تفسير سورة العلق 2

  • 1996-03-29

تفسير سورة العلق 2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأعطرُ التحيات والتسليمات على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد خاتَم النبيين والمُرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابة الغُرِّ المجاهدين، ومَنْ تبعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلى جميع الأنبياء والمُرسلين، وبعد:

متابعة في تفسير سورة العلق:
نحن في تفسير سورة العلق، يقول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ خَلَق كلَّ شيءٍ وكلَّ ما في هذا الوجود وأنعَم عليك أيها الإنسان حيثُ خلَقَك ﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ اكتُشِفَ في العصر الحديث أن المنيّ إذا غُرِسَت رأس الإبرة فيه يعلَقُ في رأس الإبرة خمسون ألف حيوانٍ منوي، وفي المجهر يظهر هذا الحيوان بصورة دودةٍ وعلقة، فعندما يقول القرآن أن الله خَلَق الإنسان مِنْ هذه الدودة التي هي عَلَقة، ومضى أربعة عشر قرناً والمفسرون ما كان عندهم مِنَ الوسائل ما يكتشفون بها هذه الحقيقة، لكن الذي خَلَقَ العَلَق والبويضة وكلَّ مراحل التخليق؛

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
[سورة الملك]


معنى كلمة اقرأ:
فكلمة اقرأ يعني تعلَّم وخُذْ العلوم مِنْ طريق القراءة، والعلوم مِنْ طريق القراءة تقول هذه السورة أن لها طريقتان: طريقة العِلم مِنْ طريقة ذِكْر اسم الله، اقرأ وخُذ العلوم وتعلَّم ما لا تعلمُه بواسطة ومِنْ نافذة ذكر اسم الله الذي خَلَق:

وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
[سورة البقرة]

ومَنْ عمِلَ بما علِم أورثه الله عِلمَ ما لم يعلَم، وكل التقوى قائمةٌ على أن تُذكِّرَك وتُوجِّه روحك إلى روح قدسه، وجَّهت وجهي للذي فطَرَ السماوات والأرض.

وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
[سورة البقرة]

فإذا استطعت أن تُوجِّه قواك الروحية وتجعَلَها عاكفةً مع الله، فمن يجلس مع النار تظهر فيه بعض صفاتها مِنْ حرارةٍ ودفءٍ ونورٍ ووهَج، فكذلك ذكر اسم الله إذا استطعت أن تجعل مِنَ الاسم حضور قلبك مع المُسمَّى وأن تكون معه كما هو معك فهذه مدرسة الأنبياء، فالأنبياء لم يكن لهم أستاذٌ ولا مُعلِّم ولا مدرسةٌ ولا كتابٌ وخاصةً نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)
[سورة الجمعة]

من الأميين وهو النَّبيّ الأمي:

وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
[سورة العنكبوت]


التعلم بالاستعانة باسم الله عزَّ وجلَّ:
يقولون تعلَّمَ مِنَ الكتب وقرأها، لا مُعلِّم ولا كتاب فمِنْ أين أتت هذه العلوم؟ هذه العلوم أتت مِنْ اقرأ وتعلَّم بالاستعانة باسم ربك الذي خَلق في مدرسة حراء، لذلك سنَّ الشرع الاعتكاف في رمضان لماذا؟

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
[سورة مريم]

لما حَجَبت قلبها وأفكارها عن ما سوى الله ووحَّدت قِبلَتَها وتوجهها إلى حضرة الله، فينعكس في مرآة قلب الذاكر المتوجِّه إلى الله بحسب صفاء مرآة روحه واتساعها مِنْ عِلم الله وحكمته ما تفيضُه هذه المعاني مِنْ طهارة النفوس وتزكيتها وتجميلها بالأخلاق الإلهية:

{ إن للهِ مئةَ خلقٍ ، وسبعةَ عشرَ خلقا ، من جاءَ منهنّ بخلقٍ واحدٍ دخل الجنةَ }

[لسان المزمار لابن حجر العسقلاني]

اقرأ تعلَّم وخُذ العِلم والمعرفة، بأي وسيلة؟ مِنَ المدرسة والمُعلِّم؟ لا يوجد، قال بكثرة ذكرك لاسم ربك، ما هو اسم ربِّه وربِّنا؟ الله.

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
[سورة الأنعام]

وفي الحديث:

{ ولا تقوم الساعة حتى لا يبقى على وجه الأرض من يقول: الله الله (1) }

[ورد في الأثر]

الله مبتدأ والخبر محذوف يعني الله ربِّي.
فاقرأ والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقرأ، يعني ازدد قراءة وذكراً وتوجُّهاً، وجَّهت وجهي للذي فَطَر وخَلَق وأنشأ السماوات والأرض حنيفاً يعني مائلاً عن كلِّ ما في هذا الوجود، وحصرتُ كلَّ توجهي لك يا رب، ومسلماً يعني مُستجيباً لكلِّ ما تأمُرني به، وبماذا يأمُرنا الله؟ وهل يأمُرنا بشيءٍ يحتاجه وهو خالقنا وخالِق الوجود؟ يأمرنا بما يُسعِدُنا وينهانا عن ما يُردينا ويُشقِينا.

القراءة وسيلة للعلم:
﴿اقْرَأْ﴾ القراءة وسيلة للعِلم، بأي وسيلة؟ قال: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، وأول نعمةٍ عليك مِنْ هذا الخَلْق نعمة خلقِكَ وإيجادك أيها الإنسان، مِنْ أي شيء؟ ليُذكِّرَك بما كنت عليه وبما صِرت إليه من إفاضة نعَمِهِ عليك، جَعَل لكم السمع والأبصار والأفئدة وأرسل الرسل والأنبياء ليُعلِّمونا الكتاب والحكمة ويُزكُّوا منّا نفوسنا، فما أعظم ثقافة القرآن وما أعظم الثقافة مِنْ مدرسة كتاب الله وقرآنه العظيم لمن تدبَّره وجعله غذاءَ عقلِه وفِكره أو:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

لفَهْم معانيه حق الإصغاء والإقبال.
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ بعدما أنعَم عليك بنعمة الوجود لم يبقِكَ على مرحلتك الأولى، فأكرمَك وعلَّمك ثم تأتي وتتعالى على أوامر الله؟ لا تقوم بما أمرك الله مِنْ إنفاقك مِنْ ما أعطاك الله وسماها زكاةً لتُطهِّرَك مِنْ مرض البخل والشُّح وما يتبع البخل والشُّح مِنْ عدوان الفقراء على البخلاء.

أصل خلق الإنسان يمنعه من التكبّر:
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ فإذا صرت ملكاً أو عالِماً أو وزيراً أو مليونيراً فتذكَّر مَنْ أنت وما أنت وكيف مصير وجودك الجسدي هذا.. يُقال أن بعض الصالحين رأى إنساناً مُتعجرفاً مغروراً بماله أو ثروته أو جاهِه أو منصبه وهو يتبختر ويمشي الخُيلاء، فمشى إلى جانبه ذلك الرجل الصالح لكن بثياب الفقراء الدراويش الثياب المرقعة، وصار يتبختر إلى جانبه ويتحدّاه، فإذا أراد الدرويش التبختُر أمام المُتعاظم فكأنه تحقيرٌ له، فالتفت إلى الدرويش وقال ألا تعرف مَنْ أنا، أتريد أن تجعل نفسك تتساوى معي؟ فقال أعرفك مَنْ أنت: أولك نطفةٌ مذِرة، وآخرك جيفةٌ قذِرةٌ وأنت فيما بينهما -بين النطفة والجيفة- تحمل العذَرة، تحمل ما تحمل في بطنك فعلى ماذا تنفخ نفسك يا مغرور، فالله قال أنه خلقك مِنْ عَلَق لكي لا تقع في الغرور والكبرياء وتكسر خواطر الفقراء، فينبغي كلما زادك الله نعمةً أن تزداد لله تواضعاً ومِنَ الفقراء تقرُّباً وللمساكين مساعدةً وإسعافاً وتشكُر الله عزَّ وجلَّ على أن يدك هي العليا المُعطية ولم تكن هي السفلى المحتاجة الآخذة.
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾، إذا غضبت وأردت البطش بالضعيف ظلماً وعدواناً فتذكَّر ممَّ خُلِقت، فلا تتعالى على أوامر الله ولا تتجبَّر على الضعفاء مِنْ مخلوقات الله، إذا كنت قرأت هذه الآية وأنت طاهر القلب مِنْ ظلمات الذنوب بأن القرآن لا تمسُّ روح آياته إلا القلوب الطاهرة:

لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
[سورة الواقعة]

وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
[سورة الأحزاب]

(الرِّجْسَ) أي النجاسة، أهل البيت هل كانت ثيابهم ملوَّثةً بالبول والغائط؟ المقصود بالرِّجس الرِّجس المعنوي، نجاسة النفس وتلوُّثها بقاذورات رذائل الأخلاق والصِّفات، (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ هذه يجب أن لا تنساها إذا قرأت القرآن بتدبُّرٍ وصرت ملكاً ووزيراً وعظيماً وغنياً يا عَلقة، وأي عَلقة، العَلقة التي تمصُّ الدم لها وجود، أما أنت علقةٌ خمسون ألفاً مثلك يعلقون برأس الإبرة، فكبَّرك وعظَّمك بجسمك ومقامِك وغناك وجاهِك فتواضع لله، ومن تواضع لله فلم يتعالى على أوامر الله ولا على مخلوقاته وتواضَع طلباً لرضاه:

{ مَنْ تواضعَ للهِ رفَعَهُ اللهُ }

[صححه الألباني]

اقرأ، أمرٌ لكلِّ إنسانٍ بدءاً بالخطاب الموجَّه لسيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، اقرأ، لست بقارئ، لا أقول لك اقرأ في كتاب، اقرأ بالمصطلح الرباني يعني القراءة بالورق لتتعلَّم ما فيها لكن كُتب الله عزَّ وجلَّ فيها ما تراه أعيننا وفيها ما لا تراه أعيننا، ما عُرِضَ للنبي ليقرأه غير الذي نقرؤه نحن.

أنواع من طلب العلم:
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ هذا نوعٌ ثانٍ لطلب العِلم، يوجد عِلمٌ يُطلَبُ ويُوصَلُ إليه بتوجُّه القلب والروح إلى الله بطريق ذكر الله، تستحضر عظمة الله ونوره تملأ قلبك وروحك ومع ذكر اسم الله تتذكر المسمَّى:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)
[سورة الأنفال]

فوجَلُ القلب لما ينعكس في مرآة الذاكِر مِنْ أنوار الحضرة الإلهية مِنْ جلالها وعظَمتها ما يجعل النفس تخشَع وتتضاءل أمام عظمة الله وينتقِشُ في صفحاتها مِنَ العلوم الإلهية ما يقذِفُه الله في قلب الذاكر أو يرفع الحجب فيُريه الأشياء معاينةً ومشاهدة، فمثلاً كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: رأيت فلاناً يدخل الجنة، فيصير الأبد والمستقبل بلا نهايةٍ مكشوفاً لقلب الذاكِر، والماضي والذاهب أيضاً يُكشَفُ فكان يُخبِرُ عن أخبار الأنبياء لم يرَهُم ولم يقرأ كتب سيرتهم، فمِنْ أين عَلِمَ هذه المعلومات المستقبلية أو الأمور الماضية ولا كتب ولا مكتبة ولا مُعلِّم ولا مُدرِّس إنما هو غارٌ وكهفٌ وكما قال الله عن مريم: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا) حَجبَت نفسهاً عن الخَلق وتوجَّهت لله ذكراً وإقبالاً إلى الخالِق (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا) لما اتخذت مِنْ دونهم حجاباً وتوجَّهت بكلِّيَتها إلى الله أرسل الله لها روح القدس:

يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)
[سورة النحل]

وعلِّموا الناس ما يُسعِدُهم وحذِّرُوهم مِنْ ما يُتعِسُهم ويُشقِيهُم.

الله تعالى كريمٌ ونعمه كثيرة:
﴿اقْرَأْ﴾ أكَّد ثانيةً ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ ليس الكريم بل الأكرم، لا يوجد أكرَمُ منه، ماذا أعطانا في أنفسنا وأعضائنا وعقولنا وجوارحنا وفي ما خَلقَ لنا مِنْ نِعَمٍ الغذاء والهواء والماء والشمس والقمر :

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
[سورة إبراهيم]

ظلومٌ لنفسه وكافرٌ وجاحِدٌ لنِعَمِ ربِّه عليه، اللعاب الذي في فمك هل تعرِفُ قدره وتشكر نعمة الله عليه؟ ست غددٍ في الفم تُفرِزُ اللعاب بقدر الحاجة، إذا كان الطعام جافاً كالخبز اليابس والكعك يكسره اللعاب لأنه لن يُبلِعَ معك حتى يأخذ كفايته مِنَ اللعاب، فلو زاد إفراز اللعاب عن الحاجة لسال لعابك على ثيابك ولبست ثوباً مِنَ الذباب وصرت مُستقذراً في نفسك وأمام كلِّ مَنْ ينظر لك، ولو نقص لجفَّ حلقك فلم تستطع الكلام، يُزيِّتُ لك لسانك فلا تستعمله فيما حرَّم الله عليك، استعمله في طاعته ومرضاته:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83)
[سورة البقرة]


تعلم ما يعلمك الله:
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ تعلَّم ما يُعلِّمُك الله، أقبِل على مدرسة الله وتفهَّم دروس الله، مهما صليت الصلاة لربك؟ لفائدته وحاجته؟ إن الله لغنيٌّ عنك وكريمٌ عليك، أنت المحتاج للصلاة وليس الله عزَّ وجلَّ، ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ هذه هي المدرسة الثانية لتصير عالماً، مدرسةٌ تستطيع أن تأخذ علومها مِنْ طريق ذكر الله ومِنْ طريق غار حراء ومِنْ طريق قوله تعالى:

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)
[سورة الكهف]

ماذا كان يفعل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حراء؟ كان مع الله بكلِّ أحاسيسه وبكلِّ تفكيره وطاقاته الإدراكية حتى صَفَتْ روحُه وصَقلَت مرآته وهي متوجِّهةٌ لله فانعكس في مرآة قلبه التي جُلِّيَت بكثرة ذكر الله وإبعادها عن انشغالها بغيره، فظهَر له عالَم الروح وروح القدس وأُفيضَ عليه مِنَ العلوم ما جعله يستطيع لا أن يبني أمَّةً ولا شعباً بل جعله يبني أمماً وشعوباً ويبني عالَماً.

