تفسير سورة البروج 02

  • 1995-10-06

تفسير سورة البروج 02

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، وأصلّي وأسلّم على سيِّدنا مُحمَّد سيِّد الأولين والآخرين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخوَيه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه مِنَ النبيين والمرسَلين، وآل كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين، وبعد:


الله عزَّ وجلَّ يقسِم بمخلوقاته وعظَمتها ليتذكَّر الإنسان خالقها ومبدعها:
فنحن في تفسير سورة البروج، والبروج في القرآن تُطلَق ويُقصَد منها النجوم والكواكب التي في عالَم السَّماء، والتي كلُّ كوكبٍ منها عالَم، منها ما هو أعظم مِنَ الأرض بآلاف المرات، ومنها ما هو مثل الأرض، ومنها ما هو أقل، وتُطلَق البروج ويُقصَد منها منازل الشَّمس والقمر، فكلُّ يومٍ أو يومين يكون القمر في منزل، فهذه المنازل كذلك تُسمَّى بالبروج، فالمقصود أن الله عزَّ وجلَّ يُقسِم بمخلوقاته وعظَمتها، ليتذكَّر الإنسان خالقها ومُبدعها وواضع قوانينها وسيرها ونظامها، ليُعظِّم أمر الله عزَّ وجلَّ فيمتثِلَه فيَسْعَد به، وليعرف عقابه فيقف عند حدوده فلا يتجاوزها إلى ما فيه شقاؤه وتعاسته في الدنيا قبل الدار الآخرة.

يقسم الله عزَّ وجلَّ بيوم القيامة ليتذكَّر الإنسان ذلك الوعد باللقاء
يُقسِم بـ ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ وهو يوم القيامة، يُقسِم الله عزَّ وجلَّ به ليتذكَّر الإنسان ذلك الوعد باللقاء والوعد بدخوله محكمةَ الله عزَّ وجلَّ، الله عزَّ وجلَّ قاضيها، والشهود عليه أعضاؤه وجوارحه، وبقاع الأرض التي أطاع الله عزَّ وجلَّ أو عصاه فيها، والملائكة الموكَلون به يُسجِّلون عليه أعماله حتَّى اللفظة والكلمة الواحدة:

مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
[سورة ق]

(رَقِيبٌ) يُراقب وينتظر كلمةً حتَّى تُسجَّل كشريط المسجِّل، و(عَتِيدٌ) يعني حاضرٌ لا يغيب.

كثرة الشهود على أعمال الإنسان:
﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ فالملائكة يشهَدون، والجوارح تشهَد، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يشهَد:

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)
[سورة النساء]

بلَّغَنا الرسالة وأدَّى الأمانة، فأقسَم الله عزَّ وجلَّ بالشاهِد مِنْ أنبياء الله عليهم السَّلام، ومِنْ ملائكة الله عليهم السَّلام، ومِنْ جوارح الإنسان، ومِنْ بقاع الأرض التي يُطيع الله عزَّ وجلَّ أو يعصيه فيها، ماذا على هذه الأيمان؟ على ماذا تحلِف يا ألله؟

قصة أصحاب الأخدود:
قال: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ يعني لُعِنوا وقاتلهم الله عزَّ وجلَّ، وغضِبَ الله عزَّ وجلَّ عليهم، لماذا؟ قال: ﴿النَّار ذَاتِ الْوَقُودِ﴾.
الأخدود هو مثل الشقِّ الصغير في الأرض الذي تجري فيه المياه، وهذه الحادثة التي يذكرها الله عزَّ وجلَّ في هذه الآية وقعت في اليمن، في نجران، وكان ملكهم يهوديًّا، وكان أهل نجران مؤمنين بالمسيح عليه السَّلام مُوحِّدين لله عزَّ وجلَّ، مصدِّقين برسالة المسيح رسول الله عليه السَّلام، فدعاهم ملكهم إلى الكُفر بالمسيح عليه السَّلام وأن يتهودوا، فامتنعوا، فأمر بحفر هذه الأخاديد وأوقَدَ فيها النَّار، وصار يُلقي المؤمنين فيها، مَنْ ارتدَّ عن دينه نجا، ومَنْ استمسك بدينه هلَكَ واحترق.
فقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿قُتِلَ﴾ ولُعِن، وغضب الله عزَّ وجلَّ على مَنْ حفر تلك الحفر وأحرق فيها المؤمنين بالنَّار، ﴿النَّار ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾ الكفرة يقفون على النَّار، كلما كادت أن تنطفئ ألقوا فيها الحطب وما يزيد اشتعالها.
﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ الفتنة يعني ليُخرجوهم مِنَ الإيمان إلى الكفر، ومِنْ وحدانية الله عزَّ وجلَّ إلى الشرك، الذين هم أصحاب الأخدود، ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ فأنزل الله عزَّ وجلَّ هذه السورة وذكر أصحاب الأخدود، وهذه السورة نزلت في مكة حيث كانت المعركة قائمةً بين الكفر والإيمان، بين وحدانية الله عزَّ وجلَّ والمشركين، وكانوا يُعذِّبون المسلمين بشتى أنواع العذاب.

تعذيب الكفرة للمؤمنين:
فمنهم مَنْ كانوا يُعذِّبونه بالنَّار، الصحابي خباب بن الأرت رضي الله عنه كشف مرةً عن ظهره بعد وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإذا ظهره فيه قطع بيضاء مثل البرص، قال: هذا ما كانت تُعذِّبنا به قريش، يجعلون النَّار على ظهورنا، فلا يُطفئ النَّار إلا شحوم أبداننا! هكذا تحمَّلوا عبء الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ ونشر رسالة الإسلام، وكان بلال رضي الله عنه يُلقَى تحت حرارة شمس مكة، وقد تصل الحرارة في الشَّمس إلى أكثر مِنْ خمسين درجة، ويضعون الصخرة على صدره ليكفر بوحدانية الله عزَّ وجلَّ ويجعل آلهته أحجارًا وأصنامًا، فيقول: "أحدٌ أحدٌ فردٌ صَمد!". ومنهم مَنْ كان يُحمَّى له قطع الحديد حتَّى تصير حمراء مثل النار، ويُكوى بها ليرتدَّ عن إسلامه، فكان إيمانه أقوى مِنْ كلِّ هذا التعذيب، وبهذه المناسبة أنزل الله عزَّ وجلَّ سورة البروج عزاءً للمسلمين وتقويةً لعزائمهم ولصبرهم وصمودهم.
وذَكَر الله عزَّ وجلَّ أن العاقبة للمتقين، وقرؤوا السورة قراءة الفهم والعِلم، وقراءة الامتثال والطاعة، يعني: اصبروا واصمدوا ولو حُرِّقتم بالنَّار كما حَرَّق أصحاب الأخدود المؤمنين، وسميّة رضي الله عنها صحابية كانت جاريةً عند أبي جهل، فظلَّ يعذِّبها حتَّى ضربها بحربةٍ فقتلها شهيدةً في سبيل صمودها على إيمانها، وصبرها على ما أرادوه مِنْ فتنتها عن الإسلام، فالإسلام ما وصل إلينا بالهين أو بالشيء الرخيص، بل بُذِلت الأرواح، وسالت الدماء أنهارًا، ومضى الشهداء بالملايين والملايين وعبر مئات ومئات السنين، ووُلِدنا وفتحنا أعيننا على المنارات الشاهقة، والمساجد المفروشة، والعلماء الذين يُعلِّمون النَّاس دينهم وإيمانهم.

