تفسير سورة الفجر 01

  • 1995-12-08

تفسير سورة الفجر 01

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلوات وأعطر التحيات على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد سيِّد الأولين والآخرين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه مِنَ النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين، وبعد:

فضل تعلم القرآن وتعليمه:
فنحن في تفسير سورة الفجر، كان نبيُّنا وحبيبنا سيِّدنا مُحمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ خَيرُكم مَنْ تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ (1) }

[صحيح البخاري]

وليس المقصود مِنْ تعلم القرآن وتعليمه تعلُّم النُّطق بحروفه وكلماته دون الفهم لمعانيه وتحويل الفهم إلى عملٍ وسلوكٍ ليصير المؤمن كما قال الله تعالى:

وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍۢ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
[سورة الفرقان]

يُعلِّم النَّاس بقدوتِهم به، وكما قال تعالى:

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
[سورة السجدة]

(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً) يعني قدوةً وهداةً للناس، (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) يُوقنون وليس يُؤمنون، اليقين فوق الإيمان:

{ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ (2) }

[صحيح البخاريِّ]

فكان أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منهم مَنْ بجلسةٍ واحدةٍ وبقوةِ نورانية النبوة يسري نور الإيمان إلى قلبه فيصير مؤمناً حقّاً كما سأل النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم حارثة:

{ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لشابٍّ من الأنصارِ : كيف أصبحتَ يا حارثةُ؟ قال: أصبحتُ مؤمنًا باللهِ حقًّا، قال : انظُرْ ما تقولُ فإنَّ لكلِّ قولٍ حقيقةً، قال: يا رسولَ اللهِ عزفتُ نفسي عن الدُّنيا فأسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري وكأنِّي بعرشِ ربِّي بارزًا }

[مصنف ابن أبي شيبة]

(كيف أصبحتَ يا حارثةُ؟) قال: (أصبحتُ مؤمنًا باللهِ حقًّا)، قال له: (انظُرْ ما تقولُ فإنَّ لكلِّ قولٍ حقيقةً) فما حقيقة إيمانك؟ قال: (وكأنِّي بعرشِ ربِّي بارزًا)(3)، يعني كأني أنظر إلى الله عزَّ وجلَّ على عرشه (أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ)، فهذا لم يتسنَّى له القراءة كتاب أو سماع محاضرة، إنما بلقاءٍ وحبٍّ وتفانٍ في الحب الإيماني حصل له ما يترجمه، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في نعيمهم بالإيمان.

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
[سورة الحجر]

منهم مَنْ يأتيه اليقين وهو في حال الحياة:

كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
[سورة التكاثر]

فحارثة رآها في مرآة قلبه وبرفع الحجب عن بصيرته، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم رآها: رأى الجنة ورأى النَّار ورأى الحساب ورأى ورأى إلى آخره..
فتعلُّم القرآن.. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا مِنْ أهل القرآن، وذكَر اللهُ عزَّ وجلَّ شروطَ مَنْ يصلح لتلقِّي علوم القرآن في قوله تعالى:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

بالتدبُّر .

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)
[سورة النساء]

أما صاحب القلب فيصير قلبه مرآةً تنعكس فيه ظلال ما آمن به فيرى صور الدار الآخرة مرسومةً في شاشة قلبه.

تفسير سورة الفجر:
فنحن الآن في سورة الفجر يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْفَجْرِ﴾ هذه الواو كما في "واللهِ" واو القسم، ﴿وَالْفَجْرِ﴾ يعني أقسم بالفجر، فما أعظَم حنان الله عزَّ وجلَّ وعطفه على الإنسان، يُعامله كما يُعامل الإنسانُ الإنسانَ إذا شكَّ في خبره، فالمشكوك في خبره حتَّى يؤكِّد الخبر للمستمِع يحلف له يميناً، إذا كنت لا تصدقني فسأؤكد صحة خبري باليمين، فالله عزَّ وجلَّ رحِمَ الإنسان وخاطبه بلغته التي يفهم بها، فقال له: أُقسِم وأحلِف، إذا كنت لا تصدقني إلا باليمين فسأحلف لك يميناً بالفجر، بمقدمة طلوع النهار والشَّمس التي هي مظهر الحياة لكلِّ حيٍّ على هذه الأرض مِنْ إنسانٍ وحيوانٍ ونبات، هل يحتاج الله عزَّ وجلَّ لتصديق كلامه إلى يمين؟ مع ذلك حَلَف، فهل صدَّقه الإنسان؟

قسم الله تعالى بالفجر دليل تعظيمه:
﴿وَالْفَجْرِ﴾ أُقسِم بالفجر، والفجر شيءٌ عظيم لأن في الفجر وبزوغ الشَّمس وهو المقدمة لشروقها تكون الحياة والأحياء، ومَن خالق الفجر؟ ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ فإذا كان الفجر والشَّمس هما السبب لوجود الحياة والأحياء.. جسديّاً يكون الحُجاج في ذلك الوقت قد خلعوا ثيابهم كلها رمزاً وإشعاراً لأن يخلعوا ذنوبهم ومعاصيَهم ونقائصهم، ولبسوا الثياب البيضاء رمزاً لتجديد صحيفةٍ مع الله عزَّ وجلَّ يكتبون فيها بأعمالهم الصالحة ما يُحبُّه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه.
وكان عليه الصَّلاة والسَّلام يقول:

{ ما مِنْ أيامٍ العملُ الصالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ مِنْ هذهِ الأيامِ العشرِ فقالوا يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ (4) }

[مسند أحمد]

التفرُّغ إلى الله عزَّ وجلَّ والتوجُّه له والعكوف على طاعته، الاعتكاف والخلوة بالله:

فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
[سورة مريم]

فلما احتجَبت عن مخالطة الخلق بجسمها وفكرِها وقلبِها ومشاعرِها واستقبَلت:

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
[سورة الأنعام]

(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا) بعد ذلك ماذا؟ (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا).
فما لم يشتغل قلبك كلُّه بالله عزَّ وجلَّ ويحتجِب كلُّه عن الإقبال على ما سوى الله عزَّ وجلَّ، فمِنَ الصعوبة جدّاً أن:

يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)
[سورة النحل]

مريم المرأة، مريم الفتاة، وكانت لم تأتِها العادة الشهرية إلا مرتين لصغر سنها، فمع طفولتها (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا) هذه بنات القرآن في سن الطفولة، هكذا كانت حياتهنَّ بالله عزَّ وجلَّ وروحانيتهنّ معه، وكان الذي كان..

قسم الله عزَّ وجلَّ بالفجر:
﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ فالفجر أقسم الله عزَّ وجلَّ به لأنه مقدمةٌ لبزوغ وشروق الشَّمس التي هي سبب ومصدر الحياة لكلِّ الأحياء على هذه الأرض، وأقسَم بالليالي العشر، الليالي العشر وأن تكون فيها في عبادةٍ مع الله عزَّ وجلَّ بجسدك وعقلك وقلبك وكلِّ مشاعرك وليلك ونهارك، هذه شمسٌ تكون سبباً لحياة القلوب بالله عزَّ وجلَّ ومصدراً لتفجُّر الحكمة والعِلم الرباني الذي أخذه الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام مِنْ مدرسة الله عزَّ وجلَّ، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم آتاه الله عزَّ وجلَّ النبوة لما اتخذ مِنْ دونهم حجابًا فأرسلنا إليه روحنا.
﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ لذلك كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يعتكف في العشر الأخير من رمضان ويحضُّ على الاعتكاف. الليالي العشر يمينٌ آخر، اليمين الأول حلف بما هو سبب حياة الأجسام والأحياء على الأرض، واليمين الثاني يحمل رمز حياة القلوب والأرواح والعقول:

{ مَنْ أخلص للهِ أربعينَ صَباحاً تفجَّرتْ ينابيعُ الحكمةِ مِنْ قلبِه على لسانِه (5) }

[مصنف ابن أبي شيبة]

إذا أردت أن تصير حكيماً فأخلِص لله عزَّ وجلَّ أربعين صباحاً، صاحِب المخلصين، صاحِب الحكماء، و:

{ المرءُ على دينِ خليلِه فلْينظرْ أحدُكم من يخاللْ (6) }

[مسند أحمد]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
[سورة الأنفال]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) وفوقها عطاءٌ لم يُحدده الله عزَّ وجلَّ فقال: (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
فالنبوَّات ما أُخِذت مِنْ كتابٍ ولا مِنْ معلِّم، سكة الحديد إذا وُضِعت في كير الحداد فبمجرد المجالسة تتعلَّم كيف تنقلب مِنَ الظلام إلى النور، ومِنَ البرودة إلى الإحراق، بالصحبة والملازمة والمجالسة، و(المرءُ على دينِ خليلِه فلْينظرْ أحدُكم من يخاللْ).

