تفسير سورة العلق 1

  • 1996-03-15

تفسير سورة العلق 1

الحمد لله رب العالمين، وأفضل التحيَّات والتسليمات العطِرات على سيِّدنا وحبيبنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه خاتَم النبيين والمرسلين، وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخويه سيِّدينا موسى وعيسى، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وأحبابهم وأهلِيهم وأصحابِهم أجمعين، وبعد:

رغبة هيلاري كلينتون في التعرف على الإسلام:
وُضِعَت أمامي هذه الورقة نقلاً عن إحدى الصحف والعنوان (هيلاري) وهي زوجة الرئيس كلينتون، العنوان: (هيلاري طالبة مجتهدة).. السيدة هيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأمريكي، قالت الكاتبة: إنها أصبحت طالبةً مجتهدةً لتعلُّم الإسلام، أصبحت طالبةً مجتهدةً لتعلُّم الإسلام الذي كثيراً ما يُساء فهمه وتصويره في العالَم الغربي، يُعرَضُ بشكلٍ مشوَّهٍ وغير حقيقي، وذكرت رويترز أن السيدة كلينتون قالت كلمةً سجَّلتها على شريط فيديو وعُرِضَ في مهرجان الجمال الأدبي المُقام في السعودية حالياً: إن الفضل في تطلُّعِها وتدبُّرِها في حالة الإسلام يرجع جزئياً إلى ابنتها التي تلقَّت دروساً في التاريخ الإسلامي، وكانت السيدة كلينتون قد أقامت حفلاً بمناسبة حلول عيد الفطر في البيت الأبيض الأمريكي تكريماً للمسلمين في أمريكا.

أول كلمة نزلت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
والآن درسكم هو في أول جملة أوحى الله بها إلى سيدنا محمد وهو مُعتكفٌ في رأس جبل النور في غارٍ اسمه غار حراء، فكان وقد بلغ الأربعين سنةً علاوةً عن ما عرفه المجتمع مِنْ مكارم أخلاقه وطِيبِ نفسه وبُعده عن كلِّ ما يَهين بالفضيلة ومكارم الأخلاق فحُبِّبَ إليه الخلوة بربِّه والابتعاد عن الناس.
فكان يأوي إلى هذا الغار يتعبَّد الله ويخلُو فيه بربِّه، وفيما هو في ذلك إذ يظهر له روح القدس جبريل عليه السَّلام الذي هو سفير الله إلى أنبيائه وسفير السماء إلى الأرض لينقُل برنامج ثقافة السماء لأهل الأرض لتكميلهم وتحقُّقهم بالفضائل والكمالات التي هيأهم الله لها.
فظهر له في هذا الغار وخاطبه بقوله: اقرأ، وكلمة اقرأ، القراءة هي اكتشاف ما يجهله الإنسان فيتعرَّف عليه بقراءة ما هو مكتوبٌ أمامه، تعلَّم أي خُذْ العِلم مما تعلَّمته، فقال له: ((لستُ بقارئ)) أنا أمِّيٌّ لست بقارئ، ما تعلَّمت قراءةً ولا كتابة، فأخَذه روح القدس إلى نفسه وضمَّه ضمةً شديدةً قال: ((حتى كادت أن تزهق نفسي)) وأطلَقه ثم قال له: اقرأ، فقال له: ((لست بقارئ)) فأخذه روح القدس فضمَّه ضمَّةً شديدةً حتى شعر كأن نفسَه تكاد تخرج مِنْ جسده، ثم أطلقه فقال له: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ يعني خُذ العلوم بالقراءة مُستعيناً عليها وعلى معرفتها باسم الله الخالِق لهذا الكون وما فيه مِنْ عوالِم لا يعلَمُها إلا الله، اقرأ مُبتدئاً ومُستعيناً باسم ربك الخالق لهذا الوجود وهذا الكون.

خلق الإنسان من علق:
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾، الحيوان المنوي بالمكبرات يظهر مثل الدودة لها رأسٌ كبيرٌ تسبح في بحرٍ مِنَ المني، خلَق الإنسان مِنْ هذه العَلقة الصغيرة التي تُلقِّحُ البويضة في المرأة فيتكوَّن منها خَلْقُ الإنسان، ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾، ﴿اقْرَأْ﴾ يعني تعلَّم وخُذ العِلم والمعرفة ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ الذي تفضَّل على الإنسان بخلقه وما أكرَمه به مِنْ سمعٍ وبصرٍ وجوارحٍ وأعضاءٍ وما خلق له في هذه الأرض مِنْ نباتاتٍ وزروعٍ ليستمر وجوده وبقاؤه وحياته.

الربُّ هو الكريم:
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ ذو العطايا والفضائل.

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)
[سورة يونس]

مَنْ يُنزل الأمطار ويُخرج الورود والزهور والأشجار، ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ مَنْ صنع الهواء وركَّبه مِنْ غازاتٍ محددةٍ لو زاد غازٌ على غازٍ أو نقُص عن التركيب لمات الإنسان خنقاً ولما وُجِدَت حياةٌ ولا إنسانٌ ولا حيوانٌ ولا نباتٌ على هذه الأرض، فربُّك الأكرم الذي حوَّلك مِنْ علقةٍ لا تراها العيون إلى إنسانٍ صار يغوص في البحار ويطوف حول النجوم، فمَنْ أعطاه هذا العقل وهذه الإمكانات وماذا دَفَعَ ثمنها لربِّه حتى حصل عليها؟ لذلك أكرم مِنَ الله في عطائه للإنسان.

أول ما نزل من السماء:
﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ فأوَّل ما نزل مِنَ السماء وحياً على سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم القراءة والكتابة، ﴿اقْرَأْ﴾، ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ فحجر الأساس في الإسلام القراءة والكتابة، تقرأ ما تجهَله وتكتب ما تعلَمه لتُعلِّمَهُ لغيرك وتُوصِل العِلم بطريقة الكتابة إلى مكانٍ غير مكانك، دينٌ أول كلمةٍ فيه اقرأ واكتب، يعني قبل لا إله إلا الله وقبل الصلاة والصوم والعبادات "اقرأ واكتب"، ثم في السورة الثانية بعد سورة العلق سورة ن، و"ن" تعني الدواة التي يُوضع فيها الحبر، تبدأ بقوله تعالى:

ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
[سورة القلم]

(ن) أي الدواة (وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) يعني الورق الذي يُكتَبُ عليه، يجعلها الله قَسماً ويميناً يحلِفُ بالدواة والقلم والكتابة.

