تفسير سورة النصر

  • 1996-09-06

تفسير سورة النصر

الحمد لله رب العالمين حمدًا يُوافي نِعمَه ويُكافئ مزيده، وأفضل الصلوات وأتمُّ التسليم على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخَوَيه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصَحْبِ كُلٍّ أجمعين، وبعد:


سورة الكوثر وما سبق من تفسيرها
سبق معكم في الدرس الماضي تفسير سورة الكوثر وسورة الكافرون، والآن تفسير سورة النصر، وسبَقَ معكم أن الكوثر هو الخير الكثير والذي من جُملته ما أعطاه الله لرسوله نهرَ الكوثر، فالله أعطاه هذا الخير الكثير وهو ما ذَكَرَهُ الله في كتابه:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

يجعلهم علماء بكتاب الله الذي لم يُفرِّط فيه من شيءٍ يُحقق سعادة الإنسان كل الإنسان، في جسده وروحه وعقله ودنياه ودينه وآخرته، والحكمة من الخير الكثير والتي هي نِصفُ النبوة:

فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
[سورة الأنبياء]

فالحكم يُطلقُ على القضاء بواسطة الحُكَّام ويُطلقُ على الحكمة وهي الصواب في القول والعمل، ومن الخير الكثير -الكوثر- تزكية النفوس، ويكون لأعداء الحقيقة والخير هنالك شياطين الإنس والجن، لما حُرِمَ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حياة أولاده الذكور قالوا: إن محمداً أبْتَر، فقال الله عزَّ وجلَّ بياناً للحقيقة التي ستقع:

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
[سورة الكوثر]

فالصلاة هي تقوية الصلة بين الإنسان وعقلِه وقلبِهِ ورُوحه وكل طاقاته بالله باستعمالها في تنفيذ أوامر الله التي كُلُّها من أجل مصلحة وسعادة ورِفعَةِ الإنسان في العِلم والحكمة وسعادة الدنيا والآخرة، وفي الواقع والحقيقة لما أُعطي النبيُّ هذا الكوثر والخير الكثير وصلَّى الصلاة الحقيقية وأحسَنَ الصلة بينه وبين الله بأداء وامتثالِ ما أمَرَ الله وأحسن الصلة فيما بين الإنسان والإنسان بعطاء الإنسان ومساعدة الفقير سواءٌ كان فقير الجسد إلى الطعام والشراب والمسكن أو فقيرَ العِلم والمعرفة والحَكمة، فأغنى كل من تقَبَّلَ رسالته في العقل بالحكمة وفي الحياة بالغِنَى والثَّروة:

وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ (8)
[سورة الضحى]

(وَوَجَدَكَ عَائِلًا) فقيراً (فَأَغْنَى) وجَعَلَ الغِنى للمسلم أحد أركان الإسلام الخمسة، مِنْ أركان الإسلام الزكاة فما معناها؟ يعني كُنْ غنيَّاً لتكون مُزكيَّاً، وحثَّ في مواضِعَ كثيرة عن الغِنى في مِثل قوله تعالى:

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
[سورة القصص]

وفي بعض الأحاديث يقول صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ، الغَنِيَّ، الخَفِيَّ (1) }

[صحيح مسلم]

لا يُرائِي بتَقْوَاه، يكفي أن يراه الله عزَّ وجلَّ، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم في مُحاربة الفقر:

{ كادَ الفَقرُ أن يكونَ كُفراً (2) }

[شعب الإيمان للبيهقي]

وقال عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
[سورة التوبة]

فسورة الكوثر هي خطابٌ موجهٌ أولاً لرسول الله وبَعْدَهُ موجَّهٌ لكُلِّ مسلمٍ ومسلمة، قدَّمَ الله لك الخيرَ الكثير، والبحر الزاخر في سعادة الدنيا والآخرة وهو القرآن الكريم:

وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)
[سورة الأنعام]

فهل قَبِلْتَ هذا العطاء ووضعتَهُ في المكان المناسب واستعملته الاستعمال المفروض وحوَّلتهُ مِنْ كلماتٍ مكتُوبةٍ ومَسمُوعةٍ إلى أعمالٍ مشاهدةٍ منظورةٍ تُعلِّمُ الناس القرآن بأقوالك وأعمالك وسُلوكك وإخلاصك وصِدْقِكَ وصِدَّيقِيَتِك، فعند ذلك يكون شانِئُكَ هو الأبْتَر، المقطوعُ من كُلِّ خيرٍ والمهزوم معك في كُلِّ معركة، الخائب في كُلِّ أملٍ يريد أن يُحققه فيك ليخذُلَكَ ويُذِلَّك.

حكمةٌ في تبليغ الدعوة
ثم أتت:

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)
[سورة الكافرون]

هذه حكمةٌ في تبليغ الدعوة، والإسلام ضعيف لا ينبغي للدَّاعي أن يُثير قوة العدو على إسلامه الضعيف حتى يقضيَ عليه من أول خطوة، ولذلك كان يُؤذى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكُلِّ أنواع الإيذاء، نُتِفَ شعره الشريف وضُرِبَ وحُثِيَ التراب على رأسه وهو ساجد ومُزِّقَت ثيابه وفُعِلَ به وبأصحابه الكرام كل أنواع الأذى، ويريد شباب الصحابة أن يثوروا فقال: مهلاً يا عمر إنَّكم قليل، الإسلام لا يسمحُ للمسلم أن يدخُلَ في معركةٍ فاشلةٍ لا تُحقق النصر، لأن القتال لا لتكريس الهزائم ولا لإذلال الإسلام، وهذا يكون إذا لم تكن القُوى مُتكافئةً ومُتماثلة.
لذلك إسلاميُّو هذا الوقت يقعون في الأخطاء الخطيرة، إذا لم يكونوا يوماً ما مسؤولين عند الله عزَّ وجلَّ عمَّا يفعلون، لأن الحاكم مواطنٌ ومسلمٌ يحتاج إلى دعوةٍ إلى الله لا بالفظاظة والغلاظة وسَفْكِ الدماء والتَّكفِير والتَّهجيِر، بل يحتاج إلى دعوةٍ إلى الله حسب مُخطط الله بالحكمة والموعظة الحَسَنة، يا تُرى حُكَّام زماننا في أي بلاد إذا لم يكونوا سواءً مع الإسلام مئةً على مئة، لكن هل يُنكرون وجود الله وتقديس نبوَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ هل يرفضون ويكفُرون بكتاب الله، مِثلهم مِثل بقيَّةِ الأمَّة والشعب، فأن يتعالى المُسمَّى بالدَّاعي بالتَّكفِير وسَفْكِ الدماء وانتهاك الحرمات، فيا تُرى حُكَّامُنا أم فرعون الذي ادَّعى الألوهية فقال:

فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24)
[سورة النازعات]

هكذا أعلنها، فماذا كان التخطيط الإلهي لموسى وهارون عليهما السَّلام في دعوتهما إلى الله؟ قال:

اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)
[سورة طه]

يُروى أن أحدهم من أمثال هؤلاء دخل على الخليفة المأمون ناصِحاً له وأغَلَظَ له بالنصيحة، فقال له المأمون: يا هذا! أنت لسْتَ أفضل من موسى عليه السَّلام وهارون ولا أنا أسوء من فرعون وقارون، ومع ذلك قال الله لموسى وهارون:

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى

فقال ذلك الداعي: ذهبت لأُعَلِّمَ المأمون فخرجت تلميذاً مُتعلِّماً من عنده، هذا أدب:

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
[سورة الكافرون]

وأدب:(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
فالعلَّةُ يا بنيّ أن المسلمين لا يقرؤون القرآن للعِلم والفَهْم ولا يُريدون أن يتعلَّموا علومه ولا أن يفهموا أوامره، لأنهم لو أرادوا وقصدوا لتعلَّموا ولو عَلِمُوا لعَمِلُوا ولو عَمِلُوا حسب مُخطط الله في القرآن لنجحوا في الداخل والخارج، لماذا وَرَدَ في الحديث:

{ يا أبا هُريرةَ، عَدْلُ ساعةٍ خيرٌ مِن عِبادةِ سِتِّينَ سَنةً؛ قِيامِ ليلِها، وصِيامِ نَهارِها. ويا أبا هُريرةَ، جَورُ ساعةٍ في حُكْمٍ أشَدُّ وأعظَمُ عندَ اللهِ مِن معاصي سِتِّينَ سَنةً (3) }

[البويصري عن أبي هريرة]

أنت أيها الشيخ يامَن أمضيتَ ستين عاماً في خلوتك عابداً ذاكراً منقطعاً إلى الله، ساعة إسلامٍ من الحاكم أفضل من ستين عاماً، أي أفضل من عمرِكَ كله، فإذا كان الإنسان له هذه المنزلة عند الله ولو رأينا خطأً وكُلنا خَطَّاء، الحديث يقول:

{ كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخطَّائينَ التوَّابونَ (4) }

[البويصرالترمذي وابن ماجه]

فليست من وظيفة الداعي أن يُوزِّعَ الكُفْرَ والتَّكفير على الناس ولا أن يكون الفظَّ الغليظ، فالله قد قال للنبي على عظيمِ مَكانته وخاتم الأنبياء وسيِّدُ ولَدِ آدم:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
[سورة آل عمران]

فمعنى الآية أن الفَظاظة والغَلاظة تُنَفِّرُ الناس وتُهرِّبُهم من الاستماع لدعوة الداعي والاستجابة لما يَدعُو ولو كان محمداً رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فمن يدَّعِي الدعوة لله كم يقعُ في الأخطاء ولكن أي خطأ؟ خطأٌ في حقِّ الأمة كلها وفي حقِّ قيادة الأمة كلها، جلسةُ ساعةٍ مع من يَلي أمر الأمة وتبليغه بالحكمة والموعظة الحَسَنة استجاب أم لم يَسْتجب لعلها تساوي عبادة ستين سنة.
أنا شخصياً بتجاربي في الحياة لم أرَ إنساناً رفض الدعوة لله على مختلف المستويات، إن مع الشيوعين وفي أعظم مكانٍ لهم في الكرملين الذي هو كعبتهم، ومع أعظم قادتِهم، أحدهم نائبٌ بجنيف بعد حديث ساعة قال: لو كان الإسلام ما أسمع منك فالإسلام شيءٌ حسن، ومرةً أخرى مع رئيس الاتحاد القوميات الأعلى الشيوعي وفي الكرملين وفي ساعةٍ واحدة، أرسل خبراً لي مع أحد نواب دمشق الأخ مروان شيخو قائلاً له قُل للمفتي أنا مؤمن، ما استطاع أن يُجاهِر بها بعد حواري معه فأرسلها سرَّاً مع مَنْ يُوصلها، مع البابا الحالي بحوارِ ساعة آخر كلمةٍ خَتَمَ بها المجلس قال أنا أقرأ القرآن كُلَّ يوم.
ففقه سورة الكافرون هذه أدبٌ من أدب الدعوة وأدب المسلم في مقارنته مع غير المسلم، فرفض النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الإغراء، عَرَضُوا عليه كل المغريات ليَكُفَّ عن بيان أخطائهم، ثم عَرَضُوا عليه أن يعبُدَ آلهتهم سنةً أو شهراً أو عشرة أيام وهم يعبدون سنتين وشهرين وثلاثين يوماً، فأنزل الله (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)، فالقراءة ليست للقلقلة والإدغام بغُنَّة والمدود:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ) عظيم الخير والعطاء (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)، يقرؤها بتأنٍ وتدبُّر وتفكُر، ماذا تطلُب وإلى ماذا تهدِفْ وماذا ينبغي أن أعمل، أسمع أوامر الله (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، إما إيقاظ النائم (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا) ليتفكَّروا بعمق آياته (وَلِيَتَذَكَّرَ) إذا كان ناسياً (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).

توقيت النصر
والآن نحن في سورة النصر، فإذا قَبِلْتَ الكوثر الذي أعطاه الله لنبيه واقتَدَيْتَ بقَبُول الكوثر تُؤهِّلُك لتكون جديراً بهذا العطاء، ودرست حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وسُنَّته وعبادته ودعوته وتقواه لربه ودرستها تماماً في حكمة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون) فتنتقل إلى:

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
[سورة النصر]

فما وراء ذلك العطاء الكثير (الكوثر)؟ وما وراء (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) أحسِنْ الصلة مع الله (وَانْحَرْ) أكثِرْ الصدقات سواءٌ بالمال أو التعليم أو كُلِّ ما هو نافعٌ للناس (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ومع الكافرون (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، عند ذلك تأتي المرحلة الأخيرة حسب الوقت الذي يختاره الله وحسب حكمته وحسب قواعد الأسباب والمُسببات يأتي نصرُ الله والفتح، نصرُ الله عزَّ وجلَّ بعد ذلك الكوثر وذلك الأدب في حُسْنِ المخاطبة والمُناظرة مع الكافرين عَبَدَة الأوثان.

الأدب في دعوة الحكام والأمراء
حُكَّام المسلمين ليسوا عبادَ أوثان وليسوا كافرين بالله ورسوله، الملوك والرؤساء لما يذهبون للحرمين الشريفين عند أول ذهابهم يزورون ضريح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويعتَمِرُون، فكلهم يتباهى ويفتخر بإسلامه ومحبَّةِ نبيِّه، فكيف يجب أن يكون الدَّاعي الذي ينبغي أن يكون بمثابة الطبيب أو المُوقِظ مع النائم، إذا أردت أن تُوقِظَ نائماً لصلاة الصبح فإذا لمَستَهُ لمساً رفيقاً: ابنك أو زوجك أو زوجتك أو رفيقك، وقلت له حبيبي وكذا.. ودغدغته بلطفٍ،فيستيقظ ويستجيب إلى ما تدعُوه له من صلاة الصبح، وإذا تراجعت خطوتين أوثلاثة وقفزت وأنت تلبس حذاءك على بطنِه لتُوقِظَهُ على صلاة الصبح لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقد يموت أو لا يُصلِّي أو يَكْفُرُ بالصلاة، فإذا جاء نصر الله والفتح معناها أنك إذا قَبِلْتَ الكوثر وتَعَلُّمَ الكتاب وتعلَّمْتَ الحكمة وزكَّيتَ نفسك وفتَّشتَ عن المُزكِّي.

الهجرة لصحبة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم والتعلم منه
كانت الهجرة على المسلم فريضةً إلى المدينة المنوَّرة ليس المقصود المدينة لا جدرانها ولا أزقَّتها ولا نخيلها، الهجرة إلى الله، فهل الله مقيمٌ في المدينة؟ ولكن كان المهاجر يجدُ اللهَ بصُحبةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فهذا الكوثر علماً وعملاً بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذا العطاء قُدِّمَ لكُلِّ مسلمٍ ومسلمة، فإذاً الكوثر هو الخير الكثير والخير الكثير هو تعلُّمُ الكتاب والحكمة والتَزكيِة، فأعطاك الله هذه العطاءات فهل قَبِلتَها واستعملتها واستفدتَ منها وقُمت بواجبها؟ ومع الكافرون (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)).

نجاح الدعوة بالتخطيط الإلهي
وبهذا التخطيط الإلهي نجحت الدعوة وانقلبَ أبطال وفُرسان وشُجعان وعظماء وزعماء العرب إلى عظماء الإسلام وقادته، فخالد بن الوليد القائد العسكري للأوثان صارَ القائد العسكري للإسلام والقرآن، أبو سفيان زعيم قريشٍ أكبرُ مُعادٍ قُلِعَت عيناه في الجهاد في سبيل الله، إحدى عينيه في هَوازِن والأخرى في اليرموك على ما أظنُّ، فانقلَبَ العدو صديقاً والمُعادي مجاهداً، ودخل الناس (فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)، و(جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، وكان طريق النصرِ والفتحِ العِلمُ والحِكمة وتَزكيةُ النفوس.

صلح الحديبية نصرٌ من الله عزَّ وجلَّ
لما ننظر لصلح الحديبية والشروط التي قَبِلَها النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكان فيها شيءٌ من خَدْشِ كرامة المسلمين حتى كان فيها ما يخدشُ كرامة النبوة، لما كتبوا الصلح أرادوا كتابة: هذا ما صالحَ عليه محمدٌ رسول الله، رفض الكفار أن يُكتَبَ محمدٌ رسول الله وقالوا: تُكتب محمدٌ رسول الله ونُحاربك! يعني هل نُقرُّ أنك نبيٌّ ونُحاربك؟ هذا لا يجوز، اكتب محمد بن عبد الله باسمك واسم أبيك، كتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا نحن لا نعرف الرحمن الرحيم، اكتب باسمك اللهم، والشروط كلُّها فيها إجحافٌ لحقوق المسلمين، والصحابة كُلُّهم بالإجماع إلا أبا بكرٍ رضي الله عنه رفضوا، ومع ذلك النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وافق ومَحَى ما أراده كُفار قريش بإصبعه، دُلُّوني عليه، محى محمد رسول الله وقال: اكتبوا محمد بن عبد الله، هذا من الحكمة.

الإسلام حسب بشارة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فحتى يَجِيء نصر الله المفروض في هذه الأمة وهذا العصر أن يُوصلوا الإسلام حسب بشارة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ما وَصَلَ له الليل والنهار، الصحابة حققوا نبوءة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ستُفتَحُ لكم الهند فهيؤوا الوسائل في نفوسهم وعقولهم، فبالوسائل المطلوبة فتحوا الهند، وقال لهم أيضاً: ستُفتَح لكم القسطنطينية ففتحوها ومصر ففتحوها والشام ففتحوها واليمن ففتحوها، فنحن بقي علينا ما تبقى لنوصل الإسلام إلى ما وَصَلَ له الليل والنهار، فإذا سلَكنا طريق القرآن والهديُ النبوي والطريقة النبوية والسنة النبوية فحاشى لمخطوطِ الله أن يكون خاطئاً أو مُنفِذَه والعامل به أن يكون خائباً وفاشلاً، لكن التوقف مع تَقَهقُر المسلمين للوراء سببه الأميَّة والجهل بعلوم القرآن، الجهل والأميَّة في فهم طريقة وسُنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بناء الإيمان والإسلام والدعوة إليه وعَرضِهِ العَرضَ الحكيم الناجح.

تحقق شروط نصر الله
(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) إذا في علم النحو للتحقيق، لو قال: إن جاء نصر الله فتعني أنه من الممكن أن لا يأتي، مشكوكٌ في أمره، إما إذا جاء يعني محققٌ مجيء نصر الله والفتح إذا قَبِلتَ عطاء الله الكوثر والحكمة وعلوم القرآن وزكَّيتَ نفسك:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)
[سورة المؤمنون]

(قَدْ أَفْلَحَ) يوجد شرطان للصلاة في القرآن العظيم، شروطٌ لصلاة الجسد:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (6)
[سورة المائدة]

إلى آخره وما يتبعُها من شروط الصلاة بحسب الجسد، والشروط بحسب روح الصلاة وحقيقتها: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)) يعني قبل الصلاة ستكون ذاكراً وتُطَهِّرُ قلبك من ما سِوى الله، وتُزكِّي نفسك فتكون طاهرةً من كُلِّ رذائل الأخلاق ورذالات الذنوب ثم تُصلي، وإلا فإنك تدخل ملوثاً غير طاهرٍ والصلاة على غير طهارةٍ غير مقبولة.

طهارة النفس وطهارة الجسد
وحقيقة الإنسان هو الروح والنفس التي تسكُن الجسد الترابي، فالشروط للنفس والروح في الصلاة كُررت مراتٍ في القرآن، أما طهارة الجسد مرةً واحدة، الوضوء كم مرة ذُكِرَ في القرآن؟ مرةً واحدة، أما طهارة النفس في مِثل سورة الأعلى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) وسورة المؤمنون:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
[سورة المؤمنون]

الخشوع عملٌ وطهارةٌ من طهارات القلب.

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24)
[سورة المعارج]

(إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21))، كلها نجاساتٌ في النفس وأوساخٌ وأقذار، قال: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24)) وكذا .. كُلُّها صفات المصلين ليتطهَّر من الهَلع والجَزع والبُخل ورذائل الأخلاق، وآياتٌ أخرى وأخرى.. ثم هناك آيات:

فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
[سورة الماعون]

(فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5))، من هم الساهون؟ قال: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)) بُخلاء ويعملون أعمالهم لا يُريدون بها وجه الله بل يريدون إرضاء الناس، فهذه نجاسة، يُصلِّي بنجاسة، فطهارة النفس في الصلاة ذُكِرَت في عدة آيات، أما طهارة الجسد للصلاة ذُكِرَت مرة واحدة، فكم نحن بعيدون عن الانتفاع والسعادة بالقرآن لأننا نقرؤه على غير طهارة، لما نزل قوله تعالى:

لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
[سورة الواقعة]

هذه في سورة الواقعة وسورة الواقعة هل هي مكيَّة أم مدنيَّة؟ مكيَّة، فهل كان هناك مصحفٌ عند نزول هذه الآية؟ فإذاً المراد من المسِّ مسُّ روح القرآن لروح قارئه، مسُّ معانيه لتكون مهضومةً في عقل قارئ القرآن، أما مسُّ المصحف ورد في حديثٍ نبويٍّ معين، لذلك حتى نستفيد من القرآن ونحيا به ونستَعيدَ عزتنا التي أُعطيناها حسب التاريخ وكانت من القرآن لنقرأه قراءة الطهارة القلبية.

فهم القرآن بعد أن يحيا القلب بذكر الله
شيخنا رضي الله عنه كان من كبار العلماء وحفظة كتاب الله، بعد أن دخل مدرسة التزكية والتربية على شيخه المُربي المُزكي قال: رجعت إلى قراءة القرآن وإذا بي أرى أني كنت لم أفهم القرآن قبل حياة قلبي بذِكْرِ الله، صرت أفهم الفَهم بالأعماق وكغذاءٍ ينتَعِشُ به القلب والروح والإيمان والإسلام، فهدى واهتدى ونَفعَ وانتفع وحيَّا وأحيا، (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَمِلَ بالكوثر، فعَلِمَ علوم القرآن علماً وعملاً كما قالت عائشة رضي الله عنها:

{ كان خُلُقُه القرآنَ }

[صححه الألباني]

تريد أن تقرأ القرآن؟ اصحب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ترى القرآن مُجسَّماً في أعماله وأخلاقه وسلوكه، فما لم يكن القرآن خُلُقَنا وحياتنا وسُلوكنا وشخصيتنا فالنصر والفتح يكون عنا بعيداً.

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
[سورة آل عمران]

كيف من يدَّعي الإسلام يقتلُ مسلماً أو مسلمةً إذا كانت بلا حجاب؟ هذا يُبيح القتل! هذا كافرٌ بالقرآن! لا نقول يَلزمُه قتل، لكن يَلزَمُه أن يُوضَعَ بالكُتَّاب ليقرأ ألف وباء للقرآن والإسلام، وإذا به يجعل نفسه أمير المؤمنين وأبا بكرٍ وعمر، فهل يمكن لهؤلاء أن يُحققوا نصراً أو يجعلوا للإسلام كرامةً وعزة؟ مستحيل يا بنيّ.

المقصود من نصر الله والفتح
نعود إلى التفسير من البداية، (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، فالمقصود من نصر الله والفتح فتح مكة والانتصار على كفار قريش وعَبَدَة الأوثان، فهذه نعمةٌ من أجَلِّ النعم التي تفضَّل الله بها على نبيه في حياته لأن كل العرب كانوا يقولون إذا تغلَّب محمدٌ على قريشٍ ندخل في الإسلام، وكانوا يعتقدون أن محمداً لا يستطيع أن يتغلَّب على مكة لأن الحبشة لما أرادوا هدم الكعبة ويغلبوا قريشاً أهلكهم الله بالطير الأبابيل، فلما رأوه فتَحَها وانتصر عليهم قالوا: إنه لنبيٌّ حقاً، فدخلوا في دين الله أفواجاً، فعبَّرَ الله عن هذا الواقع بقوله: (إِذَا جَاءَ) وقد جاء (نَصْرُ اللَّهِ) على قريشٍ (وَالْفَتْحُ) فتحُ مكة تَحقَّق، (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) وأنت خُلِقتَ وأُرسِلتَ وكُلِّفتَ بتحقيق هذه الغاية الربانيّة السماويّة، فإذاً قد انتهت مهمتك وأدَّيت الأمانة وبلَّغتَ الرسالة فتهيأ لتأخذ أجرتك وتستقبل الذي أرسلك ليُعْظِمَ مُكافأتك.

التسبيح هو التنزيه
فإذا رأيته فودِّع الحياة والأصحاب والأحباب (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) في معركة بدرٍ من كثرة دعائه صلَّى الله عليه وسلَّم ومناجاته ربَّه أن ينصره كان يقول:

{ اللَّهُمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذه العِصابةَ من أهلِ الإسلامِ؛ فلا تُعبَدْ في الأرضِ أبدًا }

[صحيح مسلم]

وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
[سورة الروم]

قال استغفر ربك من ذلك الدعاء، هل يَعدِكَ الله بالنصر ويُخلِفُ ما وَعَد؟ (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)، في مِثل معركة الأحزاب:

هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
[سورة الأحزاب]

وقعت الشكوك.. وهذا شأن الإنسان الضعيف في نفوس الكثير من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك) فالتسبيح هو التنزيه ويُطلقُ أيضاً على الصلاة، فسبِّح حامداً لربك على ما أنعم من نصره والفتح وإنجاز ما وَعَد، (وَاسْتَغْفِرْهُ)وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ إنِّي لَأستَغفِرُ اللهَ كُلَّ يَومٍ ولَيْلةٍ مِئَةَ مَرَّةٍ }

[أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد]

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
[سورة غافر]

ما هو ذنب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ليست ذنوب الجَهَلةِ والفَسَقَة، كان إذا تَرك الأكملَ إلى الكامل يعتبرُ عليه مؤاخذةً وذنباً، (إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).

نزول سورة النصر في حجة الوداع
نزلت هذه السورة على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في حَجَّة الوداع وفي مِنى وقبل وفاته بمقدار ثمانين يوماً، ولذلك تُسمَّى سورة الوداع والتوديع، يعني أدَّيتَ الواجب وبلَّغت الرسالة وأدَّيتَ الأمانة فاستعدَّ للقائنا لتنزل المقام المحمود الذي أعدَّهُ الله لك، فلما نزلت قال له العباس وقد بكى: لقد نعِيَت إليك نفسك يا رسول الله! يعني شعر أن هذا خطابٌ من الله أن المهمَّة انتهت وتعِبتَ كثيراً فتجب الراحة الآن والرجوع لملك الملوك ليُعطيَكَ ما وعدك مِنْ مُكافأةٍ على تبليغ الرسالة وتبليغ الأمة، قال: لقد نعيت إليك نفسك، قال: إنه لك ما تقول يا عباس، نعيت إلي نفسي، ورجع للمدينة وخطب خطبته فقال فيها:

{ إنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذلكَ العَبْدُ ما عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَكَى أبو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ: أنْ يُخْبِرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَبْدٍ خُيِّرَ، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو المُخَيَّرَ، وكانَ أبو بَكْرٍ أعْلَمَنَا، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ مِن أمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبَا بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غيرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ إلَّا بَابَ أبِي بَكْرٍ }

[صحيح البخاري]

إن عبداً خيَّره الله عزَّ وجلَّ بين البقاء في الدنيا يعني الخلود فيها وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه على الخلود في الدنيا، فصار الصحابة يقولون: من هو هذا العبد؟ فلم يعرفوا مُراد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولكن أبا بكرٍ أجْهَشَ بالبكاء، وصار يقول: فداك آباؤنا وأمهاتنا وأبناؤنا وأموالنا يا رسول الله، فَهِمَ سيدنا أبو بكر رضي الله عنه أن المُخيَّرَ هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

آيات تنعي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
ثم نزل بعد ذلك قوله تعالى:

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)
[سورة التوبة]

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) قبل وفاته بخمسٍ وثلاثين يوماً، يعني يعزُّ عليه أن تهلكوا وأن تقعوا في المشاق، (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) على هدايتكم (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقبل وفاته نزلت أيضاً وهي آخر ما نزل:

وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
[سورة البقرة]

إلى آخر الآية، فلما استدعى فاطمة أيضاً وقال لها:

{ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قال: لَمَّا نزَلَتْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} دعا رسولُ اللهِ فاطمةَ فقال إنَّه قد نُعِيَتْ إليَّ نَفْسي فبكَتْ فقال لا تبكي فإنَّكِ لَأوَّلُ أهلي لاحقٌ بي فضحِكَتْ فرآها بعضُ أزواجِ النَّبيِّ فقالت لها رأَيْناكِ بكَيْتِ ثمَّ ضحِكْتِ فقالت إنَّه قال لي نُعِيَتْ إليَّ نَفْسي فبكَيْتُ فقال لا تبكي فإنَّك أوَّلُ أهلي لاحقٌ بي فضحِكْتُ }

[سنن الترمذي]

(قد نُعِيَتْ إليَّ نَفْسي)، يعني أُخبِرتُ بقُرب انتهاء أجلي، فبكت فاطمة رضي الله عنها، فقال لها: (فإنَّك أوَّلُ أهلي لاحقٌ بي)، أول شخصٍ من أهلي سينتقلُ بعدي هو أنت، وإنك لسيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران، قالت: فضحكتُ.

النصر يكون بفتح القلوب
فمن مجموع معاني هذه السورة هذا ما وقعَ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فما حظُّنا نحن من فهم هذه السورة؟ فهل يا تُرى كُلُّ مسلمٍ منا ومسلمةٍ حقَّقَ نصر الله ونشرَ دينه بالدعوة إليه بهداية الضَّالين وتعليم الجاهلين وتذكير وصحوَة الغافلين، لأن النصر يأتي بالدعاء؟ اللَّهم واللَّهم انصر الإسلام واهزم الكفار والمشركين؟ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هل كَسِبَ النصر بالدعاء والأماني؟

لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
[سورة النساء]

لذلك يجب أن نفهم من السُّورة أن نعمل على نصر الإسلام وفتحِ القلوب وإزالة الطرق أمام تقدُّم الإسلام وبالمنهاج المحمدي القرآني، أولاً:

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
[سورة الأنفال]

وأول قوةٍ أعَدَّها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأعَدَّها الله له:

{ أدَّبَني ربِّي فأحسنَ تأديبي (5) }

[ضعيف الجامع للألباني]


إحياء سنة الخلوة
اختاره وجذَبَه للخلوة به في غار حراء، فكان يخلو مقدار خمس سنوات، كل عشرة أيامٍ وعشرين يوماً متوالية، فهل أحيا المسلم هذه السُّنة ليحيا قلبه ويتقَبَّل التيَّار والقوَّة الإلهية على فتح القلوب لنور الله وفتح العقول لفهمِ كتاب الله، كيف نفهمه حسب وقتنا وساعتنا التي نعيشها؟ فإذا جاء نصر الله هل جاء والنبي قاعدٌ أو لا يستعمل إلا الدعاء ودلائل الخيرات؟ دلائل الخيرات والدعاء مطلوب، لكن لو بَقَيْتَ مئة سنةٍ وأنت تدعو اللهم ارزقني ولم تُهيِّئ أسباب مجيء الولد بالزواج فهل يستجيب ربُّك دعاءك؟ فإذا طلبت النصر ولم تُهيِّئ أسبابه وطلبت هداية الخلق ولم تتهيأ لتكون داعياً إلى الله ومُزَكَّياً وتعلمت الكتاب لا قراءة ألفاظه ولا تجويد النطق بحروفه ولا التغنِّي بموسيقاه، يا تُرى هل أُنزِلَ هذا القرآن لهذا المعنى فقط؟

مسؤولية المسلم في تحقيق سورة النصر
لذلك على كُلِّ واحدٍ منا مسؤوليةٌ عظمى أن يُحقق هذه الآية وينقُلها من حبرٍ أسودٍ على ورقٍ أبيضٍ إلى فهمٍ في العقل والفكر ونورٍ في القلب والروح وعملٍ في الدعوة لله وبالحكمة والموعظة الحَسَنة حسب تعاليم القرآن وسنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكما قلت لكم الناس كلُّهم بخير.. خالد بكداش كان إذا مرَّ من أمام المسجد ورآني -وكنا نسكن في دار القرآن- كان لا يُلقي السلام عليَّ، بعد ذلك هَجَمتُ عليه وصافحته وأدخلتُه المسجد القديم هنا، كان لديَّ غرفةٌ فيه، أجلَستُه ساعتين ونصف وأنا أبيُّنُ له ما يقتضيه الحال، وبعد ذلك صار يزورني وأزوره، في أكثرَ من مجلسٍ كان يقول الإسلام الذي أسمعه منك أضعُه على رأسي، فلا يوجد إنسانٌ في الوجود.. العالم كم مليار؟ خمسة، هل يستطيع واحدٌ من هؤلاء الخمسة مليارات أن يُلحِدَ ببياض هذا الثوب؟ يعني أن يُلحد بالحقيقة؟ لا يمكن، فهل يمكن أن يُلحد أحد أن هذه العمامَة بطيخة وليست بعَمامَة؟

العرض الحقيقي للإسلام
لذلك لو عُرِضَ الإسلام العَرْضَ الحقيقي بحكمته وبما يُحقق السعادة وما هو غذاء العقل والروح والنفس وبما يُحقق النصر والوحدة والأنس ووحدة العالم لا وحدة العرب، أول ما بدأ الإسلام بوحدة الأسرة والعرب، ثم ضمَّ إليهم العَجَم فصاروا أمةً واحدةً وشعباً واحداً وعائلةً وجسداً واحداً، ثم ضمَّ شعوباً وشعوباً حتى وحَّدَ نصف العالم القديم وبأقلَّ مِن مئةِ سنة، وبالوسائل البدائية على أقدامهم وحُفاةَ وعلى حدِّ السيوف واستقبلوا بصدورهم رؤوس الرماح مِنهُم من أكلته الطيور والسِّباع ومنهم من أكلته حيتان البحار.
زرت القَثَم بن العباس وقبرُه على حدود الصين، ما الذي أرسله إلى حدود الصين؟ هل ذهب في عطلةٍ صيفيةٍ أو لسياحة؟ أم حِرَام الصحابية قبرها إلى الآن في جزيرة قبرص، فهذا هو الإسلام لما كان مدرسةَ العرب ولما صار مدرسةَ المسلمين، نبشوا علوم الدين ولا يوجد حاجة، نبشوا علوم الدنيا، لم يتركوا عِلماً في أمةٍ من الأمم أو كتاباً من علوم الدنيا في مكتبةٍ من المكاتب إلا ترجموها حتى كانوا أرقى شعوب الأرض في التكنولوجيا وعلوم الحياة وحققوا قوله تعالى:

﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[سورة البقرة]


نروي أعمال السابقين للاقتداء بهم
لذلك أن نرويَ أعمالهم للتلذذ والتسلِّي هذا حرامٌ يا بنيّ، نروي أعمالهم لنعمَلَ بها، نقرأ القرآن لتهضِمَهُ العقول والقلوب ليتحوَّل إلى أعمالٍ ونُحقق كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ (6) }

[أخرجه أحمد]

ولنرى:

وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
[سورة الروم]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
[سورة الروم]

فَرَضَ الله على نفسه وأوجَبَ نصرَ المؤمنين، فهل أنت من المؤمنين؟ الدليل على أنك لست صادقاً أين النصر والفتح؟ لذلك يا بنيّ سنشمِّرُ وحسب القرآن مع فرعون الطاغية الذي يُعلِنُ أمام الدنيا أنه الإله الأكبر، ومع ذلك ماذا أدَّب الله الدَّاعي لفرعون؟ قال:

فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)
[سورة طه]

خاطب النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) فأصحاب الحركات الإسلامية هل قرؤوا القرآن؟ وإذا قرؤوه هل فهموه وهل هضمته عقولهم وهل تمثَّلَ فيهم أعمالاً وسلوكاً ليأتي نصر الله والفتح؟ خالَفُوا القرآن وعَصَوْهُ وجَهِلُوه ويدَّعُون أنهم يُريدون أن يكونوا علماء القرآن:
تَرجُو النجاةَ ولم تَسلُكْ مسالِكَها إن السَّفينةَ لا تَجري على اليَبَسِ
{ أبو العتاهية }

حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم خلال الدعوة
فهل أنتم مستعدون لتؤمنوا بسورة النصر والفتح؟ كيف؟ هل تتقبَّلون عطاء الله الكوثر وهو القرآن بما فيه؟ القرآن تتقبَّلون وَرَقَه وتجلِيدَهُ وتذهِيبَهُ، مُذَهَّبٌ ومُفضَّض، ستتقبَّلُون أوامره بالامتثال ووصاياه بالعمل وأخلاقه بالأخلاق والدعوة إليه بالدعوة وبحسب أدب القرآن، والله يا بنيّ الناس كُلُّهم بخير.. النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لَقِيَ بعض العناء لأن المجتمع كُلُّه وثنيٌّ وجاهليٌّ وأمي، فمن حكمته وحكمة القرآن والوحي لما كان حول الكعبة قبل فتحها كم صنماً كان موجوداً؟ ثلاثمئة وستون صنماً، يا ترى هذا وجوده حول الكعبة معروفٌ أم منكر؟ منكر، لماذا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُزِله؟ يا تُرى صلاة العشاء فرضٌ أم لا؟ لماذا لا تُصلُّون العشاء الآن؟ لأن وقتها لم يدخل ولم يأن أوانها، فالنبي كذلك طافَ حول الكعبة بأصنامها، كم سنة؟ الوحي حتى الهجرة ثلاث عشرة سنة وهو يطوفُ بالكعبة وأصنامها، فهل بَصَقَ على صنمٍ في يوم من الأيام؟ يعني هذا أضعف الإيمان! ولكن كان يعمل على قَلْعِ الأصنام من العقول والقلوب، ولكن بعد أن دخلها فاتحاً وفي أول طوافِه وبالعصا كلما أتى إلى صنمٍ يدفعُهُ فيكسِرُه ويُحطِّمُه ويقول:

وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)
[سورة الإسراء]


لكل شيءٍ له وقته
الصلاة لها وقتها يا بنيّ، الصوم له وقته والحج له وقته، إزالة المنكر له وقته وأدبه وأركانه:

{ مَن أمرَ بمعرُوفٍ ، فليكُنْ أمرُهُ بمَعرُوفٍ }

[ضعيف الجامع للألباني]

يجبُ أن تعرِفَ الزمان والمكان والإمكان في أداء الواجب وإزالة المُنكر، فالنَّصرُ والفتح لا يأتي بالحَمَقِ والهَوَج، يأتي عن طريق العِلم والحِكمَة والمِنهاج الإلهي، فإذا جاء نصر الله والفتح(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)، فصار العرب من الطائف واليمن وكُلِّ قبائل العرب بعظمائها وزعمائها تأتي إليه من غير أن يستدعيهم فيُعلنُون إسلامهم وأنهم جنودٌ تحت راية الإسلام فجنَّدَهُم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في مرض موته صلَّى الله عليه وسلَّم ووفاته الشريفة لتحرير بلاد الشام بعد ما حرر جنوب الجزيرة العربية ووسطها لأن الإسلام هو دين التحرير والعِلْمِ والتعليم.

قيام أسرى بدر بتعليم أطفال المدينة الكتابة
أسرى بدرٍ الذين عجزوا عن أداء الفدية المالية فَرَضَ على كُلِّ واحدٍ منهم أن يُعلِّمَ عشرة أطفالٍ من أطفال الصحابة، بدأ بالتعليم ونقل العرب من الأميَّة إلى القراءة والكتابة، وجيش أسامة كان عمر القائد لا يتجاوز ثمانية عشر سنة، وفي الجيش من الجنود أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فأيُّ تربيةٍ وتزكيَةٍ للنفوس وأيُّ محقٍ للأنا ليحُلَّ محل الأنا: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.

الأدب والفقه والفَهم في امتثال أوامر المُعلِّم
لا تفكير في إمارة ولا رئاسة ولا غِنى ولا ثروة ولا مَدْح، وتوفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبُويِعَ أبو بكرٍ للخلافة وأراد أبو بكر أن يستبقِيَ عمر عنده ليُعينَهُ فقال لأسامة: أتأذن لي؟ أنت صرت الإمبراطور وخليفة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم! ما هذا الأدب والفقه والفَهم في امتثال أوامر المُعلِّم الذي يُعلِّمُ الكتاب والحكمة ويُزكِّي النفوس؟ أتأذن لي أن أستبقِي عمر عندي؟ إلى آخره.. فالنصر يا بنيّ لا يكون بالتمنِّي بل بالمنهاج النبوي: أولاً: التعليم: تعليم القرآن، إذا قرأنا سورة يوسف فسورة يوسف هذه سورة الحاسِدين وسورة المحسودين، كيف تكون نتيجة الحاسِد والمحسودين، نتيجة المُستقيمين ونتيجة المُنحرفين، كيف كانت نهايتهم المنحرفين:

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
[سورة يوسف]

هذا هو فِقْهُ السورة.

أعلى درجات الجهاد
فالقرآن يا بنيّ كُلُّ كلمةٍ منه كنزٌ من كنوز السعادة، كُلُّ آيةٍ وسورة، فالنصر هل تريدونه؟ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ ليس عدوُّكَ الذي يقتُلُك فيُدخِلَك اللهُ به الجنةَ وإن قتَلتَه كان لك نورًا ولكنَّ أعدى الأعداءِ لك نفسُك التي بين جنبَيكَ (7) }

[كشف الخفاء للعجلوني]

أن تنتصر على الأنا ومطامِعِكَ التي لا يرضى بها الله، أن تنتصر على غَضَبِكَ إذا استشاطت واشتعلت نيرانه، وتنتصر على عجبك وغرورك بنفسك، وعلى دنياك وثروتك، فإذا انتصرت على نفسك وهو الجهاد الأكبر تنتقل إلى الجهاد الكبير الذي يليه وهو قوله تعالى:

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
[سورة الفرقان]

جهاد الدعوة والتعليم والأمر والنهي بالحكمة والموعظة الحَسَنة، جهاد العدو المُحارِب هذا أدنى درجات الجهاد في الإسلام وسمَّاه ليس الجهاد الصغير، بل جعله في المرتبة الرابعة الجهاد الأصغر، أما أولُ مراحل الجهاد جهاد النفس، والثاني هداية الخلق وتعليمهم تحقيقاً لقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ألا أخبِرُكم عن الأجوَدِ الأجوَدِ؟ اللهُ الأجوَدُ الأجوَدُ، وأنا أجودُ ولدِ آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علَّم عِلمًا، فنشَر عِلمَه يُبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً واحدةً }

[الترغيب والترهيب]

(ألا أخبِرُكم عن الأجوَدِ الأجوَدِ؟ اللهُ الأجوَدُ الأجوَدُ، وأنا) يعني النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (وأنا أجودُ ولدِ آدمَ وأجوَدُهم من بعدي) بعد مقام النبوة ((رجلٌ)) يعني إنسانٌ ولو امرأة (علَّم عِلمًا، فنشَر عِلمَه يُبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً واحدةً)(8)، هذا ليس بمنزلة رجلٍ أو اثنين أو عشرة، بمنزلة أمة! وسماه جهاداً.

جهاد النفس والتعليم والدعوة
فإذا جاء نصر الله، فهل يأتي نصر الله بالقعود أم بالجهاد؟ فهل أنتم مستعدون للجهاد؟ أي جهاد؟ الجهاد الأكبر أن تُجاهدوا أنفسكم والجهاد الكبير أن تُعلِّمُوا الجاهلين وتأمروا بالمعروف ولكن بمعروف، وتنهوا عن المُنكر ولكن بالحكمة والموعظة الحَسَنة، وأن نُعطي للحاكم حقَّه من الاحترام والتقدير، فلا ننظر إلى السيئة وننسى عشرات الحسنات، لولا الدولة والحكومة ألن تستولي إسرائيل على كُلِّ البلاد؟ فأنت الذي تدّعي أنك شيخٌ أو داعية ماذا تفعل بهذا الموضوع؟ المخابرات التي تدخل في إسرائيل لتتعلَّم وتعلم وتكشف عن قواها وقواتها حتى نستعدّ، هذا أيُّ عملٍ في الإسلام؟ الصحة وتعبيد الطرقات هذا كله تقوم به الحكومة عِلماً وعمَلاً وتطبيقاً، فأنت فوراً تُهاجم الحاكم؟ هاجِم نفسك أولاً وامشِ على حسب مراحل الجهاد، هل جاهدتَ نفسك؟ هل أصبحت مسلماً مُستسلِماً لأوامر الله ظاهراً وباطناً؟ هل قُمتَ بالجهاد الكبير لتصل إلى المرحلة الأخيرة؟

تحقيق نصر الله في أنفسنا
(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) هل أنتم مُستعدُّون لتحققوا نصر الله في أنفسكم وتعليم الآخرين؟ جهاد العدو هذا أمرٌ مرتبطٌ بشؤون الحكومات والدول، والحاكم إذا رأيناه موفَّقَاً ندعو له بزيادة التوفيق وإذا رأيناه أخطأ ندعو الله أن يُجنِّبَهُ الخطأ ويُلهِمَهُ الصواب، وإذا استطعنا أن ننصح بالحكمة والموعظة الحَسَنة فهذا نورٌ على نور، وإذا لم نستطع ندعو الله عزَّ وجلَّ، (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) إذاً كلُّ واحدٍ مِنَّا عليه جهادٌ حسب استعداده، جاهد في نفسِك وانتصر على نفسك وأهل بيتك لا بالعصا والفظاظة:

{ خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ ، وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي (9) }

[سنن ابن ماجه]

{ مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا (10) }

[صحيح البخاري]

هذه وصيَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فعند ذلك إذا مشيت على الخطة تنتصر على نفسك فجاء نصر الله في نفسك، في أهلك يصيرون مؤمنين فجاء نصر الله في أهلك، مع أصدقائك جاهد الجهاد الكبير بالدعوة إلى الله بالأسلوب الإلهي بالحكمة والموعظة الحَسَنة رفيقك بالسهرة والسيران وفي السيارة.

تحقيق أوصاف المؤمنين
الله وصف المؤمنين بأنهم:

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
[سورة المؤمنون]

يا تُرى السهرة التي تسهرُها مع رفاقك وأهلك هل هي سهرةُ لغوٍ أم سهرةٌ يرضاها الله ورسوله؟ هل هي:

لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)
[سورة النساء]

(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ) ما هي النجوى؟ الاجتماع في السهرة والسيران والنادي (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) هذا أدبُ الاجتماع واللقاءات، فهل فعلتَ حتى تُحقق نصر الله في نفسك وأهلك ومجالسك وسهراتك؟ وهكذا حسب المُستَطاع، فإذا أتيت بالأسباب فلا تتخلَّفُ عنها مُسبباتها، إذا أشعلت الكهرباء هرَبَ الظلام لأن الظلام سبب هَرَبِهِ وجود النور، إذا وُجِدَ الجُوع فما الذي يُذهبه؟ الطعام، فإذا استعملت الطعام سبب النصر على الجوع تنتصر، وإذا دعوت اللهم أشبعني والأكل أمامك هل يستجيب الله دعاءك؟ فهل أنتم مستعدون لتحققوا هذه الآية؟ تنتصرُ على أنفسك، نظرُكَ إذا نظرت لحرامٍ أو أذنك إذا استمعت لحرامٍ أو تناولت يَدُكَ الحرام أو تفعل الحرام هل تستطيع أن تنتصر عليها وتقول (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)؟

قدوم الوفود ودخولها في الإسلام
وهكذا النصر له مئات المراتب، فالمعركة التي أنت فيها مطالبٌ أن تُجاهد لتُحقق نصر الله، فإذا جاهدت ينصرك الله على النفس وعلى الآخرين، ويفتحُ الله عليك ويُلهِمُكَ من النُّصح والحكمة والكلام الذي تتفتَّحُ له القلوب ما كُنت تجهله قبل ذلك المجلس إذا كنت ذاكراً لله مخلصاً له لا تريد إلا مرضاة الله، وعند ذلك إذا مشيتَ على هذا الخط (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) جماعات وجماعات كما حصل مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، صارت تأتيه وفودٌ من كل البلاد العربية بلا معركة مؤمنين ومسلمين ومجاهدين، فعند ذلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ).
(اللَّهُمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذه العِصابةَ من أهلِ الإسلامِ؛ فلا تُعبَدْ في الأرضِ أبدًا) هل يُخلِف الله؟ لكن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بشر، يدعو حتى سقطَ رداؤه، فقال له سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: كفى يا رسول الله لن يخذُلَك ربك، لا تخف، لكن الإنسان يا بنيّ:

يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)
[سورة النساء]

صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا رأيت تحقيقَ وَعْدِ الله وأنت أديتَ ما فَرَضَ الله وأوجَبَهُ فسبِّح عند ذلك صلٍّ ونزِّه الله عن أن يُخلِفَ وَعْدَه، وأن لا ينصر من نصره، (وَاسْتَغْفِرْهُ) إذا حصل معك شيءٌ على خلاف ما ينبغي (إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).

أسباب تأخر النصر والفتح
ما ذنب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ هذا الذي سُجِّلَ عليه مثل قوله تعالى:

عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
[سورة التوبة]

إلى آخره.. (وَاسْتَغْفِرْهُ) فإذا نزَّهتَ عقيدتك عن كُلِّ ما ينبغي، وَعْدَ الله، إذا تخلَّفَ فالخُلفُ منك لأنك لم تؤدِّ شروط الوفاء بالوعد، وإذا تأخَّر الفتح فالتقصير منك لا من الله، فإذا استغفرت الاستغفار الحقيقي فتركت الخطأ إلى الصواب والجهل إلى العِلم والفوضى إلى الحِكمة ينصرك ويفتحُ عليك، واستغفر ذنبك من سوء ظنِّكَ أو خطأ فهمِكَ عن الله عزَّ وجلَّ، فوفقنا الله عزَّ وجلَّ بفضله وإحسانه لفهمِ قرآنه، وطهَّرَ قلوبنا لتدخل فيها روح القرآن ونوره، ويدخل في عقولنا فهم القرآن، وزيَّنَ جوارحنا وحياتنا بتنفيذ أحكام القرآن، ونكون الأجود الذي تعلَّم عِلماً فعلَّمَه، هل أنتم مستعدون لتحصيل شهادة الأجود؟ الأفضل التي قالها النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قاموس النبوة وأخذها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وسعد رضي الله عنهم أم البكلوريا والليسانس والماجيستير والدكتوراه أعظم؟ أريد أن أُثقِّفَ ابني ليأخذ البكلوريا شيءٌ جيد، الإسلام لم ينهَ عن العِلم بل حضَّ عليه، لكن ضِفْ عليه أيضاً أريد أن أجعل ابني الأجود، هذه الشهادة النبوية والقرآنية ألا يجب أن نحصل عليها؟

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
[سورة التوبة]

بالفتح والنصر، جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسَنه، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

ضيوف من إندونيسيا
الآن ضمَّ مجلسكم بعض إخواننا المؤمنين والمسلمين من إندونيسيا: الدكتور فؤاد محمد فخر الدين والأستاذ عثمانيين، من بنغلادش محمد عتيق الحق، فأهلاً وسهلاً، من السنغال: الداعية الشيخ أبو بكر عثمان، والشيخ محمود قد يُلقي كلمةً لكن نرجو أن لا تطول لأننا قد تجاوزنا الوقت، فأهلاً وسهلاً.

كلمة الشيخ محمود:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
[سورة الفاتحة]

والصلاة والسلام على سيد المُرسلين، سيد الكونين، اللَّهم صلِّ على سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، السلام عليكم إخوة الإسلام، السلام عليكم يا مولانا ويا مُفتينا العام، السلام عليكم، السلام عليكم يا معلَّم ويا مُربي، نحن اليوم عباد الله في بيت الله، نُضغي إلى رجلٍ من رجال الله وهذا نعمة من عند الله، وقبل كُلِّ شيءٍ قال تعالى:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
[سورة الحجرات]

إخوة في العقيدة والإنسانية، فنحن ضيوف سوريا، وسوف يتكلم الأخ من إندونيسيا وبنغلاديش نحن ضيوفٌ بصفة فقط تسمية، لكن أي مسلم يحلُّ في دار مسلمٍ فهو في وطنه، فلله الحمد وصلنا إلى بلادكم العزيزة، وقبل كُلِّ شيءٍ نحيي رئيس الجمهورية هذه البلاد، ونرجو له التوفيق ولشعبِه وعلمائه، ونرجو لهذا الشعب أن يُوفَّقَ وأن يُواصل كفاحه الذي يُشرِّفُ الإسلام والمسلمين والأرض كلها، فنحن قدر الله أن كنا موظفين لدى الدولة إلى أن وصلنا منصب السفير، وقد زرنا عدة مرات سوريا والدول العربية، كنت سفيراً في القاهرة وفي ليبيا وقائمٍ بالأعمال في الكويت، وكنت أتردَّدُ إلى هنا عندما نبعث البعثات الطلابية التي أن تخرجت من جامعات سوريا كثيراً، سماحة الشيخ في ليبيا عندما كان يُمثِلُ سوريا في مجمع الصوفي الأعلى، وكان آيةً من آيات الله في الكلمة التي ألقاها أمام خمسمئةٍ من المدعوين من المتفرجين أو الشاهدين، وكنت مرافقاً لخالي وشيخي ومربيي الشيخ ملتقى وتآخى وتآلف معه وجرى مع الأخ الدكتور محمود ومع الأخ غسان الرسائل التي وصلته تقول: سنرسل إليكم طلاباً يواصلون الدراسة في هذا المجمع النوري الإسلامي.
إن الشيخ ملتقى يسلِّمُ عليكم والشيخ عبد العزيز سي وحسين صالح مكي من المرُيدين وأهل يس من شيخ عبد الله يس وأهل الصوفية كلهم يعرفون ما يجري في سوريا من حكمة التصرف من طرفكم، وحمَّلوني التحية لكم ولرئيسكم ولشعبكم أن يوفقكم الله، والدعاء سلاح المؤمن وأوقى ما عندنا هو الدعاء كما جاء في الحديث الشريف، ووصولنا إلى هنا كان لما دخلتُ أنزلوني في المجمع، وكنت في فندق، وأقول: عندما دخل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة قال عن الناقة: دعوها فإنها مأمورة، فإني جلستُ إلى هذا المكان المبروك، وكنت بين الكتب والعلماء والطلاب، وأبناؤنا السنغاليون ومن بوركينا فاسو ومن إفريقيا كلها ومن مالي، ونحييكم ونشكركم على استقبال إخوانكم.

الحواشي
(1) صحيح مسلم، رقم: (2965).
(2) شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (6188)، (9/12)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/53)، الدعاء للطبراني، رقم: (1048)، (1/319).
(3) إتحاف الخيرة المهرة، رقم : 40/5.
(4) سنن الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب /، رقم: (2499)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد: باب ذكر التوبة (2/ 1420) ورقم (4251). واللفظ: عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».
(5) ضعيف الجامع، (72).
(6) أخرجه أحمد ، رقم: (16957).
(7) كشف الخفاء للعجلوني، رقم: (13510)، (2/222)، الزهد الكبير للبيهقي، رقم: (343)، (ص: 156)، الفردوس للديلمي، عن أبي مالك الأشعري، رقم: (5248)، (3/408).
(8) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176)، بلفظ: «ألا أخبركم عن الأجود الأجود؟ الله الأجود الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علما، فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة واحدة، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل».
(9) سنن ابن ماجه، كتاب النِّكاح، باب حسن معاشرة النِّساء، رقم: (1977). وسنن الترمذي، أبواب المناقب، باب في فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: (3895).
(10) صحيح البخاري، رقم 5185.