تفسير سورة الضحى 2

  • 1996-02-23

تفسير سورة الضحى 2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلوات وأعطر التحيات على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد سيِّد الأولين والآخرين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، وبعد:

العرب قبل نزول القرآن الكريم وبعده:
يقول النَّبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى }

[صحيح مسلم]

(إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ) إذا صار على الظفر حرَج وصار التهاب مثلاً (تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)(1)، فتصيب الحمى كلُّ الجسد وكلُّه يسهر ولا ينام مِنْ أجل هذا الظفر الحقير.. فهذا الكتاب الذي هو القرآن، نزَلَ للعرب الذين بلغوا أدنى حالات الفقر حتَّى كانوا يقتلون صِبيانهم وبناتهم مِنَ الجوع، ويأكلون الجيف والميتات مِنَ الجوع، وفي العِلم لا يقرؤون ولا يكتبون، وكان شعبهم أمةً يُقاتل الأخ فيها أخاه، والقبيلة تُقاتل القبيلة الأخرى، الأوس والخزرج أهل المدينة المنورة اقتتلوا أربعين سنةً مِنْ أجل فرس! واستعمَرتهم الحبشة جنوباً واستعمرهم الفرس شرقاً والرومان شمالاً، فكانوا أجزاءً مُوزَّعةً على الأقوياء الطغاة المتخلِّفين، وما هي إلَّا عشيةٌ أو ضحاها وبين صباحٍ ومساء وفي عشرين سنةً تحوَّلوا بهذا الكتاب، ولم يُجمَع في كتابٍ بل كان يُكتَب على العِظام وعلى أوراق النخل، ولكنْ كتبوه في قلوبهم وتلألأت أنواره في أعمالهم أعمالاً جبارةً عظيمةً، وفي عقولهم حكمةً وأعمالاً ناجحةً لا تُخطئ؛ فإذا دخلوا حرباً ينتصرون، وكانوا في فقرٍ فصاروا أغنياء، وكانوا في فُرقةٍ فصاروا (مَثَلُ الجَسَدِ)، وأنهَوا الاستعمار العالمَي الشرقي الفارسي، والغربي الروماني، وأنهوا الاستعمار والظلم وقتل الإنسان في عشرة أيام، فأنهوا الاستعمار الروماني في معركة اليرموك التي استمرَّت ستة أيام، وكان الرومان ربع مليون جنديٍّ لدولةٍ حضارتها ألف سنة، والمسلمون حوالي أربعين ألف مسلمٍ وعُمرُ حضارتهم سنواتٌ قليلة، ولكنْ تخرَّجوا مِنْ مدرسة الله عزَّ وجلَّ وتخرَّجوا مِنْ مدرسة القرآن، فصار أحدهم قرآن العمل وقرآن المُعلِّم، والقرآن الذي يُقرأ بالعيون لا بالأفواه ويُكتَب في صفحات الروح والواقع والعمل، فأنهوا دولةً عمرها ألف سنة -مع الفارق الهائل في العدد- في ستة أيام، والاستعمار الفارسي في القادسية أنهَوه في أربعة أيام!
فهل أيام المسلمين الآن كأيام أولئك المسلمين؟ لماذا؟ هل هناك عند الله عزَّ وجلَّ دينان أم نحن مَنْ جعلهُما كذلك؟ الإسلام الإلهي واحد؛ ولكنْ نحن حرَّفنا الإسلام وبدَّلنا مفهوم القرآن، بل صرنا أعداء الإسلام والقرآن! في الإسلام:

{ طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ على كلِّ مُسلمٍ (2) }

[سنن ابن ماجه]

ويعني الإسلام بالعِلم كلُّ ما يعود بمعرفته على إسعادِ الإنسان في بدَنه وفي زراعته وفي صناعته وفي عقله وفي تفكيره وفي علوم الدنيا أو علوم الآخرة، يقول:(فَريضةٌ على كلِّ مُسلمٍ)، وكلمة مُسلم تشمل كلَّ إنسانٍ على وجه الأرض والمسلم هو المتخرِّج مِنْ مدرسة الله عزَّ وجلَّ، فكتابٌ واحدٌ يجعل مِنَ العرب القبائل المتنافرة المتقاتلة الفقيرة الأمية يجعل منها أمّةً واحدةً وبأقل من مئة سنة، كما يقول نابليون -ويقولها بدهشةٍ وتعجب-: كيف استطاع العرب أنْ يُوحِّدوا نصف العالم القديم وبأقل مِنْ قرن؟! وبالوسائل البدائية فلا قطارات ولا سيارات ولا هاتف ولا كتابة ولا مدرسة ولا قراءة، ما هذا؟