جهاد الهوى:
قال: (ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ) لو أن شخصاً جاهَدَ حرباً وآخر تفرَّغ إلى الله عزَّ وجلَّ في العشر الأوَل مِنْ ذي الحجة، فهذا التفرُّغ أعظَم، لماذا أعظَم؟ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سماه أعظَم، لأن الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ هو الجهاد الأصغر، وأما جهاد النفس والهوى فهو الجهاد الأكبر، يا تُرى هل يُعلِّمون النَّاس في المدارس والمعاهد العلمية الجهادَ الأكبر وفرضيَّته وأفضليَّته على الجهاد بالدم والسلاح وبذل الروح؟ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هكذا فضَّله، وهنالك الجهاد الكبير الذي غَفِل النَّاس عنه مع أنهم دائماً يقرؤونه في القرآن في قوله تعالى:

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
[سورة الفرقان]

(وَجَاهِدْهُمْ بِهِ) بالقرآن، بالدعوة إليه، بتبليغ الرسالة نيابةً عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ) بالقرآن (جِهَادًا كَبِيرًا) فما أعظَم القرآن، وما أعظَمَ حكمته - ولا نقول فلسفته - ما أعظَم شريعته ودعوَته.
﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ يا ربِّ واللهِ صَدَق الله العظيم مِنْ غير أيمانٍ ومِنْ غير حلف اليمين، لا يجب أن تقول لنا: ﴿وَالْفَجْرِ﴾، لا، بل ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ حتَّى تصدِّقوني، يا تُرى حين نقول: صَدَق الله العظيم، هل نحن صادقون فيما نقول؟ هل قبِلنا وصدَّقنا الله عزَّ وجلَّ فيما تلوناه مِنْ كتابه الكريم؟ إذا صدَّقت أن هذه الكأس فيها سم، فهل مِنَ التصديق أن تتناول الكأس وتضعها على شفتيك وتتجرَّع ما فيها؟ هل هذا دليل "صَدَق الله العظيم"؟ صدَقَ أم كذَب؟ تقول صدَقَ بلسانك وكذَب بأعمالك:
وإذا المقالُ مع الفعالِ وزنتَه رجحَ الفعالُ وخفَّ كلُّ مقالِ
{ منقول }

ذم القول دون فعل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)
[سورة الصف]

(كَبُرَ مَقْتًا) أتدرون ما هو المقْت؟ المقْت هو أشدُّ الغضب، إذا اشتدَّ غضبك على إنسانٍ فشدة الغضب اسمها مقْت، مقتُّه يعني اشتدَّ غضبي عليه، وإذا كان (كَبُرَ مَقْتًا) إذا كان المقْت الكبير فبماذا تقع فيه؟ (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
يُذكَر - فيما أظن - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد وقع في سكرات الموت، قال: ائتوني بشاهدين، فأُتِي بهما، فقال: اشهدا عليَّ أني قد زوَّجتُ ابنتي فلانة لفلان الفلاني، وهو في النَّزع وفي سكرات الموت عقَد عقْد ابنته، وهل هذا وقته؟ ما هذا يا ابن عمر؟ قال: وعدتُّه أن أزوِّجه ابنتي، وخِفْتُ أن أموت مُخلفاً لوعدي فألقى الله عزَّ وجلَّ بثلث النفاق!

{ أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ (7) }

[صحيح البخاري]

فيا سبحان الله! ما أوسَعَ الهوَّة وما أبعد البَوْنَ بين المسلم والإسلام، والسبب فقْدُ المُعلِّم الذي يُعلِّم الكتاب نيابةً عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُعلِّم الحكمة، وعنده قوَّة تزكية النفوس:

{ العلماءُ وَرَثَةُ الأنبياءِ }

[صحيح أبي داود]

ماذا يرِثُ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ إذا لم يرِث :

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

فلو أخذ شهاداتٍ ملء الأرض وما تحقق فيه معنى الشهادات فقد أخذ أوراقاً، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعفو عنا جميعاً بفضله وإحسانه.

التأكيد على فضل العشر والشفع والوتر:
﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ نتوسَّلُ إليك يا ربِّ لا تحلِف نحن نصدِّقك! مُرنا حتَّى نفعل ما تريد، وعلِّمنا ما ترغب وما تحبُّ لنعمل بما تُعلِّم.
﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ أيضًا يمينٌ ثالث، قال: لأنكم لا تصدِّقونني، يجب ألَّا أحلِف لكم يميناً، وها قد حلفت لكم أيماناً كثيرةً ولا تصدِّقونني، سبحان الله! يقرأ أحدهم خبراً في الجريدة، مع أنه إذا بلغك الخبر الله عزَّ وجلَّ يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)
[سورة النساء]

وكثيرٌ مِنْ أخبار الجرائد يقولون عنه في اليوم التالي إنه غير صحيح؛ ومع أنه معرَّضٌ لأن يكون غير صحيحٍ تتقبَّله فوراً، أو يأتي إليك نمامٌ بخبرٍ عن صديقٍ أو حبيب، فبمجرد أن يبلِّغك الخبر تغضب أو تُزمجر أو تحقد، فأين إيمان (فَتَبَيَّنُوا)؟ أين إسلامك في (فَتَبَيَّنُوا)؟ هل أنت مؤمنٌ بالقرآن؟ لعلَّك لست مؤمناً بآيةٍ مِنْ آياته.
﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ اليمين الثالث، الشَّفع: كلُّ مخلوقات الله عزَّ وجلَّ التي في هذا الوجود، الزوج: ليلٌ ونهار، وموتٌ وحياة، وذكورةٌ وأنوثة، وحرٌّ وبرد، وغنىً وفقر:

وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
[سورة الذاريات]

إذًا اليمين الثالث ليس بالليالي العشر، ولا بالفجر، بل حلَفَ بكل الوجود، ﴿وَالْوَتْرِ﴾:

{ إنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ }

[سنن الترمذي]

حَلَف الله عزَّ وجلَّ بذاته:

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)
[سورة النساء]

نرجوك يا ربِّ! واللهِ إنا نصدِّقك، خجِلنا وزدنا حياءً، هل ترانا طُرشاً أو مجانين أو لا نعي حتَّى تؤكِّد لنا ما تريد أن تقوله بالأيمان المكررة؟ يا سبحان الله!
مع ذلك كم يميناً حلَفَ الله عزَّ وجلَّ في القرآن؟ هنا في سورة ﴿وَالْفَجْرِ﴾ أربعة أيمان:

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2)
[سورة التين]

وَالشَّمس وَضُحَاهَا (1)
[سورة الشمس]

خمسمئة يمينٍ أو أكثر أو أقل، فهل يا تُرى صدَّقتَ الله عزَّ وجلَّ فيما يقول؟ لو أنك قلت لطفلٍ إني لا أصدِّقك لرحِمتَه خوفاً مِنْ أن يحزن، إذًا أنت لا ترضى أن تُحزِنَ طفلك الصغير فكيف ورب العالمين عزَّ وجلَّ يحلِفُ لك عشرات الأيمان؟ وإذا كانت أعمالك تدلُّ على أنك غير مصدِّقٍ لا لكلامه ولا لأيمانه فما هو حظك مِنَ الإسلام والإيمان يا تُرى؟

الإسلام هو الاستجابة والامتثال:
الإسلام هو الاستجابة لنداء الله عزَّ وجلَّ والامتثال لأوامره، فيا تُرى ما محلُّنا مِنَ الإعراب إذا وقفنا بين يدي الله عزَّ وجلَّ ووُضِعت الموازين؟

وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)
[سورة الأنبياء]

(وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) ليست حبة الخردل بل لو قُسِمت سبعين جزءاً فالواحد منها هو المثقال، (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) مِنْ خيرٍ أو شر، وهل عند الله عزَّ وجلَّ موظفون للحساب؟ قال: (وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ).
آيةٌ واحدةٌ تكفي لأن تجعلك الإنسان الفاضل، آيةٌ واحدةٌ تكفي لتجعلك المؤمن الصادق، وهذه لا بدَّ معها مِنْ صحبة أهل الإيمان، لا بدَّ مِنْ مجالس العِلم والحكمة وصحبة أهل التزكية، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير مَنْ زكاها أنت وليُّها وأنت مولاها.

