تفسير سورة البينة 2

  • 1996-04-26

تفسير سورة البينة 2

الحمد لله رب العالمين حمداً يُوافي نعمه ويُكافئ مزيده، وأفضل الصلوات العطِرات الطيِّبات والتسليمات المباركات على سيِّدنا مُحمَّد خاتَم النبيين والمرسلين والمبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، أما بعد:

الهدف من الرسالة:
يقول الله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ويُعنى بهم في القرآن عَبَدة الأصنام والوثنيون مِنْ كفار العرب، ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ والمشركون يُعنَى بهم عبدة الأصنام، وأهل الكتاب قسمان، قسمٌ آمن وقسمٌ كَفَرَ برسالة أنبيائهم، فكلُّ الأنبياء أتوا ليُعبَدَ الله مُخلصين له الدين، فمنهم مَنْ أشرك ومنهم مَنْ حَرَّفَ وبدَّلَ وخالف وعصى، فهذا يُعتَبر كافراً برسالة نبيه، إذا كان نصرانياً يكون كافراً برسالة سيدنا المسيح عليه السَّلام، وإذا كان يهودياً يكون كافراً برسالة سيدنا موسى عليه السَّلام، وإن كان مسلماً يكون كافراً برسالة سيدنا محمد، قال: فهؤلاء يظلُّون على كفرهم والأمر ملتبسٌ عليهم بين الإيمان والكفر حتى تأتيهم البينة وهي: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ يُبيِّنُ لهم خطأهم في عقيدتهم ويُقيم لهم الأدلة والبيِّنات بالمنطق والعقل والحُجَّة البالغة.
فإذا أتى الرسول ليُبيِّن الصراط المستقيم والحقيقة مِنَ الباطل، لكن ليس في كلِّ وقتٍ تظهر الحقيقة يقبل بها الإنسان، فكثيراً ما يحمِلُه العناد أو الأهواء والأنانيات والمصالح والشهوات على أن يُجانِبَ الحق ويُعرِضَ عنه إلى أهوائه وطفولته العقلية، فلا يستطيع أن يهضم الحقيقة المؤيدة بالعقل والمنطق والحُجَّة، فتوجد فئةٌ مِنْ هؤلاء مِنْ أهل الكتاب والمشركين لا يزالون على كُفرهم برسالة أنبيائهم في عبادتهم لأصنامهم حتى تأتيهم البينة، لأنهم يعيشون في ظلامِ الفهم والعِلم فالنبوة عقلٌ حكيمٌ وعِلمٌ وتعريفٌ وبيناتٌ مِنَ الأمر وهذه البيِّنة قائمة.

الصحف المُطهَّرة تضيء الحقيقة لليشر:
﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ التي هي القرآن وهو مُطهَّرٌ عن الزيف والضلال والباطل، كل ما في هذه البينة، الرسول هو المُبيِّن والقرآن هو المُبيِّن والموضح والمُقنع للعقل في سبيل وحدانية الله يخاطب الله عزَّ وجلَّ هؤلاء بقوله:

قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
[سورة الزخرف]

(قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ) كحقيقةٍ واقعةٍ إذا كان لله ولدٌ فإذا أحببنا الوالد لا يجوز أن ننكر الولد (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) وإذا كان له زوجةٌ فأيضاً سنُجِلُّها إجلالاً لزوجها، وإذا كان له أبٌ وأخٌ وخالة، إذا كان هناك أبٌ وابنة سيكون هناك أعمامٌ وأخوالٌ وإخوةٌ وإلى آخره.. قال: فلا يزالون متمسكين بهذه الأوهام لأنهم يعيشون في ظلام الجهل والجاهلية فيحتاجون إلى أن نُضيء لهم الطريق حتى تظهر لهم الحقيقة وتأتيهم البينة، وما هي البينة؟ قال: هي ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ مادةٌ أولى، ﴿يَتْلُو صُحُفًا﴾ إذا ذهب الرسول تبقى رسالته صحفاً مُطهَّرةً مِنَ الزيف والباطل والأوهام والخرافة ومِنْ كلِّ ما يرفضه العقل الناضج السليم، ﴿يَتْلُو صُحُفًا﴾ وهي القرآن وصحفه مُطهَّرةٌ ومُنزَّهةٌ عن الباطل والزيف، ﴿يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ﴾ يعني كتاباتٌ وعلومٌ ومعانٍ وفضائلٌ ومناهجٌ ﴿قَيِّمَةٌ﴾ مستقيمةٌ لا اعوجاج فيها ولا انحراف عن طريق سعادة الإنسان في دنياه وآخرته وفي جسده وروحه.

تفرُّق أهل الكتاب:
قال: وبعدما أتى الرُّسل بالبينة لأممهم تفرَّقوا ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ظهر النور وظهر أن هذا أبيضٌ وهذا أسود، وبعضهم ظلَّ يقول عن الأبيض أسوداً وعن الأسود أبيضاً، كما قال القرآن:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)
[سورة البقرة]

مِنْ صفات سيدنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم موجودةٌ في التوراة والإنجيل، في القرن السابع عشر ظهر إنجيل برنابا فيه ذكر محمَّدٍ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في خمسٍ وثلاثين موضعاً في الإنجيل، لكن الكنيسة رفضته مع أنه اكتُشِفَ وعُثِرَ عليه موجوداً في مكتبة البابا في الفاتكان، فسرقه أحد الرهبان ثم ظهرت نسخةٌ أخرى في إسبانيا وتُرجِمَ إلى اللغات المختلفة وحتى إلى اللغة العربية.

عدم قبول الحق بسبب المصالح والهوى:
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ سبب الافتراق إما المصالح والفوائد كان بعضهم يقول: أنا رجلُ دين، إذا أردت الإسلام يدخل عليَّ واردٌ شهريٌّ كذا وكذا من الألوف، فإذا تركت ديني أفقد هذه الثروة وهذا الجاه والتعظيم والتكريم، بعضهم يقول:

بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22)
[سورة الزخرف]

يعني على شريعةٍ وملة.
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَة﴾ أشرقت الشمس وظهرت الحقائق وظلَّ الذين يعيشون في الظُّلمات على عقولهم وأفهامهم المظلمة، لماذا؟ إما لمصلحتهم الدنيوية مِنْ جاهٍ أو مالٍ أو أغراضٍ زائلةٍ فانيةٍ أو تقليداً لمن مضى مِنْ آبائهم وأجدادهم أو لعللٍ أخرى، أما الموفَّق والمَرضيُّ عنه الذي يقول: اللهم أرنا الحق حقاً، لا أن نراه فقط، قد نراه ولا نتَّبعه، أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، فقد تُحرَمُ من الاتباع حسداً ومصلحةً وإيثاراً لدنياك على آخرتك وحقداً وعداوة، حمانا الله مِنَ الهوى، والهوى هو ما تهواه نفسك وترغبه فتبتعِدُ بسبب الهوى عن طاعة الله وطاعة العقل وعن مخالفة الحقيقة الواضحة، فتفرَّق أهل الكتاب إلى شيعٍ ومذاهب، كذلك تفرَّق المسلمون إلى مذاهبٍ وإلى شيعٍ بعضهم يُكفِّرُ بعضاً وبعضهم يُفسِّقُ بعضاً ويُحارِبُ بعضهم بعضاً، لماذا؟

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
[سورة الجاثية]

مصلحته الشخصية وأهواؤه النفسية، لم يُهيِّئ نفسه ليكون وراء الحق ومؤمناً بالحقيقة.