العالَم اليوم يفتقد الأمن:
والعالَم الآن رغم تقدُّمِه في الصناعات المادية، لكنه في نفس الوقت بمقدار هذا التقدُّم هو متخلِّفٌ ومتقهقر، والدليل أن الإنسان يا تُرى تجاه السبع والذئب والنمر والضبع هل نُهيِّئ وسائل لتكفينا شر هذه الوحوش؟ هل يوجد معكم أسلحةٌ ضد هذه الوحوش؟ أمنتم منها، كلُّ خوف الإنسان في هذا العصر أعظَم ما يخافه مِنَ السباع أو الأفاعي أو الإنسان، ومِنَ الإنسان البدوي وابن الصحراء أو الجاهل الأمي أم مِنَ الإنسان المثقف الذي اخترع الطائرات والصواريخ عابرة القارات واكتشف الذرة ليُهلِكَ بها الأحياء ويجعلَهم مِنَ الأموات، هل هذا تقدُّم؟ لا يكون التقدُّم الحقيقي إلا بالتقدُّم الروحي العقلاني الحكيم، كجناحي الطائر: جناح التقدُّم الروحي لمعرفة الله وجناح استعمال العقل الذي وهَبَنا الله إياه على القواعد الحكيمة التي رسَمها الله لنا في كتابه، هذا الكتاب وحدَهُ جعل مِنَ الأميين الأعداء لبعضهم الذين كانوا مِنْ قسوتهم يدفِنُون بناتهم وهم على قيد الحياة، يدفِنُها تحت التراب وهي حيَّةٌ ويقتل ولده الصغير مِنْ فقره وجُوعه، فلما دخلوا مدرسة كتاب الله ماذا صاروا؟ جَمَعَ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرة الصحابة وقال:

{ ألَمْ أجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بي؟ وكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فألَّفَكُمُ اللَّهُ بي؟ وعَالَةً فأغْنَاكُمُ اللَّهُ بي؟(2) }

[صحيح البخاري]


الإسلام والعِلم:
الإسلام الحقيقي إسلام القرآن المُفسَّرُ بتعاليم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو انتقالٌ مِنَ الجهل للعِلم ومِنَ العِلم إلى الازدياد في العِلم، وكان يقول صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ إذا أتى علي يومٍ لا أزدادُ فيه علماً فلا بُورِكَ لي في طلوعِ الشَّمس ذلك اليوم (3) }

[حلة الأولياء]

بأي شيءٍ يتقرَّب لله؟ بالعِلم والحكمة وتزكية النفس مِنْ رذائلها ونقائصها، ويقول أيضاً:

{ مَنِ استوَى يوماهُ فهوَ مغبونٌ ، ومَنْ لم يكُن يومُهُ خيراً مِنْ أمسِهِ فهوَ محروم، ومَن لم يَكُنْ على الزيادةِ فهو في النُّقْصانِ , ومن كان في النُّقْصانِ فالموتُ خيرٌ له }

[ورد في الأثر]

(مَنِ استوَى يوماهُ)، إذا كنت اليوم عالِماً واليوم الثاني لم تزِد لعِلمك عِلماً آخر صار اليومان مثل بعضهما، فالإسلام يقول لك: في اليوم الثاني يجب أن تكون أعلَم منك مِنَ اليوم الاول، النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (مَنِ استوَى يوماهُ فهوَ مغبونٌ ، ومَنْ كان يومُهُ شرًّا مِنْ أمسِهِ)(4)، المغبون هو الذي يبيع الشيء كمَسبحةٍ مِنَ الجوهر إذا باعها بخمس ليرات فما اسمه؟ وهذه المسبحة إذا اشتراها بمئة ألف دولار ما اسمه؟ مغبون، هو الذي يبيع الشيء ويشتريه بأغلى مِنْ ثمنه أو بالشكل المقابل الآخر، (مَنِ استوَى يوماهُ فهوَ مغبونٌ)، إذاً الإسلام يدفعُكَ دائماً إلى التقدُّم في العِلم والرُّقي وإسعاد المجتمع وكلِّ ما يرفع مستوى إنسانيتك وعقلك وأخلاقك، (ومَنْ لم يكُن يومُهُ خيراً مِنْ أمسِهِ فهوَ محروم) ماذا حُرِمَ؟ حُرِمَ من البارحة حيث لم يملأه بعِلمٍ ولا عملٍ صالح، فذهب ذلك اليوم فارغاً يلقاه يوم القيامة فيقول: الله أعطاني إياك فتركتني فارغاً لا عِلم ولا عمل، (ومَنْ لم يكُن يومُهُ خيراً مِنْ أمسِهِ فهوَ محروم، ومَن لم يَكُنْ على الزيادةِ) في العِلم والحكمة والأخلاق والفضائل (ومَن لم يَكُنْ على الزيادةِ فهو في النُّقْصانِ , ومن كان في النُّقْصانِ فالموتُ خيرٌ له)، عندك سيارةٌ ولا تستعملها حتى صدِأت وصارت غير صالحةٍ للعمل، إذا أخذها غيرك أليس أفضل مِنْ أن تأخذها؟
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ إذا توجهت للعِلم فالأكرم يُعطيك ما تريد مِنْ باب العِلم وبطريقه، ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ توجد مدرسةٌ ثانيةٌ للعِلم وهي بطريق القلم والكتابة وقراءة الكتاب، تلك ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ هذه مدرسة الأنبياء والأولياء مِنْ أصفياء الله عزَّ وجلَّ، يأخذون العِلم مِنْ مدرسة:

وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
[سورة البقرة]

والعِلم الذي مِنْ لدُن الله:

فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)
[سورة الكهف]

فهذا العِلم هو الذي فيه الحياة، إذا لم تستطع ادخل المدرسة الابتدائية أو مدرسة حضانة الأطفال ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم﴾، فإذا صدقت في الثانية تُوصِلُك للعِلم اللدُني، الدراسة الابتدائية تُرشِّحُ الإنسان للدراسة الإعدادية فالثانوية، ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ والآن يُعلِّمُك بالحاسوب والتلفاز صارت طرق العِلم أشكالاً وألواناً ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ فمِنْ كرَمِه أن يُعلِّمَك ما لم تعلَم ولكن إذا سلكت الطريق إلى العِلم بطلبه والبحث عنه ولو تحمَّلت المشاقّ في تحصيله.

متطلبات طلب العِلم:
يُروى عن سيدنا موسى عليه السَّلام أنه كان يعِظُ قومه، فسأله سائلٌ: هل يوجد أعلَمُ منك يا موسى؟ فقال: لا، فعتِبَ الله عليه: "لم قلت لا؟" هل تظنُّ أنك تملِكُ كلَّ العِلم؟ يوجد غيرك فيه زيادةٌ على ما تعلَم، "هلَّا قلت الله أعلم؟" هل يوجد أعلَم منك؟ أنا لا أعلم يوجد أو لا، الله أعلم، "لي عبداً بمجمع البحرين أعلَم منك يا موسى"، فلما عَرَف موسى عليه السَّلام أنه يوجد مكانٌ وإنسانٌ يوجد عنده عِلمٌ أزيَدَ مِنْ عِلمه قال:

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
[سورة الكهف]

(لَا أَبْرَحُ) لأظلنَّ مُسافراً ومُفتشاً وساعياً (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) لأصل إلى مَنْ هو أعلَمُ مني لأضيف عِلمه إلى عِلمي، هذا تقدُّمٌ أم تخلُّف؟ يا تُرى لما نقرأ القرآن هل نفهَمه؟ هل القرآن لأجل التلاوة أم للفهم والعِلم بمضمونه ثمّ تطبيقه؟ إذا أخذت شيكاً فيه مئة ألف دولار حوالة، يا تُرى أخذُ الشيك هل يُؤخَذُ بتلاوته وقراءة ما فيه؟ فإذا قرأت وصرت تتباهى ادفعوا لفلان حامِلِه مئة ألف دولار وأنت عريانٌ من الثياب كما خَلَقك الله وكما ولدتك أمك، وجائعٌ ملتصقٌ بطنك بظهرك وتشكو الجوع وتقرأ هذا الشيك، فماذا يقول مَنْ يسمع قراءتك؟ أليس هذا حال المسلمين في وقتنا الحاضر؟ هل نقرأ القرآن لنفهَمه؟ وإذا فهِمناه هل نفهَمُه لنُطبِّقه ونعمَل به؟ وإذا علِمناه وطبَّقناه هل انتقلنا إلى المرحلة الأخرى لنقوم فنُعلِّمَه للآخرين؟ لأن ضريبة العِلم التي فرضها الله على العالِم أن يُعلِّم الجاهل ما علِمَه وبلا أجر، هذا هو القانون الإسلامي، تلاقياً مع تعليم سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندما قال:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ ، ورجلٌ جادَ بنفسِه في سبيلِ اللَّهِ }

