تفسير سورة البقرة 01

  • 1978-07-04

تفسير سورة البقرة 01

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، نحن الآن في تفسير بعض آياتٍ من سورة البقرة يقول الله تعالى:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ(84)
[سورة البقرة]


الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل في زمن سيدنا موسى عليه السلام:
هذا الميثاق لبني إسرائيل ولليهود؛ يعني اذكروا لمّا أخذ الله الميثاق على آبائكم وأجدادكم في زمن كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام، وكان الميثاق والعهد بينهم وبين الله ﴿ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ﴾ يعني لا يجوز أحد من بني إسرائيل يقتل بريئاً أو بغير حق أو مظلوماً،﴿ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ يعني أيضاً لا تُخرجوا أحد من بلده من وطنه تُهجِّروه تُلجِّئُوه إلى مُفارقة الوطن، قال ثُم أقررتم بالميثاق وأعطيتم العهد على تطبيقه وتنفيذه وأنتم تشهدون، تُؤدون الشهادة على ما أخذه الله عليكم من عهدٍ وميثاق، قال:

ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
[سورة البقرة]


نقض بني إسرائيل للميثاق:
﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ يعني يا بني إسرائيل تقتلون أنفسكم فكانوا في المدينة المنورة، المدينة كان فيها قبيلتين الأوس والخزرج، والقبيلتين كانوا من العرب وكانوا أعداء بعضهم البعض فاليهود أيضاً انقسموا كل قسم يقاتلوا مع حلفائهم فيقتلوا بعضهم البعض على خلاف الميثاق الذي أخذه الله عليهم أن لا يقتل بعضهم بعضاً، لا تقتلون أنفسكم لأن الإنسان إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه.
قال: ﴿ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾ أيضاً أعطوا العهد والميثاق أن لا يتعدوا على بعضهم البعض فنقضوا العهد والميثاق في القتل وفي إخراج بعضهم من ديارهم ومنازلهم وأوطانهم.
﴿ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ﴾على إخوانهم يتعاونوا ويُظهروا عليهم العدوان والتعدّي والبغي والإثم بالقتل وبالإخراج وبالإيذاء،﴿ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ﴾ أي تتعاونون عليهم مع العرب إثماً وعدواناً يعني مُخالفةً لأمر الله وتعدِّياً على إخوانكم، قال هذا في مخالفة أوامر الله ونقضهم لميثاق الله، قال في واحدة كانوا يوافقوا فها الميثاق ويُوافقوا فيها أمر الله وهي كان من الميثاق المأخوذ عليهم أنهم إذا رؤوا أسير يهودي عند أعدائهم يجب أن يدفعوا الفدية ويُخلِّصوه، قال هذه كانوا يعملوا فيها.
﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى﴾ إخوانكم من اليهود أُسارى تُفادوهم تدفعوا الفدية من المال حتى تُخلصوهم من ماذا؟ من الأسر.
أخرجتموهم من ديارهم حتى وقعوا في الأسر هذا خالفتم فيه أمر الله، وقتلتموهم خالفتم فيه أمر الله وثم تدفعون الفِداء مُوافقة لأمر الله!﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾.

طاعة الله في كل أوامره واجتناب كل نواهيه:
يعني هذا أصبح تلاعب في الدين فالدين مثل السيارة يعني سيارة يجب أن يكون عجلاتها ومحركها وبطاريتها ومقاعدها فإذا وضعنا عجلتين وتركنا عجلتين لم تعد سيارة تُحقق الهدف من صنعها.
﴿ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ ما الذي كفروا به؟ القتل وإخراج إخوانهم من ديارهم وأوطانهم، وتؤمنون ببعض الذي آمنوا به وهو الفدية لِفكاك أسراهم من أعدائهم هذا صار ليس دين، يعني تؤمن بما يأتي على هواك تؤمن بالذي يروق لك والتي لك فيها مصلحة والتي ليس لك فيها مصلحة وليس لك فيها هوى وليس لك فيها رغبة لا تفعلها! فتؤمن بفرضٍ وتكفر بفرضٍ تؤدي فرضاً وتترك فرضاً تترك مُحرَّماً وترتكب مُحرَّماً آخر، هذا يا ابني الحياة موجودة في كل خلايا الجسم غير ممكن أن تكون موجودة بالرأس وغير موجودة بالقدمين! فالليل كله ليل والنهار كله نهار، ليل ونهار في وقت واحد لا يجوز إيمان وكُفر في وقت واحد لا يجوز.
قال: ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ﴾ فإذا كان هؤلاء هكذا يفعلون معناها هم يتلاعبوا في دين الله معناه غير مؤمنين حقّ الإيمان بالله وبشريعة الله لأنهم لو آمنوا بالله لأطاعوا الله في كل أوامره، لو آمنوا بشريعة الله رجاء ثوابها وفِراراً من عقوبة تارك أوامرها لو آمنوا بها لأدّوا فرائضها كلها وامتنعوا عن محارمها كلها، فإذا أحببت حبيبك تُحب رأسه ويديه وقدميه تُحب كل وجوده، أتُحب وجهه وتطعن ظهره بالخنجر؟! يعني أنا أُحب وجهك ولكني أكره ظهرك لذلك سأطعن في ظهرك! لذلك الطعن بالظهر كأنه طعن في كل الوجود وفي كل الشخص، قال فهذا تلاعب في الدين وكُفر وضلال، فسياق الآيات فيها تعزية للنبي أنه يا محمد لا تحزن على اليهود إذا لم يؤمنوا بك فقد كفروا بنبيهم من قبلك وهو منهم ومن بني إسرائيل لا تأسى عليهم إذا لم يستجيبوا لأمر الله فلقد نقضوا العهد والميثاق بينهم وبين الله.
كما أنه في تسلية للنبي أنه لا تُعلق قلبك فيهم وتحزن على كفرهم وتأسى على عدم إيمانهم.

أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
[سورة فاطر]

هؤلاء لا خير فيهم ولا فائدة منهم وقلوبهم قاسية، قلوبهم ما عندها استعداد لقبول الهُدى والنور، وهذا شيء في آبائهم وأجدادهم وسُلالاتهم وشيءٌ ليس بجديد وليس بالحادث.

فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
[سورة البقرة]


الخزي والعذاب الذي أنزله الله تعالى على بني إسرائيل:
الله أخزاهم وأنزل عليهم العذاب في الدنيا سلط عليهم الرومان، أجلوهم من فلسطين ومرة ثانية أحرقوا القدس الرومان ولم يُبقوا فيها جداراً واحداً حتى حَرثوا أرضها واستعملوها للزراعة حتى لا يُبقوا لهم في فلسطين أثراً ولا خبراً، وفي فلسطين لم يكونوا هم ساكنين، هم أتوا أصلهم من جهة العراق من جهة فارس شمال العراق هاجروا إلى فلسطين وسموهم عبريين لأنهم عَبروا نهر الفُرات إلى بلاد الشام والذين كان ساكن فلسطين كان ساكن فيها وسكانها الأصليين هم الكنعانيون، يعني هم العرب الأصليين هم أصحاب الأرض والبلاد وهم يحتجوا أنَّ الله وعد إبراهيم أن تكون فلسطين له ولذريته، كذلك حرّفوا وعد إبراهيم الموجود في التوراة له ولذريته أبناء إبراهيم إسحاق وإسماعيل، فإسحاق ابنه من؟ يعقوب ويعقوب ما أسمه الثاني؟ إسرائيل، فإذاً بنو إسرائيل من ذرية من؟ من ذرية إسحاق، والعرب من ذرية من؟ إسماعيل، فإذاً الوعد الإلهي لإبراهيم للعرب ولبني إسرائيل، هذا كوعد إلهي ديني، أما كشيء واقع إذا كان العربي مُتملك هذه الأرض فشريعة إبراهيم أو موسى تسمح لك أيها الإسرائيلي بإسم كتاب الله أن تغصبه أرضه وتُخرجه من دياره وتمنعه من العودة إليها هذا دين؟! هذا لا دين شرعي ولا دين وضعي ولا دين سماوي ولا دين أرضي، ولكن صادفت هذه الفكرة هوىً في حاخاماتهم وصادف هوىً في المستعمرين الصليبيين الغربيين أن يوجدوا في بلاد العرب قوة أجنبية تجعل العرب دائماً في ضعف وفي تفرقة وفي تفكك وفي تخلف، ومن جهة ثانية أرادوا من هذه القوة أن تكون حارسة وكشرطي لمصالح الغرب وأوربا والصليبيين في بلاد المشرق، فالتقى هوى اليهود مع هوى الصليبين المُستعمرين فتشكّلت منهم إسرائيل فهؤلاء اعتمدوا على الوعد التوراة الذي هو غير صحيح حسب نصوص التوراة الحالية والصليبيين هنا أرادوا أيضاً وخصوصاً بعد ظهور البترول أرادوا إضعاف العرب وحراسة مصالحهم البترولية وبلاد العرب كبلاد بين القارات الثلاث لها مركزها العالمي من نواحي متعددة فأوجدوا إسرائيل، لو يوجد خمسين مُبرر لو كان الإسلام الحقيقي موجوداً لا الصليبيون ولا الإسرائيليين هذا النغم والموال كان على بالهم من زمن النبي لكن استطاعوا أن ينفذوه؟
والصليبيون هذا الموال برأسهم منذ مئات السنين قبل الإسلام كانوا حاكمين هذه البلاد جاء الإسلام فأخرجهم وحرر البلاد من استعمارهم، في القرون الوسطى ظنّوا أن الإسلام ضَعف هجموا في الحروب الصليبية وكان الإسلام نائماً في قلوب المسلمين، يعني إسلام المسلمين نائم أما الإسلام الذي هو شريعة الله لا يوصف بنوم ولا بغير نوم، لكن إيمان المسلمين كان نائم فأتى نور الدين الشهيد التركي وصلاح الدين الأيوبي الكُردي ثم جاء الملك الظاهر بيبرس هو الذي نظّف البلاد من آثار الصليبين ومن آثار التتار الذي نقى البلاد ووحدّها ونظّفها من؟ بالإسلام، جاء قبله الملك المُظفر قطز نظَّف البلاد من التتار وهزمهم في معركة عين جالوت في فلسطين، كله بالعقيدة بالإسلام العقيدة الإسلامية التي كانت الإيمان بالقيامة، بما بعد الموت، بالجنة، بالنار، بالثواب، بالعقاب، بلقاء الله، بحساب الله، وعلى هذه العقيدة ضبطوا أعمالهم الصغيرة والكبيرة الظاهرة والخفيّة ضبط حتى جعلهم من المستقيمين أعمالاً الفُضلاء أخلاقاً الذين الموت أحبّ إليهم من الحياة، فبهذه العقيدة هزموا كل الأوربيين، الآن ضَعُف الإسلام ليس الإسلام كشريعة ورسالة هذه لا يصيبها ضعف ولا وهن، القرآن قرآن لكن ضَعُف إيمان المسلمين بدينهم ضَعُف تعلّقهم بإسلامهم فقدوا الرجال الذين يبنون الإسلام في القلوب وفي العقول وفي النفوس وفي الأخلاق، المجتمع الإسلامي فقد المهندسين الذين يُتقنون بناء الإسلام؛ إسلام العمل، إسلام الأخلاق،إسلام الفكر، إسلام القوة، إسلام ثقافة القرآن، إسلام الروح،إسلام القلب، فلمّا ضعف هذا الإيمان في نفوس المسلمين وبالتالي ضعُفت أخلاقهم وبالتالي ضعُفت أعمالهم وتفكيرهم فالتقى اليهود مع الصليبين فعملوا شركة وعملوا تعاونية للسيطرة على البلاد العربية فكانت إسرائيل، فالله يقصّ علينا قَصص بني إسرائيل لمّا ضُربت عليهم الذُلة والمسكنة وأخزاهم الله في الدنيا لمّا كانوا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، لمّا ضعُف إيمانهم بالله وضعُف ارتباطهم بسنّة موسى رسول الله وضعُف ارتباطهم بتوراتهم التي هي شريعة الله المُنزلة إليهم من السماء وصاروا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، ففي الآية يقتلوا بعضهم البعض ويُخرجوا بعضهم البعض هذا كُفر، والإيمان إذا وجدوا أسرى منهم عند أعدائهم كانوا يُخلّصوهم من الأسر ببذل الأموال، فالله قال كانت النتيجة أن ضربهم الله بالخزيّ في الحياة الدنيا فسلّط عليهم الرومان ثم سلّط عليهم العراقيين بختنصر أيضاً سَباهم وأجلاهم وقتلهم ودمّرهم والله يقصّ هذا القصّص عليهم في زمن النبي أنَّ هذه عادتكم وما هو شيء جديد فيكم ويقصّ على النبي أن لا تُعلِّق قلبك فيهم ثم تركه مُسجّلاً لنا في القرآن لنحذر ما وقع فيه اليهود أن نؤمن ببعض القرآن ونكفر ببعضه الآخر، مثل من يُصلي ولا يُزكي، آمن بالصلاة فأداها وترك الزكاة إيماناً بها أم كُفراً بها وإعراضاً عن أحكامها؟! آمن بالصلاة والزكاة وكفر بذكر الله فلم يذكر الله كثيراً ولا قليلاً، آمن بالذكر وبالصلاة والصوم لكن كفر بقوله تعالى:

