تفسير سورة الضحى 1

  • 1996-02-16

تفسير سورة الضحى 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلوات وأكملُ التسليم على سيِّدنا مُحمَّدٍ إمامِ النَّبيين والمُرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخوَيه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه مِنَ النَّبيين والمُرسلين، وآلِ كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين ومَنْ تبِعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


نزول سورة الضحى:
يقول الله تعالى: ﴿وَالضُّحَى﴾ هذا قسَمٌ ويمينٌ مِنَ الله عزَّ وجلَّ، يُخاطِبُ به نبيَّه الكريم سيدنا محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم، فيُقسِمُ له بالضُّحى وهو الوقت أوَّل النهار إذا أشرقت الشمس وارتفعت في السماء، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ أي إذا أقبَلَ وسادَ بظلامه سماءنا؛ فيُقسِمُ أنَّه ﴿مَا وَدَّعَكَ﴾ ولا تَرَكَك ولا هَجَرك وما أنت بمَنسيٍّ عنده.
وكان سبب نزول هذه السورة أنَّ الوحي انقطع مدةً متواصلةً عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في مكة، وكاد النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم -بهذا الانقطاع- أن يُلقي نفسه مِنْ شاهِقِ الجبال شوقاً إلى رؤية جبريل عليه السَّلام، ويُقال عن الإنسان الجميل إنَّه ملَك، فالملَك يُخلَقُ بأجمل الصور الإنسانية عندما يتَمثَّل للإنسان.. وكان النَّبيُّ الكريم كلما أراد أنْ يتردَّى مِنْ أعالي الجبال إلى أعمق الوديان شوقاً إلى رؤية جبريل عليه السَّلام يتبدَّا له في الفضاء، ويقول له: "أنا جبريل وأنت رسول الله". فيسكُن اضطراب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتهدَأ نفسُه؛ ثمَّ طال هذا الانقطاع في آخر الفترات زمناً طويلاً، والظاهر أنَّ نفسيَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تأثرت كذلك تأثُّراً كبيراً، وكاد مراتٍ أنْ يُلقي نفسه مِنْ شاهِقِ الجبال شوقاً إلى رؤية روح القدس، وعدم قدرةٍ على الصبر عن مفارقة صحبة جبريل عليه الصَّلاة والسَّلام؛ حتَّى شاع هذا الأمر بين أوساط قريش وبين أوساط مكة وصار يقول قائلهم إنَّ ربَّ محمَّدٍ جَفَا محمداً وهَجَره وقَلاه، أي أبغَضَه فتركَهُ ولم يعُدْ يُبالي به.

بدء الصراع مع الوثنية:
وفي ذلك الوقت لم يحدث الاصطدام بين النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين كفار قريش بعد؛ لأنَّ التخطيط الإلهي كان عدم مُهاجمة أصنامِهم ووثنيَّتهم، كان يدعو دعوةً إيجابيةً إلى أنَّ الله عزَّ وجلَّ واحدٌ وإلى الإيمان بالأنبياء وإلى الأخلاق ومحبة الله عزَّ وجلَّ؛ أمَّا مهاجمة الأصنام وخرافة تألِيهِها أو عبادتها أو أنْ يمسَّ عواطِفهم ويُثير نفوسهم: فلم يكن مأموراً بذلك بعد.. فكانت دعوةً إيجابيةً محضَةً، فلم تحدث ثورةً عليه في المجتمع، بل بالعكس صار يتردد في الأوساط أنَّ محمداً قد عَشِقَ ربَّه، وحديث الناس عنه حديثٌ إيجابي، فلا عداوة ولا إثارة ولا اصطدام، حتَّى أمرَه الله عزَّ وجلَّ بالجهر وبمهاجمة الوثنية وعقائدهم الباطلة فمِنْ هنا بدأت المعركة.. أمَّا عند انقطاع الوحي فلم تكن هناك معركةٌ أو مهاجمةٌ أو مصارعةٌ بين الإسلام وبين الوثنيَّة.

قسم الله بآياته:
وطالت المدة حتَّى قالت خديجة رضي الله عنها: "لقد ودَعَك ربك" يعني ترَكك، وتأثَّر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أيضًا تأثُّراً كبيراً، وما هي إلَّا برهةٌ وتأتي البشرى مِنَ السماء ويهبط الوحي على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأولُ ما بلَّغَهُ الله عزَّ وجلَّ ضمن هذه الفترة: أُقسِمُ لك بالضحى وبالليل بأنَّني لا أتركَك، ولن أترُكَك ولم أقليَك ولن أهجُرَك، وما أبغضتُك منذ أحببتُك، وما أبعدتُك منذ قرّبتُك، ولقد اصطفيتُك لرسالتي ولتكون رحمةً لمخلوقاتي.
وأقسَم الله عزَّ وجلَّ في سورٍ كثيرةٍ بالشمس وبالقمر وبالنجوم وبالليل وبالنهار ليدفَع الإنسان إلى التفكير وإلى دراسة عالَم الفضاء والنجوم، وليتعرَّف منها على نظام الكون وعلى نظام عِلم الفَلك، وليَعلَم منها عظَمَة الله عزَّ وجلَّ وعظيم إحاطته بتسيير ونظام هذا الكون الإلهي.

لا بد لكل مصنوع من صانع:
ومِنَ الأشياء البديهية في العقل الإنساني أنه لا بدَّ لكلِّ مصنوعٍ مِنْ صانع؛ فالورقة على بساطتها هل يُمكن أنْ تُوجد بلا صناعةٍ ولا صانع؟ وطباعة الكتاب وتجليده، وصُنع المذياع والكرسي، وخياطة الثوب والعَمامة ورفع البناء، وصناعة الدواء وتجميع مواده وصَبغه ووضعه وانتقاله مِنْ مصنعه عدة انتقالاتٍ حتَّى يصل إلى فَمْ المريض.. فهل يمكن أنْ يصنع الإنسان بلا صانِع؟! وما هو الإنسان؟ إذا جفَّ ريقُ الإنسان في فمه أو إذا فقد بصره أو فقد سَمعه أو إن تعطَّل عصبه يتحيَّر الأطباء في معالجته.. فمَنْ الذي أنشأ وأبدَعَ وخَلَق هذه الأشياء مِنَ العَدم بعد أنْ لم تكُنْ شيئاً مذكوراً؟!

سبب تحريم التصوير:
الإنسان عبر الماضي عَبَدَ الأصنام ولعلَّ الأصنام كانت صوراً لأنبيائهم أو للصالحين فيهم، ومع مرور الزمن انتقل الأمر مِنَ التبرُّك إلى التوسُّل؛ ثمَّ إلى التعبُّد، ولذلك حرَّم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم التصوير في عصر نبوته وحياته تحاشياً لتحوُّل التصوير إلى عبادة صاحب الصورة، أمَّا في زماننا فقد انتهت هذه القضية ولم تعُد هناك فائدةٌ مِنْ القول بحُرمة التصوير، لا سيَّما وأنَّ كلَّ العلوم وحياة الإنسان وحروبه وصحته وصناعته وزراعته وكلَّ شؤون حياته صارت قائمةً على التصوير، وإذا حرَّم الله عزَّ وجلَّ ما حرَّم فإنَّما:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ (157)
[سورة الأعراف]

أي يُحرِّمُ ما يكون مصدراً للأذى في العقيدة أو الأخلاق أو الصحة أو المجتمع، أمَّا ما فيه خيرٌ وما لا تتحقَّق الفوائد إلَّا بوجوده واستعماله فحُكمه يتردَّد بين الإباحة وبين الوجوب:

{ طَلبُ العلمِ فريضةٌ على كل مسلمٍ (1) }

[سنن ابن ماجة]

والأمراض الآن لا تُكتَشَف إلَّا بطريق التصوير، والجهاد والحرب لا يكونان إلَّا بالتصوير، والصناعة لا تكون إلَّا بالتصوير، والجاسوس لا يُعرَفُ إلَّا إذا أخذنا صورته وعمَّمناها على الجهات الأمنية، فالتقوُّل باسم الإسلام بحُرمة التصوير يُعَدُّ تحريفاً للإسلام وتجنِّياً عليه وحُكماً بجهلٍ بعيدٍ عن الفهم للإسلام وروحانيَّته وإلى آخره..