[مسند أبي يعلى]

(ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ) أجوّدُ ما في هذا الوجود (اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ) هو مصدر كلِّ عطاءٍ ووجود (وأنا) يعني النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (أجوَدُ بني آدمَ) هل أراد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يمدَحَ نفسه؟ لا، لكن أراد أن يُعرِّفَ بنفسه لينتفِعَ الخَلق منه، إذا كنت طبيباً ألا يجب عليك أن تقول أنا طبيب؟ لماذا تقول؟ يعني تعالوا إلي لأُخلِّصكم مِنْ أمراضكم ومِنْ آلامكم، فسيدنا موسى عليه السَّلام التقى بذلك العبد ورأى عنده مِنَ العِلم ما يجهله سيدنا موسى عليه السَّلام، بذلك أخذ درساً أن لا يقول أنه أعلَم الناس، لذلك قال الله للنبي على عظيم منزلته:

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
[سورة طه]


استمرار طلب العِلم:
لا يوجد توقفٌ في زيادة العِلم، هذا جمود، الإسلام يأمُرك دائماً بالتقدُّم وزيادة العِلم والعمَل، هل واقع المسلمين كما ينطق ويُعلِّمُنا القرآن؟ كان شيوخنا رحمهم الله قبل خمسين وستين سنةٍ الذين تعلَّمنا عندهم العِلم عندهم النحو والصرف وفقه العبادات والمعاملات وعِلم المنطق القديم الفلسفي الذي ثبت بطلان أكثر قواعده والبلاغة والأصول ونخرج لا يوجد شيءٌ عملياً، مثل العوام نصلي ونصوم مثلهم ولا يوجد أكثر مِنْ هذا.. لكن أين عِلم الصحابة رضي الله عنهم الذين بذلوا دماءهم وأرواحهم ليستعبدوا الشعوب ويمتصوا خيراتها وينهبوا كنوزها أم ليعلِّموها ويرقُّوها ويهذِّبوها ورفعوا فوراق الوطنية والقومية واللونية حتى قال صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ لا فَضلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقْوى }

[مسند أحمد]

(لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على أعجَميٍّ) بالقومية (ولا لأبيضَ على أسودَ) العنصرية (إلَّا بالتَّقْوى)(5) والتقوى عِلمٌ وعمَل.

العِلم يفترض العمل:
أما العِلم بلا عمل فهو عِلمٌ لا ينفع، نقول أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم وعلَّمنا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نقول: اللهم إني أعوذ بك مِنْ عِلمٍ لا ينفع، إذا قرأت ولم تعمل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستعيذ مِنْ هذا الحال وأنت تتباهى به؟ فقَّهنا الله عزَّ وجلَّ في الدين:
((مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ))
﴿اقْرَأْ﴾، أول ما نَزَل مِنَ القرآن والإسلام ﴿اقْرَأْ﴾، وبعد اقرأ نزلت سورة ن:

ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
[سورة ن]

(ن) يعني الدواة (وَالْقَلَمِ) وأقسِمُ بالقلم (وَمَا يَسْطُرُونَ) أحلِفُ بالقلم وما يصنعه القلم وبالدواة جعلها أيماناً مقدّسة، فجعل أول كلمةٍ في الإسلام وأول لبنةٍ والحجر الأساسي ﴿اقْرَأْ﴾ وأكَّده بسورة (ن وَالْقَلَمِ)، فهل المسلمون الآن يفقهون هذه المعاني وهم يقرؤونها ليلاً نهاراً، ويطبعون مصاحف كالجبال ويتلونها بأحسن النغمات مِنْ أحسن الحناجر للقراء، فوصفة الطبيب هل تُكتَبُ وتُطلَبُ لورقتها وقراءتها أم للذهاب إلى الصيدلي ودفع ثمن الدواء ثم استعماله حسب تخطيط الوصفة الطبية؟ والقرآن وصفة الله، كتبها لنا وقال:

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
[سورة الإسراء]

(وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ)، مَنْ الظالم؟ الذي يقرؤه لا للعِلم ولا العمَل (وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) .
رُبَّ تالٍ للقُرآنِ بِفِيــــــهِ وَهُوَ يُفْضِي بِهِ إِلى الْخُذْلانِ
{ سلسلة الذهب للجامى }
يقرؤه بلسانه وفمِه، ويكون حاله للخلف، لمَ؟ لأن القرآن للتقدُّم، فهو إذا عمِل به، فهو يقرؤه لا ليعمَل بل يقرؤه وفقط، لماذا؟ إذا لم تعرِف بعض آياته أو كلماته:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)
[سورة النحل]

لا يجب أن تتسلوا بكلامي، أريد ان يتحول كلامي فيكم إلى عمل، وبعد العمل والعِلم تقومون فتُعلِّمون، (ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا) يعني النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي) بعد الله والنبي المرتبة الثالثة (رجلٌ) المقصود إنسانٌ ولو امرأة ليس المقصود مِنَ الرجل الذكر (علمَ علمًا) فما ضريبة عِلمك إذا تعلَّمته؟ له ضريبة، ما هي الضريبة المفروض أداؤها (فنشرَ عِلمَه) ما نتيجته؟ قال: (يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ)(6)، المُعلِّم في ميزان الله جعله الله بمستوى أمَّة يُحيي، النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحيى الله به الأمم، لذلك كلٌّ منا يجب أن يُشمِّر، لما يسمتمع لتفسير سورة العلق فدرس الشيخ جميل، ماذا استفدنا؟ سنحوِّلُ الكلام إلى أعمال وفهمٍ وعملٍ وتعليم، والنبي يقول:

{ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ }

[صحيح البخاري]

ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً والمقصود إنساناً (خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ)(7).
والعِلم كلُّ ما نفعك ونفع الناس فهمُهُ فهو عِلمٌ يجب تعلُّمه، ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ فبِالقلم واقرأ ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ ألسنا بحاجة أن نتعلَّم ما نجهله مما يُسعِدُنا ويُسعِدُ الناس؟

الطغيان يغلب على الإنسان :
﴿كَلَّا﴾ هذه تُفسَّر إما بمعنى حقاً يعني حقاً ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ يزيغُ وينحرف عن تعاليم الله وهديه ذات اليمين وذات الشمال، إذا مشى على جسرٍ فوق النهر وذهبت سيارتك تجاه اليمين أو الشمال ماذا تكون النتيجة؟ طغيت عن سلوك الطريق المستقيم إلى إحدى جهتين فيكون الهلاك والفناء، فحقاً ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾، أيُّ إنسان؟ الإنسان الخام الذي لم يدخل معمل التصنيع، الحديد في الجبل وجبل الحديد إذا لم يدخل معمل التصنيع لا قيمة له ولا فائدة منه، أعطِ الجبل لرجلٍ سيقول: ماذا سأفعل به؟ أما إذا دخل مدرسة العِلم الصناعي فيُصنَّع فيصير طائرةً يباع بعشرات الملايين، يصير باخرةً ومعملاً ومصنعاً وإلى آخره..