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46)
[سورة الأنفال]

كفر بقوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)
[سورة الصف]

الآن العرب سياسياً اليمن يمنين، البعث بعثين، مصر وليبيا، الجزائر ومراكش،اللبنانيين بعضهم مع بعض يمين ويسار إسلام ونصارى، فالشيء الذي القرآن يُعيبه على اليهود وأنه سبب حتى أخزاهم الله في الدنيا فهزمهم بدل أن ينصرهم وأذلّهم في الدنيا بدل أن يُعزهم وأفقرهم في زمن رسول الله بدل أن يُغنيهم وجعلهم محكومين بدل أن يكونوا حاكمين هذا خزيّ في الدنيا ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
لو أن هنا انهزمنا وكفرنا وتفرّقنا وتسلّط علينا العدو وعند الموت القصة انتهت والله المسألة سهلة.
وَلَو أَنّا إِذا مُتنا تُرِكنا لَكانَ المَوتُ راحَةَ كُلِّ حَيِّ وَلَكِنّا إِذا مُتنا بُعثِنا وَنُسأَلُ بَعدَ ذا عَن كُلِ شَيءِّ
{ علي بن أبي طالب }

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
[ سورة المجادلة]


إن الله لا يُسارع بالعقوبة للعاصي:
فالقصة يا بني أن الناس يحسبون كل حساب الدنيا إذا اغتنى في الدنيا الله راضٍ عنه هكذا عقيدة الناس، إذا ربح والله الله ممنون منه! إذا زاد ماله ورأسماله والله ما شاء الله إن الله ينظر لوجهه، وإذا افتقر لا يرون إلا ثواب الدنيا وعقوبة الدنيا! لا هذا خطأ ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ليس إلى العذاب إلى أشدّ العذاب، هذا كلام الله هذا قرآن، لا تقول حديث ضعيف صحيح أو قوي أو حسن أو طويل أو قصير كلام الله في حق أممٍ سبقتنا لمّا خالفوا أمر الله خالف الله بهم لمّا غيروا استقامتهم على صراط الله سلبهم الله نعمه وقد قال عنهم:

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)
[سورة البقرة]

مع هذا التفضيل الخزيّ في الدنيا وأشدّ العذاب في الدار الآخرة.
الله خاطب نساء النبي قال:

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
[سورة الأحزاب]

أنتن أزواج النبي أنتن أهل بيت النبوة فإذا عصيتن الله عذاب على المعصية هذا عذاب والعذاب الثاني لأنَّ الناس سيقتضون بمعصيتكن فيصبح هذا الاقتضاء معصية ثانية تستحق عقوبة ثانية

وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا(31)
[سورة الأحزاب]

المرة على فعل الصلاح والتقوى والثانية لأنَّ الناس سيقتضون بتقواهم وصلاحهم واستقامتهم.
﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ إلى أين أنت ذاهب؟ هل تظن أنك تفعل الذي تفعله لا يوجد رقيب ولا يوجد حسيب ولا سؤال ولا جواب لم يراك أحد؟ طُمست وانتهت؟ لا.

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)
[سورة إبراهيم]

إذا لم يُسارع لك العقوبة في الدنيا يمكن بعد سنة يمكن بعد شهر يمكن بعد عشر سنين يمكن في آخر حياتك ﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ ذلك اليوم قد يكون في الدنيا كمن تشخص فيه الأبصار من الفزع والرعب والخوف يصير معك كما يصير مع المرعوبين في مواقف القيامة، قال: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾
أولئك الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، أدّوا بعض الفرائض وضيَّعوا البعض الآخر، انتهوا عن بعض المحارم وارتكبوا البعض الآخر قال:

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (86)
[سورة البقرة]

رغبوا في هذه الحياة في نعيمها في لذائذها في لهوها في لعبها في فخرها في أمجادها والآخرة ضيّعوها، اشتروا الدنيا وضيّعوا الآخرة، دفعوا ثمن الدنيا دين ضيّع دينه ليكسب دُنياه، ضيّع باقياً ليشتريّ فانياً، ضيّع حقاً وحقيقةً ليشتري باطلاً ووهماً.
قبل شهر أو شهرين كان أخونا المحامي أبو أيمن كان بيننا محامي من كبار المحاميين عالم ناضج له وزن في القصر العدلي أين أصبح؟ أصبح وهماً؟ هل خيال؟ أصبح الآن ذكرى أصبح الآن تركة، كان محامي يُرافع في محاكم الجنايات في المحاكم الكبيرة أصبح الآن تركة يُوزع، وكجسد لا أحد يستطيع أن يراه لا ابنه ولا ابنته ولا زوجته ولا أهله ولا إخوانه أما الحقيقة كروح بقيّ برأس مال إيمانه وأعماله وتقواه اللهم تقبل حسناته واغفر خطاياه وخطيئاته واغفر لنا أجمعين.