الهوى هو الهوان:
أذكر أن بعضهم ممن كان يُنسَبُ إلى العِلم كان في مجلس، فجرى حديثٌ كما يجري بين الناس وفيه الغيبة، بأن يذكر الإنسان غيره بما يكرهه ذلك الغير، فالمنسوب للعِلم يريد أن يغتاب، فالتفت للحاضرين قائلاً: لا تظنوا أني لا أعرف أن الغيبة حرام، لا تظنوا أني جاهلٌ بل أنا عالِمٌ لكن أريد أن أغتاب! نسأل الله العافية مِنَ الخذلان وعدم التوفيق، هذا ذنبُه بعشرين ذنباً وكأنه يحارب الله أنه لا يريد أن يؤذي إنساناً بريئاً، بل يُريد أن يعلن محاربته لشريعة الله ولقوانين الله وتعاليمه، الهوى، إن الذل والخذلان باتباع الهوى، إن الصَّغار والذل هو الهوى:
إنَّ الهَوانَ هُو الهَوى قُصِرَ اسْمُهُ فـإذا هَويْتَ فقـدْ لَقِيْتَ هَوانا
{ أبو تمام }
من القَصْر، الهواء ممدودٌ والهوى مقصور، حمانا الله، سمَّى الله مُتَّبع الهوى مُشركاً وعباداً لنفسه ومُعرِضاً عن ربه، وفي آية:

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
[سورة الجاثية]

(وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) مثل من يرُيد الغيبة الذي قال: لا تظنوا أني جاهل، أنا عالِمٌ والحمد لله لكن أريد أن أغتاب، هذا الذنب عذره أقبح مِنْ ذنب، (وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ)، فلا يقبَل الحق ولا يُصغي له فإذا حُدِّثَ لا يسمع وقلبه يرفض ولا يقبل، نسأل الله العافية، وفي آيةٍ أخرى:

أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
[سورة الفرقان]

لا توجد فائدة لا تُعالِج، فالِج لا تُعالج.

اختلاف الآراء واختلاف العداء:
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ نحن أيضاً أوتينا القرآن فصرنا شيعاً وأحزاباً ومذاهباً، إذا صار اختلافٌ مع الائتلاف والحب والتعاون تحت لواء لا إله إلا الله محمد رسول الله، اختلاف أمتي رحمة، الطب والهندسة فيهما اختلاف، لكن ليس اختلاف العِداء بل اختلاف الآراء والاجتهاد في الوصول إلى الأفضل والأحسن مع احترام بعضهم لبعض، أما اختلاف العِداء والاقتتال أو التكفير فنحن لا ينقصنا التكفير بل ينقصنا الإيمان، يوجد أناسٌ ينتسبون للدين فيوزِّعون الكفر! هذا كافرٌ وفاسق! نحن ينقُصنا الكفر أم ينقُصنا الإيمان؟ أنت أتيت لتُعطي الإيمان لضعيف الإيمان أم لتُعطيه كفراً إذا نقَصه الكفر، وفقنا الله عزَّ وجلَّ وحمانا مِنْ عبادة الهوى.
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ لم يتفرَّقوا عن جهل.

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)
[سورة آل عمران]

العِلم وحده لا يكفي، ولذلك جعل الله مِنْ مهمَّة الأنبياء العِلم والتعليم والعقل والحكمة وتزكية النفوس وتحليتها بالأخلاق الفاضلة الكريمة، هذا هو الدين عِلمٌ وعقلٌ حكيمٌ والحكمة هي الصواب في القول، إذا قال لا يُخطئ في قوله وإذا عَمِلَ يكون عمله صحيحاً صائباً غير خاطئ، فكلُّ الفلسفات في الحياة إلى ماذا تهدُف؟ هل هدفت إلى ما هدَفَ إليه الدين أن نجمع العِلم ونحيي بالحكمة العقل والفكر ونُزيِّن النفس بالفضائل ومكارم الأخلاق؟ الشيوعية والديموقراطية هل أتت لهذا؟ أي مبدأ؟ هذه مبادئ السماء وهذه مدرسة خالِق الكون، رزق الله الإنسانَ المُعلِّم الوارِث لهذه المعاني لرسول الله ليُعلِّمها لأبناء جيله وزمانه ليَسَعَد الإنسان كلُّ الإنسان، لا يوجد إنسانٌ يرفض العِلم والحكمة ومكارم الأخلاق.

الارتباط بأوامر الله:
﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ تفرَّقوا عندما وصلتهم رسالة الله وتعاليمه، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ فوقعوا في المخالفة فتركوا العبادة واتَّبعوا الأهواء وتركوا الله وعبدوا نفوسهم وأنانيتهم، الطفل المريض يهوى أن يأكل ما يمنعُه الطبيب منه، الطبيب لم يمنعُه بخلاً عليه ولا عداوةً له ولكن مصلحةً لصحته واستعجالاً لشفائه وعافيته، أما أوامر الله وتعاليمه ومدرسته ﴿لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ لا تكون عبداً لهواك ورغباتك، المريض إذا اشتهى ما يضرُّه هل يستجيب لشهوته أو يستجيب لتعاليم طبيبه؟ إذا أراد الصحة والعافية يستجيب للطبيب، وإذا أراد بقاء المرض والآلام والعذاب يستجيب لشهوته وهواه:
إنَّ الهَوانَ هُو الهَوى قُصِرَ اسْمُهُ فـإذا هَويْتَ فقـدْ لَقِيْتَ هَوانا
{ أبو تمام }
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أن تكون مُرتبطاً بأوامر الله الارتباط الكامل كارتباط العبودية بمالِكها، السيارة مرتبطةٌ بقائدها، يميناً تذهب يميناً ويساراً تذهب يساراً حسب رغبته، فإذا خالفت السيارة القائد انعطف يميناً فذهبت إلى اليسار، فيكون سبب تلفِها ودمارها ومَنْ فيها، فأوامر الله أن يعبدوا الله ويطيعوه طاعةً كاملةً طاعة العبودية وهل هذه العبودية؟ توجد عبودية تشريف، إذا كنت مملوكاً للمَلِك وأجيراً عنده فهذا يُشرِّفُك، وإذا كنت عبداً للحقيرين والحقيرات فهذا يُرذِّلُك ويُحقِّرُك، فالعبودية لله لما تحقَّق الإنسان بها كان سيدنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((أنا عبد الله))، يتشرَّف ويتعزَّز ويتباهى بالعبودية، وكلما كانت العبودية معناها في الإنسان أوضح يكون شرفه وعزَّته وكرامته وسعادته أعلى وأرفع وأعظَم.
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الآن مخلَّدٌ حُبه في القلوب وذِكْره على الألسن وفي العقول بمَ؟ بماذا حصل له الشرف الخالد والكرامة الخالدة والتعظيم والتقديس؟ بالعبودية لربِّه، فكان يقول:

{ أفلا أكونُ عبدًا شكورًا }

[صححه الألباني]

كان يقوم الليل حتى انتفخت أقدامه مِنْ طول قيامه وصلاته في الليل، فقالوا: يا رسول الله! لقد غفر الله لك فلِمَ تُجهِدُ نفسك وتُتعِبُها؟ فقال: (أفلا أكون عبداً شكوراً )(1).
كان مِنْ كلام شيخنا قدَّس الله روحه يقول: يا بنيّ امشِ مع العظماء وكُن تابعاً لهم تصير عظيماً، ولا تمشِ مع الحقراء وإن قدَّموك وصاروا تَبعاً لك فإنهم يلوِّثُونك ويدنِّسونك، رزقنا الله حقيقة العبودية بقلوبنا حباً وإيماناً وبأجسامنا أعمالاً صالحةً وبنفوسنا أخلاقا ًكريمةً وبعقولنا فهماً لكلام الله وإحياءً له بالعمل والسلوك لننال شرف العبودية.

نتائج العبودية الصادقة:
كان بعضهم يقول في معنى هذه العبودية المقدَّسة: لا تنادِني إلا ب: يا عبدَها فإنه أشرف وأقدس أسمائي، المحبُّ الصادق ألذُّ شيءٍ على قلبه أن يتذلَّل إلى محبوبه بالأقوال والأعمال وبالقلب والحب وبكلِّ ما يملِك، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾، يا ترى دعانا الله لعبادته وهو خالِق الكون والمجرات والنجوم والسماوات، فهل صلاتنا الله بحاجةٍ إليها أو هل تنفعُه؟ وإذا تركنا الإيمان والصلاة وأوامر الله هل تضرُّه؟ ما هي إلا هدايا الله عزَّ وجلَّ ومدرسته لنأخذ شهادة العز والسعادة في قلوبنا وعقولنا وحياتنا، لما أخذ المسلمون الأُوَل في مدرسة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الشهادة بعد أن كانوا جياعاً وفقراء، مِنْ فقرهم كانوا يقتلون أطفالهم مِنَ الجوع ويدفِنون البنات خوفاً مِنَ العار، وعقولهم كانت تصنع الصنم المعبود لهم مِنَ التمر صباحاً ويأكلونه في المساء، وفي صباح اليوم الثاني يكون الإله في الحفرة المعروفة، فبعد العبودية ماذا صار حالهم؟
عندما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر وكان مِنْ عادة المصريين أن يأتوا بملكة الجمال يُزيِّنونها ويُلقونها في النيل تموت غرقاً إرضاء للنيل حتى تفيض عليهم مياهه، فلما دخل الإسلام قال عمرو: إن الإسلام لا يُجيز هذا وهذا مُحرم، فلأمرٍ أراده الله منعت الدولة وماء النيل كذلك خفَّ وتناقص، فكتب عمرو إلى عمرٍ بواقع الحال فكتب عمر ورقةً وقال ألقوها في النيل، وكتب فيها: أيها النيل إن كنت تجري مِنْ قِبَلِك فلا حاجة لنا بك، وإن كنت تجري مِنْ قِبَلِ الله الواحد القهار فنسأل الله الواحد القهار أن يُجريَك، وما هو إلا يومٌ أو أيامٌ حتى ارتفع النيل عدة أذرع، هذا هو شرف العبودية لله وقوتها.
هدموا الاستعمار العالمي الفارسي المشرقي والغربي الروماني الأوروبي، الاستعمار العالمي بأقل وقتٍ ووسَّعوا دولة العبودية لله حتى استوعبت نصف العالم القديم، كما يقول هذه الكلمة نابليون دهشةً واستغراباً: كيف؟ بالعبودية، العبودية أن لا تكون مُتمرداً على الله في أي أمرٍ مِنْ أوامره بلسانك وعينك ويدك وفكرك وقلبك، والعبودية تحتاج مدرسةً ولها أساتذتها ومُدربوها، فإذا كانت هي أشرف ما يتشرَّف به الإنسان، إذا قالوا طبيب ما شاء الله ومهندس ما شاء الله، هل صار طبيباً ومهندساً مِنْ بطن أمه أم بالمُعلِّم والمُربِّي والمدرب؟

أُمِرَ الإنسان بالعبادة:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ فلما أُمِروا هل امتثلوا؟ لما أُمِروا بالعبودية هل تمرَّدوا؟ لا، امتثلوا وأطاعوا وانقادوا، وقال الله عزَّ وجلَّ في شأنهم:

وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
[سورة الأعراف]

وقال:

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)
[سورة آل عمران]

وقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُخاطباً لهم:

{ يا مَعْشَرَ الأنصارِ ! أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فهَدَاكُمُ اللهُ بي ، وكنتم مُتَفَرِّقِينَ فأَلَّفَكُمُ اللهُ بي ، وكنتم عالةً فأغناكم اللهُ بي ؟ أَمَا تَرْضَوْنَ أن يذهبَ الناسُ بالشاةِ والبعيرِ ، وتذهبونَ بالنبيِّ إلى رِحالِكم ؟ لَوْلَا الهجرةُ لكنتُ امْرَءًا من الأنصارِ ، ولو سَلَكَ الناسُ وادِيًا وشِعْبًا لسَلَكْتُ وادِيَ الأنصارِ وشِعْبَها ، الأنصارُ شِعَارٌ ، والناسُ دِثَارٌ ، إنكم سَتَلْقَوْنَ بعدي أَثَرَةً فاصبروا ، حتى تَلْقَوْنِي على الحوضِ }

[صححه الألباني]

(وكنتم عالةً) فقراء (فأغناكم اللهُ بي؟) بالعبودية، (وكنتم مُتَفَرِّقِينَ فأَلَّفَكُمُ اللهُ بي)(2)، فما أشرف لفظاً ينقُل الإنسان مِنَ الذلِّ إلى العزِّ ومِنَ الضعف إلى القوة ومِنَ الجهل إلى العِلم ومِنَ التفاهة إلى الحكمة ووضوح الحياة في فكره وحياته وأعماله، ﴿وَمَا أُمِرُوا﴾ ما أحلى هذه الأوامر ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُوا﴾ ما أحلى هذه العبودية.