ما يحتاجه الإسلام في عصرنا:
أمَّا الآن والله ثمَّ والله ثمَّ والله لو تهيَّأت الوسائل للتعريف بالإسلام، إسلام القرآن وإسلام محمّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وإسلام التلامذة والخريجين مِنْ مدرسته، فلو يُعرَّف بالوسائل الإعلامية المعاصرة والله لنجدنَّ العالَم المتقدِّم مِنَ اليابان إلى سان فرانسيسكو يسبقُوننا إلى اعتناق الإسلام وسيعيِّروننا بأنَّنا -نحن المسلمون- لسنا المسلمين بالمعنى الصادق والحقيقي، وهذا رأيته بعيني وباشَرته بنفسي في اليابان، وقد رأيتم بأنفسكم.. كنت في اليابان وكنت الرئيس الثاني في مؤتمر الأمم والمسمَّى بالمنبر العالمي، والمكوَّن مِنْ قادة أديان العالَم وقادة برلمانيي العالَم وانتُخِبت مرةً ثانيةً، وكلُّ سنتين يُنتَخبُ رئيسٌ لكلِّ فئة، وكلّ مرةٍ أُنتَخبُ رئيساً لقادة أديان العالَم، لماذا؟ رأوا في كلماتي الشيء الذي يعشقه كلُّ إنسانٍ مِنْ مسلمٍ أو مسيحيٍّ أو يابانيٍّ أو يهودي، أو أيَّ إنسان، لا يوجد إنسانٌ يستطيع القول عن العمامة البيضاء أنَّها سوداء، فإنْ قال إنَّها سوداء سيتهمه الناس بفقد العقل، وأنا كنت أُظهر الإسلام بحقيقته وما أجمل الإسلام بحقيقته؛ يُعطيك الدنيا والآخرة والجسد والروح، وقيادة العالَم لا قيادة الاستيلاء والإذلال واستغلال الضعيف، ولا يقود العالَم إلَّا ليأخذ بيدِ الضعيف ليجعلَهُ قويّاً ويأخذ بيدِ الفقير ليجعله غنيّاً، ويأخذ بيدِ الجاهل ليجعَله عالِـماً ومُعلِّماً، يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ليسَ منِّي إلَّا عالِمٌ أو مُتعلِّمٌ }

[مسند الفردوس للديلمي]

(ليسَ منِّي) أنا بريءٌ ممَّن؟ (ليسَ منِّي إلَّا عالِمٌ أو مُتعلِّمٌ) (3).

من معاني الإسلام:
فالإسلام ليس لقباً تنتسِبُ له وتقول إنك مُسلم؛ بل هو عِلمٌ وتعليمٌ وعملٌ وبعثٌ للعقل الخام ليُصنِّعَه الإسلام ويصير العقل الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها، والذي يكون قوله صواباً وتفكيره صواباً وعمله صواباً، وفِعل ما ينبغي فيُؤدي الواجب في الوقت الذي ينبغي وعلى الشكل الذي ينبغي، فهذا الإسلام، وما معنى الإسلام وكلمة الإسلام؟ الإسلام هو الاستجابة لتعاليم الله عزَّ وجلَّ؛ فإنْ استجَبت لتعاليم القرآن وحوَّلت القرآن مِنْ حبرٍ على ورقٍ إلى كتابةٍ في نفسك أعمالاً وأخلاقاً، وفي عقلك فَهماً للحقائق حتَّى لا تُخطئ في الأشياء فتتعامَل معها بعكس طبيعتها، تعرِفُ الأفعى أنَّها أفعى والسُّبحة سُبحة، فإذا تجنبت الأفعى واستعملت السُّبحة أو الطوق للمرأة فهذه حكمة، وإذا أخذت الأفعى وجعلتها المرأة طوقاً أو سُبحةً فهذا يُخالف الحكمة.. فهذا الإسلام بهذا المعنى وبعشرين سنةً انقلبت الجزيرة العربية به إلى أكبر جامعةٍ في الدنيا بلا كتابٍ وبلا أساتذة، بأستاذٍ واحدٍ فقط.. فكيف لو ملَكَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذاعة راديو أو المطابع أو ملَكَ الأقمار الصناعية؟ وكيف لو ملَكَ الإنترنت؟ أنا أضمن أنَّ العالَم في أقلَّ مِنْ سنةٍ سيصير عالـَماً واحداً وأمّةً واحدةً؛ لأنَّ الإسلام لم ينظر إلى الشعوب بالفوارق القومية أو اللونية، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى (4) }

[شعب الإيمان للبيهقي]

يعني إلَّا بالعِلم والعمل، والتقوى هي العِلم بكلِّ أمور الدين والدنيا والعمل.
انتخبت رئيساً في المنبَر العالمي وانعقد في اليابان، ودعاني رؤساء الأديان اليابانية الثلاثة، فأسلَم بلقائي معهم أحدُ رؤساء الأديان مع أركان طائفته، وأتونا إلى دمشق وبقوا عندنا رمضان كاملاً، ثمَّ ذهبنا إلى العُمرة وتلقيت دعوةً رسميةً مِنَ البابا الحالي، وطلب منّي إلقاء محاضرتين إحداهما في الفاتيكان، وكان عنده مجمع كرادلة العالَم وطلب أنْ يكون عنوان المحاضرة مستقبل المسيحية والإسلام في العصر الحديث، ومحاضرةٌ أخرى في جامعة ميلانو بعنوان التسامح الديني في الإسلام، وبعد ذلك كان لقاءٌ دامَ ستين دقيقةً، وكانت آخر كلمةٍ قالها: أنا أقرأ القرآن كلَّ يوم، وهذه لها معنى كبير.