عودة اليهود لدينهم ولتوراتهم:

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (86)
[سورة البقرة]

الله يذكر اليهود والذي يشتري الحياة الدنيا لذائذها المُحرّمة شهواتها المُحرّمة يمنع الزكاة حتى يأخذ مال الزكاة حتى يتمتع فيه أو يعطيه للورثة أو إلى آخره قال هؤلاء﴿ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ عذاب شديد لا تخفيف فيه، ولا ارتفاع له عن المُعذبين به، ﴿ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ لا أحد يُخلصهم من عذاب الله هذا في حقّ اليهود، في الدنيا رأينا خزيّهم لمّا كان الإسلام قائماً وعظيماً، الآن إذا رأينا بعض انتصاراتهم لأنهم عدّلوا بعض خِططهم مع توراتهم الآن رجعوا إلى التوراة الآن عادوا لمحبة بعضهم البعض عادوا إلى التعاون مع بعضهم البعض عادوا إلى بذل المال لا يوجد يهودي في مشارق الأرض وفي مغاربها إلا ويضع مال في آخر كل شهر في صندوق الوكالة اليهودية من أجل قضية فلسطين، ويضعون ليس بالليرة أو الخمسين أو المائة بل يضعون بالملايين بعشرات مئات الملايين، تعاونوا على البر والتقوى هم يتعاونون، اطلبوا العِلم ولو في الصين يطلبون العِلم ولو في الصين، أطيعوا أولي الأمر منكم هم يطيعون حاخاماتهم الذي قادهم وجمعهم وربطهم ورفع من شأنهم، وجود رجل الدين فيهم والمُطاع المُحترم، جيشهم مليء بالحاخامات، جيلهم وشبابهم وطلائعهم كلها يُربونها على التوراة وعلى الدين، رئيس وزرائهم يُقبّل يد الحاخام وتُلتقط له الصور ويفتخر في المجلات أنه لثم وقبَّل يد رجل الدين، فلمّا عادوا بعض العودة إلى دينهم.

تخلف المسلمين اليوم وابتعادهم عن دينهم والفرق بينهم وبين اليهود:
والمسلمون صاروا هم الآن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض! المسلمين الآن هم يُقاتلون بعضهم البعض ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ﴾.
أمس قتلوا رئيس جمهورية اليمن الشمالية من الذي قتله؟ اليمن الجنوبية، ثاني يوم اليمن الجنوبية تقاتلوا مع بعضهم البعض في أسواقهم التجارية وفي عدن العاصمة بالمدافع هذه

﴿ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

فالتفرقة خزي، أن نكون تابعين لأجنبي غيرنا من الشرق أو من الغرب هذا خزي، التخلف في ميدان العِلم والتكنولوجيا والفنون والاقتصاد والزراعة هذا خزي، سلاحنا غير موجود في مصانعنا صنع أيدينا نحتاجه من أعدائنا هذا خزي، مُتفرقين عشرين دولة وأكثر هذا خزي، في أربع حروب حاربنا مع اليهود الأقل منا عدداً ومدداً ننهزم هذا خزي، إلا في الحرب الرابعة صمد العرب لأول مرة ويمكن لو لم تتدخل أمريكا كان قد يكون أكثر من صمود، أما لمّا كان العرب يفهمون الإسلام حقَّ الفهم ليس كصلاة شكليّة ليس كصوم فقط ترك الأكل ليس الحج فقط انتقال من بلد إلى بلد وخلع ثياب ولبس ثياب، كانوا يفهموا الحج وكانوا يفهمون العبادات كانوا يفهمون الصلاة قبل كل شيء اتصال حسهم بالله، اتصال قلبهم بالله، ارتباط شعورهم بالله، الواحد منهم كمؤمن لو دخل إلى بيته في السرايا في البستان في البرية في أوربا يجد الله معه مُطَّلع ليس على أعماله الظاهرة على سرائر وخفايا نفسه الباطنية، فكان يتقي الله لا في أعماله البدنية وفي أفكاره العقلية وفي خطرات قلبه النفسية، وفي نواياه وعزائمه وإرادته، في سره وعلنه، في رضاه وفي غضبه، في عظمته وعِزه وكبريائه، في كل شؤونهم كانوا مع الله وكان يقودهم القرآن كتاب الله فصاروا أعظم أُمم الأرض علماً وعقلاً وقوةً وسياسةً ودولةً، الآن لا يوجد لا نحن صرنا أوربيين ولا نحن مسلمين أما اليهود فأوربيين ويهود، يعني أخذوا ثقافة أوربا أخذوا علوم أوربا أخذوا تكنولوجيا أوربا صاروا يصنعوا الطائرات ويصنعوا الدبابات ويصنعوا الأسلحة ويصنعوا الصناعات الحربية والمدنية وفوق ذلك تمسكوا بالتوراة وفوق ذلك تمسكوا بالحاخام، والحاخام كذلك عقله ليس بجاف عقله ريّان ابن الحياة وابن الزمن وابن التوراة لكن التوراة خاصتهم، ففي أمور الدنيا أوربيين وفي أمور الدين صاروا إسرائيليين، أما العرب لا في أمور الحياة الدنيا صاروا أوربيين وتقدميين وصناعيين ومُنتجين لا سلاحنا نصنعه، لا سياراتنا نصنعها، لا بلورات كهربائنا، لا دراجاتنا، لا الإبرة، فمن حيث العلوم والثقافة والاقتصاد لا نزال عالةً على الغرب وعلى الشرق بل على كوريا وفيتنام هؤلاء الذين كانوا مُتخلفين أكثر منا، ولا في الدين الإسلام صرنا مسلمين كما كان آبائنا وأجدادنا، ادعاءات وجامعة عربية ولا نزال مُنقسمين ومُنقسمين ومُنقسمين وجُهلاء بالنسبة للأمم الراقية ومُتخلفين بالنسبة للأمم المُتقدمة، فقراء بالنسبة للأمم الغنية وضعاف بالنسبة للأمم العظيمة، بينما بالإسلام كنا أسياد الدنيا بلا مُنازع وبلا مُنافس، والآن إذا المسلم يعود إلى الإسلام إسلام القلب إسلام الذكر إسلام مع الله إسلام محبة الله إسلام خشية الله إسلام أن تؤثر رضاء الله على رضاء أهل الدنيا وما فيها ليغضب الناس كلهم وليرضى الله، لتسلم من غضب الله ولو غضب كل الناس عليك، فإسلام القلب إسلام الروح وثم إسلام الأعمال إسلام الفرائض إسلام الأخلاق إسلام الشيخ من الإسلام يكون لك مُعلِّم يُعلمك الكتاب والحكمة ويزكيك يًزكي نفسك

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)
[سورة البقرة]

