تفسير سورة البينة 1

  • 1996-04-19

تفسير سورة البينة 1

الحمد لله رب العالمين حمداً يُوافي نعمه ويُكافئ مزيده، وأفضل الصلوات وأتمُّ التسليم على سيِّدنا مُحمَّد الذي عطَّر العالَم بشذى رسالته وحكمته وتعاليمه، وعلى أهل بيته الطيِّبين الطاهرين، وعلى أصحابه المجاهدين المناضلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وآل كلٍّ وصَحْبِ كلٍّ أجمعين، وبعد:

ما سبق من تفسير سورة القدر:
فقد مرَّ معكم في الأسبوع الماضي تفسير سورة القدر، والآن تعليقٌ بسيطٌ على تفسيرها، فكلُّ ما في القرآن يجب على قارئه أن يستفيد مِنْ كلِّ آيةٍ مِنْ آياته ومِنْ كلِّ كلمةٍ مِنْ كلماته، لا يقرؤه على أنه قصةٌ يتسلَّى بها أو يتبارك بها ويضع الحاجز بينه وبين أن يقطِفَ ثمراتها بما ينهَض به وبالمجتمع على مستوى ما يقرؤه ويتلوه، فمثلاً إذا قرأنا نوحاً في القرآن فالله عزَّ وجلَّ ذكَرَه وكرَّره ليُعلِّمَنا الصبر والصمود وعدم اليأس في تحقيق ما نهدُف له مِنْ رَفْعِ مستوانا ومستوى مجتمعنا وأمَّتنا، ونحن كُلِّفنا لا بأمتنا ووطنا بل بالنهوض بكلِّ شعوب العالَم، إذا قرأنا إبراهيم فكذلك لنقتدي به ونصمُد أمام ما يُلاقينا مِنْ نمارِد والذين يقفون ضد تنوير المجتمع والرُّقي به إلى العِلم والحكمة وتزكية النفوس.

البراءة من الكفر وأهله:
وما إذا كان والِدُنا جاهلياً أن لا نُؤخَذَ بكرامة الأبوَّة فنُطيعه في باطله وخرافته، فإن إبراهيم لم يُطِع والده لما دعاه إلى باطل، كذلك:

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
[سورة القدر]

الله عزَّ وجلَّ حقق فيها للعرب فجعل في كلِّ ليلةٍ مِنْ لياليهم وكلِّ يومٍ مِنْ أيامهم خيراً مِنْ ألف شهرٍ بدون إسلام، يعني بدون ألف شهرٍ بلا عِلمٍ وبلا عقلٍ حكيمٍ ولا بناء فضائل النفس في أخلاقها وسلوكها، إذا لم يتحوَّل القارئ بقراءتها إلى أن يجعل كلَّ ليلةٍ مِنْ ليالي حياته بفقه القرآن والإسلام يجعل كلَّ ليلةٍ خيراً مِنْ ألف شهر، فإذا لم يفقه القرآن هذا الفقه فهذا لم يقرأ القرآن لأنه ملوَّثُ العقل ومشلول الفكر وعلى غير طهارة الروح والله يقول في القرآن:

لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
[سورة الواقعة]

(لَا يَمَسُّهُ) ولا يقطُف ثمراته ولا يتزيَّن بجواهره ولآلئه (إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الذين تطهروا مِنَ الجهل والجاهلية والغَفلة عن الله عزَّ وجلَّ فأهملوا عقولهم ولم يُوصلوها إلى مرتبة العقل الحكيم.

تعريف الحكمة:
والحكمة التي هي الصواب في القول إذا قلت والصواب في العمل إذا عمِلت، إذا عمِلت تجارةً تكون رابحةً، وإذا زرعت تكون منتجةً محصودةً، وإذا عملت سياسةً تكون ناجحاً وعِلماً تكون مُعلِّماً وبنَّاءً للجيل وللمجتمع عندئذٍ إذا قرأت سورة القدر على هذا الأساس فتصير ليلتك خيراً مِنْ ألف شهرٍ لمن لم يتعلَّم سورة القدر، فهل أحسَن المسلمون قراءة القرآن؟

وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)

(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) عن مسلمي الاسم لا الحقيقة (فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا) ماذا قطفتم مِنَ الآيات عِلماً وعملاً وتقدُّماً؟ الله قال: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الذين قرؤوا القرآن بطهارة القلب ونقاهة العقل والتفكُّر والتدبُّر (فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) بعطاءات القرآن، (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المريض إذا شرب الماء الزُّلال:
ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الـــزُّلالا
{ المتنبي }
يقول: ماء الفيجة مُرة، والناس يقولون ليست مُرة، وهو يقول أنا أحسُّ أنها مُرة، فنقول له: لسانك به مرض، فالخلل منك لا مِنَ الماء، الآن المسلمون لا ينتفعون مِنَ القرآن، القرآن بعشرين سنةٍ جعل مِنَ الأمَّة الوثنية الجاهلية التي لا تقرأ ولا تحسُب أعطاها شهادةً سماويةً عالميةً وعلى مدى الدهور وهي أنهم خيرُ أمَّةٍ أُخرِجت للناس، خيرُ أمَّةٍ بالتبرك؟ لا، كانوا في السياسة وفي الصناعة وفي الوحدة والنظام والأخلاق ومكافحة الفقر والجهل والتخلُّف خيرَ أمَّة.

علماء المسلمين اليوم:
فإذا قرأ قارئ سورة القدر ولم يُرد أن يجعل مِنْ ليلته خيراً مِنْ ألف شهرٍ ومِنْ يومه خيراً مِنْ ألف شهرٍ فهذا لم يقرأ القرآن لأنه قرأه على غير طهارةٍ ومَنْ قرأه على غير طهارةٍ فلا يَمَسُّ عقله روح القرآن ولا تمَسُّ روحه روح القرآن ولا حكمته ولا تقدُّميته، هذا بالنسبة لسورة القدر، فيا تُرى أنتم هل لديكم مِنَ العزم أن تجعلوا مِنْ ليلتكم ويومكم خيراً لا مِنْ ألف شهرٍ بل مِنْ أسبوع؟ أسبوع العالِم هل هو مثل أسبوع الجاهل؟ وأسبوع المُهمل لعقله وتفكيره هل هو مثل الإنسان الذي يشغَل عقله وفكره بكل ما يُفرَض عليه أن يُفكِّر فيه مِنْ أمر الدنيا والآخرة، المسلمون في العصور الأخيرة علماؤهم وأولياؤهم وأقطابهم بالمصطلحات الصوفية كلُّ الطاقات والقرآن والفقه أشغلوه بأمور الآخرة، فكأنَّهم قرؤوا القرآن: ربنا آتنا في الآخرة حسَنةً ولا تؤتنا في الدنيا حسنة، وقد استجاب الله للسان حالهم وما رغبوا فيه وطلبوه، مع أنه إذا لم نُجهِد أنفسنا بأن تكون حالتنا في الدنيا حسنةً فقد تفوتُنا حسَنة الآخرة، لما ضَعُفَ المسلمون ضَعُفَت دنياهم وعلومهم وصناعتهم وثقافتهم فاستولى العدو على عقولهم وبلادهم واقتصادهم وأخلاقهم فسَلَبهم أيضاً الدين والآخرة فأصبحوا كفقراء اليهود لا دين عندهم ولا دنيا، وكما يقول الشاعر العراقي الصافي النجَفي:
مـحـمـدُ هـل لهـذا جـئت تـسـعى وهـل لك يـنـتـمـي هـمـلٌ مـشاع
{ أحمد الصافي النجفي }
لتكون أمَّتك متفرقةً جاهلةً ومتخلفةً ومتمزقةً تعيش بالأنانيات والأهواء لا تعيش بالمبادئ ولا تفقه القرآن، القرآن بين يُوزع على القبور وبين يُوزع بالبركات والحسنات، أما:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

فهذه فوق القراءة الأربع عشرة وهي مصدودةٌ أبوابها.
"محمد" ¬يعني يا محمد "هل لهذا" لهذا المصير لأمَّتك "جئت تسعى" جاهدت وضحيت وبذلت "وهل أتباعك هَمَلٌ مشاع".
أإســلامٌ وتــغــلبــهــم يـهـودٌ وآســادٌ وتــقــهــرهــم ضــبــاع أيــشـغـلهـم عـن الجُـلّى نـــزاعٌ وهـــذا نـــزعُ مــوتٍ لا نــــــزاع شـرعـت لهـم سـبيل المجد لكـن أضاعوا شرعك السامي فضاعــــوا
{ أحمد الصافي النجفي }
(أيــشـغـلهـم عـن الجُـلّى نـــزاعٌ ) عن الأمر الخطير الجليل هل هذا وقت المنازعة؟

مسؤولية إعادة بناء الأمة:
فإذا كلُّ واحدٍ منكم لا يشمِّر عن ذراعيه ويعتبر نفسه أنه هو وحده المسؤول عن إعادة بناء الأمة التي بناها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والخلفاء الراشدون مِنْ بعده، النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنى الجزيرة العربية والخلفاء الراشدون بنوا نصف العالم، كنت في الصين فسألت أحد الصينيين عن تاريخ وصول الإسلام إلى الصين فأجابني بما أدهشني، قال: وصل الإسلام إلى بلادنا الصين في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فمِنْ وفاة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى خلافة عثمان كم سنة؟ عشرون سنة؟ يا تُرى بأي شيءٍ وصلوا إلى الصين؟ بالقطارات أم الطائرات أم السفن البخارية؟ بفقه القرآن عِلماً وعقلاً وقلباً وروحاً وعملاً.
الآن درسكم في سورة البينة، يقول الله تعالى: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾.

الجهل والوثنية قبل بعثة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم :
لما نزل القرآن كان المجتمع الوثني والكتابي يعني اليهود والنصارى، اليهود ابتعدوا عن موسى عليه السَّلام ورسالته، والنصارى كذلك صاروا عشرات المذاهب يُكفِّرُ بعضهم بعضاً ويُقاتل بعضهم بعضاً، فمنهم مَنْ قال أنَّ المسيح هو الله ومنهم مَنْ قال أنَّ الله واحدٌ مِنْ ثلاثة أشياء، ومنهم مَنْ قال أنَّ المسيح ابن الله مع أنه في الإنجيل وبالنص الصريح يقول فيه السيد المسيح: "وإنَّ الحياة الحقيقية"، مَنْ يقول هذا؟ المسيح، أين يقوله؟ في الإنجيل، "وإنَّ الحياة الحقيقية" يُخاطب الله "أن يعرفوك أنك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته"، هذه معناها لا إله إلا الله وهذه موجودةٌ أيضاً في نفس العهد القديم: "لا إله إلا الله الأحد، ويسوع المسيح الذي أرسلته" إلى آخره.. فهذه الآية أشارت إلى أنَّ المشركين الوثنيين وأهل الكتاب ما بقوا على رسالة أنبيائهم، ابتعدوا عنها بالتأويلات والترجمات وضعف البعض منهم في الكفاءات.

الجاهلية في هذا الزمن:
وهذا أيضاً الآن وقبل الآن واقع بالمسلمين، المسلمون الآن وقبل مئات السنين هل هم على ما علَّمهم سيدنا محمد بن عبد الله؟ اللهم لا، والله غيَّروا وبدَّلوا، وبشهادة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندما يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: يبعث الله على رأس كلِّ مئة سنةٍ مَنْ يجدد لأمتي أمر دينها، كيف الثوب والسيارة تضعف في سيرها وقوتها والثوب بالأوساخ يفقد جماله وجِدَّته، قال هكذا كلَّ الأشياء بمرور الزمن تتغيَّر، لكن الله يبعث النجدة :

{ إنَّ اللَّهَ يبعثُ لهذهِ الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مئةِ سنةٍ من يجدِّدُ لها دينَها(1) }

[سنن البيهقي]

{ يحملُ هذا العلمَ من كلِّ خلفٍ عُدولَهُ ينفونَ عنه تحريفَ الغالينَ وانتحالَ المُبطلينَ }

[البداية والنهاية]

يصبح هناك مغالاةٌ وإفراطٌ في الحب مثل حب القطط، القطة مِنْ محبتها لأولادها ماذا تفعل بهم؟ تأكلهم، فما رأيكم؟ فكثيراً ما الحب إذا تجاوز حدوده ينقلب إلى طغيانٍ وفساد، قال: ينفي المجددون عن الإسلام (تحريفَ الغالينَ) مِنَ المغالاة يُحرِّفون الدين عن مواضعه وحقائقه، أنا أدركت مِنَ المشايخ الذين علَّموني جزاهم الله كلَّ خير، فالقرآن ما رأي التفسير به؟ يقول يُقرأ للبركة، بكلِّ بساطةٍ وكأنه شيءٌ طبيعي، الكلام للمذهب الشافعي، لدرجة أنك إذا صليت وراء حنفيٍّ أسجدُ السهو لاعتقادي أن صلاتي ناقصة، هذا عدا عن السنة والشيعة التي وصلت التفرقة بينهما إلى أفظع وأبشع بكثيرٍ مِنْ أن نصلي ونسجد السهو أو لا، وطوائفٌ وإلى آخره..
ومن ثم جاءنا الفلاسفة كماركوس ولينين وستالين وديمقراطوس، فيا تُرى في الإسلام هل نحتاج لفلسفة ديموقراطوس؟ هل نحتاج لفلسفة ماركوس؟ هل درَسنا القرآن دراسةً مشبَعةً فرأينا فيه نقصاً لنستدرِكَ حياتناً فيما خرج عن ذاتنا وعن تراثنا؟

مسؤولية الحكام والعلماء والأغنياء:
لكن المسؤول هم علماء الدين والمشايخ، هدانا الله أجمعين، المسؤولية علينا وعلى حكام المسلمين والآن يُضاف إليهم أغنياء المسلمين، هذه القوى الثلاث إذا ما تضافرت فمِنَ المستحيل أن يخرج العرب والمسلمون مِنْ ضعفهم وتمزُّقهم وذلَّتهم، خمسون سنةً والقدس التي هي رمز العرب والإسلام تُهان مقدساتها ويُذبَّح أبناؤها ويُهجَّر شعبها، خمسون سنةً ونحن في عجزٍ وهل مِنْ مزيد؟ فأيننا نحن مِنْ قوله تعالى:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
[سورة الروم]

لماذا لم ينصرنا الله؟ لأننا مؤمنون ويُخلِفُ الله وعده؟ أم نحن أخلَفنا مع الله طاعته وتقواه وامتثال أمره؟ هل نحن المُخلِفون مع الله أم الله هو المُخلِف معنا؟

وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
[سورة الروم]


رسالة أنبياء أهل الكتاب:
فالسورة تقول: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾، أهل الكتاب أنبياؤهم جاؤوا بوحدانية الله فشوَّشوا هذه الوحدانية:

اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
[سورة التوبة]

هذا كان في زمن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ﴿ مُنْفَكِّينَ ﴾ كانوا قبل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقرؤون في توراتهم وإنجيلهم بأنه سيُبعَثُ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في آخر الزمن ويُصحح عقائد الأديان وينقل الناس من الظلمات إلى النور، وكان كثيراً ما يتقاتل اليهود في المدينة مع الوثنيين من أهل المدينة وباعتبار كثرة أهل المدينة يغلبون اليهود فتُهدد اليهود الأوس والخزرج ويقولون: "قد آن أوان ظهور النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في آخر الزمان، وسنؤمن به ونقاتلكم معه فنقتلكم قتل عادٍ وثمود"، وهذا ما أشارت له الآية في سورة البقرة، يقول الله تعالى:

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)
[سورة البقرة]

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) أي اليهود، (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ) مُلتقٍ مع توراة موسى عليه السَّلام وإنجيل عيسى عليه السَّلام، (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ) نزول القرآن (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) على الوثنيين العرب عبدة الأصنام، انتظروا هذا هو الاستفتاح، يقولون: "اللهم انصرنا بالنبي الذي تبعَثه في آخر الزمن"، (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) فإذاً العِلم إذا لم يُصادفه التوفيق يكون الجهل أقلَّ مؤاخذةً منه لأن مؤاخذة العالِم المُخالِف لمقتضيات العِلم ليس مثل مؤاخذة الجاهل الذي لا يعرف الشريعة والحُكم، (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ).
قال: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الوثنيون ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ الذين كفروا بوحدانية الله وبحقيقة رسالة أنبيائهم ﴿وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾، ﴿ مُنْفَكِّينَ ﴾ يعني ناسِين لهذا الوعد الإلهي حتى أتتهم البيِّنة، ما هي البيِّنة؟
قال: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ فأتاهم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالدين الخالص المُنقَّى المُطهَّر مِنَ الخرافات والزيادات والغُلو ومِنْ كلِّ ما لا يتعلق بجوهر الدين بكلِّ بيانٍ وبيِّنةٍ وبرهانٍ ومخاطبةٍ للعقل وحوارٍ معه:

قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
[سورة الزخرف]

هذه الحقيقة الواجب عليَّ كنبيٍّ أن أسبقكم إلى تأليهه وعبادته.

وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)
[سورة المؤمنون]

(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) إذا لم يوجد دليلٌ إقناعي (فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ).

أدب القرآن في الحوار:
انظروا إلى الأدب القرآني، مع عابدِ الوثَن لم يُثره، لم يقل له: يا كافر ويا ملعون.. بل قال: (فَإِنَّمَا حِسَابُهُ)، تعلَّموا أدب القرآن في الحوار مع الغير خاصةً لما يكون الوضع غير متكافئٍ في القوة والضعف، الضعيف يُريد ليُظهر شجاعته أن يُناطح القطار، فهل هذا يُثبت شجاعته وعَظَمته أم سُخفه وحماقته؟ الإقدام يُسمى شجاعةً إذا كان مقروناً بالحكمة ويُحقق النصر، ويُعتبر خرقاً وحماقةً وسخافةً إذا كان يُحقق الهزيمة والخسارة، ولذلك كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مكة يتحمَّل الذُّل والهوان والرَّجم بالأحجار ويُداس على عنقه الشريف بالنِّعال والأقدام، ويُعذَّب أصحابه بالجمر والنيران ولا يُقابل أولئك إلا أن يقول للمُعذَّبين: ((صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة))، ولكنه لما مَلَك القوة الكافية فهل قال للمسلمين صبراً آل ياسر أم قال:

وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)
[سورة البقرة]

الفتنة: كانوا يُعذِّبون الرجل بالنار وبالسجن والتجويع هذه اسمها الفتنة حتى يفتُنوه عن دينه، فهذه اسمها الحكمة.

الحكمة طريق النصر:
ومَنْ يُؤت الحكمة في الحروب ينتصر وفي البناء يَكمُل البناء وفي الزرع يَعظُم العطاء والإمكان، والحكمة هي فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الشكل الذي ينبغي، أنت هل تعلِّمت الصلاة؟ مِنْ شروط الصلاة استقبال القبلة، فإذا أدرت ظهرك للقبلة هل صلاتك صحيحة؟ إذا تعلَّمت استقبال القبلة في الصلاة لأنها فرضٌ فتعلُّم الحكمة على المسلمين أليس فرضاً؟ يجب أن تتعلَّم الحكمة في الطعام وقد ذكرها الله في القرآن:

يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
[سورة الأعراف]

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) الإسراف إذا معدتك تتحمل ملء الكف لا تضع ملء الكفين، إذا احتاج جسمك ملعقة سكرٍ لا تأكل ثلاث ملاعق سكر، جسمك يكتفي بملعقة دهنٍ فلا تأكل أربع معالق، إذا فعلت ذلك خالَفت الحكمة والقرآن والإسلام، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
الحكمة في عملك وإدارتك وفي الجيش والسياسة ومع الزبائن ومع دابتك، فالحكيم ناجح في كلِّ عملٍ وفي ازديادٍ مِنَ الخير وإزالةٍ للشر، ومَنْ يفقد الحكمة يدفع الثمن غالياً.

موقف أهل الكتاب من بعثة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم :
﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مِنَ الوثنيين ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ كان أهل الكتاب الذين وقفوا في وجه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم اليهود في المدينة، قال: ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ كانوا ينتظرون الوعد الذي وعَدهم به أنبياؤهم بمجيء خاتم النبيين، ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ فلما أتتهم فمنهم مَنْ أسلَم وآمن وانفكَّ عن الأخطاء في الدين بسبب الترجمات أو الشروح الغير صحيحة، ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال النِّحل والعقائد وانتحال المُبطلين.

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
[سورة الجمعة]

(وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) العِلم (وَالْحِكْمَةَ) فكانت كلُّ أعمالهم قائمةً على القانون العقلي والفكري الصحيح، لذلك كانت أعمالهم كلها ناجحةً صائبةً فائزةً منتصرةً لأنهم كانوا قد تفقَّهوا بالحكمة وأخذوا شهادة الحكمة مِنْ فم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندما قال لهم:

{ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ كادُوا من فِقْهِهم أن يكونوا أنبياءَ }

[حلية الأولياء]

(عُلَمَاءُ) يُعلِّمهم الكتاب (حُكَمَاءُ) الحِكمة (كادُوا من فِقْهِهم) فهمهم لأمور الحياة الدنيوية والأخروية (أن يكونوا أنبياءَ)(2)، هذا فرضٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، أن يأخذ شهادة يُعلِّمهم، أن يَعلَم القرآن لا قراءة أحرفه وألفاظ آياته، شريط المُسجِّل يقرأ ويتلفَّظ بالأحرف والكلمات أفضل مِنْ قراءتنا نغماً وتجويداً، لكن هل نحن تعلَّمنا القرآن فهماً وإيماناً، إذا آمنت بالأفعى هل تستطيع أن تجعلها تحت قميصك؟ يمنعُك مِنْ ذلك إيمانك بحقيقتها، وإن أُعطيتَ قبضةً مِنْ ذهبٍ وآمنت بأنه ذهب فهل يقبل إيمانك أن ترفض هذا العطاء؟ فلا عملَ إلا بإيمان، وإذا فُقِدَ الواجب مِنَ الأعمال لأنه فُقِدَ الإيمان مِنْ صاحبه.

تفرق أهل الكتاب بعد أن أتتهم البينة:
قال: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ﴾ عن أخطائهم ووثنيتهم وبقوا حتى ظهور النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينتظرون مجيء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ أهل الكتاب ومَنْ صدَّقهم مِنْ عبدة الأوثان، ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ بعدما أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم منهم مَنْ آمن ومنهم مَنْ كَفر فعبد الله بن سلام كان مِنْ خامات اليهود وصار مِنْ عظماء الصحابة، بعض زعماء اليهود في معركة أُحد أسلم وتبرَّع بكلِّ أمواله للجيش وللنبي في مصالح الإسلام والمسلمين، أما الأكثر تفرَّقوا واختلفوا مِنْ بعد ما جاءتهم البيِّنة، والبيِّنة هي كما قال تعالى ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ يحمل رسالة، وحامِل الرسالة يُعطى لقب رسول، الرسالة مِنَ الله، مَنْ هو الله؟ هو صانع هذا الوجود.

ليس الإيمان بالتمني:
الإخوان الخطباء هذا اليوم كلُّ واحدٍ منكم يُنوِّه بوجوب مساعدة إخواننا المنكوبين في لبنان، تجعلون الخطب تدور حول التبرع لإخواننا اللبنانيين أعانَهم الله وفرَّج عنهم وألهمنا الله جميعاً شعوباً ومسؤولين أن نعود لإسلام العِلم والحكمة والتزكية، هيَّأ الله مهندسين يُحسنون صناعة هذا البناء، لأنه ليس كلُّ مَنْ تمنى شيئاً ينالُه بالتمني:

{ ليس الإيمانُ بالتَّمَنِّي ولا بالتحلِّي ، ولكن هو ما وقر في القلبِ ، وصدقَهُ العملُ(3) }

[شعب الإيمان]

قال: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ما هي البيِّنة؟ قال: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ يُبيِّنُ لنا ما يُسعدنا ويُنير الطريق في حياتنا، الطريق المُوصل إلى سعادة الدنيا والآخرة، أن نكون سعداء في السياسة وناجحين فيها وفي الحرب أن نكون منتصرين فيها وفي الغنى والثروة:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
[سورة القصص]

واليد العليا المُعطية خيرٌ مِنَ اليد السفلى الآخذة، هذه المعاني عبر القرون كلها حُرِّفت.

مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)
[سورة النساء]

إذا لم تُحرَّف في الألفاظ فحُرِّفَت في الشروح والأفهام وفي الواقع وفي العمل.

استبدال المسلمون لقرآنهم:
استبدلنا القرآن بكلمة قومية، هل يا تُرى أعطتنا القومية ما أعطى الإسلام للعرب لما فهموه حقَّ فهمه؟ الوطنية والديموقراطية والشيوعية.. النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ إذا تبايعتم بالعِينةِ ، وأخذتم أذنابَ البقرِ ، ورضيتم بالزرعِ ، وتركتم الجهادَ سلَّطَ اللهُ عليكم ذُلًّا لا ينزعُهُ حتى ترجعوا إلى دِينكم }

[السنن الكبرى للبيهقي]

(إذا تبايعتم بالعِينةِ) وهو نوعٌ مِنْ أنواع التحيُّل لأخذ الربا مِنَ المدين (وأخذتم أذنابَ البقرِ) يعني صرتم أمَّةً زراعيةً لا تعرفون إلا السكة وراء أذناب البقر، (وتركتم الجهادَ سلَّطَ اللهُ عليكم ذُلًّا) الآن ما يحدث في فلسطين ولبنان، والمخطط الصهيوني مكتوبٌ على باب برلمانهم: "حدود إسرائيل مِنَ النيل إلى الفرات" لا، إذا رؤونا على ما نحن عليه يُوسِّعون الحدود، كانت تلك أمنيتهم في البداية أما الآن على ما عليه المسلمون قد تتسع أمنيتهم، يصنعون أسلحةً تُوصل صواريخهم إلى باكستان وإسطنبول وإيران، لماذا إيران معنا تجاه اليهود بكلِّ طاقاتها وإمكاناتها مالاً وسلاحاً ومساعدة؟ ولماذا بعض الدول العربية فتحت أبوابها لإسرائيل دبلوماسياً وتجارياً وتزاوراً؟ فأين القومية والعروبة؟ والإسلام لا حضور له.
فما لم يقُم أصحاب الإمكانات مِنْ رجال السياسة والحكم وعلماء الدين الذين فهموا الدين بحقيقته وجوهره كما يقول رئيسنا حفِظه الله، ما لم يضعوا السكتين لقطار النصر خط الدين وخط السياسة، اليهود لم يصلوا لفلسطين حتى وضعوا الخطين للقطار الذي أوصلهم لفلسطين، خط الدين: استعملوا التوراة على الكنيسة حتى جعلوا ما يُقارب مِنْ أربعين مليوناً أمريكياً جعلوهم كلَّهم صهاينة يُناصرون اليهود أكثر مِنْ مناصرة اليهود لأنفسهم، استعملوا الدين لتحقيق أهدافهم واستعملوا العقل والسياسة أيضاً فوصلوا لأنهم هيَّؤوا الأسباب الموصِلة.

استعمال الإسلام والحكمة بمعناهم الحقيقي:
فهل نحن نستعمل الإسلام بحقيقته وجوهره؟ وهل نستعمل الحكمة بمعناها الحقيقي؟ والحكمة هي فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الشكل الذي ينبغي، جامعةٌ عربية، اللفظ جميل، لكن هل لهذا اللفظ واقعٌ ومعنى عمليٌّ صحيحٌ حقيقي؟ نكذب على أنفسنا والإسلام كذلك بعض مَنْ ينتسب للإسلام ويُسمَّون إسلاميين يعملون أعمالاً يُحرِّمُها الإسلام، والإسلام كما يقول الشاعر:
طلَع الدين مستغيثاً إلــى الله وقال العباد قد ظلَمونــي يتسمّون بي وحقك لا أعرف منهم شخصاً ولا يعرفوني
{ منقول }
أإســلامٌ وتــغــلبــهــم يـهـودٌ وآســادٌ وتــقــهــرهــم ضــبــاع
{ أحمد الصافي النجفي }
إذا رأيت ضباعاً هجموا على الأسود وأكلوهم هؤلاء يكونون أسوداً أم أرانباً وثعالباً؟ الله أعلم، لا تيأسوا، المهم أن نبدأ بالعمل إلى حيث ما نحن.

البينة هي رسالة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ فأتتهم البينة وهي ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ يحمل رسالة الله، فهل رسالة الله التي تحمل تعاليمه وهو الذي خَلَق هذه النجوم والمجرات وهذا الكون والنظام والإبداع، خَلَق الإنسان مِنْ حيوانٍ منويٍّ وبويضةٍ لا تراها العيون فجَعل منه الملوك والعظماء والأنبياء وكذا.. هذا الذي صَنَع الهواء بما فيه مِنْ مُركَّباتٍ غازيةٍ بنسبٍ لو زادت أو نقُصت لاختلَّت الحياة ولما وُجِدت، أرسل لنا رسالة السعادة والعز والقوة والعِلم والمجد لنكون خير أمَّةٍ ونسود العالَم لا سيادة الاستغلال والاستعمار بل الإخاء والتعليم والإرشاد والأخوَّة، ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ برسالةٍ ﴿يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ صحف القرآن مُطهَّرةٌ مِنَ الباطل، كلُّه حقائقٌ لا باطل فيها، كلُّه يُوصل إلى المجد والعز والسعادة سعادة الدنيا والآخرة وقد جُرِّبَ عشرات ومئات السنين ولو مرَّت ملايين السنين فالشمس شمسٌ لا تعطي إلا النور والحياة، لماذا:
أإســلامٌ وتــغــلبــهــم يـهـودٌ وآســادٌ وتــقــهــرهــم ضــبــاع
{ أحمد الصافي النجفي }
هل لأننا نهتدي بهدي القرآن؟ هل لأننا نسير على تعاليم القرآن؟ هل أوجدنا المُعلِّم الكفء والمُرشد الناضج الذي يتحقق على يديه تعليم الكتاب؟ نقرأ سورة يس على نية أن تذهب الحمة، صارت معه حمة بسبب جرثومٍ مِنَ الجراثيم، لو قرأتها مليون مرةٍ فالله لم يُنزِلها لوجع الرأس وإمساك الأمعاء.
الله قال:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

أسأنا استعمال القرآن، استعمال السيارة بدلاً مِنْ أن تضع فيها البنزين إذا قلت ماء زمزم أفضل مِنَ البنزين هذه حكمةٌ أم مخالفةٌ للحكمة؟ للشرب ماء زمزم أفضل، ليس أفضل احتراقاً في محرك السيارة، فلا بد مِنَ العالِم الإسلامي الحكيم المزكّي، ولا بد مِنَ الحاكم المؤمن الرشيد الحكيم، ولا بد مِنَ الغني السخي البذول، وبوسائل الإعلام الحديثة لو مَلَكها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنا أعتقد بسنةٍ لجعَل العالَم كلَّه وطناً واحداً وأمةً واحدةً وكالجسد الواحد.

أعمال الاستعمار ووسائله:
أقرأ في هذا الكتاب المسمى بالأصولية الإنجيلية مِنْ أعمال الاستعمار، يعمل بحكمةٍ وأسبابٍ ومسبباتٍ وبعقلٍ ودراسةٍ وتأنٍّ ورويَّةٍ وكفاءاتٍ وطاقات، يقول في سنة ألف وثمانمئةٍ وثلاثين أوجد في الخلافة العثمانية في تركيا تسعاً وعشرين مركز تبشيرٍ في تركيا، يعني مصنع قنابل لتخريب الإسلام في نفوس المسلمين، يعني هؤلاء مِنْ قبل مئةٍ وستين ومئةٍ وسبعين سنة، وأرسل مئةً واثنين وستين مبشراً أمريكياً لهذه التسعة وعشرين مركزاً، يُعاونهم تسعمئة موظفٍ محليٍّ مِنْ أبناء تركيا الخونة الذين يتواطؤون مع الاستعمار، وأنشؤوا ستاً وثلاثين مدرسةً داخليةً فيها ألفان وسبعمئة طالبٍ تركي، مَنْ يصنعهم؟ الاستعمار والأمريكان واليهود، فهذا يا تُرى هل هو عملٌ تقوده حكمةٌ أم فوضى وجهلٌ أم عِلمٌ وقواعد صحيحةٌ أم باطلة؟ إضافة إلى ذلك ثلاثمئة وثمانٌ وتسعون مدرسةً أمريكية، هل هذه للنهوض بالمسلمين ونقلهم مِنْ الجهل للعِلم ومِنَ الضعف للقوة؟ إذا أتى الذئب ناصحاً للغنم هل يكون صادقاً في نصيحته أم ماكراً يتخذ النصيحة وسيلةً لإهلاك الغنم؟ إلى أن استيقظ الشعب بسنة ألفٍ وتسعمئة وست، الشعب وليست الدولة والخلافة، هل هذه خلافة؟ هذه مُتخلفة لا خلافة.
سيدنا عمر كان خلافةً فخَلَف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في العِلم والحكمة والتزكية:

يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
[سورة المنافقون]

أوجد العزة التي أوجدها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوة الله، لكن الخلافة العثمانية مكَّنوا اليهود والأمريكان أن يصنعوا قادتهم وعظماءهم فهل هذه خلافة؟ أم هي تخلُّفٌ وخلافُ القرآن ومخالفةٌ للإسلام؟

الواجب استدراك ما فات والوقوف في وجه الصليبية :
لكن مضى الذي مضى، فهل نحن قرأنا ودرسنا لنستدرك ما يُمكن استدراكه ونضع الوقت المحدد؟ الأجانب في كلِّ عملٍ تجاريٍّ أو زراعيٍّ أو سياسي يجعلون له ميزانيةً مِنَ المال والرجال والوقت، يقولون هذا المشروع يحتاج خمسين سنةً وهذا عشراً، فالميزانية الزمنية التي وضعها الأمريكان والكنيسة الأمريكية البروتستانتية لتجميع اليهود في فلسطين ماذا وضعوا لها في البرنامج الزمني كم سنة؟ ثلاثمئةٍ وخمسون سنة، بثلاثمئةٍ وخمسين سنةً قالوا: نحن نستطيع أن نجمِّع اليهود في فلسطين، لماذا تتحمَّس الكنيسة الأمريكية لتجميع اليهود؟ يجب أن تكون هناك مصلحةٌ وهدف، لأن عقيدة الكنيسة بأن المسيح سيعود للأرض، ولا يعود إلى الأرض إلا إذا تجمَّع اليهود في فلسطين، فعملت الكنيسة بكلِّ ما تملك مِنْ وسائل إعلاميةٍ وتعليميةٍ لبثِّ هذه الفكرة في اليهود وقدموا المعونات ماديةً ومعنويةً وتعليميةً وسياسية، هذه أول مادةٍ لكي ينزل المسيح ليحكم العالم ألف سنة، والمادة الثانية هدم المسجد الأقصى، لا ينزل المسيح حتى يُهدَم المسجد الأقصى، المادة الثالثة حتى ينزل المسيح أن يُعمَّر هيكل سليمان يعني كنيسةٌ يهوديةٌ مكان المسجد الأقصى، وسمعتم مِنْ كم سنةٍ أحد اليهود أراد حرق المسجد الأقصى.
فإذا اليهود مع الصليبية تواطأتا على المسلمين ولكن بشكلٍ مِنَ العقل والتدبير والحزم والدراسة الصحيحة ما أوصلهم إلى هدفهم أو بعضه ضمن ثلاثمئةٍ وخمسين سنة، يا تُرى المسلمون والعرب والجامعة العربية والإسلامية والإسلاميون هل يضعون ميزانيةً في الوقت والمال والكفاءات الزمنية المالية الشخصية لتحقيق أهدافهم؟ أليست هذه هي الحكمة التي هي ثلث القرآن؟

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

هذا هو الإسلام الذي هو تعاليم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتعاليم السماء.
أإســلامٌ وتــغــلبــهــم يـهـودٌ وآســادٌ وتــقــهــرهــم ضــبــاع
{ أحمد الصافي النجفي }
لا، المسلمون الحقيقيون لا يُهزمون ولا يُقهرون، فيجب أن نُجدد إسلامنا ونُفتِّش عن المُجددين، ولا يكون الإسلام إلا كما قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ الإسلامُ والسلطانُ أخوانِ توأمٌ لا يصلحُ واحدٌ منهما إلا بصاحبِه(4) }

[مسند الديلمي]

العائلة الإسلامية مكونةٌ مِنْ شخصيتين: الحكم والدين، والإسلام بحكمته وبالعِلم والأخلاق، أما أن تُسمِّي نفسك مسلماً مثل إذا سميت نفسك وزيراً وأنت عامل نظافةٍ وتقول أنا وزير الاقتصاد والداخلية والمكنسة بيدك وتكنُسُ والغبار والتراب يصلان لأنفك ويملأ رأسك، فوزارتك هذه ماذا تكون ثمرتها وفائدتك منها؟ أن يضحك الناس عليك ويقولون هذا مجنون؛ فهل نرضى لأنفسنا هذا المثال؟

استعادة الإسلام الحقيقي:
هذا هو واقعنا، هل سنبقى على هذا الواقع؟ إذا قلنا إسلام سنعود لإسلام العِلم والمُعلم الكفء وإسلام الحكمة والحكماء والتزكية والمزكين، أما بالأماني والدعاء فنقول: اللهم انصر الإسلام والمسلمين ولم تُعدَّ وسائل النصر:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة محمد]

تنصرونه بامتثال أوامره والوقوف عند حدوده فلا تتجاوزوها، وبتحويل القرآن مِنْ كتابةٍ على الصفحات والسطور إلى كتابته في القلوب والأعمال والأفكار والصدور، أما اللهم واللهم.. اللهم ارزقني ولداً وأنت نويت أن لا تتزوج أو لا تعرف الزواج أبداً، لا تعرف أن الولد لا يأتي إلا مِنْ طريق الزواج، هذه مصيبةٌ أكبر، الله أخرج ناقة صالح مِنَ الحائط هذه معجزةٌ للنبي، هل ستصبح نبياً لتصبح لديك معجزةٌ ويكون لك ولدٌ مِنْ غير زواجٍ مثل سيدتنا مريم؟ هذه فعلها الله مرةً واحدة، وآدم بحكمة، أما أنت هل ستصير آدم أو مريم أو ناقة صالح؟ إسلامنا جنونٌ وأوهامٌ وأخطاء، لما النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ(5) }

[سنن ابن ماجه]

العِلم بكلِّ ما أنت بحاجةٍ له سواءَ سميناه ديناً أو سميناه دنيا.

أهل بعد مجيئ البينة :
﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ كانوا ينتظرون هذا الوعد فلما أتاهم الموفَّقون بقوا على تصديق ذلك الوعد فآمنوا بالنبي فسُعدوا في دنياهم ودينهم، والبعض ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ صحف القرآن مُطهَّرةٌ مِنَ الأخطاء الحياتية والسياسية والأخلاقية كلَّها أيضاً لأن مصدرها مِنْ خالق الكون مصدر الكمال، فبعض الناس: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ﴾ الذين كانوا يُبشرون بالنبي بعضهم كانوا حاخامات فإذا بشَّر بالنبي ستذهب وظيفته وموارد الرزق التي تأتيه مِنَ اليهود ستُحجَب عنه فآثر أنانيته ومصلحته على عِلمه ويقينه، حاربوا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصار يقولون: الذي جاء به موجودٌ عندنا وبما هو أحسن، فلا حاجة لنا بالإسلام!
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ فهنا القرآن يُشير إلى أن العِلم تارةً يكون سبباً لضلال صاحبه إذا غلبته أنانيته وأهواؤه ومصالحه الشخصية، إذا لم يُعطه الله عزَّ وجلَّ مِنْ نفسٍ مُزكاة، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلهما متشابهين علينا فنتَّبع الهوى، تقول مصلحتي وتجارتي ودكاني وزوجتي وكذا.. هذا هو الهوى، أما:

{ إنك لن تدَعَ شيئًا إتقاءَ اللهِ إلا أعطاك اللهُ خيرًا منه (6) }

[مسند أحمد]

فأهل الكتاب أصحاب موسى عليه السَّلام وعيسى تفرَّقوا مذاهباً وطوائفَ كَفَّرَ بعضهم بعضاً وقاتل بعضهم بعضاً، وهذا نفسه أيضاً حصل بين المسلمين سابقاً ولاحقاً، فالنبي يقول:

{ إذا التقى المسلِمانِ بسيفيْهما فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّارِ قيلَ هذا القاتِلُ فما بالُ المقتولِ قالَ إنَّهُ كانَ حريصًا على قتلِ صاحبِهِ وفي لفظٍ إنه أرادَ قتلَ صاحبَهُ }

[صحيح البخاري]

(إذا التقى المسلِمانِ بسيفيْهما فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّارِ) قالوا يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (إنَّهُ كانَ حريصًا على قتلِ صاحبِهِ)(7)، لماذا حال المسلمين هكذا؟ لأنهم يفقدون المُعلِّم الحقيقي، العالِم بالإسلام الذي يحمل الكفاءة العلمية والحكمة وقوة تزكية النفوس، مع الأسف كثيرٌ مِنْ مدارسنا لا تنتج هذا الإنتاج، هذه الماركة تنتج، قرأ ورقةً وحفظها ويُقدِّم الفحص، أما يا تُرى ما قرأه هل هو كافٍ؟ وإذا كان كافياً هل حوَّله كما تُحوِّل المعدة الطعام إلى دمٍ وطاقةٍ وقوة؟ فالعقل يعمل بالعِلم والتفكير واليد تعمل بالأعمال والحركات والرجل بهذه القوة تمشي وإلى آخره.. فهل يا تُرى العالِم في كلياتنا وجامعاتنا يحمل المعاني القرآنية (يُعلِّمهم الكتاب والحكمة ويُزكيهم)؟ هل العالِم مِنَ العلماء الذين هم ورثة الأنبياء؟ ماذا ورِثَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُعلِّم الناس كلَّ شيءٍ مِنْ أمر دينهم ودنياهم، ويُعلِّمهم الحكمة، أمّيون لا يقرؤون ولا يكتبون، لكن قرؤوا حياتهم وأممهم والدول حولهم، وقرؤوا ماذا يحتاجون إليه لينقلوا الشعوب مِنَ الفقر إلى الغنى ومِنَ الذل إلى العز ومِنَ العداء إلى الإخاء ، فجعلوا المجوسيَّ في الهند أخاً للعربي في الجزيرة العربية وللمغربي في مراكش.
كنت في الصين وأنا في بعض شوارعها مع بعض المرافقين رأيت صينياً في الشارع يتجه نحوي، حتى صار وجهي لوجهه مقابلةً فخاطبني مُستفهماً: الله أكبر؟ بلغة المُستفهم، ماذا تعني كلمته؟ لا يعرف أن يقول هل أنت مسلم، أنا عرفت سؤاله فقلت: الله أكبر، بمجرد ما سمع الجواب عانقني وقبَّلني وصار يبكي ويتلو قوله تعالى:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
[سورة الحجرات]

بعد ألفٍ وأربعمئة سنة ٍوآلاف الكيلومترات:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
[سورة الحجر]


وجوب التركيز على التثقيف الإسلامي:
فكيف لو أن المسلمين حكاماً وشعوباً مَنْ يملكون الطاقات المالية والحكم والعِلم والفكر مع وسائل الإعلام الفضائية وغيرها لو ركزوا على التثقيف الإسلامي المحمدي الذي وسَّع جزيرة العرب إلى حدود فرنسا والصين سياسياً وعلمياً وثقافياً ووطنياً، المسلم الصيني ألا يرى إذا كان في الشام أنه في وطنه وإذا كان المسلم في الصين ألا يرى أنه في بلده ووطنه وبين إخوته؟ هذا بعد ألف وأربعمئة سنة، هل استطاعت الشيوعية أن تصمُد إلا بالحديد والنار وبالتضحية بخمسة ملايين إنسانٍ حتى قامت وبالإكراه والضغط والخوف، أما الإسلام لم يقُم بالضغط والخوف، فهذا الإسلام الذي بقي منه مِنَ المئة ربعُ واحد، أما إذا استرجعنا مِنَ الإسلام خمسةً وعشرةً والله لنفتحنَّ العالَم بالدعوة الإسلامية، وبالتعريف بالإسلام.
أيُّ دولةٍ مهما صَغُرت إذا تبنَّت الدعوة الإسلامية وأن تنتقي الدعاة الذين نجحوا في الدعوة واقعياً وعملياً وباللغات العالمية، التعريف بالإسلام مِنَ طريق الأثير إذاعةٌ باللغة الإنجليزية موجهةٌ إلى أمريكا وباللغة الفرنسية إلى فرنسا وباللغة الألمانية إلى ألمانيا، هذا كم يُكلِّف الدولة في السنة؟
الإذاعات موجودةٌ والوسائل كلها موجودة، ينقصُنا أن نرى الشخص الذي يُحسِنُ الدعوة مثل محمد الغزالي رحمة الله عليه، ومثل القرضاوي أطال الله في عمره وأمثاله كثيرون وبلغات القوم وهذه لحيتي، جربوها تجربةً إذا فشلت أنا مستعدٌّ أن أقدم كلَّ النفقات التي أنفقوها في هذا الموضوع وهي نفقاتٌ بسيطة، لن نشتري إذاعةً جديدةً ولن نضع الملايين، الإذاعة موجودة وكل الوسائل، فقط نُحضِر الرجل الكفء ونُحضِر لجنةً مِنْ هؤلاء الدعاة الذين نجحوا ونضجوا في الدعوة وهم يضعون البرنامج للدعوة الحكيمة المحببة إلى كلِّ مُستمع، وهذه لحيتي أنا أحلقها إذا لم نغيِّر العالَم بسنةٍ واحدةٍ، دبابتنا لا تُفيدنا وطائراتنا لا تنفعنا لأن العدو لا يُعطينا طائراتٍ إلا مهترئةً ولم يعد بحاجةٍ لها ولا تنفعه، يعمل لنا طائراتٍ لا تصمد أمام طائراتهم ولا دبابتنا ولا أي شيء، أما إذا صنعنا صاروخاً إسلامياً قرآنياً محمدياً، هذا صُنع الله، هل يوجد الله آخر يُنافسنا بصنع صاروخٍ ضد صاروخ الله الأول؟ هل يوجد الله واحد واثنان؟ الله واحد.

استجابة الناس للإسلام:
وأنا أسألكم قناعاتكم هل تنجح الفكرة أم لا؟ الناس تُسلم مِنْ غير دعاة، سمعتم بآذانكم ورأيتم بأعينكم، عظماء الأمريكان وأساتذة الجامعات والمستشار نيكسون لما ألقوا كلماتهم هنا وقالوا أمريكا مقبلةٌ على الانهيار الحتمي ولا يُنقذها إلا الإسلام، وإذا أسلَمَت تستطيع أن تُوقظ العالم، يُعرِّفنا بالإسلام ونحن نجهله وبعضنا يُعاديه لجهله به والبعض يأتي بمن يعمل الإسلام ولا يحمل الكفاءة الكافية، وهذا خطرٌ مثل إذا سلَّمت السيارة أو الطائرة أو القطار لمن لا يُحسِنُ القيادة، تعلَّم نصف القيادة فنصف القائد للطائرة أو السيارة الخير أن تركب بطائرته أو سيارته أم أن تمشي على قدميك ولو مشيت شهراً؟ بدلاً مِنْ أن تذهب بهذه الطائرة بساعةٍ قد يوصلك بنصف ساعةٍ للآخرة.
لا تيأسوا أبداً، الحروب الصليبية بقيت مئةً وتسعين سنة، فأرسل الله رجلين: نور الدين الزنكي الشهيد وهل هو عربيٌّ وعروبةٌ وقومية؟ تركيٌّ من تركستان، أما في الإسلام قوميتهم ليست اللغة والأرض، قومية الإسلام العِلم والحكمة والتزكية، فمن حاز على هذه الصفات فقد حاز على قومية وجنسية الإسلام، ولو كان حبشياً أو فرنسياً أو طليانياً أو أمريكياً، وإذا كان ابن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما حمل العِلم والحكمة والتزكية، النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأهل بيته:

{ لا يأتيَنِّيَ النَّاسُ بأعمالِهم وتأتوني بأنسابِكُم }

[ورد في الأثر]

يوم القيامة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول بعض المُعذَّبين مِنْ أصحابه له: يا رسول الله نحن من أصحابك، فيقول لهم: سحقاً سحقاً، لأنهم صارت لهم الصُّحبة ولكن لم يستجيبوا الاستجابة الحق، لذلك كلُّ واحدٍ منكم سيعتبر نفسه هو المسؤول، وقد يُبارك الله عزَّ وجلَّ بإنسانٍ واحدٍ لا يخطر على البال، يجعل الله على يديه كلَّ الخير.

لا ندري أين يكون الخير:
يذكرون في القصص أن بعض الشيوخ حضَره الموت، فقالوا: يا شيخنا، مَنْ تُنيبه عنك بعد وفاتك علينا؟ فقال: أنا لا أخصص، لكن بعد أن تدفنوني تجلسون ساعةً فيأتي طائرٌ أبيض، فمَنْ نزَل على كتفه الأيمن فهو خليفتي، فالذين ظنوا أنهم سيُصبحون خلفاء مشّطوا لحاهم وهذبوا لفاتهم ولبسوا جببهم وبعد الدفن وإذ جاء الطير، فكلُّ واحدٍ يرفع رأسه، يوجد واحدٌ معدودٌ مِنَ الدراويش ثياباً وظهوراً، وإذ به يقف على كتفه الأيمن، وإذا بذلك الشخص قام مقام الشيخ بعد وفاته بكلِّ ما يقوم به شيخه وبأزيد مما تفضل الله عليه، لذلك لا تيأسوا، كلُّ واحدٍ منكم يعمل تلاقياً مع حديث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما قال:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ ، ورجلٌ جادَ بنفسِه في سبيلِ اللَّهِ }

[مسند أبي يعلى]

(ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ) هل يوجد مِنَ الله وأعظم منه عطاءً وكرماً؟ (وأنا) يعني النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (وأنا أجوَدُ بني آدمَ) (أنا سيد ولد آدم)، بماذا سادهم؟ بالعضلات واللكم؟ سادهم بالعِلم والحكمة والتزكية، (وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ) المقصود الإنسان لا الرجل (علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ)(8)، ما عَظَمة هذا الدين الذي يُحوِّل الرجل في العَظَمة والقوة بقوة ومنزلة أمَّة؟ والآن أمَّةٌ لا تساوي رجلاً، الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي أليس مؤتمراً لخمسين أمَّة؟ عمر إذا وضع بالميزان والمؤتمر الإسلامي وضع في الميزان أيهما يرجُح؟

مدرسة الإسلام لا تزال باقية:
فمدرسة الإسلام أُغلقت ودُمِّرت أم لا تزال باقية؟ بكتابٍ واحد، جبال المكتبات كتابٌ واحدٌ ومُعلِّمٌ واحد، لذلك اجتهِدوا لتقتدوا بسيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، اقرؤوا القرآن للعِلم والعمل، اقرؤوه كأنما تسمعونه مِنَ الله يُخاطبكم به، ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ المسلمون الآن تفرَّقوا مِنْ بعد ما جاءتهم البينة، ﴿وَمَا أُمِرُوا﴾ هل أُمِروا بالتفرُّق؟ ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ لا أن يكونوا عبيد أهوائهم وأنفسهم:

{ رجعْنَا مِنَ الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ . قالوا : وما الجهادُ الأكبرُ ؟ قال : جهادُ القلبِ (9) }

[الزهد الكبير للبيهقي]

أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
[سورة الفرقان]

أنت تعبُد نفسك وتُؤلِّهُها أم تعبُد ربك وهو إلهك؟ الله قال هناك أناسٌ يعبدون ذواتهم، يقدم طلبات نفسه على طلبات ربِّه، هذا ليس عبد الله ولا يستجيب لله، إذاً ليس مسلماً، لذلك كلُّ واحدٍ منكم يجتهد قبل أي شيءٍ بكثرة ذِكر الله وبالتوبة الصادقة، قبل أن تلبس الثياب الجديدة تذهب للحمَّام، والحمَّام يحتاج إلى المُحمِّم، بدون الخياط هل تصبح الثياب الجديدة؟ أيضاً ابحث عن المُعلِّم الذي يُعلِّمك الكتاب والحكمة ويُزكّيك، واشتغل بالدعوة إلى الله.

النجاح لا يُحدد بمدة:
شيخنا أتى لمسجد أبي النور وكانت مساحة المسجد ستون متراً مربعاً وبحُصرٍ سوداء وكنت أسمع مَنْ يقول: بقيت سنتين لا يستجيب لي إلا رجلٌ أعمى، وبقي بلا راتبٍ إلى أن توفاه الله، فوسَّع المسجد مرتين أو ثلاث بصدقه وإخلاصه انقلب المسجد إلى ما ترون، ولا نحدد المدة، المدة يحددها عملك وصدقك وإخلاصك وحكمتك، بذلك هل أنتم مستعدون لأخذ لقب الأجود؟ المُستعد والذي يُرشح نفسه فليرفع يده لأرى، تعلَّم عِلماً، لا يقول تعلَّم كلَّ العلوم، الذي تعلَّمته علِّمه.

التفرق يكون بغياب الراعي المعلِّم:
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ هنا الله يحذرنا أن نكون كأهل الكتاب الذين تفرَّقوا وانقسموا وأخلُّوا بالدين بعدما أتتهم رسالات أنبيائهم، فنحن أتتنا رسالة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا تفرَّقنا بعده وتمزقنا أهواءً فالسبب أنه لم يوجد لنا المُعلِّم، الغنم إذا فقدت راعيها تتمزق وتضعُف وتأكلها أعداؤها والذئاب والسباع مِنْ حولها، رزَقَنا الله عزَّ وجلَّ بفضله وإحسانه فهم القرآن ولا يجعلنا مِنَ الذين كفروا مِنْ أهل الكتاب والمشركين حتى تأتيهم البيِّنة وإذا أتتهم البيِّنة ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾، القرآن يقول: توحَّدوا، فنحن نقول له: لا سنتفرَّق، القرآن يقول: تعلَّموا ونحن نقول: لا:

بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22)
[سورة الزخرف]


المطلوب هو الإسلام الحقيقي :
القرآن يقول:

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
[سورة الأنفال]

أعظم القوة والأسلحة هو الإسلام، لا إسلامنا نحن، إسلام الصلاة رياضةٌ بدنيةٌ إذا صلينا، بل إسلام الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والتي هي معراج المؤمن، عروجٌ مِنَ الكون إلى المثول بين يدي خالق الكون، نستمدُّ منه النور والقوة والعِلم والحكمة والمدد الإلهي، والله والله والله أي دولةٍ لو كان عددها نصف مليونٍ إذا قامت بالتعريف بالإسلام، وتُهيئ لجنةً من الدعاة الحقيقيين وباللغات العالمية وتُجرب هذا المنهاج سنةً واحدةً إذا لم تجد أنها تكسِب أكثر مِنْ كلِّ ما في حوزتها مِنْ أعمالٍ أنا أدفع الخسارة وأكون المسؤول، لكن حاشا لله أن يُخلِفَ وعدَه:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة محمد]

(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) وفي المعارك (وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

الوقاية تكون بالتقوى:
هل تعاهدوني على أن تكونوا الأجود؟ زوجتك تُبلِّغُها، وأنتِ تبلِّغين زوجك وبالحكمة والموعظة الحسنة، جارك نادِه على فنجان قهوة وكأس شاي في الجمعة وجيرانك:

وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
[سورة الشعراء]

هل هذه فقط للنبي إذا كانت فقط للنبي فيجب أن تُرفَع بعد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، هذه مخاطبٌ بها كلُّ واحدٍ منا.

َيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[سورة التحريم]

هل وقيتَ نفسك مِنْ عذاب الله؟ بماذا تقِي؟ ما الدرع الواقي؟ تقوى الله، ما هي التقوى؟ امتثال أوامره واجتناب نواهيه ومحارِمه في الأقوال والأعمال والأموال والمعاملات والوقت تعرف كيف تستعمل الوقت، يوجد وقتٌ تستعمله قربةً لله ووقتٌ تستعمله بُعداً وسخَطاً ومَقتاً مِنْ طرف الله، فإذا أحسننا استعمال الإمكانات بين أيدينا نأخذ لقب الأجود وما أحلى مِنْ هذه الشهادة، إذا مات الميت ولديه شهادة دكتوراه ماذا تفعل له الدكتوراه إذا وضعوه بالقبر؟ هل يدفنوها معه؟ وإذا دفنوها هل يستفيد؟ أما إذا مات ومعه شهادة الأجود هل تنفعه مع أنكر ونكير ويوم القيامة وفي الدنيا؟

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
[سورة الطلاق]

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) يجعل له مخرجاً مِنْ كلِّ شدة (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) اللهم اجعلنا مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، الآن سنصلِّي صلاة الغائب على شهدائنا في لبنان، مع الأسف أن يكونوا شهداء الاضطهاد والذل، شهيد المعركة وهو يُقاوم ويُجاهد، لكن هذا قدَرُنا، فرحمهم الله وغفر الله لنا ولهم، وبارك الله عزَّ وجلَّ بالمجاهدين في كلِّ مكان، وألهمَنا الحكمة كيف نبدأ ويُهيئ لنا الحكماء كيف يُخططون، قالوا: ربَّ رأيٍ حصيفٍ خيرٌ مِنْ جيشٍ كثيف، وربَّ حيلةٍ أغنَت عن قبيلةٍ، وبعض إخوانكم أيضاً تُوفي آباؤهم رحمة الله علينا وعليهم وبعض الأحباب أيضاً نشاركهم في التهليلة، وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

الحواشي:
(1) سنن البيهقي، رقم: (20911)، (10/353).
(2) حلية الأولياء، أبو نعيم، (7/271)، البداية والنهاية، ابن كثير، (7/371).
(3) شعب الإيمان، رقم: (65)، (1/158).
(4) مسند الديلمي (1/117)، رقم: (396)، واللفظ: «الإسلام والسلطان أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه فالإسلام أس والسلطان حارس وما لا أس له يهدم وما لا حارس له ضائع».
(5) سنن ابن ماجه، افتتاح الكتاب بالإيمان: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224)، «طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب».
(6) مسند أحمد، رقم: (20739)، (34/ 342).
(7) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} فسماهم المؤمنين، رقم: (31)، وكتاب الديات، باب قول الله تعالى {ومن أحياها}، رقم: (6481)، صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، رقم: (2888).
(8) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(9) الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (373)، (165).