العلم والتعليم في الإسلام:
إخواني نقف قليلاً لنُفكِّر هذه اسمها حضارة إذا عزَلنا الدين عن الموضوع، اسمها نهضةٌ علميةٌ لشعوب أهل الأرض لأنَّ رسالة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم لم تكن قوميةً لقومه فالقرآن يقول:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)
[سورة الأنبياء]

لتُحقِّق التراحُم والتعاون والتحابُب بين شعوب أهل الأرض ولكن عن طريق اقرأ وعن طريق الدواة والقلم والكتابة، ثم لما بعد ذلك يقول سيدناً محمد صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ ، ورجلٌ جادَ بنفسِه في سبيلِ اللَّهِ }

[مسند أبي يعلى]

(ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ) أكرَمُ الناس وأسخاهم وأعظمهم عطاءً للناس، أتدرون مَنْ هوَ الأجود؟ ثم يقول: (اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ) تَكرَّم على الإنسان بخلقِه مِنَ العَدم وخرج مِنْ بطن أمِّه إلى الدنيا وإلى مائدة الله هيأ له فيها كلَّ ما يضمن ويحفظُ وجوده وسعادته ورفاهَه إذا مشى على المخطط الإلهي في سيره في الحياة على هذا الكوكب.
سورتان أول ما يُوحى به إلى سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الإنسان الأمِّي الذي لم يقرأ ولم يكتب والعرب أيضاً كانوا أمّيين، فتنزِلُ السماء وتدعو الإنسان إلى العِلم مِنْ طريق القراءة والكتابة، والعِلم لما لا تعلَمُه، فإن عرفت أو سمعت بعِلمٍ في المشرق لا تعلَمُه وأنت في المغرب فالإسلام يفرِضُ عليك أن تتجه مِنَ المغرب إلى المشرق لتتعلَّم ما تجهلُه ثم لتُعلِّمَهُ للآخرين (اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا) يعني النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (وأنا أجوَدُ بني آدمَ)(1)، أنا أعطيت للناس شيئاً ما أعطاهُم إياه أحدٌ قبلي ولا بعدي، سيدنا إبراهيم وهو أبو الأنبياء ما استطاع أن يعمَل في النهوض بالإنسان كما فعله سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فرَّ مهاجراً مِنَ الضغط في العراق إلى بلاد الشام وظلَّ عمله محصوراً في بعض مدن فلسطين، سيدنا موسى عليه السَّلام كذلك فرَّ مِنْ وجه فرعون ولم يتعدَّ تعليمه بني إسرائيل، وسيدنا المسيح عليه السَّلام رغم قصَرِ مدَّته حاول اليهود صلبه فبحسب الإسلام رفعه الله وبحسب الكنيسة صُلِبَ ولم يستطع أن يعمل أكثر من هذا.
أما سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم بعشرين سنةٍ وضع أساس الأمَّة العالميَّة، رفع فوارِقَ الوطنيات والقوميات واختلاف اللغات، فقال:

{ كلكم بنو آدمَ ، وآدمُ من ترابٍ }

[سنن الترمذي]

أيها الناس كلُّكم مِن آدم لا عرب وعجم وفرنسيين وطليانٍ وهندٍ (وآدمُ من ترابٍ)(2).

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[سورة الحجرات]

لا لتتقاتلوا، ليُقبِلَ بعضكم على الآخر ليتعارَفَ ويتعاون وتتحقق السعادة للنوع البشري والإنساني.

ذهاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ورقة بن نوفل:
فلما انتهى جبريل مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه الضمات وهذا التبليغ الإلهي خرج مِنَ الغار يرجُفُ قلبه وجسده، لأنه كبشرٍ ويُفاجأ بلقاء سفير الله إلى أنبيائه والطبيعة البشرية لها طاقةٌ محدودة، فرجَعَ إلى زوجته خديجة يقول: ((زملوني! زملوني!)) مِنْ رجَفَانه، ثم أخذته خديجة رضي الله عنها إلى ابن عمها المُسمى بورقة بن نوفل، وكان قد تنصَّر -كان نصرانياً- وكانت قريش تعلم أنها تجهل الأديان وتعتقد في النصارى أنهم أهل دينٍ وهم أكثر معرفةً بالأمور الروحية، فقصَّت على ورقةٍ ما حصل لسيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فاستنطَقه ورقةٌ بماذا رأى وبماذا حصل، فحدَّثه بكلِّ ما رأى وبكلِّ ما حصل، فقال ورقة بن نوفل: "سبُّوح سبُّوح" يُسبِّحُ الله ويُنزِّهه، "إنه والله ما رأيته وما حصل معك إنه والله لهو الناموس الذي نَزَل على موسى عليه السَّلام" يعني إنه الوحي الإلهي وسفير الله إلى أنبيائه، "سبُّوح سبُّوح، إنه الناموس الذي أنزله على موسى عليه السَّلام، وليُؤذينَّك قومك وليُخرِجُنّك من بلدك"، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان محبوباً مِنْ كلِّ أبناء بلده مِنْ أخلاقه وحُسْن معاملته، فقال: ((أو مُخرجِيَّ هُم؟)) استغرب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لماذا؟ فقال له: "ما أتى رجل بمثل ما أُوتيت إلا عُودِيَ"، مَنْ يريد أن ينقل الناس مِنْ تخلفٍ إلى تقدُّم، ومِنْ جاهليةٍ إلى عِلمٍ ومعرفةٍ ومِنْ فوضى إلى نظامٍ ومِنْ شقاءٍ إلى سعادة، قال له: "ما أتى رجلٌ بمثل ما أُوتيت إلا عُودِيَ" يُعاديه الناس لأنه يريد أن ينقُلهم مِنْ عوائدِهم التي ورثوها عن آبائهم ومِنْ مجتمعهم إلى أشياءَ جديدة "وإن يُدركني يومُك" وإن بقيت حياً حتى تقوم بنشر رسالة السماء "أنصُركَ نصراً مؤزراً" لأنصرنك بكلِّ ما أملك مِنْ طاقة، قال فلم تمضِ أيامٌ حتى تُوفي ورقةٌ وتابع الوحي.

