تفسير سورة الغاشية 02

  • 1995-11-30

تفسير سورة الغاشية 02

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدًا يُوافي نعمه ويُكافئ مَزيده، وأفضل الصلوات وأتمُّ التسليم على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد وعلى آله وصحْبِه أجمعين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه مِنَ النبيين والمُرسلين، وآل كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين، وبعد:

معنى الغاشية:
فنحن الآن في تفسير بعض آياتٍ مِنْ سورة الغاشية، وسبق معكم أنَّ معنى الغاشية اسمٌ أو وصفٌ مِنْ أوصاف يوم القيامة، وسميت بالغاشية لأنَّ ما يراه الإنسان هناك مِنْ هول الموقف واجتماع بني آدم مِنْ خلق آدم عليه السَّلام إلى آخر الدنيا للحساب وللوقوف أمام الله عزَّ وجلَّ في محكمته، والأنبياء في محكمة الله عزَّ وجلَّ، يسألهم الله عزَّ وجلَّ: هل بلَّغتم عبادي رسالتي وشريعتي؟ ولذلك كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في حجة الوداع مناديًا: (ألا هل بلَّغت؟) لأنَّ الله عزَّ وجلَّ سيسأله هل بلَّغت؟ فيقولون: نعم، فيقول: (اللَّهم فاشهد):

يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)
[سورة المائدة]

فعندما يرى الإنسان أعماله صغيرها وكبيرها، علَنها وخفيَّها كلَّها مسجلةٌ عليه وتشهد عليه أعضاؤه وجوارحه وتشهد بقاع الأرض على خطاياه، وجهنم مشتعلةٌ منتظرة، وكتاب أعماله لا يترك ولا يغادر مِنْ أعماله صغيرةً ولا كبيرةً إلَّا كتبها وسطَّرها وأحصاها، يومٌ مِنْ أهواله:

فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
[سورة المزمل]

لذلك مِنْ أسمائه الغاشية:

يَغْشَى النَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)
[سورة الدخان]

الهمُّ العظيم والرّعب الكبير، فالأنبياء يمرُّون على الصراط ويقولون: اللَّهم سلِّم، سلِّم.

الخوف من الله تعالى من لوازم الإيمان:
كان سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لـمَّا تُوفي عثمان بن مظعون وأسياد مثله، وأثناء غُسله قالت زوجته أم مظعون هنيئاً لك الجنة! فغضِبَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال لها ما يُدريكي أنه مِنْ أهل الجنة، دُهِشَت وقالت: يا رسول الله إنه صاحَبَك وآمن بِك وجاهَدَ معك! فقال:

{ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ اليَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي (1) }

[صحيح البخاري]

ويقول القرآن:

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9)
[سورة الأحقاف]

إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175)
[سورة آل عمران]

فهذه المعاني فيها مِنْ لوازم المؤمِن صحيح الإيمان، يخاف مِنَ الله عزَّ وجلَّ مع كلِّ صلاحه وتقواه، قال الله تعالى:

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)
[سورة المؤمنون]

(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا) يعملون كلَّ الأعمال الصالحة، (وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ممتلئٌ قلبه مِنَ الخوف والوجل، (أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) يخاف ألَّا تُقبَلَ منه أعماله، فكيف بالإنسان الذي يقول أنَّه مسلمٌ ويترك فرائض الله عزَّ وجلَّ ويرتكب محارِمَ الله عزَّ وجلَّ ولا يُصغي لنداءات الله عزَّ وجلَّ؟

تلبية نداء الله عزَّ وجلَّ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278)
[سورة البقرة]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) مَنْ المنادي ومَنْ المنادى؟ كلُّ واحدٍ منَّا (اتَّقُوا اللَّهَ) يا تُرى هل سمعنا النداء، وهل استقرَّ النداء في القلب؟ عندما يستقر الطعام في المعدة يُهضَم ويُستقلَب ويصير دماً يُغذِّي كلَّ الخلايا ويُعطي الجسم القوة على العِلم، فيا تُرى هل هَضَم القلب والعقل هذا النداء وهل انقلب إيمانًا قويًّا يأتي بالأعمال التي فَرَضها الله عزَّ وجلَّ؟ فإذا لم تكن هذه الأوصاف هي مواصفات إيمانك، فعلى ماذا يدلُّ ذلك؟ يدلُّ على ضعف إيمانك، يجب أنْ تذهب إلى المستشفى، ويجب أنْ تُفتِّش على طبيبٍ يُداوي قلبك المريض:

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
[سورة البقرة]


وصول الصحابة إلى إيمان القرآن:
الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الله عزَّ وجلَّ وسفكوا دمائهم وبذلوا كلَّ ما يملكون مِنْ أموال:

كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
[سورة الذاريات]

وهاجروا إلى مدرسة الإيمان إلى المدينة وإلى الطبيب فتركوا أموالهم وأهلهم وتعرَّضوا للموت والهلكة وكلُّ ذلك في سبيل أنْ يبنوا إسلامهم مِنْ بناء القرآن، وأنْ يُقرأ القرآن في أعمالهم وفي أخلاقهم وأنْ تُقرأ حكمته في عقولهم وتصرفاتهم، وأنْ يروا نُصرَتهم لدين الله عزَّ وجلَّ، وأنْ يروا نصرة الله عزَّ وجلَّ لهم في شؤونهم وفي مشاقِّهم والأخطار التي تُحيط بهم، لذلك سُمِّيت الغاشية والقارعة والواقعة فهل آمن المسلم بها كما يُؤمن بالعقرب؟ إيمانه بالعقرب يجعله لا يمسه بيده ولا يجعله داخل قميصه، وإيمانه بالذهب عندما يُقدَّم إليه هل يُعرِض عنه ويزهَد فيه؟ فالإيمان:

{ ليس الإيمانُ بالتَّمَنِّي ولا بالتحلِّي، ولكن هو ما وقر في القلبِ ، وصدقَهُ العملُ (2) }

[شعب الإيمان]


الإيمان دليلٌ وجودي:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)
[سورة البقرة]

وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111)
[سورة البقرة]

ردَّ الله عزَّ وجلَّ عليهم فقال:

لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
[سورة النساء]

(قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) أنكم أنتم أهل الجنة، (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
اجتمع الصحابة واليهود مرةً فكلُّ فئةٍ تقول نحن أولَى بالجنة منكم، يقول اليهود نحن ديننا أقدم وديننا قبل دينكم، والمسلمون يقولون ديننا الجديد والحديث؛ فأنزل الله عزَّ وجلَّ رداً على الطرفين:

لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
[سورة النساء]

الإيمان دليلٌ وجوديٌّ يُفيد العمل به مِنْ عباداتٍ أو معاملاتٍ أو أخلاقٍ أو أيّ تصرفٍّ مِنْ تصرفاتك، فتتصرف حسبما يُخططه لك الإسلام، وإذا مشيت هذا الممشى فلا يمكن أنْ تُخفِق في عملٍ ما ولا أنْ تفشل ولا أنْ تُهزم في معركة.
أين المسلمون الآن مِنَ الإسلام، وأين المسلمون مِنَ القرآن، أين هم بين الأمم؟ ولا يظنُّ أحدكم أنَّ المسؤول في ذلك هم الحكام والحكومات، الحاكم هو مِنَ الأمّة فإذا كانت كلُّ الأمّة مؤمنةً فسيكون الحاكم مؤمنًا؛ فإذا لم يعتبر كلُّ واحدٍ منّا نفسَه أنَّه هو المسؤول وحده عن الإسلام، يتعلَّمه ليس فقط لسانًا وأذنًا بل يتعلَّمه من قلبٍ مليءٍ مِنْ خشية الله عزَّ وجلَّ ومحبَّته ومعرفته تظهر في أعماله وسلوكه وحبُّه وعدائه ومرغوبه ومجهوده؛ وكيف تريد أنْ تصبح نجارًا بدون مُعلِّم نجارة، هل هذا ممكن! وهل يمكن أنْ تكون سباحًا وتتعلَّم السباحة مِنْ كتب السباحة! هل يمكن أنْ تصير طيارًا بسماع دروس الطيران بدون أنْ تتعلَّم إلى جانب المعلِّم! فإذا لم تفتِّش عن المعلِّم المربِّي الحكيم المزكِّي فبمقدار ما ينقُص مِنْ بناء شخصيتك إيمانًا وحكمةً وعِلمًا يكون نقص دينك وإيمانك ونجاحك في هذه الحياة.