سورة البروج مدرسة لكل مسلم ومسلمة:
ولكن أبقى الله عزَّ وجلَّ سورة البروج حتَّى تكون مدرسةً لكلِّ مسلمٍ ومسلمة إذا أصابهم شيء من الأذى أو العدوان مِنْ أجل دينهم أن يقرؤوا سورة البروج ليعرفوا قوة الإيمان الحقيقي، وصموده أمام كل التهديدات والتعذيب والمشقَّات، صودِرت أموالهم، وهُجِّروا من ديارهم، وفَرَّقوا بين الزوج والزوجة، وفي النهاية: إذا صمَد الحق وثبَتَ فإن النصر له، ولكنْ يُعينه على الصمود وعلى اكتساب المعركة أن يكون حسب التخطيط الإلهي، حسب التخطيط القرآني.
فمَع كلِّ ما كان يُعذَّب أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رضي الله عنهم؛ كان شبابهم تشتعل فيهم نيران الحماسة ويستأذنون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالقتال، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُجاوب عمر فيقول: (يا عمر، أنتم قليل). لا يُقرِّ الإسلام إقامة المعارك غير الرابحة، وهذا من فقه الحكمة، المشايخ يُعلِّمون النَّاس – وجزاهم الله خيرًا – فقه الوضوء، مع أن النَّاس يتعلَّمون الوضوء مِنْ بعضهم البعض، لم يكن هناك في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم درسٌ في الجامع لتعليم النَّاس الوضوء أو أركان الصَّلاة، بل يتوضؤون أمامهم فيتوضؤون ويصلون أمامهم فيصلون، هكذا كان التعليم في زمن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالعمل والمشاهدة، بالإضافة إلى ما كانوا يشهدون مِنْ أعمال الإيمان، ومِنْ رؤية ومحبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما يملأ قلوبهم نورًا وعقولهم حكمةً، فكان الإسلام لا يمشي خطوة إلا إلى نصرٍ، ومِنْ نصرٍ إلى نصر.

الدعوة إلى الإسلام مهما كثرت الحواجز:
فسورة البروج لو قرأها قارئ شجيُّ الصوت حسَنَ التجويد، واستمعها النَّاس لما كان مِنْ نتاج الاستماع إلا آه وأوه! وسَلِمَ فمك يا شيخي! وزِدْ زِد! ماذا فهمتَ مِنْ سورة البروج؟ هل فهمت إقامة الإسلام؟ الدعوة إلى الإسلام؟ أنه مهما أُقِيم أمامك مِنْ حواجز وموانع ومشقَّات وتهديدات وما يُوقِف سيرك أو يُثبِط تحقيق هدفك؛ فإذا كنت قارئًا للقرآن فقيهًا به مِنْ حيث الصمود حتَّى لقاء الله عزَّ وجلَّ، لكنْ لا يصحُّ أن تدخل معركةً تكون مُنهزمًا فيها:

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
[سورة البقرة]

وبالجملة: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ الحربُ خُدعة (1) }

[صحيح البخاري]

هل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مخادع؟ لكن في الحرب: (الحربُ خُدعة). كان إذا أراد سفرًا لمعركة في جهة الشمال يُعسكر بجيشه في جهة الجنوب حتَّى يُضلِّل جواسيس العدو فلا يعرف العدو أين يتجه جيش القرآن والإيمان، ولما هاجر اختبأ في غار ثور، هل كان ذلك جبنًا أو حرصًا على الحياة أو فرارًا مِنَ الموت؟ لا، ولكن للدخول في معركةٍ ناجحةٍ منتصرة، وليكون إسلامٌ له الوجود، والوجود الخالِد للأبد.
لو تحدَّاهم ووقف أمام الغار وقال لهم: أتحدَّاكم أيها الكفرة، إما الموت وإما النصر، والنصر غير ممكن، الله عزَّ وجلَّ قال:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (65)
[سورة الأنفال]

فكلَّف المسلم أن يُقاتل عشرة كفار، لكنه لم يكلِّفه أن يقاتل مئة! إذا تبرَّع أو تطوَّع فهذا له حسابٌ آخر، فبفقه الحكمة، وبفقه ثقافة القرآن، القرآن مدرسةٌ يا بنيَّ، القرآن ليس موسيقى فقط، ليس أنغامًا أو جلسة طرب، بل جلسة عِلمٍ للعمل، لتُحوِّل القرآن مِنْ قرآن الكلمة إلى قرآن العمل، مِنْ قرآن مسموع يُعمَل به باللسان إلى قرآن يُسجِّل أمجادًا، يُسجِّل تقدُّمًا وعظَمة، يُسجِّل أمّةً عالميةً ودولةً عالميةً ودينًا عالميًّا، رحمةً للعرب أو للمسلمين؟

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)
[سورة الأنبياء]

تقرؤه في صلاتك للتعلُّم والعمل، تسمعه مِنْ قارئه للفهم والتطبيق، وإذا علِمته وفقِهته يجب عليك أن تُعلِّمه للآخرين: بالقول، وبالعمل، وبالصدق، وبالإخلاص؛ فعند ذلك تكون آمنت بالقرآن العظيم.

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)
[سورة البقرة]

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) فقال الله عزَّ وجلَّ عنهم: (وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) أيُّهما الأصح: قولهم أم قول الله عزَّ وجلَّ؟

عدم التراجع عن الحق:
فكذلك سورة البروج، سورة الصمود، سورة الصبر، سورة عدم التراجع عن الحق، ولكن في ظل الحكمة وفقهها، وفعل ما ينبغي – أداء الواجب – في الوقت الذي ينبغي، على الشكل الذي ينبغي، لو أنني أملك ما يملكه هؤلاء الإسلاميون.. أكبر الأخطاء هو العمل ضد الحكومات الوطنية، هذا أكبر غلط، ليست الحكومة الوطنية في البلد العربي والمسلم عدوةً للإسلام وللشعب، أمامنا العدو الأكبر: الصهيونية والصليبية العالمية، وأمامنا ما هو أكبر وأخطر؛ تخلُّفنا وتأخرنا العِلمي والتقني والأخلاقي، وتمزُّقنا وتفرُّقنا إلى دولٍ وإلى شعوب، بينما الإسلام:

إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
[سورة الأنبياء]

يجب ألَّا نفكِّر إلا في العدو الحقيقي الذي هو الاستعمار الذي زرعته الصليبية العالمية.
صليبيةُ صلاح الدين رحمة الله عليه كانت معركتها في بلاد الشام، أما صليبية عصرنا فهي على كلِّ العالَم الإسلامي لتنتزع مِنَ المسلمين فهم الإسلام، وروح الإسلام، وأخلاق الإسلام، حتَّى يصبح الإنسان لا يعرف إلا جسده، طعامه وشرابه ودفأه ومسكنه، وزوجته وأولاده وتأمين طعامهم وشرابهم، وما يحفظ الجسد، وإلى هنا وفقط، فإذًا:

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)
[سورة الأعراف]


المعركة مع الباطل:
فما لم يتفقَّه المسلمون بإسلامهم ويتعلَّموا قرآنهم، لا يتعلَّمون القلقلة، نحن مُقلقَلون مِنْ إندونيسيا إلى مراكش، أقدامنا إلى الأعلى ورؤوسنا إلى الأسفل، أفرادًا وأُسَرًا وجماعاتٍ وشعوبًا، لا ندري ما هو الاستقرار، كيف تستقر عجلة القطار على سكته حتَّى يمشي بالسرعة المطلوبة، فإذا كانت عجلته مقلقَلةً تذهب ذات اليمين وذات الشمال، إذا كان المسلمون مقلقَلين عن فهم إسلامهم، وفهم واجباتهم، وثقافةِ عقولهم وقلوبهم وأخلاقهم فما فائدة القلقلة؟ إذا لم نعرف مِنَ القرآن إلا أحكام التجويد والتنغيم لكلماته وآياته فلا فائدة.
ما نَزَل القرآن لأجل هذه الأمور، قال الله عزَّ وجلَّ:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

تقف عند الآية وتُفكّر: ماذا أراد الله عزَّ وجلَّ بهذه الآية؟ ماذا أراد الله عزَّ وجلَّ بسورة البروج؟ البروج الكواكب، خالقها، خالِق السماوات وكذا وكذا.. لماذا؟ قال: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ يعني أن أمامكم معركة، ويمكن أن تصل إلى تحريقكم بكلِّ أنواع النيران كما يُحرِّق الآن الصليبيون المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي الصومال، وفي أفغانستان.