أبو بكر استغنى عن إسلام المُعلم المُربي المُزكي المُربي المُرشد؟ سيدنا عمر صار سيدنا عمر بلا الذي يعلمهم الكتاب والحكمة ويُزكيهم ويُعلمهم ما لم يكونوا يعلمون؟
أصحاب رسول الله تَعلموا التقوى من غير إمام التقوى وأستاذ التقوى؟ كان يُعلمهم بلسانه وبأعماله وبصحبته وبمحبته وبرابطتهم به، فبهذه المعاني صاروا إسلام الأخلاق والأعمال، إسلام الجهاد إسلام التقوى إسلام الرحمة إسلام الهمّة إسلام الصمود إسلام الصبر إسلام البذل.
المسلم الذي يعينه أداء واجبه أن يبذل مال أن يكون غني يعتذر بألف عذر لأنه ما عنده إسلام البذل، ما عنده إسلام الإنفاق ما عنده إسلام السخاء والكرم في أداء ما عليه من واجبات مالية، تقول له أبذل من الوقت تعال اليوم وأعمل عملاً في سبيل الله، من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين، إما إلى مجلس عِلم أو إلى مجلس إيمانٍ وذكر أو إلى صُحبة مُربي ومُرشد يقول لك مشغول، فهذا كان كلام المنافقين الله قال:

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
[سورة الفتح]

الله رد عليهم قائلاً: ﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ فلمّا الله ذكر أنَّ هذه الأمراض والمُخالفات والكُفر والنفاق ظهرت في أمةٍ قبلنا وهم اليهود فضربهم الله في الخزي في الدنيا ولهم في الآخرة أشدّ العذاب ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ والسبب:﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ﴾.
يريد دنيا والثمن ماذا يدفع؟ الآخرة يخسر الآخرة ويكسب الدنيا.
نُرَقِّعُ دُنيانا بِتَمزيقِ دينِنا فَلاَ دينُنا يَبقَى ولا ما نُرَقِّعُ
{ عدي بن زيد }
كله على حساب ديننا من أجل فلان لا يحزن نترك الصلاة، من أجل النقود لا تنقص نمنع الزكاة، من أجل جسمنا لا يضعف نفطر في رمضان، من أجل أن نربح وزبون زيادة فليدخل علينا مجلس العِلم ومجلس الإيمان من أجل كذا وكذا، وعندما يأتينا الموت فجأة لا المال ولا الدكان ولا الأصحاب ولا الحزب ولا الوظيفة ولا الجاه ولا ولا ، منام وتفتحت عينا النائم

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14)
[ سورة النازعات]


أهمية وجود العالم المُزكي في حياة المسلمين اليوم:
السبب عدم وجود من يُعلّم المسلمين الكتاب والحكمة ويُزكيهم، والسبب فقد من يُعلّمهم ما لم يكونوا يعلمون إن وجد فالارتباط ضعيف، إذا ما ارتباطك بمُعلّم الكتاب والحكمة أبلغ من ارتباطك بأمك وأبوك وأبلغ من ارتباطك بمالك وبزوجتك وبأولادك وبسيارتك وبمحلك وبمزرعتك وبوظيفتك إذا ما ارتباطك بدينك أبلغ من كل هذه الارتباطات أنت لست مسلم حقيقي، وأنتِ لست مسلمة حقيقية ولو صليتم ولو صمتوا ولو حججتم ألف حجة! الله قال:

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)
[ سورة التوبة]

هل يوجد أغلى من الأب ﴿وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾ هل يوجد أغلى من الولد؟ ﴿وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ ومساكن بأبو رمانة أو بالزبداني أو في بلودان أو بطريق الصالحية ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله، بعد الرسول نائب الرسول يجب أن تبحث على نائب الرسول وارث الرسول الذي ورث عن النبي التعليم تعليم الكتاب وعلوم الكتاب والقرآن، وتعليم الحكمة ورث عن النبي وينوب عن النبي في أمته في تعليمهم الكتاب والحكمة، وينوب عن النبي في تزكيّة نفوسهم وإخراجهم ونقلهم من الظلمات إلى النور من البخل إلى السخاء، من الغفلة إلى الذكر، من قسوة القلوب في حب الدنيا إلى ليّنها بذكر الله ومجالسة الله، ينقلهم من الجهل إلى العِلم، من البغضاء والشحناء والأحقاد إلى المحبة والألفة والإخاء، من التفرقة إلى الجمع.

{ العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ }

[أبو داوود والترمذي وابن ماجه]

يجب أن ترث الصفات عن رسول الله وتظهر آثارها في وجودك في حياتك في تعليمك في إرشادك، فإذا كانوا يبثوا العداوة والتفرقة والأحقاد والحسد هل هذا علم؟! من ثمارهم تعرفونهم، لذلك الله لا يجعلنا ممن نًرقع دنيانا بتمزيق ديننا وبالنهاية التي نرقعها بديننا فلا ديننا يبقى لأنه رقعنا قُطع وذهب والذي نرقعه الرُقع أيضاً نُرقع التنك بالقميص الكتان! هل هذه تصلح مع هذه؟ فلا ديننا يبقى ولا ما نُرقع، فإذا كل مسلم منكم الموجودين في الجامع أما الذين خارج الجامع ما الفائدة نتكلم عنه، أنتم إذا أردتم أن تصبحوا مسلمين حقيقيين مسلم حقيقي الله يُحيي به أمة يُحيي به بلد يحيي به ألوف وقبل كل شيء إسلام القلب إذا ما أسلم قلبك إذا ما صارت التقوى في قلبك كان النبي يقول:

{ الإسلامُ علانيةٌ، والإيمانُ في القلبِ، والتَّقوى هاهنا، التَّقوى هاهنا، التَّقوى هاهنا، وأشار إلى صدْرِه }

[أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى]

فإذا أسلم القلب تظهر شُعب الإيمان وفروع الإيمان من شجرة القلب تظهر التقوى وتظهر الحكمة ويظهر الإخلاص، يظهر الصدق في القول في العمل في الصبر في الصمود في الجهاد أداء فرائض الله،اجتناب محارم الله، التخلُّق بفضائل الأخلاق يظهر فيك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنقل الناس من الظلمات إلى النور، هذا الإسلام سواءٌ وجد في الرجل أو في المرأة في الصغير أو في الكبير تصبح لا تجد الثقل والضجر في أي أمرٍ يدعوك إليه الإسلام، تجد البعيد قريباً والشاقَّ سهلاً يسيراً والعذاب عذباً كالماء العذب الجيد هذا من الإيمان، تجد المعونة الإلهية:

بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ(125)
[سورة أل عمران]