مدرستان لا بد منهما:
﴿كَلَّا﴾ حقاً ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ الإنسان الخام الذي لم يُصنَع بالعِلم والمعرفة سواءً العِلم بالقلم أو العِلم مِنْ طريق ذكر اسم الله، فمدرستان لا بدَّ منهما، النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في معركة بدر لما كان أسرى الكفار عنده جعل فدية الأسير الذي يكتب ويقرأ أن يُعلِّم عشرة أطفالٍ مِنْ أبناء المسلمين القراءة والكتابة، النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الذي أُنزِلَ إليه وأوحي إليه ألا يعلَم القرآن؟ ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ فقام لينشُرَ العِلم بالقلم مِنْ طريق تعليم القراءة والكتابة، فنحن لما نقرأ هذه السورة ماذا يبقى بأفكارنا أو عزائمنا وهمَّتنا أن نُحوِّل القرآن مِنْ كلامٍ إلى عمل؟ الكمبيالة إذا لم تحوِّلها بالبنك إلى قبضٍ ما فائدتها كورق؟ الجريدة أكبر وفيها كتابةٌ أكثر منها، فإذا لم تُحوَّل الكتابة إلى عملٍ وتطبيق فلا فائدة وكذلك القرآن، لماذا المسلمون الآن فيما هم عليه مِنْ تخلُّفٍ وضعفٍ وطمع الطامعين فيهم وعدوان الأعداء عليهم بل هُم أعداء أنفسهم؟ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

{ أَعْدَى عَدُوَّيْك نفسُك التي بين جَنْبَيْكَ (8) }

[اعتلال القلوب للخرائطي]

هذه أعدى الأعداء، العدو الخارجي تشعر به وتُهيِّئ الأسباب لمكافحته، أما النفس الأمارة بالسوء:

أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
[سورة الفرقان]

لا تشعر بعداوتها تُقدِّم لك السُّم وتحسَبُه حليباً، الخطر هنا، أما السُّم الذي في الأفعى هل منه خطر؟ الخطر الذي يصير مِنْ أكل الحلويات لما تأكل زيادةً عن حاجتك أو تدخل طعاماً على طعامٍ قبل هضمه هذا يتحوَّل إلى سموم، فتحوِّلُ الحلويات إلى سمومٍ بجهلك وعدم فقهك بفقه الغذاء.

فقه النبي الكريم الصحي:
فقه الغذاء كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ نحن قومٌ لا نأكلُ حتى نجوعَ، وإذا أكلنا لا نشبعُ (9) }

[السيرة الحلبية]

نترك المعدة ناقصةً ملعقةً واثنتان وثلاثة ثم ينتفِشُ ويملأ المعدة فنشعر بالشبع بعد عشر دقائق، هذا أليس مِنَ الفقه في الدين؟ يا ترى هل تعلَّمنا هذا الفقه؟ لما يقول الله:

يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
[سورة الأعراف]

فقه (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) لا في الكمية، معدتك صغيرة فأن تملأها كثيراً هذا إسراف، أو تأخذ سكريات أزيَد مِنْ حاجة الجسم يصبح معك مرض السكر وتجهد البنكرياس فتتعطل خلاياه فلا يحرق السكر وبتحليل الدم يظهر أن السكر غير مهضوم، لماذا؟ لأنك عصيت الله فلم تفهم كلامه ولم تمتثل أوامره لما نصحك؛ وقال لك: (وَكُلُوا) السكر (وَاشْرَبُوا) ما شئتم (وَلَا تُسْرِفُوا)، إذا أخذت دهناً أكثر مِنَ الحاجة يصبح معك كولسترول وانسدادٌ في الشرايين فيصير مرض القلب، لماذا؟ لأنك عصيت الله وجهِلْتَ أوامره بقوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)، لما تقرؤها هل تفهمها؟ وإذا فهمتها هل هذا هو كل الفهم لها أم لها معانٍ أوسع وأوسع؟

المسلم الحقيقي:
أن نصبح مسلمين ما معنى مسلمين؟ يعني مُستجيبين لتعاليم الله، الإسلام هو الاستجابة، أما أن تُلقِّبَ نفسك بمُسلم! مثل إذا لقبت نفسك وزيراً أو لواءً في الجيش ولبست البدلة ووضعت النجوم والسيفين على كتفك وأنت كاذبٌ وأنت مُستخدمٌ بمدرسة، فماذا تكون عقوبتك على هذا التزوير؟ أيضاً إذا زوَّرت فقلت أنك مُسلمٌ مُستجيب وأنت مُدبِرٌ عن الله ومُعرِضٌ عن السماع والتدبُّر لأوامر الله، الشرطي لما الضابط يأمره ويُصغي له بتدبُّرٍ أم بلا تدبُّر وبتفهُّمٍ أم بلا تفهم؟ فهذا الضابط مع الشرطي، فنحن مع الله هل نتدبَّر ونتفقَّه ونتقبَّل أوامره كما يتدبَّر هذا الموظف الصغير أمام الموظف الذي هو أكبر منه؟ لذلك لما العرب الأوَل فهِمُوا القرآن حق الفهم وعملوا به حق العمل كانوا سادة الأمم لا سيادة الاستعلاء والنهب والسلب وإذلال الشعوب، كانت سيادتهم سيادة العالِم على المُتعلِّم والقوي لإنقاذ الضعيف والناهض لينهض بالمتخلِّف؛ وهكذا سطَّر القرآن المهضوم فهماً وإيماناً وعملاً سطَّر في تاريخ الإنسان أعظَم حضارةٍ علميةٍ وفكريةٍ وروحيةٍ وأخلاقيةٍ وإنسانية، وكما قال سيدنا عمر رضي الله عنه: نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام.
ما معنى بالإسلام؟ يعني الاستجابة بالعمل بأوامر الله لا باللقب، لقِّب نفسك وزيراً ماذا استفدت؟ الآن نُسمِّي أنفسنا مسلمين فهل استفدنا شيئاً؟ فكن مسلماً بصدقٍ أو قُل أنا لست مسلماً أنا لا أكذب، قُل أنا منافق، المنافق هو الذي يدَّعي الشيء ولا يكون مُتخلِّقاً ومُتَّصفاً به، فهل تكونون مسلمين أم منافقين أم كافرين؟ الكافِر يقول أنا أرفض الإسلام، هل ترفضون الإسلام؟ والمسلم الذي يستجيب لأوامر الإسلام بعد فهمها، هل تستجيب لأوامر لا تفهمها؟ إذا صدَّرَ لك أحدٌّ ما أوامراً بالإنجليزية أو الكردية أو الفارسي هل تستجيب؟ لا لأنك لم تفهم، فإذا قرأت القرآن ولم تفهم فلن تستجيب، فهل أنت مسلم؟ فإذاً أنت لم تستجب وتدَّعي الإسلام فما لقبك الحقيقي؟ قولوا، مَنْ منكم المُسلم ومَنْ المنافق؟ أمامي وبين بعضكم تخجلون، لكن غداً سننفضح أمام الله، الله يقول أنتم لستم مسلمون أنتم كاذبين، أولاً لم تفهموا كلامي ولا فهمتم القرآن ولا قرأتموه لتفهموه ولا ذهبتم إلى العالِم ليُعلِّمكم حتى تفهموا، فكيف تدَّعون الشيء زوراً وبهتاناً؟ إذا ادَّعيت أنك تملك هذا البناء هل تستفيد شيئاً؟