المخطط الغربي للعالم الإسلامي:
أخبرني أحد سفراء العرب المسلمين وهو دمشقي، أول سنةٍ مِنْ حرب لبنان – يعني قبل سبع عشرة سنة - كان سفيرًا في سويسرا لدولة عربية، قال لي: حسب ما اطلعتُ عليه في السفارة هناك أن المخطط الغربي للعالم الإسلامي أن يجعلوه أرضًا محروقةً كما تجري الحرب في لبنان! كان ذلك في بداية حرب لبنان، والآن ماذا نرى في الصومال؟ ماذا نرى في البوسنة؟ ماذا رأينا في العراق؟ العراق وإيران، العراق والكويت، في الجزائر، الاغتيالات في مصر، المسلم يقتل الشرطي، يقتل سائحًا، السائح الأجنبي شرعًا له ما لنا وعليه ما علينا، يقتل غير المسلم والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ مَنْ آذَى ذمِّيًّا فأنا خَصمُه، ومَنْ كنتُ خَصمَه خصمْتُه يومَ القيامةِ (2) }

[تاريخ بغداد]

فالشاهد: نحن في معركةٍ صليبيةٍ رأس رمحها الصهيونية العالمية.
ولعلَّ المسلمين في ذلك الوقت لما نزلت سورة البروج كانوا لا يتجاوزون المئات، كانوا البذرة الصغيرة تُربَّى في حوض وتربة القرآن لتصير الدوحة العظيمة التي تظلِّل العالَم وشعوبه بالعِلم والحكمة وتزكية النفوس، والإنسانية الكاملة، ووحدة العالَم، الآن العرب كلُّهم يدعون إلى الوحدة منذ خمسين سنة، فأين هذه الوحدة؟ ما هي إلا إما حبرٌ على ورق، أو كلامٌ على اللسان والشفتين، ولا نرى لها واقعًا عمليًّا، أما بثقافة الإسلام، وبفضل المعلِّم المربي الحكيم المزكِّي، وكان تلامذته مِنْ نجباء التلامذة، كانوا يطلبون الدرس فهمًا صحيحًا، فلما نزلت سورة البروج فيا تُرى هل فهموها؟ هل تحمَّلوا كلَّ بلاءٍ وكلَّ عناءٍ وكلَّ تحريق؟ التعذيب والقتل ونهب الأموال والتهجير، فكانت سورة البروج تُقرَأ في أعمالهم، لا تُكتَب في أوراق، ولا تُسمَع أنغامًا وموسيقى كالآلات الموسيقية، كانت تُسمَع كما الطعام في المعدة بعد الهضم يتمثَّل دمًا وطاقةً، ثم أعمالًا نافعةً ومفيدة، هكذا كانوا يقرؤون القرآن!

حاجة المسلمين اليوم:
فما أحوَجنا إلى مُعلِّم القرآن الذي يُعلِّم القرآن كما علَّم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المسلمين القرآن، ولم تمضِ عشرون سنة مِنْ أمةٍ عقولها تعبد الأحجار والأوثان، غارقين في بحار الخرافات والأباطيل، كان الوحش يفهم أكثر منهم، أحد الصحابة مِنَ الشباب أسلَم، كان يدعو والده إلى الإسلام فيأبى ويقول: ماذا أفعل بصنمي؟ فأتى صباح ذات يومٍ فرأى صنمه وقد وقف على رأس الصنم ثعلب وقد رفع رجله وهو يبول على رأس صنمه الذي يعبده، يعني الحيوان يقول له: أيُّنا الحيوان أنا أو أنت؟ أنا أبول على الصنم، وأنت إنسانٌ تجعله إلهك؟ فأيُّهما الحيوان؟ هكذا كان الإنسان بهذا الانحطاط.
فأتى الإسلام برسالته وأهدافه الممثَّلة في حوارٍ جرى في القادسية، معركة القادسية التي هي أخت معركة اليرموك، فاليرموك حطَّمت دولة الرومان، والقادسية حطَّمت دولة الفرس عبدة النيران، فقبل الالتحام في معركة القادسية جرى حوارٌ بين قائد الفرس رستم وبين المغيرة بن شعبة، قال له رستم: لماذا أتيتم؟ استقروا في بلادكم ونعطيكم كذا مِنَ الأموال وكذا مِنَ الثياب وكذا مِنَ الأغذية، فأجابه: نحن ابتعثنا الله عزَّ وجلَّ مِنْ عنده لنُخرج النَّاس مِنْ عبادة العباد إلى عبادة الله عزَّ وجلَّ، ومِنْ ضيق الدنيا إلى سَعتها، ومِنْ جَور الأديان إلى عدالة الإسلام، وأعلمَنا أن النَّاس بنو آدم فهم إخوةٌ لأب وأم، أن النَّاس وليس المسلمين.
يا ألله! أبناء الصحراء يقومون بمنهاجٍ إنسانيٍّ علميٍّ تربويٍّ عالميٍّ يقودون به العالَم، ولا يدخلون معركةً إلا وترتفع رايتهم إلى السَّماء بفهمهم لكتاب الله عزَّ وجلَّ وللقرآن، وإيمانهم الحقيقي الذي كان كالمعدة التي تحوِّل الطعام إلى دمٍ وطاقة، وكانت قلوبهم تحوِّل الكلمات إلى أعمال، أيّ أعمال؟ ما سجَّل التاريخ أعمالًا أمجد ولا أعظَم ولا أقدَس مِنْ أعمالهم التي هضَمتها عقولهم وقلوبهم، وتمثَّلت في توحيد عشرات الشعوب على اختلاف ألوانها وعقائدها وقومياتها في ظلال:

{ والنَّاسُ بنو آدمَ، وخلقَ اللَّهُ آدمَ من الترابِ (3) }

[صحيح الترمذي]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[سورة الحجرات]