أسباب العداوة للإسلام :
نعود إلى تفسير الآية: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ يعني هل أتاك الإيمان والتصديق بها والعمل بمقتضاها؟ أنْ تكون أعمالك كلُّها موافقةً لسعادتك في أيام مشاهَدتها، الآن وصلتم إلى قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ كان كفار قريش كما هو حال كثيرٍ مِنَ المسلمين الآن، منهم مَنْ يُصرِّح ويُجاهر ويتباهى بعدم الإيمان وبالإلحاد وبالتنقيص للإسلام وللدين؛ لأنَّه لم يرَ الإسلام بصورته الوضاءة، وبصورته الحقيقية، فرأى ملكة الجمال وعليها ثوبٌ مِنَ البلاستيك بصورة غوريلا، وقد وضعوا داخل البلاستيك أيضًا شريط مُسجّل بصوت الغوريلا، وجعلوا لها جهازًا لتمشي، وفي ليلة عرس ملكة الجمال وقبل نصف ساعة دخلت العروس المزوَّرة بصورتها البلاستيكية وبصوتها المسجَّل إلى العرس، فماذا يكون حال المحتفِلات والمنتظِرات لملكة الجمال؟ أظنُّ أنهنَّ يطأ بعضهنَّ على بعض، ويَدعسن على بطن بعضهنَّ بعضاً، وتسمع نداءات الاستغاثة بدل الزغاريد، وهكذا حال الإسلام والمسلمين في وقتنا الحاضر.
فإذا ما بذلنا الجهد لنُوجد العالِم المربِّي بعد أنْ يكون مُربىً، والمزكِّي بعد أنْ يكون قد تزكّى، والحكيم بعد أنْ يكون قد تعلَّم الحكمة مِنَ الحكماء؛ وإلَّا فستبقى الأغنام ترعاها الذئاب، ويَصعَد الربيع بمطَرةٍ واحدةٍ وينقطع فييبس ويُصبح:

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45)
[سورة الكهف]


تذكير الله تعالى لنا بعظيم خلقه ونعمه:
الآن يقول الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ يا تُرى عندما يقرأ المسلم هذه الآية فهل يفهمها؟ إنْ كان النظر بالعين فالحمار يرى الجمل بعينه، أليس كذلك؟ والكلاب ترى الجمال بعينها، والبدويّ أيضًا يرى الجمل؛ لكنْ هل استفاد؟ ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾ هذا أمرٌ إلهي، والأمر الإلهي وراءه منافعٌ وسعاداتٌ لمن يمتثل أمر الله عزَّ وجلَّ، أنتم ألا ترون الجمال، بماذا ترونهم؟ بأعينكم، الآية ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾ المقصود النظر بالعين أم النظر بالفكر والدراسة في عظيم صُنع الله عزَّ وجلَّ؟ هذا الحيوان على عظيم جثته وعظيم قوَّته خمسون جملاً يقودهم طفلٌ صغيرٌ وينقادون له؛ لأنَّه هو الذي سخَّرها:

لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
[سورة الزخرف]

فالمقصود مِنَ النظر: نظر العقل والفكر.

الإيمان بيوم القيامة يحث على العمل الصالح:
كان كفار قريش يُنكرون القيامة، ويُنكرون الغاشية، ويُنكرون الحياة بعد الموت:

وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
[سورة يس]

لماذا يُريدون أنْ تُنكروا القيامة؟ ليتخلَّصوا مِنْ مسؤوليات جرائمهم وجناياتهم وذنوبهم وفواحشهم؛ لأنَّك إنْ آمنت بالقيامة فيجب عليك أنْ تسير في طريق الاستقامة، ملكًا كنت أو إمبراطورًا أو عمر بن الخطاب أو عبدًا مملوكًا، فمتى ما آمنت بالقيامة صرت الإنسان الفاضِل الكامِل، يعني يحثُّك الإيمان على الأعمال الفاضلة وعلى الأعمال الصالحة وعلى الأخلاق الكريمة، وتقيُّدك وتحجِزك عن كلِّ النقائص والرذائل والأمور الخسيسة والأمور المخزية والأمور التي تجعلك خاسرًا دائمًا وغير رابح.
فكانوا يُنكرون القيامة، بعدما تصير ترابًا سترجع إنسانًا! قال الله عزَّ وجلَّ لهم انظروا إلى الجمال، مَنْ الذي خلق هذه المخلوقات وماذا كانت؟ كانت نطفةً مثل كلِّ النطف مِنَ الحيوانات مِنْ إنسانٍ وحيوان، فمَن صنَعها ومَنْ كبَّرها ومَنْ خلَق سمعها وبصرها، وقبل أنْ تكون نطفًا كانت تبنًا وشعيرًا ومرعىً فمن حوَّل هذا التبن إلى دم والدم إلى نطفةٍ والحيوان في النطفة إلى هذا المخلوق العظيم؟ فالذي خلقك وخلَقَ هذه الحيوانات مِنْ نطفة، والنطفة من الدم، والدم مِنَ المأكولات:

أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (40)
[سورة القيامة]

فعندما تقرأ القرآن ويقول الله تعالى لك: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾ هذا استفهامٌ بمعنى الأمر، يعني: انظر، هل نظرت؟ لماذا لم تنظر؟ لماذا لم تفكِّر؟ وإذا فكَّرت فهل تأثَّرت بتفكيرك، وهل أصلَحَ تفكيرك ونظرك عيوبك، وأصلح نقائصك، ومشيتَ على الصراط المستقيم؟

القراءة المطلوبة للقرآن الكريم :
هل نقرأ نحن القرآن كما أراد الله عزَّ وجلَّ أنْ يُقرأ؟ لا والله، كان الصحابة أمّيون، فلا يقرأون ولا يكتبون لكنْ بوجود المربِّي الذي يُعلِّمهم الكتاب، لا يُعلِّمهم ألفاظه كيف ينطقون بها؛ بل كان يُعلِّمهم معانيه وحقائقه، وبقوَّة روحانيته كان كلامه ينقلب فيهم حالاً إلى عمل، وحالاً إلى أخلاق، وحالاً إلى صدقٍ ويقين، فنحن في أزمة فقدِ المعلِّم بالمواصفات القرآنية؛ الذي يُعلِّمهم الكتاب لا قراءة كلماته.. فالشريط المسجِّل يقرأ القرآن أفضل منَّا جميعًا؛ نغمةً وتجويدًا وترتيلاً، فالقرآن:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

(مُبَارَكٌ) ما معنى مبارك؟ يعني: كثيرُ العطاء وكثيرُ الخيرات والبركات، (لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) يجب عليك أنْ تقف عند الآية، هل فهمتها وهل عمِلت بها، وهل صارت خُلقك وهل صار الكلام عملاً فيك؟ وهل قمت لتعلِّمه للآخرين؟ أنتم الذين في المسجد لا أريدكم كلَّكم يكفي نصفكم، النصف الأيمن أو النصف الأيسر إنْ قرأتم القرآن وفهمتموه وقمتم تعلِّمونه كما ينبغي أنْ يُتعلَّم والله ستكون كلُّ الأمة سعيدةً، وكذلك النساء، وهذا فرضٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، وأعدَّ الله عزَّ وجلَّ للمعلِّم بالمواصفات الصحيحة ما ورَدَ في حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندما قال:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم مِنْ بعدي رجلٌ علمَ عِلمًا فنشرَ عِلمَه يُبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ }

[مسند أبي يعلى]

(ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ) مَنْ أجوَد ما في هذا الوجود؟ (اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا) يعني النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم (أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم مِنْ بعدِي رجلٌ علمَ عِلمًا) فقط؟ قال: (فنشرَ عِلمَه يُبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ) (3)، فما أعظَم أنْ يُرشِّحك النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنت إنسانٌ فردٌ لتكون أمّةً، ما هو الثمن لأنْ تصير أمّةً؟ قال أنْ تتعلَّم وتُعلِّم، وأنْ تتقي الله عزَّ وجلَّ وتُعلِّم النَّاس التقوى، وأنْ تتعلَّم خشيَته وتُعلِّم النَّاس خشية الله عزَّ وجلَّ.

قراءة اليهود للتوراة:
وأنْ تتعلَّم الحكمة: كتب الفقه؛ كم كتابًا يقرؤون فيه عن الوضوء؟ في الصف الأول والثاني، وفي الابتدائي والإعدادي والثانوي، إلى آخره.. لا يحتاج تعليم لهذا الأسلوب فقد توضَّأ سيِّدنا جبريل عليه السَّلام أمام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرةً فتعلم الوضوء، وتوضَّأ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمام الصحابة رضي الله عنهم فتعلَّموا الوضوء وانتهى، أمَّا خشية الله عزَّ وجلَّ، ومحبة الله عزَّ وجلَّ، ومراقبة الله عزَّ وجلَّ، والحياء مِنَ الله عزَّ وجلَّ، والمسارعة إلى مرضاة الله عزَّ وجلَّ، والهجرة إلى مَنْ يُعلِّمك الكتاب والحكمة ويُزكِّيك فهل تعلَّمتها من القرآن؟ فإذًا نحن لا نقرأ القرآن؛ بل نحن نقرأ القرآن كقراءة اليهود للتوراة؛ قال الله تعالى:

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
[سورة الجمعة]

(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ) حمَلوا تلاوتها وحِفظها، (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) يعني عملاً بها وتطبيقًا وتخلُّقًا بوحي الله عزَّ وجلَّ، (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) هؤلاء حمَلوا التوراة كما يحمل الحمار الكتب ويحمل خمسين نسخةً من التوراة لكنْ ماذا فهم؟ وهم كذلك يقرؤون ويحملون التوراة بقراءتها كالحمار الذي يحمِل الكتب على ظهره ولكنْ ماذا استفاد من علومها؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلنا نقرأ القرآن لا كقراءة اليهود لتوراتهم والذين شبَّههم الله عزَّ وجلَّ بالحمار.

