الإنسان؛ فكيف بعمل الله عزَّ وجلَّ مع الإنسان؟ في الإحصاء والتصوير:

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
[سورة يس]

وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
[سورة فصلت]

مِنَ العدم، فالذي خلقكم مِنَ العدم ألا يستطيع أنْ ينطِقَكم في المحكمة الإلهية كشهود؟ تشهد عليك أعضاؤك، فما أعظم هذه التربية القرآنية؟ فلو وُجِدَت هذه التربية القرآنية فهل هناك حاجةٌ في المجتمع إلى السجون وإلى المحاكم الجنائية، والجزائية والحقوقية، وهل هناك حاجةٌ إلى الشرطة؟ ففي زمن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم تكن هناك شرطة ولا سجون، ولا يأتي المذنب؛ بدوي زنى، فالمذنب في نفس الوقت يكون شاهدًا على نفسه، ويكون القاضي والحاكم على نفسه، وبماذا؟ بالإعدام، "زنيت فطهِّرني"، سبحان الله ما هذا القرآن، ومدرسة القرآن وتربية القرآن؟ مع الأسف يا بنيَّ الجامع كمستشفى؛ لكنْ مفقودٌ أطباؤه، مزرعة طيبة التربة غزيرة الماء ولكنْ بلا مزارعين تنقلب إلى صحراء ولا تُربِّي إلَّا الأفاعي والوحوش. فنريد أنْ نكون مسلمًا، يعني المسلم الحقيقي؛ مسلم العِلم ومسلم القرآن، مسلمة العِلم ومسلمة القرآن.

السماء تسمع وتخشى بينما بعض النَّاس كالأنعام:
فهذه الآية وحدها يا بنيَّ ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ أمَرَ الله عزَّ وجلَّ السماء بالانشقاق:

وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
[سورة الفرقان]

﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ امتثلت، ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ ما معنى أذِنَت؟ يعني استمعت بالإصغاء والاهتمام ﴿وَحُقَّتْ﴾ يحقُّ لها أنْ تسمع وتطيع، فهل أنت عند أمر الله عزَّ وجلَّ تمتثل أمر الله عزَّ وجلَّ، وتأذن وتسمع لأمر الله عزَّ وجلَّ، ويحق لك وعليك أنْ تسمع؟

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)
[سورة الأعراف]

فهل يكون إنسانٌ طيارٌ بلا مُعلِّم، ونجارٌ بلا معلِّم وحلاقٌ بلا معلِّم؟ فلا بدَّ لكلِّ عِلمٍ مِنْ معلِّم، وإنْ لم ترتبط بالمعلِّم برباط الحب والتفاني والتقدير والتكريم والتعظيم.. لمَّا دخل سيِّدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه وهو جريحٌ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (قوموا لسيدكم)، تكريمًا لسيادته الإيمانية رضي الله عنه.

وجوب إعداد العدة للحساب بين يدي الله عزَّ وجلَّ:
الخلاصة: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ ما هو الحساب اليسير؟ وَرَد في حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد سألته عائشة رضي الله عنها:

{ ما الحسابُ اليسيرُ ؟ ! قال : أن ينظر في كتابِه }

[مسند أحمد]

ويكون تاب وأقلع عن كل رذائله، وفسوقه وجهله وجاهليته، وتاب توبةً نصوحًا واستقام على سراط الله عزَّ وجلَّ:

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (82)
[سورة طه]

يقول الله تعالى: (لِمَنْ تَابَ) كيف تاب؟ تاب بلسانه وعينه وأذنه، ويده ورجله وجلسائه، وأصحابه وأحبابه، فكلُّه مجتمع الخير، وكلُّ أعضائه تعمل للخير ولطاعة الله عزَّ وجلَّ، قالت رضي الله عنها: (ما الحسابُ اليسيرُ ؟ ! قال : أن ينظر في كتابِه)(11) ومُسجَّل عليه ما عمله من ذنوب؛ لكنَّه أتبَعها:

{ وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها وخالقِ الناسَ بخُلقٍ حسنٍ (12) }

[سنن الترمذي]

(تَابَ وَآمَنَ) آمَن بالقرآن، ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾ يعني إذا تعرف أنَّك وأنت مسافر وسينزل المطر بعد ساعة ومعك غطاء، فماذا تفعل؟ وإنْ كنت في المنزل ولم تخرج بعد، وعرفت أنَّ المطر سينزل، وآمنت فماذا تصنع؟ ستأخذ معك المعطف والغطاء، فنحن مؤمنون على أساس أنْ نستعد لما أخبرنا الله عزَّ وجلَّ به؛ فبذلك يكون المسلم مسلمًا والمسلمة مسلمةً؛ وإلَّا بالأماني والغرور فهذا يا بنيَّ:

وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا(28)
[سورة النجم]


اتخاذ القرآن إماما:
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ يا تُرى هل فكر كلُّ امرءٍ منا في ذلك الموقف؟ وقبل أنْ يوزعوا الكتب، فهل يعرف أنَّه سيأخذ كتابه بيمينه أم بيساره؛ أم مِنْ وراء ظهره؟ الذي رمى القرآن وراء ظهره ولم يجعله إمامًا له، والذي كان القرآن إمامه فإنْ قال له القرآن حرام يقتدي ويقول له حرام، والفرض فرض أحِب فيُحب، وعادي فيُعادي وتكلم مع فلان فيتكلم، ولا تتكلم فهذا يا بنيَّ:

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
[سورة الفرقان]

(ما الحسابُ اليسيرُ؟! قال: أن ينظر في كتابِه) يرون أنَّه عمل كثيراً من المعاصي، وصنع مشاكل؛ لكنَّه تاب إلى الله عزَّ وجلَّ توبةً نصوحًا، وصار مقابل كلِّ سيئةٍ عملها يعمل حسنةً، توازيها بالثقل وبالطول وبالعرض؛ حتَّى تذهب الحسنات وتمحُ السيئات، وآمن:

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (82)
[سورة طه]

(تَابَ وَآمَنَ) ثمَّ (وَعَمِلَ صَالِحًا) ثمَّ (اهْتَدَىٰ) وطلب مجالس العلم والهداية والتربية، فقال الله عزَّ وجلَّ أنا أغفر لهؤلاء (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ) والذي يسلك هذا الطريق، فأناشدكم في الله عزَّ وجلَّ هل يربح في الدنيا قبل الآخرة أم يخسر؟ أناشدكم بالله عزَّ وجلَّ، وهل يمكن أنْ يكون هذا بدون مَنْ يُعلَّم الكتاب والحكمة، ويزكي النفوس؟ فهل يصير عِلمٌ بلا معلِّم؟ وإذا كان الإسلام أعظم شيءٍ في الدنيا عِلمه وعمله والتدريب عليه، وتربيته فلو كان المعلم في الصين وذهب أحدنا ماشيًا والله؛ أو زحفًا على بطنه ووصل إلى مَنْ يُعلِّمه الكتاب والحكمة والتزكية فوالله بذل قليلاً وأخذ كثيراً.

كتاب الإنسان عليه شهيد:
﴿إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ بعد كلِّ هذا الكدح الذي تكدَحه، تأخذ سيارةً وتُعمِّر بناءً وتزرع مزرعةً وتعمل معملاً؛ ثمَّ كلُّ هذا للرمي، فمتى ما وضعوك في الحفرة فبالنسبة لك صار كلُّ ذلك أصفارًا على الشمال؛ أمَّا الذي يُثبت ﴿فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلنا ممَّن نأخذ كتاب الله عزَّ وجلَّ في حياتنا بيدنا اليمنى ونعمل بكلِّ ما فيه، بعد أنْ نفقه ما يأمر فنمتثل وما ينهى ويُحرِّم فنجتنب ونبتعد، ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾، (ما الحسابُ اليسيرُ ؟! قال : أن ينظر في كتابِه) في السنة الفلانية كان يعصي والسنة الفلانية كان زانيَا والسنة الثالثة كان سكيرًا، والسنة الرابعة كان إلى آخره.. وفي السنة السابعة عشر والله تاب، وتاب التوبة بمعناها الحقيقي، يعني سيارة الأطفال الصغار البلاستيكية اسمها سيارة؛ لكنْ هذه السيارة هل تسافر بك إلى بيروت؟ تسافر بك إلى مشفى المجانين، ومِنْ حقيقة التوبة أنْ يمحو سيئات ماضيه بحسنات حاضره ومستقبله، إذا أسأت فأحسن:

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (114)
[سورة هود]

ينظرون فيرون والله تاب، وتاب عن كلِّ أعماله الفحشاء، وعن كلِّ رفاق السوء ومن كلِّ السهرات، وركض إلى صحبة أحباب وأولياء الله عزَّ وجلَّ.