لا يجوز للإنسان أن يحلف إلا بالله:
﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ لله عزَّ وجلَّ أن يحلِفَ بمخلوقاته، أما الإنسان فلا يحلِفُ إلا بخالِقه عزَّ وجلَّ.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ كما حلَفَ بالنهار وفجره حلَفَ بالليل وإسرائه طول مدته في الظلمات، لأن في الليل راحة الأبدان، وفي الليل الهدوء، وعندما ينام الإنسان في الليل - إضافة إلى راحة جسمه وأعصابه في عالم اليقظة - ينحلُّ مِنْ دمِه أملاحٌ تخالط دمه مما يضعف فعالية الدم في إعطاء الطاقة للجسد والبدن، فاختلاط الأملاح المنحلَّة في جسد النائم أثناء النوم يُوجِبُ تعبه في عمله، فإذا نام تعود هذه الأملاح إلى مصادرها، ويتنقَّى الدم مِنْ اختلاطها وامتزاجها، فيرجع الدم صافياً قويّاً، والنائم عند يقظَتِه يعود إلى نشاطه.

أضاع البعض قيم القرآن:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ ويسري الإنسان فيه في سفرٍ وفي أموره الحياتية.. يقال عن الأخفش وقد سأله سائلٌ عن هذه الآية ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ ما معناها؟ قال له: لا أفسِّرُ لك معناها إلا أن تخدمني سنةً كاملة! العِلم ليس رخيصاً، حزمة الفجل لها ثمن، وكذلك رأس الكرنب، هل رأس الكرنب أغلى أو القرآن؟ فهناك أناسٌ لم يعودوا يعرفون قيَم القرآن ولا قيَم حامِل القرآن فأضاعوا القرآن فضاعوا، كما يقول الصافي النجفي الشاعر العراقي رحمة الله عليه:
مُحمَّد هل لهذا جئتَ تسعـــى وهل أتباعُك الهمَلُ المُشـــــــاعُ أإسلامٌ وتهزمُهم يهــــــــودٌ وآسادٌ وتأكلُهم ضِبــــــــــــاعُ أيشغلُهم عن الجُلَّى نــــــزاع وهذا نزعُ موت لا نــــــــــزاعُ شرعتَ لهم سبيلَ المجدِ، لكنْ أضاعوا شرعَك السامي فضاعوا
{ أحمد الصافي النجفي }
الجُلَّى: هي الأمر العظيم الخطير الجليل.
لذلك كان العِلم والعالِم لهما مكانتهما، فخدمه سنة، فقال له: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ يعني إذا يسري الساري فيه، ما اسم سفر المسافر في الليل؟ إسراء.

توقير العِلم والمعلم:
وبهذه المناسبة يُقال إن أحدهم وضع ولده عند شيخ كُتَّاب ليُعلِّمه القرآن، فعلَّمه المعوّذات الثلاث والفاتحة، فرجع إلى أبيه يوماً فسأله: ماذا تعلَّمتَ؟ فأجابه: سورة الفاتحة والمعوّذات الثلاث، فقال له: خُذ للمعلم عشر غنماتٍ وقُل له: يقول لك أبي: جزاك الله خيراً، فأخذ الغلام الغنمات العشر إلى المعلِّم، ما هذا يا ولدي؟ قال له: هديةٌ لك مِنْ أبي لأنك علَّمتني المعوذات الثلاث:

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
[سورة الفلق]

و:

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
[سورة الناس]

و:

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
[سورة الإخلاص]

والفاتحة، فاستغرب أن رجلاً يُكرِّم معلِّمَ ولده بعشر غنمات على تعليمه السور القِصار، فأتى إليه وسأله مُتعجباً عن الأمر، فقال له: هل استكثَرتها على كتاب الله عزَّ وجلَّ؟ إذاً أنت لا تصلُح لتعليمه، ومنع ولده مِنَ الذهاب إليه مجدداً لأنه لا يعرف قدر القرآن!
فيا تُرى ماذا نقول الآن في شأن المعلِّم والمتعلِّم ووليِّ الأطفال في تقدير القرآن وتقدير العِلم؟ كان مُؤدِّبُ ولدَيْ هارون الرشيد رجلاً أعمى، فدعاه إلى الغداء على مائدته يوماً، فبعد الغداء غسل يديه، وبعد ذلك انتعل نعليه، فقال له هارون الرشيد: أتدري مَنْ صبَّ الماء على يديك؟ - ومَنْ هو هارون الرشيد؟ كان إذا امتلأت السَّماء بالسحاب يقول له: أمطِر إن شئت في بلدنا أو لا تمطِر فأينما أمطرت لا تُمطر إلا في دولتنا! مِنَ الهند إلى المغرب الأقصى، هل هذه هي الجامعة العربية أم الجامعة القرآنية أم الجامعة الإسلامية؟ - ولما أراد انتعال نعليه اختصَم الأمين والمأمون أيُّهما يُدير نعلي مُعلِّمه، فتصالحا على أن يُدير كلٌّ واحدٍ منهما إحدى النعلين وتمَّ الأمر، فقال هارون الرشيد للمُعلِّم: أتدري مَنْ هو المكرَّم المعظَّم؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين، قال: لا، ولكن المكرَّم المعظَّم هو الذي يصبُّ أمير المؤمنين الماء على يديه ليغسلهما، والذي يتخاصَم أبناء أمير المؤمنين على نعليه ليحظى بالشرف مَنْ يُقدِّمهما له!

المسؤولية على كل واحد منا:
فيا تُرى هل يستحق أولئك أن تكون دولتهم إلى حدود الصين وإلى حدود المحيط الأطلسي؟ عظَّموا شعائر الله فعظَّمهم الله عزَّ وجلَّ، وأعزُّوا دينَ الله فأعزَّهم الله عزَّ وجلَّ، ونصروا دين الله فنصَرهم الله عزَّ وجلَّ، وأنتم الآن لا تلقوا المسؤولية على الآخرين، كلُّ واحدٍ منا عليه أن يكون هو المناصِر لدين الله عزَّ وجلَّ، أولاً في نفسه: الجهاد الأكبر، ثانياً في تعلُّمه وتعليمه للآخرين: الجهاد الكبير، وإذا دُعِينا إلى جهاد العدو، في أي مرتبةٍ جعل الإسلامُ الحربَ وسفكَ الدماء؟ العليا أو الوسطى أو الدنيا؟ نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الفقه في دينه.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ فالذين لهم الإسراء في الليل نحو الله عزَّ وجلَّ: في تهجُّدهم، في خلوتهم مع ربهم:

تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
[سورة السجدة]

(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) أي الفرش، أي لا يلتصق جنبه بالفراش، إذاً هو في مناجاة، هو مع الله عزَّ وجلَّ في العبادة، (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا) هذا مِنْ عمل القلب (وَطَمَعًا) مِنْ عمل القلب يعني بأجسامهم وبقلوبهم (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
إذاً: الذي يسافر في الليل مِنْ بلدٍ إلى بلد يُسمَّى إسراءً جسديّاً وأرضيّاً (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) هل هذا إسراءٌ جسديٌّ أم روحيّ؟﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ فيه الساري حسب تأويل الأخفَش رحمة الله عليه وغفَرَ الله لنا وله.