التقدم والسيادة بالعلم:
فأنتجوا ما تُفيده قصةٌ وقعت بين عبد الملك بن مروان والتابعي المشهور الإمام الزُّهري، فدخل هذا الإمام الكبير الزُّهري – مِنْ كبار علماء السلف الصالح – على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: مِنْ أين أقبلت يا زُهري؟ قال: مِنْ مكة، فقال له: فمَنْ تركت يسود أهل مكة؟ مَنْ سيّدها وأكبر شخصيةٍ فيها في العظَمة والكرامة والرِّفعة؟ قال: عطاء بن رباح، قال: فمِنَ العرب هو أم مِنَ الموالي؟ المولى قد يُطلَق على العبد إذا أعتقه سيِّده، انظر كيف كرَّم الإسلام العبيد، سماهم موالي ولم يُسمِّهم عبيدًا، وسمَّى الخدم موالي. قال: فمَنْ تركت يسود مكة؟ قال: عطاء بن رباح، قال: فمِنَ العرب هو أم مِنَ الموالي؟ قال: لا بل هو مِنَ الموالي، العبد المعتَق أو الخادم يصبح سيِّد مكة! ينقله مِنَ العبودية والخَدَمية إلى أن يكون سيِّد عاصمة المسلمين، انظر إلى سماحة الإسلام والمساواة بين المسلمين، قال: بمَ سادهم؟ بسخائه أو بعطائه أو بنَسَبه وحسَبِه، بمَ سادهم؟ قال: بالديانة والرواية، بتقواه وعِلمه، يعني بالعِلم وبالعمل، السيادة في الإسلام ليست بالأحساب ولا بالأنساب، ولا بالشكل ولا بالطول ولا بالعرض، قال: بالديانة، الأخلاق والإيمان والمعاملة الصالحة، والرواية، الفهم والعِلم والعقل والحكمة، فقال عبد الملك: إن أهل الديانة والرواية ينبغي لهم أن يسودوا! ليس هناك تعصُّبٌ عرقيٌّ أو نَسَبيٌّ أو حَسَبي، التعصُّب للتقدم، وللعِلم، وللكفاءة، بمَ سادهم؟ قال: بالديانة والرواية، قال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي لهم أن يسودوا، قال له: وفي اليمن؟ مَنْ تركت في اليمن يسود أهلها؟ قال له: طاووس بن كيسان، قال له: مِنَ العرب أم مِنَ الموالي؟ قال: مِنَ الموالي، قال: بمَ سادهم؟ قال: بالديانة والرواية، قال: ينبغي لأهل الديانة والرواية أن يسودوا، يعني عِلمٌ وعملٌ وأخلاقٌ وإنتاجٌ وتعليمٌ وتثقيف، قال له: وفي مصر؟ مَنْ تركت يسود أهلَ مصر؟ قال له كذلك: فلان، قال: مِنَ العرب أم مِنَ الموالي؟ من الموالي، بمَ سادهم؟ بالديانة والرواية، قال له: ينبغي لأهل الديانة والرواية أن يسودوا، وفي البصرة؟ وفي بغداد؟ وفي كذا.. وإذ كلُّهم مِنَ الموالي ومِنْ غير العرب، فقال له: ويلك يا زُهري! وفي الكوفة؟ قال: إبراهيم النخعي، قال: أمِنَ العرب أم مِنَ الموالي؟ قال: مِنَ العرب! والله أعلم بالزُّهري أقالها حقيقة أم ليسكِّن مِنَ البركان الذي ثار في عبد الملك بن مروان، قال: مِنَ العرب، قال له: ويحك! لقد فرَّجتَ عني، ثم قال عبد الملك: واللهِ ليسودنَّ الموالي على الأكابر - على العرب - حتَّى يُخطَب لها على المنابر وإنَّ العرب تحتها.
هذا كلُّه فهموه مِنَ القرآن، مِنَ الإسلام، لا تقدُّم بالجهل إنما التقدم بالعِلم، والعِلم الذي يُثمِر العمل، العِلم الذي يُنبِت مكارم الأخلاق، العِلم ليس عِلم اللسان بل عِلم اللسان وعِلم القلب، وعِلم العقل بالحكمة، ولذلك لنصير مسلمين يجب أن نؤمن بالقرآن، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ ما آمَن بالقرآنِ من استحلَّ محارِمَه (4) }

[ورد في الأثر]

أو ترَكَ واجباته وفرائضه، فهل نحن يا تُرى نقرأ سورة البروج لنفهمها؟ لنفهم الغاية التربوية منها وبناء شخصية قارئها ومستمِعها، مِنْ رجلٍ أو امرأة، أو صغيرٍ أو كبير؟ لنستمعْ إلى تلامذة القرآن مِنَ المسلمين الذين نتغنَّى بأعمالهم فنقول:
فمِـنّا الوليـدُ ومِـنّا الرّشـيدْ فلـمْ لا نَسُـودُ ولِمْ لا نشـيد؟
{ النشيد الوطني السوري }
وعبد الملك يقول: والله ليسودنَّ الموالي على الأكابر حتَّى يُخطَب لها على المنابر وإنَّ العرب تحتها.

قصة في الجهاد والبطولة:
يذكر المؤرخون أنه أثناء الحروب الصليبية كان أمير جيش المجاهدين معروفًا بأبي قدامة، فبعد ما صلَّى العشاء يطرُق بابَه طارقٌ، فيفتح فتُقابله امرأة، وهو غريبٌ عن دمشق، ليس مِنْ أهلها وليس له فيها أهلٌ ولا معارف، وامرأة وبعد العشاء! هذا موضع شُبهة وريبة، فقال لها: ما لكِ يا أمَة الله؟ قالت له: سمعت خطبتك البارحة تُحرِّض على الجهاد في سبيل الله، انظروا يا بنيَّ للمرأة في ظل الثقافة الإسلامية، ماذا خرَّجت مدرسة القرآن والإسلام المرأة، قالت: سمعتك تدعو إلى الجهاد وأنا لا أستطيع أن أجاهد بنفسي، وكذلك ليس عندي مالٌ أبذله في سبيل الله عزَّ وجلَّ إلا شعر رأسي! فجززته – يعني حلَقْتُه على الناعم – وضفَرته فجعلته لِجامًا أقدِّمه إليك لتعطيه لمجاهدٍ لفرسه لعل الله عزَّ وجلَّ إذا نظر إلى المجاهدين ينظر إلى شعري في لجام فرس مجاهدٍ فيغفر لي، قال: فدُهِشت من فقه هذه المرأة، إذًا كانت القصة نظيفة ليس فيها ريبة، السَّلام عليكم وعليكم السَّلام وانتهى كلُّ شيء.
قال: وفي صباح اليوم التالي وأنا أصفُّ الصفوف للهجوم على الصليبيين، وإذا إلى جانب فرسي غلامٌ لا يتجاوز الاثنتي عشرة سنةً مِنْ عمره، فقال له: يا غلام، الآن تطؤك الخيل فتقتلك، ارجِع، قال: فنظر إلي باهتًا وقال: كيف صرتَ قائدًا للجيش وأنت جاهلٌ بالقرآن؟ تقول لي هذا الكلام كلام الجاهلين! قائد الجيش، اللواء، العماد، المشير وما إلى ذلك.. في ذلك الوقت لم يكونوا يقولون إلا أمير، قال: أنا جاهل؟ قال: نعم! أما سمعتَ الله عزَّ وجلَّ يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)
[سورة الأنفال]