قصة في التوبة:
يُقال بأنَّ أحدهم كان عبدًا وكان سيده مدمن خمر ورفاقه، ومَنْ هم رفاق مدمن الخمر؟ مدمنون أيضًا، فكانت عنده سهرة، والظاهر بأنَّها كانت فجأة وأراد أنْ يكرمهم، فبماذا سيكرمهم؟ بالخمر، فأعطى لعبده أربعة دراهم، وقال له: تشتري لنا خمرًا، الخلاصة: والعبد في طريقه، والظاهر أنَّه سمع صوت مذياع وصوت درس، وسمع كلامًا استهوى قلبه ونفسه، وقال والله لأجلس عشرة دقائق، فطوال عمري في خدمة هذا الفاسق العاهر الفاجر، فلأجلس قليلاً في جلسة ذكر الله عزَّ وجلَّ، وكتاب الله عزَّ وجلَّ لعل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُنجي لي قلبي، وفي نهاية الجلسة ولـمَّا انتهى الشَّيخ قال: يا إخوان هناك رجلٌ بينكم فقيرٌ محتاجٌ لأربعة دراهم، فمن يُعطيه أربعة دراهم وأنا أدعو له مقابلها أربع دعوات؟ ولأمرٍ أراده الله عزَّ وجلَّ، يريد الله عزَّ وجلَّ أنْ يُسعد العبد وسيده، فقال العبد له: أنا أعطيه. ودفع له الأربعة دراهم، وهو أخذهم مِنْ أجل ماذا؟ ثمن الخمر، قال له: ماذا تريد أنْ أدعو لك؟ قال: قبل كلِّ شيءٍ أنا عبدٌ ولست حرًّا، فادعُ الله أنْ يُلهم سيدي أنْ يُعتقني. فدعا له الشَّيخ، والثانية؟ قال له: هذه الأموال ليست لي؛ بل أمانة فادع الله عزَّ وجلَّ أنْ يُعوض علي. فدعا له الثالثة أيضًا. فقال له: والله سيدي رجل وفيه مكارم الأخلاق ومتواضع وكذا.. ويا حسرتي عليه إنْ كان من حطب جهنم، فادعُ الله عزَّ وجلَّ له بأنْ يهديه. أيضًا دعا الشَّيخ فالرابعة، الخلاصة: دعا له الرابعة، وعاد هذا بخفي حُنين، وقد مضت ساعة وساعتان وأولئك جالسون ينتظرون وأتى والسلة فارغة، الخلاصة أيضًا السلة فارغة لم تجلب شيئًا، وأراد أنْ يُعنِّفه فقال له: انتظر لأخبرك. وحكى له القصة مع الشَّيخ. فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يوفقنا يا بنيَّ، الله يوفقنا فبلحظةٍ واحدةٍ تُسعد الإنسان وتُسعد الآخرين؛ لكنْ نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُعرفنا بمن نجالس. فقال له سيده: إنْ شاء الله أنت من دفعهم للشيخ؛ ليدعو لك بأربع دعوات؟ قال له: والله نعم. قال له: أحسنت. قال له: فماذا دعا لك؟ قال له: دعا لي قبل كل شيء أنْ يُعوِّض الله عليَّ. فقال له: هذه فبدل كلِّ درهم عشرة آلاف درهم، فهؤلاء لك ما دمت هكذا تُكرِّم الشَّيخ. رحمهم الله يا بنيَّ رحمهم الله.
وأسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يعين المسلمين في زمننا الحاضر مِنْ إهمالهم للمشايخ انقرض المشايخ ولم يبقَ شيوخ، فترى كثرة الفنانين وكثرة الرقاصين، وكثرة المغنين ويأخذون الألقاب، نجم وشمس وقمر وفن وإلى آخره.. والشَّيخ رجعي، هذه حرب على الإسلام بالنسبة لكم أنتم، فلو عرفتم قدر العِلم وقدر الشَّيخ، فأنتم تكفون وزيادة. قال له: والدعوة الثانية؟ قال له: أنْ أصير حرًّا. فقال له: أنت حرٌّ مِنْ أجل خاطر الشَّيخ لوجه الله تعالى، والثالثة؟ أن يغفر الله لي ذنوبي. قال له: والله هذه يا بنيَّ ليست بيدي، ففي تلك الليلة سيده يرى ربَّ العزة في المنام ويقول له: فعلت تلك الخصال مِنْ أجلي، وعجزت عن الأخيرة؟ فقد غفرت لك وللشيخ ولأهل بيت سيدك وللعبد، فاخرجوا مغفورًا لكم واستأنفوا العمل. فنسأل يا بنيَّ الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا الإيمان بالقرآن.