العبودية لا تنفع إلا مع الإخلاص:
﴿مُخْلِصِينَ﴾ إذا عبدتَ الله فهل قلبك مع عملِك الظاهر؟ فقد يكون عملك عمل العبودية ولكن قلبك لا يقصد العبودية لله، إما أن تحبُّ أن يراك الناس ليمدحوك أو لتصِل إلى غرضٍ في نفسك عندهم أو ليراك الناس أو مقصداً أنانياً شخصياً.. يجب ان يكون العمل خالصاً لوجه الله وابتغاء مرضاته وامتثالاً لأمره، لسان حالك يقول: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، بهذه التعاليم الربانية القرآنية مع العمل بها صار العرب خير أمَّةٍ بشهادة الله أُخرِجَت للناس، خير الأمم عِلماً وحكمةً وعقلاً وعدالةً وإنسانيةً وتاريخياً، قال: خير أمةٍ لعروبيتكم ولغتكم وصحرائكم؟ قال:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

(تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بهذا، بكلِّ ما عُرِفَ حُسنه وكماله في العقل والمنطق والقاموس الإلهي، (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) الإيمان بالله أنت تؤمن به أنه يراك في الظلمات والنور وفي الخلوة والجَلوة وأن يراك عند هواك هل تستجيب لهواك فتكون عبدَ هواك أو تستجيب لخالِقك فتكون عبداً لمولاك؟ فالإخلاص أن تعمل خالِصاً لله ولا تُبالي مدحَكَ الناس أو ذمُّوك، لا تبالي ولو فاتك شيءٌ مِنْ حظوظك ومصالحك.

{ إنك لن تدع شيئا اتقاء الله إلا أعطاك الله خيراً منه (3) }

[مسند أحمد]


قصة الثلاثة الذين لجؤوا إلى المغارة:
وَرَدَ في الحديث بأن ثلاثة نفرٍ كانوا خارج بلدهم في صحراء والوديان، فنزلت الأمطار فلجؤوا إلى مغارةٍ وارتفع السيل حتى أتت الأحجار وصخرةٌ عظيمةٌ سدَّت عليهم فمَ الغار، حتى سدَّت عليهم وصول النور والضوء، والصخرة ضخمةٌ وثقيلةُ الوزن لا طاقة لهم بزحزحتها، فقال بعضهم لبعض: لا يُنجيكم مما أنتم فيه إلا أن تتوسَّلوا إلى الله بصالِح أعمالكم، أن تتوسَّلَ يعني أن تطلُب من الله أن يُنجيك ماذا يوجد عندك طوابع بريديةٌ على الطلب الإلهي تضعهم على طلبك ليُستجاب الطلب.
فقال أحدهم: اللهم إنك تعلَم أنه كان لي والدان كبيران شيخان وكنت أرعى غنماً وآتي في المساء وأحلِبُ غنمي وأقدِّم العشاء لوالدي ثم لزوجتي وأولادي، فأتى مرةً وقد رآهما نائمين، وإناء الحليب واللبن بيديه واقفاً على فراشهما وأولاده حول قدميه يطلبون العشاء، لا، حتى يتعشى قبلكم والديّ، رزقنا الله برَّ الوالدين مع رضا الله، قال: فلم يزَل الأمر كذلك حتى طَلَع الفجر واستيقظا فعشَّاهما ثم عشَّى أولاده، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فبالقوة الإلهية التي تحمل الأرض في هذا الفضاء، الأرض هل يوجد تحتها أساسٌ وجبلٌ يحملها؟ الأرض في الفضاء، القمر أيضاً أرض، الكواكب منها نارٌ مشتعلةٌ كالشمس ومنها أراضٍ الله أعلم بما فيها، فهذا القادر العظيم ألا يستطيع تحريك صخرة؟ وتوسَّل إليه عبده بصالِح عملٍ يُحبه الله ويرضاه، وإذا بالصخرة يُزيحها خالقها، فظهر الضوء ولكن لا يستطيعون الخروج.
الآخر قالوا له ماذا لديك من مدخراتٍ في البنك الإلهي في هذه الأزمة فأخرج شيكاً يقول فيه: اللهم إنك تعلم إنه كانت لي ابنة عمٍّ جميلةٌ وكنت أحبها فطلبتها فلم تستجب حتى خليت بها وقدمت لها مئة دينارٍ حتى استجابت فلما تمكَّن قالت له: اتق الله، لا تفُضَّ الخاتم إلا بحقه، حسب قانون الذي خلقك وخلق الكون التزم بالقانون، فلما قالت له ذلك قام عنها وترك دنانيره لها خشيةً مِنْ الله وذكراً لله، ذَكَر الله في هذه الحال فعفَّ عن معصيته، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرِّج عنا، فأتت يد القدرة الإلهية أيضاً زحزحتها لكنها تحتاج المزيد، حاولوا الخروج فلم يستطيعوا.
فقالوا للثالث: ماذا لديك من رصيدٍ في البنك الإلهي لأوقات العسرة؟ فقال: اللهم إنك كنت تعلم أنه كان عندي أُجراءٌ وعُمالٌ يعملون بعضهم مِنْ أول النهار وبعضهم أتاني آخر النهار، ففي المساء أعطى الكل أجرةً كاملة، فالذين عملوا مِنْ أول النهار قالوا: لا يجوز، فقال: هل منعتكم حقهم؟ أليس هكذا الاتفاق وأنتم قبلتم وأنا حرٌّ في مالي، فأحدهم رفض أن يأخذ أجرته وغاب، فصاحب العمل اشتغل بأجرة هذا العامِل اشترى له فيها سهماً وتاجر فيها سنةً واثنتين وعشرة وكذا.. حتى اشترى له مِنْ أجرة اليوم غنماً وبقراً وكذا، فهذا العامل في يومٍ مِنَ الأيام أفلس، يقولون إذا أفلس الرجل يبحث عن الدفاتر العتيقة القديمة، فتذكَّر أن أجرة ذلك اليوم ذهبت عند صاحب العمل، تذكَّره فقال له: قبل عشرين سنة حصل كذا وكذا.. وأنا صرت بحاجةٍ فتصدق علي، فقال له: أنت اشتغلت عندي ولم ترضَ أن تأخذ أجرك وأجرك محفوظ، هل ترى قطيع الغنم والماعز والبقر والجمال، هذه أجرة يومك فخذهم وتوكل على الله، فقال له: بالله عليك إن لم تُرِد أن تعطيني فلا تهزأ بي، لا تسخر مني، فقال: لا والله لا أهزأ بك وإنما هي أجرة يومك تاجرت لك بها ونمَّيتها لك حتى صارت ما ترى، يا تُرى الشيوعية والديموقراطية هل عامَلت العمال بهذه التعاليم النبوية؟ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقصُّ علينا الحديث لماذا؟ لنعرف كيف نُحسِن إلى العامِل لا نعطيه حقه بل نزيده على حقه وحقه، وقال:

{ أعطوا الأجيرَ أجْرَه قبل أن يجِفَّ عَرقَه (4) }

[سنن ابن ماجه]

﴿وَمَا أُمِرُوا﴾ قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك، أجرة يومٍ مئة ليرة فيعطيه مئة غنمةٍ وعشرين بقرةً وثلاثين جملاً هل يقبلها العقل؟ أما مدرسة عبودية الله والإخلاص له المتخرج يعمَلها ويعمَل أخواتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا، وإذا بالصخرة تنزاح وتهبِط في أسفل الوادي وينجون مِنَ الهلاك المحتم والقبر للأحياء، هذه ثمرةٌ مِنْ ثمرات العمل الخالِص لله، هذه ثمرة العبودية الصادقة مع الله.