أعمال النبوة:
أقسَم الله لك يا محمد بالضحى، وإذا أقسَم امرؤٌ لآخر فمعناه أنَّ له شأناً عظيماً في نفس الحالِف، وهو غالٍ على الذي أقسَم اليمين.
﴿مَا وَدَّعَكَ﴾ ولا ودَّعتُك؛ ولكنْ ليزداد شوقُك ولتلتهِب نيران حُبِّك، ولتتهيَّأ أكثر وأكثر لتلتقي أنوار الربوبية في مرآة روحك حتَّى تُخالطها وتصيرَ جليس الله عزَّ وجلَّ بشكلٍ دائمٍ لا ينقطع، ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ أي ما هجَرك وما تركَك وما أبغضَك كما يقول الجاهلون.
﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ فالأيام الآتية والمُستقبلة هي خيرٌ لك عند الله عزَّ وجلَّ، وهي خيرٌ لك في التّرقِّي وارتفاع الدَّرجات، وفي العِلم والحكمة وقوَّة التزكية، وهذه المعاني هي أعمال النبوَّة؛ أعمال النبوَّة: العِلم فيما يتعلق بالروح وبسعادتها، وبصلاحِها وبمعالجة أمراضها، وبخلاصِها مِنْ ظلماتها، وبنقلِها إلى الحياة النورانية، وأخذُ كلَّ ما تنفعك معرفته في دنياك أو آخرتك، وفي دينِك أو دنياك، هذا عِلمٌ مِنْ مهمَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُعلِّمه للناس وأنْ يدعو إلى العِلم به، وإلى وجوب تعليمه، فمثلاً حكم الإسلام في علوم الصناعة أنها فريضة على المسلمين كفريضة الصلاة، ولكنَّ المسلمين لا يصنعون الصناعات التي يحتاجونها كالطائرات مثلاً، فيُعتَبر المسلمون كلُّهم آثمون وكلُّهم عصاةٌ لأحكام الإسلام؛ لأنَّ هذا العِلم يُعتَبر فرض كفاية، وفرض الكفاية يُقابله فرض العين، وفرض العين هو الفرض على كلِّ شخص.. فرض العين مثل إقامة الصلاة، فالصلاة مفروضةٌ على كلِّ الناس، والصوم مفروضٌ على كلِّ الناس، والزكاة مفروضةٌ على كلِّ الأغنياء.

الصناعة فرض كفاية:
والصناعة مفروضةٌ على الأمَّة كلها، ونحن بحاجةٍ إلى الطائرات، فكلِّ المتمكنين مِنَ الأمَّة آثمون، الحكومة متمكِّنة والأغنياء متمكِّنون وعليهم أن يُوجدوا علماء صناعيّين، وكلَّ مِنْ يملِكُ هذه الطاقة آثمون مثل إِثم تاركي الصلاة ومانعي الزكاة..
فهل يوجد في العالَم دِينٌ يجعل مِنَ التقدُّم ومِنَ التكنولوجيا ومِنَ التقدُّم الصناعي والعِلمي بمختلف علوم الحياة المادية كعلوم الصحة وعلوم الزراعة والصناعة والفضاء وعِلم ما في باطن الأرض وعِلم المعادن واستخراج المعادن.. هل يوجد دِينٌ يجعل مِنْ هذه العلوم فروضاً دينيةً سماويةً ربانيةً؟! ويا تُرى أين كانت الأمة لتصِلَ لو أنَّ علماء الدِّين مِنْ مئةٍ أو مئتي أو ثلاثمئة سنة علَّموا وجوبَ وأداء هذه الفرائض كما كانوا يُعلِّمون الوضوء ويُعلِّمون الصلاة والزكاة والصوم وأحكام البيع وأحكام الشراء؟! لو قال شيخ الإسلام في إسطنبول للسلطان: إنَّك عاصٍ لله عزَّ وجلَّ وفاعلٌ أمراً أسوأ مِنْ شُرب الخمر؛ لأنَّ شُرب الخمر لا يضرُّ إلَّا شاربه، والزاني بفعله لا يضرُّ إلَّا نفسه، والمقامِر لا يضرُّ إلَّا نفسه، أمَّا الدولة التي تستطيع أنْ تصنع الطائرات والأساطيل أمام قوَّة أعدائها ولا تعمل..
فيا تُرى أيُّ الحرامَين أكثر ضرراً على الأمَّة وعلى المجتمع وعلى المسلمين؟ فيا تُرى هل كان شيخ الإسلام في ذلك الوقت والشيخ الذي قبلَه وقبلَه قد أدركوا فقه هذه الفرائض الدينية التي تتعلَّق بحياة المسلمين وبقوَّتهم لدَفْعِ العدو عن عدوانِه عليهم؟ اللهم لا، وكذلك الملوك.. وهذه لا تحتاج إلى شيخٍ ليُعلِّمَهم فقد كانوا يرون أساطيل العالَم الغربي تجُوبُ البحار، وكانوا يرون الطائرات -وهذه قوَّة حربية- عند العالَم الغربي، فما أدركوا بعقلهم المحدود أنَّ هذا واجبٌ سياسيّاً إذا لم يكن واجباً دينيًّا، لم يصنع الأجانب هذه المخترعات وهذا التصنيع بدافع الواجب الديني بل بدافع الواجب الشعوري الإنساني بأنَّه يجب أنْ يكون الشعب قويّاً وأنْ تكون الدولة قويَّة.

الفرق بين الإسلام وغيره من الأديان:
مع أنَّ الإنجيل لم يُعلِّمهم هكذا، بل علَّمهم: مَنْ ضرَبك على خدِّك الأيمن فأدِرْ له خدَّك الأيسر، ومَنْ أخذ رداءك فأعطِه إزارك! فهم كفروا بهذه المسيحية، وقال لهم المسيح مَنْ أراد أنْ يتبعني فليترُك مالَه وليتبَعْني، فكفروا بها أيضاً وصاروا ينهَبون أموال الناس ويجعلوها تتبعُهم، ولذلك وقفت الكنيسة في وجههم ففصلوا الدين عن الدولة، وقالوا إنَّ الدولة دولة العِلم ولا صلة لها بالكنيسة؛ أمَّا القرآن والإسلام فهو دِين العِلم ودِين التقدُّم ودِين القوَّة:

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
[سورة الانفال]

لذلك فالذي صنَعَهُ نبينا صلى الله عليه وسلم لم يصنعه نبيٌّ قبلَه؛ ماذا صنع إبراهيم عليه السَّلام أبو الأنبياء؟ كلُّ ما في الأمر أنَّه لما ألقاه النمرود في النار وأنجاه الله عزَّ وجلَّ منها ما كان منه إلَّا أنْ ترَكَ بلده وهرَب وهاجَر إلى فلسطين، وسيدنا موسى عليه السَّلام نبيُّ اليهود ماذا فعل مع فرعون؟ وقد فعل بهم فرعون:

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4))
[سورة القصص]

يعني يُبقِي نساءهم في الحياة ولا يقتلهنّ، فما كان منه إلَّا الهرب والانسحاب، ولحِقه فرعون فأغرقه الله عزَّ وجلَّ لعَجْز موسى عليه السَّلام عن الوقوف في وجه المجرمين وفي وجه الغاصِبين والمعتَدين، وماذا فعل سيدنا المسيح عليه السَّلام؟ أخذوه مِنْ بيته حسبما تقول الكنيسة والإنجيل، مُوثَقَاً ومُغلغلاً ومُهانًا ومُحقَّراً، فصَلَبوه وعن جنبيه سارقان، وهذا حسب قول الكنيسة أمَّا حسب قول القرآن فقد ألقى الله عزَّ وجلَّ شبَهَهُ على إنسانٍ غيره ورفَعه إلى السماء، وهذا ما نعتقده فيه؛ لكنْ هل استطاع هؤلاء الأنبياء أنْ يُثبِتوا وجودهم حتَّى يهزموا الكُفر والوثنية والخُرافة والظلم والاستبداد؟ وليُنقذوا الضعفاء وينشروا العِلم ويقضوا على الأميّة والجهل والجاهلية؟ ويقضوا على الفقر وعلى الطغاة والظَّلمة والجائرين الذين كانوا يستعبدون شعوبهم ويُحاربون العِلم والمعرفة والتقدُّم؟! لا! أمَّا سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم هجّروه فهاجَر؛ ولكنْ لم يلبَثْ أنْ عاد إليهم بجيشٍ قوامُه عشرة آلاف قديسٍ يفتح مكة -كما تقول التوراة-، التوراة تقول إنَّه سيدخُل مكة ومعه عشرة آلاف قدّيس، وإلى الآن هذا النص موجودٌ في التوراة.