تتابع نزول الوحي:
صار الوحي ينزل متتابعاً، وتارةً كان يُبطئ عليه الوحي فلا يصبر عن لقائه ومِنْ شدة شوقه لرؤية الوحي كان يصعد إلى رؤوس الجبال ويعزِمُ على أن يُلقي نفسَه مِنْ شواهق الجبال شوقاً إلى رؤية روح القدس جبريل، فلما يهمُّ أن يتردَّى ويُلقي بنفسه يظهر له جبريل في الفضاء ويُخاطبه قائلاً: أنا جبريل وأنت محمدٌ رسول الله، فتهدأ نفسه ويطمئنُّ قلبه ثم بعد ذلك تتابَع الوحي ورسالات السماء وأمَرَه الله عزَّ وجلَّ بتبليغ رسالات السماء إلى قومِه وقومُه إلى مَنْ يلقونه إلى أن أسلم العرب في مدة عشرين سنة، ومعنى الإسلام يعني الاستجابة لنداء الله، والامتثال والانقياد لأوامر الله وقانونه، هذا هو معنى الإسلام يعني الاستجابة الكاملة لكلِّ شريعة الله عزَّ وجلَّ، فبعشرين سنةٍ أوجد خير أمَّةٍ أُخرِجَتْ للناس أخلاقاً وعِلماً وحكمة وتضامناً حتى صار المجتمع بعد أن كان خرافياً ودموياً وكانت الحروب بينهم مِنْ أجل فَرَسٍ تدوم أربعين سنةً فانقلبت العداوة إلى حبٍّ والتمزُّق إلى وحدةٍ وحب الجهل إلى تسابُقِ إلى العِلم، وانتقلوا مِنَ الأنانية والمصلحة الشخصية إلى أن يُؤثِرَ أحدهم أخاه في الإيمان على نفسه في طعامه وشرابه حتى في حياته، إذا تعرَّض أحدهما للموت فالآخر يفدي أخاه بنفسه فيموت بدلاً عنه وكما يقول القرآن:

وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
[سورة الأنفال]

رفع الفوارق بين الألوان والقوميات والأغنياء والفقراء فقال:

{ يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ (3). }

[مسند أحمد]

إلا بمقدار ما يتعلَّم العِلم النافع ويعمل ثم يقوم فيُعلِّم.

تعلُّم القراءة والكتابة فريضة:
جعل الإسلام تعلُّم القراءة والكتابة فريضةً فقال:

{ طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ (4) }

[سنن ابن ماجه]

ولذلك لما وقع الأسرى في قبضة المسلمين في معركة بدر جعل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فداء الأسير إذا كان قارئاً كاتباً أن يُعلِّم عشرةً مِنْ أطفال المسلمين القراءة والكتابة، وانتهت حياة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأن أوجَدَ الأمَّة العالميَّة، الأبيض إلى جنب الأسود والغنيُّ مسؤولٌ عن الفقير والقويُّ بدَلَ أن يطغى على الضعيف يُدافِعُ عن الضعيف ويُناصره، قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ ما آمَنَ بي مَن باتَ شَبعانَ وجارُه جائعٌ بجَنبِه وهو يَعلَمُ (5) }

[المعجم الكبير، للطبراني]

النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول إن كنت تعلم أن هناك جائعٌ وعندك طعامٌ ولا تُطعِمُه إياه فأنت لم تعرف الإيمان في حياتك ولا ساعةً واحدة.
في عصرنا الحاضر صارت الأرض كقريةٍ صغيرة، فبمُقتضى الإسلام إذا عُرِفَ أن هناك بلداً جائعاً، فإذا لم يقُمْ المؤمنون بمدِّ يد المساعدة إلى أولئك الجياع فالنبي يقول عن هؤلاء البخلاء الذين لا يعرفون إلا مصالحهم يقول بأنهم لم يتذوَّقوا ولا عرفوا الإيمان طيلة حياتهم ولا ساعةً واحدةً سواءً ادعوا أنهم مسلمون أو نصارى أو يهودٌ أو غير ذلك..

معنى اقرأ :
اقرأ يعني تعلَّم والعِلم تارةً يكون مِنَ الورق وتارةً تقول أنا قرأت في وجه فلانٍ فرأيت أن وجهه وجهُ غادر، هذه غير القراءة على الورق، فمعنى اقرأ أي اعلم وابحث عن العِلم أي عِلمٍ نافعٍ سواءً كان عِلماً دينياً أو علماً دنيوياً أو أرضياً أو سماوياً، كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، كلُّ مَنْ يستجيب إلى مدرسة الله فالعِلم مفروضٌ عليه، وإذا عَلِمَ مفروضٌ عليه أن يُعلِّم الذين لا يعلمون، وكان يقول:

{ النَّاسُ رجُلانِ : عالمٌ و متعلمٌ ، و لا خيرَ فيما سواهما }

[مسند أحمد]

إنما الناس صنفان: الناس الذين يُعتبرون أنهم إنسان نوعان وما عداهما ليسوا بإنسان، إنما الناس صنفان (عالمٌ و متعلمٌ ، و لا خيرَ فيما سواهما)(6).
إذا لم تكن عالِماً تُعلِّم وإذا لم تكن جاهلاً تتعلَّم فالنبي يقول لا خيرَ فيك، إن كنت جاهلاً فقُم وتعلَّم، وإن كنت عالِماً فقُم وعلِّم، وبذلك بهذا التعليم النبوي قام المسلمون فترجموا وبحثوا عن العِلم والمكتبات في العالَم في الهند في إيران واليونان ترجموا العلوم، وهذه علوم الدنيا، فعلوم الدنيا النافعة تعلُّمها فريضةٌ على المسلم كما يُفرَضُ عليه تعلُّم الصلاة والزكاة وكلّ فرائض العبودية لله عزَّ وجلَّ، ولذلك بهذا التعليم السماوي لم تمضِ مئة سنةٍ حتى انقلب أبناء الصحراء الأمّيون الوثنيون الخرافيون حتى صارت البلاد العربية مقصَد الأمم والشعوب لتتعلَّم منها العلوم النافعة ولتتربَّى مع العِلم بالأخلاق الملائكية الفاضلة، وبذلك استطاع الإسلام وبتعاليمه أن يُوحِّدَ -كما يقول نابليون- أن يُوحِّدَ نصف العالم القديم مع اختلاف اللون والقوميات والعقائد وفي ظلِّ حرية المُعتقد.

