تفسير سورة الحديد 01

  • 1992-08-07

تفسير سورة الحديد 01

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم وأخويه سيدنا موسى وعيسى وجميع إخوانه من النبيين والمُرسلين وآل كلٍّ وصحب كلٍّ وأحباب كلٍّ أجمعين، وبعد:
فنحن في تفسير آياتٍ من سورة الحديد سبق معكم قول الله تعالى:

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
[سورة الحديد]

بالشرائع الواضحة التي لا شقاء فيها ولا عناء، كما قال نبيّنا وحبيبنا سيدنا محمد: "بُعثت بالشريعة السمحاء ليلها كنهارها"

الإسلام دين عالمي وهو خاتمة الأديان وهو مجمع الأديان:
ما هو الذي يمكن أن يُشتبه فيه أنه معقولٌ أو غير معقول؟ نافعٌ أو غير نافع؟ فمن الوضوح والظهور، فلولا الشُبه يصبح واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، لا يزيله عنها عن هذه الشريعة البينيّة المتينة الواضحة إلا هالك، هالك في حياته الروحيّة، وفي حياته الجسديّة الدنيويّة، لأنَّ الدين العالمي الذي أتى لها حياة الروح وسعادتها، أتى مُرفِقاً لهذه السعادة سعادة الجسد.
الأديان أتت محصورةً في قوم نبيها وقوميةً، أتى الإسلام عالميّاً، أتى الإسلام خاتمة الأديان، وصار مَجمَع الأديان، وحّد الأديان في قوله تعالى:

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
[سورة البقرة]

كل كتب الأنبياء التي نزلت بشرائع السماء احتواها الإسلام بأصولها وقواعدها وأهدافها، وزاد عليها بناء الدولة، فالإسلام دينٌ ودولة، ويتعانقان ويمتزجان كما تمتزج الروح في الجسد.
الإسلام والسلطان أخوان توأمان لا يسند أحدهما دون الآخر، فالإسلام الذي يعلمه للحكّام وللحكمة، فدولة لا تقوم على العِلم وعلى العقل وعلى الفضائل ومكارم الأخلاق، فالإسلام أسٌّ لهذا الأساس، والسلطان حارس، فما لا أُس له، فمجتمع دولة لا تقوم على العِلم وعلى العقل الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها ويفعّلها في أوقاتها، ويزِّنها بمقاديرها الدقيقة، فما لا أُسَّ له وما لا حارس له، إذا المدارس لا تدعم العِلم، والحكمة، والأخلاق فما لا حارس له يضيع، الآن الإسلام يحتاج إلى الحارس الذي يحرس علومه وحكمته وقواعده الأخلاقية.
فأرجو الله أن يوفق كل ولاة الأمور في العالم الإسلامي ليقوموا بأداء رسالتهم العالميّة، المسلمون أُوكل إليهم:

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143)
[سورة البقرة]

الآن يدعي هذا العمل هيئة الأمم ومجلس الأمن لكن بخيانةٍ لا بأمانة، يكيل الناس بمكيالين بحسب مصالح الدول الخمسة الكُبرى، وعلى رأسهم أمريكا، لمّا يكون لهم مصلحة يُناصروا مصالحهم، ولمّا لا مصلحة لهم فمجلس الأمن ومن عشرات السنين فإذاً ما هو مجلس الأمن بقدر ما هو مجلس دول الفيتو وعلى رأسهم أمريكا، نستطيع أن نُسميه بمجلس الأمن الأمريكي، الحوادث وإراقة الدماء، والاعتداء على الأطفال والنساء والرجال في الهِرسك والبوسنَّة لأنَّهم مسلمون، صار خمسون ألف قتيل، المُهجرين، المُعتقلين، الذين يُعذبون ويُقتلون في الاعتقالات، تحت سمع وبصر مجلس الأمم، ومجلس الأمن، والفاتيكان، فكأنَّها حرب صليبيّة تحمل الحقيقة وتحمل الدلائل والبراهين كالشمس الساطعة، والمسلمون الآن على قضبان سكة الحديد والقطار يُصفِّر، وموكب الموتى وهم لا يزالوا في غفلتهم ساهون، وإذا ما وُجِد العقول الكبيرة والقوى المُخلِصة لإيقاظ العقل الإسلامي، والروح الإسلامية في ظلال القرآن فسيظل العرب والمسلمون طُعمةً ولُعبةً للصليبيّة، وإن كانت كَفرت بالصليب، لكن لا يزال الصليب المُمَثل باستعمارهم والمُبطن باستعمارهم لا يزال على ما هو عليه، لكن كل سنة يأخذ لوناً من الألوان، فالأفعى السامة سواءً كانت سوداء، أو صفراء، أو طويلة، أو قصيرة فالسُم لا يختلف، والهلاك منها لا يتأخر، فهل ننتظر الرحمة من هؤلاء قُساة القلوب؟! إذا نحن لا نرحم أنفسنا ونطلب لنا الرحمة من أعداء الإنسانية وأعداء أنفسهم، المُسكِرات، المُخدرات، الجنس، حتى الله ضرب لهم مثل:

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
[سورة البقرة]


طريق النجاة:
لا يوجد نجاة إلا بالإسلام الحقيقي، وقرآنه الصحيح، فإذا كل مسلم لم يعتبر نفسه هو المسؤول، كل واحد منكم أنتم، حتى الصغير،الكبير، المرأة، المُتزوجة، العزباء، الطالبة، كل إنسان منا مسؤول يجب أن يبذل الجهد لتعلُّم الإسلام قرآناً، وتعلُّم تلاوته وإجادة النطق بأحرفه، نتعلم التجويد لزيادة الفهم لأحكامه ووصاياه، وأوامره ونواهيه، لوجوب العمل والتطبيق، وهذه لا ينال المريض صحةً بدون الطبيب، وآلةٌ وجهاز خَرِب لا يعود إلى صلاحيته وأداء ما صُنع من أجله إلا بمهندسٍ ميكانيكي مُختص، أما بالدعاء مهما دعا أن الله يُصلح الجهاز هل ممكن؟! قطعة القماش إذا أردت أن تجعلها ثياب مهما دعيت الله واستغثت بالملائكة لا تصبح ثياب، لأنَّ النبي يقول:إذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه.
"وافعل الخير ما استطعت ولو كان قليلاً ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركاً لأقله"، الطفل الصغير يُعلِّم صديقه الصلاة، ويُعلِّمه الصلاة بالمسجد، ويُعلِّمه الكذب حرام، ويُعلِّمه أنَّ طاعة الوالدين فرض، وغضب الوالدين حرام، ويُعلِّمه حُبّ الله، ويُعلِّمه أن يكون نافع للناس لا يُؤذي أحد، لا بكلمة ولا بعمل، والمرأة مع جارتها، مع صديقتها، مع قريبتها.
كان النبي يقول:

{ نَضَّرَ اللهُ امرأً سمِعَ منَّا شيئًا فبلَّغَهُ كما سمِعَهُ، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى من سامِعٍ }

[الترمذي وابن ماجه وأحمد ]

نضّر الله امرأً، يعني الله يُجمِّله، يُعطيه الجمال الكامل في صورته، المرأة ملكة الجمال، هذا الجمال آخره التراب والدود، ولكن في جمال خالد أبديٍّ سرمديّ يستمر مع الإنسان من عالم السماء إلى عالم الأبد.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
[سورة القيامة]

ناضرة يعني جميلةٍ مشرقةٍ منيرة.
(نَضَّرَ اللهُ امرأً سمِعَ منَّا شيئًا فبلَّغَهُ كما سمِعَهُ، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى من سامِعٍ) نضّر الله امرأً يعني يجعله ملك جمال سمع مقالتي فوعاها، يعني إذا أحد قال لك انتبه خلفك يوجد أفعى، هذه إذا مدّدت يدك إليها تلدغك وتموت، هذا كلام توعيّة، الطفل إذا حذّرته أمه أو أبوه هل يمدُّ يده إلى الأفعى؟! هذا الوعي.
فالحرام يا ترى المسلم هل يعيَّ أنه سُمٌّ قاتل لإيمانه ومُخرِب لسعادته؟ هذا الوعي هذا يحتاج إلى قلبٍ ذاكر، قلبٍ حاضر، يحتاج إلى طبيب داعي إلى الله، مُرشد ينقلك من الظلمات إلى النور.

الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(1)
[سورة إبراهيم]

النبي يقول: (نَضَّرَ اللهُ امرأً سمِعَ منَّا شيئًا فبلَّغَهُ كما سمِعَهُ، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى من سامِعٍ) فالذي سمع من النبي والذي بُلَّغ له حديث النبي، ممكن أن يكون ينتبه للكلام أكثر من الذي سمعه من النبي، أكثر من الذي سمعه من الشيخ، لكن على كل حال صار له ثواب المُبلِّغ والداعي والآمر والناهي.
وبالحكمة والموعظة، بكل لطف، بكل رفق، بكل تواضع، بكل حب، بكل إخلاص، نحن هذا نبدأ به وإلى أين نصل لا نعرف، ولا تتعامل في السياسة مُطلقاً، داعي إلى الله يعمل في السياسة! هذا عمل لا أرضى به لكل داعي إلى الإسلام، دع السياسة لأهلها، النجار يعمل بنجارته، والحداد يعمل بالحدادة، الصيدلي يعمل بالحدادة! والحداد يعمل صيدلي! يختلط العملين.

الميزان الذي أنزله الله تعالى:
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)، الميزان هو شريعة الله عز وجل، كما أنَّ الميزان يُبيّن لك أن الوزن صحيح أم غير صحيح، حقك كامل أم ناقص، فكذلك الله أنزل شريعته ميزاناً للخلق ليزِنوا به أعمالهم، ليعلموا الفرق بين العمل الصالح المُسعد، والعمل الباطل المُشقي المُتعس، يعلموا به الفرق بين العدل والظلم، بين السعادة والشقاء، بين الهُدى والضلال.
(وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ) يوجد أناس بالكتاب، بالميزان يصلوا إلى الطريق المستقيم، طريق السعادة، ويوجد أناس لا يكفيهم ذلك، "العبد يُقرع بالعصا، والحرُّ تكفيه الإشارة،" فإذا لم يُنتفع بالعِلم والتعليم واللّسان فبالعصا.
لكن لمّا كان المُرشد الأول خاتم النبيين والمُرسلين، ومن أعطاه الله من نور قدسه ما لم يُؤتى بشرٌ مِثله، استطاع أن يؤسس أُمة، ومجتمع من الحضيض إلى الأُمة الدُرَّة، دولة بلا شرطة، مجتمع بلا سجون، أُمّة بلا محاكم ولا قُضاة، دولة بلا ميزانية، الميزانية عند الحاجة، بلا جيش، عند الحاجة كل أفراد المجتمع والأُمة ذكوراً ونساءً جنودٌ مُهيئين لسماع مُنادي هيا إلى مُقارعة العدو، هذا لم يحدُث في تاريخ العالم يا ابني.

الإسلام أكثر الأديان انتشارااً:
من وفاة النبي امتدت دولة العرب التي كان لا وجود لها، أمة عربية تحت الذُّل والاستعمار الفارسي والروماني، بعد وفاة النبي بخمس وعشرون سنة امتدَّت دولة الأمة العربية دولة السَّماء إلى الصين وإلى اسبانيا، كان إذا العرب أرادوا الدنيا أتى الإسلام وأعطاهم الدنيا، وإذا أرادوا الآخرة هذه الآخرة، إذا أرادوا أرض هذه أرض، وإذا أرادوا سماء هذه سماء، ولكن بلا الإسلام لن يصلوا لا إلى أرض ولا إلى سماء، يجب أن يَصِلوا الأرض بالسماء.
فلسطين يا ابني متى سُميت إسرائيل؟ في دولة الخلفاء الراشدين هل كان يوجد دولة اسمها إسرائيل؟! في الدولة الأموية؟ في العباسيين؟ في العثمانيين؟ في هذا القرن الذي بَعُدّنا فيه عن الإسلام، عن حقيقته، حتى نحن المشايخ يا ابني إذا دخلنا تحت المجهر النبويّ والقرآني لا يجب أن نلّوم الآخرين، بل نلّوم أنفسنا نحن أيضاً بعيدين، فإذا ما شئت أن تُسمّي، رجال دولة وسياسة مُتعاونين مُتآخين، مُخلصين، في تاريخنا وتُراثنا ووجداننا والعقل الحكيم، وإلا يا ابني هذه إسرائيل لن تقف عند فلسطين تريد من الفرات إلى النيل، وعندها خريطة أكبر إلى اسطنبول، وخريطة أكبر إلى منابع البترول، وخريطة أكبر مكة والمدينة، المال المتروك يُعلِّم اللص ويدفعه إلى السرقة.
(وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) يا ترى العلماء والمشايخ درسوا هذه الآية أو كلمة من الآية؟ وعنوان السورة الحديد، ليصنعوا لأنفسهم منه تجاه أعدائهم ليصنعوا البأس الشديد؟ فإذا ما فهمنا إلا شديد قلقلة، وشديد مدّ طبيعي، وأرسلنا الراء فخّمناها، هل هذا هو فقط القرآن يا ابني؟ إذا قرأنا على السبعة أو الأربع عشر أو الأربعة آلاف قراءة، قراءة الألفاظ هل هذه فقط نزل من أجلها القرآن؟ ومن أجلها قام النبي بما قام، ومن تحمُّل أذى لم يتحمله نبيٌ قبله، هل لهذا نزل القرآن؟ ونحن يسموننا مشايخ أو علماء على مسؤوليتهم، وأيضاً مشايخنا يا ابني كم أئمة يوجد في البلد؟ عمائم، والعمائم قماش لكن كرمز والعِلم بمعناه الحيّ الذي هو العلماء ورثة الأنبياء، النبي عليه الصلاة والسلام أقام الأمة العربية وإلى خمسة عشر قرن اللّغة العربية والإسلام على كل ما فيها من ضعف يزحف في الشرق والغرب، أما لو وُجد الوسائل الكافية بالمعنى الحقيقي الجوهري الصحيح فنحن سنكون أقوى من مجلس الأمن وأقوى من هيئة الأمم، وإن شاء الله في العشر سنوات القادمة سنُلاقي خيراً كثيراً.
الإسلام يمتّد في أمريكا بشكل خاص كما حدثني رئيس جامعة في واشنطن جامعة كاثوليكية قال لي: الإسلام في أمريكا أكثر الأديان انتشاراً وهو الدين الثاني في أمريكا.
(وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) هذه إشارة إلى الصناعة الحربية، والصناعة العسكرية، وفي سورة سبأ الله ذكر عن داوود وصناعته للأسلحة الحربية وداود للصناعات المدنيّة، العلماء ورثة الأنبياء إذا الأنبياء كانوا مُدراء مصانع ومُستخرجين للمعادن شيء من القوة والبأس الشديد تجاه المنافقين وشيء