هذا القرن هو قرن الإسلام:
نجد الآن عظماء المفكرين في العالَم المسيحي في أوروبا وفي أمريكا، ونجد كبار علمائهم ومفكريهم وفلاسفتهم يدرسون الإسلام، ولا يجدون بدًاً بعد دراسته وفهمه إلَّا أنْ يعتنقُوه، فالإسلام جعلنا قادة العالَم لا قادة استعمار ولا إذلال ولا تسلُّط على الضعفاء، بل قادة تحويل الجاهل إلى عالِم والفقير إلى غنيّ والمضطهد إلى مُحرّر، والمريض إلى أنْ نُعالجه ليكتسِب الصحة الكاملة، وأنا بشَّرتُكم بأنَّ القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الإسلام إذا تهيَّأ الإعلام.. ومعنى الإسلام هو الإيمان برسالات كلِّ الأنبياء والرسل، برسالاتهم التي هي قائمةٌ على العِلم وعلى بعْثِ العقل، ليستعمل كلَّ طاقاته في سبيل إسعاد صاحبه ومكارِم الأخلاق، وهذه رسالات الأنبياء، ذَكرتُ لكم وكلُّكم تذكرون في أوائل الثمانينات قلت لكم: انتظروا عشر سنواتٍ وستنتهي الشيوعية، هذا في الثمانينات، وما دخلت التسعينات إلَّا وانتهت الشيوعية، وكان هذا إلهاماً مِنَ الله عزَّ وجلَّ في قلبي، والآن الإلهام في قلبي أنَّ القرن الواحد والعشرين قرن الإسلام، والآن يوجد مخاضٌ والإسلام يظهر مخاضُه في كثيرٍ مِنَ البلدان ومِنْ جُملتها أمريكا، وبعض مِنْ حركات المخاض زيارة حبيبنا وأخينا في الله السيد فرقان قائد مسيرة المليون إفريقي في أمريكا، وهذه أول علامات المخاض لولادة الإسلام العالمي، وفي اليابان كذلك توجد علامات المخاض والولادة، وفي أوروبا، هذا الدكتور كرين أكبر مستشاري نيكسون ونائب مدير الأمن القومي في البيت الأبيض، وروجيل جارودي وكاريل وتوماس، وصاحب كتاب المئة الأوائل مايكل هارف الذي جعَل سيدنا محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أعظَم إنسانٍ أتى إلى العالَم، ألا يدلُّ هذا على مقدماتٍ لولادة الإسلام لكلِّ العالَم؟ وأنا ضامنٌ أنَه سيكون عصر انتشاره إذا هُيِّئت وسائل الإعلام الحديثة في الأقمار الصناعية باللغات العالمية ويُؤتى بعلماء الإسلام الذين يفهمون الإسلام على أنَّه دين الحياة ودين الإنسانية ودين العقل ودين العِلم ودين الغنى والثروة.

الغِنى فرض في الإسلام:
هو دين الثروة؛ لأنَّ الإسلام يجعل الغنى فرضاً على كلِّ مسلم.. فالصلوات الخمس فرضٌ لأنَّها ركنٌ مِنْ أركان الإسلام الخمسة، وحين نرى أنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل الركن الثاني في الإسلام هو غنى المسلم وثروته، فأنْ يكون مصليّاً ركنٌ والركن الثاني أنْ يكون غنيّاً ثريّاً، وهذه مستغربةٌ في أذهان المسلمين في عصرنا الحاضر ولم يذكرها أحد، فلمَّا يقول الله تعالى:

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
[سورة البقرة]

(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) ما معنى أقيموا الصلاة؟ يعني "وتوضَّؤوا"؛ لأنَّ الصلاة لا تصحُّ بلا وضوء، إذًا: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) يعني وتوضَّؤوا، وما معنى (وَآتُوا الزَّكَاةَ)؟ هل يستطيع الفقير أنْ يُؤتي الزكاة؟ فيقول له كن غنيّاً بعملك وبجُهدك وبكلِّ طاقاتك لتُساعد الإنسان الفقير.

من معاني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما معناه؟ يعني مُناصرة الضعيف ومعناه تخليص المضطهد مِنَ المستبد؛ لـمَّا صَعَدَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال:

{ إنَّ اللهَ هو المسعِّرُ القابِضُ الباسطُ الرَّزاقُ، وإنِّي لأرجو أن ألقَى ربِّي وليسَ أحدٌ منكُم يطلبُني بمظلِمةٍ في دمٍ ولا مالٍ (5) }

[سنن الترمذي]

يعني إذا كنت قد سبَبت أحدًا فليأتِ وليسُبَّني، وإنْ أخذت مِنْ شعر أحدٍ فليأخذ بشعري، وإنْ ضربت أحداً فليضربني، وإنْ سببتُ أحداً فليسُبَّني، فإنِّي أرغب أنْ ألقى ربِّي وليس لأحدٍ عندي حقٌّ مِنَ الحقوق في هذه الحياة، فأتاه أحد الرجال وقال: أنت ضربتني بقضيب يوماً مِنَ الأيام فأعطاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم القضيب وقال: (اقتصَّ لنفسك)(6)! فالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ملِكٌ فوق الملوك؛ الملِك يحكم الناس بالقهر، أمَّا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقد ملَك الناس بالقلوب والعقول وكلَّ ما يملكه المؤمن.. فقال الصحابي: قد كان بدني مكشوفاً، فكشَف النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن بدنه فاحتضنه ذلك الصحابي، وصار يُقبِّلُه. فقال له: (ما هذا؟) فقال: قد حَضَر الجهاد وأرجو أنْ أُستَشهَد وأحببتُ أنْ أُودِّع الدنيا بأنْ يكون آخر عهديَ بها أنْ يمسَّ جلدي جلدك!