يمين الله عزَّ وجلَّ عظيمة :
يا تُرى إذا أراد الله عزَّ وجلَّ أن يكلِّمكم بعد أربعة أيمانٍ فهل تصدِّقونه؟ بالكلام أم بالفعل؟ فهذه كم يميناً؟ أُقسِم بالفجر، وأقسم بالليالي العشر، ما هي الليالي العشر؟ ما معناها؟ نُحييها مع الله عزَّ وجلَّ، والحُجاج في بيت الله الحرام يقومون بما يقومون به، ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ حلَف بكلِّ ما في الكون وبذاته العليَّة، فأيُّ يمينٍ أعظَمُ وأقدَسُ وأجلُّ؟ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ فيا تُرى هل تسري أنتَ في ليلك؟

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
[سورة الإسراء]

إلى آخره..
﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ هذه أربعة أيمان، أربعة أقسامٍ يُقسِم الله عزَّ وجلَّ بها، قال: يا تُرى هل تكفيكم هذه الأيمان لكي تصدِّقوني، أم أحلِف لكم أكثر من ذلك لتصدُّقوني؟ هل اقتنعتم أن الله عزَّ وجلَّ صادِقٌ لا يكذب؟ وجادٌّ لا يهزِل؟ فهل إذا قال لكم بعد الأيمان شيئاً تُصدِّقونه فتعملون به؟ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ﴾ مقْنِعٌ يجعلك تتقبَّل كلُّ شيءٍ يقوله حالِف اليمين، ﴿لِذِي حِجْرٍ﴾ الحجر هو العقل، وسُمِّي العقل حِجراً لأنه يَحْجُر ويمنع صاحبه عن النقائص والرذائل والأضرار، فالذي يُوقع نفسه في الرذائل والمآثم والفواحش والنقائص ليس له عقلٌ يحجِره عن الوقوع في هذه الأشياء الحقيرة والقذرة والنجسة.
﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ﴾ أيكفيكم أم أحلِفُ لكم أكثر، كأن الله عزَّ وجلَّ هكذا يقول، فما رأيكم؟ أيحلِفُ لكم أكثر؟ ولو لم يحلِف فهل تصدِّقونه؟ الله عزَّ وجلَّ حلَفَ عشرات الأيمان فهل المسلمون يصدقون الله عزَّ وجلَّ فيعملون بما يقول؟ وهو أرحَمُ بهم مِنْ رحمة أنثى الطير بأفراخها والأم برضيعها، فيا تُرى إذا وزنَّا إسلامنا بهذه الآيات - القصيرة اللفظ الضخمة والعظيمة المعنى - ألا نذوب حياءً وخجلاً مِنْ الله عزَّ وجلَّ؟ إذا قارنَّا أعمالنا وسلوكنا مع كلام الله عزَّ وجلَّ وحديثه؟
﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ واللهِ واللهِ واللهِ ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ ماذا؟ قال: لتجزوُنَّ بما تعملون:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
[سورة الزلزلة]

لو عملت مِنَ الخير بمقدار رأس الإبرة فسترى مكافأة الله عزَّ وجلَّ لك عليه، في الدنيا أو الآخرة أو في كلتيهما:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة النحل]

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

سيرى العقوبة عليه إنْ في الدنيا وإنْ في الآخرة.
الله عزَّ وجلَّ يحلِفُ لنا، أعوذ بالله! وهل نحن غير مصدِّقين؟ بلى مصدِّقون، دليلُ أنكم غير مصدِّقين أنكم لا تعملون بكلام الله عزَّ وجلَّ، لذلك يحلِفُ الله عزَّ وجلَّ لكم يميناً أنه صادقٌ غير كاذب، وأن ما يقوله حقٌّ غير باطل، وناصحٌ غير غشاش.
﴿وَالْفَجْرِ﴾ قسمٌ يزلزل البدن، لو أنني أردت أن أقرأ عليك آيةً وأردت أن أحلِف لك يميناً لتصدِّق فماذا تفعل؟ تخجل! سبحان الله! والله شيءٌ يُخجِل!
﴿وَالْفَجْرِ﴾ أُقسِم بالفجر، مُرْ يا ربَّ العالمين بما تريد، قال: سأحلف لكم يميناً ثانياً! أعوذ بالله! وهل نحن غير مصدِّقين؟ صدق الله العظيم! ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ أيضًا سأحلِف لكم يميناً ثالثاً: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ أيضًا يميناً رابعاً: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ أيكفيكم أربعة أيمان أم أحلِف لكم مثلها بعد؟ ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ﴾ هل تكتفون بهذا اليمين والقسم؟ إذا كنتم أصحاب ﴿حِجْرٍ﴾ عقلٍ يحجركم كالمكبَح الذي يُوقف السيارة عندما تصل إلى شفير الوادي فتنجو، وإذا لم يكن هناك مكبَح؟ فكذلك العقل مكبَحٌ يوقف الإنسان عند الإشراف على المهالك والمخازي، وأما إذا كان يوقع نفسه في المخازي والمهالك فذلك يعني أنه ليس له مكبَحٌ أي عقل يحجِره ويمنعه عن خزي الدنيا وخزي الآخرة.

العبرة بالأقوام السابقة:
﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ اكتفينا، فماذا؟ قال: لا، قبل أن أخبركم بما أُقسِم عليه أريد أن أقصَّ عليكم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ عادٌ كانت شعباً مِنْ شعوب العرب في جنوب الجزيرة العربية، ويقال: عاد الأولى عاد إِرَم، وعاد الثانية أتت بعدها ﴿بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ يقول: كانوا طِوال الأجسام، عالي الخيام، أعمدتها طويلة ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ كانوا من قوة أجسامهم وطول قاماتهم أقوى ما يكون في البلاد العربية، ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يعني ألم تعلَم ماذا كانت عاقبتهم لما عصوا أوامِرَ ربهم؟ أهلكَهُم الله عزَّ وجلَّ :

وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
[سورة الحاقة]

(حُسُومًا) أي متتابعة، (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) مثل جذور النخل المهترِئة إذا ضرَبَتها الريح، كيف تتساقط وتتفتت.
﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ قوم صالحٍ عليه السَّلام الذين كانوا في وادٍ بين جيزان وبين بلاد الشام، كذلك عصوا رسول ربهم فأخذهم الله عزَّ وجلَّ بصيحة ملَك:

وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)
[سورة هود]

كانوا ينحتون بيوتهم:

وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
[سورة الشعراء]

﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ﴾ ذي الجنود والخيام والقصور بالأعمدة الضخمة، ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾ هل علمتُم ما فُعِل بهم في نهاية الأمر؟ ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾.

الله يُمهل ولا يُهمل:
﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ لأن كلامي عن عاد، إرَم التي أهلكتُها بذنوبها ومعاصيها، وعن ثمود الذين أهلكهم بصيحة ملَك، وعن فرعون الذي أهلَكَه الله عزَّ وجلَّ وجيشه بالغرَق؛ فأُقسِم لكم إنَّ كلامي هذا حق، وإني سأعاقب المُسيء على إساءته، والمجرم على جريمته، وقد أُمهِلُه ولكن لا أهمِلُه، إن الله يُمهِلُ ولا يُهمِل.

{ إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ }

[صحيح البخاري]

(إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ) يُعطيه مهلةً ووقتاً ولكن لا يُهمله ولا يتركه (حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ).
﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ﴾ فرعون وجنوده ودولته وقصوره، وآثاره إلى الآن ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ﴾ ما دمتَ قد طغيت وتجاوزت حدود الله عزَّ وجلَّ إلى محارمه فأنت فرعون، أنت عاد، أنت ثمود:
كلُّ عصرٍ فرعونُ فيه وموسى وأبو الجهلِ في الورى ومُحمَّد
{ منقول }
فهل تريد أن تكون عادَ زمانك؟ يا تُرى عاد و﴿ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ﴾ هل أعجَزوا الله عزَّ وجلَّ أن يأخذهم بذنوبهم عندما حان وقتهم؟ ثمود هل أعجَزوا الله عزَّ وجلَّ؟ وهل نفعهم إمهال الله عزَّ وجلَّ لهم؟ ظنُّوا أن الله عزَّ وجلَّ غافلٌ عما يعملون.

رقابة الله عزَّ وجلَّ:
في الوقت الذي يقول فيه القرآن:

مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
[سورة ق]

الملَك ينتظرك أن تلفُظ الكلمة ليكتُبها:

وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)
[سورة الفرقان]

(كِرَامًا) مِنْ كرامتهم عند الله عزَّ وجلَّ كلامهم لا يُرَد وكتابتهم لا تُرفَض، (كِرَامًا كَاتِبِينَ) ماذا يكتبون؟ جرائد؟ أو كمبيالات؟ يكتبون أعمالك: يدك، رجلك، عينك، وماذا يكتب الله عزَّ وجلَّ من الداخل؟

وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
[سورة طه]

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)
[سورة الملك]

فما هذه التربية الإيمانية؟ وكيف أنشأت مِنَ الأعراب وسكان البادية الأميين الوثنيين وأخرَجَت منهم:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُو (110)
[سورة آل عمران]

وأعظَم إنسانٍ وإنسانيّةٍ وعدالةٍ ودولةٍ بهذا الكتاب وبمعلِّم الكتاب، ليس المعلِّم لحروفه ولا لمدوده وقلقلته وغنَّته، بل المعلِّم لوصاياه، المعلِّم لأخلاقياته وآدابه، وبمدةٍ وجيزةٍ وبوسائلٍ بدائية.