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
[سورة سبأ]


شروط نجاح الأمة:
بعد ما ذكر قصة سبأ، الأمة تنجح لمّا تجمع بين المحرابين، أن تكون صناعيةً زراعيةً، فسورة سبأ الله ذكر النبيين والصناعتين الحربيّة والمدنيّة، وبعدها ذكر قصة سبأ والزراعة وما أسست سبأ من تحويل الصحراء إلى جنَّةٍ خضراء، يا ترى لمّا المفسرون فهموا المعاني استنبطوا منها أنه يجب خاصةً في القرون الأخيرة وبدء النهضة الأوربية التي أخذوا جذورها من مشايخ ما قبل ألف سنة أو ما قبل خمسمائة سنة، ابن رشد يسمونه شيخ النهضة الأوربية، (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) هذه العسكرية، (وَمَنَافِعُ) هذه مدنيّة.
(وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ )أنزلنا عليك القرآن لتتعلموا بعض الوسائل

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)
[سورة الأنفال]

فبأسٌ شديد قوّة عسكرية، ومنافع هذه قوّة اقتصاديّة، وقوّة صناعيّة، وقوّة زراعيّة، لتعملوا بما علمتَّكم، ولتقوموا بالتنفيذ ليراكم الله عند تنفيذ هذه التعاليم الإلهيّة التي هي قوتكم العسكرية والاقتصاديّة، والصناعيّة بكل أنواعها،(وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) أي ينصر دينه، الله ليس بضعيف حتى يستنصر بنا أو يطلب معونتنا! النصر لدينه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة محمد]

يعني تنصروا دينه، وأوامره وشرعه، (وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) نحن نؤمن بالغيب، ما رأينا الله بأبصارنا لكن نراه بعقولنا ببصائرنا.

قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (101)
[سورة يونس]

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
[سورة فصلت]

الدلائل على وجود الله، عظمة الله، قدرة الله،( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ) شمس، قمر، جبال، نجوم، سماوات وإلى آخره، (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ) العلم تطبيقٌ وتنفيذ.

نصرة دين الله:
علم الله الأزليّ هذا اسمه القضاء والقدر، والعِلم الثاني علم الله في نفوذ القضاء والقدر عند الوقوع هذا العِلم الثاني، يعني العِلم الأول الله يعلم، لكن هل عَلِم الله منك تنفيذ أحكامه؟ نُصرة دينه؟ وهذا العِلم هو العِلم لتنفيذ أوامر الله (مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) لكن قانونك في الحياة أن يكون الإنسان ذو عمل، إن الله هو الرزّاق فهل يعني أن الله يحضر الملعقة ويضعها لك في الطعام ويُطعمك؟! الله خلق لك أرض، وبذار، وماء، فأنت يجب أن تزرع، وزوجتك تطبخ، وبعد ذلك تأكل.
إن الله هو الرزّاق أعطاك وسائل حتى تُحقّق الهدف من الحياة والبقاء، قويٌ الله لا يحتاجكم حتى تَنصروه، لكن خُلقت ضمن هذه القوانين الإلهيّة التي نسميها الطبيعية، وعزيز الله عز وجل لا يُقهر حتى يحتاج إلى نصرتكم والاستعانة بكم.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(26)
[سورة الحديد]

ليكون قادراً على تبليغ رسالة الله، وفي ظِل ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً لم يَكلّ ولم يَملّ، ولم يَتقاعس، والأذى أشكالاً وألواناً، وبلا راتب، وبلا مكافأة إلا أنَّه وظِّف عند الله وكُلِّف بتبليغ رسالته لمخلوقاته، ليُخرجهم من الشقاء إلى السعادة، ومن الجهل إلى المعرفة.

وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ (37)
[سورة النجم]

أمرَّه الله بذبح ولده فامتثل، وأُلقيَّ في النار فما تراجع ولا نكس، فكافئه الله عز وجل جعل في ذريتهم الأنبياء والرُسل إلى خاتم النبيين سيدنا محمد.
يعني واحد يَصدُق مع الله والله لا يَصدُقه! يُوفي مع الله والله لا يَفي له؟! هذا في قانون الله لا يصح يا ابني، قانون الله

مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(160)
[سورة الأنعام]

قانون الله

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة النحل]

الحياة الحسنة، القوة، العقل، العِلم، الكرامة.

الصلاة معراج المؤمن:
(وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) صار له سنين في الإسلام وكأنه لا يريد لا دُنيا، لا الحياة الحسنة في الدنيا ولا في الآخرة، والذي يأتي إلى المسجد من أجل الصلاة الجسديّة ولا يعرف الصلاة القلبيّة الروحيّة، ولا الصلاة العلميّة الإدراكيّة، يعرف الصلاة أوامر الله، ما يقرأه من القرآن أوامر ونواهي ووصايا وبلاغات ربانيّة.

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
[سورة العنكبوت]

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
[سورة طه]

تقرأ القرآن ذاكراً، حاضر القلب مع الله، تصير داعياً لأوامره مع هذا الحضور تخرج من الصلاة.
الصلاة معراج المؤمن، عُروج وارتفاع درجة في الأخلاق، وفي العقل، وفي الحكمة، وفي كل شيء.

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)
[سورة الأنبياء]


استحقاق ميراث النبّوة:
(وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) التوراة فيه ذُرِّية إبراهيم، والإنجيل، والقرآن، والزبور قال: كذلك لم يعرف إذا كان من ذُريّة النبيّ لأنَّ النبيّ أن يكون على قدم أبيه أو جده قال: (فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) قال من ذرية الأنبياء الرُسل القليل منهم الذي يستحق ميراث النبوة، والعِلم، والحكمة، أما الكثير الأكثر غافلون تائهون عن طريق آبائهم وتتبُّع آثارهم وخلافتهم فيما استخلفهم الله فيه، فالنسب التُرابي للنبي أو للرُسل، أو للعلماء، أو للأولياء، هذا لا يصل به إلا إذا مشى على هديِّهم وطريقهم، وإذا عكس الحال فتكون عقوبته مُضاعفة، ومنزلته عند الله أسوأ من منزلة من لا نسب له، والنبوّة، والرسالة، والعِلم، الله قال:

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
[سورة الأحزاب]

قال لي أنا من ذرِّية نوح، ولا يمشي على طريق نوح، هذا بالعكس هذا الله يجعل عقوبته مضاعفة، وإذا كان من ذرية ومن نسب آباء صالحين ومشى على هديِّهم:

وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
[سورة الأحزاب]


الخروج عن شريعة الله وعن تقوى الله هو الفسق:
فلذلك الله عز وجل قال: (فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ) أي بعضهم مهتدٍ، أما الكثير (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)عجلة القطار إذا خرجت عن السكة يقول فسقت العجلة، فسقت العجلة أي خرجت عن السكة وعن الطريق الذي ينبغي أن تسير فيه، وكذلك إذا الإنسان خرج عن شريعة الله إلى معصيته، من تقواه إلى أهوائه، إلى أنانيته، سواء ماليّة أو نفسيّة، أو شهويّة، أو مظاهر، أو أي شيء من حظوظ النفس هذا اسمه الفسق