تحذير الإنسان من تجاوز الحد:
﴿كَلَّا﴾ كلا هو حرف ردعٍ وزجرٍ يعني اخجلوا مِنْ أنفسكم وارتدعوا وانزجروا عن هذا الادعاء، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ ردعٌ عن الطغيان فأن تتجاوز حدَّك إلى شيءٍ ليس لك، أمرك الله بفريضة العِلم فتترك العِلم وتتجاوزه إلى الجهل، تتجاوز التقوى إلى الفِسق ومعصية أوامر الله، أمرك بالزكاة فتبخلُ وتضنُّ على الفقراء وأمرك بالعدل والرحمة بالضعفاء فتتعدَّى وتظلم هذا ماله وهذا حقه وهذا كرامته، هذا هو الطغيان، قال فالإنسان بطبيعته البدائية الخامية والإنسان الخام بطبيعته طاغٍ، فالذي يُزكِّيه ويُعقِّمُه ويُطهِّره مِنْ هذا الطغيان هو الذي يُعلِّمُك الكتاب والحكمة ويُزكِّيك من الطغيان ويُطهِّرُك، فهل فتَّشت عن المُعلِّم الذي يُعلِّمُك القرآن لا تلاوة ألفاظه، شريط المسجل يقرأ القرآن أفضل منك نغمةً وتجويداً وقراءةً وكلَّ شيء، فأن تتعلَّم القرآن بتعلُّمِ هديه وإرشاده وحلاله وحرامه ووصاياه لتتحوَّل فيك واقعاً عملياً منظوراً مُشاهداً تسعَدُ بها وتُسعِدُ الآخرين.

المؤمن لا يطغى:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ هل قال: إن المؤمن ليطغى؟ لا، بل الإنسان الذي لم يدخل مدرسة الإيمان ولم يأخذ شهادة وثقافة علوم القرآن، الذي أخذ شهادة الطب ما معناه لما يُلقَّب بالطبيب؟ يعني درس وعلِم وفهِم ويقوم بعلاج وشفاء المرضى، فيكون لقب الطبيب صادقاً ومُنطبقاً عليه، ﴿كَلَّا﴾ يعني ارتدع أيها الإنسان وحقاً إنك لتطغى إذا لم تدخل مدرسة الإيمان والقرآن، خاصةً ﴿أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾، إذا صرت ذا ثروةٍ ومالٍ يقسو قلبك ولا تفكِّر إلا بمن يشرب ماء البحر وهو عطشان فكلما ازداد شرباً ازداد رياً أم عطشاً؟ وكما وَرَدَ في حديث النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ لو أنَّ لابنِ آدَمَ واديًا من ذَهَبٍ؛ لتَمَنَّى واديًا ثانيًا، ولو أُعطِيَ ثانيًا؛ لتَمَنَّى واديًا ثالثًا، ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويتوبُ اللهُ على مَن تابَ }

[صحيح البخاري]

(لو أنَّ لابنِ آدَمَ واديًا من ذَهَبٍ) شرِبَ كأساً مِنْ ماء البحر هل ذهب العطش؟ يقول لا زلت عطشاً أعطوني أيضاً، ولو شرِبَ البحر يبقى عطشاً، (لو أنَّ لابنِ آدَمَ واديًا من ذَهَبٍ؛ لتَمَنَّى واديًا ثانيًا، ولو أُعطِيَ ثانيًا؛ لتَمَنَّى واديًا ثالثًا، ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويتوبُ اللهُ على مَن تابَ)(10)، ولم يقُل ولا يملأ جوف المؤمن والمسلم، المُسلم هو المُستجيب، أزيلوا كلمة مسلم، المسلم هو المُستجيب، إذا كنت مُستجيباً فأنت مسلم، وإذا ادعيت اللقب وأنت لا تستجيب لأوامر الله فأنت منافق، لا توجد استجابةٌ في أقوالك وأعمالك وسمعِك وبصرك ومالك وشبابك وحكمك وجاهِك وفي بيتك ومع أهلك وزوجتك وخادِمك ومع كلِّ مخلوقات الله ومع الدابة والشجرة.
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ أم المُسلم والمُستجيب ليطغى؟ لا المستجيب استجاب وامتثل، الامتثال ضد الطغيان والطغيان ضد الامتثال، فأنتم إنسانٌ أم مُستجيب؟ المقصود من الإنسان يعني الإنسان قبل العِلم والإيمان الحقيقي وقبل الاستجابة لتعاليم الله، جعلنا الله الإنسان المُستجيب، فإذا صار الإنسان المستجيب هو الإنسان المُسلم والمؤمن، قال: فإذا لم تستجِب ستكون طاغياً، السيارة إذا طغَت ودست على الفرامِل ولم تقِف أين تكون؟ بأسفل الوادي تُدمَّر السيارة ويُدمَّرُ مَنْ فيها.

المال وأثره في الإنسان:
﴿الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ إما أن يستغني بمالِه، ينسى الدين والإيمان والآخرة والقرآن، لو قرأ القرآن أو سمعه لا يستجيب، يقرأ الجريدة والمجلة مِنْ أجل ماذا؟ ليفهم أم ليقرأ؟ ليقرأ ويفهم، فإذا قرأت لكي لا تفهم فهذا طغيانٌ وتجاوزٌ على كلام الله، الأفضل أن لا تقرأ ولا تترك المصحف في بيتك إذا جعلت له بيتاً مطرزاً وطبعةً وتجليداً مذهباً هل يُفيدك؟ كان القرآن عند الصحابة مكتوباً على الحجار والعظام وأوراق النخيل، الذي لديه ورقتان وحجرتان وعظمتان، لكن كان القرآن عندهم عِلماً وعملاً وتعليماً حتى ببذل أرواحهم، لماذا جاهدوا وبذلوا أرواحهم؟ ليأخذوا أموال الناس ويستولوا على حقوقهم؟ جاهدوا وبذلوا أرواحهم ليوصلوا العِلم والحكمة وفضائل الأخلاق إليهم، كانوا مُضحِّين وآثروا حياة الآخرين بالعِلم والفضيلة على حياتهم ووجودهم.
فأدرِكْ نفسك يا إنسان خاصةً إذا صرت ذا ثروة ومال، لا تطلب العِلم ومجالسه ومجالسة العُلماء والحكماء لأنك مشغولٌ ولست متفرغاً، هذا جواب المنافقين في زمن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قالوا:

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
[سورة الفتح]

(شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) عن مجالسك ومجالس العِلم والحكمة والإيمان، يا تُرى هل قَبِلَ الله عذرهم؟ (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا)، يا شيخي ادعُ لنا، الله قال: (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)، لا توجد لديهم رغبةٌ ولا ميلٌ ولا شعورٌ بالحاجة لينتقلوا مِنَ الجهل إلى العِلم ومِنَ النفاق إلى حقيقة الإسلام الذي هو الاستجابة والتطبيق والتنفيذ بعد العِلم والفهم الحقيقي.
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾، فيستغني عن مجالس العِلم وعن العالِم والمُربِّي والحكيم والمُزكِّي بطغيانه، إما بباطله وشبابه ومالِه وجاهِه ﴿أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾.

