تفسير سورة البلد 01

  • 1995-12-29

تفسير سورة البلد 01

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلاة وأعطر التحيات والتكريم، على سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، اللَّهم لك الحمد على عظيم فضلك، وعظيم جودك، وأصلي وأسلم وأقدم أعطر التحيات وأحرَّ التسليمات على سيِّدنا مُحمَّد المبعوث رحمةً لكلِّ شعوب العالم، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم عليه السَّلام أبِ الأنبياء والأديان الثلاثة، وعلى سيِّدنا موسى وعلى سيِّدنا عيسى عليهما السَّلام وعلى جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السَّلام، وآلهم وأصحابهم ومُتَّبعيهم إلى يوم الدين؛ وبعد:


دلالة تأكيد القسم من الله:
فنحن في سورة البلد، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ هذه ﴿لَا﴾ ليست حرف نفي؛ ولكنَّ هذه تُقرَن مع اليمين والقسم، لتأكيد وتعميق القسم؛ يعني كأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول، أقسم لكم قسماً مؤكداً لا شكَّ فيه ولا ريب، ما الذي جعل الله عزَّ وجلَّ يُقسم لنا لنُصدِّق كلامه ونتقبل شريعته ووصاياه ونصائحه؟ يا تُرى هل إذا ذهب أحدنا إلى رئيس الجمهورية وطلب منه شيئاً فهل سيحلف له يمنيًا ليصدقه، أو إذا أمره بأمرٍ فقال له لن أُصدِّقك حتَّى تحلف لي اليمين فماذا سيكون مصيره؟ فربُّ العالمين برحمته وعطفه وحنانه على الإنسان ليُسعده ويجعله أسعد إنسان أتى على مرِّ العصور وطول العصور، هذا الإنسان الذي لُقِّبَ بالمسلم ومعنى المسلم: هو الإنسان الذي استجاب؛ لأنَّ الإسلام هو الاستجابة، والمسلم هو الذي استجاب لنداء الله عزَّ وجلَّ، وامتثل أوامر الله عزَّ وجلَّ، وترفَّع وابتعد عن محارم الله عزَّ وجلَّ، وتقبَّل وصاياه؛ فإنْ صارت فيه هذه المواصفات فيُعطى لقب مسلم، الإنسان الذي تخرَّج من البكالوريا وتخرَّج من كلية الطب يستحق لقب طبيب، وكذلك المتخرِّج من كلية الهندسة يستحق لقب مهندس.

استحقاق لقب المسلم:
والذي تخرج من مدرسة القرآن علماً وعملاً واستجابةً وتعليماً وإرشاداً للآخرين فهذا الذي يستحق أنْ يُعطى لقب مسلم ومسلمة، وإذا حمَل هذا اللقب مُفرَّغاً من معناه فهذا لقبه في القرآن منافق؛ لأنَّه يدَّعي الإسلام وهو خلوٌ وفي فراغٍ منه:

{ ثلاث من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا: من إذا حَدَّثَ كذب (1) }

[صحيح البخاري],

لأنَّ المسلم لا يكذب، قال تعالى:

إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)
[سورة النحل],

أين نحن مِنْ هذا الإسلام؟ فهل يمكن أنْ تأخذ لقب طبيبٍ وكل حياتك في سوق الخضار، تريد أنْ تصير طبيبًا من سوق الخضار أو من سوق الأحذية! تقضي ليلك ونهارك هناك، وبعد عشر سنوات تضع لافتةً: الطبيب الفلاني، نعم أنت طبيب؛ ولكنْ طبيب النعال والأحذية، تُصلح الحذاء إذا كان مريضاً وحدثت معه قرحةٌ في أسفله أو في جانبه، طبيب؛ لكنْ طبيب ماذا؟ طبيب الأحذية.

القسم من الله تقشعر له الأبدان:
فيُقسم الله عزَّ وجلَّ، يجب أنْ تقشعِرَّ منه أبداننا وتقف منه شعورنا، لا نقبل حتَّى يحلِفَ الله عزَّ وجلَّ لنا؟ فإذاً نحن لسنا مُصدِّقين بكلام الله عزَّ وجلَّ إلَّا إذا حلَف لنا اليمين، فيجب علينا أنْ نذوب خجلاً عندما نقرأ هذه الآية.
﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ أنت يا ربِّ تُقسِم لنا حتى نُصدِّقك؟ ولكنْ هذا من رحمته، كرحمة الأب لـمَّا يُقسِم لابنه عندما يذهب إلى المدرسة وإذا استقام، والله إذا التزمت بأخلاقك وتقواك سيكون مستقبلك مضموناً ومُكرَّماً وتعيش حياةً سعيدةً، فهذا قسم الرحمة والحب والعَطف والحنان.

الخشية من عظمة الله عزَّ وجلَّ:
فهل يستشعر قارئ القرآن يا تُرى هذه المعاني؟ فيذوب خجلاً أمام عَظَمة الله عزَّ وجلَّ، مَنْ نحن؟ أمام خالِق الشَّمس والقمر والأرض والكواكب والمجرات التي بعضها وبعض نجومها بيننا وبينها مِنَ المسافة ملايين السنين بسرعة الضوء، وأرضنا لا تبلغ ذرةً ولا حبة رملٍ مِنْ الصحراء الكبرى، فبعدد رمالها فإنَّ العوالم والشموس والأقمار التي في الفضاء هي أكثر من عدد الرمال، التي في الصحراء الكبرى، وإنْ كان كوكبنا الذي هو ذرةٌ فيه القارات الخمس والدول والعظام وإلى آخره.. فهل يا تُرى هذه العوالم مُفرَّغة ومعطَّلة لا استعمال لها وخُلِقَت عبثاً؟ يقول علماء الفضاء: مَنْ ظنَّ بأنَّ كوكب الأرض مسكونٌ وبقية هذه الكواكب في العالَم الفضائي لا سكن فيها، فمثاله كمثال مَنْ يقول: قطتنا تلِد دون كلِّ قطط العالَم، فهل هذا الكلام معقولٌ أو ممكن أنْ يُصدَّق؟ إلى آخره..

قدسية البلد الأمين:
﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ فلا تعتبر زائدةً في النحو، وهي ليست زائدةً هنا بل للتأكيد، ولتأكيد القسم؛ كأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول لنا: أقسِم لكم وأحلِف لكم وأؤكد يميني لكم لتصدِّقوني، فإنْ أتاك عاملٌ بسيطٌ وقال لك كلاماً، وقلت له: أنا أشكُّ بكلامك فربما يأخذ على خاطره، وإنْ كان عاملاً؛ فلربما يترك العمل ثأراً لكرامته، وحفظاً لمكانته وهو عاملٌ بسيط، فكيف أنت وربّ العالمين ، فكم يجب أنْ نخجل من الله عزَّ وجلَّ ونحن نقرأ: ﴿لَا أُقْسِمُ﴾ هل نحن لا نُصدِّقك يا ربي حتَّى نحوجك لأنْ تحلف لنا؟ قال تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ﴾ يعني: أقسِم قسماً مؤكدًا ﴿بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ وهي مكة التي جعلها الله عزَّ وجلَّ يميناً مُقدساً لأنَّها مسجد إبراهيم عليه السَّلام، وقُدِّسَت لا بأحجارها وبتربة أرضها ولكنْ صارت يميناً مُقدساً بقدسية بانيها إبراهيم عليه السَّلام، أبي الأنبياء والأديان الثلاثة، وأبي عيسى وأبي موسى، وأبي مُحمَّد عليهم السَّلام، فأقسم قسماً مؤكداً ببلد الأنبياء، وسُمّيت أم القرى يعني: أم المدن، وسُمِّيت بهذا الاسم وكانت قريةً مِنَ القرى المتواضعة، فكيف سماها الله عزَّ وجلَّ أم القرى؛ ولكنْ صدق الله العظيم فصارت أم العالم، يستقبلها النَّاس مِنَ القارات الخمس مِنَ إندونيسيا إلى أوروبا وإلى أمريكا في القطب الشمالي كلُّهم في صلاتهم:

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
[سورة البقرة],

يعني نحوَ أم القرى، نحو ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ فأي شرفٍ وأي قدسيةٍ رَفَع الله عزَّ وجلَّ بها العرب بالقرآن وبالإسلام، فعندما كانوا مستعمَرين في مدنهم وبلادهم الزراعية الغنية مِنَ الشرق الفرس، ومِنَ الغرب الرومان، وأبناء الصحراء لا خير عندهم؛ لذلك كانوا غير مُعتَنىً بهم وغير مُكتَرَثٍ بهم، فقراء وجهلاء وخرافيين ووثنيين، فكانوا مِنْ فقرهم يقتلون أولادهم، ومِنَ الجوع:

وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
[سورة الإسراء]

وكانوا مِنْ وحشيتهم يدفنون بناتهم تحت التراب وهنَّ أحياء، لا يفعلها ضبعٌ ولا ذئبٌ ولا نمرٌ ولا أسد، فأيُّ انحطاطٍ كانوا فيه، وأيُّ ارتقاءٍ بالقرآن وبمعلِّم القرآن حتَّى صاروا:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

بكتابٍ واحدٍ وبمعلِّم واحد، ولئن ذهب المعلِّم لم يتركنا بلا نوابٍ أو خلفاء فقال:

{ العلماءُ ورَثةُ الأنبياء (2) }

[سنن أبي داود]

والوارِث هو الذي يأخذ مِنْ تركة مورِّثه مِنْ كلِّ شيء، فيأخذ مِنَ البيت ومِنَ البستان ومِنَ السيارة ومِنْ كلِّ ما يملك؛ حتَّى مِنَ القلم وحتَّى مِنَ الورق، فالعالِم هو الذي يكون بعد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيرِث واجباته فيُعلِّم الكتاب، تعليمُ القرآن وتعليم الكتاب لا أنْ يُعلِّمهم النطق بحروفه أو الإجادة بنطقها وعلم التجويد، مُعلِّم الكتاب الذي يُعلِّم علوم القرآن وحقائقه وواجباته وهديَه؛ حتَّى يجعل مِنَ الإنسان مصحف العمل، ومصحف الأخلاق، ومصحف الحكمة، ومصحف الإنتاج؛ فمَنْ ينظر إليه ويصاحبه فكأنَّما دخل مدرسة القرآن، فما ترى إلَّا مدةً يسيرةً وخرج منها مثقفاً بثقافة القرآن لأنَّه قرأ قرآن المنظور، وقرآن العمل، وقرآن الإيمان، قرآن تقوى الله عزَّ وجلَّ.

حال المسلمين الأُول:
وهكذا كان المسلمون الأوَل؛ فمع أميتهم لا يقرأون ولا يكتبون وفي أقلَّ مِنْ مئة سنة.. يقول نابليون مندهشاً: كيف استطاع العرب بأقلَّ مِنْ مئة سنة أنْ يُوحدوا نصف العالَم القديم مِنْ حدود فرنسا إلى بكين وبالوسائل البدائية على حدِّ السيوف ورؤوس الرماح، هؤلاء كانوا مستجيبين وهؤلاء كانوا مسلمين، فكلمة مسلمين تحمل معناها، فهل يا تُرى نحن مسلمون؟ أي مستجيبون لنداء الله عزَّ وجلَّ، وممتثلين لأوامر الله عزَّ وجلَّ، وعاملين بوصايا الله عزَّ وجلَّ، وواقفين عند حدود الله عزَّ وجلَّ؛ فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟ تركوا أوطانهم نساءهم وتجاراتهم وجعلوا همَّهم في الدنيا همّاً واحداً: أنْ يُقيموا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ومِنْ أي بلد؟ مِنَ البلد التي حلَفَ الله عزَّ وجلَّ بها، فبلدٌ ينبُع فيها العِلم:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

بلدٌ ظهر فيها نبع العِلم:

{ طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ (3) }

[سنن ابن ماجه]

والعِلم هو كلُّ ما ينفعك في روحك وفي عقلك وفي بدنك وفي اقتصادك وفي صناعتك وفي قوتك، فالمسلم مسؤولٌ عن العالَم كلِّه إرثاً عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ كما أنَّ مهمة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إسعاد شعوب العالم:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)
[سورة الأنبياء]

فالمسلمون بعده وصفَهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله:

{ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كادُوا من صِدْقِهِم أن يكونوا أنبياءَ (4) }

[حلة الأولياء]

فصاروا وَرَثته وقاموا ليُعلِّموا الشعوب العِلم والحكمة ويُزكُّوا نفوسهم، وسَجَّلوا في صحف تاريخ الإنسان وتاريخ العالَم أعظَم وأقدَس ما سجَّله التاريخ للإنسان، ففتحوا فتوحاتهم؛ لا لينهبوا أموال الشعوب ولا ليُذِلُوا الشعوب الضعيفة ولا ليُمزِّقوها؛ كما في الحرب الأولى عندما اتفق الحلفاء مع الملك حسين؛ أنَّه إنْ حارب معهم سيعطون البلاد العربية الاستقلال وموحدةً تحت تاج الملك حسين؛ فلمَّا انتصروا وضعوه في سجن قبرص ومزقوا بلاد العرب شرَّ ممزَّق، فهذا جهادهم.

المساواة في الإسلام:
أمَّا الإسلام وجهاده فجعل مِنْ حدود فرنسا إلى بكين أمةً واحدةً ودولةً واحدةً:

{ لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى }

[شعب الإيمان للبيهقي]

ما شرَعَها قولاً فقط.
مرةً تخاصَم أبو ذر وبلال رضي الله عنهما، وكان أبو ذرٍّ حاد الطبع نزقاً، فشتم بلالاً بقوله:

{ لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ }

[صحيح البخاري]

(يا ابنَ السَّوْدَاءِ) فهو أسود وأمُّه سوداء، يُعيِّره بسواد أمه، فشكاه إلى رسول الله، فاستدعاه رسول الله، وقال له لمن؟ لأبي ذر رضي الله عنه: (إنك امْرُؤٌ فيك جاهِلِيَّةٌ) الجاهلية أنْ يكون التفاضل بين النَّاس بالألوان أو بالأنساب؛ أو بالأموال؛ أمَّا التفاضل في الإسلام فبالتقوى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[سورة الحجرات]

(إنك امْرُؤٌ فيك جاهِلِيَّةٌ)(5) أما علمت أنَّه ليس لابن البيضاء فضلٌ على ابن السوداء؟ فماذا كان موقف أبي ذرٍّ رضي الله عنه من تعنيفِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم له وتوبيخه، فهل حزِن؟ أنا يُوبّخني النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمام النَّاس، ليكلمني بيني وبينه، ما الذي حدث؟ فرجَع هو وبلالٌ رضي الله عنهما من المحكمة، وأقسم يمينًا على بلال إلَّا أنْ يطأ بنعله على خدِّ أبي ذر كفارةً للكلمة التي سبَّه وانتقصه بها بقوله له: يا ابن السوداء، فلا تلزمهم شرطة ولا دائرة التنفيذ هكذا كان الإيمان وهكذا كان الإسلام:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
[سورة الأنفال]


سبب قُدسية مكة:
مَنْ هي البلد في سورة البلد؟ ولماذا جعلها الله عزَّ وجلَّ يمينه؛ لأنَّها صارت بلد العِلم وبلد الحكمة وبلد الأخلاق وبلد المُعلِّم وبلد الملائكية والبلد العالمي؛ لكنَّ البلد تُقدَّس وتصير يميناً مقدساً إذا كنت أنت أيها النَّبيُّ وأيها المُعلِّم الحكيم والمزكِّي المربي إذا كنت حالًّا فيها؛ أمَّا إذا لم تكنْ فيها فلا فضل لها على غيرها، فكُرِّمت مكة بسبب حلول إبراهيم الخليل عليه السَّلام فيها وعمارته لمسجده المُسمى بالكعبة، فهل شُرَّفت الكعبة بالإنسان؛ أم الإنسان هو الذي يُشرَّف بالكعبة؟ بل الكعبة هي التي شُرِّفَت بالإنسان.
كان يطوف بها ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم؛ أو أحدهما، ويقول: "ما أعظَمك وما أعظَم حرمتك عند الله، غير أنَّ المؤمن أفضل عند الله منك" فيا تُرى أيها المؤمن، هل هيَّأت نفسك لتكون - كما يكون هذا الصحابي الجليل- لتكون أفضل مِنَ الكعبة؟ التي جعلها الله عزَّ وجلَّ قبلةً وتتوجَّه لها القلوب لتوحيد المصلين ولتكون وجهتهم كلها واحدةً، وكرَّم العرب ليجعل بلدهم قبلة شعوب كلِّ العالم.