المساواة في الإسلام:
فهذا الإسلام الذي لا يُفرِّطُ في الحقوق والمساواة بين الملِك وأصغر امرئٍ في كلِّ شيءٍ وفي كلِّ الحقوق، ولو اختلَف الدين والعرق.. كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تارةً يُوزِّعُ المساعدات المالية، فأتى عابِدُ صنم، فقال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (أنت لستَ على ديني فلا أُعطيك) (7)، وما هي إلَّا دقائق وثوانٍ وينزل جبريل عليه السَّلام بالوحي على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ببرقيةٍ مِنَ الله عزَّ وجلَّ تُعاتِبه بأنَّك أخطأت فيما عامَلت هذا الإنسان الوثنيَّ الذي هو على غير دينك، لماذا لم تُعامله وتؤدِّي إليه حقوق الإنسان؟ وفي سورة البقرة نص العتاب يقول الله عزَّ وجلَّ لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الموضوع:

لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
[سورة البقرة]

(لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) أي أنت لست مسؤولاً عن دينهم، فهذه ترجِعُ إلى الله تعالى: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) أي عطاءٍ (فَلِأَنفُسِكُمْ) إذا ساعدت الفقير ولو كان على غير دينك فهذا مردوده عليك ومنفعته إليك مِنْ طرَفِ الله عزَّ وجلَّ سيُكافئك الله عزَّ وجلَّ عليه أضعاف ما أنفقت، وبعد هذا العتاب الإلهي مِنَ الله عزَّ وجلَّ لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ أجل وثنيِّ صار بعدها يُعطي المساعدة لكلِّ الناس مهما اختلفت ألوانهم وأديانهم وجنسياتهم.

الإسلام يرتقي بالإنسان:
فهذا الإسلام المجهول وبصورةٍ خاصةٍ مِنَ المسلمين، أنْ تصلِّي صلاة الجسد وتصوم صيام الجسد فتظن أنَّك صرت مسلماً! لكنَّ الإسلام أكبر وأعلى، يُريد الإسلام أنْ يجعلك أعلَم العُلماء وأحكَم الحكماء وبأخلاق الملائكة وأقوى الأقوياء وأشدَّ الأشداء :

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
[سورة الأنفال]

ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله منَ المؤمنِ الضَّعيفِ (8) }

[صحيح مسلم]

ويقول تعالى:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) الحياة الحسَنة والدولة الحسَنة والقوة الحسَنة والاقتصاد الحسَن والعلوم الحسَنة (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً).
أخيراً أسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يُعيدنا إلى إسلامنا الذي ذَكَرهُ القرآن في مهمّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو أنْ يُعلِّمهم الكتاب: أنْ نُعلِّم القرآن لا ألفاظه بل حقائقه ليكون كلٌّ واحدٍ منَّا قرآن العمل، ومَنْ قرأ أعمالنا وتصرفاتنا يقرأ القرآن فيها.. وبعد ذلك لا يكفي حتَّى نقوم فنُعلِّم الآخرين، كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ النَّاسُ رجُلانِ : عالمٌ و متعلمٌ ، و لا خيرَ فيما سواهما (9) }

[المعجم الأوسط للطبراني]

أسأل الله أنْ يرزُقنا حقيقة الإسلام وأنْ يجعل كلَّ واحدٍ منَّا أمّةً لأن النبي يقول:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ }

[مسند أبي يعلى]

(ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا) يعني النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم (أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم مِن بَعدي) المرتبة التي تلي مرتبة النبوة مَنْ؟ قال: (رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه)(10)، فيقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّ المسلم يكون في حالتين لا ينفَكُّ عنهما: يتعلَّمُ ليَزيد إلى علمه ما يَجهله، ويُعلِّم ما تعلَّمه لمن يجهلُه، (ولا خيرَ فيما سواهما): إذا لم تكن عالِـماً تُعلِّم أو جاهلاً تتعلَّم فيقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّك لا خيرَ فيك، يعني أنت لست مسلماً.. فهل أنتم مستعدون لتصيروا أهل إسلام الحقيقة؟ وهل تعاهِدوني على ذلك أينما كنتم؟ في الباص وفي سهراتكم وفي الطريق وفي المطعم وأينما كنتم؛ إمَّا عالِمٌ أو مُتعلِّم.

تعليم الشعوب مسؤولية المسلمين:
الآن شرفنا بهذه الزيارة أخونا في الله الذي التقيت به أظن مِنْ حوالي عشرِ سنوات في دمشق، التقينا في قبرص، أخونا السيد فرقان قائد مسيرة المليون مِنْ إخواننا الأفارقة في أمريكا، المجاهد المناضل لإنقاذ المسلمين وإعجاز المسلمين وإعادة الإسلام إلى المسلمين، والإسلام ليس عدوّاً لأي شعبٍ ولا لأي أمّة، فالإسلام أنزَله الله عزَّ وجلَّ لكلِّ الناس:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)
[سورة الأنبياء]

والمسلمون يحملون مسؤوليةً كبرى بعدم تكميلهم لإسلامهم ليقوموا مُعلِّمين للشعوب الإسلام الذي هو ثقافة الله عزَّ وجلَّ ليجعلوا مِنَ العالَم كلّه أمةً واحدةً بل أسرةً واحدةً بل وأخوةً مُتحابين، بل كجسدٍ واحد.. وعند ذلك يكون الإنسان في الحياة الإنسانية الحقيقية، فأنا باسمي وباسمكم جميعاً أرحب بأخٍ لكم في الله مجاهدٍ في سبيل الله عزَّ وجلَّ، يقوم بنشر رسالة السماء ورسالة سيِّدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وإنْ شاء الله كلُّنا معه وكلُّ المسلمين، لا على أساس أنْ نُعادي شعباً مِنَ الشعوب بل نكون كالأطباء مع المرضى لننقذهم مِنْ مرضهم الجشع أو الظلم أو الجَور أو انعدام العدالة، وقرأت الكثير مِنْ خطابه فرأيته كلَّه حكمةٌ وعقلٌ راجحٌ مُتزن، وهذا مِنْ رشحات إيمانه وإسلامه فأهلاً وسهلاً به وبإخوانه، وإذا سمَحَ لنا أنْ نسمع منه كلمةً إنْ شاء الله تكون كلمته وكلُّ كلماته وكلُّ أعماله إنْ شاء الله في خير المسلمين وخير الناس أجمعين، فأهلاً وسهلاً بالأخ في الله، السيد فرقان أهلاً ومرحبًا(11).