لا إكراه في الإسلام:
ما أتى للنصارى فأكرههم على أن يعتنقوا الإسلام، قال تعالى:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
[سورة البقرة]

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
[سورة يونس]

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
[سورة الكافرون]

اليهودي على يهوديَّته والنصراني على نصرانيَّته والمجوسي على مجوسيَّته، فلما وَصَل الإسلام إلى الخليج العربي كان هناك مجوسٌ فأرسلوا رسالةً للنبي أن ماذا نعاملهم وكيف نعاملهم؟ فقال جواباً: سُنُّوا بهم، يعني عاملوهم كما تعاملون اليهود والنصارى يعني في حرية عبادتهم وما يعتقدون، مِنْ حيث الضرائب كانت الضرائب على المسلم ضريبة الزكاة، إذا مَلَكَ ألف دينارٍ يدفع ضريبةً خمساً وعشرين بالألف، أليس كذلك؟ أما غير المسلم فما الضريبة للدولة الإسلامية مهما بلغت ثروته؟ لا يُؤخَذُ منه أكثر مِنْ أربعة دنانير، المسلم كم يدفع؟ خمساً وعشرين بالألف، والعشرة آلاف مئتين وخمسين، أما غير المسلم لو مَلَكَ المليون لا يدفع أكثر مِنْ أربعة دنانير، هل يوجد حكمٌ أنصَفَ الأقليات مِنْ حين خلق الله للدنيا وإلى الآن وإلى أن تقوم الساعة أنصَفَ الأقليات كما أنصَفَ قانون السماء الأقليات؟ فهل هذا معروفٌ لمن يكون غير مسلم؟ ما هو الإسلام؟ أتى برسالة السماء ويحمِلُ مع رسالة السماء الأخيرة رسالة المسيح، يُبشِّرُ بها ويُبشِّرُ برسالة محمد ومعها رسالة المسيح، ومع رسالة المسيح يحمِل رسالة موسى وأنبياء التوراة:

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
[سورة البقرة]

فكان الإسلام في حقيقةٍ واقعيةٍ مجمَعَ الرسالات التاريخية السابقة لكن مع إدخالها إلى حمام التنظيف ليُجرِّدَ منها ما عَلِقَ فيها مما شوَّهَ جمالها وأخرجها عن حقيقتها.

الإيمان بجميع الأنبياء:
وقال في آياتٍ متعددة يُخاطِبُ المسلمين:

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
[سورة البقرة]

(قُولُوا) أعلنوا ونادوا (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) وهو إسرائيل (وَالْأَسْبَاطِ) أنبياء التوراة (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ) كلُّ الأنبياء (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) في التقديس والاحترام والتقبُّل لكلِّ وصاياهم التي لا تخرج عن مكارم الأخلاق ومصلحة الإنسان (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ) لأمر الله (مُسْلِمُونَ) مُستجيبون، فالمسلم هو المُستجيب لأوامر الله العامِلُ بشريعته، لذلك يُسمِّي في القرآن كل الانبياء بأنهم مُسلمون، لماذا سمَّاهم بالمسلمين؟ لأنهم كلهم كانوا مُستجيبين لأوامر الله عزَّ وجلَّ، النصارى انتسبوا إلى المسيح ولم ينتسبوا إلى الاستجابة لأوامر الله، اليهود انتسبوا لسِبطٍ مِنْ أسباطهم وهو يهوذا، أما في الإسلام نُسِبَ المؤمن إلى معنى الدين الذي هو الاستجابة والانقياد والامتثال لأوامر الله التي ما أُنزِلَت من السماء إلا لسعادة الإنسان والنهوض به جسدياً وروحياً وعقلياً وفكرياً وعلمياً وتقدُّمياً.

محاربة الفقر والجهل:
حارب الجهل وقال: (ليسَ مني إلا عالمٌ أو مُتعلم)، وحارب الفقر فقال:

{ كاد الفقر أن يكون كفراً (7) }

[شعب الإيمان للبيهقي]

الكُفر هو الجحود والرَّفض لقانون الله، فالفقير لماذا يصير فقيراً؟ إما لكسَلِه أو خُموله أو إيثاره للجهل على العِلم والتعلُّم، فاقرأ ولكن بالطريق الإلهي، ﴿بِاسْمِ﴾ هذه القراءة مُستعيناً ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، وقرأ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتعلَّم مِنْ جبريل عليه السَّلام روح القدس، وصار الاتصال دائماً بين السماء والأرض، فبكتابٍ واحدٍ ومُعلِّم واحدٍ أمكَن صَهْرُ عشرات الأمم ورُفِعَت الحدود بين عشرات الدول واضمحلَّت القوميات فعربيٌّ وعجميٌّ وفرنسيٌّ وألمانيٌّ هذا لا يشُرِّفُ الإنسان، الذي يُشرِّفُه العِلم والعمل ومكارم الأخلاق التي هي أوامر الله، جعل قوميَّة الإنسان العِلم والعمل ومكارم الأخلاق التي هي الاستجابة لأوامر الله، والاستجابة ما هي؟ الإسلام، فكان أحدهم يقول:
أَبي الإِسلامُ لا أَبَ لي سِواهُ إِذا افتخَروا بقيسٍ أَو تَـميمِ
{ سلمان الفارسي }
يعني النَّسب الذي أعتزُّ به أن أكون مُستجيباً لأوامر الله وشريعته وتعاليمه ووصاياه.