فلو فقدت كل الوسائل وفُوجئت بالعدو فجأة وأنت مع الله صادقٌ مُخلص الله قال لا يتخلى عنك والله قادر يُنقذك مهما كانت الأزمة ومها كانت الشِدّة، فسيدنا يونس في بطن الحوت من يُنجيه هل هناك قوة سببية تستطيع تخليصه؟! البحر ينفلق بعصاة اثنا عشر شارع! النبي عليه الصلاة والسلام وحده آمنت به السيدة خديجة، وسيدنا علي امرأةٌ وطفلٌ فامرأةٌ وطفلٌ وهو فتح الله له مشارق الأرض ومغاربها، لكن يجب أن تسلك طريق الإيمان، طريق الإيمان أوله أول الإيمان أول الإسلام قبل القرآن المُعلِّم المُرشد المُزكّي، المسلمون عرفوا لا إله إلا الله قبل النبي أم بعد النبي؟ النبي أولاً وُجِد أم لا إله إلا الله وجدت في قلوبهم أولاً؟النبي أولاً وُجِد وهو أوجد في قلوبهم وعلى ألسنتهم لا إله إلا الله، القرآن أولاً وُجِد أم النبي أولاً وُجِد؟ النبي، فقلبه السماوي الربّاني الذي امتلأ بالله صار مثل المغناطيس جذب القرآن من السماء حتى أمتلئ به قلبه، النبي أولاً وُجِد بعد ذلك الصلاة وبعده الزكاة وبعده الفتوحات وبعده عِز العرب وبعده وحدة العرب فأول نائب النبي إذا وجدت وعرفته تمام بعده يصير كل شيء صار مع أصحاب رسول الله بحسب قوة النائب وبحسب صدق ارتباطك معه، يعني رسول الله هل يوجد أعظم منه؟ لكن أبو جهل استفاد منه شيء؟ أبو لهب استفاد؟ أبو هريرة استفاد أكثر أم أبو بكر؟ أبو بكر لماذا؟ لأنه أبو بكر ما بذله من قلبه ومن عقله ومن الطاقات التي وهبه الله إياها لم تكن موجودة في أبي هريرة، لذلك نحن الآن إذا أسلمنا الإسلام الحق والإسلام أولاُ إسلام المُرشد،ابحث عن المُرشد ليس فقط على الجسد وحده يلتقي بدنك بدنه، بل يلتقي قلبك بقلبه ويُعجن حبك بحبه وتُمتزج روحك بروحه حتى تنسى وجودك في وجوده فيلقح عقلك الكلابي يجعله حموي وبلدي، وإسلامك الميت يقلبه ليس إلى إسلام حي إلى إسلام يَهب الحياة للآخرين، يقلب إسلامك إلى إسلام العمل من أعمال القلب أو من أعمال الجسد أو من أعمال الفكر أو من أعمال الإنتاج في المجتمع في الواقع لخير الدنيا وخير الآخرة، كان النبي عليه الصلاة والسلام في أول دعوته يقول: ما أتى شابٌ قومه بمثل ما أتيتكم به، لمّا النبي قام بالنبوة كان عمره أربعين سنة وبعد ثلاثة سنين ثلاثة وأربعين يعني في عز الشباب أتيتكم بخير الدنيا وخير الآخرة، فخير الدنيا جعلهم ملوك وجعلهم أغنياء وجعلهم أثرياء سيدنا الزُبير لمّا توفي ترِكته كانت ستين مليون دينار، وكانوا هم بالحساب لا يعرفوا عدد أكثر من الألف والمليون كم؟ ألف ألف، ستين ألف ألف يعني ستين مليون دينار ذهبي، هذا خير الدنيا ومن حيث الحُكم كانوا محكومين صاروا مُحرَّرين صاروا مُحرِرين صاروا ملوك الدنيا ومن حيث الآخرة كما الله قال عنهم:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)
[ سورة التوبة]


يجب أن نعود إلى الإسلام الحقيقي:
وكذلك الآن يجب أن نعود إلى الإسلام سواءٌ من أجل فلسطين، سواءٌ من أجل الاقتصاد، سواءٌ من أجل الوحدة، سواءٌ من أجل الاستقرار الداخلي، سواءٌ من أجل أن نرفع الفوارق المذهبية سني وشيعي هذا يَنخُر في الإسلام منذ ألف وثلاثمائة سنة، وهذا أوجده أعداء الإسلام أحزاب سياسية انقلبت إلى عقائد دينية عدواناً على الدين، فنرجع إلى الإسلام الحقّ نرجع إلى أننا كنفسٍ واحدة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

{ مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ }

[أخرجه البخاري ومسلم]