العبودية سعادةٌ للإنسان:
عندما يأمرنا الله عزَّ وجلَّ بالعبودية يأمُرنا بالسعادة والعزِّ والغنى لنكون خير أمَّةٍ ولنكون الإنسان الإنساني لا الحيواني الذي لا يعرف إلا بطنه وفرجَه، ولا الشيطاني الذي لا يعرف إلا الفساد والتخريب، بل يكون الإنسان الربَّاني الذي يُريد الخير لكلِّ الخلق، الله في القرآن وبنبوة محمَّدٍ أراد الخير للمؤمنين الصالحين المستقيمين؟ هؤلاء لا يحتاجون نبوةً ولا رسولٌ ولا رسالة، رحمةً بعبدة الأوثان والجاهليين والخرافيين، تفضَّل الله على عباده في هذا العصر بما تفضَّل به على قريش لعلنا نسعَدُ بتعاليم الله عزَّ وجلَّ وبعبوديته والإخلاص له في خلواتنا وشهواتنا ومطامِعِنا، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ فالأمر الإلهي لمصلحة الله أم لمصلحة الإنسان؟ لما العرب والمسلمون الأُوَل صاروا في مقام العبودية مَنْ كان الرابح؟ هل الله؟

أصل الإنسان:
ما أنت يا إنسان؟ ومِنْ أين أصلك؟ أبوك أكل بطاطا وبصلاً وفجلاً وكرَّاثاً وثوماً، فالمعدة هضمتهم فصاروا دماً فصاروا حيواناً منوياً، يا ابن البصلة والثومة والفجل، هذا أصلك أنت، والفجل كان أصله تراب، أنت ترابٌ وأصلك مِنَ العَدم، فمَنْ نقلك مِنَ العَدم إلى الوجود ومن نقلك من الفجل والبطاطا إلى طبيبٍ ووزيرٍ وأميرٍ وغنيٍّ ومدير بنك؟ لا تنسى أصلك.
يُقال بأن شاعراً مدح ملكاً وأجازَه لما أدخله على القصر، رأى القصر ضخماً وكلَّ شيءٍ عظيم، لكن رأى فوق رأس الملك كشكول المتسولين وثيابهم ووعاءً عتيقاً، يعني عدة عمل المتسولين المفلسين، ففي النهاية قال له: والله كلُّ شيءٍ عظيمٌ في مملكتك لكن هل يليق هذا أن تضعه هنا؟ فقال له: هذا أعظم شيءٍ في مملكتي! كيف أعظم شيءٍ في مملكتك؟ الجواهر والألماس؟ قال: هذا أعظم مِنَ الجواهر والألماس، قال كيف؟ قال: أنا كنت صاحب هذه الثياب! وهذا الكشكول كان لي والنعل المخروق كان لي، كيف أنت ملكٌ وإمبراطور؟ قال: أنا كنت فقيراً جائعاً عامياً ضائعاً، أمسى علي المساء باتجاهي إلى بلدٍ فأغلقت أبوابها فنمت خارجها، فلما أصبح الصباح رأيت أهل المدينة قد خرجوا بسلاحٍ وكذا، قال: فخفت وأردت الهرب، فنادوا له: لا تهرب!
الخلاصة: لما وقف اجتمعوا عليه وقالوا له: أنت ملكنا، وأحضروا له ثياب الملك وخلعته وتاجه، الخلاصة: فنزعوا عني ملابس التسوُّل التي تراها، ووضعوها فقال لهم الملك: ماذا ستفعلون بهم؟ قالوا: سنُحرقهم لأنهم لا نفع منهم، فقال: اتركوهم فهم عزيزون علي، فقال: لم؟ قال: تركتهم عندي كي لا أنسى ما كنت فيه وما أنعَم الله به عليَّ مما أنا فيه.

النزول إلى العبودية رفعة:
هذه وحدها ألا تكفي لتكون عبداً لله؟ عبد ماذا تصبح؟ إذا كان هناك تحت العبودية مليون درجةٍ فانزل، كلما نزلت أكثر، النابِض كلما نزلته أكثر يرتفع أكثر، وإذا رفعته أكثر الله ينزله، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾، ما معنى حنفاء؟ الحنَفْ هو الميل والحنيف هو المائل والحنفاء هم الذين مالوا وأعرضوا عن عبادة غير الله وتوجَّهوا بالصراط المستقيم إلى وحدانية الله وإلى امتثال أوامره وبالوقوف عند حدود الله لا يتجاوزونها إلى محارِم الله.
﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ مع العبودية والإخلاص والتوجُّه الكامل إلى صراط الله المستقيم ومع إدامة الصلاة، الصلاة هي دوام صلة الروح بالله عزَّ وجلَّ، الصلاة هي مواظبة الإنسان في مدرسة الله كتلميذٍ يتلقَّى تعاليم الله لأنه قد ينساها وقد تطغى عليه بعض الأحوال التي تحجُبه وتُنسِيه أوامر الله، فالصلاة:

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
[سورة طه]

لتذكرني وتتذكَّر أوامري ولترسُخ في قلبك وعقلك الأخلاق التي أمرتُك بها ﴿وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ دوام الصلة وحُسن الصلة بالله.
﴿وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ لتوثيق صلة الإنسان بالإنسان وصلة الغني بالفقير والقوي بالضعيف وصلة الرحمة والمعونة، وإذا لم تكفِ الزكاة لسدِّ حاجة الفقراء فكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ إن في المالِ حقّا سِوى الزكاةِ (5) }

[سنن الترمذي]

وهذه الزيادة ذكَرها الله:

فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)
[سورة المزمل]

القرض الحَسن هو الصدقة الزائدة عن الزكاة، في الشيوعية هل يوجد مثل هذا الشيء؟ في الديموقراطية هل الغني مسؤولٌ عن الفقير؟

