تفسير سورة الأنعام

  • 1999-04-23

تفسير سورة الأنعام

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله رب العالمين، حمداً يوافي نعمه ويُكافئ مزيده وأفضل الصلوات وأعطر التحيَّات المُباركات على سيدنا محمدٍ النبي الأُميّ الأمين وعلى أبيه سيدنا إبراهيم وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى وعلى وجميع الأنبياء والمرسلين وآل كُلٍّ وصَحب كُلٍّ أجمعين.


يجب علينا أن نتعلّم من الأنبياء وقصصهم في القرآن الكريم:
مرَّ معكم في تفسير سورة الأنعام قصة سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء من بني إسرائيل وجَدِّ سيدنا محمدٍ رسول الله، وقد كرَّر الله قصته في القرآن في مواضع مُتعددة، وذكر الله في القرآن من الأنبياء حول أربعاً أو خمساً وعشرين نبياً، وقال في موضوع هديّ النبي وهذا موجه الخطاب بعد النبي إلى كل مسلمٍ ومسلمة، فقال في شأن الأنبياء في هذه الأمة لكل فردٍ منهم أولئك الأنبياء:

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)
[سورة الأنعام]

امشي مشيتهم وامشي سيرتهم واقتدي بأعمالهم، فكان النبيُ كل نبيٍّ كانت مُهمته أن يُخرج الإنسان من عبودية جسده، ومن أنانيته، ومن تسلُّط الشيطان عليه، ومن الإنسان الحيواني أو الإنسان الشيطاني، الحيواني الذي لا يعرف إلا بطنه وفرجه، والشيطاني هو الذي يصدر منه الفساد والإفساد، والشرور والإيذاء، والتخريب والتهديم، إلى الإنسان الإنساني بالأخلاق الإنسانيّة الفاضلة ثم إذا ترقَّى إلى الإنسان الربّاني تخلَّقوا بأخلاق الله، وعبَّر الله عن هذا الهدف بقوله أولئك يعني الأنبياء ﴿ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ الذين تخرّجوا من مدرسة الله من الضلالة إلى الهُدى، ومن الجهل إلى العِلم، ومن إمكان الشر إلى أن يكونوا الخير كله، ومن تخلُّف الإنسان إلى تقدُّمه كما قال تعالى:

وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ (8)
[سورة الضحى]

فإذاً القرآن يقول لنا الإسلام هو نقلة من الفقر إلى الغنى.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
[سورة التوبة]

عيلةً يعني فقراً، والنبي يقول:

{ كاد الفقرُ أنْ يكونَ كُفرًاً }

[أخرجه العقيلي والطبراني]

{ اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الجوعِ فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ وأعوذُ بِكَ منَ الخيانةِ فإنَّها بئستِ البطانةُ }

[صحيح ابن ماجه]

فأتت مُدّة على المسلمين بإسم الزُهد صاروا يخرجون الناس من الغنى إلى الفقر، و بإسم التوكل صاروا يُجرّدون الناس من العقل والتفكير إلى ترك الأسباب والمُسبِّبات، والوارد وإذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه، وأهملوا فقه التوبة أكثر المسلمين تجده يعمل كل ما تهواه النفس ويُوسوس إليه الشيطان حتى إذا نصحه ناصح يقول لك هكذا الله أراد.

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)
[سورة إبراهيم]

الله عز وجل قال:

شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)
[سورة الشورى]

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
[سورة الرعد]

إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)
[سورة البقرة]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
[سورة المائدة]


طريق الهداية يحتاج إلى مُعلِّم وإلى مُذكِّر:
فيذكر لك أسباب الهداية، والطريق إلى الهداية، ومفتاح قفل الهداية، ولكن هكذا يا ابني إذا أراد الإنسان أن يتعلَّم من غير مُعلِّم يُريد أن يتعلم قيادة السيارة بالأماني! إن الله على كل شيءٍ قدير، بهذه الكلمة لا تصبح سائق، يريد أن يتعلّم الطيران إن الله على كل شيءٍ قدير.

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)
[سورة النساء]

فهذا تحريف للقرآن ووضعه في غير مواضعه، ومن هذا المنطلق ضعف المسلمون فأهملوا دنياهم وعقولهم وتفكيرهم، لمّا النبي يقول عليه الصلاة والسلام:

{ تَفكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادةِ ستِّينَ سنةٍ }

[أخرجه أبو الشيخ وابن الجوزي إسناده ضعيف]

وهل ذكر التفكُّر في الدنيا أو الآخرة؟ حدد؟ والقاعدة إذا الأشياء أُطلقت تشمل العظوم.
لعلّكم تتفكرون، يعني استعملوا تفكيركم، تعقلون استعملوا عقولكم، تتذكرون تذكروا الماضي والتاريخ لا تقعوا في أخطاء الآخرين، فمن جملة الأنبياء وهو أبو سيدنا محمد سيدنا إبراهيم في سورة الأنبياء ذكر الله عنه قوله تعالى:

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)
[سورة الأنبياء]

من قبل ماذا؟ قال من قبل البلوغ، من قبل أن يبلغ مبلَغ الرجال وهو طفل آتاه الله رُشده، أرشده إلى سلوك الطريق المستقيم، أرشده إلى العقل الناضج أن يعرف الأشياء بما هي عليه ويتعامل معها بحسب ما طبعها الله عز وجل، فيُرشده إلى أن العقرب ضار هذا عِلم، ويُرشده إلى أن يتجنب العقرب هذا الرَشد، يُرشده إلى أن هذا العمل خاطئ ولا يجوز العمل به فيجتنبه، ولأنَّ هذا العمل نافع فيُقدم عليه، هذا ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ﴾ يعني من قبل البلوغ، كما قال عن سيدنا يحيى:

يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
[سورة مريم]


تدبر القرآن لتكون حكيما:
ما الحكمة؟ يعني لم يصبح قاضي أو مدير شرطة، الحكمة يعني الحكمة، والحكمة هي الصواب في القول والعمل، إذا قال قال صواباً، وإذا عمل عمل صواباً، يعني وهذا مداره استعمال العقل، يعني إذا كنت تمشي في الشارع وأنت مُغمض العينين وكان الطريق مليء من البغال والجِمال والحمير وإذا كان أغلقت أُذنيك أيضاً وسِرت في الطريق ماذا يكون؟ تصل إلى بيتك سالم؟! فمضى على المسلمين في العصور الأخيرة هجرٌ للقرآن، هجرٌ لتدّبره، هجرٌ للعمل به، فظنّوا أن القرآن بتلاوة ألفاظه فقط وبكل حرف لهم عشر حسنات، لذلك أكبّوا على التلاوة بلا فهم وبلا تعقُل:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(121)
[سورة البقرة]

وما حقّ التلاوة؟ حقّ التلاوة

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

البركة هي العطاء الكثير؛ يعني القرآن لِمن تدبّره يُعطيه العطاء الكثير والخير الكثير، ليدَّبروا ليتفهموا ليوقنوا بكلامه وآياته، ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أصحاب العقول والقلوب الحيَّة بالله، ولذلك لمّا العرب وكانوا أُميّين وخُرافيين ووثنيّين وفقراء وأذلّاء، وكناية عن مجموعات من القبائل منتشرة في الصحراء، الجوع يقتلهم والجهل هم غرقى فيه، وإذا بين عشيةٍ وضحاها تصير أبناء ملوك العالم خدماً لهم، وكنوز ملوك ودول العالم تسعى على أقدامهم، ولا كسرى ولا قيصر، لا روسيا ولا أمريكا بحسب زمانهم كلها بعملية سبعين ثمانين سنة والقرآن يا ابني موجود لكن لسان الحال كما يقول القرآن:

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
[سورة الفرقان]

القرآن يشتكي علينا، هذا كلام الرسول في القرآن لماذا يا ابني؟ لأن

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21)
[سورة الغاشية]

فقد المسلمون المُذكِّر بالعدد المطلوب وبالكيّف المطلوب، ولم يكونوا خريجين الأزهر ولم يتخرجوا من جامعة الزيتونة، تخرّجوا من مدرسة محبة الله ورسوله، فإذا ما أحببت إذا ما عشقت وارث مُحمدي، النبي يقول:

{ ما سبقَكم أبو بكرٍ بكثرةِ صيامٍ ولا صلاةٍ وإنما فضلَكم بشيءٍ وقرَ في صدرِه }

[ابن القيم أحاديث مشابهة]

ولو وزن إيمان أبو بكر الذي لا يُفارق الإيمان الحُب ولا الحُب يُفارق الإيمان، ولو وزن إيمان أبو بكر بإيمان الناس لرجح.
وقال عن إبراهيم:

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
[سورة النحل]

وحده وابن من؟ ابن حجّار نحات أصنام لا يقرأ ولا يكتب! ولكن دخل بقلبه في مدرسة الله واختاره الله عز وجل ليكون تلميذ مدرسة السماء وإذا به تمر آلاف السنين وصلِ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وآل محمد، وأبو جهل مرَّ عليه من السنين كما مرَّ على أبو بكر وفرعون هذه الأمة، وعم النبي:

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
[سورة المسد]

لذلك يا ابني القرآن شفاءٌ لمرضى القلوب ورحمةٌ لأحياء القلوب.

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
[سورة الإسراء]


لماذا كرر الله تعالى قصة سيدنا إبراهيم في القرآن الكريم:
فسيدنا إبراهيم الله كررَّ قصة حياته في كل موضع يذكر ناحيةً من النواحي؛ في سورة الصافات يذكُر كيف أمرَ الله إبراهيم أن يذبح ولده بعد ما رُزق الولد وعمره مائة وعشرين سنة، مائة وعشرين سنة لم يُرزق بأولاد، وطلب من الله بالتضرع وبالبكاء وبالتوسل أن يرزقه الله الولد ورزقه إسماعيل:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
[سورة الصافات]

يعني لمّا صار يمشي كم يكون عمره؟ يعني عشر أو اثنا عشر سنة، هذا الإيمان يا ابني ممكن طبيب يأخذ شهادة طب من غير امتحان؟! كم امتحان يعمل؟ يعني إذا حضر كلية الطب من غير امتحان يأخذ شهادة؟! فكذلك الله يريد أن يمتحن إبراهيم، تعليماً لنا أنَّ الإيمان يا ابني والإسلام ورضاء الله لا يكون بالإهمال، لا يكون بالجهل، لا يكون بلا بذل، ولو أدى الأمر إلى أن تَبذُل الحياة وأن تبذُل كل ما يأمرك الله أن تبذله، ومنام الأنبياء وحيٌ فقال لابنه اسماعيل: ﴿إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ يعني أمرني الله ولكن بطريق المنام. ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ﴾ الله يوفقنا يا ابني، الله عز وجل يتولانا الله.

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
[سورة البقرة]

إذا تؤمن الإيمان بمعنى الإيمان، يعني تضع الشاي الذهبي بالماء المغلي تشرب شاي، و إذا وضعت تِبن أو نخالة يا ترى هل يصبح شاي؟! هذا الكلام لا يجوز.
﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ هذا وهو ابن اثني عشر سنة! لكن لا يقول له اخلع قميصك ولا يقول له أعطني قبعتك، لا يُسخِّره بعمل شاق بل ذبح، ﴿افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ وحتى ما الوالد يتردد طمأنه فقال: ﴿ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ جُعلت الأنا على أمر الله الذي فيه فقد الحياة، هكذا أصحاب رسول الله قرؤوا سورة إبراهيم، وهكذا قرؤوا قصة إسماعيل، وبهذا كما صار إبراهيم أباً للأنبياء وللأديان، أديان بني إسرائيل اليهودية والنصرانية، وكذلك أب لسيدنا محمد رسول الله، هذه النتائج دفعوا الثمن غاليا،ً أما تأخذ يا ابني الأشياء بالتمني أو بالنسب أو بالحسب أو بالأوهام! الله قال: سمع مرةً اليهود والمسلمون صاروا يتنافسوا اليهود يقولوا نحن الجنة لنا لماذا؟ لأنّ ديننا أقدم، المسلمون قالوا لا الجنة لنا ديننا جديد أنتم دينكم أصبح قديم، فأنزل الله في شأنهم ليس يعني دخول الجنة.

القرآن لا يغادر صغيرة ولا كبيرة وكل عملٍ مُسجل عليك:

لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
[سورة النساء]

مَن هذه للعموم تشمل كل إنسان حتى الأنبياء، لمّا النبي نادى خادمته الصغيرة ولم تُلبِّه وخرج ورآها تلعب من صديقاتها ومعه سواكه فقال لها لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك.

{ كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتي وكان بيدِه سِواكٌ فدعا وصيفةً له أو لها حتَّى استبان الغضبُ في وجهِه فخرَجَت أمُّ سَلَمةَ إلى الحُجراتِ فوجَدَت الوصيفةَ وهي تلعَبُ ببُهْمَةٍ فقالت ألا أراكِ تلعبين بهذه البُهْمةِ ورسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعوك فقالت لا والَّذي بعَثك بالحقِّ ما سمِعْتُك فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لولا خشيةَ القَودِ لأوجَعْتُك بهذا السِّواكِ وفي روايةٍ لولا القِصاصُ لضرَبْتُك بهذا السِّواكِ وفي روايةٍ لولا مخافةُ القِصاصِ لأوجَعْتُك بهذا السَّوطِ }

[الهيثمي إسناده جيد]

النبي خاف أن يضربها بالسواك حتى لا يضربه الله يوم القيامة في مقابل ما ضرب، هذا هو الإسلام يا ابني، الله يقول:

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

ماذا يرى؟ يعني الخير يرى المُكافأة عليه، والشرَّ يرى العقوبة والقصاص عليه، في كتابٍ لا يُغادر ولا يترك صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها.
يجب أن نضرب على وجوهنا لمّا نُسمي أنفسنا مسلمين، وصار اسم الإسلام في الغرب هو التخلف هو الجهل هو التمزق، تجد ألمانيا كل الناطقين باللغة الألمانية تجمعهم جغرافيةٌ واحدة، والناطقين بالفرنسية في فرنسا لا يوجد بلدة منها مُنفصلة عنها، المسلمون اثنان وخمسون دولة، المسلمون العرب اثنان وعشرون دولة وكم القرآن وكم من أحاديث النبي حضَّت على الوحدة؟

إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
[سورة الأنبياء]

كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213)
[سورة البقرة]

إلى آخره.

امتحان الله لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
فإبراهيم افعل ما تؤمر، يا ترى إذا كان أبوك على منهج إبراهيم وأنت صرت ابناً كإسماعيل وقال إني أرى في المنام أني أذبحك! هذه في الإسلام لا تُقر لأنه هناك يوجد وحي إلهي أما هنا لا يوجد قياس عليها، لكن إذا أمرك بأمر الله، بامتثال أمر الله، إذا أمرك بأداء فريضةٍ من فرائض الله، وصار يوجد أمرين أمر الله وأمر الوالدين، أو إذا أمرك أيُّ مُرشدٍ أو أيُّ معلِّمٍ ورث هديَّ إبراهيم بحسب إمكاناته، إذا الله أرسل لك هادياً ومُرشداً وداعياً إلى الله، هذا يا ابني كنز من كنوز التوفيق، فالله عز وجل بفضله وإحسانه يُلهمنا الرَشد.

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
[سورة الصافات]

فكلمة إسلام لا تعني أنها لقب، الإسلام مثل الضرب ومثل الأكل ومثل الشرب، إذا قلت أنا آكل يعني أكلت طعام، شارب يعني شربت شراب، سافرت يعني إلى بلد، مسلم معنى مسلم يعني أنا مُستجيب لأوامر الله لا أتخلف عن أي أمرٍ يأمرني به، فهنا أسلما ما معنى أسلما؟ يعني استجابا؛ فإبراهيم استجاب لأمر الله بأن يذبح ولده، وإسماعيل استجاب لأمر الله على لسان والده أن يستسلم للذبح، يا ابني هذا موضوع من مئات المواضيع في القرآن بإكمال هذه المواضيع تطبيقاً وعملياً حتى تأخذ لقب مسلم، لقب طبيب كم سنة تدرس؟ وكم عمل تعمل؟ وكم قسط تدفع؟ وكم مُعلِّم يمر عليك؟ وبالجد وبالاجتهاد وبالسهر وبالامتحانات، هنا الله امتحن إبراهيم وامتحن إسماعيل رغم أنَّ إسماعيل لم يصل إلى مرتبة التكليف، فعلى صغر سِنه ولكن كان كبيراً عقله وفهمه وذكائه، ذكائه في امتثال أوامر الله، قد يكون أحدهم ذكياً ولكن ذكياً في سخط الله فيما لا يُرضي الله:
فَطِنٌ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ فِي مَالِهِ وَإِذَا أُصِيبَ بِعِرْضِهِ لَمْ يَشْعُرِ
{ أبو الأسود الدؤولي }

احذر أن الضلالة بعد العِلم وإتباع الهوى:
تراه في أمور الدين كالحمار لا يُفرّق بين البقلاوة وبين التبن، الحمار إذا وضعت له صدر بقلاوة يشم يمكن لو كان له لسان بالعربي أو أنت تفهم لغة الحمير يقول لك: هكذا بلغ قدري عندك أن تحتقرني؟ بقلاوة! عندك مد التبن بليرة أو ليرتين أما هذا صدر البقلاوة ثمنه ألفان ثلاثة آلاف ليرة الحمار لا يفهم، الله يا ابني يرزقنا الفهم للأشياء بواقعها، اللّهم أرنا الحقّ حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلهما متشابهين علينا فنتبع الهوى وما تهوى الأنفس إذا اتبعت هواك:
[إنّ الهَوَى لَهُو الهَوانُ بعَيْنِهِ فإذا هَويْتَ فقدْ كسبت هَوانا
{ منقول }
الهوان تصير مُهان في نظر الله، في نظر ملائكة الله، في نظر الصالحين، خسارة ما هي يا ابني بالقليلة، إن الهوانا هو الهوى قُصر اسمه، الهواء هذا بالمد والمقصور تقول الهوى، فيوجد فرق بين الهوى وبين الهواء، فقال الهوى أصله هواء لكن قُصر وحذفت منه الهمزة في آخره فماذا صار هوى.

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
[سورة الجاثية]

فإذاً ترك العبودية لله والامتثال لأوامر الله واتبع هواه فامتثل رغباته واستجاب لنداءاته وأوامره ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ﴾ قد يكون قارئ وقد يكون مُتعلّم أي شيءٍ يا ابني القراءة والدراسة والشهادة تُفيد، إذا درس السُم وكل أنواع السُم، ودرس الأفاعي وكل أنواع الأفاعي وبعد ذلك وضع إصبعه بين أنياب أفعى يقتل سمها لساعته، فهذا أضله الله على عِلم وجعل على بصيرته على قلبه غِشاوة، القلب موضع القبول والرفض موضع الحب والبغض موضع الامتثال والضلال ﴿ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ﴾ الناس يقولوا الله، إذا كان الله يقول لك:

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ(27)
[سورة الرعد]


الإسلام يحتاج إلى تضحية واستسلام لأوامر الله:
الهداية ليست رخيصة الهداية لها ثمن غالي يا ابني، في سبيل الهداية المسلمون هاجروا من مكة إلى المدينة، المرأة إحدى الصحابيات خرجت مهاجرةً وحداها ومعها طفلها، فعارضها مُشركون قريش ليمنعوها من الهجرة فما امتنعت فاخذوا منها ولدها، وقالوا: أنت إذا أردت أن تذهبي فاذهبي أما هذا ولدنا لا يجب أن يذهب، ورضيت وظلت تبكي وتنوح حتى سخر الله لها من يرحمها فتدخل في الأمر فردوا لها ولدها، هكذا كان مفهوم الإسلام في قلب المسلم، الإسلام كلمة إسلام استجابة فمستجيب بلسانه وإدعائه ومعرضٌ بأعماله وواقعه!
﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)﴾ تلّه أضجعه على جنبه، سبحان الله تخيل الإنسان هذه الصورة واقعة يعني قطة إذا أردت أن تذبح ابنها أمامها، لذلك النبي رأى رجل يذبح غنمة أمام غنمة فقال له: لا تذبحها مرتين الثانية تشاهد الذبح لأختها وتتركها على هذا المنظر!
فالإيمان يا ابني نحن سبب تخلفنا وتأخرنا وضعفنا واستيلاء العدو علينا ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)﴾.
رضيَّ الله على علاء أتاني يوم من الأيام ونيران الشباب والهمة مُشتعلة، وقال لي: يريد أن يقرأ القراءات الأربعة عشر ويستشيرني شيء جميل! قلت له: لا اذهب وتَعلَّم لغة إنكليزية، القراءات هذا عِلم والحفظ عليه جيد ولا بُدّ ويعتبر من فروض الكفاية، فالشيخ محمد رضي الله عنه حمل هذا الحِمل ولكن لم يترك الأشياء الأُخرى، وجمع الخير من أطرافه بعد ما قلت له لا تعلَّم اللغة الإنكليزية وصُدفةً دُعيَّ إلى أمريكا وصار يتكلم مع القوم بالدعوة الإسلامية كما يتكلمون بلغتهم، فالقصة يا ابني هذه اسمها الحكمة، أن نضع الأشياء في مواضعها وإن شاء الله ربي عز وجل يُريني ويُريكم وأنا أعمل لا تأتي لي فرصة واتركها ولو بقدر شعرة، طالب من الله مائة داعي إلى أمريكا يُتقنون الإسلام والدعوة ويكونوا أصحاب قلوب ولغة، ووارث دين محمد يمكن يأتيكم قريباً وسيُحضر معه بعض الطلاب وأرسل إلي وجمع مُستشاريه كلهم في أمريكا وطلب منهم أن ينتقوا من مليوني أمريكي أتباعه مائة طالب حتى يُرسلهم إليكم، فأرجو من الله أن يتحقق هذا الموضوع ونرى عزة الإسلام والمسلمين وعزة الإنسان يا ابني، ولعل سمعتم في التلفزيون ورأيتم الطالبين في إحدى الولايات الأمريكية، طالبين دخلوا على مدرستهم ومعهم الأسلحة وأطلقوا على الطلاب والطالبات وقتلوا خمسة وعشرين قتيل وانتحروا بعد ذلك، فهذه ثقافة أمريكا وهذا تقدّم أمريكا، تقدّمت كان مركوبهم حمار فرقّوا الحمار من حمار لحم إلى حمار من حديد صار سيارة، والعلماء والأكاديميين أيضاً اجتهدوا رقّوا الحمار وهم يركبوه لكن يا ترى هل وصل الإنسان إلى إنسانيته؟ الإنسان تراجع عن إنسانيته.

{ ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به }

[أخرجه الطبراني والبزار والهيثمي]

الآن العالم بالمواصلات صارت اليابان جوار الجزيرة العربية والجزيرة العربية صارت بجوار أوروبا، في أربع وعشرين ساعة تدور الدنيا كلها، فإسلام ووجود جياع في قاموس الإسلام لا يوجد، مظلوم ومهضوم الحق ولا يوجد له أنصار يُعينوه على الوصول إلى حقه هذا في الإسلام لا يكون، ورد في حديث رسول الله بأن إنساناً دفن في قبره فيُخبر عليه الصلاة والسلام فنزل عليه الملائكة وقالوا له: إنا سنجلدك مائة جلدة في الكرباج الإلهي، الله يحمينا من هذا الكرباج يا ابني، فظل يتشفّع ويتوسّل ويتدخّل حتى أُنزلت المائة إلى جلدةٍ واحدة فاشتعل قبره عليه ناراً، هذا ليس كلام ألف ليلة وليلة، ليس بكلام صُحف يذكروا خبر وثاني يوم يعتذروا أنه الخبر تبين أنه غير صحيح! في القرآن لا يمكن أن نقول أن سورة البقرة غير صحيحة أو سورة الواقعة غير صحيحة. فقال لهما: فيما جلدتماني؟ قالوا له: بذنبين؛ الذنب الأول صليت صلاةً بغير طُهور، كم الإسلام ركز على نظافة البدن، نظافة الثوب، نظافة المكان، والله عز وجل يُنظِّف قلوبنا يا ابني الثوب يُغسل بالماء أما القلب إذا تلوث لا يُغسل إلا بالتوبة الصادقة ويريد مُغسل وكوى أيضاً كُفئ، قالوا: والذنب الآخر مررت على مظلومٍ فلم تنصره، كم نرى ظالماً ومظلوم؟ مُعتدٍ ومعتدى عليه؟ يقول لك: فخار يكسر بعضه البعض! أهل حمد تنصر حمد صدق الله العظيم كأنه هذا صار القرآن وصار كلام سيدنا رسول الله أليس هذا واقع الكثير من الناس يا ابني؟ أإسلامٌ وتهزمهم يهودٌ هل يجوز قوم استجابوا لله وللرسول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
[سورة الأنفال]


دعوة الإسلام إلى التفكر والعِلم واستعمال العقل:
هل الإسلام جاء لأهل القبور ودعاهم من قبورهم وأحياهم من قبورهم؟! دعا أموات القلوب، أموات العقول، لماذا أكثر القرآن لعلكم تتفكرون؟ يعني استعملوا تفكيركم، لعلكم تتذكرون لا تنسوا، لعلكم تعقلون استعملوا عقولكم، فالقرآن لمّا النبي هيئ قلوبهم ومعدة أرواحهم وعقولهم فأحسنوا هضم الإسلام، فتمثل فيهم أعمالاً عظيمةً جبارةً لا يقف الباطل أمامها ولا ثانيةً واحدة، ففي أقل من عشرين سنة كان قيصر فلا قيصر، وكان الرومان ولا رومان، كان الاستعمار ولا استعمار، كان الفقر ولا فقر، كان التقاتل بينهم يقتل بعضهم بعضاً فلا تقاتل.

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
[سورة آل عمران]

فأصبحتم بنعمته بعطائه بنبيه، وكنتم على طرف حفرة من النار أقل شيء تصبحوا في الأسفل، ﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ الله يبين لنا أماكن الخطر، هنا يوجد لُغم صدق الله العظيم ونسير فوق اللغم فهل تفيدنا صدق الله العظيم ونحن نطأ على اللغم؟ هذه أفعى قاتلة حسناً جزاك الله خيراً، وبعد أن نسمع الحقيقة نضع إصبعنا بين نابيها! فهل ينفعنا ما نسمع أو ينفعنا ما نقرأ؟ أو إذا كنا نعمل بعكس ما نسمع من كتاب الله من هديّ رسول الله من تعليم ورثة رسول الله يصبح العِلم حجة علينا.
وعَالِمٌ بعِلمِهِ لَمْ يَعْمَلَنّْ مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْلِ عُبَّادِ الوَثَنْ
{ عبد المحسن العباد }
وكـــلُّ مــــن بـغـيــر عــلــم يـعـمــلُ أعــمــالُــه مَـــــــردودَةٌ لا تُــقْــبَـــلُ
{ أحمد بن رسلان الشافعي }
يعني إذا عملنا على جهل بلا معلم أعمالنا مردودة لا تقبل.

لماذا ذكر الله لنا قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل:
نعود إلى إبراهيم وإسماعيل ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ لقائلٍ أن يقول إنّ الله لا يأمر بالفحشاء! ما الفائدة من ذبح الولد؟ هل ليأكل الفقراء من لحمٍ وهم جياع؟ هل لأنه أذنب ذنباً يُوجب قتله وإعدامه؟ برئ لا يوجد ذنب ومن الذبح لن يستفيد أحد ولكن حاشى لفضل الله عز وجل ولحكمة الله من أسمائه الحكيم، الحكيم هو الذي لا يقع في خطأ لا في أقواله ولا في أفعاله ولا في أفكاره، أما رب العالمين جلّ جلال الله، جلّت عظمة الله، جلَّت رحمة الله، ليجعل من هذه القصة مدرسةً خالدةً أبديّة كيف يكون الوالد تجاه ولده؟ كثيراً ما الآباء تقع في غضب الله بسبب أولادها يمنع الزكاة، يمتنع عن الكثير من أعمال الخير، يرى ولده على معصية من حبه له يسكت عنه، أو لعلّه يدفعه على المعصية، فضلاً على أنه لا يربيه التربية الصالحة، فذكر الله لنا هذه القصة أن يكون الله ورسوله أولى بامتثال أوامرهما وأحب إلينا من قلوبنا وأفلاذ أكبادنا، ابنك اذبحه اذبحه مالك أخرج عنه نخرج عنه، وطنك تهاجر إذا صار بلد كفرٍ وبلد غضبٍ إلهي وبقائك فيه خطر على دينك وذريتك هاجر يُهاجر، ولذلك سيدنا إبراهيم هاجر من العراق إلى بلاد الشام، بعد أن قارع وناظر النمرود، لم يخف من النمرود ولا خاف من نار الجحيم التي أوقدها له وكان الطائر إذا طار من فوق النار من ارتفاع لهبها يسقط فيها، فقصة إبراهيم أن يا مسلمون يا مسلمات ليكن كل واحد منكم إبراهيم، النبي أول ما سمع قصص إبراهيم صار كأبيه إبراهيم بل سبق سيدنا إبراهيم وقال:

{ أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ }

[صحيح ابن ماجه]

أقول لكم ليس تفاخراً لكن لتقتدوا بنبيكم إذا رأيتم من هو أسبق منكم أن تُسابقوه حتى تسبقوه إلى الخير، حتى تسبقوه إلى الفضائل، حتى تسبقوه إلى المُكرُمات، فما هذا الإسلام يا ابني الذي جعل من الصعاليك أباطرة؟ لكن ليس أباطرة الغرور، أباطرة الظلم، أباطرة الاستعلاء، أبو بكر وعمر كانوا كواحدٍ من الناس في تواضعهم في خضوعهم للحق وإلى آخره، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾

أصدُّق مع الله في أقوالك وأفعالك لتكون كأصحاب رسول الله:
أنت فتش نفسك عند أوامر الله التي أمرك بها وجُمعت في القرآن، ولم يأمرك بأوامر بلغت ما أُمر به إبراهيم أن يذبح ولده، هناك أُناس يؤمروا بالأضحية الخروف لا يذبحه، الدرس يأمره بالزكاة بالمائة اثنان ونصف احتفظ لنفسك سبعة والتسعين والنص وأخرج اثنان ونصف للفقراء، هل هذا قرأ إبراهيم؟ هكذا يا ابني عموم المسلمين عندما أهملوا ولم يستجيبوا لله وللرسول من اندونيسيا إلى بلاد المغرب لم يبقى شبر من أراضيهم إلا استعمرها الصليبيون.
فذكرت لكم البارحة عن أخ من إخوانكم الدكتور الطبيب غسان سلوم كان في انكلترا كيف أنَّ بلدةً واحدة في بريطانيا لمّا سلمان رشدي كتب كتابه عن النبي وأساء ونقَّص من قدر النبوة وتجاوز الحدود

إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16 (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
[سورة الطارق]

فمعظم العالم الغربي لا يعرفون ما هو الإسلام، فالبريطانيون صاروا يقولون ما هذا الإسلام؟ فدعاهم إلى أن يبحثوا عن الإسلام ويدرسوه فأخبرنا أنه في مدينة واحدة بريطانية أسلم عشرين ألف بريطاني من قراءة كتاب سلمان رشدي!

وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)
[سورة آل عمران]

هذا دينه يا ابني النبي خبّر قال: ستفتح لكم القسطنطينية فُتحت، وسيبلُغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار، سيبلغ هذا يقين لا شكَّ فيه.

{ لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يَترُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أَدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عَزيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ؛ عِزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللهُ به الكُفرَ. وكان تَميمٌ الدَّاريُّ يقولُ: قد عرَفْتُ ذلك في أهْلِ بَيْتي؛ لقد أَصاب مَن أَسلَمَ مِنهمُ الخَيرُ والشَّرفُ والعِزُّ، ولقد أَصاب مَن كان منهم كافِرًا الذُّلُّ والصَّغارُ والجِزْيةُ }

[أخرجه مسلم وأحمد]

السنة الماضية زوجة كلينتون أول مرة دعت المسلمين لحفل إفطار في رمضان لماذا؟ لمست شيء من الإسلام فأرادت أن تُكرِّم المسلمين، هي في صورتها إفطار لكن مغزاها كبير جداً يا ابني فلو كل واحدٍ منا، يعني أنتم أبناء المسجد أكثر من الذين كانوا يجتمعون في مسجد النبي؟ مسجد النبي لعل لم يكن بهذه الوسعة المكانية، لكن كانت قلوبهم أوسع من الدنيا، عقولهم كانت تسمع الكلمة فتصنع من الكلمة جبالاً من الخير جبالاً من الخير جبالاً من العلم.
كنت في إسطنبول وأخذوني لزيارة قبر أبي أيوب الأنصاري هذا من أصحاب رسول الله وأين ولد؟ ولد في مكة أو المدينة، وأين قبره؟ هل وصى إذا مات أن ينقلوه بالطائرة ويدفنوه في إسطنبول؟! وصل إلى هناك مُجاهداً دمه على كفه وروحه على كفه في سبيل الله، كيف مات؟ لمّا مرض وحضرته الوفاة وصى قال: إذا أنا متت فاحملوا جنازتي واهجموا على القسطنطينية فحيثما بلغ هجومكم هناك ادفنوني ليُجاهد حياً وميتاً، هؤلاء إسلام ونحن إسلام؟! قصر الملك ألا يخرج منه الفضلات؟ لا تيأسوا يا ابني ولكن فكروا أنَّ أولئك كانوا بدو فقراء خرافيين يصيروا عظماء العالم في تاريخ الدنيا! فتحوا لكن لم يفتحوا ليظلموا لينهبوا ليُذلوا، فتحوا ليُعلّموا الناس يجعلوهم علماء، يجعلوهم إخواناً:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
[سورة الحجرات]

فتحوا حتى يصنعوا الإنسان العظيم، ماذا ينقصنا عنهم؟ الأجهزة الجسدية كلها صحيحة لكن ينقصنا المُعلّم الذي يُعلِّم الكتاب، الكتاب من تعاليم الكتاب إبراهيم فهل إمام المسجد يُعلِّم المادة الإبراهيمية؟ هل يُعلِّم مادة نوح؟

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ(14)
[سورة العنكبوت]

وكم كان مرتبهم؟ يا ترى كان العمل على فُرش من الإسفنج، أم كان على سككٍ مُحماة كان عملهم؟ مع صدق إيمانهم كما جعل الله نار إبراهيم برداً وسلاماً، رأوا كل المشقّات، الأسفار، الأتعاب، بذل المال، الاستشهاد في سبيل الله رأوه أحلى على قلوبهم من العسل، وكان أحدهم قبل المعركة يصلي ركعتين ويدعوا الله عز وجل اللهم ارزقني الشهادة بسهمٍ في حلقي حتى إذا لقيتك قلت فيما أصبت يا عبدي أقول فيك وفي سبيلك يا رب، ويدخل المعركة ويُصيبه سهم في حلقه وتنتهي المعركة ويتفقد النبي والصحابة القتلى والجرحى فيجدون صاحب ذلك الدعاء ويأتون بخبره إلى رسول الله أنه كما دعا استجاب الله دعائه، فقال عليه الصلاة والسلام: صدق الله فصدقه الله، تصُدق مع الله بالوفاء والله لا يصدق معك في الوفاء؟! هل أفلس الله؟ هل عجز عن الأداء؟ هل لم يسمع كلامك؟ لم يعلم أحوالك؟

لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24)
[سورة الأحزاب]

المنافقين الذين يدَّعون الإسلام ويُصلي ويَصوم، صورة الصلاة، الصلاة الميتة، الصوم الميت، الحج الميت.

ما الهدف من الحج الذي ذكره الله في سورة الحج؟ وكيف نُحقّقه؟:
الحج لو كان كما ينبغي كان يجب على المملكة السعودية أن تدعو كل ملوك وكل رؤساء الحكومات الإسلامية، ووزراء الدفاع، ووزراء الاقتصاد، ووزراء التعليم، ويُحققوا الهدف من الحج الذي ذكره الله في سورة الحج فقال:

لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
[سورة الحج]

ليشهدوا منافع لهم أولاً، ثانياً ويذكروا اسم الله، قال العبادة في الدرجة الثانية أما الدرجة الأولى ليحققوا منافعهم ومصالحهم، ومن منافعهم أيضاً طاعة الله عز وجل، فما أعظم أن نسمع السنة الآتية بأن المملكة السعودية دعت رؤساء وملوك العالم الإسلامي، والوزراء الذين عليهم الكثير من الأمور الهامة للمسلمين، وبعد الحج تذاكروا شؤون المسلمين، عند ذلك يكون هو الحج الذي ذكره الله في القرآن، أما الحج الذي نحن نحجه ينطبق عليه على البعض منهم أو على الكثير هذا بعلم الله "" يا رايحين تحجوا مثل الجمال تهجوا، رحتوا بعدل ذنوب ورجعتوا مع العدل خرجو "".
إن شاء الله الله يغفر لنا ولهم، لكن أمر الحج يا ابني والله ما الحج يا ابني؟ شبكة فضائية ممن يملكون هذه الشبكات ينتقون لُجنةً من حكماء العلماء، ويضعوا برنامج لسنةٍ كاملة من أول يوم ماذا نتكلم لآخر يوم ماذا نتكلم؟ كيف نبدأ؟ كيف ننتقل مرحلة مرحلة في التعريف في الإسلام هذه القضية ليس فيها لا ضرب ولا قتل ولا فيها شيء من السلبيات السِباب والشتائم لا .

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
[سورة النحل]

والله اعتقد بأنّ العالم الغربي سيستمع إليها ويُشاهدها لعل قبلنا نحن المسلمين، فلماذا الاتصال المعلوماتي صار بهذا الشكل السهل؟ لماذا لا نوصل إليهم الرسالة وقد جعلنا الله أُمناء عليها بعد رسول الله.

كيف يصنع الإسلام بالإنسان لإعلاء كلمة الله :
فأبو أيوب أوصل الرسالة ووصل بها إلى أين؟ والقثم ابن العباس رأيت قبره في الصين ما الذي أوصلة إلى الصين؟ هل لتجارةٍ؟ أم لسياحةٍ؟ أم لشهر العسل؟ إذا أراد أن يذهب لشهر العسل يحتاج إلى سنة ذهاب وإياب، تحمل وتلد في الطريق! فرضيَّ الله عنهم وأرضاهم، أم حِرام المرأة الصحابية أين قبرها؟ في جزيرة قبرص في خلافة عثمان وكان نائب عن عثمان في بلاد الشام معاوية فهو أول من غزى في البحر، كان يستأذن عمر ليغزو في البحر فكان عمر يُشفق على المسلمين من الغرق، فبعد عمر أتى عثمان وسيدنا عثمان كان ألين، وسيدنا معاوية وما أدراك! فاستطاع سيدنا معاوية أن يأخذ الموافقة والأذن بفتح قبرص، والجيش دخلها فاتحاً وفيهم أمُ حٍرام الصحابية، وكانت في عهد رسول الله هي كانت إحدى قريباته، وكان نائماً عندها فاستيقظ ضاحكاً، فقالت: أضحك الله سنك يا رسول الله مِمّ تضحك؟ فقال رأيت طائفةً من أمتي يركبون سذج البحر يعني في وسط البحار يجاهدون في سبيل الله كأنهم الملوك على الأسرّة والعروش، قالت هذه المرأة: أدعو الله لي أن أكون فيهم ومنهم، فالإسلام كيف صنع من المرأة التي كانت لا ترث، بل كانت تورث زوجة الأب إذا مات زوجها وأولاد زوجها كانوا يتقاسموها مع التركة، فماذا كرّم الله المرأة؟ إلى أن جعلها في صفوف الفاتحين والفاتحات، وكانت في جيش فتح قبرص وهي راكبةٌ على بغلتها فجفلت بها فوقعت فتوفيت فدفنت في قبرص والآن قبرها مبني عليه مسجد، وقد زرتها رضي الله عنها وأرضاها، هذه كلها دروس يا ابني كيف يصنع الإسلام بالإنسان، لكن أين مهندس الإسلام؟ أين مُعلّمه؟ أين مدرسته التي تُخرِّج المهندسين الذين يعلمون الناس الكتاب؟ فإذا تعليم الكتاب القرآن إذا علمنا نوحاً أن نتعلم من مدرسة نوح الصبر والصمود ولو ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً، إذا انتقلنا من مدرسة الابتدائي إلى الثانوي إلى سيدنا إبراهيم﴿إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾.
أكثرنا صرنا مثل ذاك البدوي الذي صعد على رأس شجرة الحور ليُقلمها وهو على رأسها جاءت رياح وعاصفة شديدة وكاد أن يسقط من أعلى الشجرة إلى أسفل، فصار يتوسل إلى الله، والله يا ربي إذا أوقفت الريح ونزلت سالم سأذبح غنم كذا، وسأتصدق بكذا وسأتوب كذا إلى آخره حتى صار الهواء يسكن شيئاً بشيء وهو ينزل شيئاً بشيء حتى صار يمكن النزول حتى بقي بينه وبين الأرض مسافة صغيرة وقفز قفزة واحدة، وعندما نزل ووصل إلى الأرض ضرب على رأسه وقال: إذا صعدت إلى شجرة الحور مرة ثانية افعل ما تشاء، لا يوجد ناقة ولا غنم افعل ما تشاء لن أصعد إلى الشجرة مرة ثانية وظنَّ أن الله لا يأخذه إلا على الشجرة، الله يمسكك من رقبتك وأنت مع زوجتك في الفراش، وأنت في ليلة زواجك وصباح زواجك وأنت في منتهى القوة ولكن يا ابني الغفلة عن الله.

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
[سورة الكهف]

القلب موضع الحب، والإقبال، والإدبار، والإيمان، والكُفر.

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)
[سورة البقرة]

انظر إلى أعمالهم ما هم بمؤمنين، إذا قال آمنت بالأفعى وبسُمّها وبأنه قاتل وواضع الأفعى على رقبتك ومُمسكها من حيث تستطيع أن تلدغك فهذا أي شيء يا ابني؟! القول يُكذِّب العمل والعمل يُكذِّب القول، والسبب:

فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ(21)
[سورة الغاشية]


المسؤولية علينا جميعاً لنكون مُذكّرين وداعين إلى الله:
فقدنا المُذكِّر، المُذكِّر كان الواحد يدخل إلى المسجد ميتاً فيخرج بأعطر الحياة، الآن تدخل إلى المسجد المسجد ميت لا يوجد فيه لا حركة ولا فيه عِلم ولا فيه حكمة ولا فيه مُذكِّر ولا من يُعلّمنا إبراهيم ولا من يُعلّمنا نوحاً ولا من يُعلّمنا محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا تفكروا أنه أنتم الموجودين نساءً ورجالاً معفيين من المسؤولية، المسؤولية قبل كل شيء في هذا الوقت برقبتكم، لأنَ صانع الأحذية ليس مطلوب منه أن يذهب إلى الجامعة ويلقي هناك محاضرة، صانع الأحذية في سوقه مع جيرانه يتكلم صانع الأحذية مع صانع الأحذية، والجار مع جاره والقريب مع قريبه والمرأة مع المرأة والقرآن.

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)
[سورة القمر]

للذكر للفهم، على عِظم بلاغته أعجز الأولين والآخرين بأن يأتوا بآيةٍ من مثله، فتلقّاه الأميّون لا يقرؤون ولا يكتبون، فقبورهم بعد ألفٍ وأربعمائة سنة تشهد على إسلامهم الصادق وجهادهم الذي بذلّوا فيه الروح والمال وهجروا الأهل والوطن حتى جعلونا بعد أربعة عشر قرناً جعلونا مسلمين، رضيَّ الله عنهم وأرضاهم لذلك الله قال: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ لأنه صنع أمةً، وقال بعض المفسرين الأمة هو مُعلم الناس الخير وإذا لم تستطع أن تصنع أمة اصنع بيتك، اصنع رفاقك وإذا لم يستجيب لا خير في رفيقٍ لا يستجيب لله ولرسوله، والأمر والله هيّن والذي جرب يرى بعينه ألا تستجيب الناس لكم يا ابني، لمّا بسهرة تتكلم ألا يصغون لك؟ ويقولون لك زد أعطنا المزيد لماذا؟
الرجال أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه، ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه
{ أبو حامد الغزالي }
والرجل ليس المقصود الرجل بل الإنسان من رجل أو امرأة، رجلٌ يدري ويدري أنه يدري يعرف نفسه أنّ معه رأس مال والبطارية ممتلئة والضوء مظلم اضغط الزر لا يُكلفك شيء، قال: فذلك عالم فاتبعوه، ورجلٌ يدري ولا يدري أنه يدري عنده استعداد وبطاريته مليئة ولكنه لا يدري أنها مليئة يظنّ أنها فارغة، قال فذلك نائمٌ فأيقظوه، قم واعمل في الدعوة، ادعو إلى الله، ورجلٌ يدري جاهل ويدري أنه لا يدري يعرف نفسه أنه جاهل فذلك جاهل فعلِّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، يظن نفسه أنه أفهم الفهماء وأعلم العلماء وإذا نصحه ناصح يقول له أنا أعرف أكثر منك، قال فذلك شيطانٌ فاجتنبوه، فأي قسم من الأربعة وأنتم تتعلمون أم لا تتعلمون؟ لا أقول لك علمهم كل العلوم بل علمهم ما تعلمته وبالمجان لا يوجد رسم ولا طوابع.
نعود إلى إبراهيم الذي نحن الآن في مدرسته عليه صلوات الله وسلامه وإسماعيل، فلما أسلما واستجابا لأمر الله وتلّه أضجعه على جنبه وأخذ السكين ومررها على حلقه ليضغط ويكون الذبح جاءه النداء من السماء

وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
[سورة الصافات]

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ(27)
[سورة ص]


امتثل أوامر الله لو كان فيها مشقّة:
الله لم يخلق شيئاً بلا حِكمة بلا ما فيه ثمرةٌ نافعة فهل يأمر بأمرٍ عبث؟ فالمقصود من القصة قد صدّقت الرؤيا لنجعل من عملك هذا وعمل ابنك إسماعيل لنجعله طريقاً نيراً ومدرسةً عظيمةً للفداء والتضحية في سبيل الله، وسبيل الله هي السبيل إلى إسعاد الإنسان.
﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ حصل المطلوب، يا ربي لماذا أمرت بما أُمرت؟ ولماذا أنزلتها في القرآن فسجّلت؟ قال: ﴿ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ كذلك من يُحسن في فهم كلامنا ومن يُحسن في تطبيق وتنفيذ أوامرنا ولو أمرناه بذبح ولده، وهذا في الإسلام غير وارد لكن لو أمرك الله بما أمرك ولو كان شاقاً وعظيماً عليك لا تعتقد أن الله يأمرك بما لا ينفعك أو يأمرك بما يؤذيك ويضرك.
﴿ كَذَٰلِكَ نَجْزِي﴾ إذاً القصة ليست لإبراهيم وإسماعيل القصة لنا لنُحسن فهم كلام الله، لنُحسن ما يذكره الله عز وجل عن إبراهيم وإسماعيل، وسمى الله من يفعل ذلك من المُحسنين لأنه أحسن فهم القرآن وأحسن فهم القصة، فأسأل المسلم الذي عمره سبعين سنة والذي يقرأ كل أسبوع ختمة أسأله عن إبراهيم هل فهم شيء؟ هل أحسن في تلاوتها هل أحسن في فهمها؟ هل أمتثل أمر الله ولو كان فيه مشقة؟
يُذكر بأن رجلاً من السلف الصالح كان حريصاً على صلاة الجماعة في المسجد، في ليلة من ليالي الشتاء والأمطار غزيرة وكانت الشوارع غير مُعبّدة، قبل مئة سنة كانوا لا يُعبِّدون الطرق كلها طين وشتاء، فارتدى ثيابه وأراد أن يذهب لصلاة الفجر فقالت زوجته: إلى أين تذهب مطر وطين؟ فقال لها يا امرأة في سبيل الله لتتسخ ثيابنا لا يضر، وخرج في طريقه سقط واتسخت ثيابه بالطين من أعلى إلى أسفل وبالطبع لا يستطيع أن يدخل المسجد، وعاد إلى البيت ورأته زوجته وقالت له: نصحتك ولم تسمع، النصيحة عكس أوامر الله مرفوضة، الخلاصة في النهاية أخرجت له ثياب جديدة وهو خارج وجد رجل يحمل فانوساً ويضيء له طريقه ويحذره من الحفر حتى وصل إلى المسجد، ولمّا وصل ودخل ذلك الرجل قال له: وداعاً! فقال له: ألا تريد أن تصلي؟ قال له: أنا لا أصلي، فقال له: إن كل أهل الحي مصلين، قال له: أنا لست من سكان الحي أنا أسكن في كل الأحياء، أنا الشيطان، قال له: من الشيطان؟ قال: أنا الشيطان الرجيم! قال له الرجل: الشيطان الرجيم يُعين على طاعة الله؟! أمجنون أنت هل الشيطان يُعين على طاعة الله، قال له: إنما الأعمال بالنيات ولكل إمرئٍ ما نوى، إسألني ما نيتي أنا بحمل الضوء بإيصالك إلى المسجد؟ قال له ما نيتك عمل خير؟ فقال له لا ، أنت عندما خرجت من البيت وسقطت في أول مرة الله غفر لك كل ذنوبك! ولمّا لم تتراجع وأردت العودة للمسجد خشيت أن تسقط مرة ثانية والله يغفر لأهل البلد بسببك، هل سأجلس في جهنم وحدي ألا أريد من يُسليني ألا أريد من دائماً يآنسني وآنسه، قال: ألم تسمع ما قال النبي إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئٍ ما نوى، فالشاهد يا ابني القصة يجب تعويد النفس على أن تتحمل المشقات في سبيل الرفعة عند الله عز وجل رفعة المنزلة وفي سبيل تكبير الزاد للدار الآخرة.

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)
[سورة البقرة]

ولا نريد أن نيأس يا ابني، اليأس هو الذي أمات الأمة، ناس كثيرين يقولون لك آخر الزمان ما معنى آخر الزمان؟ الزمان لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر، فأنت تكون أول الزمان وأنت تصبح آخر الزمان، أبو جهل كان آخر الزمان، أبو لهب كان آخر الزمان، هل أسعده أول الزمان زمان النبوة ويصبح ويُمسي بوجه رسول الله هل نفعه؟ لم ينفعه، ويوجد أناس من آخر الزمان الله يحشرهم من أهل أول الزمان كما يقول عليه الصلاة والسلام:

{ ليتني أرى إخواني وردوا الحوض، فأستقبلهم بالآنية فيها الشراب، فأسقيهم من حوضي قبل أن يدخلوا الجنة، فقيل له: يا رسول الله، أولسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني من آمن بي ولم يرني، إني سألت ربي أن يقر عيني بكم، وبمن آمن بي ولم يرني }

[رواه أبو نعيم في حلية الأولياء]

الأخ أقرب أم الصاحب؟ الأخ أقرب يرثك وترثه، لك عليه حقوق وله عليك حقوق إلى آخره،
في حديث آخر:

{ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قال: فإنَّ مِن ورائِكُمْ أيَّامَ الصَّبرِ، للعامِلِ مِنْهُمْ في ذلكَ الزَّمانِ أجْرُ خمسينَ رجُلًا، قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، أجْرُ خمسينَ رجُلًا مِنَّا أو مِنْهُمْ؟ قالَ: بَلْ أجْرُ خمسينَ رجُلًا مِنْكُمْ }

[صلاح الدين العلائي إسناده حسن]

حسب ما كان عليه النبي وأصحابه.

مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
[سورة الأحزاب]

ما هذا العطاء يا ابني؟! ما هذه العناية؟ لم ينسانا ولم يقل أنتم مثل أصحابي إذا عملتم مثل عملهم، لا قال في حديث آخر (( للعامِلِ فيهنَّ مثلُ أجرِ خمسينَ رجلًا يعمَلونَ كعملِكُم)) هل تستطيعون أم لا تستطيعون؟

تكرار الله تعالى مهمة النبي بالتزكية وتعليم الكتاب:
أبو هريرة من أبو هريرة؟ رجل فقير بقي عندما جاء إلى النبي خمسة عشر يوماً لم يدخل في جوفه قطعة خبز فقط على الماء، بلال من بلال؟ عبد حبشي، وأبو ذر من أبو ذر؟ خلَّدهم التاريخ تاريخ السماء مخلدون في الأرض وفي السماء وفي زمرة السعداء، قالوا وكيف جاؤوا في آخر الزمان ولهم أجر خمسين صحابي؟! قال: لأنكم تجدون على الخير أعواناً، يوجد نور النبوة إذا أحدهم رأى وجه النبي كان يُسلم، خمس دقائق مع النبي يصبح صدّيق، الآن المساجد خراب لا فيها لا عِلم ولا حكمة ولا تزكية ولا من يُعلِّم المسلمين ما أمر الله أن يُعلم، لماذا الله كرر مهمة النبي؟

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
[سورة الجمعة]

سواءٌ الآيات الكونية أو الآيات القرآنية؟ ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ أين كان أداء هذه الأوامر والمهمات؟ كان في مكان اسمه المسجد والمسجد شُرِّف بهذه الأمور، ادخل المسجد هل تجد من يُعلّم الكتاب؟ يعني إذا قرأ لك سورة نوح كم مرة الله كرر نوح في القرآن؟ لماذا كرر؟ لأنَّ أقام التعليم يحتاج التكرار، المُعلِّم إذا لم يُكرر لا يتعلّم الطالب، ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ وأيُّ كتاب؟ الكتاب الحكيم، الحكمة هي مادة النجاح، ومادة النصر، ومادة الربح، ومادة التوفيق، ومادة السعادة، فعل ما ينبغي وقول ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي وعلى الشكل الذي ينبغي، فلذلك أول الزمان أنت وآخر الزمان أنت، الزمان شروق الشمس وغروبها، ودوران الأرض حول نفسها كل يومٍ وليلة، فهذا لم يتغير يا ابني، ولكن الذي تغير فقدنا روح المسجد، ملكة الجمال إذا فقدت روحها اسمها ملكة جمال؟ اسمها جنازة وإذا أكملت الدراسة والتحصيل يصبح اسمها قبر وإذا أكملت التحصيل رجعت تراباً كما خُلقت من تراب، فمساجد مآذن عالية وشاهقة وفُرُش من أفخر الفُرُش أما في تعليم الكتاب؟ المدرسة إذا لا يوجد فيها المُعلّم والتعليم بماذا يفيدنا ضخامة البناء أو ارتفاع السقوف أو يكون البناء من أجود البناء؟ هذه وسيلة إناء الطبخ مهما كان كبيراً ويتسع لألف قطعة كوسا وأنت جائع ولم ترى أي قطعة منها فماذا تستفيد من الإناء إذا كان فارغاً؟ ليكن كل واحد منكم الإسلام يمشي، والإسلام يسهر، والمسلم في بيته في أهله مع الناس وبالحكمة والموعظة الحسنة، وأنا من تجاربي في الحياة ما رأيت إنساناً لا خير فيه، مع الدول والحُكّام الشباب المسلم في البلاد العربية وغيرها يقعوا في أخطاء كثيرة بسبب جهل الحكمة.

اخدم الإسلام بما تستطيع:
كان قبل ثلاثين أربعين سنة في محل البغاء والزنا، كان حي يُدخل إليه من طريق الميدان وينتهي عند مسجد السروجي قبل السروجي بقليل، كان محل المومسات من أغلق هذا الشارع وهذا الحي؟ جامع أبو النور ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، هذا من يُغلقه؟ الدولة، فإذا أردنا أن نغلقه بطريق نحارب الدولة؟ هذا ليس بحكمة، نشتم الدولة؟ ليس بحكمة، أتى ظرف انتخابي والمُرشحين يزوروا الأحياء التي يجدون عندهم الأصوات وكان رئيس الوزارة في ذلك الوقت رحمه الله جميل مردم فأتاني أو ذهبت إليه لا أذكر، فالتقينا وذكرت له عن سوق البِغاء وإغلاقه بالشيء الذي الله ألهمني إياه، وقلت له حرام لا يجوز يجب إغلاقه وهذه الشام والخلاصة في نهاية الحديث استجاب معي مئة على مئة، وأنا لا أُصدق ما أسمع كيف عشرين ثلاثين أربعين بيت بكلمتين يُغلق؟! لكن أنا علي أن أعمل الواجب وصدّق أيضاً ما اسمع، وكان الموعد صباح الجمعة بيني وبينه رحمه الله وغفر لنا وله، وكان في درس ليلة الثلاثاء في مسجد يالبُغا ومن يعيّ درس مسجد يالبُغا كان يمتلئ مسجداً وصحناً وسوق الخيل والبحصة كلها تصبح كمسجد وأنا في أثناء الدرس رأيت شرطي دخل وصار يمشي فوق أكتاف الناس، يعني في هذا الزحام يأتي شرطي ويمشي فوق أكتافكم أمر غير عادي أمر ذو بال، حتى وصل إليّ وكنت أُلقي الدرس على السدة في مسجد يالبُغا ووضع أمامي ورقة، يعني شرطي وورقة يجب أن أقرأها، وإذ قرأت بعد المقدمة قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بيوم كذا بتاريخ كذا إلغاء وإغلاق محلات البِغاء السري والعلني، الإمضاء رئيس الوزراء جميل مردم..
الحكام ليس فيهم خير يا ابني؟! نحن الذين نقول عن أنفسنا إسلاميين نحن لسنا أهل، تُريد أن تُسيّر سيارة بدون عجلات! لن تسير معك تضربها بالحطب، لا تسير معك تضربها بالحجارة، لا تسير معك ضع لها بنزين وكبريت، ولذلك الإسلاميون يتحملوا مسؤولية كبيرة بأُميّتهم للحكمة، الحاكم منا وفينا يا ابني، مسلم نفس إسلامنا في منهم إسلامهم خير من إسلامنا في منهم مُقصِّر كما نحن مُقصرين، وكذلك أمور كثيرة بفضل الله إعفاء المساجد من ثمن الكهرباء والماء، كانت المساجد تدفع ثمن الماء والكهرباء، كذلك في الانتخابات والانتخابات فيها خيرات كثيرة.
كذلك أتاني رئيس الوزراء زائراً إلى دار القرآن، فكرت ماذا أريد أن أعمل للإسلام بهذه المناسبة؟ لمّا جلسنا الله يغفر لنا وله كان صهر أحد أركان الشركة الخماسية مأمون الكزبري، قلت له: الماء أنتم تصنعوها وتخلقوها أم صنع الله؟ قال لي: لا صنع الله، قلت له: هذه الكهرباء التي تخرجوها من نبع بردى أنتم أخرجتم بردى أم الله خلق النبع؟ قال لي: الله، قلت الله الذي أعطاكم هذا الماء والنبع حتى تكون فيها حياتكم أيضاً تأخذوا أجرة من الله؟! قال: كيف أجرة من الله؟ قلت له: المسجد أليس بيت الله؟ فقال: بلى، فقلت: أتأخذون ثمن الكهرباء من المسجد وثمن الماء من المسجد! أيجوز هذا؟ لا أعرف إذا كان حي أو توفي، إذا حي الله يوفقه وإذا توفي الله يغفر لنا وله، قال لي: كما تأمر شيخي، فقلت له: حالاً لأن الجو انتخابي ونضرب الحديد وهو حامي قال لي: غداً يصدر قرار بإعفاء المساجد من ثمن الماء ومن ثمن الكهرباء، فقلت له: في كل سوريا، قال: في كل سوريا، قال لي: أتسمح لنا أن نعفي الكنائس؟ قلت له: نعم ضروري الكنائس أيضاً يجب إعفائها لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وهكذا الآن ثلاثين أربعين سنة وإن شاء الله دائمة رحمه الله إذا كان توفي ويوفقه ويتقبل منه إذا كان في حال الحياة، فيا ابني الناس بخير.
خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي كان إذا مرَّ بجانب المسجد ورآني لا يُسلم عليَّ، وأعرف أحد المشايخ كان عنده دكان عطارة الحي كان إذا رآه من بعيد يحمل كرسيه ويختبئ في دكانه حتى لا يراه، ففي إحدى المرات مرّ ولم يُسلم فأنا هجمت عليه قلت له السلام لله إذا كنت شيوعي وأنا شيخ قُطعت كل الصِلات، فسلّم علي ولم أترك يده فقلت له: ستدخل عندي إلى المسجد وتشرب كأس شاي في الجامع القديم، أيضاً دخل المسجد كان لي غرفة يمكن استغرقت الجلسة ساعة أو ساعتين وشرحت له توزيع الزكاة في مذهب الشافعي، في مذهب الشافعي يُعطى للفقير من الزكاة إذا كان يوجد بيت مال كفاية العمر الغالب، العمر الغالب كان يقدروه ستين أو سبعين سنة إذا عمر ثلاثين سنة وباقي أربعين سنة كم يحتاج أربعين سنة مصروف؟ إذا كان تاجر يُعطى رأس مال للتجارة، سائق سيارة يُملّك سيارة، مزارع يُملّك أرضاً، ومن هنا بدأت الصُحبة وتبادل الزيارات إلى أن يوم من الأيام في جلسة قال لي: إذا كان الإسلام ما أسمعه منك فالإسلام شيءٌ حسن، لا صار يتكلم الإسلام الذي أسمعه أنا من المفتي أضعه على رأسي، أنا تكلمت في المسجد وبلغت السيد الرئيس حافظ الأسد حفظه الله وأطال في حياته وحماه من كل سوء، سأل خالد بكداش قال له: بلغني أن المفتي أسلمك يا أبا عمار ما صحة الخبر؟ الذي يرويها لي خالد بكداش، قلت له: أعرفك يا أبا عمار أنت صادق، كان يقول لي شيخي، قال لي: والله يا شيخي ما قلت إلا الحق، فقلت له: ماذا قلت له؟ قال: قلت له الإسلام الذي أسمعه من المُفتي أضعه على رأسي، وقبل وفاته بسنة أو سنتين كتب في صحيفة السفير مقالة طويلة يقترح فيها أن يكون المفتي عضو في الجبهة التقدمية، هذا أخونا خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي يقترح أن يكون المفتي عضو في الجبهة التقدمية التي تُمثل رؤساء الأحزاب، أنا لو دُعيت ليس عندي وقت ولا استعداد لكن هذا ما معناه؟ نائب ماركوس أوديني يريد أن يرفع من شأن الشيخ وشأن الإسلام المُمثل في الشيخ، وماذا يعني ذلك يا ابني؟ أنَّ الناس كلها بخير ولكن سيّر القطار على سكته يسير بسرعة مائة ومائتين بحسب ما أُعد، اللهم ارزقنا الحكمة.

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(269)
[سورة البقرة]


كن عالماً وحكيماً فهي من صفات النبوة:
والله جعل النبوة مكونة من شيئين من العِلم والحكمة وقدَّم الحكمة قبل العِلم قال:

فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ(79)
[سورة الأنبياء]

فالمسلم حسب القرآن، القرآن يفرض عليه أن يكون عالماً حكيماً:

وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
[سورة النور]

الله يقول لك تشبه بصفاتي وأنا خالق السماوات والأرض، يجب أن تستعمل الحكمة، فالله الغني العظيم القوي هو كل شيءٍ في الوجود، فكيف المسلم الله يدعوه أن يتعلم العِلم؟ يحتاج عالم والحكمة تحتاج حكيم، ولا يمكن أن يتخلف النجاح للعامل إذا جمع العِلم والحكمة، وإذا كان الدين هو علمٌ وحكمة، لذلك العرب في مدة وجيزة صاروا أعظم من كلينتون في هذا العصر، وصاروا أعظم من غرباتشوف بالنسبة لعصرنا وعصر النبوة، لذلك يا ابني لا تيأسوا اليأس من الجهل ولكن تعلموا وكونوا حكماء كونوا حكيمين والناس بخير وخير وخير، وأرجو الله عز وجل أن يجعل من كل واحدٍ منكم أمةً وكالمطر أينما نزل إخضرّت الأرض وأنبتت أزهارها وجمالها.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.