قدرة الله تعالى في خلق الجمل:
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾ فالذي خَلَق الجمل وسخَّره وجعل فيه مِنَ القوة وجعله مُطيعًا وهيَّأه لسكان الصحراء، يصبر على العطش، ويصبر على الجوع، ويحمل الأحمال الثقيلة؛ فهل شكَرت الله عزَّ وجلَّ؟ وهل عَرَفت أنَّ الذي خلقه مِنْ لا شيء:

هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1)
[سورة الإنسان]

هل كنَّا قبل مئة سنةٍ شيئًا مذكورًا؟ فلانٌ أحمد وفلانٌ محمود، وفلانٌ دكتور وفلانٌ مهندس، وفلانٌ شيخ وفلانٌ مفتي، فالذي خلقك مِنْ لا شيء، مِنَ العَدم:

أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (40)
[سورة القيامة]

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ اقرأ عن خلق الإبل وتشريحها وخصائصها، وقد درس الأجانب ما في الإبل ونظروا فيها نظرة تأمل، ودرسوا خصائصها في صبرها على العطش والجوع، قالوا بأنَّ سنَم الجمل هذا خزانٌ خلقه الله عزَّ وجلَّ للغذاء عند الجوع وليصنع الماء عند فقد الماء، يصير نبعاً للماء لمدةٍ محددة، فالدهن الذي فيه يحوي على مادة الهيدروجين ويأخذ الأكسجين مِنَ الهواء عند فقد الماء، فبتركُّب الأكسجين مع الهيدروجين ومع وجود خزاناتٍ خاصة في كرشه تخزِنُ الماء لحالة الحاجة، فمن الذي جعله مهيأً لأبناء الصحراء لمساعدتهم في جوهم الحار وفي أسفارهم البعيدة القليلة الماء، وجعل فيه هذه الاحتياطات يمشي الأيام الطوال بلا أكلٍ ولا شربٍ وهو في قوَّته لما أودَع الله عزَّ وجلَّ فيه مِنْ خصائص، فهذه الأشياء هل صارت صدفةً بلا صانع؟ فالذي صنع الجمل مِنْ لا شيء، وخلق الكون مِنْ لا شيء، يا كفار قريش تُنكرون البعث بعد الموت، وإذا كنتم تبعثون بعد الموت، لماذا؟ لتُحاسبوا هل آمنتم بالحساب، وهل آمنتم بجزاء المُحسن بالإحسان، والمسيء بما يستحق؟

أعرضت قريش في البداية ثم آمنت فسادت الدنيا:
سمع كفار قريش وكذَّبوا وأعرضوا سنةً وسنتين وثلاثةً وأربعةً وفي النهاية استجابوا ولبُّوا وصاروا في النهاية أبا بكرٍ وعمر وعثمان رضي الله عنهم وصنعوا بدراً وصنعوا أحداً وصنعوا القادسية وصنعوا اليرموكَ، وأوصلوا الإسلام إلى قلب فرنسا وقلب الصين في خلافة عثمان بن عفان بعشرين أو ثلاثين سنةً، والآن وبعد أنْ استقلَّ العالم العربي والإسلامي منذ خمسين سنةً فماذا فعلوا، هل تقدَّموا أم تخلَّفوا، وانتصروا أم انهزموا، وقووا أم ضعفوا، وتعلَّموا أم جهِلوا، لماذا؟ لأنَّنا:

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
[سورة الفرقان]

لا أريد أنْ أتكلم عن الماضي، أنتم بأنفسكم، يجب على كلِّ واحدٍ منكم أنْ يرجع إلى بيته وإلى حيه وإلى سوقه ليُعلِّم ما تعلَّم وما سمِع ويذكر الله عزَّ وجلَّ ذكرًا كثيرًا:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126)
[سورة طه]

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي) سواءٌ القرآن أو ذِكْر الله عزَّ وجلَّ (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) لأنَّه كان أعمىً عن قراءة كتاب الله كما ينبغي، (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا)يعني أهملتها وأعرضت عنها ولم تبالِ بها كما يفعل النَّاسي، (أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ) مثلما عاملت كلام الله عزَّ وجلَّ وقرآنه بالإهمال والنسيان فهكذا سوف تُعامَل يوم القيامة بالإهمال وكالمنسيِّ المهمل الذي لا يُبالى به أين مصيره.

خصائص الحشرات ومنافعها:
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ وأنا راجعٌ هذا الأسبوع مِنْ مؤتمر جنيف ومعي الأخ فاروق آقبيق وكان يقرأ مجلةً أوروبيةً، قرأ لي فيها مقالاً عن الحشرات وأنَّ الأوروبيين اكتشفوا ثلاثين مليون نوعًا مِنَ الحشرات، واستطاعوا أنْ يكتشفوا خصائص سبعة آلاف حشرة وما فيها مِنْ منافع، وقال استخرجوا سمَّ بعضها فوجدوه يصلُح لإذابة الجلطة وتجمُّد الدم في عروق القلب فيما إذا حُقن، مَنْ حدثت له الجلطة فمِنْ هذا السُّم بنسبٍ معينةٍ في عرق الدم عندما يصل الدم إلى مكان الجلطة والجلطة مثل كرة الثلج إنْ أصابتها الشَّمس تذوب وتنتهي الجلطة، ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى﴾ الحشرات والعناكب ﴿كَيْفَ خُلِقَتْ﴾؟ هؤلاء يعملون بالقرآن وهم لا يقرؤونه فكيف لو قرؤوه! يعمل هؤلاء بمعاني القرآن ولم يروا مُعلِّم القرآن.

الاجتهاد في الدعوة إلى الله:
في المؤتمر وفي جنيف وهي يعتبرونها أعظَم بلدٍ في الرقي والتقدُّم والأخلاق وإلى آخره.. أعانَ الله عزَّ وجلَّ ولأول مرةٍ في تاريخ العالَم المسيحي اعترفوا وأقرُّوا وطلبوا العفو مِنَ المسلمين لعدوانهم الذي فعلوه على المسلمين في الحروب الصليبية، وأنَّها كانت حربًا عدوانيةً، وكانت حربًا ظالمةً وجائرةً لذلك نطلب العفو ونعتذر ممَّا فعله آباؤنا وأجدادنا، والله لو وُجِدَ مئة داعٍ بالمعنى الحقيقي وبالكفاءات اللازمة في أيِّ بلدٍ أوروبيٍّ والله ليغيِّروها بسنةٍ أو سنتين، ولو وُجِدَ في أمريكا ألف داعٍ بالمواصفات، ليس حامل الشهادة فهذه شهادة ورق تُلصَق بالجدار، إنْ لم تكن شهادة نور الله عزَّ وجلَّ يتلألأ في القلب، وتلألأ حكمته في العقل، وتظهر فضائل القرآن في مرايا الأخلاق والأعمال والسلوك، فإذا لم يُنتج برنامج مدارسنا الشرعية هذا الإنتاج فوالله وجودها كالعَدم، ضع واحدًا وألف صفرٍ بعده فكم سيكون العدد؟ وإنْ أخذنا صفرًا ووضعناه على اليمين، فكم يصير الواحد، وإذا كانا صفرين، وإن كانوا ثلاثة، فبدل أن تضعوا هذه الأصفار ناحية اليسار ضعوها ناحية اليمين، فهل أنتم تفعلون ذلك؟
كلُّ واحدٍ منكم في بيته:

وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
[سورة الشعراء]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[سورة التحريم]

هذا قرآن يا بُني، فما الفائدة مِنْ أنْ تقرأ على السبعة وعلى العشرة وعلى الأربعة عشر ولا تُنفِّذ منها حرفًا واحدًا؟ فما الفائدة أنْ ترى المنكر ولا تنهى وترى المعروف متروكًا ولا تأمر؟ وبالحكمة والموعظة الحسنة؛ ثمَّ ماذا تنتظر؟ الموت في كلِّ لحظة، يكون الإنسان في قوته وفي شبابه وفي عضلاته وفي آماله وفي همومه وفي لحظةٍ واحدةٍ يصبح جثةً هامدة:

مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
[سورة الحاقة]

فمتى سنستيقظ مِنْ نومَة أهل الكهف؟ أهل الكهف ناموا ثلاثمئة وتسع سنوات، يا تُرى نحن ننام منذ أكثر مِنْ خمسمئة سنة فنومنا أطول مِنْ نومة أهل الكهف، وتأتينا عصيٌّ كالاستعمار الفرنسي والإنجليزي والألماني والطلياني ثمَّ إسرائيل والصهيونية ولم نستيقظ! فإلى متى؟ لأنَّنا لا نقرأ القرآن ولا نسمعه ولا نفهمه، فلتُعاهدوني أنتم الذين في الجامع أنْ تُعلِّموا غيركم ما تتعلَّمونه، قبل كلِّ شيء: (قُوا أَنفُسَكُمْ) قبل كلِّ شيء علِّم نفسك.