فرحة من يأخذ كتابه باليمين:
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ قال: فيُتجاوز له عمَّا في كتابه؛ وإنَّه:

{ مَن نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ (13) }

[صحيح البخاري]

إنْ قال الله عزَّ وجلَّ لك لماذا هكذا فعلت؟ ألم أُعطك السمع وألم أُعطك البصر، وألم أُعطك الحياة وألم أُعطك الزوجة، وألم أُعطك النعم؟ (مَنْ نوقش الحساب عُذِّب)، وفي رواية (مَن نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ).
﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
[سورة الحاقة]

انظر للعلامات يا أبي كلهم امتياز. هذا أمرٌ صغير؛ أمَّا غدًا فتأخذ كتابك بيمينك وترجع إلى زوجتك وأمك وأهلك، انظر أبي أنا أخذت كتابي باليمين، فأنا مِنْ أهل الجنة، يستحق ذلك لأنَّه أخذ أوامر الله عزَّ وجلَّ عملاً وتطبيقًا، وتنفيذًا وتعليمًا، وأمرًا بمعروفٍ ونهيًا عن المنكر.

مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ:
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴾إنْ قال له القرآن:

وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
[سورة الإسراء]

فهو يهجُم على الزنا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
[سورة الحجرات]

لسانه يُشغِّله بالغيبة .

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (106)
[سورة الأنعام]

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
[سورة البقرة]

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)
[سورة النساء]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)
[سورة النساء]

وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
[سورة البقرة]

فإذا أخذت هذه بيدك اليمنى وطبقتها فتكون ممَّن؟ ﴿وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾، وإنْ رميتها وراء ظهرك ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴾ يده مكبلةٌ إلى الخلف الشمال، ويُعطى كتابه باليسار، ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ ما هو الثبور؟ الهلاك: يعني يا ثُبور، ويعني يا هلاك تعال وأهلكني لأفقد الحياة ولأنجو مِنْ عذاب الله عزَّ وجلَّ، ﴿وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾ إلى جهنم سيشوى شويًا، ﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ لا يعرف إلَّا اللهو والرقص وتضييع الوقت فيما يضرُّ ولا ينفع.

عقاب من ظن أنَّه لا يوجد رجوع إلى الله عزَّ وجلَّ:
وقالوا أحسن الأشياء إذا كان يصرف الوقت فيما لا يضر وما لا ينفع، ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ ظنَّ أنَّه لا يوجد رجوعٌ إلى الله عزَّ وجلَّ، ولا يوجد لقاءٌ مع الله عزَّ وجلَّ، ولن يُطلب إلى محكمة الله عزَّ وجلَّ، وظن أنَّه لا ينتبه لأعماله فلن ينتبه لها الله عزَّ وجلَّ ولا ملائكته، ولم يعرف أنَّه:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
[سورة الزلزلة]

الذرة التي في الهباء، فإذا وُجِدت طاقةً ودخل شعاع الشَّمس، فيكون في هذه الطاقة ذرات الهواء، قال إنْ عملت مثقال ذرةٍ مِنَ خير سترى المكافأة عليه وشرًّا أيضًا سترى المجازاة عليه؛ أين نحن ذاهبون؟
فالمسلم الجهول الجاهلي يقول لك فورًا: غفورٌ رحيم، يعني هو فوق الله عزَّ وجلَّ؟ يقول الله عزَّ وجلَّ: أنا لا أغفر إلا:

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (82)
[سورة طه]

وهو يقول لله عزَّ وجلَّ لا أنت كلامك ليس مقبولاً؛ مرفوض، أنا أغفر له بغير توبة، ومِنْ غير إيمان بالقرآن، ومِنْ غير عمل صالح ومِنْ غير أنْ يهتدي إلى صراط الله عزَّ وجلَّ المستقيم، فيكون مع الشياطين أو يكون مع الأباليس، ومع أبي جهل ومع أبي لهب، ويقول اغفروا لي. فكم هذا يا بنيَّ مِنْ غرورٍ ومِنْ شقاءٍ ومِنْ تعاسة، ﴿إِنَّهُ ظَنَّ﴾ لماذا يفعل هكذا؟ لأنَّه ظن تيقَّن ﴿أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ ظنَّ عدم الرجوع إلى الله عزَّ وجلَّ، وظن أنَّه لا يوجد حسابٌ بين يدي الله عزَّ وجلَّ، وظنَّ أنَّ أعماله غير مُسجَّلة ويقول القرآن:

مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
[سورة ق]

مَلَك حفيظٌ حاضر، يُراقب ولا يفارقه إلَّا عند الاستنجاء وعند الجماع.
﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى﴾ سيرجع إلى الله عزَّ وجلَّ، وسيُلاقي الله عزَّ وجلَّ وسيُلاقي عمله ﴿إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ ليس الملائكة هي التي تشهد وتُسجِّل أعمالك فقط؛ بل الله عزَّ وجلَّ أيضًا معك يراك ويعلم سرَّك، ويعلم نجواك ويسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، فعلى ماذا نويتم يا إخواني بعد أنْ سمعتم كلام الله عزَّ وجلَّ؟ فهل أنتم ﴿كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ أم ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ إذًا ملاقيه فهل نستطيع أنْ ننظر إلى حرام أو نتكلم بحرام؛ أو نسمع الحرام أو نجلس في مجلس حرام؛ أو نصاحب مَنْ يدلُّنا أو نشاركه في حرام؟

القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين دون غيرهم:

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
[سورة النساء]

(شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) شفاءٌ لمن؟ للمؤمنين ورحمة، شفاء للمرضى ورحمة وزيادة سعادة لأهل التقوى، (وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) يسمع لا ليفهم ولا ليعلَم ولا ليعمَل ولا ليُعلِّم هذا ظالِم، فلا يزيده القرآن إذا سمعه (إِلَّا خَسَارًا).
اللَّهم اجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعل خيرَ أيامنا يا ربِّ يوم لقاءك، وارفع مقتك وغضبك عنا وعن المؤمنين وعن عبادك أجمعين؛ وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّدٍ وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
فاعلم أنه لا إله إلا الله؛ لا إله إلا الله مُحمَّد رسول الله، اللَّهم تقبَّل منَّا هذه التهليلة المباركة، وأوصِل ثوابها إلى حضرة نبينا مُحمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؛ ثمَّ إلى روح شيخنا وأستاذنا وقرَّة أعيننا؛ ثمَّ إلى روح والدنا ووالدتنا وولدنا زاهر ووالدته؛ ثمَّ إلى أرواح والدينا ومشايخنا وأحبابنا والمسلمين أجمعين، اللَّهم رُدَّنا والمسلمين جميعًا إلى صراطك المستقيم، وإلى كتابك الكريم ورُدَّنا أجمعين ردًّا جميلاً يا أرحم الراحمين، ووفِّق رئيسنا لما تُحبّه وترضاه، واجعل على يديه خير هذه الأمة في دينها ودنياها، وأيده بنصرٍ مِنْ عندك في حالتي السلم والحرب، ووفق جميع ملوك ورؤساء وأمراء المسلمين لما تُحبّه وترضاه، ووفَّق علماءهم ليبلغوا رسالة نبيك تبليغًا صالحًا، واغفر لنا وارحمنا وتُب علينا وعافنا واعفُ عنَّا، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّدٍ وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:
(1) صحيح البخاريُّ في الأدب، باب رحمة النَّاس والبهائم، رقم: (6011), ومسلم في البرِّ والصِّلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم: (2586).
(2) مسند الفردوس للديلمي, (3/419).
(3) صحيح البخاري, كتاب الجزية, باب إثم من قتل ذمياً بغير جرم, رقم: (6914).
(4) سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
(5) سنن ابن ماجه، افتتاح الكتاب، باب فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (224).
(6) المعجم الكبير للطبراني، رقم: (6040)، (6/212)، المستدرك للحاكم، رقم: (6541)، (3/691).
(7) سنن أبي داود، كتاب الجهاد: باب في كراهية حرق العدو بالنار، رقم: (2675)، ولفظه: عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها)), ولم أجده باللفظ الذي ورد في الدرس.
(8) سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (223). وأبو داود، أول كتاب العلم، باب: الحث على طلب العلم، رقم: (3641). والترمذي، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682).
(9) صحيح البخاري، كتاب الإيمان: باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان: باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43).
(10) سنن أبي داود, أول كتاب الأدب، باب في الغيبة, رقم: (4875).
(11) أحمد, رقم: (24215), (40/260).
(12) سنن الترمذي، أبواب ما جاء في البرِّ والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس، رقم: (1987), وأخرجه أحمد في مسنده في مسندِ الأنصار، باب حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، رقم: (21354).
(13) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن: باب {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}، رقم: (4939)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إثبات الحساب، رقم: (2876).