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الإنجيل:
أحد كبار القساوسة وهو أستاذٌ في الجامعات الإنجليزية واسمه عبد الأحد داوود، أسلَم وهو أستاذٌ في الجامعات الأوروبية، وهو في نفس الوقت مِنْ كبار رجال الكنيسة، وألف كتاباً عنوانه: "محمَّدٌ في التوراة وفي الإنجيل"، يُثبِتُ بأنَّ كلمة أحمَد وَرَدت عندهم:

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)
[سورة الصف]

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
[سورة الأعراف]

لما نَزَل هذا القرآن، فلو لم يكُن اسم أحمد موجوداً في التوراة والإنجيل، لأتوا بهما إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا له: هذه التوراة فأين اسمك في التوراة؟! ولأتوا بالإنجيل وقالوا له: هذا هو الإنجيل فأين اسمك في الإنجيل؟! وفي القرن السابع عشر سُرِقَ إنجيلٌ مِنْ مكتبة الفاتيكان -وهي مقرُّ البابا رئيس النصارى الكاثوليك في العالَم كله- بعد أنْ استضاف راهباً وأدخَلَه مكتبته العالمية، فنعس البابا وترك الراهب على راحته، فرأى إنجيلاً اسمه إنجيل برنابا، وبرنابا هو أحد أصحاب سيدنا المسيح عليه السَّلام، فرأى إنجيل برنابا فقرأه ووجَد فيه اسم محمد رسول الله، ووُجِدَ الاسم في هذا الإنجيل أكثر مِنْ خمسٍ وثلاثين مرةً: "محمُّدٌ رسول الله"، وكان هذا الراهب صاحب ذمَّة فوضع هذا الإنجيل داخل جبّته وخرج به وودَّع البابا، وأعطاه لولي عهد النمسا، وبعد ذلك تُرجِمَ إلى اللغة الإنجليزية وإلى اللغات الأوروبية وأحدَثَ ضجيجاً هائلاً في العالَم الأوروبي، وكان هذا في القرن السابع عشر، ففي خمسٍ وثلاثين مرةً يُذكر فيه محمَّدٌ رسول الله! وبعد مئة سنة أو قريباً مِنْ ذلك ظهَرت نسخةٌ أخرى في إسبانيا، فهاتان نسختان خطيّتان قديمتان، وكذلك: محمَّدٌ رسول الله، (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ).

من فضل النبي صلى الله عليه وسلم:
فهذا النَّبيُّ أمير الأنبياء ماذا فعَل؟ هل انهزَمَ أمام الطغاة وأمام الجبابرة أم هزَمَهُم؟ وهل انهزَمَ أمام الباطل والجهل والوثنية أم حطَّمَهُم؟ وهل كان داعياً إلى غير العِلم وإلى غير النهوض بالإنسان والإنسانية والعدالة والربانية والدين؟ وإلى الدنيا والدعوة وإلى السياسة؟ وبعشرين سنةٍ ومعها ثلاث سنين أقام أعظَم أمَّة مِنْ أضعَف وأجهَل مجتمع، أقام أعظَم أمّة مِنْ أمَّةٍ مُتمزقةٍ مُتعاديةٍ ومُتحاربةٍ خُرافية، وأنشأ أعظَم دولةٍ في التاريخ الإنساني حتَّى شهِدَ له العُظماء:
وشمائلٌ شَهِدَ العدوُّ بفَضْلِها والفضلُ ما شَهِدَتْ به الأعداءُ
{ السري الرفاء }
مِنَ العُلماء والفلاسفة والمفكرين مِنَ العالَم الغربي، فكارل ليل اعتبره بطلاً مِنَ أبطال الإنسانية، وألَّف العالِم مايكل هارد كتاباً لأعظَم مئةٍ منذ خلْق العالم وجعَله هو صلى الله عليه وسلم أوَّلهم وقدّمه على السيد المسيح؛ ومع أنَّ المؤلف مسيحيّ لكنَّه قدَّمه وجعَل المسيح في المرتبة الثالثة وسيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في المرتبة الأولى!

السعادة في الإسلام:
الخلاصة: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ هل ترَكَه وهل ترَك تأييده؟ بل بشَّره:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
[سورة التوبة]

بأنَّ دينه سيظهَر على كلِّ الأديان، نجد الأديان في العالَم تنهزم وتضمحِل وتتراجع، أمَّا الإسلام فبالرغم مِنْ فَقْد الوسائل وانعدام الكفاءات، وعدم وجود الدعاة فالكثير مِنَ العالَم الغربي هو يبحَثُ ويدرسُ ويفتّش في ميدان دراسة الأديان فيرى بطريق الصدفة دراسة الإسلام فيدرسه فيجِدُ أنَّ العقل يرقص واليدان تُصفقان للإسلام، فلا يكتفي بأنْ يُعلن إسلامه بل يزيد على ذلك بأنْ يدعو الناس ومَنْ حوله إليه؛ لأنَّه يراه قد ضَمِنَ له سعادة الحياة الروحية والجسدية، ولم يأتِ فقط موافقاً للعقل؛ بل أتى ليُحوِّل العقل مِنْ بذرةٍ صغيرةٍ إلى شجرةٍ ودوحةٍ عظيمةٍ تُظَلِّل مَنْ يكون تحتها بظلالها وتُنعِشُه بعطرها وروائحها وأزهارها وتُغذِّيه بثمارها، فتنقل عقله إلى عقل العلماء وإلى عقل الحكماء، ومِنَ الفقر إلى مراتب الأغنياء، وهذا لم يُوجَد في الصحف والقراءة فحسب لكنَّه أيضاً في الواقع المنظور والمشهود وما عَرَفهُ العالَم كلُّه.

عظمة المصنوع من عظمة الصانع:
أُقسِم لك يا محمد.. وهذا القسَم تعظيمٌ وتكريمٌ وإشادة، أُقسِم لك بقانون الليل وقانون النهار، ليتذكَّر الإنسان مَنْ وضَع هذا القانون ومَنْ نظَّم هذا التنظيم الدقيق للشمس والقمر، ولليل والنهار، ترون في التقويم في أوقات الصلاة، وفي الغروب والشروق، كلَّ يومٍ يزداد دقيقةً أو دقيقةً ونصفاً، كلّ سنةٍ على ملايين السنين، فما هذه الساعة التي تُعرّفنا بالأوقات؟ ومَنْ الذي يضبِطُ نابضها ومَنْ الذي يملأ بطاريتها؟ وكم وزنها ومَنْ يحملها ومَنْ القائم على صيانتها ومَنْ المصمم والمخترع لها؟! فحين يُقسِمُ الله بها فلكي يُنبِّهَنا إلى عظيم خلقه، وعظَمة المخلوق والمصنوع تدلُّ على عظمة الصانِع والخالِق.

من أقبل على الله أقبل الله عليه:
﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ فهل إنْ أقبَل عبدٌ على الله عزَّ وجلَّ يُعرِضُ الله عنه؟ بل بالعكس فالله عزَّ وجلَّ يقول في الحديث القدسي(2):

{ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً }

[صحيح البخاري]

{ وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ }

[صحيح البخاري]

(بالنَّوافِلِ) الزائد عن الفرائض (حتَّى أُحِبَّهُ) حتَّى يصير محبوبي، وأنا له المُحب.. فأولاً تكون مُحبَّاً بأعمالك وبامتثالِك وباستجابتِك لإرشادات ربِّك، فإذا استجبت وإذا أدَّيت وامتثلت تنقلِب مِنْ مُحبٍّ إلى محبوب، ومِنْ عاشقٍ إلى معشوق، ومِنْ طالبٍ إلى مطلوب، ومِنْ ساعٍ إلى الله عزَّ وجلَّ إلى أنْ يسعى الله عزَّ وجلَّ إليك، (وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) فإنْ أتاني ماشياً آتيه أنا ركضاً، ولذلك قال الله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ﴾؛ فكيف تُقبِلُ عليه وتُحبه ثم لا يُحبُّك؟ وكيف تقترب منه وهو عنك يبتعِد؟ هذا ليس مِنْ سنن الله عزَّ وجلَّ ولا مِنْ قوانينه.

صعوبة التأسيس حتمية لتحصيل ثمار البناء:
﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ فالساعة الآتية ستكون أرقى وأقرَب وأعلى عند الله عزَّ وجلَّ مِنَ الساعة الأولى، واليوم الثاني أنت أفضل وأعلى وأكرَم عند الله عزَّ وجلَّ وفي أعمالك وعِلمك مِنَ الأيام الأولى.
﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ سيُعطيك ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطَرَ على قلب بشر، وهذا ليس في الآخرة وفي عطاء السماء فقط بل في الدنيا والآخرة، وقد كان حال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلَّ يومٍ بل كلَّ ساعة تكون الساعة الثانية خيراً مِنَ الساعة الأولى، واليوم الثاني خيرٌ مِنَ اليوم الأول.. ولو أنَّ في أول الإسلام كانت المعاناة والصعوبات والاصطدام والاقتتال فهذا في البناء يُعتبر الأساس، فحين يحفر الإنسان الأرض ليبني دارَه أو فندقاً فليس بمجرد حَفْر الأساس يضع الفراش والوسادة واللحاف في الحفرة وينام؛ لكن يوماً بيومٍ خلال البناء ألا يكون اليوم الثاني خيراً مِنَ اليوم الأول، واليوم الثالث خيراً مِنَ اليوم الثاني، نحو تحقيق هدف البناء مِنْ فندقٍ أو منزلٍ أو مصنعٍ أو إلى آخره..