كلمة الأخ فرقان:
"بسم الله الرحمن الرحيم، إنَّا نحمَدُ الله سبحانه وتعالى على ما أعطانا مِنْ فضله ونعمه ونحمجه على موسى والتوراة ونحمده على عيسى عليه السَّلام والإنجيل، ونحمَدُ الله تبارك وتعالى أنَّه أعطانا محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم والقرآن صلَّى الله عليهم جميعاً، إنَّني كتلميذٍ لإيليجا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في أمريكا، فإنَّني أشكر الله عزَّ وجلَّ أنَّه جعل لنا إيليجا محمد قائداً ومُعلِّماً لنا في الغرب ليهدينا إلى طريق النَّبيِّ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم لإقامة الحق والحقيقة في النصف الغربي مِنَ الأرض كما أُقيمت في النصف الشرقي مِنَ الأرض.
إنِّني أُحييكم أيها الإخوة والأخوات بتحية السلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإنَّني أُحيي أبانا العظيم المفتي العام الشيخ كفتارو وأُحيي كلَّ الأئمة وكلَّ الخطباء وكلَّ المسلمين الحاضرين، وإنَّه لشرفٌ عظيمٌ لي ولزملائي أنْ نكون في هذا المسجد اليوم خلال الأيام الأخيرة مِنْ شهر رمضان المبارك، لكي نتعلَّم ونحيا بكلمات الحكمة مِنْ أستاذنا العظيم عزيزي المفتي العام، وإنَّ كلماتكم مُؤثرةٌ ومُحييةٌ ولقد دخلت إلى سويداء قلبي، وإنَّها إنْ شاء الله ستجعلني أعمَل أكثر فأكثر في الولايات المتحدة، وكما تعلمون فإنِّني المسلم الأول الذي أصبح القائد والزعيم لأربعين مليون من السود في أمريكا والحمد لله، وهذا يضع على كاهلي وعلى كاهلنا مسؤوليةً عظيمةً.
إنَّ نبيَّنا محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم قد نشر كلمة الإسلام عن طريق صحابته رضي الله عنهم في كلِّ أنحاء العالَم القديم؛ ولكنْ عندما اكتُشِفَ العالَم الجديد وسُكِنَ مِنْ قبل أوروبا، وبسبب صرعاتهم مع الإسلام والمسلمين إبان الحروب الصليبية، فلم يُريدوا أنْ يدخل أي مُسلمٍ إلى نصف الكرة الغربي الجديد؛ وكما تعلَمون فإنَّنا لم نذهب إلى أمريكا على متن السفن الثلاث التي اسمها مينا ونينا ومي فلًور التي حمَلت الحجاج إلى أمريكا؛ ولكنَّنا أُتيَ بنا مِنْ إفريقيا إلى أمريكا على ظهر السفن لنصبح عبيداً، وكان الكثير مِنْ آبائنا مسلمين ولكنْ باعتبار أنَّ الإسلام لم يكن مرغوباً به في نصف الكرة الغربي ففصلوا الآباء عن أبنائهم وكلُّ ذلك ليمنعوا آباءنا مِنْ تعليمنا لغتهم ومِنْ أنْ يُعطونا أسماءهم ومِنْ أنْ يُعلِّمونا الدين ونصبح مؤمنين بالله تبارك وتعالى.
ولذلك نشأنا في أمريكا ولنا عيونٌ ولكنْ لا نستطيع الإبصار، ولنا آذانٌ ولكنْ لا نستطيع أنْ نسمع بها، ولنا ألسنةٌ ولكنْ لا نستطيع أنْ نتكلَّم بكلمةٍ واحدةٍ مِنَ القرآن، وحَرَمنا أسياد عبوديَّتنا مِنْ حق القراءة أو الكتابة أو المعرفة، وكنَّا نُباع ونشترَى كما يُباع الحصان والبقرة والعجل والغنم مِنْ سيدٍ إلى سيد، وكنَّا نوصَمُ وتوضَعُ وصمةٌ علينا كما توضَعُ تلك الوصمة على الحصان والبقرة؛ وإنَّ ما قاساه أولئك العبيد السود في أمريكا لا مثيل له في كلِّ التاريخ، وكان القانون يُحَرِّم على أيِّ رجلٍ أبيض أنْ يُعلِّم أي رجلٍ أسود القراءة والكتابة وهذا السمُّ سمُّ العنصرية والتفرقة سرى في كلِّ أرجاء الدولة مِنْ قوانينها إلى رجالاتها وإلى مؤسساتها، فأصبحت كلُّها مسمومةً حتَّى مسيحيَّتُها، وبينما كان هذا يحدث لنا في أمريكا كان العالَم الإسلامي في الشرق تحت وابلٍ مِنَ الهجمات الشريرة، ولقد حُطِّمَت الخلافة التي أنشأها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصبحنا مُتفرقين ثانيةً بعد أنْ كنَّا مُتحدين وجعلنا مِنْ ديننا شيَعاً وأحزاباً:

فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
[سورة المؤمنون]