الرجعة إلى الله لا محالة:
فقال الله بعد ذلك لهذا الإنسان: انتبه ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ غداً أمامك فحص، الطالب بأول السنة إذا لم يدرس وطغى على برنامج المدرسة فأهمَل دراسته ومطالعته في آخر السنة توجد أمامه عودةٌ إلى الفحص، وعند الفحص والامتحان يُكرَمُ المرء أو يُهان، فيا تُرى لما أنت تقرأ سورة أو تسمعها لما يقول الله: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾، إذا قال لك رجل أمن: غداً ترجِعُ إلينا يوجد موعدٌ بيننا وبينك، هل تحسِبُ حساباً لهذا اللقاء والرجوع؟ يا تُرى الأمن أعظَم أم الله أعظَم؟ حساب الله يقول لك:

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
[سورة الزلزلة]

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) المكافأة عليه (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) كلُّه مُسجَّلٌ وستُسألُ وستُكافَأ وتُجازى على الشر ولو كان نقيراً، النَّقير هو الحفرة الصغيرة بظهر النواة، أو قطمير وهو مثل الورقة الرقيقة التي تُغلِّف النواة، والفتيل هو النواة المشقوقة في النصف فيها مثل الخيط هذا اسمه فتيل، فأعمالك مِنَ الخير لو كان فتيلاً أو نقيراً أو قطميراً مُسجَّلةٌّ وستُكافأ، وإذا عملت الشر مقدار الفتيل أو النقير أو القطمير (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، كلام الله ليس مِنْ عندي، هل هذا كلامي؟ يا تُرى لما تقرؤونه هل تقرؤونه لتفهَموه؟ وإذا فهمتموه هل الله أعظَم أم رجل الأمن؟ إذا قال لك كذا وكذا هل تستطيع المخالفة؟ الساعة الرابعة والواحدة، افعل كذا واترك كذا.. أمر الدولة يجب أن يُنفَّذ، فالله أعظَم أم مَنْ أعظَم؟ لما تقول في الصلاة الله أكبر هل أنت صادقٌ في هذه الكلمة؟ الله أكبر أم مالُك أكبر في قلبك أم زوجتك أم الشرطي أم مَنْ الأكبر؟ كم تُكبِّرُ الله أكبر؟ هل أنت صادقٌ فيما تقول؟ جعلنا الله من الصادقين.

التوبة النصوح قبل الحساب:
وهذه لا تكون إلا بالمُعلِّم والمُزكِّي وبكثرة ذكر الله وبتوبةٍ نصوحٍ صادقة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
[سورة التحريم]

والتوبة النصوح هي أن لا تعود للذنب كما لا يعود الحليب إلى ثدي البقرة، الحليب إذا خرج من ثدي البقرة فهل يعود؟ كذلك النوبة النصوح أن تترك الذنب ولا تعود له إلا إذا رجع الحليب إلى البقرة، لما تقرؤون هذه الآية هل تفهمونها؟ ولما تقرؤونها هل تقصدون الفهم؟ وإذا فهمتموها هل تستجيبون لله والرسول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
[سورة الأنفال]

هل نفهم ما معنى هذا الكلام؟ ستُدعَى إلى الوقوف بين يدي الله والحساب.

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
[سورة الكهف]

(وَوُضِعَ الْكِتَابُ) كتاب أعمالك المُسجَّلة عليك (وَوُضِعَ الْكِتَابُ) في محكمة الله وأنت أمامه (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ)، القاتل لما يحضرون إضبارته في المحكمة، وإذا كان لأحدهم عند الحكومة خمس ملايين ليرة لأنه متعهد وأخرجوا له إضبارته من أجل القبض.. كيف سيكون الموقف؟ (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ) ما هذا؟ (لَا يُغَادِرُ) يعني لا يترك (صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً) مِنَ الذنوب (إِلَّا أَحْصَاهَا) مكتوبة (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) كلُّه مُسجَّلٌ مِنَ السيئات والحسنات ولا (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) سيُكافئك على حسناتك دون أن ينقُصَ مِنْ ثوابك ولا واحداً بالمليون.

ردع للإنسان طغيانه وغفلته:
﴿كَلَّا﴾ يعني ارتدع أيها الإنسان عن طغيانك وغفلتك، ولا تكن الإنسان الخام الأمي في ثقافة مدرسة الله ومعرفة وفقه كتاب الله، مستغنياً عن الله بشبابك تقول: لا يزال صغيراً وولداً، كيف لا يزال صغيراً وولداً؟ متى ما بلَغْتَ صرت مُكلَّفاً، لا يزال جاهلاً، هل يسمح الإسلام بالجهل؟ الإسلام هو حربٌ على الجهل، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ ليسَ منِّي إلَّا عالِمٌ أو مُتعلِّمٌ (11) }

[مسند الفردوس للديلمي]

عالِم تُعلِّمُ الناس أو جاهلٌ تتعلَّم مِنَ العالِم، وإذا لم تكن مِنْ أحد الصنفين فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم بريءٌ منك، هذا كلام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليس كلامي، هل تفهمون؟ هل يرسُخُ بذهنكم أم مِنْ هنا لهنا؟
أحدهم ذهب للمقبرة ورأى رجلاً أبلهاً يُخرِجُ الجماجم ويفحصها ومعه سيخ، جمجمةٌ لما يأخذها يضع السيخ مِنْ منفذ الأذن إلى المنفذ الثاني، إذا وصل السيخ للأذن الثانية يشيل الجمجمة ويضربها ويطحنها طحناً، وإذا لم يخرج من الأذن الثانية يُكفِّنها ويغسلها ويُعطِّرها ويدفنها، قال له: لماذا تفعل هذا؟ قال: هذا الذي يخرج منه السيخ إلى الجهة الثانية كان الكلام يدخل مِنْ هنا ويخرج مِنْ هنا ولا يستقر هنا، فهذه يلزمها تدمير وتحطيم، أما الذي لا يخرج السيخ منه فهذا كان يُمسِكُ رأسه الحقائق والمواعظ والإرشاد فينتفع به، هذا يجب أن نغسِّلُه ونكفِّنه ونُعطِّرُه ونتبارك به، فأنتم مِنْ أيِّ نوع؟

وجوب اختيار الطريق:
الأمر ليس مزاحاً ولا تسلية ولا جئنا إلى الدرس وذهبنا، أريد أن تخرجوا مُتعلِّمين، يظهر في أعمالكم وأنفسكم ومع الآخرين وفي بيوتكم ومع أولادكم في رضاكم وغضبكم ومطامعكم، جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسَنه.
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ لماذا لا تأتي إلى الجامع؟ والله لست متفرغاً، هذا مُستغني، أحدهم يقول والله صار غنياً فلا يأتي لباله لا الجامع ولا العالِم ولا العِلم ولا المُعلِّم ولا القرآن ولا الحكمة ولا التزكية مثل:

أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
[سورة الفرقان]

يعرف الأكل والشرب والبرد والحر، وقت الحر يأتي إلى الظل، كنا بأفريقيا ونحن هكذا بالسيارة رأينا ثيران البرية بوقت الشمس كلهم يجتمعون مع بعضهم البعض تحت ظلال الشجر مِنْ حرارة الشمس، وفي وقت البرد يذهب الحيوان إلى مغارته وكهفه، فإذا كنا لا نعرف إلا جسدنا (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ) نعرف الأكل والشرب والبرد والحر وما يُؤذي أجسامنا، أما حياتنا الروحانية والعلمية والقلبية والعقلية (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ).