حقيقة الإسلام مفقودة في العصر:
فكان كلَّ يومٍ في زيادة وكلَّ يومٍ مِنَ الخير إلى الأخيَر، ومِنَ الفاضِل إلى الأفضل، وهذا ما وضَّحه بشكلٍ أكثر قوله صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ مَنِ استوى يوماهُ فهوَ مغبونٌ ومَنْ كان آخرُ يومينِ شرًا فهوَ ملعونٌ ومَنْ لمْ يكنْ على الزيادةِ فهوَ في النُّقصانِ ومَنْ كان في النقصانِ فالموتُ خيرٌ لهُ }

[الفردوس بمأثور الخطاب]

(مَنِ استوى يوماهُ)(3) أي إنْ كنت اليوم مثلما كنت البارحة (فهوَ مغبونٌ)، والمغبون هو الذي يشتري الكتاب مثلاً وثمنه مئة واشتراه بخمسة آلاف، فماذا يُسمُّونه؟ مغبُون، وإنْ كان ثمنه خمسة آلاف وباعَه بمئة فهو أيضاً مغبون.. فهذا دينٌ وتربيةٌ قومية وتربيةٌ علمية ونهضةٌ ثقافية، هذا هو الإسلام.. ولكن الإسلام اليوم موجودٌ باسمه فقط ومفقودٌ بحقيقته، فأي فائدةٍ للجائع إنْ قدَّمنا له أسماء الأطعمة المشتهاة على ورقة؟ كأنْ ترغب بأطايب الطعام فلتتفضَّل هذا الغداء المكتوب ومعه التحلية ومعهما الفواكه مِنَ عنبٍ وموزٍ وتفاح! فهل يُكتَفى بطعام الورق؟ وهل يكفي الجائع أنْ يقرأ أسماء الأطعمة؟! والله المسلمون مثلهم كهذا المثل، عليهم قراءة القرآن ليكون غذاءً للقلوب فيُعطيها الإيمان والدافع إلى العمل، وغذاءً للعقول لتُنظِّم العمل، وللأعضاء لتنفِّذه.

لاحق حال المسلم خير من سابقه:
فالعرب أبناء البادية والصحراء كما وصَفَهُم القرآن:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
[سورة الجمعة]

لا يقرؤون فلا جامعة ولا بكالوريا ولا كفاءة ولا شيئاً مِنْ هذه الألقاب، ويا ليت أيضاً كانت عندنا العلوم التي تجعلنا على مستوى الأمم القوية المتقدمة الصناعية القوية، ولكننا أخذنا القشور واكتفينا بالألقاب، هم يصنعون كل شيء ونحن أخذنا الورقة وألصقناها على الجدار واتخذنا لها إطاراً، دكتور وكذا وماذا خرج مِنَ الدكتور؟ لم يخرج شيء، وعلَّمونا أشياءَ محدودةً لنبقى ضعفاء، وهناك مخططٌ مرسومٌ مدروسٌ ليبقى المسلمون على ما هُم عليه مِنْ ضعفٍ وتخلّفٍ وفقر؛ أمَّا لو وُجِد الإسلام بحقيقته: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾ السنة الثانية يجب أنْ تكون أحسَن مِنَ السنة الأولى، والشهر الثاني يجب أنْ يكون خيراً مِنَ الشهر الأول، وأنت أوَّلهم يا محمد؛ فأنت مسؤولٌ عن التقدُّم يوماً بيومٍ وساعةً بساعة وسنةً بسنة، وباعتبار الدين شمِلَ الدنيا والآخرة: فالعِلم يشمل عِلم الأجساد وعِلم الأرواح وعِلم الأرض وعِلم السماء، مع الأسف يا بُني مع كلِّ عنجهيتنا الفارغة، وجامعاتنا التي صارت بالمئات وبالألوف في عالَمنا العربي والإسلامي، فهل فهمنا هذه الآية؟ ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ يجب أنْ تكون السنة الآخرة والمدة الثانية وفترة الخمسة سنوات خيراً مِنَ الأولى على حسب ما يتطلَّبه الزمان والمكان والجو الذي نعيشه.
أنا مررت بكوريا الجنوبية ورأيتهم يُسابقون ويُنافسون اليابان في التكنولوجيا والتصنيع، فسألتهم عن بدء نهضتهم كم لها مِنَ العمر؟ فقالوا لي: مِنْ سنة خمسٍ وستين! وهم يصنعون قريباً مِنْ عشرين نوعاً مِنَ السيارات، فيا تُرى أيُّ بلدٍ عربيٍّ يصنع السيارات الآن؟ ويصنعون الطائرات، وكنت في ماليزيا من شهورٍ قريبة -وهي بلدٌ مسلم- فبسؤالي أُجبت بأنَّهم يصنعون نوعين مِنَ السيارات تصنيعاً كاملاً، ويُجمِّعون أكثر مِنْ خمسة أنواع، ففرحت؛ فلماذا كوريا ولماذا اليابان ولماذا أوروبا يصنعون العدد الكبير؟ يا ترى هل دماغهم فيه استعدادٌ وفيه مِنَ الخلايا والتنويع أكثر مِنْ خلايانا وهل أجسامهم أقوى مِنْ أجسامنا؟ وديننا يأمرنا أنْ تكون المرحلة الثانية واليوم الثاني والشهر الثاني والسنة الثانية ﴿خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾.

أمجاد الماضي لا تنفع من فشل في الحاضر:
وإنْ مشيت على هذا المنهاج فجعلت الآخرة خيراً مِنَ الأولى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ أمَّا إنْ جعلت الأولى خيراً لك مِنَ الثانية وهي واقعةٌ الآن، فماذا يفعل المسلمون؟ الأولى خيرٌ مِنَ الثانية، فيفتخرون بأمجادهم التي مات أصحابها، كغزوة بدر وهي بدرُهم المُشرِق بتمامه، فأين بدرُنا؟ هذه هجرة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في سبيل الارتقاء إلى أعالي المجد عِلماً وحياةً وقوةً ودولةً وعقلاً وحكمةً، فأين هجرتنا؟

الغرض الحقيقي من المسجد:
هل المسجد للصلاة؟ لا، بعض الأوقات كان يُحوِّل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المسجد إلى ملعبٍ رياضي، هل يدخل هذا في العقل؟ فكان يأتي بالحبشة ويقومون بألعابٍ رياضية، ويأتي النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فينظر وتضع عائشة رضي الله عنها حنَكها على كتف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتتفرج، وهذا مِنْ إعطاء الزوج لحقوق الزوجة في الترفيه عنها، ويقول لها: ((أيكفي؟)) قالت عائشة: "فأقول له لا؛ لأفحص مدى حُبِّه لي"(4)، أي كم سيتحمّلني بهذه الحالة، أوقفته على رجليه وواضعةٌ ذقني على كتفه، وجعلته هو الآلة عوض الكرسي، صلَّى الله عليه وسلَّم ((أيكفي؟)) لا، تُريد أنْ ترى كم سيتحمّلها صلَّى الله عليه وسلَّم..
وتارةً يجعلون المسجد مزاداً وحَراجاً؛ لـمَّا رأى صحابيًّا يتسوَّل فسأله: ((لم؟)) قال: ليس عندي شيء. قال له: ((ائتِني بشيء مِنْ أمتعة البيت)) فجلَب له قَدراً ومعجَناً وبعض أغراض البيت، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد: ((مَنْ يشتري؟)) فماذا صار النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ دلالاً أليس كذلك؟ ((فقال أحدهم: علي بدرهم. وقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: مَنْ يزيد؟ قال آخر: بدرهمين. مَنْ؟)) (5)، ووصل إلى الدرهمين فباعَه وأعطاه الدرهمين، وقال له: ((خُذْ اشترِ بدرهم طعاماً لأهلك)) لا تتسوَّل فالتسوُّل ذلٌّ والمؤمن لا يذِلّ: "وإنَّه لا يذِلُّ مَنْ والَيت"، والفقر ذل؛ ولذلك ضرَبَ الله عزَّ وجلَّ به أعداءه فقال تعالى:

قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
[سورة البقرة]

ما هي المسكَنة؟ هي الفقر، الفقير المسكين، والذلّ تسلُّط العدو والاستعمار، والمسلمون الآن مضروبٌ عليهم الذلة والمسكنة وكذلك التفرُّق والتمزُّق، فهذا جاهلية والتخلف العلمي وثنية، وأشغَلنا أعداؤنا بتوافه الأمور، وكلُّ هذا ضمن مخطط، ومَنْ أراد أنْ يطَّلع فليقرأ كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون"، وكيف هو المخطط الصهيوني اليهودي العالَمي لإلهاء الشعوب الضعيفة عن التوجُّه إلى معالي الأمور التي ترفع مِنْ شأنها وقدرها في كلِّ ميادين الحياة، ونحن حين نقرأ القرآن، خصوصاً الذين يقرؤون القرآن على الأربعة عشر ويحسَبُ واحدهم أنَّه نال العِلم وأوتِيَه مِنْ أطرافه وصار شيخ القراء، لماذا؟ لأنَّه بدل أنْ يقول "إليكم" يقول "إليكمو" وعِوَضَ أنْ يقول "والضحى" يقول "والضحي" بالإمالة! فصار عالـِماً كبيراً وشيخ القراء وشيخ الشام، هل هكذا كان فَهم الصحابة رضي الله عنهم للعِلم؟!

تقدميَّة الإسلام:
﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ وإنْ مشيت على ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ في الزيادة مِنَ التقدُّم (مَنِ استوى يوماهُ فهوَ مغبونٌ ومَنْ كان آخرُ يومينِ شرًا فهوَ ملعونٌ ومَنْ لمْ يكنْ على الزيادةِ فهوَ في النُّقصانِ ومَنْ كان في النقصانِ فالموتُ خيرٌ لهُ)(6).. ما هي التقدُّمية؟ أنْ تزداد يوماً بيومٍ مِنَ القوة ومِنَ الصحة ومِنَ العِلم ومِنَ الأخلاق ومِنَ التربية ومِنَ العدل ومِنَ السِّلم وإلى آخره.. ف
يقول النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّكم محرومون والموت خيرٌ لكم لأنكم لم تفهموا هذه الآيات: ﴿وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ صحيًّا يجب أنْ تكون صحتك هذا اليوم أحسَن مِنَ البارحة، وتكون ماليّاً أحسَن وعلميّاً أحسَن وفكريّاً أحسَن وروحيّاً أحسَن، أهذا دين؟ هذه الحياة والعظَمة والعزة، وهذا مركز قيادة العالَم والبشرية نحو ماذا؟ ليس قيادة الظالمين والطغاة الضعاف نحو زيادة ضعفهم وجهلهم وتمزيقهم، وإلقاء العداوة والحروب بينهم، بل هذا دفعٌ نحو العُلا ونحو العز ونحو:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201))
[سورة البقرة]

يا تُرى أنتم الذين أنا أكلِّمكم على حساب قلبي، ويقول الأطباء لي: يكفي إلى هنا رحمةً بقلبك، واحتراق قلبي عليكم وعلى المسلمين، إنْ شاء الله كله لله عزَّ وجلَّ وإنْ شاء الله لا يضيع معكم.. على كلِّ واحدٍ منكم أنْ يُعلِّم المسلمين سورة الضحى، وكلَّ ما تسمعونه في المسجد أي القراءة النبوية والقراءة الإسلامية الحقيقية، نأخذ المصحف المذهَّب ونُعلِّقه على الجدار، ونتفاخر بطبعته وورقه المصقول، ما هي الفائدة؟ كان مصحف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والصحابة رضي الله عنهم على العظام وعلى ورق النخيل وكان بلا حبر؛ أمَّا القرآن الحقيقي فكان مكتوباً في صفحات القلوب وفي صفحات الأعمال وفي صفحات العقول، وفي صفحات الروح، إلى ماذا يتحوَّل الطعام عندما يدخل إلى الجسم؟ إلى دم، وإلى ماذا يتحوَّل الدم؟ إلى طاقةٍ وقوة، وإلى ماذا تتحوَّل الطاقة والقوة؟ إلى أعمالٍ مُنتجةٍ ومُثمرةٍ ومُسعِدةٍ ومُغنية؛ أمَّا إنْ أكل المرء وصار الأكل دماً وصار طاقةً ولم يستعملها بشيءٍ فهذا الميت الحي المدفون في قبر جسده وجُموده وخُموله.

القرآن نزل للتدبر والعمل:
﴿وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ﴾ يعني وما ودَّع الله عزَّ وجلَّ خليقته والبشرية؛ لأنَّه معك بما يُفيضه عليك مِنْ عِلم وحكمة وإيمان، وهذا ليس لك خاصاً إنَّما هو لكلِّ شعوب العالم:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)
[سورة الأنبياء]

ثمَّ بتعاليم القرآن قال تعالى:

وَيُحَرِّمُ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)
[سورة آل عمران]

يقول لنا القرآن: أنتم يا مسلمون في كلِّ وقتٍ يجب أنْ تكون أيامكم وأوقاتكم ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾، يا تُرى هل أنتَ وأنتِ أفضل اليوم أم البارحة؟ في صحتك وفي عمَلك وفي عِلمك وفي إنتاجِك؟ هكذا يُفهَمُ الإسلام.

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201))
[سورة البقرة]

في الدولة والجيش ووزارة الصناعة ووزارة التخطيط ووزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام.. ﴿وَلَلْآخِرَةُ﴾ ماذا سنستفيد إذا جلَبنا أعظمَ القراء تجويداً ونغَماً وموسيقى عند أداء التلاوة ولكنْ لا فهماً ولا تطبيقاً؟ وإذا كتب الطبيب الوصفة الطبية وأخذ المريض الوصفة وصار يقرؤها وجلب كبار المغنِّين وصاروا يقرؤونها له على الأنغام، يا تُرى إنْ كانت قد أصابته قرحةٌ في المعدة أو التهاب القولون أو حدث معه انتفاخ فهل يذهب الانتفاخ بالغناء؟ وإنْ كان فقيراً وأخذ شيكاً بحوالي مليون ليرة أو عشرة ملايين أو خمسين مليوناً، ولا بيت له ولا طعام ولا ثياب وهو بردان وسيموت مِنْ برده، وصار يقرأ الشيك بمليون ليرة فوراً مدفوعٌ في البنك، ادفعوا لصاحبه خمسين مليوناً وهو جائع ويرتجف مِنْ برده، وقذر ووسِخٌ مِنْ رأسه إلى قدميه ورائحته مزعجة، فلا استحمام ولا غُسل ولا نظافة وجائعٌ سيسقط مِنْ جوعه، فهل تُشبعه القراءة أو تُدفِئه أو تُزيل عنه أقذاره؟! هذا حال المسلمين الآن مع القرآن!
طَلعَ الدين مُستغيثـــاً إلى الله وقالَ العباد قد ظَلموني يتسمُّون بي وحقُّك لا أعرف منهم أحداً ولا يعرفُوني
{ كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشاء }

المسؤولية تقع على عاتق العلماء:
منظمة مؤتمر العالم الإسلامي جمعت كلَّ الدول الإسلامية وأُقيمت مِنْ سنين فماذا فعلت؟ يا تُرى ماذا عمِلت في التكنولوجيا وماذا عمِلت في وحدة المسلمين وماذا عمِلت في التقدُّم العلمي؟ فأرجو الله عزَّ وجلَّ أنْ ننتقل مِنْ:

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
[سورة الكهف]

إلى أنْ تنظُرهُم أيقاظاً وهم مُستيقظون فمتى؟ كما قال عمر لأبي عبيدة رضي الله عنهما: "نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام" الفقير صاحب الشيك هل يُعزُّ بوصول الشيك إليه مِنْ غير أنْ يأخذ قيمته مِنْ البنك؟ وهل بمجرد ورقةٍ بيده يصير غنيّاً؟ "ومهما نُرِدْ العزَّة بغيره يُذِلُّنا الله"(7)، من المسؤول؟ المشايخ لأنَّهم لا يُحسِنون أداء رسالة القرآن، ولا يُحسِنون لا بالقول والفَهم والتعليم ولا بالعمل والقدوة والسلوك، وبعدَهم الحكومات الإسلامية وبعدَهم الأغنياء؛ لأنَّ العمل يحتاج إلى القوَّة وإلى المال وإلى العالِم العليم الحكيم المُزكَّى المزكِّي:

{ إنَّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ (8) }

[سنن ابن ماجه]