يعني أصبعك إذا التهب جسمك كله يصبح فيه سخونة من أجل الأصبع، إذا صار شيء في كبدك يصبح جسمك كله حرارة أربعين لأجل الكبد، هكذا كان العرب الآن هكذا العرب؟! فصاروا كما ذكروا في المثال العصفور رأى القاق كان يمشي مشية القاق مشهورة راكزة ووازنة وثقيلة كمشية الملوك، فالعصفور قال: أنا مشيتي غير جميلة يجب أن أُقلد القاق وعندما مشى مشية القاق والله يُمشي كل واحد على حسب وزنه وجسمه لم تليق به مشية القاق وأراد أن يعود لمشيته الأولى فنسيها فصار يقفز قفزاً، فلم يصبح قاق ولم يرجع عصفور، وكذلك العرب والمسلمون عموماً من اندونيسيا إلى المغرب لم يبقوا مسلمين حقيقيين ولا صاروا أوربيين في العلوم، نعم بكرة القدم وكرة السلة نصير أبطال بالسباحة كالضفادع وزيز الماء والسمك أيضاً نأخذ البطولة، لكن يا ترى في إنتاج الطائرات أخذنا بطولة؟! في الوصول إلى الأفلاك أخذنا بطولة؟! في اكتشاف البترول والمعادن وتصنيعها أخذنا بطولة؟! في العلوم الكيماوية والرياضية أخذنا بطولة على العالم؟! منا من فسق وشرب الخمر واعتقد أنه إذا شرب الخمر يصبح أوربي وإذا رقص كثيراً يصبح أوربي وإذا كشَّفت كالماعز بلا حياء ولا خجل تأخذ حرية التيوس وحرية الماعز قلدناهم في مُحقّرات الأمور وصغائرها التي يستطيع أن يفعلها الأطفال، أما قلدناهم في جلائل الأعمال التي لا يعملها إلا عُظماء الرجال؟ فالإسلام يريد أن يَرفعك للأمور العظيمة نفساً وقلباً وعقلاً وعلماً وإنتاجاً ووجوداً وقوميةً ووطنيةً وإنسانية ًوعالميةً، فابني في أعناقكم أنتم الذين داخل المسجد، من خارج المسجد لو يأتوا ويسمعوا يصبحوا مثلكم وأفضل، لكن أنتم الله اختاركم فأنتم يجب أن تكونوا المسجد الخارجي وأين ما تكونوا تحملوا علوم المسجد ثقافة المسجد روحانية المسجد حكمة المسجد همة المسجد ومواصلة والمثابرة والصمود في معركة العِلم في معركة الإيقاظ في معركة إرجاع الأمة إلى عِزتها إلى وحدتها إلى أخلاقها إلى حكمتها إلى تعُشقها للعِلم والتقدّم والرقي في كل شؤون وفي كل ميادين الحياة، في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة، وإن شاء الله تكونوا أبناء الإسلام إن شاء الله تكونوا أبناء القرآن، تؤمنون بكل آيات القرآن عِلماً وعَملاً وظاهراً وباطناً في أنفسكم، يعني لو صرتم أتقى الأتقياء ولو صرتم أحسن الناس مُصلين وخاشعين ومُخبتين وذاكرين، وأحسن الناس مُزكّين، وأحسن الناس حُجاج، إذا ما أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المُنكر ودعوتم إلى الله وتحملّتم الأذى والعناء والبذل في سبيل ذلك تكونون تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، سيدنا أبو بكر لمّا أسلم وعرف بعد كان يتهجد معظم الليل ويذكر الله ليل نهار لكن الدعوة إلى الله قام إليها، مرةً ضربوه حتى فقد وعيّه ولم يُفرَق بين أنفه وبين وجهه أنفه مُسح مع الوجه وظل غائب لمنتصف الليل فلما أفاق وكل أهله قالوا أنه مات، فقد شعوره ووعيه وإدراكه وفي نصف الليل صحي وأول كلمة قالها: كيف رسول الله؟ يعني حياته وجوده خطره كذا كيف رسول الله؟ قالوا: بخير، قال: كل مصيبةٍ دون رسول الله جلّل، كان المسلم في سبيل الإسلام يظل يُضرب حتى يُصبغ بالدم ويصبح كنُصبٍ أحمر قانياً كله دم كله في سبيل الإسلام، منهم من ماتوا منهم ماتوا حرقاً منهم ماتوا قتلاً منهم ماتوا جوعاّ منهم ماتوا في المعركة كله في سبيل الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر.

يجب أن نحول قرآننا إلى قرآن أعمالي ولا نكون كاليهود:
كان المسلم يفهم أن الإسلام صمود،الإسلام تحمُّل،الإسلام بذل،الإسلام تضحية، الإسلام تعب، الإسلام فهم، الله قال:

مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(120)
[ سورة التوبة]

الظمأ العطش والنصب التعب،﴿ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ المخمصة الجوع، ﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾ الآن إذا دخلنا إلى القدس فاتحين هذا يُغيظ الكفار أم يُفرحهم؟
فآيات القرآن هذه كانوا يقرؤونها بلسانهم وثم يقرؤونها بأعمالهم فيُصيبهم الظمأ والنصب والمخمصة ويطئون موطئاً يغيظ الكفار وينالون من العدو نيلاً، فنحن قرآننا كلامي وليس أعمالي قرآننا أقوال وليس أعمال، لا من أعمال القلب ولا من أعمال الجسد السبب، إذا كان عندك سميد وسمن وسكر وفستق يعني وجود هذه المواد هل تصبح بنفسها بقلاوة أم تحتاج حلواني؟! إذا كان عندك جلود وخيوط ومسامير هل تصبح أحذية لوحدها أم تحتاج صانع الأحذية؟ فوجود القرآن يحتاج شيخ، شيخ يكون ملك جمال ملك جمال العقل والنور والهدى والتقوى والحكمة والمعرفة والله يرزقك الارتباط فيه، فمشمشة كلابية يأتيها لزقة من مشمشة بلدية هذه المشمشة كلها تتحول من الكلابي إلى البلدي بواسطة هذه اللزقة المربوطة فيها ربط إذا تخللها الهواء بين الأصل والفرع لا يُطعم الطُعم، الله يلصق لزقة بقلوبكم لا يتخلل بين اللزقة وبين القلب شيء حتى تنقلب اللزقة من الشجرة والشجرة من اللزقة.
الله إنا نسألك حُبك وحبَّ من يُحبك وحُبَّ عملٍ يُقربنا إلى حُبك ثم يجعل لنا من هذه الآيات أن لا نكون مثل اليهود، اليهود كانوا هكذا الآن أصلحوا أحوالهم، لمّا أصلحوا أحوالهم مع توراتهم مع أنَّ فيها الحقّ والباطل الصحيح والكاذب صلحت أحوالهم في دنياهم، نحن لا في دنيانا ولا في ديننا السبب فقد الشيخ يا ابني وإن وجد الشيخ لندرة الشيخ الحقيقي أيضاً يلقى من العناء لكن الإيمان يُحبب للمؤمن العناء والبلاء والعذاب وكل شيء مادام في سبيل المحبوب، ما كان في سبيل المحبوب فهو محبوب، ثم الله قال عن اليهود:

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)
[ سورة البقرة]

بعد موسى أيضاً أرسلنا رسل واحد تلو الآخر مُتتابعين، وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات الدلائل الواضحة على صدق نبوته ورسالته وأيدناه بروح القدس، روح القدس سيدنا جبريل ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)﴾، كانوا يقولون نحن لا نؤمن إلا بنبي إسرائيلي نُؤمن بما أنزل علينا، الله كذّبهم قال لم تؤمنوا بما أنزل عليكم يا بني إسرائيل ولا على ما أنزل على العرب وعلى محمدٍ رسول الله ﴿ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ يعني ليس لدينا استعداد نفهم كلامك استخفافاً واستهزاءاً وكُفراً وعناداً الله قال:

وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
[ سورة البقرة]