العروبة بعد الإسلام:
يتهرَّب مِنَ العربية فلا يتكلم بالعربية أيضاً، يتكلم بالفنلندي! لماذا نقول إمبريالية وإمبراطورية وماركسية؟ ماركس يهودي، أنت عربي وتقول أنا ماركسي يعني أنا يهوديٌّ متهور؟ أنا أجير اليهودي، أنا أتلقى تعاليمي مِنَ اليهودي؟ إلى ماذا وصلت حقارة عقل الإنسان في هذا العصر إلى هذا المستوى؟ لا تنتسِب للعروبة؟ مَنْ أبو العروبة وروحها ومَنْ أحياها ومَنْ علَّمها ومَنْ جعلها أمَّةً عالميةً ومَنْ جعل لها الدولة العالمية والتاريخ العالمي؟ ليس للعروبة بل للإنسانية، الدولة والأمة الإنسانية، العِلم مفروضٌ على الجميع ومبذولٌ للجميع وبالمجان، الدواء والفنادق للجميع، كانت الفنادق يُسمونها خانات، فكانت الفنادق في العصر الإسلامي كلُّها مجانية، يأتي المسافر فينزل في الفندق يأكل وينام مجاناً، ويوجد خياطٌ إذا ثُقِبَت ثيابه أو جيبه يُخيطوها له، وطبيب المشافي مجاناً، دخل أحدهم مستشفى وهو ليس مريضاً ولكنه لا يجد ثمن الطعام، كلُّ يومٍ يأتي الطبيب فيُعاينه، فبعد ثلاثة أيام كتب له: الضيافة ثلاثة أيام، هنا للمرضى ليس للأصحاء، تريد الضيافة اذهب لفندق الدولة المجاني، فهل توجد دولةٌ في العالَم أنشأت فنادق مجانية ومستشفيات مجانية؟ هذا ما فعله الإسلام لما كان المجتمع مثقفاً بثقافة الإسلام ويتعلَّم مِنْ مدرسة الإسلام.

الامتثال الكامل لأوامر الله تعالى:
وبذلك ﴿أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا﴾ ليمتثلوا أوامر الله امتثال العبودية امتثالاً كاملاً غير منقوص، السيارة إذا نقُصًت برغياً يصير وجودها كالعَدم فلا تمشي، إذا نقُصَت العجلة أو الأربعة أو لم يكن هناك محرك، يوجد غطاء لكن لا يوجد شيءٌ في الداخل، الله قال:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

﴿أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ هذه الآيات من أجل ماذا تكون؟ حتى نحوِّلها لأعمالٍ وصفاتٍ وأخلاقٍ فينا وما فيها مِنْ ذكر، النقائص في الأمم التي قبلنا لنتحفَّظ منها ونبتعد عنها، أما أن تقرأها للنمنمة أو موَّالاً مِنْ أجل الطرب والنَّغم.

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ) البركة هي كثرة الخير يعني كثيرٌ خيره (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) تقف عند قراءة الآية وتتدبَّر فيها وتتأمَّل معناها وتفحص نفسك هل جعلت هذه الآية غذاءً لنفسك تظهر صحتها في أعمالك وأخلاقك وسلوكك؟

المسلم مع الجماعة :
الله يذمُّ الذين تفرقوا، فهل أنت أيها المسلم مع الجماعة أم مُبتعداً عنها؟ الشعوب والأمم والأوطان المفروض حسب القرآن أن يكون المسلمون دولةً واحدة، الإسلام الصحيح والحيّ جعل نصف العالم دولةً واحدة لا خمسين دولة، الآن المؤتمر الإسلامي كم دولة؟ خمسون دولة، يجب أن نكتب وما تفرّق الذين أوتوا القرآن إلا مِنْ بعد ما جاءتهم البينة، أما إذا كان حسب القرآن والإسلام لا توجد جنسيةٌ باكستانية وأفغانية وعربية وسورية وسعودية ويمنية وإماراتية وتحتاج خمسين يوماً ليعطوك فيزة أو لا يعطوك، ونقول نحن عروبةٌ وقوميةٌ ومسلمون!
طلَع الدين مستغيثاً إلــى الله وقال العباد قد ظلَمونــي يتسمّون بي وحقك لا أعرف منهم شخصاً ولا يعرفوني
{ منقول }
هذا الكلام ليس كلُّه صحيحاً، بعضه صحيح والبعض الآخر ليس صحيحاً، يوجد الكثير من الناس ولا يزالون والحمد لله ولكن كلُّ إنسانٍ يعمل حسب جهده وطاقته.

إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة :
﴿وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ لا يُصلُّون بل يُقيمونها بإقامة أوامرها ويعملون بتعاليمها ووصاياها:

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
[سورة العنكبوت]

{ من لم تَنْهَهُ صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكَرِ فلا صلاةَ له (6) }

[المعجم الكبير للطبراني]

﴿وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ انظر إلى كلمة يُؤتوا ولم يقل يُعطوا، يُؤتوا بأن يأتوا للفقير ويقدمونها له، لا يأتيك هو ويطلبها منك، ولحِفظ كرامة الفقير كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ }

[صحيح البخاري]

(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ) إذا كنت في ظلِّ الملِك يعني في حمايته ورعايته (يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ) ومن جملة السبعة: (ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى) لم يعرف الناس حتى تُحفَظَ كرامة الفقير فلا يقولون له: أنت الناس يتصدقون عليك، لا أحد يعرف، ليس فقط الناس لا يعرفون، قال: (حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ)(7)، يعني أقرب الناس إليه لا يعلَم ولا يطَّلع على ما يقدمه مِنْ مساعداتٍ وعمل الخير.
هذه التعاليم هل هي موجودةٌ في أمريكا وباريس وألمانيا والصين واليابان؟ هذه كانت موجودةً في الأمَّة العربية ببركة هذا القرآن العظيم، فهماً له وعملاً به حتى كان الإنسان يستطيع أن يقرأ القرآن في أعمالهم، يُؤتون الزكاة ويُقيمون الصلاة فالصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر، مخلصون في أعمالهم كلّها إخلاصاً لا يبتغي لا جزاءً ولا مكافأةً ولا شكوراً، فكيف سنحقق هذه المعاني في القرآن؟ ننقلها مِنَ الأوراق إلى الأذواق ومِنَ السطور إلى الصدور ومِنَ القراءة إلى العمل، لا بد مِنَ المُعلِّم ومَنْ يُعلِّمهم، لا بد مِنَ الحكيم لنتعلَّم الحكمة، لا بد مِنَ المُزكي لتتزكى النفوس، فمدارسنا وجامعاتنا الدينية هل تحمل هذه المسؤولية؟ خريجها هل يتخرج حاملاً شهادة: يُعلِّمهم الكتاب والحكمة ويُزكي النفوس؟ أم يحمل ورقةً توضع في إطارٍ ونُجمِّلُ بها الجدران؟ أما لو كان كلُّ مسجدٍ يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكي النفوس لصار العالم كلّه أمَّةً واحدةً ودولة واحدةً ووطنيةً وقوميةً واحدة.