وجوب الصدق في الإيمان والعمل:
فيا تُرى أنتم الذين في المسجد وحدكم، لا أريد أكثر منكم، واللهِ إذا صدَقتم في إيمانكم، يا تُرى هل الذين آمنوا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وكانوا في مكة في بيت الأرقَم أكثر منكم عدداً؟ قد تقول: إن ذاك هو النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ونحن مأمورون بأن نقتدي بمن؟ وما معنى السُّنة؟ معناها أن تمشي على سنّة أي على طريقة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: في أعمالك، في أقوالك، في ذكرك، في تهجُّدك، في دعوتك إلى الله عزَّ وجلَّ، في تحمُّل مسؤولياتك في الدعوة، مع أهلك، مع نفسك، مع صديقك؛ وبالحكمة والموعظة الحسنة، وبسنة التدرُّج، يعني إذا أردنا لطفلٍ عمره شهرٌ أن يكبُر بسرعةٍ فهل يُمكن بدل أن يرضع مِنْ ثدي أمّه أن نطعمه كبة مقلية وبالصينية وخروفاً محشوّاً ليكبُر ويصبح بطلاً بسرعة؟ "من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقِب بحرمانه". هل درسنا الحكمة وفقهها على أهلها وحكمائها؟
لقيَ داعٍ إلى الله عزَّ وجلَّ إنساناً شارداً عن الله: يا بنيَّ ألا تتوب إلى الله عزَّ وجلَّ؟ ألا تصلي؟ فقال له: يا شيخي أنا أعمل وأتعب طول النهار وأعود في الليل متعباً، فكيف سأصلي؟ لا أستطيع أن أصلي العشاء والفجر، فقال له: إذًا صلِّ الظهر والعصر والمغرب، قال له: وهل يجوز؟ قال: نعم يجوز! إذا كانت عليك خمس كمبيالات ولديك ما يمنعك من دفع اثنتين منها ألا يَحسُن أن تدفع الثلاث؟ فصار بعض قصار النظر السريعي الحُكم – الذين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
[سورة الحجرات]

مباشرةً يكفُر بهذه الآية ويتسرع في الحكم دون أن يتبيَّن الأمور بحقائقها - يُشيع عن الشَّيخ أنه يأمر النَّاس بترك صلاة العشاء والفجر! بعد ذلك التقيا فقال له: يا بنيَّ، هكذا الحال: كان تاركاً للخمس، فما أمكنني إلا أن أجعله يصلي ثلاث صلوات، فكان عليك أن تساعدني أنت بالصَّلاة الرابعة وغيرك بالخامسة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)
[سورة المائدة]


الحكمة في الدعوة:
وقصةٌ أخرى: أحد الدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ لقيَ سارقاً فدعاه إلى التوبة والإنابة، فقال له: يا شيخي أنا ليس لي صنعةٌ ولا حرفة وليس لي مورد رزقٍ إلا مِنَ السرقة، فإذا تُبت انقطع رزقي! فإذا قبِلتَ أن أتوب إلى الله عزَّ وجلَّ بشرط أن أبقى سارقاً أتوب، فقال له: لا بأس، تُبْ إلى الله عزَّ وجلَّ وصلِّ وصُم وابقَ سارقاً، لكني أشترط عليك شرطاً واحداً، قال له: وما هو؟ قال له: إذا سرقت فأنصِف!
الداعي إلى الله عزَّ وجلَّ يجب أن يكون حكيماً، لا يعطيه الدواء ثلاثين إبرةً في ساعةٍ واحدةٍ فيقتله! ثلاثون إبرةً في ثلاثين يوماً، هناك مَنْ يريد ثلاثين إبرةً في يومٍ واحدٍ أو ساعةً واحدة! النية طيبة لكن هل العقل سليم؟ فلقيه بعض المستعجلين الذين لا يشعرون بالمسؤولية بين يدي الله عزَّ وجلَّ فيما يقولون أو يظنون، فصار يشيع بين النَّاس أن الشَّيخ أباح السرقة!
نزل السارق ذات ليلةٍ في بيت أحد الأغنياء وفتح الصندوق الحديدي فوجده مليئاً بالذهب! فأفرَغَه في كيسه وأراد حمله فوجده ثقيلاً، ففكر في كلمة الشَّيخ: "إذا سرقت فأنصِف"، وقال لنفسه: هذا الرجل قضى مِنْ عمره ثلاثين أو أربعين سنة يجمع هذا المال ويسافر في البر والبحر، وآتي أنا لآخذه في نصف ساعة؟ فهل هكذا يكون الصدق مع الشَّيخ والوفاء بعهدي له بالإنصاف؟ هذا إذا أصبح عليه الصباح ورأى هذه المصيبة فسيصاب بالفالج ويموت! فالأصحُّ مِنْ أجل الإنصاف أن آخذ نصف المال وأترك له النصف الآخر، فقسَمَه نصفين، ولما أراد حمل النصف وجده لا يزال ثقيلاً فقال لنفسه: أيضاً ليس مِنَ الإنصاف أن آخذ تعب نصف عمره في نصف ساعة، فقسَمَ النصف نصفين وأراد أخذ الربع ولا يزال ثقيلاً.
مِنْ صدق الشَّيخ وإخلاصه مع الله عزَّ وجلَّ: كلمةٌ مِنَ المخلِص تكون سبب سعادة الإنسان طول الحياة وتبقى معه إلى الآخرة، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الإخلاص والصدق مع الله عزَّ وجلَّ.
أيضًا وجد الربع كثيراً وكذلك نصف الربع، ثم فكر وقال: واللهِ لولا أن هذا الرجل منَّاعٌ للزكاة لما سلَّطني الله عزَّ وجلَّ عليه! لأن الحديث:

{ حَصِّنوا أموالَكم بالزكاةِ }

[ضعيف الجامع للألباني]

فيجب أن آخذ ربع العشر ولم يكن يحسن الحساب، فصار يَعُد كلَّ أربعين ديناراً ويأخذ منها ديناراً، حتَّى صارت الغرفة كلها أكواماً بجانب أكوام، واستغرقت العملية وقتاً طويلاً.
استيقظ الرجل في الليل فوجد نور الغرفة مضاءً، وزوجته عنده وليس هناك أحد، فنظر مِنَ النافذة ليرى مَنْ أضاء النور، فوجد رجلاً قد فتح الصندوق وكوَّم الذهب على الأرض وهو مهمومٌ ويكتب ويحسب، كأنه محاسبٌ في مكتب تجاري وعليه مسؤولية تصفية الحساب بسرعة في آخر السنة! فتردد صاحب البيت ماذا يفعل، وخاف أن يكون ذلك جنيّاً أو ملَكاً، ثم شجَّع نفسه ودخل: السَّلام عليكم، فالتفت عليه ورد السَّلام، هل أنت جنيٌّ أم ملَك؟ وماذا تفعل هنا؟
فقال له: لا واللهِ بل أنا لص! كيف لص؟ اللص يأخذ المال ويمشي وأنت أراك تحسب وتكتب؟ فروى له القصة ثم قال له: لقد ألهمني الله عزَّ وجلَّ أنك منَّاعُ زكاة وأنا فقيرٌ يحقُّ لي أخذ الزكاة، فاكتفيت ببركة كلمة شيخي: أنصِف، فهذا الإنصاف أوقعني ويبدو أنه سيفوِّت علي حتَّى الزكاة! فقال له: واللهِ أنت لست لصّاً بل وليٌّ مِنْ أولياء الله عزَّ وجلَّ أو ملَكٌ مِنْ الملائكة! أنا بالفعل منَّاع زكاة، وقد أنزلك الله عزَّ وجلَّ لي من السَّماء لتنقذني مِنْ نار جهنم! فقال له: لا، أنا لست ملَكاً مِنَ الملائكة ولا وليّاً مِنْ أولياء الله عزَّ وجلَّ، أنا طول حياتي سارق، لكنَّ شيخي عاهدني على الإنصاف.

ثمرة الصدق مع الله عزَّ وجلَّ:
فإذا كان اللص يأتي عند الشَّيخ ويصدُق معه هكذا، وهكذا يُعامله الله عزَّ وجلَّ بصدقه، فيا تُرى: هل أنتم مثل هذا اللص؟ إن شاء الله أحسن! إذاً لا نريد الصندوق ولا نريد أن نتصرف مثل هذا اللص، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يكرمنا مِنْ خزائنه غير المحدودة.
ثم أذَّن الفجر فقال له: دع النقود وذهبا إلى المسجد، وأحضر الشَّيخ معه بعد الصَّلاة، فسأله: هل أنت متزوجٌ أو أعزب؟ قال: بل أعزب، قال له: أنا عندي بنتٌ وحيدة سأجعلك صهري وهذا المال بينك وبين ابنتي وهذا البيت لك، وهذا ببركة صدقك مع شيخك.