محاسبة الله عز وجل لعباده:
فما معنى ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾؟ الذي خلَق الإبل بهذه المواصفات مِنَ العدم أليس قادرًا على أنْ يخلقك مرةً ثانيةً ليُحاسبك؟ فالمقصود الآن مِنَ الآية هل أنت تحاسب نفسك؟ على نظرك إذا نظرت إلى حرام، وعلى سمعك إذا سمعت الحرام، وعلى خطوات قدميك إذا مشيتَ إلى حرام؟ وإذا أهمَلت عائلتك (قُوا أَنفُسَكُمْ) نفسك، ثمَّ (وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) هل ربَّيت أولادك، هل ربَّيت بناتك، هل أمَرت بالمعروف وهل نهيت عن المنكر، هل دعوت إلى الله عزَّ وجلَّ بالحكمة والموعظة الحسنة؟ التاجر مع التجار، والطبيب مع الأطباء والمرضى والحاكم مع المحكوم، والجار مع جاره، والإنسان في الحافلة وَ:

{ لأنْ يهديَ اللهُ على يديْكَ رجلًا خيرٌ لك مما طلعتْ عليه الشمسُ وغربتْ (4) }

[سنن الترمذي]

نذهب لزيارة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنضع يدنا على النحاس ونبكي أمام قبره فهل يُفيدنا هذا شيئًا ونحن مُعرِضون عن كلامه؟ يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم افعلوا ونحن نقول لا نفعل، يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (لأنْ يهديَ اللهُ على يديْكَ رجلًا) فنقول يا رسول الله نحن لا نهدي أحدًا ولا نُذكِّر أحدًا ولا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر، فيقول لنا فإذا ماذا تستفيدون مِنْ شباكي؟ نريد إسلام العمل، وقرآن وقراءة العمل والفهم، ولا بدَّ قبل ذلك مِنْ أنْ تذهب إلى طبيبٍ يُداوي قلبك الذي لا يتأثَّر بالقرآن، وإلى عقلك المجمد بالثلاجة فلا يأخذ معاني القرآن الكريم ولا يهضمها ليحوِّلها إلى عمل.

الذكرى تكون لصاحب القلب:
إذا ما بدأنا العمل حسب الترتيب والقرآن:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

ما هو القلب؟ بعض العارفين بالله عزَّ وجلَّ يقولون:
قلوبٌ متى منه خلَت فنفـوسُ لأحرف وسواس اللعين طروسُ وإن مُلئت منه ومن نور ذكـره فتلك بدورٌ أشرقت وشمـــوس
{ عبد الغني النابلسي }
(قلوبٌ متى منه خلت) إذا خلت القلوب مِنْ ذكر الله عزَّ وجلَّ، فنفوس أمارةٌ بالسوء (لأحرف وسواس اللعين طروسُ) الطروس: هو الدفتر، يعني إذا كان قلبك غافلاً عن الله عزَّ وجلَّ سيكون دفترًا ليكتب الشيطان فيه أوامره لتنفذها كما يرضى الشيطان، (وإن مُلئت منه) كلّه مِنْ خشية الله عزَّ وجلَّ وهيبته ومحبَّته.
فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُجير يجير قلوبنا بنور الله عزَّ وجلَّ، ليس دعاءً فقط، مثلما أتى رجلٌ إلى عمر رضي الله عنه يشكو له أنَّ جماله قد جرِبَت، قال له: ادعُ لي يا أمير المؤمنين بشفائها، قال له: أنا أدعو لك ولكنْ اجعل مع الدعاء قطرانًا، والقطران: هو دواء الجرب، دعاء وقطران، كذلك نحن نريد دعاءً وعملاً، نريد قراءةً وفهمًا وعملاً، وهذه لحيتي إنْ لم تروا الإسلام يعود لعزته ولقوته ولحكمته ولفرح كلِّ مجتمعٍ به، هؤلاء أوربيون وعلمانيون يعني ملحدون تركوا الكنيسة وكنائسهم تباع كمتاجرٍ ومحلاتٍ لعرض الأزياء ومخازن، فتفضلوا يا مسلمين فبلِّغوا رسالة الله عزَّ وجلَّ لتكونوا ممتنين ومقدِّرين ومحترِمين، فرَجُنا بيدنا ولا نعرف كيف نتدبّر أمرنا! اعملوا أولاً وسأدعو لكم؛ أحضروا أولاً القطران وبعدها أدعوا لكم بأنْ يشفي جمالكم مِنَ الجرب، لأنَّني إنْ دعوت لكم ستظنون أنَّ الدعاء يكفي، لا، أسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرزقنا العِلم والفَهم.

خلق الجبال:
﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ الجبال:

وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
[سورة الأنبياء]

كرتنا الأرضية داخلها كلُّه نار مثل نار الشَّمس، فالجمر عندما تمرُّ عليه نصف ساعة ألا يصبح عليه طبقةٌ من الصفوة والرماد؟ كذلك هذه النَّار التي هي كانت أرضاً أيضاً صار عليها أيضًا طبقةٌ رقيقةٌ يقال عمقها حوالي مئة كيلومتر، وإذا خرَقت هذه القشرة المئة كيلومتر فماذا سيخرج مِنْ هذا الخرق؟ النَّار كما يخرج مِنَ البراكين في رؤوس الجبال، فلقد غلّفها الله عزَّ وجلَّ بطبقةٍ صوَّانية، ومِنْ قوة النَّار فإنَّ هذه الطبقة تتموَّج، فوضع عليها الجبال بثقلها حتَّى يُسكِن تموُّجَ هذه الطبقة وتحرُّكها:

وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
[سورة النحل]

يعني لئلا تميدَ ولا تضطرب ولا تتحرك، فهل نظرنا في الجبال وهندستها وكيف وضعها الله عزَّ وجلَّ لتصلح أرضنا لنسكن فيها ونعيش فيها آمنين مطمئنين، ونذكر المهندس الصانع الخالِق العظيم الذي صنع هذه الصنعة؟

أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (40)
[سورة القيامة]

هذا الخطاب كان لعابدي الأصنام سنةً وسنتين وثلاثةً وأربعةً وخمسةً وعشرةً وعشرين، فهل فهموا أم لم يفهموا؟ وأنت يا مسلم كم عمرك؟ أربعون أو خمسون أم ستون أو سبعون سنةً وتقرأ القرآن الكريم، فهل فهمت مثلما فهم عبّاد الأصنام وصاروا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فلمَ لا تصبح أبا بكر زمانك، ولمَ لا تصبح عمر زمانك وخالد زمانك؟
كلُّ عصرٍ فرعونُ فيه وموسى وأبو الجهلِ في الورى ومُحمَّد
{ منقول }

كن وارث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم :
لا تصير مُحمَّد النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ولكنْ تصبح نائب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتصبح وارِث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ تصبح نائب فرعون أو نائب هامان أو نائب قارون أو نائب إبليس، إبليس ضالٌّ ومُضلّ، فالذي يكون ضالاً في نفسه ويُضِلُّ غيره فهذا إبليس سهرته، وإبليس عائلته، وإبليس رفاقه، الوثنيون كانوا أهلاً لقراءة القرآن الكريم أمَّا مسلموا عصرنا وزمننا؟ والسبب بأنَّنا نحتاج إلى المذكِّر والحكيم والعالِم المعلِّم، ما هو العِلم؟ العِلم ليس القراءة، المستشرقون في العالَم الغربي.. دخلت مرةً على مؤسسة استشراق في أوروبا، فكانت كلُّ الكتب الإسلامية المخطوطة والمطبوعة بين أيديهم، وكلُّ واحدٍ منهم يفتح الكتب ومنهمكٌ في القراءة؛ ومع ذلك فما هو مردود تلك القراءة في نفوسهم يا تُرى؟ البعض منهم ازدادوا كفراً على كفرهم، ومنهم مَنْ آمن، ومنهم مَنْ ناصَرَ الإسلام، فالقراءة وحدها لا تكفي، يلزمك المعلِّم الذي يعطيك روح العِلم ونوره، كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي
{ الإمام الشافعي }
لماذا لا يستقر العِلم فيه؟ وينقلِبُ إلى أعمال وأخلاق وفضائل وكمالات؟ قال: لأنَّ فيه معاصٍ، ولا تجتمع المعاصي والنور والطاعات في شخصٍ واحد:
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُــــــورٌ ونورُ الله لا يهدى لعاصي
{ الإمام الشافعي }