قطع النسب عن الإسلام:
فأتى وقتٌ إلى العرب يقطعون فيه انتسابهم عن الإسلام وينتسبون إلى العروبة وإلى القومية، لم يحذف الإسلام القومية عن العرب، قال تعالى:

وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)
[سورة طه]

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)
[سورة يوسف]

وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)
[سورة الرعد]

لم يٌنكِر الوطن فحبُّ الوطن مِنَ الإيمان، فإذا قلنا الإسلام فيدخل فيها كرامة القومية وكرامة العروبة، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول عن العروبة:

{ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ اخْتَارَ الْعَرَبَ ثُمَّ اخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ قُرَيْشًا ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَأَنَا خَيْرَةٌ مِنْ خَيْرَة }

[السنن الكبرى للبيهقي]

(لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ اخْتَارَ الْعَرَبَ ثُمَّ اخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ قُرَيْشًا ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَأَنَا) مَنْ أنا؟ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (خَيْرَةٌ مِنْ خَيْرَة)(6)، يعني العرب والعروبة هم خِيار الأمم، فإنْ قلنا الإسلام هل نكون يا ترى قد حقَّرنا العرب والعروبة والقومية؛ أم هي مِنْ قلب الإسلام؛ ولكنَّ القصة تحتاج فقط إلى تنبيهٍ بسيط وتوضيحٍ موضَّح حتَّى يرجع الولد الضائع إلى أحضان أمِّه وأبيه، وبالحكمة والموعظة الحسنة.

تعظيم القسم من الله عزَّ وجلَّ:
﴿لَا أُقْسِمُ﴾ فهذه الـ ﴿لَا﴾ كأنَّها تأكيدٌ للقسم، يقول لك: مَنْ أنت يا قزم، ومَنْ أنت يا حقير، ومن أنت يا حثالة حتَّى يحلِف لك خالِق الكون وخالِق المجرات؟ فأي حياءٍ وخجلٍ يجب أنْ يُغطينا يا ربي؟ والله أنا أقبل من غير يمين؛ لكنْ رحمةً وحناناً وتكرُّماً: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ لكنْ أقسم بالبلد عندما تكون حالّاً ومقيماً بها؛ لأنَّها تكون بلد العِلم والرقي والتقدُّم والسعادة والعقلانية، ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ﴾ وحالٌّ بهذا البلد؛ أمَّا إنْ نزَحت عنها وخرجت منها فتصير الإقامة مُحرَّمةً فيها، فلمَّا هاجر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم صارت الإقامة في مكة واجبةً أم محرمة؟ فإذًا الإنسان هو الذي يُقدِّس المكان، وليس المكانُ يُقدِّس الإنسانَ؛ فمع ذلك إذا قدَّسنا مكة بتقديس سيِّدنا إبراهيم وسيِّدنا مُحمَّد عليهما السَّلام؛ أو بتعريفٍ آخر بتقديس المُعلِّم الذي يُعلِّم الكتاب لا يُعلِّم النطق بحروفه؛ بل يُعلِّم حقائق العِلم:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

فالعِلم إذا لم يجتمع جناحاه الدنيا والآخرة فبمقدار نقص أحدهما يكون النقص في الإنسان المسلم.

لا قيمة للبلد إلا بالوالد والولد:
﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ فأيُّ قيمةٍ للبلد إذا لم يكن فيها والدٌ وولد؟ مَنْ هو الولد؟ يا تُرى هل المقصود مِنَ الوالِد الذي يلِدُ جسدك؟ الوالد والولد اللذان أقسم الله عزَّ وجلَّ بهما الوالِد الأصل هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، الوالِد الحقيقي بدليل قوله تعالى:

النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
[سورة الأحزاب]

فإنْ كان زوجَ أمك فماذا يكون؟ أباك، وأنت ماذا تكون له؟ تكون له ابناً، وفي إحدى القراءات: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) "وهو أبوهم" وهذه إحدى القراءات القرآنية "وهو أبوهم" وفي حديث للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول شرحاً لهذه الآية:

{ إنما أنا لكم مثلُ الوالدِ أعلِّمُكم ، إذا ذَهَبَ أحدُكم إلى الخلاءِ ، فلا يَسْتَقْبِلْ القبلةَ ، ولا يَسْتَدْبِرْها ، ولا يَسْتَنْجِ بيمينِه . وكان يَأْمِرُ بثلاثةِ أحجارٍ ، ونهى عن الرَّوْثِ والرِّمَّةِ (7) }

[سنن النسائي]

فمَّما وصَفَ الله عزَّ وجلَّ الوالد بأوصافٍ ومنها أنْ يكون مُعلِّماً لولده، وأنْ يكون المُعلِّم المربِّي ﴿لَا أُقْسِمُ﴾ ماذا يعني ﴿لَا أُقْسِمُ﴾؟ يعني أقسم قسماً صادقاً وحقيقيّاً ﴿بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ هذا البلد حلف الله عزَّ وجلَّ بها لأنَّها بلد إبراهيم وبعده بلد إسماعيل وبعده بلد سيِّدنا مُحمَّد عليهم السَّلام؛ ولكنْ قال يُحلَف بها إذا كان النَّبيُّ حالَّاً بها وموجوداً ومستوطناً بها؛ لكنْ لـمَّا عامله أهلها أرادوا أنْ يقتلوه وآذوه أشدَّ الإيذاء؛ فما تركوا سباباً ولا شتيمةً، وكانوا يضعون في قدره بقايا الميتات والجيف إيذاءً له، وكانوا يظلمونه، وهذا غير الإشاعات وغير التشويه، مثلما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ما أُوذِيَ نبيٌّ ما أُوذِيتُ (8) }

[ورد في الأثر]

حتَّى أجمعوا على قتله وأحاطوا بداره إحاطةً فهاجر وخرج مِنْ داره مِنْ فوق الجدار، واختبأ في الغار ثلاثة أيام؛ ثمَّ إلى المدينة وهذا مصداق ما يقال: أزهَدُ النَّاس في العَالِم أهله وجيرانه وأهل بلده، فقد يأتي واحدٌ مِنَ المشرق وآخرٌ يكون جار الوارِث المُحمَّدي ويا ليته يعامله معاملة الجار، وهذا مِنْ موت القلوب.

من علامات تقهقر الأمم:
وهذه علامةٌ للأمة عندما لا تُكرِّم علماءها ولا تعطيهم حقهم وشأنهم ممَّا يجب عليهم تجاههم، وهذا دليلُ تقهقر الأمة وانحطاط عقلها وتفكيرها، يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ إذا أبغضَ المسلمونَ عُلماءَهُم ، وأظهَروا عمارةَ أسواقِهِم ، وتألَّبُوا على جمعِ الدَّراهمِ ، رماهُمُ اللهُ بأربعِ خِصالٍ ، بالقحطِ مِن الزَّمانِ ، والجَورِ مِن السُّلطانِ ، والخيانةِ مِن ولاةِ الحُكَّامِ ، والصَّوْلَةِ مِن العدوِّ }

[أخرجه الحاكم]

(إذا أبغضَ المسلمونَ عُلماءَهُم ، وأظهَروا عمارةَ أسواقِهِم ، وتألَّبُوا) كلّ اهتمامهم (على جمعِ الدَّراهمِ، رماهُمُ اللهُ بأربعِ خِصالٍ ، بالقحطِ مِن الزَّمانِ ، والجَورِ مِن السُّلطانِ ، والخيانةِ مِن ولاةِ الحُكَّامِ ، والصَّوْلَةِ مِن العدوِّ) يصول العدو ويجول فترى طائرات إسرائيل في سماء لبنان وغير لبنان وإلى آخره.. (بالقحطِ مِن الزَّمانِ) فكنَّا نشرب مِنْ ماء أنهر دمشق السبعة ولا نعرف جفافها لا صيفاً ولا شتاءً والآن جفت صيفاً وشتاءً، فيا تُرى هذا الحصاد مِنْ أي شيء؟ مِنْ حديث: ((إذا أبغضَ المسلمونَ عُلماءَهُم))(9) واهتموا بدنياهم وجعلوا آخرتهم وراء ظهورهم، صدَق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، هل يكفي أنْ نقول صدق الله العظيم من غير أنْ نفهم مِنْ كلامه ولا كلمةً واحدةً؟

وجوب فهم القرآن:
هل قرأتم سورة البلد، يا تُرى هل فهمتم أهدافها ومقاصدها، وهل حققتم مراد الله عزَّ وجلَّ فيها؟ هكذا يُقرأ القرآن؛ أمَّا أنْ يُقرأ صوتاً وحرفاً وإجادة النطق فشريط الكاسيت يُجوِّد القرآن خيراً مِنْ تجويدك، وبموسيقى وأنغام خيراً مِنْ موسيقاك وأنغامك.
يُعلِّم القرآن أي تُعلُّم علومه ومعانيه لتعمل بها، فإذا كتب لك الطبيب وصفةً طبية، فهل يُخلِّصك مِنْ أمراضك أنْ تقرأ الوصفة وتغنِّي بها ولا تدفع ثمنها للصيدلي ولا تستعملها حسب تخطيط الطبيب؟ يُؤلمه رأسه والوصفة الطبية عنده، والمال في جيبه، ولا يذهب ليحضر الدواء وإنْ أحضره فلا يستعمله، فهذا حال المسلمين ولذلك قال الله تعالى عن اليهود:

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
[سورة النحل]

(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) فالذلُّ هو تسلُّط العدو، فسلَّط الله عزَّ وجلَّ عليهم فرعون وغير فرعون، (وَالْمَسْكَنَةُ) الفقر، (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ) أيضًا ذهبت آخرتهم، لماذا، ألأنَّهم يهود؟ لا، قال: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) كانوا يرفضون تعاليم الله عزَّ وجلَّ عِلماً وعملاً ومُعلِّماً، الآن المسلم يا تُرى هل يُقدِّر عالِمَ الدين مثلما يقدر عالِمَ الرياضيات لأجل ابنه؛ فلمَّا يُحضر عالِمَ الرياضيات ليُعلِّم ابنه ساعةً، فكم يقدِّم له لقاء هذه الساعة؟ يا تُرى ولـمَّا يحضر درساً لمطرب مشهور فبكم يُقدَّر علوم عطاء هذا المطرب في هذه الساعة؟ قولوا لنا كلام شخص يكون عارفاً، خمسة آلاف هذا مِنْ أجل ساعة لمطرب مشهور، فهل يحسدها أحد، وإنْ كانت تركب سيارةً فهل يقولون مِنْ أين لها؟ ولو رأوا الشَّيخ يركب دراجةً هوائيةً، لقالوا: مِنْ أين له بهذه؟ يعني ليس أهلاً لأنْ يركبها، وإذا ركب سيارةً فتعالوا وانظروا لقد خَرِبَ الدين.

مدى الجهل الذي وصل إليه المسلمون:
قبل خمسين سنةً كان هناك النوبات والسيارات يذهبون إلى برزة وحرملة وغيرها، فيخرجون مِنْ كل حارةٍ بالطبل، ولا أدري ماذا.. فحارة الأكراد كان لهم نوبة، وأهل برزة لهم نوبة والصوالحة؛ فتشاجر الأكراد وأهل برزة في الملتقى عند مقام إبراهيم في برزة، فثقب أهل برزة طبل الأكراد في الخصومة، فكان شيخنا يروي لنا وقد كان جالساً في الجامع وإذ يأتيه شخصٌ مِنْ الوجهاء؛ لكنَّه يكاد ينفجر بأعلى صوته: شيخي ما زلت جالساً؟ يتكلم بصوت متهدج، ومتكدر، ذهب الدين، كيف ذهب؟ يقول له: أما زلت جالساً؟ ذهب الدِّين، قال له: قل لنا ما الذي حدث؟ قال له: ثقَبَ أهل برزة طبل الأكراد الخاص بنوبتهم وما زلتم جالسين في الجامع؟ هكذا تدنَّى عقل المسلم وإلى الآن، ولا يوجد مَنْ ينقذه مِنْ حمأته ليجعل العقل في مرتبته ليدرك الحقائق ويعمل بمقتضاها فيعرف الواجب ويؤدي واجبه، ويعرف الحرام فيجتنبه، ويعلم الخير فيستبِقُ إليه، ويعلَم الشر فيبتعد عنه، وهذا لا يكون إلَّا بالعالِم الوارِث المُحمَّدي الذي يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكِّي النفوس فينقلك مِنَ الإنسان الحيوان، إلى الإنسان الملائكي، ومِنَ الإنسان الشيطان إلى الإنسان المُعلِّم المؤمن إلى آخره..

شرف البلد بشرف سكانها:
﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ يعني: أقسم قسماً مؤكَّداً ومُكرراً؛ لكنْ بأي شرطٍ للبلد؟ قال تعالى: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ﴾ وأنت حالٌّ في هذا البلد؛ لأنَّ شرف البلد بشرف سكانها، ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ فهل يعني الوالِد أبا جهل والولد يعني ابنه؟ المقصود مِنَ الوالد هو: النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ﴿وَمَا وَلَدَ﴾ لأنَّ الوالد هو الذي يلِد الجسد، وهناك النفس التي تُربي الجسد؛ أمَّا الوالِد الذي أقسم الله عزَّ وجلَّ به فهو الوالِد الذي تكون روحك مِنْ روحه، وعقلك وتفكيرك مِنْ عقله وتفكيره، ويهبُكَ مِنَ العلم والحكمة ما يرقى بك حتَّى تكون ثقافتك مِنْ ثقافته، فينقلك مِنَ الإنسان الحيوان، ومِنَ الإنسان الشيطان، ومِنَ الإنسان الحشرة، وهناك أناسٌ قيمة الحشرة أفضل منهم؛ لأنَّ الحشرة لا تضرُّ ولا تنفع، وكثيرٌ مِنَ الحشرات لها نفعٌ وليس لها ضرر؛ أمَّا الإنسان مصدره الأذى والضرر لنفسه ولمن حوله، فهل هذا إنسان؟ بل هذا شيطان:

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)
[سورة الأنعام]

الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس (6)
[سورة الناس]

فسمَّى الله عزَّ وجلَّ الإنسان شيطاناً لـمَّا يكون مصدراً للشر ومصدراً للفساد والإفساد.

خلق الله عز وجل للإنسان:
﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ﴾ يُعلِّم الحكمة ويُزكِّي النفوس ويُطهِّرها مِنْ رذائلها ويُحلِّيها ويُزينها بفضائلها وكمالاتها الأخلاقية والعملية والنفسية.
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ هذه الأيمان لتقبَل هذه الآية، يقول الله عزَّ وجلَّ أنت أيها الإنسان مخلوق، لأجل أنْ تكابِدَ الأعمال الكبيرة والأعمال العظيمة وتتحمل المسؤوليات بكفاءةٍ بلا مللٍ ولا سقمٍ ولا نقصٍ:

فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
[سورة الشرح]

{ المؤمنُ القويّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله مِنَ المؤمنِ الضّعيْف (10) }

[صحيح مسلم]

إذًا هيِّئ نفسك ومرِّن عضلاتك لأنَّك مخلوقٌ في عالَمٍ كلُّه صراع، صراعٌ بينك وبين شيطانك، وبينك وبين نفسك الحيوانية التي لا تعرف إلَّا ما يعرفه الحيوان مِنَ الغذاء والشراب والنكاح والتوالد، فإذا بقيَت أهدافك هي هذه الأهداف فأنت حيوان، فيجب أنْ تُكابد وتناضل لترتقي مِنْ مقام الحيوان إلى مقام الإنسان، فإذا وصل الإنسان إلى كماله الإنساني فقد يصير إلى أعلى مِنْ مستوى الملائكة ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ ليُكابد.
وخلقنا الإنسان ليسعَى:

وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
[سورة النجم]

ما خلقناه للكسل، وما خلقناه للقعود:

{ إنَّ اللهَ يكرَهُ العَبدَ البطَّالَ (11) }

[المعجم الأوسط للطبراني]

{ المؤمنُ القويّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله مِنَ المؤمنِ الضّعيْف }

[صحيح مسلم]

بثقافة القرآن وبمدرسة القرآن.
لـمَّا استعرض النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أحد الجيشَ فلمَّا حفظ أطفالهم القرآن وإذا في الجيش مِنْ جملة الملبِّين للجهاد أطفالٌ لا يتجاوز عمرهم السادسة عشر،والرابعة عشر، فهذا حفظ القرآن؛ أمَّا أنْ تحفظ حروفه، وتجيد النطق بها، وتقول حفظت القرآن، لا، قل حفظت أحرف القرآن، حفظت لفظ القرآن، فيا تُرى حروف الوصفة الطبية وألفاظها وقراءتها على الغيب.. ويا تُرى إذا ذهبت إلى البنك وقرأت كمبيالة غيرك ومبلغها مئة ألف دولار فهل يدفعون لك شيئاً، وإذا جلبتها مزورةً فستوضع في السجن، فإنْ قرأت القرآن قراءةً مزورةً وقراءةً بلا فهمٍ وبلا علمٍ، وبلا عملٍ.. ولا تقف هنا، بل يجب أنْ تكون مُعلِّماً وداعياً ومرشداً، وتبذل كل ما تملك مِنْ مالٍ ونفس ٍلتنشر دعوة الله عزَّ وجلَّ على الجاهلين؛ حتَّى يشملك حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتكون مِنَ النوع الأجود في المجتمع، كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ }

[مسند أبي يعلى]

(ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ) يسألنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، نعم يا رسول الله أخبرنا، (اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا) يعني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (أجوَدُ بني آدمَ) إذاً أين بقيت حصتنا؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ) ما المقصود برجل؟ الإنسان رجلٌ أو امرأة (رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ) (12)، هذا بمقام أمَّة، يا الله ما أعظَم الإسلام، الذي يجعل الفرد ليس بقيمة اثنين ولا بقيمة ثلاثة أو أربعة؛ بل يجعله بقيمة أمّة:

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
[سورة النحل]

تعلَّم، فإذا تعلَّمت أنَّ هذا سم فما هو مقتضى العِلم أنْ تشربه أم تجتنبه؟ فالعِلم هو الذي يُوجِب العمل، وإذا علِمت أنَّ هذا ألماس وقدِّم لك هدية، فهل ترفضها أم تقبلها؟ فإذا رفضتها:

{ اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من علْمٍ لا ينفعُ ، و عَمَلٍ لا يُرفَعُ ، و دعاءٍ لا يُسْمَعُ (13) }

[صحيح مسلم]

﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ فهل كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم والداً لهذه الأمة، وهل كانوا أولاده، وهل تقبَّلوا تعاليمه؟

الحياة أمام الإنسان كلها مشاق:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ ما معنى في كَبَد؟ يعني أمامك الحياة كلها مشاق، وكلها جهاد، فشمِّر:

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2)
[سورة النحل]

(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) هكذا هي سورة المدثر لكثيرٍ مِنَ النَّاس أليس كذلك؟ (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ) فهل هذه للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فلو كانت خاصة بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لحذفت من القرآن؛ لكنَّ هذه موجهةٌ لكلِّ مسلمٍ ومسلمة، أيها النائم بفراشك والمتدثر بلحافك قُم في هذا الليل وفي النهار، فهل كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينام في النهار؟!

{ رجعْنا من الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ (14) }

[الزهد الكبير للبيهقي]

ليلاً ونهاراً؛ ثمَّ نهاراً وليلاً، وهكذا شأن كلُّ مسلمٍ ومسلمة في حياة رسول الله، والذين تخرجوا في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من مدرسة القرآن:

الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)
[سورة الزخرف]

يعني مستجيبون لنداء وأوامر القرآن، كانوا يعملون ليل نهار.
كنت في أواخر الثمانينات في سمرقند في الاتحاد السوفييتي، فأخذوني لزيارة قبر القثم بن العباس رضي الله عنه، فأين وُلِدَ القثم بن العباس رضي الله عنه؟ في مكة، وأين قبره؟ في سمرقند، وبينهما خمسة آلاف كيلومتر، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ فوصوله إلى هناك بمكابدةٍ ومشقةٍ وتعبٍ أم يشرب ما لذّ وطاب ويحضر السهرات في والجلسات إمَّا لغوًا وإمَّا تأثيمًا، فهذا ليس المجتمع المسلم لأنَّه ليس له المُعلِّم المسلم وليس له الوارِث المُحمَّدي، فإذا وُجِدَ العالِم الحقيقي فهو الذي ينوب عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيُعلِّم مجتمعه، يُعلِّمهم القرآن بأهدافه وبحقيقته وبروحانيته وبأخلاقياته.

الإسلام ثلاثة أشياء أولها العلم:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة النحل]

(وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) والحكمة: هي فعل ما ينبغي، كيف تؤدي الواجب، وفي الوقت الذي ينبغي، إذا صمنا رمضان الآن فهل هذا هو الوقت الذي ينبغي؟ وإنْ صلينا الآن صلاة العيد فهل هذا هو الوقت الذي ينبغي؟ وإذا صلينا العصر الآن فهل هذا هو الوقت الذي ينبغي؟ فالحكمة فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، وعلى الشكل الذي ينبغي، فإنْ تسحَّرنا في رمضان بعد طلوع الشَّمس، أخي قبل الفجر بساعة ونصف وأنا أؤخِّر الإفطار إلى ما بعد صلاة العشاء، هل شرع الله عزَّ وجلَّ على مزاجك ؟ فالحكمة هي ثلث الإسلام، فالإسلام ثلاثة أشياء: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) تتعلّم القرآن، هل تعلَّمت القرآن؟ وتعلَّمت سورة البلد عِلماً وعملاً وتعليماً وخلقاً وسيرةً وقلباً وتفاعلاً وتجاوباً، فهل صرت والداً؟ فوالديَّة الحيوان أنْ يصنع جسدك جسداً هذه يصنعها الحمير، أليس كذلك؟ والكلاب والقطط،يصيرون والداً جسديّاً؛ لكنَّ القرآن يعني بالوالديّة: الوالدية الروحية والعلمية والدية الحكمة والأخلاق والتقوى ووالدية العظيم؛ فهل يلد الفيل قطةً، إذًا ماذا يلد؟ يلد فيلاً عظيماً، فالعظيم يلِدُ العظيم.
﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ أحلِفُ بالبلد ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ وبالوالد، فإذا جعل الله عزَّ وجلَّ هذه الأشياء مقدّسةً فنُقدِّس البلد لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قدَّسها، وقدَّسها بوجود النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيها فيجب أنْ تكون مكة دائماً عاصمة العِلم والحكمة وبناء الفضائل؛ حتَّى يبقى القسم يشملها في كلِّ عصرٍ وفي كلِّ زمن، ولما خَلت ممَّن حلَّ بها صارت الإقامة فيها حراماً والهجرة منها صارت فريضةً، فالهجرة ليست إلى المكان؛ بل الهجرة إلى الإنسان، والإنسان الذي يُعطي العِلم والحكمة وله قدرة على تزكية وتنقية النفوس، فينقلها مِنَ الحيوانية ومِنَ الشيطانية إلى الملائكية إلى ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ وإلى العمل الدائب ليلاً نهاراً ونهاراً ليلاً.
ولا راحة للمؤمن وعندما كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في سكرات الموت، وسكرات الموت فيها مشقة على البشر، فقالت سيدتنا فاطمة رضي الله عنها: "واكرباه يا أبتاه" فقال لها صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ لا كَرْبَ على أبيكِ بَعدَ اليَومِ }

[صحيح الألباني]

يعني إذًا كانت كل حياة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كُروب وكلها نشاط، ففي أُحدٍ كسروا أسنانه واستنزفوا دمه؛ حتَّى ما استطاع أنْ يقف على قدميه.

الأمة التي تكابد هي التي تحتل مراكز المجد:

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
[سورة المزمل]

يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
[سورة لقمان]

مُكابدة أم ليست مُكابدةً؟ والأمم الراقية والأمم التي تحتل أماكن المجد، والأمة التي تُكابد وتتحمل المشاق في كلِّ أدوار حياتها، الآن أين هم الأجانب؟ في القطب المتجمد الشمالي بلاد الصقيع والجليد، أين هم؟ في أعماق البحار يحفرون أعماق البحار ويخرجون النفط من عمق آلاف الأمتار ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ والمسلمون يشربون، هذا في النَّرجيلة وهذا بالسيجارة وهذا باللهو وهذا بالمزمار، ولا أدري ماذا؟ حياة الطفولة أو حياة مَنْ لا عقول لهم، فأين المسجد وأين البلد الذي يستحق القسم الإلهي به، أقسم الله عزَّ وجلَّ بمكة لحلول العِلم والتزكية الممثلة بشخص رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأينما حلَّ العِلم والحكمة والتزكية في مكانٍ فصار المكان مقدساً ويشمله ذلك اليمين الإلهي، ومعنى ذلك: اتجه نحو بلدٍ جعلها الله عزَّ وجلَّ مقدسةً وجعلها الله عزَّ وجلَّ يمينه وقسمه، هكذا نتعلَّم القرآن وهذا التعلُّم هو الذي أراده النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ (15) }

[صحيح البخاري]