وكنَّا دائماً تحت وطأة أي ساعةٍ مِنْ أسيادنا ليُحطِّمونا ويقتلونا وفقدنا قوة إيماننا.
ولقد علَّمنا سماحة المفتي كيف يكون المسلم الحقيقي؛ ولكنَّنا فقدنا القوة لنكون كذلك ورغم أنَّ القرآن قد حوى كلَّ شيءٍ ولم يُغادر الله عزَّ وجلَّ صغيرةً ولا كبيرةً إلَّا وقد أوجَدها في هذا القرآن، وممَّا يدعو للأسف أنَّ بعض قادتنا ضاق ذرعاً بالقرآن وجاء بعقائد أخرى بعيدةً كلَّ البعد لتُسمِّم أفكارنا وعقولنا، وكثيرٌ مِنْ زعمائنا بدلاً مِنْ أنْ يضعوا القرآن على رؤوسهم وفي قلوبهم وعقولهم جعلوه خلف ظهورهم، فكيف يهدي الله عزَّ وجلَّ أناساً وضعوه خلف ظهورهم بدل أنْ يضعوه نُصبَ أعينهم لهدايتهم؟
الآن العالَم الإسلامي في حالة اضطراب والعالَم الإسلامي في حالة ثورة ضد نفسه، لماذا؟ لأنَّ الإيمان انقلَبَ إلى نفاق، فنحن الذين كنَّا مؤمنين يوماً ما انقلبنا إلى الكفر أو بعبارةٍ أخرى إنَّنا نؤمن ولكنَّ أعمالنا لا تتوافق مع إيماننا، لذلك هذا الإسلام الذي استطاع أنْ يقلِبَ ويهدي العالَم القديم جميعه، هذا الإسلام عاجزٌ أنْ يهدي مجتمعنا الحالي، وإنَّ سماحة المفتي الأكبر على حقٍّ عندما يُخبِرنا بأنَّ الله عزَّ وجلَّ يريدنا أنْ نصبح مسلمين ثانيةً، إنسانٌ واحدٌ هو محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم مع صحابته رضي الله عنهم، وتلك القوة موجودةٌ بأيدينا اليوم ونستطيع عن طريقها أن نحوِّلَ العالَم، إنَّني آتٍ مِنْ رحلة صداقةٍ عبر العالَم فقد أتيت توّاً مِنْ العراق وإيران بعد ثماني سنواتٍ مِنْ حربٍ دامية، والتي انتهبَت حياة مليون شابٍ مسلم، فإنَّنا نطلب مِنْ هذين الشعبين أنْ يتصالحا وأنْ ينسيا خلافاتهما المستمرة ربما لمدة عشر سنوات وأكثر، وسوريا والعراق لم تكونا على مستوى الأخوّة فالحدود بين دولتين متآخيتين مغلقة! لماذا هذا؟ كيف نقول إنَّنا نُحبُّ الله عزَّ وجلَّ ونبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم ولا نستطيع أنْ نتصالح ونتصافح وننسى خلافاتنا؟
العالَم الإسلامي في ضعفٍ الآن، وما زال القوي ظالِماً وقويّاً؛ ولكنَّنا إنْ ذَكَرنا الله عزَّ وجلَّ ورسالته في القرآن وجعلنا هذه الرسالة في حيِّزِ التطبيق فإنَّ الله عزَّ وجلَّ سيُعيدنا إلى ذلك المركز العالي الذي حفِظَه للمسلمين الصادقين.. وإنَّني أسأل الله تبارك وتعالى باسم عبده محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ تصبح سوريا والعراق ثانيةً أمّةً واحدةً قويةً، وإنَّ أطفال العراق يموتون بسبب العقوبات ضد العراق، وإنَّ العقوبات الاقتصادية لتحرِمُ أطفال العراق وآباءهم مِنَ الطعام الصالح، والنساء تلِدُ أطفالها قبل وقتهنّ، رأيت البارحة طفلاً عمره سنتان ولا يزيد وزنه عن اثني عشر باونداً أو ستة كيلوغرامات، ورأيت أطفالاً يموتون بسبب فقر الدم بسبب قنابل ملوثةٍ بالراديوم أُلقِيَت على العراق.. فلماذا يُعاني أطفال المسلمين بسبب الخلافات السياسية؟ علينا أنْ نُصحح هذا الوضع، المسلمون يموتون في البوسنة والمسلمون يموتون في الشيشان، ونحن ننتظر الأمم المتحدة لتُعطي الحق لإخوتنا المسلمين! ما هذا الإسلام؟ هذا الكتاب الذي هو القرآن يُعطينا السلطة لمساعدة إخوتنا وأخواتنا، فلمَ نطلب الإذن مِنْ الأمم المتحدة؟ لدينا القوة بأنْ نُصبح القوة العظمى في القرن الواحد والعشرين، إنَّني أوافق سماحة المفتي العام بأنَّ القرن الواحد والعشرين هو قرن الإسلام.
ختاماً إنَّ أمريكا قد أصبحت أقوى أمّةٍ في الأرض والقوة العظمى الوحيدة، إنَّها تملك أقوى قوةٍ عسكريةٍ ضاربةٍ ولديها أقوى اقتصادٍ ولديها كلُّ البنية التحتية الرائعة، وهي سيدة عِلم الاتصالات والزعيمة في المواصلات؛ ولكنْ ما تحتاجه أمريكا أكثر مِنْ أي شيءٍ هو رسالة الإسلام الصافية، فالإسلام وحده هو الذي بمقدوره أنْ يجعل مِنْ أمريكا قوةً عظمى بحق، وفقط الإسلام هو الذي يستطيع أنْ يقضي على العقل العنصري في أمريكا، وفقط الإسلام هو الذي يستطيع أنْ يُصلح هذه التفرقة الجنسية بين الرجل والمرأة في العالَم، وهو الوحيد الذي يستطيع أنْ يكبَحَ جماح الإنسان نحو المادية، والإسلام هو الوحيد الذي يستطيع أنْ يُزيل هذه الحدود المصطنعة بين شعبٍ وشعبٍ وأمَّةٍ وأخرى.. والإسلام هو أسرع الأديان انتشاراً في أمريكا، فهو ينتشر انتشار النار في الهشيم وخصوصاً بين الأفارقة الأمريكيين، وإنَّكم لتفتخرون وتتباهون عندما ترون تلك الفتيات اللاتي كنَّ يلبَسنَ الملابس القصيرة يرتدين الآن الملابس كما يريدها القرآن، وإنَّكم لتفخَرون أنَّنا لم نعد نتناول الكحول ولا المخدرات ولا نمارس الزنا ولا نتناول لحم الخنزير، وكل ذلك في سبيل نيلِ رضا الله عزَّ وجلَّ، وإنَّكم لتفخَرون عندما ترون أنَّنا أولئك الذين كنا نحبُّ الجهل، وكما يقول سماحة المفتي بدأنا نحبُّ العِلم، والآن سترون أنَّنا كنَّا جبناء وخائفين فالآن وقفنا على أرجلنا ولم نعُد نخشى أحداً سوى الله عزَّ وجلَّ.
ولهذا أيها الإخوة والأخوات بسبب أنَّني زرت معمر القذافي في ليبيا ووعد بأنْ ننشر كلمة الإسلام في أمريكا، وبسبب أنَّني زرت نيجريا والسودان وبسبب أنَّني زرت إيران والعراق؛ فإنَّ حكومتي تقول إنَّها ستوقفني أمام الكونجرس الأمريكي لمحاكمتي والتحرِّي والاستقصاء بتهمة الخيانة، وقالوا إنَّني ربما خالَفت القوانين الخمسة والتي ستجلب لي تسعةً وعشرين عاماً في السجن؛ ولكنَّ على أمريكا أنْ تفتخر أنَّها أنجَبت ابناً هو سفيرٌ لها مِنْ سفرائها المختارين والمعينين، وعلى أمريكا أنْ تفخَر بأنَّ ابناً لها يعمل كسفيرٍ بمحضِ إرادته ليزور مناطق تتقاتل وتتصارع ليجلِبَ إليها التصالُح والوئام في وقتٍ لا يستطيع سفراؤها الرسميُّون ذلك لأنَّهم ممنوعون منه، ولكنْ مهما كان المصير الذي ينتظرني لدى عودتي إلى الولايات المتحدة فإنَّني مسرورٌ وراضٍ أنْ أعاني في سبيل الإسلام، وأنا أعلَم أنَّ الله عزَّ وجلَّ كافٍ لي، وإذا فقدت كلَّ الأصدقاء هنا وهناك ولم يبقَ إلَّا الله عزَّ وجلَّ صديقاً وخليلاً لي وحامياً فأنا سأكون الكاسِب والرابِح، ومحالٌ أنْ يهزِمَ غير المؤمن المسلمَ الحق، والله عزَّ وجلَّ يفرح بأنْ ينصُرَ المؤمن على كيدِ الكائدين.
يا سورية إنَّكِ أمَّةٌ قويةٌ فانهضي واحتلِّي مكانك الصحيح المناسب وقودي المسلمين والناس جميعاً إلى الإسلام الصحيح بقيادة وتوجيه المفتي العام، ولو استُشير سماحة المفتي مِنْ قبل المسلمين الذين لديهم مشكلاتٌ ومهامٌ صعبة لأعطاهم النصيحة والاستشارة وجمَعَهُم على الوئام، واسمحوا لي أنْ أُنهي حديثي بآيةٍ مِنَ القرآن:

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
[سورة آل عمران]

وإنَّنا اليوم على شفا تلك الحفرة مِنَ النار، أيها العرب اذكروا نعمة الله عزَّ وجلَّ عليكم فإنَّكم حقّاً أفضل الناس؛ لأنَّه مهما كانت أخطاء العرب فإنَّكم قد حافظتم على القرآن بحروفه وبكلماته وبمعناه بدون أي تغييرٍ أبداً رغم كلِّ الظروف وكلِّ العقبات، بارَك الله عزَّ وجلَّ في صاحب السماحة، وبارك الله عزَّ وجلَّ أمَّة الإسلام وبارك الله عزَّ وجلَّ أمَّة سوريا، ونسأل الله تبارك وتعالى أنْ يُعطينا القدرة على إدخال الوئام والتصالُح بين كلِّ الفئات المتناحرة، لكي ندخل القرن الواحد والعشرين كجدارٍ متماسكٍ مِنَ الوحدة، ومستعدين لكي نُحقق نبوءة سماحة المفتي بأنَّ القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الإسلام، وشكراً يا صاحب السماحة والسلام عليكم".
أنا باسمي وباسمكم جميعاً أشكر السيد فرقان الذي يقوم بالجهاد الكبير الذي ذكره الله تعالى في سورة الفرقان:

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
[سورة الفرقان]

أشكره على كلمته الرائعة التي خرجت مِنْ أعماق قلبه وإيمانه ولسانه، كما أُكرر ترحيبي به وبإخوانه ورفاقه، وأُكرِّر ما قلته بأنَّنا في القرن الواحد والعشرين الذي هو قرن إسلام العالَم لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بشَّر فقال: (ستفتح لكم الهند) (12) .