القومية في الإسلام :
القومية هي وحدة الأرض واللغة أو وحدتها مع اختلاف اللغة مثل الصين والهند بلغاتٍ متعددة، أما قومية القرآن والسماء حتى تصبح أنت المواطن وأنت قوميتك مع الآخرين قوميةٌ واحدةٌ هي قومية العِلم كل مَنْ حَمَلَ العِلم فهماً وفقهاً وحَملَ الحكمة فصار حكيماً وتزكَّت نفسه فصار زكياً:

قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14)
[سورة الأعلى]

فهذا مواطنٌ في أمة القرآن وفي دولة السماء، وهذه التي تحقق السلام والأخوَّة والسعادة للإنسان وكلِّ الإنسان وفي ظلال حرية العقيدة:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
[سورة البقرة]

قال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ لا ليتفرَّقوا ويتقاتَلوا ويتحاسدوا، ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ حقوق الفقراء ودوام الصلة بالله حُباً وذِكراً وفَهماً لتعاليمه ووصاياه ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ هذا هو الدين وهذه هي المِلَّة القيمة التي لا عِوَجَ فيها:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)
[سورة الكهف]

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) لكن الكتاب ما هو؟ (قَيِّمًا) مستقيماً (لِيُنْذِرَ) مَنْ يُخالفه ويُعرِضَ عنه (بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) به والعاملين بأحكامه (أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) المكافأة الحَسَنة (مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا) هذا الإحسان والحياة الحَسَنة مِنَ الدنيا إلى الآخرة.

مصير الكافرين:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الذين كفروا بتعاليم الله ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ إذا كفروا برسالة أنبيائهم وآخرهم محمَّد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذي دعا للإيمان بكلِّ مَنْ سبقه مِنَ الأنبياء والإيمان بكتبهم، الأنبياء أتوا لأقوامهم، الرسالة الأخيرة أتت للعالَم كله، الآن لو أن وسائل الإعلام على اختلافها لو تهيَّأ بها وفيها مَنْ يُحسِنُ ترجمة دين الله الترجمة الحيَّة لصارت الكرة الأرضية وطناً واحداً وشعوب العالم شعباً واحداً ولقُضيَ على الفقر فلا يوجد في قاموس الحياة ولتحقَّق السلام والسعادة والاطمئنان مِنْ عالَم الجسد إلى عالَم الروح ومِنَ الأرض إلى السماء ومِنَ الدنيا إلى الآخرة، إنسانٌ واحدٌ للألمان وآخر لإنجلترا وآخر لأمريكا بلغات الأقوام، وهذه لحيتي! أي بلدٍ صَغُرَ أو كَبُرَ يتبنى هذا الإعلام وهذا التعريف بمدرسة الله المدرسة الأخيرة التي جمعت كلَّ المدارس:

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
[سورة البقرة]

(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ) النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم والمؤمنون معه (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) هل نُؤمن بعيسى ونكفُر بموسى أو نُؤمن بموسى ونكفُر بمحمد؟ لا، نُؤمِن بهم جميعاً، (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا) تعاليمك (وَأَطَعْنَا) وأطعناها (غُفْرَانَكَ) على تقصيرنا (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) سنُحاسَبُ في محكمتك، جعلنا الله عزَّ وجلَّ أبرياء ومقربين.

الكَفَرة هم شر البرية:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ لم يقل إن أهل الكتاب الكافرين، قال بعضهم كافر ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ والآخر مؤمنون ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ عبَدة الأصنام ﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ الشوك لماذا يصلُح؟ هل نضعه على رأس العروس أو العريس؟ الشوك لا يصلُح إلا أن نطبخ به شوربةً أو برغلاً ونجعله وقوداً في الكانون، لا يصلح لغير هذا، هل تجعله ربطة عنق أو قميص نوم؟ ﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ الذي يرفض تعاليم الله ويكون أميَّاً لم يدرس في مدرسة الله هم شرُّ البرية.
الآن رغم تقدُّم العالم الغربي، أوروبا وأمريكا وهيئة الأمم ومجلس الأمن، هل حقيقة نصَروا الضعيف وقَضوا على الفقر ونشروا العِلم؟ أما دولة القرآن والسماء قَضَت على الفقر لما مشوا على تعاليمها وقَضت على الجهل والجنسية والقوميات، جعلت القومية الإنسانية لا الإيرانية والعربية والكردية والتركية والروسية، قوميةً واحدةً وهي:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[سورة الحجرات]

أنتم لستم أمَّةً بل عائلةً مِنْ أبٍ وأمٍ واحدة، يعني هل الهنود هم أولاد آدم والترك ذهبت حواء إلى صاحبٍ لنفسها وولدت ولداً مِنْ غير آدم أم كلُّهم مِنْ أبٍ واحدٍ وأمٍ واحدة؟ هذه هي تعاليم القرآن وهذا هو الإسلام.

الإسلام هو الاستجابة :
وما هو الإسلام؟ هي الاستجابة لهذه التعاليم أن تحوِّلها مِنْ ألفاظٍ تُقرأ إلى أعمالٍ تُشاهَد وتُبْصَر، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، الذي يُؤمن ويُصدِّقُ بهذه الحقائق إيماناً حقيقياً، إذا آمنت أنا هذا دفترٌ سأكتب فيه مذكراتي إذا قلت هذا مذياعٌ سأستعمله لتكبير الصوت وعلِمت أن هذا شرابٌ سأشربه، هذا هو الإيمان الحقيقي الذي يُنتِجُ العمل، أما الإيمان الذي لا يُنتِجُ عملاً فهذا إيمان ميتٌ وجوده عَدمٌ لا يُعتبر مؤمناً وإن ادَّعى الإيمان يأخذ لقب المنافق، يدَّعي شيئاً لا وجود له فيه:

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)
[سورة النساء]

ولا يُنجِيه ويُخلِّصُه أن يقول أنا مؤمنٌ بل يزيده عذاباً، الله لم يقل عن الكفار أنهم في الدرك الأسفل مِنَ النار بل قال عن المنافق لأنه عملياً كافرٌ ويستُرُ كفره بالادعاء والنفاق فسُمِّي المنافق.