الابتعاد عن الدين:
الآن إنسان هذا العصر يكاد أن يكون إنساناً بعيداً عن حقيقة الدين حتى المسلمين، تسميتهم بالمسلمين يعني بالمُستجيبين لأوامر الله، فهل الذي يحمل لقب مُسلم مُستجيبٌ لكلِّ أوامر الله؟ هل يكون عادلاً غير ظالمٍ وأميناً غير خائنٍ وصدوقاً غير كذوبٍ ومُحسناً وعادلاً غير جائرٍ ولا ظالم؟ التسمِّي بالأسماء والألقاب لا يُوصِلُ إلى الحقيقة، إذا لقَّبْتَ نفسك بالطبيب أو الطيار أو المهندس، اللسان يُطاوِعُك، لكن هل صِرت حقيقة طياراً أو طبيباً أو مهندساً؟ أن تُسمِّي نفسك مسلماً يُطاوعك لسانك، لكن هل صرت مسلماً يعني مُستجيباً لتعاليم الله؟ هل فهمت كلام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (ليس مني إلا عالم أو متعلم)(8) ؟ فتِّش نفسَك، هل تتعلَّمُ ما تجهَلُه مِنْ ما ينفعك وينفع الآخرين؟ فإن تعلَّمت فقد استجبت، وإن استجبت فقد أسلمت وإن لم تستجِب ولم تتعلَّم فلست مُسلماً يعني لست مُستجيباً لتعاليم الله والاسم واللقب في غير موضعه.. تُسمِّي نفسك مليونيراً ومليارديراً ولا تملِكُ دولاراً واحداً، فهل يجعلُكَ اللقب غنياً ثرياً؟

لا سبيل للإنسان إلا العودة إلى اقرأ:
لذلك مِنْ أجل تحقيق سلام الإنسان وسعادته لا طريق له ولا سبيل إلا أن يعود إلى ﴿اقْرَأْ﴾، أيُّ شيءٍ يقرأ؟ يقرأ رسالة الله المنقَّحة مِنْ ما دخل عليها عبر القرون ممّا شوَّه جمالها وأفقدها نورها وضياءها، مسلمو اليوم هل هم كالمسلمين في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ هل هم كالمسلمين في زمن أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما؟ كان أحدهم يُقرَأُ القرآن في أعماله وسلوكه وعِلمه وعلومه وإنسانيَّته وعدله وعلوِّ همَّته، فكان الإسلام ساوى في حقوق الحياة بين المسلم وغيره.. كان المواطن غير المسلم مِنْ مسيحيّ أو يهوديّ أو مجوسيّ إذا تعطَّل عن العمل فقانون الإسلام يفرِضُ له مِنْ وزارة المالية وخزانة الدولة ويُقدِّم له كفايته الكاملة لا نصفها أو ربعها مثل التقاعد، الكفاية الكاملة، وإذا عَجَزَ عن وفاء ديونه لا يضيع حقُّ الدائن، فالدولة هي التي تتحمَّل دين المدين عند عجزه عن وفاء دينه، وفي القضاء لا يوجد امتيازٌ للمسلم على يهوديٍّ أو نصرانيٍّ أو مجوسيّ، كلُّهم في الحقوق والكرامة الإنسانية سواء.
مرَّت جنازة على مجلسٍ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالسٌ فيه، فقام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم تكريماً لجنازة اليهودي، فقال أصحابه: يا رسول الله! إنه يهودي، فكيف تقوم تكريماً لجنازته؟ فأجابهم صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أوليس إنساناً؟))، فراعى حقوق الإنسان حياً وميتاً، راعى يا تُرى هيئة الأمم ومِنْ قبلها عصبة الأمم كتبَت حقوق الإنسان على الورق لكن هل كتبته على الواقع؟ إذاً ضحِكٌ على الشعوب الضعيفة، فالأقوياء من وراء هذه المؤسسات يُحققون أهدافهم على حساب الفقراء والضعفاء، أما شريعة الله عزَّ وجلَّ.
مرةً صعد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم المنبر وقال: (أيها الناس! إنما أنا بشرٌ، فمَنْ ضرَبتُه بغير حقٍّ فليأتي وليضرِبْني، ومّنْ سبَبته فليأتي فليسُبَّني، ومَنْ أخذت مِنْ شعره فليأخُذ مِنْ شعري، لا يقُل بأن محمداً يُعادي صاحب الحق، فإن محمَّداً هو نصيرُ الحق ونصيرُ صاحِبه).

الحاجة إلى القانون السماوي:
تشريعٌ وقانونٌ ويقوم عليه المخلص الصادق لهذا القانون فيا تُرى عالَم اليوم عالَم قرن العشرين والواحد والعشرين هل هو بحاجةٌ لهذا القانون السماوي؟ الإنسان في هذا العصر متعطشٌ لهذا القانون الذي يجهله ولا يعرفه لأسبابٍ كثيرةٍ منها جهله به ومنها تشويه المشوِّهين لشريعة الله وقانونه، يجعلون القبيح حسَناً والحسَن قبيحاً، وماذا تكون النتيجة؟ الحروب والفوضى وعدم الاستقرار والخوف والرعب والعدوان والويلات على بني الإنسان في الشعوب الضعيفة، ثم تحدث حربٌ عالميةٌ كبرى تُهلِكُ الحَرْثَ والنَّسل، لمَ؟ لأنهم لا يمشون على القانون الإلهي، وما أسهل الأمر بوجود وسائل الإعلام الحديثة، لو وُجِدَتْ أفلامٌ تُعرَضُ بالأقمار الصناعية أو التعريف بالإسلام، الإسلام ليس ملكاً أو صنعاً لأمَّةٍ أو شعب، العرب صنعوه؟ لا، إيران صنعته؟ لا، الإسلام صنعته السماء لكلِّ إنسان، لكن الإسلام أتى عليه مع طول الزمن ركامٌ وغبارٌ حَجَبَ جماله وحقيقته عن الناس، وبصورةٍ خاصةٍ المشوِّهُون القاصدون لتشويهه، ما لو عُرِفَ الإسلام بحقيقته وأهدافه الإنسانية العالميَّة الربانيَّة، الله الذي يقول على لسان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سيدنا محمَّدٌ يقول:

{ الخلقُ كلُّهم عيالُ اللَّهِ ، وأحبُّ الخلقِ إلى اللَّهِ أنفعُهم لعيالِهِ }

[المعجم الكبير للطبراني]

(الخلقُ) ليس الناس، الخلق تشملُ الناس والحيوان، يقول: (الخلقُ كلُّهم عيالُ اللَّهِ ، وأحبُّ الخلقِ إلى اللَّهِ أنفعُهم لعيالِهِ)(9).