يحتاج العلم إلى مؤسسات تعطيه النور:
فأين عِلم النور الذي نؤسس له المؤسسات؟ لنعطي العِلم النور، لا العِلم اللفظ والكلمة فقط، لا، كان أحد الصحابة راعياً وكان يرعى غنمًا لأهله فأسلم، وكان يترك غنمه في الوادي ويجلس إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يستمع ويتعلَّم وفي المساء يذهب إلى الوادي ويرجع بغنمه إلى داره، إذا كان الراعي ليس موجودًا فلن تشبع الأغنام جيداً فدائمًا تؤنبه أمه وتوبخه لأنَّه يحضر الأغنام جائعة، فتكلِّمه بالتقريع والملامة، فشكى إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، هو حريصٌ على مجلس العِلم والحكمة ولكنَّه يدفع الثمن أيضًا بالملامة والتوبيخ مِنْ أمه، قال له: (إذا كان المساء فمُرَّ بغنمك عليّ)، فبعد أنْ انتهى مجلس النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحضر الغنم مِنَ الوادي إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فجاء النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومسح على ضرع الغنم ودعا بالبركة، فوصلوا إلى المنزل وجاءت أمّه لتحلب الغنم وإذ رأت كلَّ ضرعٍ مليئاً ومنفوخاً نفخًا وتحلُب، فقالت له: أين رعيت هذا اليوم؟ ارعاها هكذا في بقية الأيام كما رعَيتها في هذا اليوم، قال لها: والله يا أماه ما رعَيتها هذا اليوم إلَّا حيث كنت أرعاها، قالت له: إذن مِنْ أين هذا اللبن وهذه الضروع الممتلئة؟ قال لها: هذا مِنْ بركة مُحمَّد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وروى لها القصة، قالت له: إذن يجب أنْ نذهب إليه، قال: فذهبتا إليه أمه وخالته، وسمعنا كلامه فكنَّا نرى النور يخرج مِنْ بين شفتيه، "وأخبرني بأنَّ العِلم نورٌ" هناك أناسٌ يرون النور وهناك أناسٌ لا يرونه، والمهم أنْ يظهر فيك نور العِلم بالعمل الصالح والخلق الفاضل وتعليم الآخرين.

من دلائل وجود الله عزَّ وجلَّ:
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ فقط الإبل مِنْ الآيات التي تدل على الله عزَّ وجلَّ؟ ألا يدل الفرس على الله عزَّ وجلَّ؟ والبقرة والغنمة والكلب والشَّمس والقمر؟
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَــــةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِــــدُ
{ }

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
[سورة فصلت]

(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا) العلامات التي تدلُّ على وجود الله عزَّ وجلَّ (فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).
﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ الأرض على كرويَّتها جعلها الله عزَّ وجلَّ للإنسان كالبساط وكالفراش الممهد، فلو لم يجعلها بهذا الشكل لما كانت لتصلح للسكنة، فمَنْ خلَق الأرض ومهَّدها وجعل فيها الجاذبية؟ والجاذبية عندما يظهرون في المركبات الفضائية ويتجاوزون حدود الجاذبية في المركبات فلن يستطيع المرء أنْ يجلس، يجلس ولا يرى إلَّا وقفز هذا هنا والثاني هناك، فإذا لم تكن الجاذبية على الأرض لكان كلُّ واحدٍ منكم قفز، وواحدٌ جلس فوق رأس الثاني، والثاني قاعد على بطن الآخر، فمَنْ الذي رتِّبَ ما يُسمَّى بالجاذبية، فكرنا في الجاذبية فهل فكرنا في مَنْ صنع الجاذبية؟ والجاذبية في كلِّ كوكبٍ تكون بحسب حجمه، في الكواكب التي هي أخوات الأرض مثل زحل أكبر مِنَ الأرض بمرات فجاذبيته أكثر بمرات، ولو وصل إلى هناك ووضع قدمه على الأرض فإنْ أراد أنْ يرفعها فلن يستطيع أنْ يرفعها مِنْ قوة الجاذبية، الجاذبية على القمر والقمر أصغر هناك الإنسان الذي وزنه ستون كيلو غرامًا سيصبح وزنه ربَّما عشرة كيلو، فمَنْ رتَّبَ هذا الترتيب، ومَنْ هندَسَ ومَنْ رتَّب ومَنْ خطط؟ فهذا الخالق العظيم لهذا الكون العظيم يقول لك: أنت ماذا تُمثِّل في هذا الوجود؟ في كلِّ وقتٍ يخلق الله عزَّ وجلَّ مجراتٍ وسفنًا وكواكبَ وعوالـمًا الله عزَّ وجلَّ بها عليم، أنت يا صغير، أنت يا ذبابة، أنت يا لا شيء، أنت يا ذَرَّة، ألا يستطيع أنْ يخلقك مرةً ثانية؟ هل لديك عقل وهل استعملته في التفكير لتصل إلى الحقيقة؟

الأمر بالنظر والتأمل:
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾ هذا النظر نظر التفكر والدراسة لتؤمن بالله عزَّ وجلَّ، ولتؤمن بأنَّ الله عزَّ وجلَّ سيُعيدك وسيُحاسبك:

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
[سورة ص]

فهل يقرأ المسلمون الآن يا تُرى قرآن الفهم وقرآن العِلم والعمل؟ ويحوِّلون القرآن الكريم مِنْ كلامٍ إلى أعمال ومِنْ مسموعٍ إلى منظور، فبالقرآن الكريم وحده استطاعوا وبالوسائل القديمة البدائية على أقدامهم وعلى حد السيوف ورؤوس الرماح وبنصف قرنٍ أنْ يُوحدوا نصف العالَم ويُمثِّلوا هيئة الأمم ومجلس الأمن بالقانون الإلهي العادل الإنساني الكامل، الذي يُقاصص فيه الإسلام للقبطي مِنْ ابن عمرو بن العاص، وهل استطاع أنْ يقول عمرو بن العاص فيتو؟ أنَّني أنا فاتح مصر ألا يحقُّ لي أنْ يُعفى عنِّي من أجل شخصٍ عاديٍّ مِنَ النَّاس قبطي ضربه ابني ماذا حصل؟ هل تريدون أنْ تهينوا فاتح مصر وابنه الذي يُمثِّل الإسلام والفتح والقيادة والجيش والعسكرية لا يجوز أنْ تعملوا قصاصًا، "اضرب ابن الأكرمين"، اضرب وضربه، وقال له بعدها: اضرب بالقضيب على صلعة أبيه، هذا الذي كان العرب ليسوا شيئاً مذكوراً فصاروا هم كلَّ الدنيا، وهم الذين نشروا العِلم والحضارة والأخلاق وكتبوا التاريخ ولم تكتبه أمّةٌ في تقدُّم الإنسان كما كتبه الإنسان العربي بمدرسة القرآن الكريم، مدرسة القرآن بكتبها فقط أم بكتابها ومُعلِّمها؟
المدرسة موجودةٌ وهي الجامع والكتاب موجود؛ لكنْ أين المعلِّم؟ إذًا لن يُفيد الكتاب وحده، ولن تُفيد الجدران وحدها، لذلك اجتهدوا ولا تيأسوا فإذا صدقنا الله عزَّ وجلَّ وبذلنا ما نملك يبذل الله عزَّ وجلَّ لنا ما لا نملك:

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
[سورة الطلاق]


خلق الأرض وجاذبيتها:
﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ هي كرة لكنْ مِنْ سَعتها إنْ صعدت النملة إلى القبة فهل سترى القبة كرةً؟ ستراها أرضًا ممهدةً، وإذا كانت الكرة بحجم دمشق هل سيراها الإنسان كرةً؟عندما يصعدون إلى الفضاء بالبعد الشاهق يرون الأرض كرةً؛ أمَّا مِنْ حيث صغر حجم الإنسان وسعة الأرض فلا يراها كرةً، في الصحراء وبعد عشرين كيلومترًا لا يرى شيئاً لانحنائها وكرويتها، فجعلها الله عزَّ وجلَّ بقوانينٍ ربانية صالحةً للسكن، ودائماً كلَّما أردنا أنْ نبتعد عنها تضمُّنا إليها كما تضمُّ الأم ابنها إلى حضنها، إذا صعدت إلى الشجرة ولم تتمسك تجذبك وتضعك في حضنها ولو تكسَّرت عظامك وتقول لك لماذا فارقت أمك؟

أمر الله بعد ذكر آلائه بالتذكير:
فبعد ذلك قال الله عزَّ وجلَّ فذكِّر بالغاشية ومَنْ خلق الجمال -أمام البدوي جمل - ذكِّر بمَنْ خلق الجبال بمَنْ سطح الأرض، فذكِّر به بقرآنه بأوامره وبنواهيه، ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ هذا الخطاب للنَّبيِّ صلًّى اللَّه عليه وسلَّم، وبعد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نحن ألسنا مُكلَّفين بالتذكير؟