فتُعاهدونني يا مَنْ وصَلَكُم هذا الكلام على أنْ تُؤمنوا بهذه الآية ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ وقد قالها الله عزَّ وجلَّ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهل طبَّقها أم لم يُطبِّقها؟ ولما طبَّقها وبالقوة وبالعمل والجد والتزكية ماذا كانت النتيجة؟ ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ .
كرم الله أعلى:
إذًا جعلت دائماً ليلتك خيراً مِنَ الليلة السابقة ويومَك الحاضر خيراً مِنَ الماضي، فماذا ستكون النتيجة؟ هذا قدَّمته مِنْ طرفك فماذا يكون التقديم مِنْ طرف الله عزَّ وجلَّ؟! قال ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ﴾ يُعطيك ما تُفكِّر به وما لا تفكر كما في الأثر:

{ أبَى اللهُ أنْ يَرزُقَ عبْدَه المؤمنَ إلَّا مِن حيث لا يَحتسِبُ }

[ورد في الأثر]

لـمَّا قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للمسلمين:

{ ستُفتَحُ لكُم الهِند(9) }

[ورد في الأثر]

فأين الهند وأين مكة؟! وأين الهند وأين الصحابة؟! الجائعون العراة المعذبون المستضعفون المُهانون ماذا سيُفتَح لهم؟ ((ستفتح لكم كنوز كسرى)) أين كسرى؟

{ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ أحَدًا إلَّا اللَّهَ (10) }

[صحيح البخاري]

السلام والأمن بلا شرطةٍ وبلا مخافرٍ وبلا أي وسيلةٍ مِنْ وسائل الأمن ووسائل رجال الأمن في الدولة الإيمانية والأمن الإيماني، فلا سارِق ولا قاتِل ولا خائِن ولا معتدٍ ولا محاكم ولا قاضٍ ولا سجون ولا استنطاق.. سيدنا عمر في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما جلس قاضياً لسنتين لم يأتِه مُشتكٍ ولا مُشتكى عليه، فيا تُرى هل سويسرا وهل واشنطن وهل باريس وهل لندن هكذا ؟

الكمال ليس مستحيلاً في ظل الإسلام:
لا تقولوا هذا الأمر مستحيل، لا؛ فحين كان يقول لهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (11) }

[صحيح مسلم]

كان كفار قريش يهزؤون ويقولون: اسمعوا ما يقول هؤلاء المجانين، مرةً ساحر ومرةً مجنون ومرةً أساطير الأولين، وحين يقصُّ عليهم قصص الأنبياء وشعوبهم وكيف أهلكهم الله عزَّ وجلَّ عندما رفضوا تعاليم أنبيائهم، يقولون: هذه حكايات خرافية وماذا بعد ذلك؟ قال:

لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67))
[سورة الأنعام]

كلُّ خبرٍ له حد إمَّا أنْ يظهر صدقه وإمَّا سيظهر كذبه.. فهل صَدَقَ الله عزَّ وجلَّ وعده وهل نَصَر عبده وهل أعزَّ جُنده وهل هَزَمَ الأحزاب وحده؟! فلماذا الجمود ولماذا الموت؟ هناك بعض الإسلاميين يقومون بأسلوبٍ يعاكس الأسلوب القرآني والأسلوب النبوي، بالعنف وبالإرهاب ولم يكن النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إرهابيًّا؛ أُتيَ إليه بمن قَتَلَ ابنته وهي حُبلى، أحد المشركين لـمَّا أرادت ابنة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ تُهاجر فنَغَز بها الجمل وهي حامل، فسقطت وأسقطت حملها وماتت إثر هذه السقطة مِنْ أعلى جملها، فهل يوجد إجرامٌ أفظع مِنْ هذا؟ امرأةٌ ضعيفة وحامِل يقتلها ويقتل جنينها، فإذا تمكَّن أبوها مِنْ هذا المجرم فماذا يعمَل به؟ فلمَّا أتى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فاتحاً مكة وسُقط في أيدي كلِّ المجرمين، أتوا إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عل النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعفو عنهم، وأتى قاتل ابنته مسلماً فعفا عنه ولم يعاقبه! مع أنَّه يلزمه إعدام مِنْ كلِّ النواحي بالمقاييس العادية! فصلَّى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، كيف لا نقرأ سيرته لنقتدي به:
أُولَئِكَ آبَائي، فَجِئْني بمِثْلِهِمْ إذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجَامِعُ
{ الفرزدق }
ما أوتيت أمّةٌ قائداً ولا مُعلِّماً ولا حكيماً ولا فيلسوفاً ينقُلها بأسرع الأوقات ومِنْ أحرج الحالات، ومِنْ أشدِّ درجات الفقر ومِنْ أعمق الخرافات إلى أعلى الدرجات كما أتى محمِّدٌ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم النبيُّ العربي لأمته وللعالَم أجمع.

الاستجابة لله:
﴿وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ مَنْ يُقبِل على الله عزَّ وجلَّ فهل يُعرِضُ الله عزَّ وجلَّ عنه؟ ومَنْ يذكُر الله عزَّ وجلَّ فهل ينساه الله؟ يقول تعالى:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)
[سورة البقرة]

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
[سورة غافر]

لكنْ في آيةٍ أخرى قال تعالى:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))
[سورة البقرة]

يعني لأستجيب لهم.
﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ ليس للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بل لكلِّ إنسان ولكلِّ مؤمن، فهل يمكن لمن يُقبِل على الله عزَّ وجلَّ أنْ يُعرِضَ الله عزَّ وجلَّ عنه؟ ولمن ينصُر الله عزَّ وجلَّ ودينه أنْ يخذُلَه الله عزَّ وجلَّ ويهمِله؟ ولمن يُقدِّم لله عزَّ وجلَّ أنْ لا يُقدِّم الله عزَّ وجلَّ له بخيرٍ ممَّا قدم؟ وهو القائل:

مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
[سورة الأنعام]

وفي آيةٍ أخرى:

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261))
[سورة البقرة]

(فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ) المكافأة بسبعمئة ضعفٍ أليس كذلك؟ (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ)، وفي آيةٍ أخرى:

لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
[سورة النور]

فهل مَنْ صَدَق الله عزَّ وجلَّ لم يصدُقهُ الله عزَّ وجلَّ وهو الصادِق المُصدَّق؟ ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ وهذه ليست خاصةً للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقط؛ بل لكلِّ مَنْ يمشي على قدَمِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿مَا وَدَّعَكَ﴾.

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112))
[سورة هود]

والله لا يستعجل، فليس في أول يومٍ يكون العرس وثاني يوم يأتي الولد ويُرزَق المرء بالمولود ويأتيه بشاربين وهو رئيس وزارة! المسلمون هكذا يريدون حين يدعون ربَّهم.

الدعاء العملي:
وكلُّ شجاعتنا وجهادنا وفلاحنا بمَ؟ بالدعاء فقط! ندعو: اللَّهم اهزم جيوشهم، واللَّهم هدِّم مُدنهم واللَّهم رمِّل نساءهم، اللَّهم اشنقهم.. فجهادنا بالأماني فقط، إذا طلبت شيئاً بالدعاء فأتبِع الدعاء بالطلب العملي؛ اللَّهم ارزقني ولداً فقم واخطب المرأة وتزوج، اللَّهم ارزقني قمحاً فقم فاحرث الأرض وابذر القمح فيها.. هذا هو الدعاء العملي، الدعاء العملي وبعده تطلب الدعاء الدعائي والقولي، فتقول اللَّهم ارزقنا حصاداً جيداً، وتغرُس الشجر وتقول اللهم ارزقنا ثمراً طيباً، نتزوج اللهم ارزقنا ولداً صالحاً؛ أمَّا أن نريد حصاداً مِنْ غير بذار ونريد ثماراً مِنْ غير غرس الأشجار.. فهذا شغل المغفلين.
أمام جامعنا مِنْ حوالي ثلاثين أو أربعين سنةً كان يوجد حارسٌ ليلي مرَّ عليه حشاش وقت الشتاء، وكانت الشوارع غير معتنىً بها في ذلك الوقت، وكانت هناك بركة ماء وفيها ماء بمقدار نصف دلو تقريباً، وكانت الليلة ماطرةً فمرَّ شخصٌ حشاشٌ مِنَ الذين يتناولون المخدرات، والحفرة عند بيت الحارس الخشبي، فوقف الحشاش والمطر يهطِل عليه دقيقة ودقيقتين وخمس دقائق وعشر دقائق، والحشاش قد تجمد في مكانه فقال له الحارس: لمَ تبقى واقفاً تحت المطر ولا تمشي؟! قال له: كيف سأمشي؟ ألا ترى البحر الذي أمامي وهل تريد أنْ تُغرقني؟! رأى الحفرة التي فيها نصف دلو ماءٍ على أنَّها بحرٌ ولا يجرؤ أنْ يُلقي نفسه في البحر! فهل سنبقى على طريقة الحشاش؟ لا يُوقذنا إلَّا القرآن.. جلادستون رئيس وزراء إنجلترا مِنْ سنة أو سنتين أو قريباً من ذلك في مجلس العموم البريطاني قال: ما دام هذا القرآن في يد المسلمين لن تستطيعوا أنْ تتغلبوا عليهم؛ لكنَّه لم يُرِد القرآن بمعنى الورق والحبر، بل قرآن التعاليم وقرآن التثقيف الإلهي وقرآن بناء الإنسان وبناء عقله وتزويده وتغذيته بعلوم القرآن، حسب في كلِّ زمانٍ ومكانٍ وإمكان.