الآن سيزحفون علينا وأنت تقول لي ارجع وأعطِهم ظهرك؟ أنت فقيه؟ أنت أمير؟ قال: فدُهِشت مِنْ إيمانه، ودُهِشت مِنْ عِلمه وفقهه وثقافته، هذا في الابتدائية، هذه ابتدائيتهم!
قال له: ولكن يا غلام لا أرى معك عُدَّة الحرب، فقال له: ليس معي إلا قوسي ولا نَبْلَ معي، فأعطني سهمًا لأريكَ، قال: فأعطيته سهمًا لأرى إذا كان يصيب الهدف وهو في هذه السن، فصوَّبه نحو الرومان فأصاب رومانيًّا في جبينه فسقط صريعًا! قال له: أعطني سهمًا ثانيًا يا عم، قال: فأعطيته سهمًا ثانيًا فقتل به رومانيًّا، قال: حتَّى قتل خمسةً مِنَ الرومان، هذا طالب الابتدائية! فيجب أن يكون طلاب الإعدادية والثانوية والجامعة والماجستير والدكتوراه أعظَم بكثير، تلك ابتدائيتهم.
فالخلاصة: قال: وبينما هو كذلك إذ أتاه سهمٌ مِنْ قِبَل الصليبيين في جبينه فوقع شهيدًا! قال: ففي المساء أمَر بدفنه، ومرَّ على قبره في الصباح فوجَد الأرض قد لفظته، يعني وجدوا جثته خارجةً على وجه الأرض بعد أن دفنوها! قال: فأرجعوها، ووجدوها في اليوم التالي أيضًا قد خرجت على وجه الأرض! ثلاثة أيام والأرض تلفظه لا تقْبله في بطنها وجوفها، وكان عندما أصيب قد قال له: يا عماه، هذا متاعي وأغراضي وعنواني كذا. تعطيها لأمي وتُبلِّغها أن الله عزَّ وجلَّ أعطاني سؤلي ورزقني الشهادة!
فلما انتهت المعركة سأل حتَّى وصل إلى البيت، طرَقَ الباب ومعه متاع الطفل، فتحت البابَ بنتٌ صغيرة، فلما رأت المتاع صاحت: يا أمّاه أبشري! لقد حقق الله عزَّ وجلَّ أمنيتك واستُشهِد أخي! وهذا متاعه تعالي فخذيه، قالت: اصبري حتَّى أسجد لله سجدة الشكر! الآن تأتي المرأة مِنْ مؤتمر الصين للمرأة بهذه الثقافة! أليس كذلك؟ فسجدت سجدة الشكر وأتت، فسألت أبا قدامة وقالت: أنشُدك بالله! هل شهدتَ قبر ولدي ومدفنه بعد موته؟ قال: نعم، قالت: هل قبِلته الأرض أم لفَظته؟ قال: فدُهِشت وقلت: لا، بل لفَظته، فقالت: مهلًا حتَّى أسجد سجدة الشكر! فسجدت مرةً أخرى، خيرًا إن شاء الله؟
قالت: كان ولدي يقوم إلى صلاة التهجد، ويبكي في سجوده ويتضرَّع ويقول: اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك، ولا تحشرني يوم القيامة إلى لقائك إلا مِنْ بطون السباع وحواصل الطير! يعني ألا يأكلني الدود، بل تأكلني الوحوش والطيور، وتحشرني مِنْ حواصلها وبطونها، فهذا خريج مدرسة القرآن وبالدراسة الابتدائية، فكيف كان خريجو الإعدادية يا تُرى؟ والثانوية؟ أتت أوروبا كلُّها في الحروب الصليبية، وبلاد الشام وحدها ألقت أوروبا كلَّها في البحر، ومَنْ بقيَ كان بين قتيلٍ وأسير، وفي حطين هَزم جيشنا في بلاد الشام أوروبا ومرَّغ كرامتها في الوحول! بالثقافة الحقيقية للقرآن.

خرّيج مدرسة سورة البروج:
خريج مدرسة سورة البروج يخرج الإنسانَ الفولاذي عِلمًا وفهمًا وقوةً وصمودًا، فالمسلمون كانوا أرقى مِنَ المؤمنين الذين حُرِّقوا في سورة البروج، قرؤوها وصبروا على التحريق بالنَّار، لكن لا على مستوى أن تُحرَّق كل الأمة بالنَّار بل شخصان أو ثلاثة، ولكن ماذا فعلوا؟ حرَّقوا أعداءهم وهزموهم وجعلوهم يُولُّون الأدبار، حتَّى وصلت جيوش المسلمين إلى قلب فرنسا ضمن مئة سنةٍ مِنَ هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، في معركة بواتييه هُزِم المسلمون لأنهم خالفوا القرآن ولم يفقهوا سيرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وسنته في الحرب، لما انتصر جيش المسلمين في بواتييه في فرنسا أخذوا يجمعون الغنائم، فقال لهم قائد الجيش: أكملوا المعركة أولًا ثم تجمعون الغنائم، فغَلب عليهم حب الدنيا، فلما رأى الفرنسيون أن المسلمين تركوا الهجوم واشتغلوا بجمع الغنائم التفُّوا حولهم، وتكررت كارثة أُحُد التي سجَّلها الله عزَّ وجلَّ في القرآن في سورة آل عمران درسًا واقعيًّا لكلِّ مجاهدٍ حتَّى تكون أُحُدٌ واحدةً لا تتكرر كارثتها عبر العصور.
مع كلِّ هذا يقول أحد كبار الفرنسيين: إن أشأم يومٍ في تاريخ فرنسا هو يوم معركة بواتييه، بواتييه هو اسم مكان المعركة، مع أن الجيش الفرنسي انتصر يقول إن هذا أشأم يومٍ يمرُّ على فرنسا! غريب، لماذا؟ قال: لأنه بانهزام العرب تراجع العِلم والحضارة العربية والتقدم والتي سيطرت على الغرب إلى القرن الرابع عشر، يعني كان الغرب متقدمًا ويتعلَّم إلى أن هُزِم المسلمون، وكانوا هم المعلمين والأساتذة لأوروبا فتأخرت أوروبا عِلمًا وحضارةً، ثم قبل خمسمئة سنة استيقظت وكان الذي نشاهده الآن.

الطهارة قبل قراءة القرآن:
فما لم نرجع إلى مدرسة القرآن، أولًا قال الله عزَّ وجلَّ:

لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
[سورة الواقعة]

هذه سورة الواقعة، وهي مكية، هل كان يوجد مصحفٌ في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟ متى كُتِب المصحف؟ في زمن عثمان رضي الله عنه، أمّا في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فكان أحدهم يكتب آيتين أو ثلاثًا على حجر، وآخر يكتب على جريدٍ أي على ورق النخل، وغيره على لوح كتف الخروف آيتين أو ثلاثًا أو أربعًا، وأكثرهم كانوا يكتبونه في قلوبهم حفظًا وعِلمًا وعملًا.
(لَا يَمَسُّهُ) ما دام أنه لا يوجد مصحفٌ فكيف سيمسُّه؟ ليس المقصودُ مسَّ قرآنٍ مكتوبٍ على ورق، لا، بل لا تمسُّ العقول حقيقة القرآن، ولا تمسُّ القلوب روح القرآن؛ إلا إذا تطهَّرت مِنَ الغفلة عن الله عزَّ وجلَّ، وتزكَّت بفضائل الأخلاق، بتربية المربِّين، وتزكية المزكِّين، وتثقيف الحكماء للنفوس، فعند ذلك تتطهَّر مِنَ النقائص والرذائل، ومِنَ التخلُّف والضعف، ومِنَ الأنانية والأهواء والمنافع الشخصية، فعند ذلك تستطيع أن تمسَّ القرآن، وتهضِمه العقول والقلوب، فينقلِبُ أعمالًا وأمجادًا وتقدُّمًا وقوةً لا تُقهَر، وقوةً لا تُهزَم:

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
[سورة الحج]

إذا سأل أحدكم: يا تُرى هل هذا ممكنٌ الآن يا شيخي؟ ولماذا لا يكون ممكنًا؟ الآن يمكن أكثر مِنْ زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن هناك ورقٌ ولا قلمٌ ولا مذياعٌ ولا طباعةٌ ومطبوعاتٌ ولا تلفاز.. وكانوا يدعون إلى الإسلام تحت التحريق بالنَّار، وتحت الصلب وتحت المذابح، ومع ذلك سطَّروا في التاريخ الإنساني وفي عمر الدنيا ما لم تُسطِّره أمَّةٌ مِنَ الأمم.