الذين آمنوا هم خير البرية:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ لماذا صاروا خيرُ البرية؟ خير البرية عِلماً تعلَّموا لأن الإسلام بريءٌ مِنَ الجهل والجهلاء، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ ليسَ مني إلا عالمٌ أو مُتَعَلِّمٌ }

[مسند الفردوس للديلمي]

(ليسَ مني) ولا أنسِبُه لي (إلا عالمٌ أو مُتَعَلِّمٌ)(8)، إذا كنت جاهلاً قُمْ فتعلَّم وإذا كنت عالِماً قُمْ فعلِّم،

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
[سورة المدثر]

وبشِّر :

وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46)
[سورة الأحزاب]

﴿أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ هؤلاء هم أفضل الشعوب والأمم، إذا حمَلُوا صفات خيرٍ البرية، أما الانتساب والادعاء والتسمية يكون ابنك مثل القرد وتسميه جميلاً وتأتيك بنتٌ مثل الغوريلا وتسميها جميلة، فهل يُغيِّرُ الاسم الحقيقة؟ نسمي الجاهل عالِماً والغبيَّ ذكياً هل يتغيَّر مِنْ مجرد التسمية؟ كذلك كلمة مُسلم تعني المُستجيب المُنقاد المُمتثل لأوامر الله، فهل أنت مسلمٌ حقاً؟ المُسلم يتعلَّم مِنَ المُعلِّم العِلم والحكمة مِنَ الحكيم وتزكية النفوس مِنَ المُربِّي، فإذاً لتكون مسلماً فأنت بحاجة إلى المعلِّم والحكيم والمُربِّي والمُزكِّي؟ فهل دخلت هذه المدرسة لتأخذ شهادتها الإسلام والاستجابة؟ اللهم اجعلنا مِنْ تلامذة هذه المدرسة.

تعاليم الله تجعل الإنسان من خير البرية:
﴿أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ دلالةً على أن هذه التعاليم جعلتك أفضل الأمم والشعوب قال: فوقها أيضاً مكافأةٌ مِنَ الله، مثل الذي يقول لابنه: إذا أخذت علاماتٍ عاليةً أعطيك مكافأةً كذا وكذا.. والشهادة فائدتها في المستقبل لمَن؟ الأب وزيرٌ وملِكٌ والفائدة للولد، إذاً كُنْ عظيماً وأعطيك على ذلك المكافأة، والقرآن هنا يقول: كُنْ الإنسان العالِم الحكيم الإنسانيَّ الفاضِل وما مكافأتك عند الله؟ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أبَد الآباد، اللهم لا عيش إلا عيشُ الآخرة، وفي الدنيا ماذا يوجد؟ قال:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة النحل]

الحياة الحَسَنة، هذا كلام الله هل كان صادقاً لمن مشى على منهاجه؟ هل كانت حياته الدنيوية حسنةً وعزيزةً وكريمةً وقوَّةً وتقدُّماً؟ كان العرب بالإسلام وبعده خير الأمم، عربٌ بلا إسلامٍ صاروا عشرين أمةٍ ودولةٍ وجنسية، والمسلمون خمسون ومئة جنسيةٍ والله أعلم، مسلمو الاسم وعروبة الاسم وقوميته، رزقنا الله الحقائق فحقيقة الإسلام تحترم القومية والعروبة والإنسانية والجوار وكلَّ ما هو يدخل تحت عنوان الخُلُق الفاضِل والإنسانية الكريمة

مكافأة الله للمؤمنين:
والمكافأة مكافأةُ الأبد والخلود وفوقها ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ لما يدخلون الجنة يعمل لهم الله وليمةً ويدعو المؤمنين: ماذا تريدون لأعطيكم؟ فيقولون: وماذا يوجد عطاءٌ أعظَم مما أعطيتنا؟ شيءٌ لا يخطر لنا على بال؟ قال: أحِلُّ لكم رضائي فلا أسخَط عليكم أبداً، ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ﴾ هذه الثمرات والنتائج والعطاءات لمن؟ لمَن يقول إني مسلمٌ وإني عربيٌّ وتركيٌّ وهندي؟ قال لا، ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾، الذي يخاف الله عند شهواته ورغباته ومطامِعِه في غضبه ومصالحه تقوده مرضاة ربِّه وغايته أن يكسَب هذا الرضا والتوفيق، اللهم اجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، واجعلنا اللهم هادين مهديين ولا تجعلنا ضالِّين ولا مُضلِّين، وصلى الله على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

تهليلة ودعاء:
سنُشرك في التهليلة والد الدكتور أبي الخير الحلبي والأخ عدنان الحلبي وعبد الفتاح الحلبي رحمة الله علينا وعليهم، وعلى والدهم وعلينا جميعاً، وكذلك والد أحد الإخوان الله يعرفهم، ونصلي صلاة الغائب على أرواح الشهداء في الشيشان وآخر مَنْ استُشهِد رحمه الله قائدهم بودايف، نرجو الله لهم جميعاً المغفرة والرحمة، وبعد الصلاة فمساعدة إخواننا اللبنانيين هذا واجبٌ على كلِّ مسلمٍ بحسب طاقته خارج المسجد يوجد مَنْ يجمع التبرعات، أنا الأسبوع الماضي التقيت بقائد حزب الله وقدَّمت له ما بيني وبينه ما تيسَّر، فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرُدَّ المسلمين إلى إسلامهم الحقيقي، يعني أن يصيروا مُستجيبين لأوامر الله، الاسم والدعاء واللهم:

رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
[سورة آل عمران]


الدعاء له شروط:
والاستدعاء وصل لله، ماذا جواب الله وماذا كتَبَ في الأسفل؟
(أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ) أحضروا العمل لأُعطيكم الطلب، أنا لي طلباتٌ مقابل طلباتكم:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)
[سورة البقرة]

هل الله ولدٌ صغيرٌ بالكلام؟ الله ليس ولداً، قال الطلب وصل أنا أيضاً لي طلبات، الدعاء طلبٌ وأنا أيضاً أدعوكم (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ).
فاطلبوا بالعمل لا بالقول والدعاء اللهم واللهم، والله يقول يا عبدي يا عبدي وأنت تُدير ظهرك له، إذا أدَرت ظهرك له يُدير ظهره لك، وإذا كان الله منزَّهاً لكن هذا إلى آخره..
لذلك شُدُّوا الهمة فهذه السورة حققوها في أنفسكم، ما حذَّر الله منه الأمم السابقة هذا تحذيرٌ لكلِّ واحدٍ مِنَ البشر وإلى يوم القيامة، ما فيها مِنْ أوامر الله نمتثلها ومُسابقين ومُسارعين وما فيها مِنْ مُحرَّماتٍ نبتعد عنها بكلِّ حيطةٍ وحذرٍ لننال ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ وقال: ﴿ذَلِكَ﴾ ليس للمتمني بل لمن آمن وعمل الصالحات وخشيَ ربه، وصلى الله على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الحواشي:
(1) صحيح البخاري، أبواب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى ترم قدماه، رقم: (1078)، صحيح مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، رقم: (2819).
(2) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم: (4330)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ...، رقم: (1061).
(3) مسند أحمد، رقم: (20739)، (34/ 342).
(4) سنن ابن ماجه، كتاب الرهون، باب أجر الأجراء، رقم: (2443).
(5) سنن الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء إن في المال حقاً سوى الزكاة، رقم: ( 660).
(6) المعجم الكبير للطبراني، رقم: (11025)، (11/54).
(7) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، رقم: (1423)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم: (1031).
(8) مسند الفردوس للديلمي، (3/419).