مراتب الجهاد في الإسلام:
﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ أنْ تُقبِل على الله عزَّ وجلَّ ويُعرِضُ الله عزَّ وجلَّ عنك، وأنْ تُحبه وهو يبغِضُك ويقلِيك، وأنت تقترِب منه وهو يبتعد عنك، فهل يكون الله عزَّ وجلَّ كذابًا ويكون فعله: إذا تقرَّب مني عبدي شبراً ابتعدت عنه ذراعاً؟! هل هكذا قال؟ لذلك والله إنْ صدقتُم الله عزَّ وجلَّ في التعليم أنتم الذين تحضرون دروس المساجد فقط:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

حين يُقال الإسلام بأنه إرهاب فهؤلاء المساكين من الإرهابيين والإسلاميين تلزمهم إعادة للمدرسة فهم هاربون من الابتدائية ويُريدون أنْ يكونوا أساتذة جامعة! فلن ينجحوا ويجب أنْ يرجعوا إلى الكتاب ليروا المعلِّم الحقيقي، والزمن لا يحتاج للحرب؛ لمَّا الإسلام يرتب الجهاد بمراتبه الثلاث: الجهاد الأكبر؛ يعني الجهاد الأعظم والأعَمّ والأهم وهو جهاد النفس والهوى، يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ أخوفُ ما أتخوَّفُ على أمَّتي الهوَى وطولُ الأملِ أمَّا الهوَى فيصدُّ عن الحقِّ وأمَّا طولُ الأملِ فيُنسي الآخرةَ }

[ضعيف الألباني]

(أخوفُ ما أتخوَّفُ على أمَّتي الهوَى)(12) الهوى والأنانية وحبُّ النفس والذات، مِنْ غير اعتبارات الحقوق والعدل (أمَّا الهوَى فيصدُّ عن الحقِّ) يحجِبُك عن الحق فلا تستطيع أنْ تتقبَّل الحق وتريد الباطل وتريد ما ليس لك فيه حق، (وأمَّا طولُ الأملِ فيُنسي الآخرةَ) تبقى مشغولاً وغارقاً بالمياه وكأنَّك لا تموت غداً.
وبعد ذلك الجهاد الكبير وهو العِلم والتعليم، قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ }

[مسند أبي يعلى]

(وأجوَدُهم من بعدي) يعني بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، (رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ ) (13)، مَنْ هو الأمَّة؟

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
[سورة النحل]

وما هو معنى الأمَّة؟ قال: هو المعلِّم الذي يُعلِّم الناس الإسلام؛ لكنَّ المقصود هو الإسلام بحقيقته وجوهره.. فأين نحن مِنْ فقه القرآن؟!
ثمَّ الجهاد الصغير، فيوجد الجهاد الأكبر والجهاد الكبير دون اجتياز لمرتبة الصغير، والجهاد الأصغر وأحقر الدرجات في الجهاد وهي الحرب وملاقاة العدو بالسلاح! يعني أنَّ الإسلام جعل الأساس أنْ تُحارب نفسك، ثم تنشر العِلم فتُحارب الجهل والخرافة والتخلُّف والضعف والتمزُّق، فإذا عارَضَك مُعارِضٌ في نشر العِلم والنهوض بالأمة ومعارضة المساواة والعدالة لكلِّ الناس عند ذلك أنت مضَّطرٌ بحكم الواقع للدفاع عن الرسالة، فتُجاهد مَنْ يمنع العِلم والحكمة ومكارم الأخلاق، وإذا فرَغْتَ منه ترجع فوراً إلى الجهاد الأول والثاني.. وهذا قولُه صلى الله عليه وسلم:

{ رجَعنا من الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ (14) }

[الزهد الكبير للبيهقي]

وهل كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يترك الكبير ساعةً أو دقيقةً؟ بل:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]


المسلم في جهاد دائم:
لذلك كان يقول بعضهم: "يا رب إنَّ جهادي غير منقطع" أنا دائمًا في الجهاد أنا دائماً في ساحات الحرب والقتال، "يا رب إنَّ جهادي غير منقطع" وهذا ما دلَّ عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (رجَعنا من الجهادِ الأصغرِ) للوقوف وللراحة؟ لا، بل إلى الجهاد المتواصل: (إلى الجهادِ الأكبرِ)، وبينهما الجهاد الكبير، وهو في المسجد يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكِّي النفوس في الجهاد الكبير، وهو يقوم الليل مِنَ العشاء إلى الفجر في الجهاد الأكبر، "يا رب إنَّ جهادي غير منقطع فكلُّ أرضٍ لنا ثغر". ما هو الثَّغر؟ هو المكان الذي تُلاقي فيه العدو الذي يريد أنْ يُهاجِمَ منه أو تتوقَّع أنْ يُهاجم منه بلدك ووطنك، وبصورةٍ خاصةٍ إذا كان الثَّغر بحريّاً، مثلاً في الحروب الصليبية كانت أنطاكيا واللاذقية وطرطوس ثغوراً.
يا ربِّ إنْ جهادي غيرُ مُنقطع فكلِّ أرضٍ لنا ثَغرٍ وطرطوسُ
{ مسلمة بن عبد الملك }
أينما كنت فأنا في الجهاد، فإمَّا أنْ يكون في الجهاد الأصغر أو الجهاد الأكبر أو الجهاد الكبير؛ حتَّى ولو كنت على فراشك ولو كنت على مائدة طعامك، ما دُمتَ تفكر في الجهاد والإعداد له والتهيؤ له فأنت في جهاد:

{ كان في صَلاةٍ ما كانتِ الصَّلاةُ هي تَـحْبِسُه (15) }

[سنن أبي داود]

وهذا كلام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.. وكذلك ما دُمتَ تنتظر الجهاد فأنت في جهاد، ومعنى ذلك أيها المؤمن والمؤمنة أنَّه يجب أنْ تكونوا في جهادٍ في ليلكم ونهاركم وحتَّى في نومكم؛ لأنَّه مَنْ استولى على فكره شيءٌ مِنَ الأشياء يراه في منامه، ومِنْ هذه التربية كان الأطفال في عهد النّبوّة يتبرَّعون ويتطوَّعون لملاقاة الطغاة والمستعمرين، وكذلك النساء والشيوخ وابن تسعين سنة، عثمان بن مظعون رضي الله عنه بلَغَ التسعين وهو أعرَج وفي إحدى المعارك لبِسَ سلاحه وكان له سبعة أبناء وكلُّهم شبابٌ أبطالٌ مقاتلون فسألوه: إلى أين ستذهب يا أبتاه؟ قال: إلى الجهاد، لقد دعا داعي الجهاد. قالوا: ولكنك أعرج وذو تسعين سنةً فلا بد أنْ نشكوك إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فاشتكوا له فقالوا: يا رسول الله نحن السبعة بدلاً منه. فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا عليك ألَّا تجاهد يا عثمان))، قال: يا رسول الله بلغ سني ما بلَغ، وطمَعِي وأملي أنْ أدخل بعرجَتي هذه في الجنة (16)! هم يظنون أنَّه لا أمل مني ولم أعُد أصلح لشيء لأنَّني أعرج، فأريد أنْ أدخل الجنة بهذه العرجة! ما هذا الإيمان، وأي حرب؟ هل حرب الاستيلاء على أموال الناس لظلمهم أو لهتْكِ أعراضهم؟ لا، بل هو جهاد الطغاة المعتدين والمستعمرين، فيدخل المعركة ويُستَشهَد وفاضَت روحه إلى السماء وفُتِّحَت لروحه أبواب السماء، ويرى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسيرته فيقُول: (رأيت عثمان بن مظعُون يدخل الجنة بعرجَته)(17).. هؤلاء عرجانُهم أبناء التسعين، فكيف بالسليمين؟! فهل أنتم عُرجان أو مِنْ أبناء التسعين؟ فأرونا الجهاد والحرب، لكن هذا غير وارد فهو خاصٌ للدولة، وماذا بقي عندكم؟ جهادان، فهل تستطيعون أنْ تكونوا صادقين:
يا ربِّ إنْ جهادي غير مُنقطعٍ فكلُّ أرضٍ لنا ثغرٌ وطرطوسُ
{ مسلمة بن عبد الملك }
فما هو رأيكم في معنى الجهاد المقدس؟ الجهاد ضد الجهل وضد الجوع وضد الفقر وضد التمزُّق وضد التحارب وضد التقاتل وضد البغضاء وضد الحسد وضد التخلف:

{ مَن يُردِ اللَّهُ بهِ خَيرًا يُفقِّهُّ في الدِّينِ (18) }

[صحيح البخاري]

فأسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يجعلنا مِنَ الفقهاء في الدين.