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
[سورة الأحزاب]

كم وكم أمرنا الله عزَّ وجلَّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ:

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
[سورة النحل]

للنَّبيِّ صلًّى اللَّه عليه وسلَّم، وبعد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ إذا كانت هذه للنَّبيِّ صلًّى اللَّه عليه وسلَّم فقط فيجب أنْ تُحذَف من القرآن الكريم؛ بل هذه موجهةٌ لكلِّ واحدٍ منَّا، (ادْعُ) التاجر يدعو التجار، والوزير يدعو الوزراء، والطبيب يدعو الأطباء، والمرأة تدعو المرأة، والشاب يدعو الشباب، والولد الصغير يجب أنْ يدعو الأطفال الصغار.
يقال أنَّ بعض الأولياء كان يمشي في بعض الأزقة فرأى أولادًا يلعبون ويعتزلهم ولدٌ وهو يبكي، فظنَّ أنَّه فقَدَ وسائل اللعب وحزِنَ على نفسه فبكى أو لأمرٍ ما، فسأله: يا ولدي لمَ تبكي ولمَ لا تلعب مع الصبيان، إذا لا يوجد معك ما تشتري به مِنْ آلة اللعب فأنا أشتريها لك أو خذ واشتريها لنفسك، فنظر فيَّ وحملَقَ عينيه في وجهي، وبنظرة ازدراءٍ خاطبني: أيها الشَّيخ القليل العقل، أوَللعب خُلِقنا؟ أمامنا الحساب والقيامة كذا وكذا.. قال: فدُهِشت مِنْ عِلمه وحكمته وإيمانه، فقلت له: يا بنيّ أنت طفلٌ ليس عليك حساب ولا توجد عليك مسؤولية، قال: أوَمثلك أيها الشَّيخ يقول هذا الكلام؟ أنا رأيت أمي عندما توقد النَّار فتشعل الحطب الكبير بالحطب الصغير فخشيت أنْ يُشعل الله عزَّ وجلَّ بي نار جهنم ليُحرق بي فرعون وهامان وقارون، يجعلني الحطب الصغير ليُحرق به الكبير، قال: فعلِمت أنَّه أوتي الحكمة وهو طفلٌ صغير، هكذا كانت أطفالهم في رياض الأطفال.

يجب على كل مسلم أن يتحمل المسؤولية:
فيا تُرى هل سوف نبقى نائمين نومة أهل الكهف؟ تريدون أنْ تبقوا نائمين أم يجب أنْ تستيقظوا؟ والنَّاس بخير، لم أرَ إنسانًا لا خير فيه، لا الشيوعيين ولا المسيحيين ولا اليهود؛ مرةً دُعيت إلى محاضرةٍ في واشنطن على ما أظن، وبعد انتهاء المحاضرة عادةً يناقشون المحاضر، فعندما انتهت قام خاطب ورفع إصبعه يعني سائلاً قلنا له تفضل ما هو سؤالك؟ تلا علي الآية القرآنية:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
[سورة البقرة]

قال لي: هذا قرآنٌ فبمقتدى قرآنكم اليهود يدخلون الجنة أو لا يدخلون؟ إذا قلت لا يدخلون سيقول انظروا كم يوجد في الإسلام تعصب، يريد أنْ ينال مِنَ الإسلام، وإذا قلت يدخلون فالدخول أيضاً له شواهد، فكان أبو الفضل إلى جانبي وإلى جنبه ممثل الجامعة العربية وكان مسيحياً، قال له: أعان الله أباك على هذه الحادثة السيئة، قال له: لا تهتم، قلت له: اسمع الجواب، القرآن الكريم قسَمَ طوائف أبناء الأديان إلى قسمين: قسمٌ أصيل وقسمٌ مزيف، فالأصيل (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا) فهؤلاء يدخلون الجنة؛ وأمَّا إذا انتسب إلى يهودية موسى عليه السَّلام أو مسيحية عيسى أو إسلام مُحمَّد صلًّى اللَّه عليه وسلَّم لفظًا وخالَفَه عملاً فهذا مسلمٌ ونصرانيٌّ ويهوديٌّ مزيَّف، فالأصيل من الأصناف الثلاثة يدخلون الجنة والمزيَّفون إلى جهنم، فإذا كنت أصيلاً تدخل الجنة (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) وإذا كنت مزيَّفًا فأنت تعرف مصيرك، فكان هو أول المصفِّقين.

أهمية واجب الدعوة إلى الله:
فقوموا بالدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ فهذا فرضٌ مثل فرض صلاة الظهر، بجلستك وبسهرتك في حافلتك ومع رفاقك، مثِّلوا القرآن الكريم، ﴿فَذَكِّر﴾ هل هذا الكلام للنَّبيِّ صلًّى اللَّه عليه وسلَّم فقط؟ يعني إذا ذهب النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجب أنْ يذهب القرآن الكريم مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟
عندما أوتي بالهرمزان قائد جيش الفرس أسيراً إلى عمر وكان عمر رضي الله عنه نائماً في المسجد على الرمل، وبحثوا عن سيِّدنا عمر رضي الله عنه حتَّى وصلوا إلى الجامع ورأوه نائمًا، فصار المسلمون يقولون بالإشارة أنْ لا تُحدثوا ضجةً لئلا يستيقظ عمر؛ فلمَّا استيقظ عمر رضي الله عنه ورأى الهرمزان والجوهر والتاج والألماس، والعظمة والأبَّهة فقال: الهرمزان عدو الله عزَّ وجلَّ، فقال: "الحمد لله الذي أذلَّ هذا وأشياعَه بالإسلام"، فهل نستطيع نحن أنْ نُذِلَّ بن غوريون؟ لأنَّ أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهم لم ينتصرا بالقومية ولا بالوطنية قال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام". ليس إسلام القول ولا إسلام التمني بل إسلام العِلم والعمل والحكمة وتزكية النفوس بالمعلِّم الحكيم المزكِّي، "فقال له الهرمزان: أشهد بأنَّك نبي، قال: لست نبيًّا ولكن أعمل عمل الأنبياء".

إدخال إسلام العلم والحكمة إلى القلوب:
وقال الله عزَّ وجلَّ للنَّبيِّ صلًّى اللَّه عليه وسلَّم: ﴿فَذَكِّرْ﴾ ذكَّر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فبتذكيره عشرين سنةً، حضَّر وعلَّم وزكَّى ووحَّد نصف العالَم القديم؛ كلمة ذكِّر موجَّهة لكلِّ واحدٍ منا، يخاطبنا الله عزَّ وجلَّ يا أبا الحسن ذكِّر، وأنت أبو من؟ أبو شهاب، أين يكون الشهاب؟ في السماء، الشهاب ثاقب، يجب عليك أنْ تثقب قلوب مَنْ تجالس حتَّى تُدخل فيهم حب الإيمان والإسلام والاستقامة على صراط الله عزَّ وجلَّ، "قال: الحمد لله الذي أذلَّ هذا وأمثاله في الإسلام"، الإسلام: إسلام العِلم والحكمة، إذا انتسب شخصٌ إلى الشيوعية ولم يُؤدّ واجباتها فماذا يصنعون به؟ يطردونه، وهل يعتبرونه شيوعيًّا؟ وإذا انتسب إلى الإسلام ولا يعمل بالإسلام لا عِلمًا ولا عملاً ولا تعليمًا، يجب عليك أنْ تتعلَّم وتعمل ثمَّ تُعلّم، ويقول سيِّدنا عيسى عليه السَّلام: "مَنْ تعلَّم وعمل؛ ثمَّ علَّم دُعيَ عظيمًا في الملكوت الأعلى". ألا تريدون أنْ تكونوا مِنَ العُظماء؟ أنتم الدراويش إذا كنتم عظماءً في الملأ الأعلى ألا يكفيكم؟ ولو كان الواحد منكم عاملاً، و إذا كنت إمبراطورًا هنا وحقيرًا عند الله عزَّ وجلَّ لست عظيماً، فهل يكفيك ذلك، فأيهما الأربح؟ ابقوا عظماءً عند الله عزَّ وجلَّ.