الإيمان بالرجعى:
ما الفائدة إذا كان لديك صندوقٌ مليءٌ ذهباً وعقلك مليءٌ جهلاً، صندوقك مليءٌ مالاً وقلبك مليءٌ نفاقاً وظلمات الذنوب، ما الفائدة؟ ثم تترك وتُدير ظهرك وتمشي، يتنعَّم بها غيرك وأنت تُحاسَب عليها والله أعلَم بمصيرك، ﴿كَلَّا﴾ ارتدع أيها الإنسان مِنَ الطغيان، فمن طبيعة الإنسان بلا مُعلِّمٍ ولا مرشدٍ أن يطغى ويرى نفسه أنه استغنى ولا يُفكر بـ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ هل أنتم مؤمنون بالرجعى؟ بالكلام أم بالقلب والعمل أم بالجامع وخارج الجامع نترك الذي سمعته بالجامع ونخرج؟ افحصوا أنفسكم؟ أكثروا مِنْ ذكر الله، واحرصوا واسألوا مِنَ الله ما كان يسأله النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ اللهمَّ إنِّي أسأَلُك حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يُحبُّكَ، وحُبَّ عملٍ يُقرِّبُنِي إلى حُبِّكَ }

[سنن الترمذي]

هذا كان دعاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (اللهمَّ إنِّي أسأَلُك حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يُحبُّكَ)(12)، هل تُحبُّ أحباب الله؟ ما الدليل على أنك تُحبِّهم؟ بالكلام كلُّ شيء، اللسان يُطاوعك، لكن اللسان يا تُرى إذا لم تُصدِّقهُ الأعمال هل ينفع حُب اللسان؟ (اللهمَّ إنِّي أسأَلُك حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يُحبُّكَ)، فإذا أحببت أحباب الله بغير اختيارٍ تسلك الصراط المستقيم، وتتبدَّل سيئاتك بحسناتٍ وجهلك بعِلمٍ وطيشُك بحكمةٍ ورذائلك بالفضائل، (وحُبَّ عملٍ يُقرِّبُنِي إلى حُبِّكَ).

التقوى وتذكر نعمة الله تعالى بالعلم والتعلم:
﴿كَلَّا﴾ حرف ردعٍ وزجر، انزجِر أيها الإنسان وتذكَّر دائماً فضل الله عليك الذي فَتَح لك مدرستين: مدرسة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ومدرسة ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾، فستكون خريج المدرستين: مدرسة ذكر الله ومدرسة ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾، فإذا سلَكْتَ المدرستين يُعلِّمُك ما لم تعلَم، وكلا وارتدع عن عكس هذه المعاني، وإياك أن تكون ذلك الإنسان الذي يطغى ﴿أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾، لا يزال ولداً وجاهلاً، والله مشغولون ولسنا متفرِّغين، هذه الأعذار عند الله هل هي مقبولة؟ جعلنا الله وإياكم مِنَ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسَنه، واجعلنا اللهم هادِينَ مَهدِيين ولا تجعلنا ضالِّين ولا مُضلِّين، ولا تُخزِنا في الدنيا ولا يومَ الدين، وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه.

ترحيب بوزير من السودان وصلاة الغائب على الشيخ محمد الغزالي:
اليوم من ضيوفنا نُرحب به وأهلاً وسهلاً، الشيخ إبراهيم الوزير مِنْ أحد كبار علماء اليمن وأحد كبرائها ومِنْ كبار الصحفيين فيها، فإذا شرَّفنا بكلمةٍ نكون له مِنَ الشاكرين، فأهلاً وسهلاً.. الشيخ إبراهيم كنا بلقاءٍ معه في مؤتمرٍ بأذربيجان، وهو صديقنا مِنْ قديمٍ ومِنْ كبار العلماء والفضلاء والذين يسعون لخدمة الإسلام بكلِّ ما يملكون مِنْ طاقة، وبعد ذلك عندنا صلاة الغائب على فقيدنا الغالي الشيخ محمد الغزالي وشيخ الأزهر الشيخ زياد الحق أخينا وصديقنا وحبيبنا رحمه الله وإبراهيم المنعم إذا شاء الله.

كلمة رئيس الوفد:
الحمد لله رب العالمين، أحمده وأشكره وأثني عليه وأستغفره، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله، أيها الإخوة نشكر الشيخ الهمام الفاضل الذي يُؤدي واجبه في الدعوة إلى الله وفي التذكير به في وقت كثُرَتْ فيه الظلمات وكثُرَ فيه الجهل وكثُرَ فيه الإعراض عن الله، ولا شكَّ أن كلمته شاملةٌ وعامةٌ وهي التفسير الذي سمعناه عِلمٌ وفهمٌ وعملٌ وتعليم، ونحن نأمل جميعاً أن يُوفِّقَنا الله سبحانه وتعالى لأن نكون مِنَ الذين يستفيدون بالعِلم في المدرستين كما سمعنا مِنْ فضيلة الشيخ: مدرسة العِلم بذكر الله والإقبال على الله ومدرسة العِلم بالتعلُّم بالقلم واتباع سنن الله في هذه الأرض، ولا شك أنما ضربهُ لنا الشيخ الفاضل مفتي هذه الديار بل مفتي الأمة الإسلامية في هذا الزمان، ولا أقول هذا مدحاً أو إطراءً باللسان ولكنها الحقيقة لأن روح الشيخ روح مؤمنٍ عارف، وقلبه قلب شاب، وفهمه وعقله مُتجددٌ بفضل الله سبحانه وتعالى، ولذلك نسمع منه في كلِّ لقاءٍ ومؤتمرٍ حكماً جديدةً ودعواتٍ إلى الله بالطرق التي تنفع إن فُهِمَت ولو طُبِقَت كلَّ التطبيق.
أيها الإخوة لا نريد أن نخرج مِنْ هذا المكان كما يقول الشيخ فنقول محاضرةٌ جميلةٌ وكلامٌ جميلٌ وصحيح، بل نسأل الله سبحانه وتعالى ونتوجَّه له باسمه الأعظم أن يرزقنا أن نفهم الفهم الصحيح وأن نُطبِّق التطبيق السليم وأن لا نقصُد إلا وجه الله، إذا عملنا هذا وأقبلنا عليه بإخلاصٍ تامٍّ فسوف ننجح في الدنيا ونفوز في الآخرة، ونجاحنا في الدنيا برضا الله عنا، وبالاطمئنان الذي يصبُّه الله على قلب المؤمن الذي يكون راضياً عنه، ونجاحنا في الآخرة بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، وبنجاةٍ مِنَ النار وبرضوانٍ مِنَ الله أكبر، فهو أكبر مِنْ كلِّ شيء، اللهم إنا نسألك أن تصلي وتُسلّم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه الراشدين والتابعين هديَه إلى يوم الدين، وأن ترزقنا الإقبال عليك والتعلُّم منك والعمل بما علِمنا والإخلاص لك ونسألك حُسن الختام والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا ودنيانا التي فيها معاشُنا وآخرتنا التي إليها معادُنا يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك أعلى درجات الفردوس مع نبيِّك محمَّدٍ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، ومع إخوانه المرسلين وأهل بيته الطاهرين، تفضُّلاً منك ومنةً ورحمةً يا أرحم الراحمين، اللهم انفعنا بما علَّمتنا، وعلمنا ما ينفعنا وزِدنا علماً، وصلَّى الله على سيدنا محمِّدٍ وعلى آله، والسلام عليكم ورحمة الله.

الهوامش:
(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب ذهاب الإيمان آخر الزمان، رقم: (148).
(2) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، رقم: (4330)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ...، رقم: (1061).
(3) حلية الأولياء، (8/88)، مسند إسحاق بن راهويه، رقم: (1128)، (2/553)، بلفظ: ((إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما فلا بورك لي في طلوع الشمس ذلك اليوم)).
(4)حلية الأولياء، لأبي نعيم، (8/35).
(5) مسند أحمد (23489)، (38/474)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (4774)، (17/132).
(6) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(7) الطبراني في المعجم الكبير: 1/ 315 (930).
(8) اعتلال القلوب للخرائطي، رقم: (32)، (1/26)، الوهد الكبير للبيهقي، رقم: (343)، (ص: 156)، الفردوس للديلمي، عن أبي مالك الأشعري، رقم: (5248)، (3/408).
(9) السيرة الحلبية، (3/299).
(10) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، رقم: (6436)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا، رقم: (1049).
(11) مسند الفردوس للديلمي، (3/419).
(12) سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن: باب ومن سورة ص، رقم: (3235)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. مسند أحمد، رقم: (22109)، (36/ 423).