الإكثار من النوافل:
فيا تُرى هل نحن نصدق مع الله عزَّ وجلَّ فيما سمعناه من كلامه؟ ﴿وَالْفَجْرِ﴾ أُقسِم، مَنْ؟ أقسم بالفجر، خيراً يا ألله؟ هل أنت تكذب علينا حتَّى لا نصدِّق كلامك إلا إذا حلَفت لنا؟ أليس هذا معنى حلفه؟ وإذا حلَف وما صدَّقناه؟ هل نحن مسلمون؟ علينا أن نُطهِّر قلوبنا بالتوبة الصادقة، ونُكثر من ذكر الله عزَّ وجلَّ:

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
[سورة الرعد]

ونُكثِر مِنَ النوافل حتَّى ننتقل مِنْ محِبِّ الله إلى محبوب الله عزَّ وجلَّ:

{ وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ (8) }

[صحيح البخاري]

أن تصير محبّاً لله شيءٌ عظيم، لكن أن تصير محبوباً لله، أي أن يُحبك الله عزَّ وجلَّ شيءٌ أعظم، اللهم اجعلنا مُحبِّين ومحبُوبين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
[سورة المائدة]

(يُحِبُّهُمْ) قال: هو أولاً يُحبِّهم (وَيُحِبُّونَهُ).
فبعد صلاة الفجر جاء الشَّيخ فعَقَد له قِرانه وتزوَّج وذهب إلى الشَّيخ بسيارة حديثة مرتدياً البدلة الفاخرة مِنَ الجوخ! قال له الشيخ: مِنْ أين لك هذا؟ فقال له: هذا يا سيِّدي ببركتك، ببركة صحبتك وهذه الجلسة التي جلستها معك. فإذا كان صادقاً وجلس في مجلس العِلم ومجلس القرآن، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا مِنَ:

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
[سورة الزمر]

ويجعلنا مِنْ ورَثة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أن يجعلنا مِنَ العلماء الورَثة ولا يجعلنا مِنَ العلماء الذين هم أشدُّ النَّاس عذاباً يوم القيامة:

{ أشدُّ الناسِ عذابًا يومَ القيامةِ، عالِمٌ لمْ يَنفعْهُ عِلمُهُ (9) }

[المعجم الصغير للطبراني]


عاقبة الكفر :
﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ وكذا.. و﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ مثل ما فعل بعاد لما عصت ربَّها كذلك يفعل بك إذا عصيت ربَّك، وكما أهلَكَ ثمود بكفرهم بشريعة ربهم كذلك إذا كفرت وعصيت وأعرَضت عن الله عزَّ وجلَّ كما أعرضت ثمود فالله عزَّ وجلَّ عنده جنودٌ كثيرون: أهلك عاداً بالريح، وثمود بصيحة، والآن يسلِّط على العالم الغربي مرض الإيدز، أليس هذا مِنْ جنود الله عزَّ وجلَّ؟ يقولون إن عدد المصابين في عام ألفين سيبلغ أربعين مليوناً!
كانوا يستغربون رجم الزاني، الزاني بالرجم يموت خلال نصف ساعة، أما فيروس - يعني كجرثوم - الإيدز فيقتل سلاح الدفاع في الجسد، يقتل الخلايا التي تقتل الجراثيم، يعني أنه يجرِّد الجسم مِنْ قوة الدفاع والمناعة، والجراثيم موجودةٌ في كل الجو: الهواء فيه جراثيم، الأكل، الماء، المصافحة وغيرها.. فكل الأمراض تدخل إلى جسم المريض، ولا يموت في يوم أو ساعة أو شهر أو سنة بل يبقى أربع أو خمس سنين مصاباً بكل الأمراض من سرطانات وحُمَّيات وغيرها..
كانوا يقولون: ما أفظَع الدين الإسلامي وأوحَشه في رجم الزاني! الرجم ينتهي في نصف ساعة، الآن يقولون: أحرقوا مَنْ يحمل مرض الإيدز، ارجموه، لأنه صار بيئةً لنشر المرض في كلِّ المجتمع حوله، مصداقًا لرسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام في قوله:

{ لم تَظْهرِ الفاحِشةُ في قومٍ قطُّ حتى يُعلِنُوا بِها ؛ إلا فَشَا فِيهمُ الطاعونُ و الأَوجاعُ التِي لم تكنْ مَضتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوَا (10) }

[سنن ابن ماجه]


عظمة القسم من الله عزَّ وجلَّ:
﴿وَالْفَجْرِ﴾ ما معنى ﴿وَالْفَجْرِ﴾؟ يعني: أنا الله أحلِفُ لكم، أعوذ بالله يا ربِّ! أنت الصادق المصدَّق، قال: لكنكم لا تصدقونني لذلك سأحلِفُ لكم، فحلَفَ لعبَدة الأصنام، ماذا كان سعد قبل الإسلام؟ وثنيّاً، وعمر؟ وخالد؟ وكلُّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا وثنيين، حلَفَ الله عزَّ وجلَّ لهم فهل صدَّقوه أم لا؟ وأنتم مسلمون فهل تصدِّقون الله عزَّ وجلَّ؟ لا نريد أن نضع أيدينا على أعيننا ونقول: لا توجد شمس! الشَّمس موجودة، فوضعُ يديك على عينيك لا يُزيل وجودها.
﴿وَالْفَجْرِ﴾ واللهِ يكاد يذوب الإنسان خجلاً مِنَ الله عزَّ وجلَّ ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ يا ربِّ لماذا تحلِف؟ أنت الصادق، أنت أصدَقُ الصادقين ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ ما هو الشَّفع؟

وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
[سورة الذاريات]

يحلِفُ بكلِّ الموجودات، ثم يحلِفُ بذاته المقدَّسة، كما حلَفَ:

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)
[سورة النساء]

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ إذا سريتَ فيه بالعبادة والطاعة، والفجر:

{ مَن صَلَّى الفَجرَ في جَماعةٍ، ثمَّ قعَدَ يَذكُرُ اللهَ تَعالى حتى تَطلُعَ الشَّمسُ، ثمَّ صَلَّى رَكعَتينِ، كانتْ كأجْرِ حَجَّةٍ وعُمرةٍ، تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ (11) }

[سنن الترمذي في السفر]

هذا يُحلَف بفجره.
والذي يسهَر إلى قريب الفجر على المستقبِل الفضائي، هذا:

تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
[سورة السجدة]

وإذا كانت (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) يشاهدون القنوات الفضائية، وإذا كانوا مع أولادهم وعوائلهم فأين:

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
[سورة النور]

أين الإسلام؟ كيف تصير نجاراً؟ هل تصير نجاراً بدون معلِّم النجارة؟ بلا مُدرِّبك على النجارة؟ هل تصير حداداً بلا مُعلِّم الحدادة؟ هل تصير طبيباً بلا أساتذة؟ كم أستاذاً كان لك حتَّى صرت طبيباً؟ كم أستاذاً لك حتَّى صرت مسلماً؟ هل الإسلام الحقيقي أعظَم أم الطب؟ أن تكون مسلماً عند الله عزَّ وجلَّ مستجيباً لأوامره مُلبياً لندائه عاملاً بأوامره؛ أحسن مِنْ مئة ألف طبيب وألف وزير وألف قائد، كلمة مسلم:

لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)
[سورة الأنعام]

مَنْ قالها؟ سيِّدنا إبراهيم، وكلُّ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