الإسلام دين الرحمة:
يُذكَرُ بأن الله عزَّ وجلَّ يُدخِلُ أحد الأشرار نارَ جهنم، ويطول مكثُه وإقامته في جهنم، ويظلُّ هذا الشقي يستغيث ويستصرخ ربه: يا حنان يا منان ارحمني! إلى أن يأذن الله له فيقول: ائتوا به إليّ، فيُؤتى به إليه فيوقَفُ ولا يُدخَلُ على حضرة الباب، يقف خارجاً، ويطول وقوفه حتى تتعب قدماه، كذلك يتكلَّم بكلماتٍ وكذا.. فيُؤذن له بلقاء الله عزَّ وجلَّ، فيقول: يا ربي ارحمني! فيقول الله عزَّ وجلَّ له يوم القيامة: هل رحِمْتَ أحداً مِنْ خلقي حتى أرحَمَك هذا اليوم؟ لا مِنَ المسلمين المؤمنين ولا الناس بل مِنْ كلِّ الخلق، ولو كان عصفوراً، إذا يوماً من الأيام رأيتَ عصفوراً قدمه مكسورة فداويته وجائعاً فأطعمته، ولو عصفوراً رحِمته حتى أرحَمك اليوم؟ فكان المسلمون بعدما سمعوا هذا الحديث إذا رأوا عصفوراً أو طائراً في قفصٍ يشترونه ويُطلقونه رحمةً به لإخراجه مِنْ سجنه وحبسه، فيا تُرى هذا الدين بحقيقته وجوهره الذي يحتاج في هذا العصر إلى ثورة، الإسلام والمسيحية واليهودية يحتاجون إلى ثورة، لأنهم عبر القرون تغيَّرت حقائقهم بكثيرٍ مِنْ مفهوماتها عن جوهرها.

لكل زمن حملةٌ للدين:
والنبي محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ يَحمِلُ هذا العلمَ من كلِّ خلَفٍ عُدولُه يَنفونَ عنه تحريفَ الغالينَ وانتِحالَ المبطِلينَ وتأويلَ الجاهِلينَ }

[مسند الشاميين للطبراني]

(يَحمِلُ هذا العلمَ من كلِّ خلَفٍ) يعني مِنْ كلِّ جيلٍ (عُدولُه) ليس كلُّ أحدٍ يستطيع أن يحمل الدين ويكون رجل دين، ووصفهم الذين يحملونه بحقيقته قال: (يَنفونَ عنه تحريفَ الغالينَ)، تصبح هناك مغالاةٌ وزيادة حبٍّ في الدين، فيقومون بمبالغاتٍ حتى تُخرِجَ الدين عن حقيقته وجماله وحيويته، (وانتِحالَ المبطِلينَ) أيضاً يدخل على الدين عقائد غير صحيحةٍ وتختلط في الدين فيتشوَّه الدين، (يَنفونَ عنه تحريفَ الغالينَ وانتِحالَ المبطِلينَ) يعني نحل وعقائد (المبطِلينَ وتأويلَ الجاهِلينَ)(10) رجال الدين يُدخلون شروحاتٍ عن الدين ما يُخرجه عن جوهره وجماله وروحانيته وحيويته، مع كلِّ هذا أنا شخصياً متفائلٌ كلَّ التفاؤل، لا يدخل القرن الواحد والعشرين حتى ترون إذا شاء الله عزَّ وجلَّ، ترون عودة الإنسان إلى مدرسة السماء وإلى الإسلام.

الإسلام هو الاستجابة لشريعة الله وقانونه:
ما هو الإسلام؟ الاستجابة لشريعة الله وقانونه، ليس الذي أتى به سيدنا محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم، بل معه رسالة المسيح وإبراهيم، يقول القرآن في هذا المعنى؟

وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)
[سورة الشعراء]

(وَإِنَّهُ) يعني القرآن بمبادئه وأهدافه (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) يعني موجودٌ في الكتاب المقدس وكتب الأنبياء مِنْ قبل، لم نأتِ بشيءٍ منافٍ ومغايرٌ لمن سبق، (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) علامةً على صحَّته (أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ)، آيةٌ أخرى تقول:

إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ (19)
[سورة الأعلى]

(إِنَّ هَذَا) ما دعا إليه القرآن (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى) في صُحف الأنبياء السابقين: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)، وآيةٌ أخرى تقول:

شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)
[سورة الشورى]

(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) الواحِد الموحَّد (وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)، فما أجمل هذا اليوم وأعتقد أنه آتٍ قريباً، تلتقي الإنسانية تحت راية إبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد، جَمَعَ الله عزَّ وجلَّ هذه الرسالات في كتابٍ واحدٍ وهو القرآن، نقرأ في القرآن المسيح ومولده وقدسية العذراء مريم عليها السَّلام وأنه إنسانٌ مِنْ روح الله ليس إلهاً ولا ابناً للإله، ما أوجَب على المسيحيين بهذه العقائد الدخيلة على المسيحية أن ترفُض الإيمان الكنسيَّ والمسيحي، واليهودي كذلك نقرأ في التوراة أشياءً كثيرةً لا يقبلها العقل ولا المنطق ولا الأخلاق، فأتى القرآن وجمع الكتب الثلاث تحت رايةٍ واحدةٍ:

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)
[سورة النساء]