التذكير باللطف والحكمة:
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ لا تعملها بالفظاظة والغلاظة:

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)
[سورة آل عمران]

وعلى الله عزَّ وجلَّ الهدى، نحن علينا أنْ نبذر البذور والمطر بفضل الله عزَّ وجلَّ وكرمه، وترجع لمشيئته وحكمته، ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ أمَّا بالقسوة، وبالإكراه وبالإجبار :

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
[سورة البقرة]

وبالحكمة والموعظة الحسنة، ليس فقط بالحكمة والموعظة الحسنة بل بالنقود أيضاً، أعطى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ غنائم حنين لزعماء قريش، أعطى لكل واحد منهم مئة جمل، فهذه:

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
[سورة النحل]

وبالجمال، قال سيِّدنا العباس رضي الله عنه للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ أبا سفيان يحب الفخر، فلو جعلت له شيئاً منه" فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ مَن دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ، ومَن دخل المسجدَ فهو آمنٌ، ومَن أغلق بابَه فهو آمِنٌ (5) }

[صحيح مسلم]

وأعطاه مئة جملٍ فقال له: ولإبني، فأعطاه مئة جمل، قال له: لإبني الآخر. فأعطاه مئة جمل أخرى.
فالدعوة تحتاج مالاً وقوةً، عدتنا بسيطةٌ جدًا؛ ومع ذلك إذا صدقتم الله عزَّ وجلَّ.. إذا وضعت بذرة التين في تربتها وسقيتها سقايتها وأعطيتها تربيتها وأعطيتها حقها ستُعطيك حقك، فماذا ستصبح البذرة الصغيرة؟ وإذا أهملتها ولو كانت مليون بذرة سيأكلها النمل ولن تستفيد شيئًا، تعيش الأماني وبالأماني لا يحصل شيء،
﴿فَذَكِّرْ﴾ هذا الخطاب للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، لكن يا تُرى لمَن أيضًا؟ لأبي مصطفى وأبي الفضل.. يقول الله عزَّ وجلَّ لك ﴿فَذَكِّرْ﴾ أيها المؤمن؛ إنَّهم لا يهتدون، قال: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ .

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)
[سورة آل عمران]

﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ ليس مِنْ طريق السيطرة والاستعلاء والعلو والغلاظة والفظاظة بل بالحكمة والموعظة الحسنة، كان يأتي اليهودي والنصراني فيخلع عباءته أي رداءه فيفرشها له ويجلسه عليها ويجلس النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على التراب، تكريمًا لمن؟ للمدعو اليهودي أو النصراني، هذا خُلق الداعي إلى الله عزَّ وجلَّ، وهذا غير ربانيته وغير حكمته وغير أخلاقه وغير عطائه، فإنْ صدقتم الله عزَّ وجلَّ فيما تملكون سيمدكم الله عزَّ وجلَّ بما لا تملكون، فالمهم هو الصدق والإخلاص مع الله عزَّ وجلَّ في الدعوة إليه.
﴿ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ عنك وأعرَض عنك، ولم يصغِ إليك وكفَر ورفض الدعوة، ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ﴾ حوِّله إلى الله عزَّ وجلَّ وهو يتدبَّر أمره: ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾ في الدنيا بالخزي وتسلُّط الأعداء والبلاء وغيرها.. وفي الآخرة:

وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
[سورة السجدة]

(وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ) العقاب الصغير في الدنيا ليهتدوا، وإنْ لم يهتدوا فأمامهم العقاب الكبير (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

الذكر روح كل العبادات:
قال ﴿فَذَكِّرْ﴾ إذًا هل تقبلون هذه الكلمة من الله عزَّ وجلَّ؟ ماذا ستفعل يا أبا سليمان بعد ﴿فَذَكِّرْ﴾؟ اطرق عليهم الباب في بنائكم وقل لهم هذه الليلة أدعوكم على فنجان قهوة أو كأس شاي، فيأتون وإنْ لم يأتِ ربعهم أو نصفهم فليأتِ واحد؛ ثمَّ يصيرون اثنين، وأهم شيء أنْ نشتغل بذكر الله عزَّ وجلَّ:

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
[سورة آل عمران]

الذكر روح كلِّ العبادات، وللذكر أستاذه وتربيته وله شروطه إلى آخره..
﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ لا يجب أنْ تعاملهم بالعنف، مثل الذين يُكفِّرون هذا كافر، وهذا كذا.. فهذا ليس عملاً وهذا ليس صحيحًا؛ لأنَّهم لم يتعلَّموا العِلم مِنْ مصادره ولا تأدبوا بآدابه ولا عرفوا طريقته وحكمته.

التوبة النصوح تمنع شهادة الجوارح:
﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ إلَّا بمعنى: لكنْ، ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ﴾ اترك أمره إلى الله عزَّ وجلَّ، ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ مرجِعُنا إلى الله عزَّ وجلَّ، وإلى محكمة الله عزَّ وجلَّ:

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
[سورة النور]

يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ مَن تابَ إلى اللَّهِ توبةً نصوحًا أنسى اللَّهُ حافِظيهِ وجوارحَهُ وبقاعَ الأرضِ كُلِّها خطاياهُ }

تاريخ ابن عساكر

(مَن تابَ إلى اللَّهِ توبةً نصوحًا) ما هي التوبة النصوح؟ أنْ تترك الذنب فلا تعود إليه؛ إلَّا إذا عاد اللبن إلى الضَّرع، إذا خرج الحليب من الثدي فهل يعود؟ أيضًا التوبة الصحيحة، أنْ تترك الذنب فلا تعود إليه كما لا يعود الحليب إلى الثدي الذي خرج منه، فتوبوا إلى الله عزَّ وجلَّ توبةً نصوحًا (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم) يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَن تابَ إلى اللَّهِ توبةً نصوحًا) فلا يتَّبع قرناء السوء ولا يسهر سهرات السوء، ولا يبحث عن نزهات السوء؛ بل يبحث عن رفقة الصالحين وعن مجالس العِلم والتقوى، هذه علامة التوبة الصادقة، (مَن تابَ إلى اللَّهِ توبةً نصوحًا أنسى اللَّهُ حافِظيهِ وجوارحَهُ) (6)، ألن تشهد عليك يداك وقدماك وعيناك؟ يُنسِّيهم الله عزَّ وجلَّ ذنوبك لئلا يشهدوا عليك يوم القيامة: (أنسى اللَّهُ حافِظيهِ وجوارحَهُ وبقاعَ الأرضِ كُلِّها خطاياهُ) المكان الذي سهرت فيه وعربدت وعملت المشاكل أيضًا يُنسِّيه الله عزَّ وجلَّ عندما يريد أنْ يشهد، (أنسى اللَّهُ حافِظيهِ وجوارحَهُ وبقاعَ الأرضِ كُلِّها خطاياهُ)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
[سورة التحريم]

تنصحوا فيها أنفسكم وليست توبةً تغشوا أنفسكم بها، ﴿إِنَّ إِلَيْنَا﴾ فإنْ لم يستجيبوا لكَ فاتركهم لنا، ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ فحساب الله عزَّ وجلَّ عن الفتيل والنقير والقُطمير، إنْ حاسَبك الحساب الأصلي:

{ مَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ (7) }

[صحيح البخاري]


عليكم العمل بعد الدعاء:
نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يتوب علينا توبةً نصوحًا، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسَنه، ويجعلنا هادِين مَهديين، ولا يجعلنا ضالِّين ولا مُضلِّين، ويُفرِّج عنَّا وعن المسلمين بالعودة إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ وسيرة سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه رضي الله عنهم عودًا جميلاً بفضلٍ منه وكرمٍ، وهذا الدعاء فماذا بقي عليكم؟ القطران: يجب عليكم أنْ تعملوا خارج الجامع، أنا دعوت لكم الدعاء وأنتم عليكم أنْ تُقدموا القطران، وإنْ جمعتم اثنين ألا يكون الإنتاج؟

وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
[سورة الروم]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
[سورة الروم]

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلّم، والحمد لله ربِّ العالمين.

وليمة الهدهد:
يقال أنَّ الهدهد مرةً أتى إلى سيِّدنا سليمان عليه السَّلام وقال له: مِنَ السنن الضيافة، أنْ يضيِّف المرء آخر، وأريد أنْ أقدم الضيافة فإنْ سمحت لي فلا تنتقدني لأنَّني طيرٌ صغيرٌ وأنت نبي الله سليمان، وأريد أنْ أدعوك إلى الغداء. قال له: فأين المكان؟ قال له: على شاطئ البحر، فلمَّا صار موعد الغداء فلا يوجد طاولاتٌ ولا مظاهرُ مطابخ ولا طباخون ولا شيء.. وبعد قليل أتى الهدهد طائرًا وفي منقاره رجل جرادة ورماها في البحر، قال له: يا نبي الله، أنا صنعت لكم مائدة الفخذ، وألقيت الفخذ في البحر، فمن تصل يده إلى اللحم فليأكل، ومن لا تصل يده إلى اللحم فعليه بالمرق.
الخلاصة: فقدِّموا أنتم ولو رجل جرادة.. والله العظيم إنْ صدقتم مع الله عزَّ وجلَّ سيمدكم الله عزَّ وجلَّ بإمدادٍ لا يخطر على البال، ويُلهمكم مِنَ الحكم ما لا تعرفونه، والله عزَّ وجلَّ هو المُعطي وهو الفتَّاح.