ذكر الأقوام السابقة للعظة:
فيا تُرى بعد الأيمان قال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ﴾ أين جواب القسم؟ يعني: كما حاسبتُ هؤلاء بعد ما أرسلت لهم الأنبياء والوحي ولم يستجيبوا ولم يؤمنوا ولم يتوبوا، فأنزلت عليهم ﴿سَوْطَ عَذَابٍ﴾ ما هو السَّوط؟ الكرباج الملفوف مِنَ الجلد، فإذا كان سوطَ الله عزَّ وجلَّ؟ قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ إذا كان لك عدوٌّ وتريد أن تُمسك به ولا تستطيع، وتعرف أنه يسير في مكانٍ معين، فتختبئ له خلف جدارٍ أو شجرةٍ بحيث لا يراك أحد، فهذا المكان الذي تختبئ فيه اسمه المرصاد، وهو يمشي ولا يراك، فحين يصل إليك تنقض عليه فهل له مهرب؟ فإذا كان الله عزَّ وجلَّ لك بالمرصاد؟
يا تُرى هل آمنا بهذه الآيات؟ هل استجبنا لها؟ هل استسلمنا وصارت فينا أخلاقٌ وصفاتٌ ردعتنا عن محارِم الله عزَّ وجلَّ: في أبصارنا في أسماعنا في كلامنا في خطواتنا في جلساتنا في أصحابنا في أكلنا وشربنا في رضانا وغضبنا عند مطامعنا ونزواتنا في شبابنا؟ الإسلام أن تستجيب لله عزَّ وجلَّ في كلِّ لحظةٍ مِنْ لحظات الحياة.
فجواب القسم ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ بأنكم ستُحاسَبون، وأنكم ستُعاقَبون، وأنكم ستقاصَصَون، يعني عادٌ الله عزَّ وجلَّ حاسَبهم وانتقَم منهم، لماذا؟ هل لأن اسمهم عاد؟ بل لأنهم فسقوا وفجَرُوا وكفروا وعصوا الله عزَّ وجلَّ، وإذا نحن فسقنا وفجَرنا وعصَينا فهل نحن مُستثنَون؟ والله عزَّ وجلَّ يقصُّ علينا القصص: أني سأفعل هكذا بكلِّ مَنْ سار في هذا الطريق في الدنيا قبل الآخرة، هل عاقب الله عزَّ وجلَّ قوم عادٍ في الآخرة أم في الدنيا؟ وهل الدنيا هي كلُّ شيء؟ لا:

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
[سورة السجدة]

عذاب الدنيا هو العصا الخفيفة لكي يتوبوا فإذا لم يتوبوا فأمامهم العصا الغليظة في نار جهنم.

الإيمان ما صدقه العمل:
هل صدَّقنا كلام الله عزَّ وجلَّ؟ هل لما قال لنا الطبيب إن هذا سمٌّ تركنا شربه، وهذا ذهبٌّ هل قبِلناه؟ فيا تُرى هل نحن مسلمون؟ قريش الوثنيون لما سمعوا هذه الآيات وتكررت قبل أن يكمُل القرآن، هل أسلم سيِّدنا عمر رضي الله عنه بعد ما انتهى القرآن أم قبل ذلك؟ قبل ذلك بكثير، أين أسلم سيِّدنا عمر رضي الله عنه؟ في مكة أم في المدينة؟ في مكة يعني قبل الهجرة، يعني قبل كمال القرآن بأكثر مِنْ عشر سنين، فنحن بين أيدينا القرآن كلُّه الذي نزل في ثلاث وعشرين سنة، فيا تُرى هل فقهناه؟ هل تحوَّل فينا عملاً وسلوكاً وأخلاقاً؟ هل فهمنا هذه الآيات؟ الله عزَّ وجلَّ أهلك أمماً: أمّة هود عليه السَّلام وهم عاد، أمّة صالح عليه السَّلام وهم ثمود، فرعون وجنوده، قوم نوح عليه السَّلام، كأشخاصٍ وأفراد: أهلَك أبا جهلوأبا لهب وكلَّ مَنْ تمرَّد على الله عزَّ وجلَّ، فماذا ننتظر؟

كما حوسب السابقون سنحاسب:
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾يعني: لتحاسَبُن ولتعاقبُن، وعلى مثاقيل الذر :

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
[سورة الزلزلة]

إذا زرعت شعيراً لا ينبُت القمح، وإذا زرعت شوكاً لا ينبُت الزنبق:
سيحصُدُ عبدُ اللهِ ما كانَ زارعًا فطُوبى لعبدٍ كانَ للهِ يزرعُ
{ منقول }
فإذاً ما هو جواب القسم ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ يعني: ستُحاسَبون أيها المسلمون كما حُوسِبت عادٌ وثمودٌ وفرعون وأقوامهم، وأنتم يا قريش - في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عند نزول القرآن - كذلك ستُحاسَبون كما حُوسِبوا.
قريش عابدو الأصنام فهموا فصدَّقوا فآمنوا فصاروا:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُو (110)
[سورة آل عمران]

فهل أنتم وثنيّون عابدو أصنام؟ هل تريدون أن تكونوا أنتم أحسن في الاستجابة أم عابدو الأصنام؟ هل أنتم مستعدون لأن تستجيبوا لكلام الله عزَّ وجلَّ وتهديده لمن عصَاه؟ ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ هل تستطيعون تحمُّل سوط الله عزَّ وجلَّ؟ لو أن ولداً صغيراً ضربك بعصا صغيرة وأنت خارجٌ مِنَ الحمَّام لما تحمَّلتها، فكيف بسوط الله عزَّ وجلَّ؟ يمكن أن يأخذ منك مرةً عينيك، أو يأخذ منك مالك، أو يأخذ نصفك فيصيبك بالفالج، أو يسلِّط عليك مِنَ البلاء ما لا يخطر لك على البال، هذا في الدنيا، فيجب أن نتوب إلى الله عزَّ وجلَّ.
إذاً لَنحاسَبن ولنكافأن على الخير بالثواب والرضا والجنات العلا وحياة الأبد مع نعيم الأبد، وإذا عصينا الله عزَّ وجلَّ وحاربناه وأعرضنا عن كلامه ولم نستجب لوصاياه فمعنى ذلك أننا خرجنا عن الإسلام، الإسلام هو الاستجابة والطاعة والانقياد، فيا تُرى هل سننقاد ونعمل أم نشرُد ونتمرَّد؟

الجنة ليست بالأماني:
وأن تقول: الله غفور رحيم، هذا أماني.
اجتمع اليهود مع المسلمين في زمن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال المسلمون: الجنة لنا نحن لأن ديننا جديد، وقال اليهود: بل الجنة لنا نحن لأن ديننا قديمٌ أصلي، فأنزل الله عزَّ وجلَّ:

لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
[سورة النساء]

لما مات عمرو بن الجموح قالت زوجته وهم يغسِّلونه: هنيئاً لك الجنة، وسمعها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فغضِبَ والتفت إليها قائلاً: (وما يدريكِ؟) هل رأيتِه؟ هل الله عزَّ وجلَّ أخبرك وأنزل عليك الوحي؟ قالت: يا رسول الله، إنه صاحَبَك ومارَسَك وجاهَدَ معك وحياته كلُّها بكلِّ ما يملك: ماله ونفسه وروحه في بناء الإسلام، قال لها:

{ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ اليَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي (12) }

[صحيح البخاري]


الأجود هو من يتعلم ويُعلم:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ }

[مسند أبي يعلى]

(ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ) مَنْ قائل هذا القول؟ سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم،(اللَّهُ الأجَودُ) هل هناك أجوَد وأكرَم وأسخى وأعظَم عطاءً مِنَ الله عزَّ وجلَّ؟ (وأنا) يعني النبي صلَّى الله عليه وسلَّم (وأنا أجوَدُ بني آدمَ)، والثالثة: (وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ)(13).
ألا تريدون أن تصيروا الأجود بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ إذاً أرونا همَّتكم اليوم، وغداً، وإلى الجمعة القادمة وإن شاء الله طول الحياة، اللهم اجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسَنه.
أنا واللهِ لو أطعت جسمي وصحتي لما أتيت إليكم، لأني اليوم مُتعَب جدّاً، ادعوا لي أن يعطيني الله عزَّ وجلَّ القوة والعافية ولجميع المسلمين، بعض إخواننا انتقلوا إلى رحمة الله عزَّ وجلَّ فنشاركهم في التهليلة، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.
اللهم تقبَّل منا هذه التهليلة المباركة وأوصل ثوابها إلى حضرة نبيِّنا مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم إلى روح شيخنا وأستاذنا وروح والدتنا وولدنا زاهر ووالدته، وأرواح والدينا ومشايخنا والمسلمين أجمعين ووالديهم، اللهم وفِّق رئيسنا لما تحبُّه وترضاه، واجعل على يديه خير هذه الأمَّة في دينها ودنياها، وأيِّده في معركة السَّلام وفي كلِّ معركةٍ لخير هذه الأمة، أيده بجنود مِنَ السَّماء ومِنْ عندك يا أرحم الراحمين، ووفِّق جميع رؤساء وملوك وقادة المسلمين إلى ما تحبُّه وترضاه، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