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)
[سورة الأعراف]

العُجب هذا من الكبائر، إذا الله أنعمَّ عليك بنعمة العِلم أن تقرأ لا يجب أن تعجب بنفسك، الكبر أن تعلو على الآخرين، أو الرياء تعمل إذا رآك الناس وإذا ما رأوك لا تعمل، هذا كله يعتبر من الكبائر من الفواحش الباطنة التي لا يعلمها إلا الله، ومُهلكة للعمل.
المُرائي الذي بنى المسجد ليراه الناس أو ليسمعوا به هذا حَبُط عمله، وهكذا العِلم ليمدحه الناس بالدرس ويُعجب بكلامه الناس، ليستميل قلوب الناس، إذا لم يكن هدفه بكل ذرة في وجوده "إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي" فليذهب ويعمل حداد أو نجار أفضل له، لأنّ الحداد لا يُرائي بحدادته، وإذا راءا الحداد في صنعته الله لا يؤاخذه، لأنَّ هذا ليس من المُراءاة، أما أن يعمل عمل الآخرة وعمل الدين بقصد الدنيا أو الهوى، أو الأنانية، لذلك يا ابني

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
[سورة البينة]

وكما ورد: " الناسُ كلُّهم هلكى، إلا العالمون، والعالمون كلُّهم إلا العاملون، والعاملون كلُّهم غرقى، إلا المخلصون، والمخلصون على خطرٍ عظيمٍ"
وكما كان النبي يقول:

{ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُكثرُ أن يقولَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك فقلت يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال نعم إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ }

[أخرجه الترمذي وأحمد وابن ماجه]

الله عز وجل يُوقظ قلوبنا، ويحيي قلوبنا بنور الله، وبمراقبة الله، وبالإخلاص لله فيما نقول وفيما نعمل.

مهمة الكثير من الرسل :

ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
[سورة الحديد]

بعد نوح وإبراهيم الله أرسل أنبياء كثر، نبيٍّ إثرَّ نبي وكما يقول الله عز وجل:

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
[سورة فاطر]

مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15)
[سورة الإسراء]

(وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أيضاً أتبعنا الأنبياء السابقين عيسى وآتيناه الإنجيل، الإنجيل معناه البشارة بشيراً ونذيراً، وآتيناه الإنجيل فيه هدىً للضالين، ونور ينير الطريق للسائرين إلى السعادة.
(وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) كان من تعاليمه عليه الصلاة والسلام: من ضربك على خدك الأيمن فأدِر له خدك الأيسر، هذا نص الإنجيل، ومن أخذ ردائك فأعطه حزامك، إذا أراد أن يأخذ بنطالك أعطِه القميص أيضاً، جرّب واحد مسيحي وقل له أريد أن أضربك على خدك اليمين يا ترى هل يعطيك الشمال؟! إذا أخذت منه بنطاله هل يعطيك قميصه؟! هل تجد مسيحي يُطبِّق الإنجيل؟ّ وكذلك المسلمين يا ابني الله وصف المسلمون:

وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)
[سورة الرعد]

هذا نص الإنجيل ضربك على خدك الأيمن فأدِر له خدك الأيسر، هذا لا يدرأ بالسيئة الحسنة هذه في ذلّ وخنوع وخصوصاً من الأعداء، لكن الإسلام قال فوق ذلك، هو يُسيء إليك وأنت تُحسن إليه، لمّا الله أنزل:

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
[سورة الأعراف]


الوصول إلى قمة الإسلام:
فالنبي سأل جبريل ما معنى هذا؟ ما المقصود منه؟ ما تفسيره؟ فأجابه جبريل هو أن تصل من قطعك، هذه آية واحدة نحن مأمورين أن نؤمن بكل القرآن، أنتم يا ترى تقبلوا من الله هذه الآية؟ تؤمنوا بها؟ أنتم مستعدون أن تؤمنوا بهذه الآية فقط ؟ أن تصل من قطعك، كل واحد يُفكّر من قاطعك؟ من جيرانك، من أهلك، من أصدقائك، وأن تَصِله لله وبالله بلا أي هدف ولا أي فائدة دنيويّة لا مادية ولا معنوية، وتُعطي من حرَمك، لمّا كان غني كان يمنعه، أفقره الله فأغناك، أن تصل من قطعك، وتُعطي من حرمك، وتعفو عن من أساء إليك، هذه أبلَّغ من إذا ضربك أدِر له خدك لأنك أنت أعنتّه على الظلم وعلى الجّور، أما هذه أن تقابل الإساءة بالإحسان، والقطيعة بالصِلة! هذا هو في قمة الإسلام لا نُعمّمه على الكل، ويوجد آيات قال:

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
[سورة الشورى]

آية ثانية (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ )هذه مثل الآية يقابل السيئة بالإحسان.
النبي دخل مكة فاتحاً، قاهراً، على رأس الجيش، فنكس بابنته جَملها حتى سقطت فأجهضت فماتت، لمّا أتاه القائد مُسلماً نَظَر له وسامحه ولم يُقاصصه، ولم يُجابهه، هذا إسلام يا ابني، وهذا الإسلام في القمّة، فدائماً إذا أردت أن تأخذ طقم وأمكنك أن تأخذ أحسن طقم ويوجد إمكان لا تُقصِّر، إذا أردت أن تأخذ الطعام إذا تملك الطاقة تأخذ أحسنه، الزوجات إلى آخره، نحن إذا أردنا أن نعمل ما في ذروته لماذا هذا التقصير في الإسلام؟ يا ترى أنؤمن بالقرآن؟ أنؤمن بالآخرة؟ أنؤمن بكلام الله؟ دليل الإيمان، إذا تركنا العمل بكلام الله هذا يعني نحن غير مؤمنين

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)
[سورة المائدة]

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
[سورة البقرة]


انعكاس صورة روحك في الآخرة:
يقول بلسانه، يخادعون الله، الله لا ينخدع ولكن خداعٌ للنبي يعتبر وكأنه مُخادعة مع الله، ثم يقول الله (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) الذين كانوا يأتون إلى النبي يُظهرون الإيمان ويُبطنون الكفر، والله يا ابني لن نعيش عمر ثاني، نستدرك تقصيرنا في صنع وبناء أرواحنا في عالم الخلود والبقاء، صورتك التي الآن تتصور الدار الآخرة في عالم الروح في الجنة أنت الآن ترسمها بريشة أعمالك، وإيمانك، وأخلاقك، وسلوكك، فإذا كانت أعمالك فاسقة، وأخلاقك قبيحة، فكيف ستكون صورة روحك؟ يقال عن آزر والد إبراهيم يوم القيامة يطلب من الله أن يشفع فيه ليدخل الجنة! فيقول له اذهب إليه وانظر له فإذا استطعت اشفع له، فيراه بصورة زيخٍ مُنتن، الزيخ هو الضبع، يرى أبوه ضبع، فإذا أراد أن يدخله معه الجنة، فيقولوا إبراهيم ابن هذا الضبع النتن، بل سيتبرأ منه، ويهرب منه، ولا يجعل بينه أي صلّة لا نسبيّة ولا غير نسبيّة، كذلك روحك غداً بعد الموت تصبح بشاكلة إيمانك وأعمالك، تقواك أو فسقك، صدقك أو كذبك مع الله، في دينك، مع قرآنك، المسألة يا ابني الآن وقت الدراسة السنويّة، لكن عند الموت تطلب أن تصلي ركعتين، نصف ساعة أذكر الله

لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)
[سورة المؤمنون]

إذا خرجت من الدنيا هل تظن أنك سترجع؟! إذا كنت بنت هل تستطيع أن تعود صبي هل تستطيع أن ترجع وتلِدُك أمك مرة ثانية؟!

وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)
[سورة المائدة]

هدى من الضلال، ونور تنير الطريق، طريق للناس إلى سعادتهم.

وصف الله تعالى للمؤمنين:
(وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً) الرأفة الرحمة في قمتها وفي ذُروتها، ورقِّة القلب على مخلوقات الله عز وجل، (وَرَحْمَةً) كما وصف الله المؤمنين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
[سورة المائدة]

{ مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى }

[صحيح مسلم]

إذا رأس إصبعك فيه انتفاخ الألم سينزل إلى الكف، وطول الليل الجسم كله يستيقظ من أجل ظِفرك، هكذا النبي وصف ترابط مجتمع المسلمين في توادُّدِهم، بأي رباط؟ الآن بدل رباط التوادُّد والتراحم والتعاون، رباط التباغض، والتحاسد، والأحقاد، والإيذاء.

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)
[سورة البقرة]

إلى متى يا ابني؟ أنت ضامن نفسك بعد سنة، بعد يوم، بعد أسبوع؟ قد تموت شاباً، كم واحد يكون يأكل فيسقط ويموت؟
(رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا) لمّا قسطنطين فرض الأناجيل الأربعة وأحرق ما سواها بمؤتمر نيقيّة، بما أوجب تأليّه سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام مدينة كبيرة من النصارى وعلى رأسهم الراهب آريوس، هذا آريوس كان من كِبار الرُهبان، وكان أكثريّة الرُهبان الذين كان يجمعهم يزيد عن ألفي راهب لتبليغ العقيدة المسيحية، فكان يدعو إلى وحدانيّة الله، فالأمور ليس بمحل أن نقوم بتفصيلها، فقسطنطين حكم بتأليه سيدنا عيسى عليه السلام، وحورب آريوس وجماعته واضطهدوا وقُتل آريوس، الذين ليسوا من جماعته يقولوا لأنه لم يؤمن بإلوهية المسيح فالرّب قتله، والطريقة الثانية أنه دُسَّ السم فيه فقُتل مسموماً.
الخُلاصة: فلمّا بقيّ المُوحدون اضطهدوا من قبل الدولة الرومانية، فآووا إلى الجبال فراراً بدينهم وتركوا الدنيا وتركوا النساء، وتركوا ترفهم، ونسوا الأصحاب.

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
[سورة الكهف]

كذلك الفتية لمّا فُرض عليهم عبادة الملوك، والشرك بالله، فرّوا بدينهم إلى الجبال وتفرغوا لعبادة الله وأعرضوا عن الدنيا لأجل سلامة دينهم وإيمانهم، كذلك حصل نفس الموضوع لأتباع سيدنا عيسى الذين وصفهم الله ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً).
الآن مسيحيي أمريكا وأوربا هل يوجد في قلوبهم رحمةً ورأفةً؟! لو كان المقتولين في الهرسك لو كانوا مسيحيين عند المسلمين لقامت الدنيا وما قعدت، لو كانوا يهوداً عشرة لقامت الدنيا وما قعدت، من بوش إلى غرباتشوف، الماء لا يؤّمنوه لهم، الخبز يدّعون أنهم سيُرسلون المؤن والحماية والغذاء، مثل الأغنام التي تؤخذ إلى المسلخ أو إلى المذبح يؤمنوا لها العلف في المسلخ، أما حمايتهم والدفاع عنهم والوقوف إلى جانبهم في ظل قوانين هيئة الأمم ومجالس الأمن كلها ضحك على ذقون الشعوب المستضعفة بما فيهم المسلمون، والمسلمون يا ابني خمسون دولة تقريباً، المؤمنون في توادهم وتراحمهم، المسلمون الآن في تفرقهم، وتمزقهم، وتصاغرهم، واختلافاتهم كالجسد الواحد؟! أم كالجسد المُتفسِّخ والذباب عليه؟ لا يستطيع الجسد المُتفسِّخ أن يدفع عن نفسه إيذاء ذبابة، فأصغر وأضعف وأقل أُمم الأرض تُذِّل الإسلام والمسلمين، المسلمون في الصومال يَقتتلون في أفغانستان يَقتتلون، أين الإسلام يا ابني في توادهم وتراحمهم؟ لمّا يقول المؤمنون هذه صفاتهم، ما صفات الماء؟ أن لا يكون فيه ملوحة أو طعمٍ غير عذب، فإذا كان فيه مازوت هل اسمه ماء؟ إذا كان الفم الآن الذي أخاطبكم به في حدود نطاقك بيتك، عائلتك، أسرتك، أصدقائك، جُلسائك، يجب أن لا تُجالس إلا الرجل الصالح، إذا كان غير صالح يجب أن تسعى لهدايته، هذا فرض عليك كما يُفرض على المُصلّي أن يتوضأ، إذا صلّى من غير وضوء تُقبل صلاته؟

الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر :
إذا كنت مسلم ولا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وبالحكمة والموعظة الحسنة فأنت تُخرِج نفسك من الإيمان، الله يقول في سورة التوبة

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
[سورة التوبة]

الآن المسلمون أولياء بعض؟! دولاً، شعوباً، المسلمون أفراد، بعضهم أولياء بعض؟
كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: "ما جادلت أحداً إلا وأريد أن يَغلبني، لأنّي إن غُلبت انقاد للحق، أما إذا غلبته قد يتمرد على الحق " هذا الإخلاص يا ابني.
( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بعد الاتحاد الدرجة الثانية يأمرون بالمعرف وينهون عن المُنكر، المرأة مع المرأة، والطفل مع الطفل، والطالب مع الطالب، والطالبة مع الطالبة وبالسوق، الدكان الذي بجانبك ادعوه إلى الله، ادعوه إلى مجلس العِلم والذِكر، ماذا استفدت من قراءة سورة نوح؟ ومن قصة نوح التي ذكرها الله عشرات المرات؟ ومن قوله تعالى

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)
[سورة العنكبوت]

أنت تقول أنا قلت له ولم يرضى، كم المدة التي أخذتها؟ خمس دقائق، سيدنا نوح ما المدة التي استغرقها ؟ وكم عدد الذين آمنوا به؟ الله قال

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)
[سورة هود]

لمّا تقرأ القرآن هل تعرف ما المقصود منه؟ المقصود منه أنت كُن نوح زمانك، دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وآمن معه إلا سبعون، فأنت يجب أن لا تكلّ ولا تملّ، عندما تقرؤوا سورة نوح أو قصته في القرآن الكريم هل تفهمون هذا المعنى؟ كان الآباء يُوصّوا الأبناء، والأجداد يوصُّون الأحفاد، أنّه إياكم أن تصدقوا هذا الأفاك الكذّاب فإنه صاغرٌ، مع الضرب والإهانة والسُباب والشتائم والإيذاء، كم بقي ثابت؟ هل تؤمنوا بهذا القرآن أم لا تؤمنوا فيه؟ هذا للقراءة بلا إيمان! المقصود من القرآن التلاوة أم الإيمان؟ الإيمان بالقلب أم بالقلب وبالعمل؟ سنموت يا ابني، هل تؤمنوا بالآخرة؟ هل تؤمنوا

وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
[سورة النمل]

هل تؤمنوا

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
[سورة الأحزاب]

هل تؤمنوا (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).
(وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ) فيه هدىً للضالين، ونور تُضيء الطريق للعُميان، وهذا النور أيضاً يأتيك يوم القيامة في طريقك إلى الجنة وإلى الصراط.
( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً)،هذه إذا كان في قلوب الذين اتبعوا سيدنا موسى، والذين اتبعوا سيدنا محمد ألا يوجد في قلوبهم رأفة؟ ألا يوجد في قلوبهم رحمة؟

المسلمون رُحماء فيما بينهم ورُحماء على مخلوقات الله:
ألم يقل النبي

{ الرَّاحِمونَ يَرحَمُهمُ الرَّحمنُ، ارْحَموا أهْلَ الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السَّماءِ }

[أخرجه أبو داوود]

ارحموا المسلمين يرحمكم من في السماء، هكذا الآية؟! (ارْحَموا أهْلَ الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السَّماءِ) من في الأرض فقط المسلمين؟ اليهود، النصارى، المجوس، الحيوانات أليسوا في الأرض؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول

{ غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ، مَرَّتْ بكَلْبٍ علَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فأوْثَقَتْهُ بخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ له مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بذلكَ }

[صحيح البخاري]

لا يوجد ماء، وعطشان، صحراء، ولا يوجد دلو وحبل حتى تسقيه، فنزلت في البئر وشربت ولمّا أرادت الصعود ملأت خُفّها يعني نعلها ملأت خُفّها وفمها ماءً لتسقي الكلب فسقته فشكر الله لها صنيعها، فغفر لها.

{ بينَما رجلٌ يمشي بِطريقٍ اشتَدَّ بهِ العَطشُ، فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها، فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ، يأكُلُ الثرَى من العَطشِ، فقال الرَّجُلُ : لقد بلغَ هذا الكلبُ من العَطشِ مِثلَ الَّذي كان بلغَني، فنزلَ البِئرَ فملأَ خُفَّهُ ثمَّ أمسكَه بفيِه فسَقَى الكلبَ فشكرَ اللهُ لهُ، فغَفرَ لهُ . قالوا : يا رسولَ اللهِ و إنَّ لنا في البهائمِ أجرًا ؟ قال : في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ }

[أخرجه البخاري ومسلم]

إذا أحسنَّا إلى الحيوان، في أوروبا يوجد جمعيات الرِفق بالحيوان منذ خمسين ستين سنة، أما الرِفق بمخلوقات الله إنسان و حيوان، بأيِّ دين، بأيِّ لون، بأيِّ قومية، من خمسة عشر قرن يا ابني، كل الأديان نزلت بالرحمة الإلهيّة على كل مخلوقات الله (ارْحَموا أهْلَ الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السَّماءِ) الله وصف المسلمون:

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
[سورة الفتح]

فهذه المعاني القرآنيّة يا ابني إذا لم تنعكس في نقاط أمورنا، وأعمالنا، وواقعنا، نقرأها تلاوةً، أو نسمعها من القُرّاء نغماً وموسيقى، هذه حُجّة الله علينا تزيد في بُعدنا عن الله، وتستوجب من الله علينا عدم رِضاءه، وما يُخلِّي الله بيننا وبين أعداء أمتنا المُتسلّطين علينا، (ارْحَموا أهْلَ الأرضِ يَرْحَمْكم مَن في السَّماءِ).
(قالوا : يا رسولَ اللهِ و إنَّ لنا في البهائمِ أجرًا ؟ قال : في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ) أي في كل مخلوق حيّ إن أحسنتم إليه من طعام أو شراب أو إنقاظ لكم أجر، فكيف الإحسان إلى الإنسان؟ إلى الأرحام، إلى الوالدين، إلى الجيران، إلى ابن السبيل؟ ابن السبيل هذا يسمونه حقوق الإنسان، ابن السبيل الإنسان غير المواطن، الغريب لكن الله قال

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]


الروح لا تبقى بروحانيتها الربانيّة إلا بدوام ذكر الله:
إذا لا تذكُروا الله حتى تجعلوا ذكركم مثل نَفَسكم، كما أن الجسد لا يعيش دون أوكسجين كذلك القلب والروح لا يمكن أن تبقى بأصالتها، وروحانيتها الربانيّة إلا بدوام ذكر الله.
(وَرَهْبَانِيَّةً) سلامة صدورهم، تركوا النساء، والأهل، والأموال، والأولاد، ولجؤوا إلى الجبال والكهوف والصحاري يعبدون الله فِراراً بدينهم.
قال (ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) أي ما فرضناها عليك في الحياة الدنيا.

{ يا عَبْدَ اللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهارَ وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فلا تَفْعَلْ، صُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا }

[أخرجه البخاري ومسلم]

بلغ النبي أن فئة من الصحابة اجتمعوا وتذاكروا فيما بينهم، فأحدهم قال إن الله غفر لنبيّه ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما العمل حتى يضمنوا سعادة الآخرة مستقبلهم الأبدي؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أُفطِر، وقال آخر: وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، هؤلاء مسلمون يا ابني؟! بماذا يفكروا؟ شغلوا كل طاقاتهم الفكريّة والشعوريّة، بماذا يفكروا؟ يفكروا بالدار الآخرة، بإيمانهم، يريدوا أن يخرجوا من الدنيا بإيمان صحيح، وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، يعني رهبانيّة، فبلغ النبي أمرهم فدعاهم فقال: أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء، ومن رغِبَّ عن سُنتي فليس مني

{ أنَّه بلغَهُ أنَّ رِجالًا يقولُ أحدُهم : أمَّا أنا فأصومُ ولا أفطرُ . ويقولُ الآخرُ : وأمَّا أنا فأقومُ ولا أنامُ . ويقولُ الآخرُ : أمَّا أنا فلا آكلُ اللَّحمَ، ويقولُ الآخرُ : أمَّا أنا فلا أتزوَّجُ النِّساءَ . فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : لكنِّي أصومُ وأُفطرُ، وأقومُ وأنامُ، وآكلُ اللَّحمَ، أتزوَّجُ النِّساءَ . فمَنْ رغِبَ عن سنَّتي فليس منِّي }

[أخرجه ابن تيمية]

وكان يقول:

{ لكلِّ أمَّةٍ رهبانيَّةٌ ورهبانيَّةُ هذهِ الأمَّةِ الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ }

[أخرجه أحمد]

سواءٌ جهاد العدو المُستعمر المغتصب، أو جهاد النفس والهوى.
(وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ) ما كتبناها أي ما فرضناها عليهم ولكن فعلوها ابتغاء رضوان الله، (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) منهم من ترهّب ولم يستمر، ترهبّ وما استقام على الرهبانيّة، فالله يُثبّتنا بقوله الثابت، قال: (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) منهم من ترهَّب فاستقام على أمر الله وهم قِلّة، وأما الكثير ما ثَبتوا وما استقاموا.

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)
[سورة فصلت]

أنت تطلب من ربك الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة.

{ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، قد شِبتَ. قال: شَيَّبَتْني هودٌ وأخواتُها }

[شعيب الأرناووط إسناده ضعيف]

سورة هود الله ذكر فيها هلاك الأُمم لمّا عصوا أمر الله وشرائعه، وأخواتها مثل سورة المرسلات والواقعة كلها ذكر الله فيها كيف عذّب الله الأجيال والشعوب والأمم لمّا تركوا صراط الله المستقيم ومشوا في طريق الإثم والضلال والشهوات والأهواء.
على قدر علم المرء يعظم خوفه فلا عالم الا من الله خالف وآمن مكر الله بالله جاهل وخائف مكر الله بالله عارف
{ الإمام الشافعي }
إذا واحد حذّرك من الثعبان، هل يوجد أحد لديه الشجاعة ليضع إصبعه في فمه؟! لا لأنه الإيمان قوي، فلما الله يُحذرنا من نار جهنم.

فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)
[سورة الفجر]


من أصول الدعوة إلى الله:
هل نخاف؟ لا نخاف! هل يوجد شيء بالأهواء؟ بالأماني؟ يوجد شيء من الجحود والكفر والعناد واللامبالاة؟ أين الأمر بالمعروف الذي هو أحد أركان الإسلام الثمانية؟ في بعض أحاديث النبي يقول: الإسلام ثمانية أركان أحدها الأمر بالمعروف وآخر النهي عن المُنكر.
على كل حال دعونا ندعو إلى الله، ونأمر وننّهى بالحكمة والمَوعظة الحسنة، إذا رأيت شخص مثلاً مُعرِض عن الله، مُخالف لشرائع الله نقول له: يا حبيب يا عيني، يا حبيبتي يا عيني امسحي حذائها، إذا كانت فقيرة ساعديها مثلاً، الناس بخير يا ابني، نكون أحييّنا بعض أركان الإسلام التي ذكرها الله في سورة التوبة: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).
نعود للآية (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) ما كتبناها عليهم ما فرضناها عليهم، ولكن فعلوها ابتغاء مرضات الله فما رعوها حقَّ رعايتها.

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
[سورة مريم]

(فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، ثم قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
[سورة الحديد]

فتقوى الله في سياق هذه الآيات أن نتقّي الله في معانيها، ونفهمها، ونتدبَّرها، ونعمل بها، تنفيذاً لأوامر الله، ووقوفاً عند حدود الله لا نتجاوزها إلى المحارم، نعمل بالوصايا رحمةً ورأفةً، نكون رحماء بيننا، أشدّاء على أعداء بلادنا، أعداء ديننا إذا أرادونا بسوء، هكذا يا ابني يُقرأ القرآن، وهكذا يُتلى، وهكذا يُسمع، وإلا "رُبَّ تالٍ للقُرآنِ بفيه والقرآن يلعنه"

نتيجة اتباع هديّ النبي وسنته:
(اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ)، الله أرسل رسوله بالبينات، وأرسل نوحاً، وإبراهيم، وأرسل سيدنا محمد، فالإيمان برسول الله، إذا آمنت بالطبيب وعندك قرحة بالمعدة ومنعك عن الحوامض والتوابل وأنت مؤمن بأنَّه طبيب حقيقي، ماذا تكون تجاه نصائحه وتوجيهاته مُمتثلاً أم مُتمرّداً مُخالفاً ؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
[سورة الصف]

{ مَثَلِي ومَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أوْقَدَ نارًا، فَجَعَلَ الجَنادِبُ والْفَراشُ يَقَعْنَ فيها، وهو يَذُبُّهُنَّ عَنْها، وأنا آخِذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِن يَدِي }

[صحيح مسلم]

فمن اتبع سنُّته وهديَّه نالَ سعادة الدنيا والآخرة، ومن الآن وإلى يوم القيامة سواءً كنّا أفراد أو جماعات أو حكومات.

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
[سورة الطلاق]

وكيلك المحامي إذا قال لك يجب أن تحضر الساعة الفلانية وتحضر الطوابع أليس وكيل؟ إذا تمشي على هديّه تكسب الدعوة إذا كنت مُحقّاً، وإذا وكلته وخالفت نصائحه وتعليماته تخسر الدعوة، فهل أنت متوكل على الله؟

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)
[سورة النساء]

(وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ)، من الإيمان أن نُحبَّ رسول الله أكثر مما نحب أنفسنا، وأهلينا، وأموالنا، وأولادنا، وكلَّ محبوب لدينا في هذه الدنيا، وهل ممكن لمحبٍ صادق أن يعصيَّ محبوبه؟! تركوا في سبيل محبة الله ورسوله أموالهم، وديارهم، وأوطانهم، وحياتهم، وأرواحهم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة محمد]

لكن بالعُنف أم باللطف؟ بالحمق أم بالحكمة؟ بالعِلم أم بالجهل؟

تقوى الصحابة وإيمانهم:
(وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) لمَّا الصحابة اتقوا الله وأمنوا برسوله آتاهم الله كفلين، ونصيبين، وأجرين؟ ما الأجرين والكفلين؟ أول واحد

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

كانوا مُستعمرين من الفرس والرومان فتحرروا، ثم قاموا ليُحرروا العالم لينقلوهم من الفقر إلى الغِنى، ومن الجهل إلى العِلم، ومن الظلم إلى العدل، وليُخرجوا الناس من عبادة الإنسان للإنسان إلى عبادة الرحيم الرحمن، كانوا يأكلون الجيفة، ويأكلون الدم من الجيَّف، لماذا قال الله:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(3)
[سورة المائدة]

أنت الآن هل يقول لك أحد لا تأكل الجيفة! أما الذين كانوا يأكلون الجيفة يقال لهم حُرّمت عليكم الميتة، والدم كانوا يجففوا الدم ويأكلوه لماذا؟ من الفقر والجوع، فكانت كنوز الدنيا تسقط على أقدامهم (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) الكفل الأول والنصيب الأول ما هو؟ (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) الحياة الحسنة، والمكانة الحسنة، والعِزّة الحسنة، والنصر الحسن، والدولة الحسنة، وكل شيء في الحياة صار حسناً لهم، (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) يعني الكفل الثاني (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) نور العِلم في الدنيا، صاروا أعلم علماء الدنيا، ونور في الدار الآخرة يأخذهم إلى الجنة، (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) في التوبة والإنابة، (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب وأناب، ورحيمٌ بمن تقبَّل رحمة الله عز وجل فالقرآن رحمة، النبيُّ رحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ومن تقبّل الرحمة رحمه الله، ومن تاب إلى الله غفر الله له.

لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
[سورة الحديد]

قال لئلَّا هذه اللام يسمونها زائدة، يعني ليعلم أهل الكتاب( أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) الفضل ما هو؟ الكفلين، الرومان هل يستطيعون أن يمنعوا هذا الفضل عن العرب لمّا اتقوا الله وآمنوا برسوله؟ كذلك الآن إذا اتقينا الله، التقوى امتثال أوامر الله واجتناب محارم الله، المسلمون الآن إذا رجعوا إلى الله، الله يُعيد إليهم عزتهم، وحدتهم، كرامتهم؟ (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ).