الأجود هو من علِم وعَلم
كيف بدؤوا؟ كما علَّم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حين قال:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم مِنْ بعدي رجلٌ علمَ عِلمًا فنشرَ عِلمَه يُبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ (5) }

[مسند أبي يعلى]

(وأجوَدُهم مِنْ بعدي رجلٌ) يعني إنسان، فليس المقصود الذكورة ونفي الأنوثة، لا، المقصود إنسان بعدي، (علمَ عِلمًا فنشرَ عِلمَه يُبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ) هذا في مقام أمَّة:

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
[سورة النحل]

القرآن يقول:

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
[سورة السجدة]

(أَئِمَّةً) يعني قدوةً يعلِّمون النَّاس بأعمالهم، والأخلاق بأخلاقهم، والتقوى بتقواهم، والهمَّة والعزيمة بهمَّتهم وعزيمتهم، والحكمة بحكمتهم، وماذا علَّمَنا الله عزَّ وجلَّ في القرآن؟ قال:

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
[سورة الفرقان]


الطلب يكون بالعمل وليس بالقول:
فيا تُرى إذا طلبنا الأشياء مِنَ الله عزَّ وجلَّ قولًا لا عملًا فهل يُعطينا بالأقوال؟ إذا ذهبتَ إلى سوق الحميدية وطلبت بدلةً وسألته عن ثمنها، فقال لك مثلًا خمسة آلاف أو عشرة آلاف، فقلت له: ها قد أعطيتك خمسة آلاف أو عشرة آلاف فأعطني البدلة! فينظر إليك ثم ينظر إلى شريكه أو أجيره نظرةً تعني أنك مجنون بلا عقل، وإذا أصرَّ على ذلك وأراد الهجوم يجلب له الشرطي، كذلك إذا أردنا: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) بالأقوال، نقرأ القرآن: (وَاجْ) الجيم مِنْ حروف قُطبُ جَدٍ، أليس كذلك؟ يعني هل العِلم والمشيخة إلى حد قُطبُ جَدٍ؟ قلقلِ القلوب، حوِّلها مِنَ الغفلة إلى الذكر، ومِنَ الجهل إلى العِلم، مِنَ الغفلة عن الله إلى تقوى الله عزَّ وجلَّ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)
[سورة آل عمران]

سُئِل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن حقيقة التقوى فقال:

{ أن يُطاع فلا يُعصَى، وأن يُذكَر فلا يُنسَى، وأن يُشكَر فلا يُكْفَر (6) }

[السنن الكبرى للنسائي]

فكيف يا بنيَّ تريد أن تصير نجارًا مِنْ غير معلم نجارة؟ هل يمكن؟ كيف تريد أن تصير طبيبًا مِنْ غير أساتذة كلية الطب؟ ليس بالمحاضرات فقط، بل بالمحاضرات والمشاهَدات، والعمليات لتصير جرَّاحًا، بالمحاضرات والقراءة فقط لا تصير جراحًا، عليك أن ترى إماماً في الجراحة يجرح أمامك فتقتدي به (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

المرء على دين خليله:

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
[سورة السجدة]

(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ) مِنَ الأمم السابقة (أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) و(لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا) لا يؤمنون فقط بل (يُوقِنُونَ)، أنتم الآن مؤمنون بوجودي أم موقنون؟ اليقين: مشاهدة، الإيمان: إذا أخبرك شخصٌ بأن الشَّيخ في الجامع وتعرف أن هذا الشخص صادق وصدَّقته فهذا إيمان، أما إذا رأيت الشَّيخ في الجامع فهذا صار يقينًا، (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) عليك أن تصبر على ذكر الله عزَّ وجلَّ، عليك أن تجد إمامًا يُقتدى به وتربط قلبك بمحبَّته:

{ المرءُ على دينِ خليلِه فلينظُرْ أحدُكم من يخالِلُ (7) }

[مسند أحمد]

إذا كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد قال:

{ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ (8) }

[سنن أبي داود]

فهل يعني ذلك أن العالِم سيرث قِدر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومكنسته ويأخذهما إلى بيته باعتباره وارثًا؟ عليه أن يرِث الحكمة والعِلم والتزكية، كما أنه يرِث حقوق النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على أمته، نائب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يرِث حقوقه على الأمَّة:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
[سورة الأعراف]

يا تُرى كيف تعظيمك وإجلالك واحترامك وحبُّك لوارِث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ لا يمكن أن تكون القضية مِنْ طرفٍ واحدٍ يا بنيَّ، بل يجب أن تكون مِنَ الطرفين:

وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
[سورة الذاريات]

فلو أننا تفقَّهنا في سورة البروج وحدها الفقه الحقيقي والعِلم الحقيقي لكفَتنا.

التفقه في القرآن الكريم:
أتى أعرابي إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله علِّمني وأوجِز، لا تُطل علي كثيرًا لأن عقلي صغيرٌ لا يتسع، فتلا عليه:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
[سورة الزلزلة]

يا ألله! ما هذا القرآن يا بنيَّ؟ قال: لو أنك عملت مِنَ الخير ولو ذرةً فسترى مكافأته عند الله عزَّ وجلَّ في الدنيا والآخرة:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة النحل]

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

يرى الجزاء والعقاب عليه، فقال الأعرابي: تكفيني تكفيني! فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ أفلحَ وأبيهِ إن صدقَ (9) }

[صحيح البخاري]

فسورة البروج، وسورة الانفطار، وسورة عمَّ:

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)
[سورة البقرة]

فالمهم: هل عندك قلبٌ يهضِم آيات القرآن ليُحوِّلها إلى أعمالٍ مشاهَدةٍ تُرى بالعيون والأبصار؟ هل عندك عقلٌ تفهَم به:

يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
[سورة يس]

حكمة القرآن؟ وحكمة الحياة، وتكون حكيمًا في بناء إيمانك وإيمان مَن حولَك، فكلُّ شيءٍ يبدأ صغيرًا وإذا أُعطِي حقَّ التربية يكبُر، البذرة إذا أُعطِيت حقَّها مِنَ التربة والسقاية والسماد؛ تكون شجرةً بإذن الله، لذلك يجب ألَّا نيأس يا بنيَّ.