كلمة الشَّيخ بشير عن حال الدعوة في أمريكا:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلاة وأتم التسليم على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، سيِّدي سماحة الشَّيخ، إخواني الأعزاء، أخواتي في الله: يسعدني بعد ثلاث سنين أن أقف بين يديكم سائلاً الله عزَّ وجلَّ أن يُوفِّقكم سيِّدي ويُطيل في عمركم.
الحمد لله على فضل الله، والحمد لله على مدرسة المسجد سيِّدي، لا أريد أن أقول وأحدِّث بما حدث ويحدث هناك للإسلام فأنتم تسمعون كلَّ يوم.
الجالية الإسلامية في أمريكا سيِّدي التي تقارب اليوم ثمانية إلى عشرة ملايين هم بحاجةٍ الآن إلى أن يدرسوا الإسلام وأن يعرفوا الإسلام على حقيقته، ولذلك يدرك المسلمون الجدد أهمية دراسة الإسلام، ومِنْ نِعَمِ الله عزَّ وجلَّ علينا مجمع أبي النور حيث إن كثيراً مِنْ هؤلاء الإخوة يأتون إلى هذا المجمع وإلى دمشق وسوريا ويدرسون الإسلام ثم يعودون إلى هناك ولله الحمد بعقليةٍ متفتحةٍ وبفهمٍ للإسلام يفتخرون به ويجعل الآخرين يُقبلون على الإسلام.
مشكلتنا في أمريكا سيِّدي من هؤلاء النَّاس الذين يذهبون ويدرسون في أماكن مختلفةٍ ثم يعودون ويُثقلون أسماعنا: هذه بدعة، وهذا فسق، وهذا كفر؛ مما يُخرج النَّاس مِنَ الإسلام ويكرِّه النَّاس بالقدوم إلى المساجد، حيث لا حكمة ولا أسلوب ولا شيء مشجِّعاً يدعو النَّاس إلى الدخول في هذا الدين، حوادث وحوادث شتى لا أستطيع أن أذكرها، ولكن جزاكم الله كلَّ الخير يا سيِّدي، وجزى الله القائمين على هذا المشروع حين يستقبلون الإخوة الذين يأتون مِنْ هناك، بعد أن يسمعوا عن المسجد وعن المجمع وعن الرعاية التي تُحيطونهم بها، وحين يعودون يكون الأثر أكثر مما تتصوَّرون يا سيِّدي.
لقد ذكرتم سورة الفجر: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ وهذه الأيمان التي يُقسِم الله عزَّ وجلَّ بها، وواللهِ وأنتم تقولون هذا وأنا أقول في نفسي: إن هذه الأيمان التي يقسم الله عزَّ وجلَّ بها أنا أشعر بأنها تَصلُح لأن تكون أيماناً على قدوم هذا الدين الذي يأتي رويداً رويداً وأشعر به وأراه في الغرب في أمريكا، وأشعر كيف يُقبل النَّاس على هذا الدين بعد فراغٍ روحيٍّ طويل، قال لي أحدهم بعد أن أسلم: الإسلام كحجر ألماسٍ في جيوبنا نخرجه كل يوم وننظر إليه ونعيده إلى جيوبنا، ولكنَّ المسلمين في الشرق الأوسط أبقَوا هذا الحجر الثمين في خزائنهم ولا ينظرون إليه لأنهم مسلمون بالولادة.
جزاكم الله خيرًا يا سيِّدي على عنايتكم مرةً أخرى وثانية وثالثة بمن يأتي من هناك، المسلمون اليوم إخوتي بحاجةٍ إلى مَنْ يرعاهم، بحاجةٍ إلى مَنْ يُريهم طريق الحكمة والتزكية، وهذه خطوةٌ جليلةٌ تكرَّم الله عزَّ وجلَّ بها عليكم يا سيِّدي، الحمد لله: إخوانكم هناك يُهدونكم السَّلام، ويتمنون لو أن باستطاعتهم أن يأتوا، وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يتوسع هذا المشروع أكثر وأكثر وأكثر.. وأن يكون لسوريا - بقيادة رئيسها ورعايتكم يا سيِّدي - الفضل في نشر هذا الدين شرقاً وغرباً.
والحمد لله على وجودكم بيننا، والحمد لله على نعمة هذا الدين الذي يجعلنا حيثما ذهبنا ورحلنا وارتحلنا في عزَّةٍ وخاصة إذا كنا خريجي مدرستكم ومِنْ تلامذتكم، أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلني وإخواني مِنَ الذين يمشون على طريقكم وهديكم دائماً وأبداً، وجزاكم الله عني وعن المسلمين في كلِّ مكانٍ كلَّ خير، والسَّلام عليكم ورحمة الله.

رد الشَّيخ:
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته، وأبشروا كما قلت لكم: القرن الحادي والعشرون قرن الإسلام شاء الشيطان أم لم يشأ، إن شاء الله هذه مشيئة الله عزَّ وجلَّ، ومِصداق قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ زويت لي الأرضُ مشارقُها ومغاربُها وسيبلغُ ملكُ أمتي ما زُوِيَ لي منها (14) }

[سنن ابن ماجه]

{ لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ }

[شعيب الأرناؤوط]

وأنا واللهِ أرى هذا كما أراكم، القرن الحادي والعشرون قرن الإسلام، لكن لما بشَّر سيِّدنا عيسى عليه السَّلام بسيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكتفِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالبشارة.
علينا أن نقوم ونشمِّر، كلٌّ منا بكلِّ طاقاته بالدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، لا باللسان، قبل كلِّ شيءٍ علينا أن نُحيي قلوبنا بذكر الله عزَّ وجلَّ:

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)
[سورة الأعراف]

كم أمراً في هذه الآية؟ الأول: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً)، الثاني: واذكر أيضاً (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)، والثالث: (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)، والنهي: (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ).
فذكر الله عزَّ وجلَّ، ومجالس العِلم والحكمة والتزكية، نحن طلبة العِلم أهم شيء أن نتعلَّم فقه القرآن المشروح والمفسَّر بسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، نتعلَّمه لا لنقرأه ولا لنتلذذ بقراءته بل لنهيَّئ معدة قلوبنا لتهضم ألفاظه وكلماته وحروفه لتُحيلها أعمالاً.
المعدة والجهاز الهضمي يُحيلان الطعام إلى دم، والدم يتحوَّل إلى طاقةٍ تتغذى بها الخلايا، فكذلك القرآن: إذا لم يتهيَّأ له قلبٌ حيٌّ بذكر الله عزَّ وجلَّ، مملوءٌ مِنْ خشية الله عزَّ وجلَّ، إذا تكلَّم يتكلَّم مِنْ قلبه وإيمانه؛ فلا يحصل المراد لا للإنسان ولا لغيره.. لذلك شمِّروا لنرى بشرى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ) أنت أوصله إلى أسرتك وإلى جيرانك وأهل بنائك، لا إلى حيث وصل الليل والنهار! فإذا بذل كلُّ واحدٍ منا كما قال الله عزَّ وجلَّ:

لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ۖ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
[سورة الطلاق]

وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
[سورة البقرة]

كلُّ واحدٍ منكم يمكن أن يهدي الله عزَّ وجلَّ على يديه.
كثيرون منكم أتوا إلى المسجد كانوا عمالاً عاديين وهدى الله عزَّ وجلَّ على أيديهم الألوف والمئات، كم مِنَ النساء أتينَ إلى المسجد سافرات متهتِّكات، فانقلبن إلى داعياتٍ وصالحاتٍ ومصلحاتٍ وذاكراتٍ ومذكراتٍ وخاشعاتٍ متبتلاتٍ ولا تيأسوا :

وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
[سورة النجم]


الهوامش:
(1) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب خيركم من تعلم القرآن، رقم: (5027).
(2) صحيح البخاريِّ، في: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السَّلام، رقم: (50).
(3) مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (30423)، (6/170)، جامع معمر بن راشد، رقم: (20114)، (11/129)، المعجم الكبير للطبراني، (3/266).
(4) مسند أحمد بن حنبل، باب: مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، رقم: 6154، (10/246).
(5) مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (35485)، (19/77)، مسند الشهاب القضاعي، رقم: (466)، (1/285).
(6) مسند أحمد، رقم: (8417)، (4/142)، مسند الطيالسي، رقم: (2696)، (4/299).
(7) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم: (33)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم: (59).
(8) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم: (6137).
(9) شعب الإيمان، رقم: (1642)، (3/273)، المعجم الصغير للطبراني، رقم: (507)، (1/305).
(10) سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العقوبات، رقم: (4019).
(11) سنن الترمذي في السفر، باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد، رقم: (586) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(12) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، رقم: (3929).
(13) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(14) سنن ابن ماجه، كتاب أبواب الفتن، باب: ما يكون من الفتن، (3952).