قسم الله يدل على أن الأمر عظيم:
﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ ماذا يعني؟ يعني: أقسم وأقسم، فهل صدَّقتم الله عزَّ وجلَّ؟ إنْ قال لكم هذه أفعى وقد صدقتم الله عزَّ وجلَّ فلنْ تقتربوا منها، وإنْ حلَف لكم عشرين يمنيًا ثمَّ جعلتم منها مسبحةً، فعلى مَنْ يعود الضرر؟
إذا أقسم الله عزَّ وجلَّ لكم أيماناً مغلظةً بأنَّ هذا سمٌّ ثمَّ استخدمتموه فالضرر على مَنْ؟ وهل صرتم مؤمنين بكلام الله عزَّ وجلَّ أم كافرين؟ لا ننغش بالأماني وبتخدير الحشيش، وحب الدنيا والغفلة، كان هنا قبل خمسين سنةً، يضعون الحراس الليليين، فكانت الدنيا شتاءً ولم تكن الطرق معبدةً بعد، فيمر حشاش مِنْ أصحاب المخدرات، وعند الحارس توجد حفرةٌ بها دلوٌ صغيرٌ فيه من ماء المطر، وكان المطر شديداً تلك الليلة، وقال له الحارس: لماذا لا تمشي؟ قال له: كيف سأمشي، وهل أنا عدوك لتغرقني في البحر؟ أين هو البحر؟ قال له: ألا ترى هذا البحر الذي أمامي، فرأى الحفرة التي فيها الدلو الذي فيه ماء المطر فمن هلوسته رآها بحراً، فالحشيش يجعله يرى الأشياء بغير حقائقها، ونحن نفهم القرآن بغير حقائقه؛ لأنَّنا مهووسون بحب الدنيا والجهل والغفلة، يا ترى أنت طبيبٌ كم مِنْ مُعلِّم لك حتَّى أخذت لقب الطبيب؟ ومهندس فكم مِنْ أستاذٍ لك حتَّى صرت مهندساً؟ ومسلم فكم مِنْ أستاذٍ لك حتَّى صرت مسلماً حقيقيّاً؟ فهل تعلَّمت الكتاب والحكمة وهل تزكَّت نفسك وصار عندك قوة التعليم، فتُعلِّم الكتاب وتُعلِّم الحكمة وتزكي، فهكذا كان تلامذة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم قاموا بعده ورّثةً له يُعلمون النَّاس في مشارق الأرض ومغاربها، فنعم الوالِد ونعم الولد، وهؤلاء يستحقون أنْ يكونوا قسماً لله عزَّ وجلَّ فيحلف الله عزَّ وجلَّ بهم، وهل يحلف أحدكم بشيءٍ لا قيمة له؟ بل يُحلف بالأشياء المقدسة ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ يعني: قوموا وكابدوا وقوموا فاعملوا:

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
[سورة التوبة]

ولا تحتقر العمل الصغير إذا كنت لا تستطيع القيام بالعمل الكبير:
افْعَلْ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْت ، وَإِنْ كَا... نَ قَلِيلًا فَلَنْ تُحِيطَ بِكُلّهْ وَمَتَى تَبْلُغُ الْكَثِيرَ مِنْ الْفَضْـــلِ ... إذَا كُنْت تَارِكًا لِأَقَلّــهْ ؟
{ الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام }
ومشوار الألف كيلومتر يبدأ بالخطوة الأولى وبتكرارها تستطيع أنْ تجتاز الألف كيلومتر؛ أمَّا إذا استصعبت الألف كيلومتر فكيف سأمشي؟ فيصير المشي بالخطوة الأولى؛ فإنْ صدَقت مع الله عزَّ وجلَّ سيُمدُّك بمددٍ مِنْ عنده وكلٍّ منَّا يجب أنْ يُشمِّر لنحيي القرآن ونحيي هذه السورة.

أعطانا الله عزَّ وجلَّ قوة البدن وقوة المال وقوة العلم:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ أعطانا الله عزَّ وجلَّ قوة البدن وقوة المال وقوة العِلم، فيجب أنْ نستعمل قوانا كلها حسب المخطط الإلهي؛ كما استعمل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قواهم، فباستعمالهم لقواهم حسب مخطط القرآن وبعد أنْ كانوا أذلَّ وأفقر وأجهل أمَّة وثنيين فصاروا:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

والقرآن موجود، والورثة المُحمَّديون إنْ بحثنا عنهم سنجدهم، كيف تبحث عن الخبز حين تجوع، وكيف تبحث عن النعل إنْ عتق، وإذا بحثت على من يُعلِّم الكتاب والحكمة:

{ مثَلُ أُمَّتي مثَلُ المطَرِ؛ لا يُدْرَى أوَّلُه خيرٌ أمْ آخِرُه (16) }

[سنن الترمذي]

{ لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ (17) }

[صحيح مسلم]

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ ماذا يعني؟ قوموا وشمِّروا وكابدوا وصارعوا الحياة، فالصحابة رضي الله عنهم وهم أميون هل فهموا الآية؟ ولما فهموا ماذا فعلوا؟ قاموا وحطموا أباطرة العالم: كسرى وقيصر، قضوا على الاستعمار وحرروا الشعوب وثقفوا العالَم إلى أوروبا، ولو فقِهوا في معركة بواتيه قصة أحد لما كانت الكارثة، فلقد اشتغلوا بالغنائم كما انشغل الصحابة رضي الله عنهم بغنائم أحد فانقلب النصر إلى هزيمة، والسبب الجهل بالمخطط النبوي، ففي أحد خالفوا كلام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم،فهُزموا إلى آخره..

الفرار من مدرسة القرآن:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ وأعطيناه مِنَ القوى البدنية والمالية ما يستطيع أنْ ينشر العِلم والحياة في القلوب والعقول والهمم والأعمال الفاضلة، قال لكنَّ الإنسان.. يوجد إنسانٌ لم يستجب لنداء الله عزَّ وجلَّ، ولم يدخل في مدرسة الله عزَّ وجلَّ، ولم يبحث على ورَثة رسول الله وترك نفسه لأهوائها، واتخذ أساتذة البطالة واللهو واللعب في سهراته وأهوائه وعشيرته والتلفاز بما فيه مِنْ عِلمٍ وما فيه مِنْ لهوِ وإلى آخره.. قال: ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾ هذا فرارٌ مِنْ مدرسة القرآن، المال ليس لتنفقه هباءً منثوراً في الأبهة وفي المظاهر، بل عليك أنْ تنفقه بما يعود بالنفع والفائدة على المجتمع في دينهم وفي دنياهم، هناك أناسٌ ينفقون في البناء، وآخرون ينفقون في الثياب، فيوجد أناس ينفقون في المظاهر، وكلُّه بلا فائدةٍ إلَّا للمظهر والمباهاة والتعالي على النَّاس والافتخار، وهذا ليس السلوك الإسلامي، فالسلوك الإسلامي ألَّا تصرف شيئاً مِنْ مالك إلَّا ومقابله فائدةٌ حقيقيةٌ ذاتية.
فيقول هذا الإنسان الأمّي الذي لم يدخل مدرسة القرآن ولم يتثقّف بثقافة الإسلام، وإنْ كان آخذاً لخمسين دكتوراه مِنْ جامعة أكسفورد ومِنْ غير أكسفورد فهذا أمّيٌّ في إسلامه وفي قرآنه وفي إيمانه، فيتباهى ويقول: ﴿أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾ يقيم وليمةً تُكلِّفه مئة ألف أو خمسمئة ألف أو مليوناً للمظاهر هذه يجب أنْ تنفقها في سبيل الخير، فكلُّ هؤلاء الذين أكلوا أغنياء وكلُّهم شبعون؛ بل وأكثر أمراضهم مِنَ الزيادة والتفاخر بأنْ تصرف المال، كالذي يرمي ماله في البحر، ويقول لك الإسلام لا خير في السَّرف؛ كما لا سَرَف في الخير؛ لأنَّه ليس له مُعلِّم، وليس له مُهذِّب، ولم يدخل مدرسة القرآن، وليس له مُعلِّم القرآن، وليس له مُعلِّم الإسلام، يصلي صلاة الجسد؛ لكنْ هل صلَّى صلاة العقل والفهم، وهل صلَّى صلاة القلب والروح، وهل صلَّى صلاة التزكية؟

غرور العاصي بقوته:
﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ﴾ أعطاه القوة فاستعمل القوة ولكنْ ليس في بناء الإسلام بل في تخريب الإسلام، فعندما يعطيه الله عزَّ وجلَّ قوة المال وقوة الحكم وقوة السلطان وقوة النفوذ فهذه القوة سيُحاسَب عليها فيجب أنْ يستعملها في بناء الخير وفي بناء العِلم وفي إحياء مدراس القرآن، قرآن العلم والعمل والتربية والتزكية، ويفتخر بعضهم بالمال وذاك يتباهى ويستخدم قوته في غير ما يرضي الله عزَّ وجلَّ في الإيذاء والعدوان وفي الظلم وفي الطغيان؛ كما فعل قارون وفرعون والنمرود؛ ثمَّ الله عزَّ وجلَّ:

فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
[سورة الفجر]

لكل طاغٍ وظالمٍ وباغٍ، والذي استعمل نعمة الله عزَّ وجلَّ القوة في غير موضعها، والغني الذي يتباهى بمظاهره الدنيوية بمراكبه وبفرشه وببيته، لا يوجد مانع للإنسان بأنْ يتمتَّع بما أنعم الله عزَّ وجلَّ عليه؛ لكنْ لا يكون هذا قبلته الأولى بل تكون الثانوية والثالثة والرابعة، فيجب في البداية أنْ يُعمِّر إيمانه بقوته وبماله وبجاهه، وبعد ذلك تأتي تلك في الدرجة الرابعة أو الخامسة، إذا كان مؤمناً بالقرآن وإذا كان يقرأ القرآن للعِلم وللنفع وللفائدة، إذا أخذ الكمبيالة ليصرفها مِنَ البنك وقيمتها مليون دولار وأين ما جلس هو حافٍ وعريان وجائع ورائحته كريهة وأين ما جلس يقرأ: إدفعوا لحاملها فلان وأنا فلان مليونَ دولار، وينطرب بها وينام في الشوارع فماذا نفعته الكمبيالة وماذا نفعته قراءتها؟ وكذلك ماذا ينفعه المصحف وقراءته؟ السبب فقد المُعلِّم الحكيم المزكِّي المذكِّر، ألديكَ مُعلِّم وطبيب وصيدلي وزوجة؟ مَنْ مُعلمك ومَنْ يبني إيمانك وإسلامك وعقلك الإسلامي؟ إلى آخره..