وجوب قراءة القرآن للعلم والتفهم والعمل:
ما علينا إلا أن ندرس ونقرأ القرآن قراءة العِلم والتفهُّم للعمل في أنفسنا ثم لنعلِّمه للآخرين، وأملي بالله عزَّ وجلَّ أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الإيمان العقلاني، لأن شرائع الله عزَّ وجلَّ ما أتت لتُخالف البصر، قانون البصر ماذا يقول عن لون هذه الورقة؟ بيضاء، فهل يمكن أن يأتي دين الله ويقول اعتقدوا أنها سوداء بما يُخالف قانون البصر؟ فنسمع صوت الحيوان، العقل يقول أنه مثلاً حمار، فهل الدين يأتي ليقول لنا اعتقدوا أنه صوت مطرب؟ هل يمكن أن يأتي الدين بما يُخالف المنطِق أو النظر أو الحواس التي تُعطيك عِلماً عن الأشياء بحقيقتها وواقعها؟ الدين أتى لا موافقاً للعقل بل مُربِّياً ومُغذِّياً ومُنمِّياً ومُضخِّماً للعقل، هل كان عقل العرب قبل الإسلام مثل عقلهم بعد الإسلام؟ كان عقلهم يتحمَّل أن يعبُدَ حجراً لا يسمع ولا يُبصِر، فأتى الإسلام وأعطاه العقل حتى رفض عبادة الأصنام، ورفض كذلك تأليه الإنسان، سيدنا المسيح نُقدِّسُه ونُحبُّه لكن أن نجعله إلهاً! كيف يكون إلهاً وهو يأكل ويشرب ويبول ويتغوَّط؟ الإله قدوسٌ ومُقدسٌ لا يليق به إلا كلُّ شيءٍ مُقدس.
ثم لما أتت الرسالة الأخيرة تقول: (ليسَ مني إلا عالمٌ أو مُتعلم)، وتقول: (ما آمَن بي مَن بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلَمُ)(11)، سواء الجار الشخصي أو الشعبي، والعالَم كلُّه صار كالبلد الواحد، وأعتقد لو استُعمِلَت وسائل الإعلام للتعريف بشريعة السماء التي جمعت كلَّ شرائع الأنبياء مِنْ قبلها تحت عَلمٍ واحدٍ لا إله إلا الله محمد وإبراهيم وموسى وعيسى وكلُّ أنبياء الله ورسله، تبيِّنُ حقوق الإنسان في شريعة الله، أعتقد بأن العالَم كلَّه سيتوحَّد، وسيسعَدُ وستنتهي الحروب والمجاعات وسيتعمَّم العِلم للجميع، وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُهيِّئ هذه الوسائل للسعادة الإنسانية وتحقيق رسالة الله الخاتمة الأخيرة التي لم يُنزِّلها الله إلا رحمةً للعالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمَّدٍ وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

كلمة الضيف:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، سيدي سماحة الشيخ أيها الأخوة الحضور، أحييكم بتحية الإيمان والإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جلَّ القائل في كتابه الكريم:

قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
[سورة يوسف]

سيدي سماحة الشيخ المربِّي، أقف بين أيديكم باسم طلاب ومدرسي المعهد التأهيلي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها الذين جاؤوكم مُهنئين بعيد المُعلِّم المُربِّي، وفي رحابكم وفي ظلِّ رعايتكم كلُّ يومٍ هو لنا عيد:
العيد يومٌ من الأيام منتظرٌ والناس في كل يومٍ منك في عيدِ
{ منقول }
وإنه لحقاً لقاء الوفاء في مسجد النور والوفاء، لقاء الوفاء كما تعلَّمنا منكم أن الوفاء لا يكون يوماً بل دوماً، ووفاء هؤلاء المهاجرين مِنْ أقطار الأرض لمن استقبلهم بصدره وعمَّهم بعِلمه وكلأهُم بروحه وقلبه، فقد حققت والله وصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذي أخرج في ذلك الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ يأتيكُم رجالٌ مِن قِبَلِ المشرِقِ يتعلَّمونَ ، فإذا جاؤوكُم فاستَوصوا بِهِم خيرًا (12) }

[ضعيف الجامع]

لقد أردتم يا شيخي أن يكون هؤلاء المهاجرون إلى الشام الشريف أردتم أن يكونوا سفراء الإسلام إلى كلِّ مكان، سفراء بلا سفارات ودعاةً لا قضاة، يعرضُون الدين بل يعرضُون بالحكمة جوهر الدين بحروف معاني التطبيق يفهَمون القرآن الكريم، فسارعوا إليكم من أقصى هذه الأرض أفواجاً أفواجاً، يتنعَّمون في رياض عِلمكم النضرة:
بحر يموج هدى لملتمس الهــــدى من أجل خير سعادة الإنسان يا سائلي عنه اعتمده فإنـــــــــــه سر النجاة وبهجة الأزمــان نعمت بك لاحتهم الوقود فما دروا أديار أحمد أم رياض جنــان
{ منقول }
سيدي سماحة الشيخ إن هذه الثمار، بل إن هذه الغراس التي غرستموها منذ ست سنوات آتت أكلها، فأصبحنا لا نستكثِر عدَّ الطلب فحسب بل نستكثِر عدَّ الجنسيات، وإن الناظر في هذا العمل ليقف محترماً ويقول:
هَذِي ثِمَارُكَ يَا مُحَمَّدُ أَيْنَعَتْ وَالدِّيْنُ أَوْرَقَ دَاخِلَ الْأَحْشَاءِ فَلْتَنْحَنِ الدُّنْيَا لِذِكْرِ مُحَمَّـدٍ وَلْتَنْطُقِ الْأَجْيَالُ بِالْإِطْــرَاءِ سَنَعِيْدُ لِلدُّنْيَا رِسَالَةَ أَحْمَـدٍ فِي هِمَّةٍ وَأَمَانَةٍ وَإِبَـــــــــاءِ
{ منقول }
سيدي كلمةٌ صغيرةٌ مِنْ مسلمي جنوب الاتحاد السوفييتي سابقاً، الطالب أبو طالب خالدوف من الشيشان في الصف الأول التأهيلي يُلقي كلمةً إن أذنتم.

كلمة الطالب الشيشاني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله القائل في كتابه:

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)
[سورة النساء]

والقائل:

فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)
[سورة الكهف]

والقائل:

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
[سورة فاطر]

والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم القائل:

{ إنَّ اللهَ و ملائكتَه، حتى النملةَ في جُحْرِها، و حتى الحوتَ في البحرِ، لَيُصلُّون على مُعَلِّمِ الناسِ الخيرَ (13) }

[سنن الترمذي]

القائل:

{ اتَّبِعوا العلماءَ ، فإنهم سُرُجُ الدنيا ، ومصابيحُ الآخرةِ (14) }

[ضعيف الجامع]