{ لَتُفْتَحَنَّ القُسطنطينيةُ، ولنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيشُ }

[المعجم الكبير للطبراني]

(ستفتح لكم القسطنطينية) (13)؛ وكلُّ ما بشَّر به تحقَّق وبقيت بشارةٌ واحدةٌ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم فيها:

{ ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ (14) }

ويقول الله تعالى في القرآن:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
[سورة التوبة]

هذا أمر، والأمر الثاني أترحَّم على فقيدنا أليجا محمد عليه رحمات الله تعالى، وكنت لقيتُه في أواسط سنة الخامسة والستين في داره وبقينا نتحاور ونتناقش عن الإسلام حوالي الست ساعات، وكنَّا نتأمل ونرجو ما نراه الآن مِنْ انتشار الإسلام في أمريكا وفي أوروبا وفي اليابان؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال الله تعالى عنه:

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
[سورة النجم]

ويقول في أعمال العامِلين لإعادة بناء وتجديد الإسلام -مثل أخينا فرقان حفظه الله عزَّ وجلَّ-:

{ إنَّ اللَّهَ يبعثُ لهذهِ الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مئةِ سنةٍ من يجدِّدُ لها دينَها (15) }

[سنن أبي داود]

وهناك حديثٌ آخر:

{ الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ }

[المعجم الكبير للطبراني]

(الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي) سنة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ العِلم والتعليم ونشر الحكمة ونشر الأخلاق، فيقول للصحابة رضي الله عنهم: (الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ)(16)، قالوا: منَّا؟ مستغربون ومستنكرون وهم الذين بذلوا كلَّ شيءٍ في بناء الإسلام.
قال صلى الله عليه وسلم:

{ قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل منهم أجر سبعين منكم قالوا: منّا، أم منهم؟ قال: بل منكم قالوا: لماذا؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون على الخير أعوانًا }

[ورد في الأثر]

(منكم) ثلاث مرات، قالوا: وكيف؟ قال: (لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون على الخير أعوانًا).
ومع قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ) والله أرى الإسلام الأول سيعود ويعود في القرن الواحد والعشرين؛ لأنَّ الإسلام في الحقيقة وحدة الأديان فهو الذي يقول:

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
[سورة البقرة]

(وَنَحْنُ لَهُ) يعني لأمر الله عزَّ وجلَّ، (مُسْلِمُونَ) يعني مستجيبون، فالإسلام هو مجمَع الأديان الإبراهيمية ومجمَع كلِّ الأديان ورسالات الأنبياء بمَ يُحقق الأخوة العالمية؟ بل يُحقق أنَّ كلَّ العالَم جسدٌ واحد، ومن حيث القيادة في سوريا ولله الحمد رئيسنا بفضل الله عزَّ وجلَّ وكرمِه يقوم بكلِّ تشجيعٍ ومساعدةٍ لإعادة تجديد وبناء الإسلام، فنحن بقيادته ومساعدته الآن عمِلنا عملاً خرَجَ عن نطاق سوريا والبلاد العربية، وصارت له آثاره مِنَ اليابان وإلى أمريكا وهذا كلُّه بمساعدة رئيسنا وبفضل الله عزَّ وجلَّ أولاً وآخراً.
وصلَّى الله على سيدنا محمّدٍ وآله وصحبه والحمد لله ربِّ العالمين.

الهوامش:
(1) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين، رقم: (6751).
(2) سنن ابن ماجه، افتتاح الكتاب بالإيمان: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
(3) مسند الفردوس للديلمي, (3/419).
(4) شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (5137).
(5) سنن الترمذي، أبواب البيوع: باب ما جاء في التسعير، رقم: (1314).
(6) يشير الشيخ إلى قصة سواد رضي الله عنه، لمّا ضرب سواد بن غزية في تسويّة الصّفوف بقضيب، قال له: القصاص يا رسول الله، فأعطاه القضيب قال له: اضربني، قال له: ضربتني وبدني مكشوف وأنت لابس، فكشف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن بدنه وقال له: ((اقتص لنفسك يا سواد)) فاعتنق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصار يقبّله، ويقول: فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال له: ((لماذا فعلت هذا يا سواد؟)) قال: الآن صار وقت الهجوم ولعليّ أن استشهد فأحببت أن أودع الدّنيا بأنّ يكون آخر عهد بها أن يمسّ جلدي جلدك. أسد الغابة، (2/590).
(7) يشير الشيخ إلى الحديث في مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (10499)، (6/513)، واللفظ: عن سعيد بن جبير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تصدقوا إلا على أهل دينكم)) ، فأنزل الله تعالى : {ليس عليك هداهم} ، إلى قوله : {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تصدقوا على أهل الأديان)).
(8) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوّة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، رقم: (2664).
(9) المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (7575)، (7/307)، سنن الدارمي، رقم: (252)، (1/312)، حلية الأولياء لأبي نعيم بلفظ مقارب، (1/212).
(10) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(11) ما بين علامات التنصيص من كلام الأخ فرقان.
(12) سبق تخريجه.
(13) مسند أحمد، رقم: (18957)، (31/287)، المستدرك على الصحيحين للحاكم، رقم: (8300)، (4/468)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص، المعجم الكبير للطبراني، رقم: (1216)، (2/38).
(14) مسند أحمد، رقم: (16957)، (28/ 154).
(15) سنن أبي داود, كتاب الملاحم, باب ما يذكر في قرن المائة, رقم: (4291).
(16) المعجم الكبير للطبراني، رقم: (5414)، (5/315)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (8/200)، أمالي ابن بشران، رقم: (501)، (218)، وهو في سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، رقم: (4341)، وسنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة، رقم: (3058) قال الترمذي: حسن غريب، وسنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب قوله تعالى: ﴿يا أيُّها الذين آمنوا عليكم أنفسكم﴾ [المائدة:105]، رقم: (4014)، بلفظ: ((فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ))، وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: ((أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ)). وكل الروايات الثلاثة من غير الزيادة الأخيرة ((لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون على الخير أعوانا)) مع أن العراقي في تخريج أحاديث الإحياء قد وضعها ونسبها للثلاثة من غير استثناء.