دعوة للضيف أن يتكلم:
ونحن الآن مشتاقون للأستاذ مختار منذ زمنٍ لم نسمع منه شيئًا، فهل من الممكن أنْ نسمع منه كلمةً مِنْ كلماته الجميلة؟ أوحشنا ولكنْ ما رأيت أخًا أتانا من طرابلس إلَّا ويصلح أنْ أتبارك به والله ومِنْ كلِّ قلبي، يا الله، والأستاذ مختار هو مِنَ المجاهدين في الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وجمعية الدعوة في ليبيا والله أتبارك بهم جميعًا وعلى رأسهم الدكتور الشريف حصَّنته بالله وأهلاً وسهلاً.

كلمة الضيف:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، أيها الإخوة الأفاضل، إنِّي أشعر بالعزِّ بانتقاء الألفاظ التي أثني بها على سماحة شيخنا، الذي أنا أقول في نفسي أنَّني اكتسبت في نفسي معرفته بعد تأخري في العمر، وودت لو كانت صحبتي كمثل صحبتكم له منذ زمنٍ لكنت مِنَ الذين أنعَم الله عزَّ وجلَّ عليهم بمعرفته، ليس لي ما أقول إلَّا أنْ أحمَد الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي حبَانا بها بالشَّيخ الجليل والمعلِّم القدير والأب الفاضل الذي يمُدُّنا دائمًا وأبدًا بنصائحه وإرشاداته التي نسأل الله سبحانه وتعالى أنْ تخرج مِنْ فِيه لتصل إلى قلوبنا، وأنْ يجعلنا الله عزَّ وجلَّ مِنَ الذين يعملون بما يسمعون، وأنْ يُجازيه الله سبحانه وتعالى عنَّا خيراً لأنَّه أوصل إلينا ما أعطاه الله عزَّ وجلَّ فلم يبخل به علينا، وإنْ كان لي ما أقوله لكم هذا في هذه العجالة فإنَّ شعب الجماهيرية يعاني مِنْ حصار ظالمٍ تعرفونه جميعاً وتسمعون عنه منذ أربع سنوات، والحصار قد فُرِضَ على كلِّ البلاد الإسلامية منذ زمن، فكل البلاد العربية والإسلامية محاصرةٌ منذ زمنٍ ولكنَّنا لا نعرف هذا الحصار.
فنحن كلنا محاصرون مِنَ العالم الغربي في مجال التقنية، ولا يُعطون لنا هذه التقنية إلَّا النذر القليل والفائض عن حاجتهم أو بالأحرى الذي أرادوا أنْ يُجرِّبوه فينا مِنْ سلاحٍ فتاك، البلاد العربية والإسلامية الآن مُجرَّدةٌ من السلاح الذي تدافع به عن نفسها إلَّا ما كان باقيًا في السوق الكاسدة؛ ثمَّ بعد ذلك ينظرون إلى الدول التي ترنوا ببصرها إلى وسائل التحضُّر، فأيُّ الدول التي تُنادي بالإسلام أو تدعم الإسلام أو تدعم شريعةً للمجتمع هذه هي التي يجب أنْ تُحارب أولاً، ولعلَّكم تسمعون ما يُقال عن سماحة الشَّيخ -إذا سمحتم لي-في إذاعة العدو الإسرائيلي وأنا كنت أسمعه في كلِّ مرة عندما كنت في هذا المسجد، وما فُرِض على الجمهورية لم يُفرض لأنَّها بلدٌ عربيٌّ فقط فالبلاد العربية كثيرة ولكنْ لأنَّها تتمسك بالإسلام وهي الآن تدفع هذه الضريبة، ولعلَّكم تسمعون ما يبثُّه الغرب من سمومه عندما يحسُّ أنَّ بلدًا ما يخرج عن طاعته، فالذي يُقال عن سورية المناضلة الكثير والكثير ويُلوِّحون به دائمًا وأبدًا، وتسمعون في الإذاعات أنَّ سورية ستدخل مجال صناعة الأسلحة النووية، وهذا بلا شك هو تقديمٌ لإخضاع سوريا إذا لم تسِر في ركب السَّلام، وموقف سوريا الآن مِنَ المواقف التي تعتزُّ بها الأمة العربية والأمة الإسلامية أمام الانبطاح والهرولة التي تهرولها البلاد العربية والإسلامية في يومنا هذا، فبالله عليكم وأنتم تسمعون في الأيام القليلة الماضية أن موريتانيا تُقيم علاقاتٍ دبلوماسيةً مع إسرائيل، أيُّ خزيٍ وأيُّ عارٍ يصل إليه بعض من في هذه الأمة حتَّى تقيم موريتانيا وهي في أقصى الغرب علاقاتٍ مع العدو الإسرائيلي! والله لو كانت دولةً مجاورةً لقلنا والله هذه لها عذرٌ ولأن عليها ضغوطاً ولكنْ نحن نعوِّل كثيرًا على ما بقي في هذه الأمة مِنْ أنفةٍ وكبرياءٍ -ولا نقول الكبرياء الذي تحدَّث عنه إبليس عليه لعنة الله- ولكنَّ الكبرياء الذي تُحقق لنا شموخنا وعزتنا وقوتنا ونصرنا، فالجماهيرية صامدةٌ بعون الله عزَّ وجلَّ، لا تركع لغير الله، كما تصمد سوريا المناضلة أن لا تنحني وتخضع لإرادة العدو الإسرائيلي أو لإرادة الأمريكان.
إخوتي نحن كمسلمون يجب علينا في كلِّ يومٍ -كما كان يُحدِّثنا سماحة الشَّيخ- أنْ نرجع إلى القرآن وأنْ نعيَ دروس القرآن لنكون:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

ولكنْ في عصرنا هذا أصبح:

{ يأتي على النَّاسِ زمانٌ الصَّابرُ فيهم على دينِهِ كالقابضِ على الجمرِ (8) }

[شرح الزرقاني على الموطأ]

والذي يتمسَّك بالإسلام صدَق رسولنا الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أصبح غريبًا؛ ولكنَّ الخير فينا جميعًا لأنَّنا بهذا الحشد الكبير الذي نستمع فيه إلى تعاليم الله عزَّ وجلَّ والذي بلا شكٍّ أنَّنا سنُطبِّق هذه التعاليم، وسنُحيي لهذه الأمة مجدها، وسنُحيي لها شبابها:

وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)
[سورة إبراهيم]

أشكر سماحة الشَّيخ وأسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يَمدَّ في عمره ليُعطينا الدروس والأمثال، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شكر على كلمة الضيف:
شكرًا للأستاذ المختار على كلمته القيِّمة المُنبعثة مِنْ قلبٍ مُشتعلٍ بالإيمان والحرقة على المسلمين وعلى ما هم فيه، وأرجو الله عزَّ وجلَّ أنْ يكون الفرَج قريبًا، ونحن نُقرِّب الفرَج أو نُبعِّده فإنْ عملنا بالأسباب التي تُقرِّب الفرَج يقترب منَّا الفرَج:

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11))
[سورة الرعد]

يقول الأطباء بأنَّ المرض هو حسب قانون الله عزَّ وجلَّ إنذارٌ وتنبيهٌ للإنسان على خطئه الذي أخطأه في حقِّ جسمه فيظهر بصورة آلامٍ أو أوجاع أو أورام ليُصحِّح خطأه ويُعيد جسمه إلى طبيعته، وكذلك ما يُحيط بالعالَم العربي والإسلامي مِنْ تسلُّط العدو ومِنْ فقرٍ ومِنْ جهلٍ ومِنْ كلِّ ما يحطُّ مِنْ قدر العرب والمسلمين، فهذا تنبيهٌ مِنَ الله عزَّ وجلَّ إلى أخطائنا في طريق الحياة، فما لم نُصلح الأخطاء: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
أين العروبة وأين الإسلام؟ كان المفروض على العرب إذا قُوطعت ليبيا أنْ يرفض كلُّ العرب قرار مجلس الأمن، ويجيبوا مجلس الأمن بأنَّ عليهم أنْ يُطبقوا قرارات مجلس الأمن على إسرائيل أولاً، وعند ذلك نحن ننظر في تطبيق قراركم على ليبيا، وإذ الواقع ولا الضالُّون آمين، فقرار مجلس الأمن على ليبيا المسلمة سارَع إلى تطبيقه العرب والمسلمون ما عدا سوريا فمعروفٌ الأمر في موقفها الحازم والمشرف، ولكن المقصود لنتحرك مِنْ هذه النافذة، حكامًا أو أغنياءً وكلَّ مَنْ له القدرة، وهذه لحيتي إنْ لم يفتح الله عزَّ وجلَّ للمسلمين مِنَ الفرَج واليُسر أكثر ممَّا نُقدِّر وأكثر ممَّا نتصوَّر، والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:
(1) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، رقم: (3929).
(2) شعب الإيمان، رقم: (65)، (1/158).
(3) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(4) سنن الترمذي، أبواب العلم: باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، رقم: (2656).
(5) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة، رقم: (1780).
(6) تاريخ ابن عساكر، عن أنس، (14/17).
(7) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن: باب {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}، رقم: (4939)، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إثبات الحساب، رقم: (2876).
(8) شرح الزرقاني على الموطأ، (1/149).