العرب صاروا بالإسلام سادة الدنيا:
العرب قبل الإسلام لم يكونوا شيئًا مذكورًا؛ لا دولة، ولا حضارة، ولا عِلم، ولا ثقافة؛ وبالإسلام: صدَق الله العظيم:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

فالآن مع وجود الوسائل للتعليم والتبليغ لكن ينقُصنا الإيمان الحقيقي، التيار الكهربائي للثريا: لو كانت هذه الثريا مِنَ الألماس ولا توجد كهرباء فما فائدتها؟ السيارة الحديثة أيًّا كانت قوتها لكن ليس فيها وقود ولا مولد كهرباء؛ فالجحش أحسَن منها، والدراجة ولو كانت قديمةً أحسَن منها كذلك.
فكذلك يا بنيَّ علينا أن نقرأ القرآن للعِلم، اقرأ في اليوم آيةً واحدة، ولكن لا يمكن أن تقطِف ثمرة التلاوة إذا لم يكن لك قلبٌ ذاكر، ولا يصير لك قلبٌ إلا أن تأخذه مِنْ مكانه، من أين تشتري المحافير والجواريف؟ من سوق الحميدية مثلًا؟ تدخل مخزن ملابس وتطلب منه هذه الأشياء؟ سيقول عنك مجنون هارب من مستشفى المجانين! وإذا ذهبت إلى سوق الحدادين أو المزارعين وسألتهم عن بدلة إنكليزية فسيقولون عنك: حمار مسَخَه الله إنسانًا! فعلينا أن نطلب الأشياء بأسبابها والوسائل التي تُوصل إليها.
فعلِّم ما تعْلَمه، وهذا فرضٌ يا بنيَّ ليس لك فيه خيار، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، تعليم ما تعلَّمته، وتعلُّم ما تجهله؛ هذه أفرض الفروض في الإسلام، وإذا وفَّقك الله عزَّ وجلَّ إلى الإسلام والإيمان فلا تُحارب دولتك، أو تُحارب المواطن، أو الضيف الأجنبي الغريب، هذا أتى ضيفًا في حماية دولتك التي تُمثِّلك، فهناك يعتقد إما أنه توجد غباوة؛ أغبياءٌ قد يقودهم أغبياء أو يقودهم عملاء، فالغباء مرفوض، والعمالة مرفوضة.

الإسلام يوجب تجميع كل القوى:
فالإسلام يُوجب علينا تجميع كلَّ القوى: قوة الشعب، مع قوة الدولة، مع قوة الجيش، مع قوة العِلم، مع قوة المسجد والإيمان، قوةً واحدة لنُحرر فلسطين، ونُحرر أنفسنا بالجهاد الأكبر مِنَ الأنا والهوى وحبّ الذات، كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول حين يرجع مِنْ معركةٍ حربية:

{ رجَعنا من الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ (10) }

[الزهد الكبير للبيهقي]

وهناك جهادٌ ثالث، وهو الجهاد الكبير الذي أشار إليه القرآن في سورة الفرقان بقوله:

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
[سورة الفرقان]

ما المقصود بالكبير؟ يعني أن تبذل كلَّ طاقاتك في هذه المعركة، والأكبر: أيضًا إذا كان هناك شيءٌ ناقصٌ في الجهاد الكبير فعليك أن تُكمِله في الجهاد الأكبر.
جهاد العدو المتعدِّي سماه الجهاد الأصغر، فلا يمكن أن تنتصر في الجهاد الأصغر إذا لم تنتصر في الجهاد الكبير والأكبر، فالكبير: (وَجَاهِدْهُم بِهِ) بالقرآن، يعني انشر العِلم والتربية ومكارم الأخلاق وتزكية النفوس، قبل كلِّ شيء:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[سورة التحريم]

ابدأ بنفسك، ابدأ بأهلك، ابدأ بجيرانك:

وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
[سورة الشعراء]

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)
[سورة آل عمران]

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
[سورة البقرة]

صلَّينا، حسنًا فهل نأمر بالمعروف؟ (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) الذين يحملون هذه الصفات (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي أنَّ الذين لا يحملون هذه الصفات لا يُفلحون بل هم مخذولون وخائفون، وآمالهم لا تتحقق مهما كان لهم مِنَ الأماني:

لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
[سورة النساء]

(بِأَمَانِيِّكُمْ) الأمجاد.

وعيد للكافرين ووعد للمؤمنين:
فنرجع إلى سورة البروج: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ الذين يحرِّقونهم بالنَّار حتَّى يفتنوهم عن الله عزَّ وجلَّ، عن دين الله وشريعته ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ إذا لم يكفُّوا عن إيذاء المؤمنين ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ في الآخرة ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ فيُقال إن الملك ذو نواس - الذي كان ملك اليمن وحرَّق المؤمنين – حرَّقه الله عزَّ وجلَّ هو وأعوانه كما حرَّق المؤمنين.
ثم قال عن المؤمنين الصابرين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فالأعمال الصالحة في نفسك، في أهلك، في أداء فرائض الله عزَّ وجلَّ، في اجتناب محارم الله، في الدعوة إلى الله، في تعلُّم ما تجهل، في تعليم ما تعلَّمت، هذا عملُ الصالحات، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أين نزلت هذه السورة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟ في مكة، هل يوجد في مكة أنهار؟ هل يوجد نهر بردى؟ نهر يزيد؟ عين الفيجة؟ النيل؟ الفرات؟ دجلة؟
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات أعطاهم الله عزَّ وجلَّ الجنات والمزارع والبساتين وتجري مِنْ تحتها الأنهار، هذا في الدنيا، حتَّى وصلوا إلى فرنسا، حتَّى وصلوا إلى الصين، في خلافة عثمان رضي الله عنه وصل جيش المسلمين إلى الصين، وفي خلافة عثمان رضي الله عنه نزل الجيش الإسلامي في إسبانيا، لكن نزول استكشاف لا نزول استقرار، يعني بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعشرين سنة، ولم يكن هناك جامعات ولا كليات ولا شهادات وهم أمّيون لكن لم تكن عقولهم أمّية، كانت عقولهم مملوءةً بالحكمة، وقلوبهم مملوءةً مِنْ نور الله عزَّ وجلَّ، وأعمالهم في قمة الفضائل والكمالات وأداء الواجبات، ما عابهم أنهم لا يقرؤون في الأوراق ولا يكتبون عليها، لكن كتبوا في التاريخ، كتبوا في الحياة، كتبوا أعظَم الأمجاد وأعظَم الانتصارات، وصاروا أعظَم الأمم في التقدم، والعِلم، وفي كلِّ الفضائل.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فالمسلمون في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم آمنوا الإيمان الذي أراده الله عزَّ وجلَّ، نحن نؤمن لكن الإيمان الذي على هوانا لا الذي يريده الله عزَّ وجلَّ، إيماننا أهواءٌ وأمانيُّ يا بنيَّ، وهذا لا يكفي ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ في الدنيا قبل الآخرة ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ هذه المكافأة والثمرة ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ﴾ والربح والنَّصر ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ .

الله المنتقم الجبار:
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ بمَنْ يعتدي على المؤمنين، كالذين اعتدَوا على المؤمنين فحُرِّقوا في الأخاديد، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ الله عزَّ وجلَّ قادرٌ على أن ينتقم مِنَ المعتدين الظالمين الجائرين المجرمين، قال: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ الذي بدأ خلق الكون، وبدأ خلق الإنسان ألا يقدر على إعادته؟ الذي نصر أولئك وانتقم مِنَ الظالمين ألا يستطيع أن ينتقم مِنَ الظالمين في كلِّ وقت؟ لكن بشرط ألَّا يكون الظالم قد جعله الله عزَّ وجلَّ سوطه الذي يؤدِّب به عباده!

وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)
[سورة الأنعام]


يتوب الله على من تاب:
لذلك:﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ﴾ للمُقصِّرين إذا تابوا، يغفر لهم ما مضى إذا استأنفوا العمل وأصلحوا شروطه مِنَ الكسل إلى الجد، ومِنَ ترك الفرائض إلى أدائها، ومِنَ الجهل إلى العِلم، ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ﴾ و﴿الْوَدُودُ﴾ يتودد إليك فيُعطيك أكثر مما تستحق، ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ له العز والمجد ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ ومشيئته وإرادته قائمةٌ على الحكمة، على الأسباب والمسبَّبات، إذا أراد الله عزَّ وجلَّ أمرًا هيَّأ أسبابه، نقف هنا.
فيا تُرى هل أنتم مستعدون أن تعطونا شيئًا مِنْ ثمرة سورة البروج؟ الآن يا بنيَّ الأمَّة بخير، والعالَم كلُّه بخير، أنا ربما لا يمرُّ شهرٌ إلا ويأتيني عددٌ مِنْ كبار الأوروبيين والأمريكيين المسلمين يريدون أن يتفقَّهوا في دين الله عزَّ وجلَّ، لأن النصراني عندما يتقبَّل الإسلام لا يطلب منه الإسلام أن يترك المسيح عليه السَّلام، بل يقول له: أنت تاركٌ للمسيح عليه السَّلام فارجع إلى التمسك به، وإلى الاهتداء بهديه وبكلامه! وقُم بشِّر بالمسيح، لأن الإسلام يُبشِّر بالمسيح عليه السَّلام كما يُبشِّر بمُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، استعمل عقلك، لا تقبل ما لا يقبله العقل، اعتنِ بدنياك كما تعتني بدينك، وبجسدك كما تعتني بروحك، وبعقلك كما تعتني بقلبك.
فهذا الدين:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

وهل جُرِّب أم لم يُجرَّب؟ والتجربة ألم تكن ناجحة؟ قد بقي الصليبيون مستعمرين لبلادنا قرابة مئة سنة، ولما أتى الإسلام المجسَّد في نور الدين وفي صلاح الدين:
إذا جاء موسى وألقى العصا فقد بطَلَ السحرُ والساحرُ
{ عبد الباقي العمري }
فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُهيِّئ الأسباب، وأولها أن نتعلَّم، نتعلَّم للعمل، ونُعلِّم، وبالحكمة والموعظة الحسنة، ونُجمِّع القوى كلَّها، ونعمل كتلةً واحدةً شعبًا وحكومةً وجيشًا، وبقيادة الله عزَّ وجلَّ، بقيادة القرآن، بقيادة سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بحكمته، بالعِلم والحكمة والتزكية، وأنا متفائلٌ بأن الله عزَّ وجلَّ سيُحرر لكم فلسطين، بل سيجعل الدنيا كلَّها محررةً وأنتم المحرِّرون، فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسَنه.

مناسبة حرب تشرين:
وبمناسبة حرب تشرين وحرب التحرير: يذكر لي رئيس الجمهورية الأسبق أحمد الخطيب عليه رحمة الله، وغَفَر الله لنا وله، يبدو أن روحه اشتهت الرحمة! كنا في جلسةٍ فقال لي: نفَّذنا أربعمئة عملية تمويه قبل معركة تشرين، يعني تغطية مِنْ أجل ألَّا تكتشف الأقمار الصناعية والوسائل التجسسية الإسرائيلية تخطيط الهجوم، واقتحموا حتَّى وصلوا إلى بحيرة طبريا، يعني اجتازوا الحدود، ولكن باعتبار أن القضية ليست قضية إسرائيل فقط، إسرائيل أجيرةٌ للغرب وخنجرٌ لهم في خاصرة العرب والمسلمين، وبالطبع: إذا وقع الأجير جريحًا في المعركة فسيُنقِذه مُعلِّمه، فكلُّ الغرب بكلِّ ما يملك مِنْ إمداداته حصل الذي حصل.
لكن ثبَت أن الأمَّة إذا حزمت أمرها فالنصر لها، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُهيِّئ لنا الوسائل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة محمد]

ويجب أن نبدأ نحن كأفرادٍ وكشعبٍ – كلُ واحدٍ منا – بالجهاد الأهم الأعظَم الأكبَر، نجاهد الأنا، نقدِّم رضا الله عزَّ وجلَّ على رضا نفوسنا، وطاعة الله عزَّ وجلَّ على مصالحنا، واللهِ لا أحد يخسر مع الله عزَّ وجلَّ يا بنيَّ! إذا رمى شخصٌ كيس قمحٍ في أرض خصبة فهل نقول إنه خسر الكيس؟ ماذا يُعطيه التراب بدل الكيس؟ عشرين أو ثلاثين كيسًا، وإذا رميت بذارك في أرض الله عزَّ وجلَّ؟

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
[سورة ق]

(فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ) يعني يُعطيك بدل الكيس سبعمئة كيس، ثم قال: ليس فقط سبعمئة (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ).
فجِدُّوا واجتهدوا واصدقوا مع الله عزَّ وجلَّ: أولًا في بناء أنفسكم، الجهاد الأكبر، ثانيًا الجهاد الكبير، نُعلِّم الجاهل ونعِظُ التائه ونهدي الضال، وبالحكمة والموعظة الحسنة، كالطبيب مع المريض، مع الدولة، ما هو عمل الدولة؟ عملها الدفاع، وأن تبذُلَ الجهد في خدمة الشعب، أن نكون مع دولتنا، ومع قادتنا، ونعمل الخير ما استطعنا، وما لا نستطيع ندعو الله عزَّ وجلَّ أن يُحقِّق الخير، لأن الإنسان في بعض الأوقات لا يستطيع أن يتصرَّف مع نفسه أو مع ابنه، أو مع زوجته أو زوجها، إلى آخره..
افعلِ الخيرَ ما استطعتَ ولو كانَ قليلًا فلن تحيطَ بكلِّهْ ومتى تفعلُ الكثيرَ من الخيـــــرِ إذا كنتَ تاركًا لأقلِّهْ؟
{ منقول }

المعاهدة على التوبة الصادقة:
يا تُرى هل تعاهدونني على ذكر الله عزَّ وجلَّ؟ وعلى التوبة الصادقة أن نتوب مِنْ ذنوبنا؟ ونتضرَّع إلى الله عزَّ وجلَّ أن يُثبِّتنا بقوله الثابت، وتُعاهدونني أن نتهيَّأ لمعركةٍ وإن شاء الله بقيادة رئيسنا، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يمدَّ في عمره ويُؤيّده بروح من عنده، لأنه لم يبقَ في المعركة الآن إلا سوريا وبقيادة رئيسنا، وأمام الغرب وأمام الصهيونية العالمية، لكن ثقتي بفضل الله عزَّ وجلَّ وبما أعلمه مِنْ شخصية رئيسنا الظاهرة والباطنة مِنْ إيمانٍ وإخلاصٍ وصدقٍ وعقلٍ وحكمة؛ إن شاء الله سيجعل الله عزَّ وجلَّ النصر وتحقيق الآمال على يده، وعلى يد كلِّ العاملين معه.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:
(1) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، رقم: (3027)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخداع في الحرب، رقم: (1740).
(2) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، (12/367).
(3) صحيح الترمذي (3270).
(4) ورد في الأثر.
(5) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(6) السنن الكبرى للنسائي، كتاب المواعظ، باب /، رقم: (11847).
(7) مسند أحمد، رقم: (8417)، (4/ 142)، مسند الطيالسي، رقم: (2696)، (4/ 299).
(8) سنن أبي داود، أول كتاب العلم، باب الحثُّ على طلب العلم، رقم: (3641). والتِّرمذيُّ، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682). سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (223).
(9) صحيح البخاري، كتاب، باب الزكاة من الإسلام، رقم: (46)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، رقم: (11).
(10) الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (373)، (165) قال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف.