تفسير سورة الإخلاص

  • 1996-09-20

تفسير سورة الإخلاص

الحمد لله رب العالمين، وأعطر التحيات وأزكى الصّلوات الطيبات المباركات على سيِّدنا مُحمَّد خاتم النبيين والمرسلين، والمبعوث رحمةً للعالمين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى، وجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كلٍّ وصحبِ كُلٍّ أجمعين، وبعد:


فضل سورة الإخلاص
فنحن الآن في تفسير سورة :

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
[سورة الإخلاص]

وتسمى سورة الإخلاص وكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في شأنها بأنها تَعدِلُ ثلث القرآن الكريم، وفي روايةٍ تَعدِلُ نصف القرآن الكريم، والمقصود من هذا التقييم والتقدير في هذه السورة بيانُ أن ثلث أو نصف القرآن الكريم قائمٌ على ذِكْرِ وإثباتِ وبيانِ وحدانية الله عزَّ وجلَّ، لذلك في حديثٍ آخر سورة الزلزلة تَعدِلُ نصف القرآن الكريم لأن سورة الزلزلة تتعلق بالآخرة وبالحساب بمواقف القيامة بحاكمة الإنسان بين يدي ربه، بمصيره الأبدي الخالد إما النعيم السرمدي وإما العذاب الأبدي فيكاد نصف القرآن الكريم يدور حول هذا المحور، وكذلك ثلث القرآن الكريم يدور حول وحدانية الله عزَّ وجلَّ وصفاته.

يتحقق فضل سورة الإخلاص بفهم معناها
ففهم النَّاس عبر قرونٍ مَضَتْ بأنك حتَّى إذا قرأت هذه السورة بألفاظها من غير أن تفهم هدف الحديث النبوي فكأنك قرأت ثلث القرآن الكريم، وكذلك المسلم يقرأ القرآن كُلَّه لا يقصد من قراءته الهدفَ من تلاوته، كمن يشتري سيارةً ولا يستعملها ولكن دائماً يذكرها ويذكر مقاعدها سرعتها نوعها ثمنها، أما أن يستعملها ويُسخِّرها للعمل فليس في فكره واستعماله، أو كمن يتزوج زوجةً وتكون ملكة الجمال فلا ينتفعُ منها لا بالولد ولا بخدمةٍ ولا بعملٍ بيتي، ولكن أينما وُجِدَ يذكر اسمها ونسبها وطولها وعرضها؛ طيب هذا ماذا يُنتِج وماذا يُثمِر؟ فمن يراه ويرى ويعلم الحقيقة يهزأُ به ويعتبره إما فاقد العقل أو التوفيق.

ضرورة تدبُّر آيات القرآن الكريم
وهكذا كثيرٌ من المسلمين في قراءتهم للقرآن كلاً أو بعضاً لا يقصدون الفهم للعمل، ولا يقصدون التقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ بامتثال أوامر الله، القرآن الكريم تَبَلُّغُ أوامر الله لتُنَفِّذَها وتعمل بها، تَبَلُّغُ وصايا الله عزَّ وجلَّ لتتخلَّقَ بها وتنقلها من كلماتٍ إلى أعمالٍ وأخلاقٍ وصفات.. وهذه الأمور تحتاج إلى قلبٍ حيٍّ لله، حيٍّ بذكره، وإلى عقلٍ يستعمل للفهم والإدراك لمعاني كلام الله، وكلا الحالين لا يُنالان إلا بالصحبة؛ بصحبة الوارث المُحمَّدي الذي نيابة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
[سورة البقرة]

لا قراءة كلامه وألفاظه، يُعلِّمُهم معاني القرآن الكريم، حقائق القرآن الكريم، مُرَغِّبات القرآن الكريم ليعملَوا بها، ومُحذِّرات القرآن الكريم ليبتعدوا عنها.
المعلم الذي يُعلِّم النجارة لا يُعلِّم المتعلِّم ليأخذ الألفاظ ويكررها في محضرٍ من محاضر البناء، يلقي محاضرةً عن حفر الأساسات وأخرى عن الأعمدة وأخرى عن السقف، لكن من غير أن يُحضِرَ حفنة رملٍ أو اسمنت أو ما شابه.. لا يُفكِّرُ مطلقاً إلا أن يقرأ ما سَمِعَ أو كُتِبَ، وهذا ما يُريد الشيطان من الإنسان في قراءته للقرآن لا يريد أكثر من ذلك، ويكون الشيطان راضياً وممنوناً أن اقرأ لا لتفهم ولا لتعمل ولا لتُعلِّم ولا لتكون قدوةً للآخرين تُعلِّمُهم بأعمالك وسلوكك، تعلمهم بعيونهم لا بآذانهم فقط.

الله هو الواحد الأحد
فسورة الإخلاص تَعدِلُ ثلث القرآن، بسم الله الرحمن الرحيم: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، هكذا أنزلها جبريل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمرنا أن نقرأها حسب ما بُلِّغنَاها، فنقول: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، لا نترك قل ونقول الله أحد، لأننا يجب أن نقرأ ما أُنزل على النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فالله هو الإله بأسمائه الحسنى الخالق البارئ المصور الرزاق المُعطي المُحيي المُميت شديد العقاب ذي الطَّوْل والفَضْل العظيم، من هو الله؟ الله هو ما تدلُّ هذه الكلمة على هذه المعاني، فالله بهذه المعاني واحدٌ أحد، وإذا نظرنا فيما يتعلَّقُ بكلمة الله في القرآن الكريم، فكم من موضعٍ يقول القرآن:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
[سورة الأحزاب]

أن نقول ذهب؟ لا، الذهب أن تستفيد منه وتأكل وتشرب وتسكُن وتركب وتتاجر، أما ذهب ويُوضع في صندوق ويُغلق عليه! فوجوده وعدمه على حدٍّ سواء.

دروس وعبر من سورة يوسف
فالأزمة في تحقيق هذه الحقائق هو فقد المُعلِّم الذي يُعلِّمُ الكتاب والحكمة، والحكمة هي البُعد عن الوقوع في الأخطاء في الأقوال والأعمال، وهي مادة النجاح والتوفيق وتحقيق المآرب والمقاصِدْ الصحيحة، فإذاً المُعلِّم سيُعلِّم القرآن، يُعلِّمُك سورة يوسف بما فيها من مُرغِّبات ومُرهِّبات، المُرهِّبات: سلوك إخوة يوسف من الجهل والحسد والإيذاء وقطيعة الرحم وكيف كان مصيرهم في آخر السورة، أرادوا أن يؤذوا من يُريد الله أن يرفعه ويُذلِّوا من يريد الله أن يُعزَّه، فانتهى الأمر بأن دخلوا عليه وهم فقراء:

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
[سورة يوسف]

(يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ) كانوا يشترون الطعام ولا تتناسب القيمة مع المُشترى، (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) صاروا في الفقر وصار محسُودهم في الغنى والعز، وصار رَجُلَ الدولة، (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي) الشقيق بنيامين وإلى آخره..
سورة يوسف فيها ناحيةٌ أخرى: كيف وهو الشاب الجميل المملوك الأجير في بيت الحكم والدولة، وتُعرَضُ عليه محارم الله لا طالباً لها بل مطلوباً لها، ومع الإغراءات بكل أنواعها والتهديد بكل أشكاله، قال:

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)

سورة الشباب والحسد ومحكمة الله وحُكمُها ولو بعد حين.

الله يمهل ولا يهمل
عاقب إخوة يوسف على ما فعلوه من تَغرِيبه عن أبيه، عَقُّوا الأب وقطعوا الرحم وظلموا، لكن هل يغيب هذا عن محكمة الله؟ هل ينسى الله أو يُهمل؟ إن الله يُمهل الظالم ولا يُهمله - لا يتركه- إذا أخذه، عندما تدقُّ ساعة التنفيذ يُلقي القبض عليك ولو كنت في أسفل البحار أو فوق السحاب، إذا أخذه لا يُفلِتُه:

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)
[سورة إبراهيم]

من الخوف والرعب لا تتحرك عيونه بل تتجمَّد في مكانها، فالله عزَّ وجلَّ في سورة الإخلاص نجد معظم سور القرآن تُبيِّنُ صفات الله وقوانينه وأفعاله في الأمم السابقة، كيف كافأ الله المُحسِنَ وكيف عاقب المُسيء:

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]


الآلهية التي كانت تُعبدُ دون الله
كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من أشدِّ النَّاس خوفاً وخشيةً من الله عزَّ وجلَّ أن يُخالف أمره ليس بالمكروهات بل لو ترك الأحسن وفعل الحسن، فكان يعتبر نفسه مُؤاخذاً لأنه كان يرى أنه يجب عليه أن يعمل الأحسن بدل الحسن، والأفضل بدل الفاضل، فالله الذي ينبغي للإنسان أن يُحبه من كُلِّ قلبه ويَتَوَلَّهَ بعشقه وذِكْرِهِ وأن يُسارع إلى طاعته، من هو؟ العرب كانت لهم آلهةٌ متعددةٌ من الأحجار والأخشاب.. بل بعضهم من كان يصنع الصنم من العجوة أي التمر، في الصباح يُصلِّي ويركع ويسجد له وفي المساء يجوع فيأكله! فهل هذا إله! من هو الإله؟ هل الإله هو الذي يأكل ويشرب ثم يبُول ويتغوَّط وتخرج منه الروائح المعهودة؟

مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (75)
[سورة المائدة]

لم يكمل الله ما بعد الطعام لأنه معلوم، هل هذا يصلح للألوهية؟

وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
[سورة المائدة]


عبادة الهوى
فهذا الإله الذي من صفاته أنه يَعلَمُ ما تُسِرُّون.. مهما ما أخفيت في نفسك من خداعٍ للآخرين أو غشٍّ أو سوء نوايا أو أظهرت عملاً ليراه النَّاس صالحاً وتُريد غير ما تُظهِر: ما يسمى بالرياء، أو تعمل لا لتَكَسَبَ رضا الله بل ليسمع النَّاس بك فيمدحونك ويُثنون عليك، فبالحقيقة أنت لا تعبدُ الله بل تعبد أبغَضَ إلهٍ وُجِدَ في الأرض، كما ورد:

{ أبغض إله عبد في الأرض الهوى (1) }

[معجم الطبراني الكبير]

وما تهوى الأنفس.

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
[سورة الجاثية]

فإذا رأينا عابد الصنمِ نقول هذا اتخذ مع الله إلهً آخر، أو من عبد بوذا أو ألَّه المسيح أو كذا وكذا فنقول ما نقول.. فيا ترى هل أنت انتبهت أنك عبدٌ لغير الله؟ ورد في الحديث:

{ تعِس عبدُ الدينارِ ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ }

[صحيح البخاري]

(تَعِسَ عبد الدرهم) يعني لا وفقه الله، يقع في التعاسة والشقاء (تعِسَ عبد الدينار) تَعِسَ عبد البطن تَعِسَ عبد الفرج (تَعِسَ وانتكس)، سيلقى التعاسة لا السعادة وسيقع نكساً على عُنُقِهِ في آخر عمره، (وإذا شيكَ فلا انتقش)(2)، يعني إذا دخلت شوكةٌ بقدمه لا يبعث الله له رجلاً ليُخرجها، لأن الشوكة تُزال إذا تاب إلى الله وأنابَ وأبدَلَ السيئات بالحسنات، أما بالأماني أن ننال المنازل عند الله عزَّ وجلَّ و درجات الجنة فهذه أماني وغرورٌ وتغريرٌ من الشيطان:
تضع الذنوب على الذنوب وترتجي درج الجنان وطيب عيش العابد ونسيت أن الله أخرج آدمـــــــــاً منها إلى الدنيا بذنب واحــــــد
{ محمد بن كعب القرظي }
فوق بعضها البعض تكدسها، تملأ المستودع، فإذا امتلأ ذهبت للثاني.
قال له: لا تأكل من الشجرة، يعني ماذا سيحصل؟ هل ستخرَبُ الدنيا؟ سيكون هو المُشرِّع والإله الذي يفرضُ الفرائض ويُحرِّمُ المُحرَّمات، والله يحسِبُهُ بالكلية ليس له وجود، إبليس يقال أنه عَبَدَ الله خمسين ألف سنةٍ ولم يَعْصَهِ طرفة عين، عصى الله بترك سجدةٍ واحدة:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
[سورة البقرة]

إلى آخر الآيات:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
[سورة البقرة]

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)
[سورة الأعراف]


المساواة في الإسلام
مع الله عزَّ وجلَّ، إذا أمرك الله هل يوجد مجالٌ لتعترض وتُقدِّمَ عقلك الناقص اللا شيء على خالق الكون ومبدع نظامه وخالق مجرَّاته وشُموسه وأقماره بمداراتها وسرعاتها المحددة بثواني الثواني، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عاتبه الله في القرآن في أكثر من موضع، لما كان يدعو أشرافَ قريشٍ وأتى الأعمى ابن أم مكتوم وقال: يا رسول الله علِّمني، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهذا المنطق أنه كان مع عظماء النَّاس فهل سيتركهم لأجل إنسانٍ بسيط؟ سيصير ذلك سبباً لنُفرَتِهِم، فآثر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هِداية الكبار لأنه بهدايتهم يستجيب الصغار، فأعْرَضَ عن الأعمى الفقير، هذه حقوق الإنسان مهما كان شأنه ضعيفاً أو صغيراً، في الحال البرقية المستعجلة بالبريد المستعجل:

عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ (7)
[سورة عبس]

(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى) الأغنياء (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) تُقْبِلُ عليهم (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) أنت لست مسؤولاً عنهم أنت مسؤول عن البلاغ:

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
[سورة الكهف]

فحقوق الإنسان يتساوى فيها الغني والفقير والعظيم والحقير.

تذكُّر نعم الله عز وجل
فسورة الإخلاص يا تُرى هل أنت أيها المسلم وهل أنتِ أيتها المسلمة آمنتِ بهذه السورة؟ فهل ملأ قلبكِ وشعوركِ وإحساسكِ وحياتكِ بأن الإله الذي ينبغي أن يُراقب ويُطاع فلا يُعصى ويُذكر فلا يُنسى ويُشكر فلا يُجحد في كُلِّ لحظةٍ له عليك آلاف النعم، من يُحرِّكُ مُحرِّكَ قلبك ليُوزِّعَ الدم ويسقي كل خلاياً جسدك من الدماغ والأعصاب والشعر والعظم والعضل؟ من خلق الهواء وركَّبه لك من عدة غازاتٍ بمقادير محددة، لو زاد غازٌ عن غازٍ لاختنق العالم؟ صنع من هذا؟ صنع الدول! من حلَّى البحر ورفعه في الأجواء ماءً عذباً فُراتاً وساقه بالغَمام حتَّى سقى الأراضي فأنبتت فيها من كل زوجٍ بهيج؟ هل تستطيع الحكومات أن تعملَ مثل نهر النيل؟ نهر النيل من السماء والأمطار:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
[سورة الزمر]

وهكذا كل الأنهار، هذا صُنعُ الله الإله الخالق الحكيم العليم الرحيم.

الله عزَّ وجلَّ لا يخفى عليه شيء

تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
[سورة غافر]

(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ) الذي لا مثيل له (الْعَلِيمِ) بالسرِّ، أسرارك التي لا يطَّلع عليها أحد:

وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
[سورة طه]

السرُّ هو ما تعلَمه فتُخفيه والأخفى هو الذي لا تعلَمه لكن في المستقبل سيكون سراً من أسرارك، يعني يعلَمُ أسرارك الحالية والمستقبلية:

غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
[سورة غافر]

قابل التَّوب لمن يتوب وغافر لمن يستغفر، أما لمن يُصِرُّ ويستكبر ويتمادى ولا يُقْصِرْ ويضع الذنوب على الذنوب ويلتهي بالأماني ووساوس الشيطان بأن الله غفورٌ رحيم، فوراً، مثلما سألوا الشيطان عندما قالوا له: هل تحفظ شيئاً من القرآن؟ قال: معاذ الله! كتاب الله ولا أحفظ؟ فقالوا: أسمعنا ما تحفظ، فقال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)
[سورة النساء]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاة) صدق الله العظيم، فقالوا: أكمل (لَا تَقْرَبُوا الصَّلاة وَأَنْتُمْ سُكَارَى) قال: الله قال:

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)
[سورة المزمل]

يقول الله اقرؤوا الذي تيسَّر فهذا ما تيسَّر، قالوا: ألا تحفظ شيئاً آخر؟ قال: بلى، فقالوا: أسمِعْنَا، قال:

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
[سورة مُحمَّد]

(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ) لا يوجد الله والقرآن يقول ذلك، فقالوا: أكمل (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، قال: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) حمانا الله من العِلم إذا استُعمِلَ للضلال والأهواء، إذا اغترَّ بالقراءة والإلقاء من غير أن يُلقيه على نفسه ليكون أول العاملين به فيُعلِّمُ النَّاس بأقواله وأحواله وقلبه وسلوكه.

الله واحدٌ أحد يعلم ويرى
(قُلْ هُوَ اللَّهُ) من هو الإله؟ قالوا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: صِفْ لنا ربك، أمِن ذهبٍ أم من فضة؟ ما هو ربك؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) واحدٌ أحد:

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
[سورة الشورى]

يعلم ويرى ويسمع دَبِيْبَ النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الملساء، فهل هي سيارة مازوت وبعشرين عجلة تُقرقع ليُسمَعَ صوتها؟ ولما أمر الله نبيه موسى عليه السَّلام أن يذهب ليدعوَ فرعون وقومه إلى الله عزَّ وجلَّ قال: يا ربي! ومن يكون للقيام بشؤون أهلي وعائلتي؟ لا يوجد عندهم شيءٌ وأنا الكاسب لهم والقائم بنفقاتهم، فأمامه صخرة، فقال له: اضرب بعصاك هذه الصخرة، فانفَلَقَت عن صخرةٍ أصغر، فقال: اضرب الثانية فانفَلَقَت عن الثالثة، فقال له: اضربها، فضربها وإذا في داخل هذه الصخرات الثلاث دودةٌ وفي فمها شيءٌ تأكله، وهي تَمْضَغ، وتقول: سبحان من يراني ويعلم مكاني ويسمع كلامي ويَذْكُرُني ولا ينساني، فالله هو العليم الحكيم العظيم سريع الحساب.

معية الله

وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)
[سورة يونس]

(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ) أيُّ شأنٍ من شؤونك يا إنسان (وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا) مُشاهدين (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) عندما تكونون في السهرة وتتفاوضون بالحديث والكلام .. هل تؤمن بأن الله معك؟

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
[سورة المجادلة]

(مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى) التناجي والحديث المتبادل في السَّهرات واللقاءات والندوات والمؤتمرات (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) فلو كان رابِعُكَ شرطيٌّ أو رجل أمن، هل تجرُؤ أن تتكلم حرفاً واحداً لا يتناسب مع قوانين الدولة؟ هل رجل الأمن أعظم في قلبك ونظرك من الله؟ الله يقول: أنا معك وأسمعك وأسمع ما في قلبك، (وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ) من ثلاث أو اثنين أو كنت وحدك (وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) يُخبِرُكَ غداً (بِمَا عَمِلُوا) الآن هذا الأمرٌ لم يعد بعيداً عن الفهم بتسجيل الأشرطة الصوتية، كلامك يُعاد كما نطقته وبلهجته وجَهْرِه وإخفاته ومع الصوت الصورة أيضاً:

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)
[سورة النور]

(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) لما يصير العرض لأعمالك في أفلامك (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ) يعني جزاءهم، كما تدين تدان (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ).

الوسائل الدفاعية في جسم الإنسان
فما يتعلق بالله وصفاته ولقائه وثوابه ورقابته يُساوي ثلثَ القرآن، فهل أنت يا مسلم وأنتِ يا مسلمة هل نقرأ القرآن لنتفقَّه في علومه وحقائقه وروحانيته التي تُحيي فينا فضائل الأعمال وجلائلها وتُعقِّمُنا بمُعقِّماتِه فتُميتُ فينا جراثيم الرذائل ومنابع الشرور والآثام من ما يُخسِّرُنا ونخسر في الدنيا قبل الآخرة، هذا الكتاب -رضي الله عنه الأستاذ حسن حمصي- عنوانه الإيدز، هل تعلمون ما هو الإيدز؟ هذا المرض الذي ولد منذ عشرين سنة عجز كل علماء الأرض عن إيجاد دواءٍ له، هذا الإيدز قبل أي عملٍ يعملُه في الإنسان يقتل الدروع الواقية من الإنسان في الأمراض، جعل الله عزَّ وجلَّ في الإنسان وسائل دفاعية، إذا دخلت الجراثيم يوجد جنودٌ تقتل الجراثيم، ومنها ما يسمى بالغدد، عندما يُصيب الالتهاب حلقك، ما معنى الالتهاب؟ هاتان قلعتان دفاعيتان، يقتلون الجراثيم والمكروبات، وعندما تتكاثر المكروبات والجراثيم يتضخمون للدفاع والاحمرار والالتهاب وتبدأ المعركة بين هذا الخط الدفاعي وبين العدو الداخلي، علماء الصوم ينتقدون من يستأصل اللوزتين، إلا إذا وصلوا إلى حالة التلف وماتوا فالميت لا يُرجى منه شيء، أما ما دام فيهم حياة فيجب أن نرسل لهم نجدة إمدادٍ ليتغلبوا على الجراثيم والمكروبات التي تتصارع مع هاتين القلعتين، فبدلاً من إنقاذهما نحكم بإعدامهما فيبقى الجسم بلا وسائل دفاعية في هذه المناطق، وإلى آخره.. فعندما يحدث جرحٌ ويتقيَّح فهذه الخلايا البيضاء الدفاعية التي تموت في معركتها مع الجراثيم المعادية المهاجمة، فالموتى من الكريات البيضاء هي كنايةٌ عن القيح.

حماية الله عزَّ وجلَّ للإنسان

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)
[سورة الرعد]

وفي قراءة (يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللَّه) إلى آخره.. الله الذي أعطاك البصر لو كنت فاقد البصر وكانت العيون تُشرى وأنت تملك مئة مليون دولار بكم تشتري عيناً واحدة؟ إذا كانت العين بخمسين مليوناً فاشترِ اثنتين فتبقى فقيراً أم تكفي واحدة؟ تبقى أعور.. أقدامك لا تزيد واحدةٌ عن الأخرى في الطول سنتي واحداً، فلو كان هناك تفاوتٌ في الطول والقصر صار الواحد أعرجاً، الجفن على العين يتحرك في النهار مئات المرات، لو كان من حديدٍ وفولاذ لذابت العين وذابت الأجفان، من يُزيِّت ويُشحِّم ومن يعمل الوقاية وإلى آخره؟ فهذا هو الله والله أحد.

الإعجاز في خلق الإنسان
لو كان هناك إلهٌ آخر:

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
[سورة الأنبياء]

لفسدت السماوات والأرض.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (3)
[سورة فاطر]

كان الإنسان ذرةً وجرثومةً مسماة بالحيوان المنوي، يقول: إذا غُمِسَت الإبرة في المني يعلق برأس الإبرة خمسون ألف حيوانٍ منوي، يعني تتشكل مدينةٌ على رأس إبرة، أنت كنت واحداً من سكان هذه المدينة العالية، ولما ذهبت النطفة إلى الرحم فهي وحدها لا تكون إنساناً حتَّى تلتقي بالبويضة من المرأة، فالمرأة تَلِدُ في الشهر بويضةً واحدة، ولها طريقٌ طويلٌ يسمونه البوق فتنزل البويضة من البوق والنطفة لما تأتي إلى الرحم أيضاً تدخل البوق ليلتقي الحيوان مع البويضة ليُلقحها، من فَهَّمَ وأعطى خريطة السفر والرحلة للبويضة لتُفتِّش عن الحيوان؟ ومن فَهَّمَ الحيوان هذه الرحلة ليلتقي بالبويضة ويَمْتَزِجَ ليتألف منهما خَلْقُ الإنسان؟

مراقبة الله للإنسان في كل زمانٍ ومكان
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وأنت تقول "آمنتُ بالله" فهل آمنتَ بالله؟ هل إذا خلوت بنفسك والتفت يميناً وشمالاً لا يراك أحدٌ فتفعل ما يأمرك الشيطان، هل تعلم أن الله يراك في ذلك الوقت وأنه معك وأن معك رقيبٌ عتيدٌ من الملائكة، من يكتب الحسنات ومن يكتب السيئات؟ فبمدرسة القرآن بآيةٍ من آياته من فَمِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد أتاه أعرابيٌّ فقال: عِظْنِيْ يا رسول الله وأوجز، لا تُطِلْ علي، عقلي لا يحفظ ولا يحمل، فتلا عليه:

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
[سورة الزلزلة]

يعني يرى مكافأته عليه في الدنيا والآخرة:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة النحل]


فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) مثقال الذرة.. كانت عائشة رضي الله عنها تأكل عنقوداً من العنب فمرَّ سائلٌ فقيرٌ يسأل الصَدَقة فأخذت حبةً وقالت لمن حولها أعطوها للفقير، هذا ليس خلق عائشة أن تتصدق بحبة عنب، لكن ستجعل منها درساً لهم، قالوا: يا أم المؤمنين حبةٌ واحدةٌ لهذا الفقير! فقالت: ما أسرع ما نسيتم القرآن، الله يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه) أتعلمون في الحبة كم ذرة؟ مع أنها كانت تُنْفِقٌ مئات الألوف وكُلُّهُ في سبيل الله ولكن لتُعلِمَ من حولها أن لا نحتقر من عملِ الخير مهما كان يسيراً وضئيلاً وحقيراً، وأن لا نحتقر من الشرِّ مهما كان ذلك العمل حقيراً أو صغيراً أو ضئيلاً.

حب الله أكثر من أي شيء
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فأنت كم من إلهٍ لك؟ هل أنت من أهلِ لا إله إلا الله؟ أم أنت من المشركين من اتخذ مع الله إلهاً آخر؟ هل أنتم موحدون أم مشركون؟ لم أسمع، موحدون، بالقول أم بالعمل؟ بالعمل، هل تُحبون الله أكثر من كُلِّ ما سواه؟ فضة وقليل من الذهب، إذا خيروك بين أحدهما أيهما تختار؟ إذا خيروك بسيارة فارهة وطُنبر (عربةٌ يجرها حيوان) أيهما تختار؟ لم أسمع، السيارة، فإذا خُيِّرتَ بين إلهين، الله خالق السماوات والأرض جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة :

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
[سورة الزمر]

إلى آخر الآيات.. يا تُرى الإله الذي هو هواك ورغباتك وأنانيتك هل تُفضِّلُ أنانيتك ورغباتك على رغبات الله أم رغبات الله وأوامره على رغباتك وهواك؟ هنا يتبين إذا كنتَ من أهل التوحيد أو من أهل الشرك.

العمل لأجل النَّاس هو رياء

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)
[سورة الكهف]

إذا عَمِلْتَ الخير ليمدحك النَّاس، إذا كان لأجل النَّاس فقط فهذا مرفوضٌ وغير مقبول لأنك لم تعمله لله، وإذا عَمِلتَهُ لله وليمدحك النَّاس صِرْتَ مشركاً، فيجب أن يكون العمل خالصاً لوجه الله، إذا أثنى عليك النَّاس لا يكون هو مقصدك الأول ولا هدفك الحقيقي،(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قل لتتلفظ بها أم لتكون مُؤمناً بها؟ لا تَخشى إلا الله ولا يكون شيءٌ في قلبك ونورك أعظم من الله ولا أكبر منه، لو غَضِبَ النَّاس كُلُّهم وغَضِبَ الله أي الغضبين تَفِرُّ منه وتَحْذَرُهُ؟
ولستُ أبالي في زماني بريبةٍ إذا كُنتُ عند الله غير مُريبِ
{ الإمام الرفاعي }

تقديم رضا الله على رضا النَّاس
من أرضى الله بسخط النَّاس.. توجد قضيةٌ وأنت فيها مخيرٌ بين شيئين: رضا الله وإذا أرضيته سيغضب أبوك أو أخوك أو ابنك أو جارك أو كائناً من كان، وإذا أغضبت فلاناً كَسِبْتَ رضا الله، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ من أرضى الله بسخط النَّاس رَضِيَ الله عليه وأرضى عليه النَّاس(3) }

[صحيح ابن حبان]

لكن هذا لا يمنع أن يكون عملك بحكمة وإقناع والأسلوب الأحسن والأفضل:

وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)
[سورة الحج]

وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53)
[سورة الإسراء]

{ من أرضى الله بسخط النَّاس رَضِيَ الله عليه وأرضَى عليه النَّاس }


حقيقة الإخلاص
فالإخلاص وسورة الإخلاص: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لا ترى في هذا الكون إلا الله، لا يُهِمُّكَ إلا رضاه ولا تخشى إلا أن تَفْقِدَ رضاه لا تَحْسُبَ إلا مراقبته ولا تُبالي بعطاء النَّاس إذا خسرته واكتسبت رضا الله عزَّ وجلَّ، لذلك سُمِّيَت سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) سورة الإخلاص، الإخلاص هو:

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
[سورة الأنعام]

فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريــــرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضــابُ وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَــــرابُ إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُـرابِ
{ الحسين بن منصور الحلاج }

الحياة فانية ومؤقتة
بعد خمسين وستين وسبعين ماذا ستكونون؟.. فيا تُرى هل نُطيع التراب ونعصي رب الأرباب؟ لكن هذا لا يمنع أن تستعمل الحكمة والتعقُّل و:

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
[سورة المؤمنون]

{ مَنْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ بِمَعْرُوفٍ }

[ورد في الأثر]

(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) هو الواحد الأحد في حبك له، لا تُحب شيئاً في هذا الكون أكثر من محبتك له، لذلك إذا طَلَبَ منك شيئاً والنَّاس كلهم طلبوا عكسه فإذا كنت من الموحدين لله الأحد تستجيب وتمتثل وتُطيع وتكسب رضا الله أم رضا النَّاس؟ من كان الله ليس هو الأحد في قلبه، عنده عدة آلهة ويقول: سيتكلم النَّاس عني، يقول: يا أخي تكون أنت خالفت أمر الله، فوراً يخرج فرماناً ويقول لك: غفور رحيم! كأنه هو نائبٌ لله وولي العهد يستطيع أن يُمضي عن الله! فهو العاصي المُذنب وهو الإله الغافر! هل يمكن أن يكون أن يكون المذنب هو الإله والعاصي هو الغافر في وقتٍ واحد ؟ سيكون هناك مذنبٌ وهناك غافر، فهذا من حجب القلوب والقلوب البُور الصحراء:

مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)
[سورة إبراهيم]

لا يوجد فيها شيء، لم تُملأ إيماناً ولا العقول علماً وحكمةً ولا النفوس بصحبة ورثة الأنبياء، لم تَسْتَفِدْ تزكيةً فمن بطن أمه إلى أن يصبح عمره ستين سنة لا مدرسة ولا معلم ويريد أن يُصبح أستاذ جامعة لأن الله على كل شيءٍ قدير يا أخي!

المجنون من يعصي الله
مرَّ مجنونٌ بمجلس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالوا: مجنون! فقال:

{ المجنون المقيم على معصية الله تعالى، ولكن هذا رجل مصاب (4) }

[كنز العمال]

يا ترى إذا ألقى أحدهم بنفسه من الطابق السابع هذا عاقلٌ أم مجنون! إذا ألقى أحدهم بنفسه في غضب الله وفي جهنم يهوي من يُلْقَى فيها سبعين خريفاً، في السنة كم خريفاً يوجد؟ معنى سبعين خريفاً حتَّى يصل إلى قَعْرِها، هذا من الآخرة.. هل آمنت بالآخرة؟ بلسانك تقول آمنت، أما أعمالك كلها تقول أنك كاذبٌ وغير صادق:

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)
[سورة الأنفال]


أدعياء الإيمان

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)
[سورة البقرة]

هذا مثل القصة التالية.. مرةً قال لي رجلٌ أن متسوِّلاً قال لرجلٍ: أنا سأخطب بنت جلالة الملك، قال له: على ماذا ستخطب؟ هل أنت مجنون؟ قال له: لماذا مجنون؟ قال: أنا بالمئة تسعين هيأت كل الوسائل لأكون صهره، بالمئة تسعين؟ قال نعم، قال: كيف؟ قال: أليس رضا الزوج شرطاً في الزواج؟ قال له: بلى، قال: أليس شرطاً أن يكون هناك شاهدان؟ قال: بلى، قال: أليس رضا والد الزوج وأمه شرطاً، قال: بلى، قال له: أنا أرضيت أمي وأبي، والشاهدان أيضاً حاضران وأنا رضيت، لم يبقَ إلا الملك، فإذاً أتممت من المئة تسعنين.. جعلنا الله من مجانين الدين، تجد الرجل في الدنيا كُلُّهُ عقلٌ وذكاء، فَطِنٌ بكُلَّ شيء، يقول علي ابن أبي طالب:
أَبٌنّي إِنَّ مِنَ الرِجالِ بَهيمَةً في صورَةِ الرَجُلِ السَميعِ المُبصِرِ فَطِنٌ بِكُلِّ رَزّيَةٍ في مالِـــهِ وَإِذا أُصيبَ بِدينِهُ لَم يَشعُــــــرِ
{ علي ابن أبي طالب }

تحقيق الإيمان الكامل في حياة الإنسان
فـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فهل الله واحدٌ أحدٌ في قلبك؟ هل هو أحبُّ محبوبٍ إليك؟

{ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ }

[صحيح البخاري]

(مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) حامل الرسالة مُعلِّم الكتاب والحكمة والمُزكِّي (مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)(5) ليكون إيمانك كاملًا، يعني السيارة إذا نقصتها عجلةٌ هل تسير؟ أما إذا نقصتها البطارية هل تسير؟ أما إذا كان كل شيءٍ جاهزاً تسير، (وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ) إذا أردت أن تصاحب شخصاً أو تُحبَّه فعلى أساس دينه، إذا كانت معاملةً دنيويةً فهذا شيءٌ آخر.. أما الحب، جعلنا الله من المُتحابِّين في الله، (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ) إلى الجهل ونسيان الله ومعاصيه (كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)، فقُلْ باللسان أم باللسان والحال والأعمال وفي الليل والنهار؟ الله معك أينما كنت فهل أنت مع الله حيثما كنت؟

الأمر بالذكر في القرآن الكريم
لذلك أمرنا الله بالذكر:

فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)
[سورة النساء]

إذا أردت أن تُصلِّي ستُصلِّي لتَذْكُرَ الله في صلاتك من التكبير إلى التسليم، الله أكبر بلسانك وقلبك، وجَّهتُ وجهي بلسانك وروحك وكل مشاعرك:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
[سورة الفاتحة]

بكل وجودك، هل أنت عبدٌ أم تكذب في صلاتك وعلى من؟ على طفل؟ إذا قال الله لك: كذبت أنت عبدُ البطن، فقُل بطني أعبد، أنت عبدُ المال: المال أعبد، أنت عبدُ الفرج: الفرج أعبد، في الصَّلاة وتكذب على من؟

وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
[سورة طه]

فلذلك لا بد يا بنيّ من شيخ التربية، وما أعزَّهُ وأنْدَرَهُ في زمننا الحاضر، الشَّيخ الذي يُربي القلوب والإيمان وشيخاً آخر يُعلِّمُكَ العقل الناضج والحكمة لتكون أعمالك في الحياة كُلُّها صوابٌ لا خطأ فيها، وإذا صار خطأ ولا بد يكون من أندر النوادر، ويُزكِّيك.

البحث عن وارث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقدناه وهو الآن في الملأ الأعلى، وقد قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: فتشوا عن وارثٍ، من هو الوارث؟ هو الذي يُعلِّمُ الكتاب لا قراءة كلماته أو نَغَمَ تجويده، يُعلِّمُك الكتاب والحكمة ويُزكِّيك، يَغْسِلُ نَفْسَكَ ويَنْقُلُكَ من الكذب إلى الصدق، ومن الرياء إلى الإخلاص، من الغفلة إلى الذكر، من المعصية إلى الطاعة، ومن الذنوب إلى التوبة، ومن الغفلة إلى الذكر، فهل لك هذا المُعلم نيابةً عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فإذا لم يكن لك المُعلم فأنت جاهليٌّ تعيش في عصر وأجواء وفي مجتمعات الجاهلية، فهل علمت الله أحد ما معناها؟ الله واحدٌ في المحبة والعظمة، لا أعظم ولا أحبَّ ولا أكثر خشيةً من الله، ولا أكثر مسارعةً إلى رضاه، فلو أمرك النَّاس كلهم والله أمرك، الله أحد، هو الذي أمتثِلُ أمره أولاً وأكسَبُ رضاه، وإذا نظرت إلى الآخرين على ضوء رضاه وطاعته فبذلك تكون مؤمناً بسورة الإخلاص.

معنى الصمد
(اللَّهُ الصَّمَدُ) الصَّمَدُ هو الذي يُقْصَدُ ويُتوجَّهُ إليه من كُلِّ مخلوقاته بما فيه حياتهم وأرزاقهم ووجودهم، الوجود والحياة والرزق والسمع والبصر والشفاء يُطْلَبُ من الله الصَّمَد الذي تتوجه القلوب إليه في حوائِجِها وحياتها وأمورها، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) هل لله ولد؟ الولد سيكون مثل أبيه، الشحرور إذا وَلَدَ ماذا يكون ابنه؟ عقاباً؟ الأرنب إذا وَلَدَ سيخرج أرنباً والغزال غزالاً، فالذين ألَّهوا بوذا أو سيِّدنا المسيح عليه السَّلام.. فالله لا تأخذه سِنةٌ وهي النعاس ولا نوم، لا يَبول ولا يتغوَّط، سيِّدنا عيسى لماذا عُبِدَ؟ قالوا لأنه خلق من الطين طيراً وأحيى ميتاً أو ميتين وشفى الأمراض، وبقية هذه المخلوقات من خلقها؟ الجمال والحمير والبغال والسماوات والأرض؟ إلى آخره..

الاستجابة لأوامر الله والامتثال لهديه
(اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ) ليس والداً لأحدٍ ليكون له ابن (وَلَمْ يُولَدْ) وليس له أبٌ ليكون ابناً له (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ليس له مثيلٌ وكفءٌ:

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
[سورة الشورى]

ولم يكن له أحدٌ كُفئاً له، فهذه السورة بما تحمل من معناها وُزِّعَت في ثلث القرآن، فاقرأ كل سور القرآن وخصوصاً المكية، تدور بين سورة الزلزلة والقيامة وبين وحدانية الله عزَّ وجلَّ، المهم أن نُؤمن بالقرآن إيمان الفهم والقبول ليهضِمَهُ القلب والعقل فيتمَثَّلَ أعمالاً جسدية وفكرية وقلبية، بذلك يكون أحدنا مسلماً يعني استجاب لأوامر الله واهتدى بهديه، و:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
[سورة الزمر]

و:

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)
[سورة النجم]

فهل نحن مستعدون أن نؤمن الإيمان الحي العملي الحقيقي بـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)؟

قراءة الإخلاص والمعوذات قبل النوم
كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما فَقَرَأَ فِيهِما: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما ما اسْتَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِما علَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أقْبَلَ مِن جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ }

[صحيح البخاري]

الإخلاص والمعوذتان قبل النوم والكفَّان مفتوحان ثم يَمْسَحُ وجهه وما وصلت له يداه كم مرة؟ ثلاث مرات، فهذه هيِّنةٌ يا بنيّ، هذا أمر بسيط.. لكن أن يكون الله أحداً في الرغبات والمطامع.. تستحي من الله أم من النَّاس؟ تُرضي الله أؤ تُرضي النَّاس؟ فالمؤمن الحقيقي يقول: لا إله إلا الله، لا طاعة إلا لله ولا امتثال إلا لأوامره ولا امتناع إلا عن محارمه ولا يوجد مانعٌ أن نستعمل الحكمة حسب تعاليم الواحد الأحد، جعلنا الله عزَّ وجلَّ من الذين يستمعون القول فيتبِّعُون أحسنه، أن نرى الله.. رجلٌ في البيت، ماذا نرضي الله في بيتنا وأولادنا وسهراتنا ورفاقنا وبَيْعنا وشِرائنا، لا يكون مع الله إلهاً آخر كنفسك أو مطامعك أو كلام النَّاس رضوا أم غضبوا.
فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
{ الحسين بن منصور الحلاج }

ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم
وليس على أهل لا إله إلا الله وحشةٌ في قبورهم ولا عند بَعْثِهِم ونُشُورِهِم، ثم يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ كأني بهم يخرجون من قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ(سورة فاطر.34) (6) }

[شعب الإيمان للبيهقي]

فأنت كم إلهاً لك؟ إذا أُمِرْتَ بأمرِ ربانيٍّ قرآنيٍّ قد تقول: سأشاور زوجتي، إذا زوجتك مع الله إلهٌ آخر، والله أخي لأرى مصلحتي، قد تخالف أمر الله إذا كنت من أهل (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) :

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
[سورة الأنعام]


التوبة مع الذكر
ليتحقق لك هذا الشيء تحتاج عاملين: كثرة ذِكْرِ الله مبدوءةً بالتوبة الصادقة النصوح، تتوب من كل ذنوبك، تُفتِّش عينك ماذا تفعل من ذنوبٍ وأذنك ولسانك وقدمك ويدك ومالك وبيعك وشِراءك وتتوب من الحرام وتكتفي بالحلال، ثم رفاقك وأصحابك تَنْتَقِي الجليس الصالح:

{ إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة }

[متفق عليه]

(الجليس الصالح كحامل المسك) إما أن يعطيك وإما أن يبيعك وإما أن تشُمَّ منه رائحةً طيبة، (والجليس السوء كنافخ الكير) كور الحداد، إما أن يُحرقك بناره أو يُؤذيك بشراره أو تشُمَّ منه رائحةً خبيثة(7)، فالإسلام يحتاج المُعلِّم والتوبة ثم ادمان الذكر بحسب القرآن، التصوُّف والنقشبندي والقادري، من أجل خاطر الذين يعترضون على الطرق نسامحهم بالألقاب، لكن هل نستطيع أن نسامحهم بالقرآن؟ الله قال:

فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)
[سورة النساء]

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
[سورة آل عمران]

ثم ما يُسمَّى بالرابطة، هذه الرابطة فرضٌ يا بنيّ، ما معنى الرابطة؟ هي معنى من معاني الحب الصادق، الآن أنتم كم رابطةً لكم؟ عندما يتزوج الرجل عروساً، لما يُصلِّي عندما يقول: وجهت وجهي، تأتي لباله الكعبة أم زوجته؟ قولوا.. وإذا اشترى سيارةً جديدةً لما يقول:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
[سورة الفاتحة]

من قِبْلَتُه الكعبة أم السيارة؟ قولوا.. وإذا اشترى بيتاً فأعجبه هل يقول الله أكبر محبةً وذكراً أم البيت؟

المعنى الحقيقي للحب
فالرابطة معناها الحب لكن بمعناه الحقيقي، لا حُب التمني أو الادعاء، الحب أن تحب ما يحب وترضى لرضاه وتغضب لغضبه ولا تفعل إلا ما يَسُرُّه، فإذا كان حبيبك من يَدُلُّك على الله:
لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلّك على الله مقاله
{ الحكم العطائية }
فلا بُدَّ من التوبة والذِّكْرِ الكثير والرابطة، فالعريس إذا نزل إلى السوق في أول يومٍ بعد زفافه ما هي رابطته؟ وإذا اصطر للسفر إلى مدينةٍ أخرى لبضعة أيامٍ ماذا يرى في منامه؟
رجل اشتكى مرةً لشيخه فقال له: أنا لا أرى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أرجوك هل تدُلُّني على طريقةٍ لأرى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المنام؟ فقال له: نعم، قال: أرجوك ما هي؟ قال له: هذه الليلة تعمل كبة مشوية ومقلية وكبة بالصينية ( من أنواع الطعام) وتتعشى عشاءً دسماً، وتنام وترى الخير، قال له: أرى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال له: ترى إن شاء الله، وقال له: لا تشرب الماء، فإذا أكل كبة بهذه الأنواع ولم يشرب الماء ماذا يحصل له؟ حريقة أليس كذلك؟ لكنه يريد رؤية النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، عمل الكبة وملأ بطنه ونام، جاء في اليوم الآخر إلى الشَّيخ وقال له: والله أكلت كبة مشوية ومقلية وبالصينية ولم أره، قال: إذاً ماذا رأيت؟ قال له: رأيت نفسي طوال الليل أبحث عن الماء، وأضع فمي بالصنبور وأشرب وأشرب لكن لا أرتوي، أذهب للنهر وأشرب وأشرب لا أرتوي، يا زوجتي أحضري الماء الباردة ولا أرتوي، وأنت قُلت سأرى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال له: يا بنيّ، لو اشتقت للنبي مثلما اشتقت للماء لكنت رأيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثلما رأيت الماء في منامك.
اللهم إنا نسألك حُبك وحُب من يحبك :

{ فمن حام حول الحمى يُوشِكُ أن يقع فيه (8) }

[صحيح مسلم]

هل تستطيع أن تُحب الشَّيخ الحب الحقيقي؟ إذا أحببت الشَّيخ نقلتك محبته إلى محبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومحبة الله، اللهم إنا نسألك حُبك وحُبَّ من يُحبك وحُبَّ عملٍ صالحٍ يُقرِّبُنا إلى حُبِّك، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وآله وصحبه.

مكتوب من فرنسا عن دخول البعض في الإسلام
أُحضر لي البارحة مكتوباً من أحد الإخوة من فرنسا يذكُر لي إقبال الفرنسيين على الإسلام ويقول أنهم يُسلمون إسلاماً بالمئة مئة لا على الكيف، لا أن يتَّبِعُون ما يعجبهم وما لا يعجبهم فالله غفور رحيم، وهذا ليس في فرنسا فقط بل في كل العالم الغربي، أتوقع إن شاء الله وبفضله أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الإسلام.
الجمعة الثانية إذا أحيانا الله سأقرأ لكم المكتوب بالتفصيل، لكن إذا أردنا أن نرى القرن الواحد والعشرين قرن الإسلام فهل يكون هذا بالتمني والقعود أو بالغفلة عن الله؟ لك خمسون ألف رابطة، رابطةٌ مع زوجتك وأخرى مع الدكان والأخرى مع المحكمة والأخرى مع عدوِّك، كل هؤلاء يأتون لبالك في أثناء صلاتك، فإذا قال لك الشَّيخ ابقَ معي وحدي على قاعدة قول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد سُئِلًَ عن خِيَارِ هذه الأمة فقال:

{ خِيارُ أمتي الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله (9) }

[السنن الكبرى للنسائي]

فإذا لم ترَ فتراءى، فهل يوجد مانعٌ شرعيٌّ أن تتخيَّل أي محبوب؟ إذا تخيلت الصالحين حباً لهم وشوقاً وتقرَّباً إلى الله بمحبتهم، هذه هي الرابطة.

التفقه في حب الله عز وجل
لكن سيِّدنا أبو بكر لو سألناه: أعرِبْ لنا ضرب زيدٌ عمراً هل يعرف كيف يُعرِبها؟ هل يقول: ضرب فعلٌ ماضِ وزيدٌ فاعل وعمراً مفعولٌ به؟ هذه مصطلحاتٌ يا بنيّ، إذا سألناه عن أركان الوضوء هل يعرف أن يُجيب على حسب هذه المصطلحات الفقهيَّة؟ هذه كلها حدثت بعد عهد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم والصحابة، فالشاهد أن الذي لا يفهم الرابطة قل له الحب في الله، الحب في الله من أعلى شعب الإيمان:

{ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ. وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّىٰ لاَ تَعْلَمُ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللّهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ }

[صحيح البخاري]

(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ) ومنها (وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللّهِ)(10) ، لكن يا ترى هل أنت مُحِبٌّ؟ هل تفَقَّهْتَ بفِقْهِ الحب؟ هل ظهرت فيك صفاتُ وأخلاقُ وسلوكياتُ وأعمالُ المحب؟ جعلنا الله من المِحبِّين، عندما نريد أن ندعو لا نكتفي بالدعاء، الدعاء مذكِّرٌ لنكون مُحبِّين بالعمل، فأسأل الله التوفيق لي ولكم ولكل المؤمنين ولعباد الله أجمعين، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الحواشي :
(1) معجم الطبراني الكبير، رقم: (7502)، بلفظ: «مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مِنْ إِلَهٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ».
(2)صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب رؤيا النساء، رقم: (7003)، (9/34).
(3) صحيح ابن حبان, رقم: (277), (1/511).
(5) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، رقم: (16)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: (43).
(6) شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (99)، (1/202)، المعجم الأوسط، رقم: (9478)، (9/181).
(7) صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، رقم: (5534)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين..، رقم: (2628).
(8) صحيح مسلم, كتاب المساقاة, باب أخذ الحلال وترك الشبهات رقم: (1599) بلفظ: «إنَّ الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
(9) السنن الكبرى للنسائي، كتاب التفسير، باب ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم، رقم: (1117).
(10)صحيح البخاري، كتاب الزكاة: باب الصدقة باليمين، رقم: (1423)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة: باب فضل إخفاء الزكاة، رقم: (1031).