كيف نربط قلوبنا بقلب رسول الله؟
أبعد قلوبهم عن قلب رسول الله، وأبعد عقلهم عن فهم كتاب الله وأبعد أرواحهم أن ترتبط بروح رسول الله ﴿ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾ نادر أن يؤمن من اليهود مؤمنٌ صادق، من كل اليهود من زمان النبي لم يؤمن إلى عدد جداً قليل، هذه الأمة على العكس بالرغم الآن الأمة الإسلامية المسلمون مُقصرون ليسوا مؤمنين بالبعض وكافرين بالبعض يمكن مؤمن بواحد وكافرين بالتسع والتسعين، يمكن لم يبقَ من الإسلام إلا اسمه لكن مع كل هذا الإعراض ومع كل هذا الترك لكن مثل الأرض الجيدة مثل الأرض الخصبة في أي وقت إذا وجد الزرّاع وحرثها مرتين ثلاثة ووضع بها البِذار الطيب تُنبت من كل زوج بهيج، لا تقولوا هذا مُلحد هذا فاسق هذا عدو هذا حاقد هذا منافق لا ، قبل كل شيء قبل أن تدعو إلى الله كونوا مع الله لا تكونوا مع أهوائكم لا تكونوا مع شهواتكم، الإيمان يا ابني لا يكون المؤمن مؤمن حقيقي حتى يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، النبي قال :

{ ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه فقد ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن كان لا شيْءَ أَحَبُّ إليه مِنَ اللهِ ورسولِه، ومَن كان أنْ يَحتَرِقَ بالنَّارِ أَحَبَّ إليه مِن أنْ يَرْتَدَّ عن دينِه، ومَن كان يُحِبُّ للهِ ويُبغِضُ فيه }

[أخرجه البزار والطبراني والعقيلي ]

هذا ذاق ذوق لم يأكل حتى يشبع، أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليك مما سواهما وبعد رسوله نائبه وارثه من قام بعده بالدعوة إلى الله ونقل الناس من الظلمات إلى النور، أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليك مما سواهما وأن تُحب المرء تحب الإنسان لا تحبه إلا لله، إذا كان أعلى منك إيمان وتحبه تجالسه تزوره تخدمه تتقرب منه ليزداد إيمانك من إيمانه وتزداد حكمتك من حكمته وتقواك من تقواه، وإذا كان دون منك تُحبه من أجل أن تدلَّه على الله بأن يسير في طريق الله إلى مرضات الله إلى طاعة الله وأن يُحبّ المرء لا يحبه إلا لله، لم يبقَ عنده محبة الطبع بقي عنده محبة الإيمان ومحبة الشرف؛ يُحب أبوه، يُحب أخوه، يُحب ابنه، يُحب جاره، يُحب صاحبه، على هذا الأساس، والحب شيء والمعاملة شيءٌ آخر، تتعامل مع كل الناس أما تُحب الله يجعلنا من المُتحابين في الله لا نُحب إلا لله وبالله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار يكره العودة إلى المعصية لأن المعصية كُفر، كُفر بنعم الله كُفر بآيات الله، كما يكره أن يُقذف في النار هذا ذاقّ طعم الإيمان، أما إذا صار مؤمن كاملاً لله يرزقنا كمال الإيمان، الإيمان الكامل يحتاج توبة صادقة يحتاج صحبة الأخيار يحتاج مُجانبة والبُعد عن مصاحبة الأشرار يحتاج ذكر الله دائماً في الليل والنهار الذي تطلبه، يا ابني أغلى من الجواهر وأغلى من الألماس أغلى من الدنيا أغلى من المُلك أغلى من السلطان أغلى من الإيمان الحقيقي سيدنا موسى الله رفع شأنه وأخلد ذكره بماذا؟ بالإيمان، سيدنا إبراهيم اذهب إلى أميركا يسموا أبراهام، اذهب إلى اليهود أبراهام إلى فرنسا أبراهام إلى المسلمين أبراهام إلى المجوس البراهمة لأنه في رواية ذهب إلى الهند وكم مضى عليه؟ ألوف السنين هل يوجد ملك قُدّس ومُقدس بعد موته بخمسة آلاف سنة؟! ثم في دنياه الله ضيعه؟ ألقوه أعدائه في النار الله قلب له النار إلى فردوس إلى حديقة غنّاء فيها من الأزهار من كل زوجٍ بهيج.

الخاتمة:
سيدنا نوح مُخلّد وهو كان في الدنيا رغم ما أصابهم من عذاب وبلاء لكن في قلوبهم كانوا في بحار النعيم، مثل واحد ينام على الأحجار وفي الشمس ويرى في منامه أنه في الجنان وواحد نائم بقصر الملوك وعلى سرير الذهب المُرصع بالجوهر وهو يولول ويرى في منامه يلحق به ثعبان ثخين ويريد أن يبتلعه، فالذي ينظر إلى جسده جسده بأحسن حال والذي ينظر إلى روحه وحسه وشعوره هالك وميت، فالله يرزقنا حقائق الإيمان الداخلي لو تقطَّع قطعة قطعة كان الواحد من الصحابة الكُفار يُمسكونه ويُصلبوه بالجدار ويجلبون الرماح يريدون أن يجربوا فيه، يقولون أترضى أن تكون في بيتك جالس مُطمئن مع أبنائك ويكون محمد عوضاً عنك؟ قال لهم والله لا أرضى أن أكون في بيتي وعند أهلي ومقابل ذلك أن يُصاب محمدٌ بشوكةٍ في أسفل قدمه! هذه محبتهم لرسول الله فكيف كانت محبتهم لله؟ كانت محبتهم لله أحدهم عند المعركة كان أحدهم يقول: اللهم لقِّني رجلاً شجاعاً بطلاً شديداً بطشه شديداً حربه يُقاتلني فيك فيقتلني فيبقر بطني ويجدع أذناي حتى إذا لقيتُك قلت فيما أصبت يا عبدي فأقول فيك وفي سبيلك يا ربي، يريد فقط ذاك اللقاء ويقول له فيما أصبت يا عبدي حتى يجيب الله أني أصبت فيك، يعني أنا أحبك ومن حبي فيك بذلت حياتي وجسدي وأوصالي وأعضائي حباً فيك وتقرباً إليك هذا الإيمان، هذا لو كان يشعر بألم ولو كان حريص على الحياة الدنيا هل هكذا يفعل؟ والذين حرصوا على الدنيا وضيعوا الآخرة.

فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(26)
[ سورة الزمر]

﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ليس فقط سيخسر الدنيا سيخسر الدنيا ومعها الآخرة، ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ الله يُطهر قلوبنا حتى تكون أهل لكلام الله وتكون أهل لكلام رسول الله وتكون أهل للحكمة وللنور وللهدى وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.