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
[سورة الروم]

(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) الرومان هرقل أراد أن يُرجع العرب إلى فقرهم، إلى ذُلِّهم، إلى استعمارهم هل استطاع؟ الفرس كانوا مُستعمرين الخليج، واليمن، أرادوا أن يقفوا أمام الإسلام الذي يريد إعزاز العرب ويجعلهم خير أمةٍ أُخرجت للناس، لكن لمّا اتقوا الله وآمنوا برسوله الإيمان الحقّ استطاع أهل الكتاب وغيرهم أن يحولوا بينهم وبين فضل الله؟

الاعتصام بالله تعالى:
(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ) فإذا وضعنا يدنا بيد الله، واعتصمنا بحبل الله، لا تستطيع قوة في الدنيا أن تحول بيننا وبين فضل الله، وكرامة الله، وعزة الله، وإعزاز الله لنا.
(وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ) لا بيد أمريكا ولا روسيا، بالله فإذا اتقينَّا الله وأطعنا الله ونصرنا دين الله، الله يقول:

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
[سورة الحج]

فكل واحد يا ابني ينصُر دين الله في حدود طاقته وإمكانيته، إذاً النصر في حدود ما يمكن ويُطيق، فهو مسؤولٌ عند الله يوم القيامة.
(وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) فكلمة يؤتيه من يشاء، مشيئة الله، والتفضّل بفضل الله على عباد الله، يا ترى بطريق الصدفة أو بطريق عدم الأسباب والمسببات، هل يأتي لوحده من الطريق أم هو قائم على الحكمة؟ الفضل لِمن يستحق الفضل، والنصر لمن يستحق النصر، والفضل لمن اتقّى الله حقّ التقوى وآمن برسول الله حقّ الإيمان، (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ).

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)
[سورة آل عمران]

يضل من يشاء، ويهدي بأسباب نملكها وتحت وإرادتنا واختيارنا، وإذا فيما لا نملك إذا أديّنا ما نملك يُعطينا الله القدرة على ما لا نملك.
(يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) الآن المسلمون لهم كفلان من رحمة الله؟ لا دنيا ولا آخرة، الأمم المتمكّنة صار لها في الدنيا حسنة لكن في الآخرة لا يوجد، أما بالإسلام في الدنيا وفي الآخرة.
(وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)، ومن يشاء الله أن يؤتيه ويتفضل عليه بفضله؟ لمن مدّ إليه يده بالطاعة والاستجابة لكلامه وقرآنه وهديّ نبيه (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

من روحانيّة الإسلام أنه اعتنى بالرقيق والجارية والأسير:
كان عليه الصلاة والسلام يقول: ثلاثةٌ يؤتون أجورهم مرتين، رجل تكون له الأَمة أي الجارية المملوكة فيُعلّمها فيُحسن تعليمها، انظر النبي كيف في الإسلام كيف فرض للرقيق من الحقوق الثقافيّة، والأخلاقيّة، والإحسانيّة، حتى إذا بلغ النضج من العِلم والأخلاق والإيمان، فالإسلام في سورة نوح يأمر سيده أن يكافئه ليفتح له باب الحرية من الرّق ومن العبودية.
ثلاثةٌ يؤتَّون أجرهم مرتين، رجل تكون له الأَمة، والأمة؟ الجارية، إذا كانت مملوكة أو رقيقّة، تكون له الأَمة الجارية المملوكة فيُعلّمها فيُحسن تعليمها يعني كل ما يجب أن تتعلم الجارية يُعلّمها من أمور الدين والدنيا، ليس فقط يعلّمها قال: ويؤدبها فيُحسن تأديبها، تزكية النفس، الآن الأم تُعلّم ابنتها أو الأب يُعلّم ابنته؟ إذاً الجارية الإسلام اعتنى بها، ابنتك ألا يعتني الإسلام بها؟!أنت مسلم؟ أنت مسلمة يا أم؟ هل تعرفين أن تُربي بناتك، أولادك؟ وأنت يا أب إذا كان الإسلام اعتنى بالأمة الجارية الرقيقة بهذا الشكل، ابنتك أولى أم الجارية، وابنك أولى أم العبد؟
ثلاثةٌ يؤتَّون أجرهم مرتين، رجل تكون له الأَمة، فيُعلّمها فيُحسن تعليمها، ويؤدبها فيُحسن تأديبها، ثم يُعتقُها، من الذي يُعتقُها؟ سيدها، ويتزوجها رَفعاً من شأنها وقيمتها في المجتمع، سيدها كان زوجها، قال: فله أجران.

الإسلام أتى مُصدقا لرسالة الأنبياء جميعا:
ومؤمنٌ من أهل الكتاب، يهودي أو نصراني الذي كان مؤمناً بنبيّه، ثم آمن بي، آمن بعيسى، وقال: أنا مؤمن أيضاً بمحمد، لن تخسر عيسى لأنَّ سيدنا محمد حريص في الإسلام على إيمانك بعيسى كحرصه على إيمانك بمحمد، الإسلام مجمع الأديان، مُصدِّقاً رسالة موسى، ورسالة عيسى، وكل الأنبياء قبلهم عليهم جميعاً أفضل السلام وأتمُّ التحيات، قال: آمن بنبيّه ثم آمن بي فله أجران.
والعبد الذي يؤدي حقَّ الله وينصح سيده، أصله يكون أسير، فالأسير من جملة ما يعامل إما أن يُطلق بلا أي مقابل، أو بفداءٍ مالي، أو يُسترّق بزمانهم هكذا كانت الدول تتعامل بعضها مع البعض، فالإسلام من قبيل المعاملة بالمثل، هكذا عامل الأسير كما يُعامل الأسير المسلم، لكن الفرق بين الأسير في ظل الإسلام وفي ظل الرومان والاستعمار، الرومان كانوا الأسير يُستَعبد، ويظلموه ويعذبوه، ويعاملوه كما تُعامل الدواب، أما الإسلام كيف عامل الرقيق؟ قال: يُعلّمها فيُحسن تعليمها، وإذا كان عبد يُعلّمه فيُحسن تعليمه، ويؤدبه فيُحسن تأديبه، ثم يُطلقه، ثم يُزوجه.
إذاً الإسلام ما حجز حريته ليستغله، ولكن حجز حرية الرقيق ليرفع مستواه العلمي، والتربوي، والعقائدي، ثم يُقدّم له كل مساعدةٍ بعد إعتاقه

{ ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ له الأمَةُ، فيُعَلِّمُها فيُحْسِنُ تَعْلِيمَها، ويُؤَدِّبُها فيُحْسِنُ أدَبَها، ثُمَّ يُعْتِقُها فَيَتَزَوَّجُها فَلَهُ أجْرانِ، ومُؤْمِنُ أهْلِ الكِتابِ، الذي كانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَهُ أجْرانِ، والعَبْدُ الذي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ، ويَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ. ثُمَّ قالَ الشَّعْبِيُّ: وأَعْطَيْتُكَها بغيرِ شيءٍ وقدْ كانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ في أهْوَنَ مِنْها إلى المَدِينَةِ. }

[أخرجه البخاري ومسلم]

فهكذا فعل الإسلام بالرقّ، فكان الرقّ أشبه بما يسمى بالتعليم الإجباري، والتثقيف الإجباري، والثقافة ليس عِلم عالي بل ما جمعت عِلماً وأخلاقاً، إذا كان أعلى الشهادات وليس عنده أخلاق هذا ليس مُثقف، هذا اسمه جاهل، فما فائدة العِلم إذا لم يرفع شأن حامل العِلم إلى المستوى العلمي والأخلاقي الرفيع؟! الله يجعلنا من المؤمنين بالله وملائكته وقرآنه وجميع كتبه، واجعلنا من الموفقين بكرمك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.