اسأل الله التثبيت واحذر عقابه:
وَرَدَ في الأثر:

{ الناسُ كلُّهم موتى ، إلا العالمون ، والعالمون كلُّهم هلكى إلا العاملون ، والعاملون كلُّهم غرقى ، إلا المخلصون ، والمخلصون على خطرٍ عظيمٍ }

[ورد في الأثر]

(والعالمون كلُّهم هلكى) أي الناس هالكون، (إلا العاملون) لا يُنقِذُنا مَنَ الهَلكة إلَّا العِلم فتعلَّموا، (والعاملون كلُّهم غرقى) إذا أخذت الشيك ولم تنفِّذه واستعملته لا يُنقِذُك مِنَ الفقر (والعاملون كلُّهم غرقى ، إلا المخلصون) إذا أخذت الشيك وذهبت إلى أماكن القمار فبقيت تُقامر حتى أفلَست فماذا استفدنا مِنَ الشيك؟ (والمخلصون على خطرٍ عظيمٍ)(19)، تقول:

{ يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلبي على دينِك (20) }

[سنن الترمذي]

قال الله عزَّ وجلَّ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
[سورة الإسراء]

يقول تعالى للنبي: (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) لولا عنايتنا الإلهية بكَ فأنت بشر، فيمكن أنْ تزلِقَ القدم، ولو مِلْتَ إليهم شيئاً قليلاً (إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ) لنعاقِبك عقوبةً.. هذا كلام الله عزَّ وجلَّ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ) العذاب المضاعف في الدنيا (وَضِعْفَ الْمَمَاتِ)، وإذا أردنا معاقبتك فهل يوجد مَنْ يستطيع أنْ يُخلِّصَك منا؟ (ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) فهذا تهديد للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قصَّر! وهل نحن أعزُّ على الله عزَّ وجلَّ مِنَ النَّبيِّ إذا كنا مُقصِّرين؟ هل سيغفر لنا ألَّا نقوم بالجهاد؟ ومِنْ أي جهادٍ ننطلق؟ الجهاد الأكبر أولاً؛ نُجاهد النفس مع زوجتك ومع ابنك ومع جارك ومع رفيقك ومع العامل ومع مُعلِّمك ومع أستاذك ومع أبيك، ألم يقُلْ سيدنا إبراهيم عليه السَّلام له يا أبتي؟ مع زوجتك ومع زوجك ومع جارك، وبالسهرة وبالباص هكذا فهم المسلمون الجهاد الكبير وفهموا الجهاد الأكبر:

كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
[سورة الذاريات]

وصلَّى الله على سيدنا محمِّدٍ وعلى آله وصحبِه وسلَّم، والحمد لله ربِّ العالمين.

الهوامش:
(1) سنن ابن ماجة، افتتاح الكتاب بالإيمان: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
(2) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ويحذركم الله نفسه, رقم: (7405), صحيح مسلم, كتاب التوبة, باب الحض على التوبة والفرح بها, رقم: (2675). ولفظه عند البخاري: ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)).
(3) الفردوس بمأثور الخطاب، رقم: (5910)، (3/ 611)، حلية الأولياء رقم: (5/ 35)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح باب التحريض على قيام الليل (3/ 930)، ولفظه: ((من استوى يوماه فهو مغبون ومن لم يكن يومه خيراً من أمسه فهو محروم ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ومن كان في نقصان فالموت خير له)).
(4) سنن النسائي، كتاب عشرة النساء، باب إباحة الرجل لزوجته النظر إلى اللعب، رقم: (8902)، ولفظه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: " دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي: ((يَا حُمَيْرَاءُ أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ؟)) فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَامَ بِالْبَابِ وَجِئْتُهُ فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ، قَالَتْ: وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((حَسْبُكِ)) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَعْجَلْ، فَقَامَ لِي ثُمَّ قَالَ: ((حَسْبُكِ)) فَقُلْتُ: لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَتْ: وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ"، وهو عند البخاري في كتاب الصلاة، باب أصحاب الحراب في المسجد، رقم: (454)، بلفظ: " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ".
(5) أصل هذه القصة في سنن أبي داود، كتاب الزكاة: باب ما تجوز فيه المسألة، رقم: (1641)، سنن ابن ماجة، كتاب التجارات: باب بيع المزايدة، رقم: (2198)، واللفظ عندهما عن أنس بن مالك: أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: «أما في بيتك شيء؟» قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: «ائتني بهما»، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: «من يشتري هذين؟» قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم، قال: «من يزيد على درهم مرتين، أو ثلاثا»، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: «اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به،»، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما»، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا، وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع».
(6) سبق تخريجه.
(7) مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (33847)، (7/10).
(8) سنن ابن ماجه، كتاب أبواب السنة، باب: فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (229)، بلفظ: ((إنما بعثت معلمًا))، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بعثت لأتمم حسن الأخلاق)) فرواه في السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (20782)، (10/323)، موطأ مالك باب ما جاء في حسن الخلق: (5/1330).
(9) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضوان الله عليهم، باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (2543).
(10) صحيح البخاري, كتاب, باب قوله تعالى: { واجتنبوا قول الزور..}, رقم: (6057).
(11) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير: باب الحرب خدعة، رقم: (3027)، كتاب فرض الخمس: باب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلت لكم الغنائم»، رقم: (3120)، (3121)، كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام، رقم: (3618)، (3619)، كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي، رقم: (6629)، (6630)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير: باب جواز الخداع في الحرب، رقم: (1740)، كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، رقم: (2919). واللفظ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
(12) الزهد لأبي داود، رقم: (106)، (116)، ونصه: ((عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَطُولَ الْأَمَلِ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَيُذَكِّرُ الدُّنْيَا، وَطُولُ الْأَمَلِ يُنْسِي الْآخِرَةَ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الْآخِرَةَ مُقْبِلَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدَا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ.)).
(13) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(14) الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (373)، (165) قال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف.
(15) صحيح البخاري، أبواب المساجد، باب الصلاة في مسجد السوق، رقم: (465)، صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، رقم: (649)، سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، رقم: (559) سنن ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب فضل الصلاة في جماعة، رقم: (786).
(16) القصة أخرجها البيهقي في السنن الكبرى، رقم: 17821 ، 9/42، وأصحاب السير والمغازي عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، قَالُوا كَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنِينَ شَبَابٌ يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَجَّهُ إِلَى أُحُدٍ، قَالَ لَهُ بَنُوهُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكَ رُخْصَةً فَلَوْ قَعَدْتَ فَنَحْنُ نَكْفِيكَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ عَنْكَ الْجِهَادَ. فَأَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَنِيَّ هَؤُلَاءِ يَمْنَعُونَ أَنْ أَخْرُجَ مَعَكَ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُسْتَشْهَدَ فَأَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ عَنْكَ الْجِهَادَ ". وَقَالَ لِبَنِيهِ: " وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَدَعُوهُ لَعَلَّ اللهَ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ ". فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا.
(17) صحيح ابن حبان، رقم: (7024)، (15/493)، بلفظ: ((فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ: مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، يَخُوضُ فِي الْجَنَّةِ بِعَرْجَتِهِ)).
(18) صحيح البخاري، كتاب العلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، رقم: (71)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة: باب النهي عن المسألة، رقم: (1037).
(19) أخرجه البيهقي عن ذي النون المصري في شعب الإيمان باب إخلاص العمل لله عز وجل وترك الرياء (9/ 181) ورقم (6455).
(20) سنن الترمذي أبواب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب: ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن الجزء (4) الصفحة (19)
رقم (2140)، قال الترمذي: وهذا حديث حسن.