السؤال عن النعيم:
يتباهى ويقول: ﴿أَهْلَكْتُ مَالًا﴾ مُلبداً فوق بعضه البعض، ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ هذه القوة التي أعطاك الله عزَّ وجلَّ إياها سيسألك عنها:

ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
[سورة الكوثر]

قالوا: يا رسول الله، عن أي شيء نسأل؟ لا يوجد عندنا إلَّا التمر والماء، فكم كانوا فقراء فلا يوجد طعامٌ متنوع فقط التمر والماء، عن ماذا سنسأل؟ (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، نحن يا تُرى هل قرأنا: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قراءة الفهم وقراءة العمل وقراءة الإيمان وقراءة المربِّي والمزكِّي والمذكّر، فكلُّ واحدٍ منكم عليه واجب، كان يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ بلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً (18) }

[صحيح البخاري]

هذه سورة البلد يجب عليكم أنْ تُعلِّموها طوال الأسبوع لمن لا يعلمها، وتعملوا بها عِلماً لتعلِّموها عملاً وتذكيراً وتعريفاً.

قدرة الله تعالى:
﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ مَنْ الأحد؟ قال الأحد: مَنْ أعطاك العينين؟ أبوك أو أمك هي التي صنعت لك عينيك؟ لا، ادرس تشريح العينين، وما فيها من عجائب طبقاتها والمياه التي فيها والأعصاب لتصل الأعصاب إلى الدماغ والتي تقدر بثلاثمئة مليون عصب، فمَن ركَّبها ومَنْ القائم على صيانتها؟ لسبعين أو ثمانين وتسعين سنةً، أذنك وأعصابها وتركيبها وطبقاتها وغضاريفها واتصال أعصابها بالدماغ:
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
{ لبيد بن ربيعة }
أتاني أحد كبار الشيوعيين مِنْ بلغاريا، قبل أنْ تنهار الشيوعية، ونحن نشرب الشاي وأنا أقول له يعني هذه بضاعتنا وغير هذه البضاعة لا يوجد عندنا، نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يتقبلها منَّا، وقال لي: ما هو الدليل على وجود الله عزَّ وجلَّ؟ قلت له: الدليل على وجود الله عزَّ وجلَّ كأس الشاي الذي في يدك. قال لي: كيف كأس الشاي؟ قلت له: هذا الشاي الذي تحوَّل فيه الماء إلى شاي، هذا مِنْ أين وأين زُرِع؟ قال: في الهند، قلت له: زُرِعَ لوحده أم له زارِع؟ قال لي: بل له زارِع، قلت له: فلمَّا قُطِفَ بنفسه أم له قاطِف؟ له قاطِف، ولـمَّا صُنِعَ شايًا بوسائل التصنيع المحددة يا ترى هل لُفَّ لوحده أم له مختصون؟ له مختصون، ولـمَّا صار معلباً لوحده تعلَّب أم له مُعلِّبين؟ لا بل له معلِّبون، ولـمَّا وُضِعَ في الطرود وسُفِّرَ إلى البلد الفلاني بطلباتٍ ومعاملاتٍ وأعمالٍ إلى آخره.. فقلت له: هذا لـمَّا طُبِخَ، هل طُبِخَ لوحده؟ ثمَّ قلت له: فكم صانعاً حتَّى وصلنا إلى كأس الشاي؟ وقلت له: فهذا الكون كلُّه بما فيه الإنسان وما فيه مِنْ عجائب وأعصاب وعضلات، وتركيب عظام، وإلى آخره.. قلت له: هذا صار لوحده، أوليس له صانع؟

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
[سورة البقرة]

اللَّهم اهدنا فيمن هديت.

نعم الله الكثيرة:
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ أنت الذي ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾ هل ذكرت مَنْ وهب لك العينين؟ إذا بعَثَ لك شخص ظرفًا أو علبةً فيها مسبحة، والله فلان اليوم بعَثَ لي مسبحة صدف، وإذا كانت ألماساً فيا ترى هل عينك أغلى أم الألماس؟ وإنْ خيّروك وقالوا لك: ليس لك مِنْ حل؛ فإمَّا أنْ تأخذ عيناً أو تأخذ طوق ألماس وزنار ألماس وعصا مِنْ ألماس أم تأخذ عيناً واحدةً كالأعور؟ وإنْ أعطاك عينين فكم دفعت ثمنهما، وكم تدفع معاشاً لأجل صيانتهما، لو زاد إفراز الدمع في العين لكانت عيناك دائماً ماءً، ولو قلَّ لأكلت الجفون العين وذهب الجفن والعين، فمَنْ خلَق الدمع بشكلٍ معينٍ مثل التشحيم الأتوماتيكي، فهل تذكرتها، وتذكرت مَنْ صممها ومن وضع الموظفين لصيانتها؟ هذا هو القرآن، قال الله تعالى عن القرآن:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
[سورة الحجر]

لتتذكَّر الله عزَّ وجلَّ ونعم الله عزَّ وجلَّ وأوامر الله عزَّ وجلَّ لتسعَد كما سَعِدَ من قبلك:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)
[سورة البقرة]

أمَّا الذين لا يقرأونه حقَّ قراءته يعني أولئك لا يؤمنون به.
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ حسنًا ما هو المعنى؟ يعني هل شكرت واهِبَ العينين، وهل ذكرت أوامِر واهِب العينين، وهل امتثلت أوامره، وهل اجتنبت محارمه، وهل تقبَّلت رسالته، وهل عظَّمت رسوله ومُعلِّمك كتابه وتعاليمه وثقافته؟
﴿وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾ هذا اللسان عندما تمضغ اللقمة التي تصير تحت أضراسك، والذي لم يُطحن فيُنقل المطحون تحت الأضراس ويأتي غير المطحون فمن يضعه، اصبعك؟ لسانك، فمن أعطاه الأعصاب والعضلات؛ حتَّى يبقى ينقل المطحون لمكانٍ ويجلب الذي لم يُطحن ويضعه في مكان الطحن، ومَنْ خلق لك اللعاب في فمك، ستة غددٍ لو زادت لكان كلُّ واحدٍ منكم الآن ريقه مسالاً، ولو كان الإفراز قليلاً فلن نستطيع أنْ ننطق ولا نتكلم، فهل شكرت نعمة الله عزَّ وجلَّ؟ ﴿وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾ ولولا الشفاه هل كنت ستستطيع الكلام؟

الإنسان مخير بين الخير والشر:
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ يعني الخير والشر:

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
[سورة الشمس]

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
[سورة الإنسان]

فهداك وعرَّفك بأنَّ هذا شر وعرَّفك بأنَّ هذا خير، ولم يكتفِ فبعَثَ لك الأنبياء عليهم السَّلام وبعد الأنبياء ورَثَة الأنبياء وكل ذلك رحمةً للعالمين:

{ خلقت الخلق ليربحوا عليَّ، لا لأربح عليهم (19) }

[قوت القلوب للمكي]

فهل فهمت لغة الله عزَّ وجلَّ، تتعلم اللغة الإنجليزية أليس كذلك؟ حتَّى تستفيد مِنَ اللغة، فأنت هل تعلَّمت لغة القرآن، ولغة الله عزَّ وجلَّ، وهل فهمت على الله عزَّ وجلَّ؟

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

يجب أنْ يكون لك قلبٌ مملوءٌ بنور الله عزَّ وجلَّ وبذكر الله عزَّ وجلَّ لتدخل في مدرسة القلوب ليعطوك قلباً حيّاً بالله عزَّ وجلَّ يهضم الغذاء الذي يتغذَّى به القلب فينقلب قوةً وطاقةً وأعمالاً صالحةً وأخلاقًا فاضلةً وحكمةً نيرةً وتكون أفضل أهل زمانك، فهذا هو هدف القرآن ومِنْ أجله نزَلَ القرآن لتكون:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ بيَّنَ لك طريق الخير ودعاك إليه، وبيَّن لك طريق الشر وحذَّرك منه:

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)
[سورة الأنعام]

فلو شاء أنْ يُكرهكم ويُجبركم على طاعته لفعل لكنَّه تركك مختارًا، فهل تستطيع شجرة المشمش أنْ تحمل صباراً؟ لا؛ لأنَّه لم يعطِها الاختيار، أنت كرَّمك وقال لك أنت مختار كما تشاء، أفلا يجب أنْ نشكر الله عزَّ وجلَّ على نعمة ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ وعلى نعمة جعل الخيار لنا، إذا أعطيت اللحم للقط بيدك فأين يأكلها؟ وإنْ خطفها مِنَ المائدة فأين يأكلها؟ على السطح، فهل يعرف الحلال والحرام، فهو فقيه أم ليس فقيهاً:

{ مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ (20) }

[صحيح البخاري]

فإنْ كان القط يعرف الفقه في الدين، فأنت إذاً يعني أجهل مِنَ القط؟ أسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ لا يجعلنا من الجهلاء وأنْ يجعلنا الله عزَّ وجلَّ مِنَ العلماء:

{ إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ (21) }

[سنن الترمذي]

وبعض الروايات ﴿النَّجْدَيْنِ﴾ هما كلُّ شيء مرتفع، التلة في الصحراء تسمى نجد؛ حتَّى أرض نجد تعتبر في الصحاري أراض مرتفعةً، ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ يعني الأثداء، عندما يخرج المولود مِنْ بطن أمه، فمَن علَّمه الرضاعة، والآن أنتم كبار فلو أتت أمكم لترضعكم فهل سترضعون كما يرضع ابن اليوم، فمَنْ هداه ومَنْ علمه.

يجب أن نعرف ما يريده الله منا:
ألا يجب أنْ نعرف هذا الإله، الذي:

وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)
[سورة النحل]

ألا يجب أنْ نعرف رسالته، إذا بعث لك رئيس الجمهورية مكتوباً ستملأ الدنيا وأين ما ذهبت: انظروا رئيس الجمهورية، وانظروا رئيس الوزارة، انظروا الوزير الفلاني، وانظروا لا أدري ماذا؟ بعث لي مكتوباً، هذا مكتوب الله عزَّ وجلَّ فهلا قرأته، تقرأ المكتوب وتفهمه مِنْ ألفه إلى يائه فهل فهمت مكتوب الله عزَّ وجلَّ، وكلُّه لمصلحتك، ليس شريكاً لمصلحتك ومصلحته؛ بل كلُّه لمصلحتك؛ لكنْ لابد مِنَ المعلِّم الحكيم والمزكِّي المربِّي، كانت الهجرة عندما كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حالّاً في مكة وارتحل إلى المدينة فصارت الإقامة في مكة حراماً، والهجرة إلى المدينة حيث مُعلِّم الكتاب والحكمة ومُزكِّي النفوس.

الله عزَّ وجلَّ أعطى الإنسان القوة ليقتحم العقبة:
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ أعطيناك كلُّ القوى: قوة البدن وقوة المال ليعمل الأعمال الصالحات، والأعمال الصالحة فيها صعوبةٌ على النفس، مثل الذي يسلك الطريق الوعر في الجبل والصخور، فماذا يسمون هذا؟ عقبة، قال: هلا اقتحم العقبة لأنَّنا أعطيناه كلَّ الوسائل ليقتحمها، فأعطيناه القوة البدنية والعقلية والوحي والرسالة والأنبياء عليهم السَّلام وبعد الأنبياء ورَثة الأنبياء، اقتحِم؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ يعني هل تأتي إلى الديك وتفك رقبته، أم تفك رقبة زوجتك؟

{ جاء أَعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، قال: عَلِّمْني عَمَلًا يُدخِلُني الجنَّةَ، قال: لَئِن كُنتَ أَقصَرتَ الخُطبةَ لَقد أَعرَضْتَ المَسألةَ: أعتِقْ النَّسَمةَ، وفُكَّ الرَّقبَةَ، قال: أَوَلَيسا واحدًا؟! قال: لا، عِتقُ النَّسَمةِ أنْ تُفرَدَ بِعِتقِها، وفَكُّ الرَّقبةِ أن تُعينَ في ثَمنِها، والمِنحةُ الوَكوفُ، والفَيءُ على ذي الرَّحمِ الظَّالمِ، فإنْ لم تُطِقْ ذلكَ فأَطعِمِ الجائِعَ، واسْقِ الظَّمآنَ، وأْمُرْ بِالمَعروفِ، وانْهَ عنِ المُنكَرِ، فإن لَم تُطِقْ ذلكَ فكُفَّ لِسانَك إلَّا مِن خيرٍ }

[صحيح الألباني]

أتى أعرابي وقال:يا رسول الله، ما فك الرقبة، وما هو اقتحام العقبة؟ قال: (أعتِقْ النَّسَمةَ، وفُكَّ الرَّقبَةَ) (قال: أَوَلَيسا واحدًا؟! قال: لا، عِتقُ النَّسَمةِ أنْ تُفرَدَ بِعِتقِها) فعندما تعتق العبد لا يُشاركك أحد، وهذا عتق النسمة، (وفَكُّ الرَّقبةِ أن تُعينَ في ثَمنِها، والمِنحةُ الوَكوفُ، والفَيءُ على ذي الرَّحمِ الظَّالمِ، فإنْ لم تُطِقْ ذلكَ) فلا تستطيع أنْ تُطعم ولا تُسقي ولا تأمر ولا تنهى، قال: (فكُفَّ لِسانَك إلَّا مِن خيرٍ) (22) هذه أدنى الدرجات التي تدخلك الجنة، فما رأيكم هل تريدون الجنة أم جهنم؟ قولوا يعني هل تستطيع أنْ تأخذ طقماً بالكلام مِنْ غير ثمن، حذاءٌ مِنْ غير ثمن هل تستطيع أنْ تأخذه؟ فنريد أنْ نأخذ جنةً عرضها السماوات والأرض بالكلام؟ قولوا آمين، اللَّهم اجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه.
هل حفظتم سورة البلد جيداً، وهل تستطيعون أنْ تُعلِّموها لغيركم؟ لتصيروا (رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ)(23) هل يستطيع أحدكم أنْ يجلس جلسةً في بيته لأقاربه ولجيرانه ولمعارفه على فنجان قهوة أو كأس شاي ويُعلِّمُهم السورة.
وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد، وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:
(1) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم: (33)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم: (59).
(2) سنن أبي داود، أول كتاب العلم، باب الحثُّ على طلب العلم، رقم: (3641). والتِّرمذيُّ، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2682). سنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب فضل العلماء والحثُّ على طلب العلم، رقم: (223).
(3) سنن ابن ماجه، افتتاح الكتاب بالإيمان: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224).
(4) حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني، (9/279).
(5) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، رقم: (30)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان والنذور، باب إطعام المملوك مما يأكل، رقم: (1661).
(6) السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (13765)، (7/216)، المستدرك للحاكم، رقم: (6996)، (4/97)، قال البيهقي: "هذا مُرسَل حسن".
(7) سنن النسائي، كتاب الطهارة: النهي عن الاستطابة بالروث، رقم: (40)، مسند أحمد، رقم: (7409)، (12/372).
(8) صيغة قريبة منها مما أخرجه الترمذي في "سننه" أبواب صفة القيامة والرقائق والورع: باب ما جاء في صفة الحوض، رقم: (2472)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ابن ماجه في "سننه" في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم: فضل سلمان، وأبي ذر، والمقداد، رقم: (151). واللفظ: «لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال».
(9) أخرجه الحاكم، رقم: (7923)، (4/ 361).
(10) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوّة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، رقم: (2664).
(11) المعجم الأوسط للطبراني، رقم: (8934).
(12) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(13) صحيح مسلم، كتاب الذِّكر والتَّوبة والدُّعاء والاستغفار، باب التَّعوُّذ من شرِّ ما عمل ومن شرِّ..، رقم: (2722).
(14) الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (373)، (165) قال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف.
(15) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب خيركم من تعلم القرآن، رقم: (5027).
(16) سنن الترمذي، كتاب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب، رقم: (2869)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، رقم: (18901)، (4/319).
(17) صحيح مسلم، الرقم: 1920.
(18) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم: (3461).
(19) قوت القلوب للمكي، (1/366).
(20) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، رقم: (71)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، رقم: (1037).
(21) سنن الترمذي، أبواب العلم: باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2685)، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب»، سنن ابن ماجة، أبواب السنة: بَابُ ثَوَابِ مُعَلِّمِ النَّاسَ الْخَيْرَ، رقم: (239).
(22) صحيح الألباني، رقم 3318.
(23) سبق تخريجه.