وعلى آله وصحبه أجمعين والعلماء العاملين، أما بعد:
سيدي سماحة الشيخ أحمد كفتارو والسادة الكرام والسادة الحضور، مرَّ عيدٌ مِنَ الأعياد وهو عيد المُعلِّم، وإني أقدِّمُ لكم كلمةً موجزةً عن المُعلِّم أضمِّنُها في ثلاث نقاط: مَنْ هو المُعلِّم وما هو عيده وما الثمرة التي يجنيها المُعلِّم؟ أقول إنه ما مِنْ شكٍ في أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو إمام المعلِّمين، ونأخذ مِنْ ذلك أنه المُعلِّم ومَنْ اهتدى بهديه وسار على شرعته وقام بأداء واجبه ما وسِعَ ذلك حتى يلقى ربه، أما ما هو عيد المعلم؟ أما بالنسبة لنا نحن المسلمين فليس هناك عيدٌ محددٌ للمعلّم، بل كل أوقاتنا مع المعلِّم عيد، وقلوبنا مع المعلِّم الروحي، نحس ونحن معه كأننا في روضةٍ مِنْ رياض الجنة، يأخذ كلٌّ منا زاده العقلي والروحي كل حسَب استعداده وهذه هي النقطة الثانية، والنقطة الثالثة ما الثمرة التي يجنيها المعلم؟ اليوم التي يرى فيه أن عمله قد آتى ثماره وإنا نعرف يا سماحة شيخي أن اليوم الذي نرى فيه جهودك قد آتت أكلها، وإن جهدك الذي تُقدِّمه لنا لم يذهب سدى، والدعاء الذي نقوله لك ونظنُّ أنه إن تحقق فقد أوتيت وهو قوله تعالى:

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)
[سورة الضحى]

أطال الله في عمركم مع دوام الصحة والعافية، وجزاكم الله خيراً على ما تُقدِّمونه لنا من رعايةٍ وتقبل الله منا إنه هو السميع المجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والآن يقف بين يدي سماحة الشيخ المُربِّي، أتى مِنْ شرق آسيا مِنْ أكبر دولةٍ إسلامية، مع الطالب الأندونيسي أحمد خطيب عبد الله فليتفضل لسماحة الشيخ.

كلمة الطالب الأندلسي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على حبيب رب العالمين سيد الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، أما بعد:
سماحة الشيخ والإخوة والأخوات الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقد مرَّ بنا عيد المُعلِّم المُربِّي فنحبُ أن نُحييكم بمناسبة هذا اليوم، شكراً على ما تقدمونه لنا في التربية الإسلامية وتعليمها، سماحة الشيخ وإخوة الإيمان، قال تعالى:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)
[سورة الإسراء]

وإن مِنْ تمام تكريمه للإنسان نقله مِنَ الجهل إلى العِلم ومِنَ الظلمات إلى النور ومِنَ الضلالة إلى الهداية لأن الإنسان خليفة الله في أرضه ومن صفات الخليفة أن يتخلَّق بأخلاق المستخلَف عنه، لذلك أكرم الله أمم الأرض بدعاة النور والعلم، فبعث أنبياءه لإرشاد الناس إلى معرفة ربه والتي مِنْ خلالها تنتشر كلُّ المعارف، والعلماء ورثة الأنبياء، الذين هم أجوَدُ الناس عند الله، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (ألا أخبركم عن الأجود الأجود؟ الله هو الأجود الأجود، وأنا) يعني النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (أجود بني آدم، وأجودهم بعدي رجل تعلم علماً فنشر علمه، يحشر يوم القيامة أمة وحده)(15)، ومَنْ جاد بنفسه في سبيل الله، وهذا كلُّه مِصداق قوله تعالى:

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
[سورة السجدة]

ومِنْ تمام نعَمِ الله علينا أن أنعَم علينا بعلماء الإسلام، العلماء العاملين المُعلِّمين المُخلِصين الحكماء، لنرفع لواء الإسلام في الأرجاء المعمورة التي بشَّر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن الإسلام سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، فجزاكم الله عنا يا سماحة الشيخ خير الجزاء، لقد أعطاكم الله الحكمة تبثون في قلوبنا وعقولنا الأمل بعودة رسالات الله إلى الناس، وتهدوننا للاستجابة لدين الإسلام في أقوالنا وأفكارنا وأعمالنا فهذه هي الحضارة الحقيقة لأنها تشمل نواحي الحياة الحاضرة والمستقبلية والآخرة، فيكون القرن الواحد والعشرين عصر الإسلام إن شاء الله كما تبشروننا أنتم، لقد أتينا إلى الشام الشريف لننهَل منكم منهَل الإسلام الصافي لنعود علماء مُخلصين ومُجددين وحكماء وعالمين ومُعلِّمين إن شاء الله تعالى، وأخبرنا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن مِنَ الصدقة أن تتعلَّم العِلم ثم تُعلِّمه لوجهه تعالى، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: العلماء كثيرٌ والحكماء قليل، وإنما يُراد مِنَ العِلم الحكمة:

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
[سورة البقرة]

لا نستطيع أن نجزيكم عن ما تُقدموه لنا يا سماحة الشيخ، بل الله يجزي عنا، أعطاكم الله دوام الصحة والعمر المديد، وكلَّ عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحواشي:
(1) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(2) سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحجرات، رقم: (3270) قال الترمذي: (حديث غريب)، سنن أبي داود، أبواب النوم، باب في التفاخر بالأحساب، رقم: (5116)، بلفظ: «والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب».
(3) مسند أحمد (23489)، (38/474)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (4774)، (17/132).
(4) سنن ابن ماجة، افتتاح الكتاب بالإيمان: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم: (224)، «طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب».
(5) المعجم الكبير، للطبراني، رقم: (751)، (1/ 259).
(6) المعجم الكبير، للطبراني، (10/201).
(7) شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (6188)، (9/12)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/53)، الدعاء للطبراني، رقم: (1048)، (1/319).
(8) سبق تخريجه.
(9) المعجم الكبير للطبراني، رقم: (10033)، (10/86)، شعب الإيمان للبيهقي، رقم: (7045)، (9/521)، حلية الأولياء لأبي نعيم، (3/102).
(10) مسند الشاميين للطبراني، رقم: (599)، (1/344)، السنن الكبرى للبيهقي، رقم: (20911)، (10/353) ((يحمل هذا العلم من كلّ خَلَفٍ عُدُوله ينفون عنه تحريف الغالين)).
(11) سبق تخريجه.
(12) ضعيف الجامع.
(13) سنن الترمذي، أبواب العلم: باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: (2685)، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب»، سنن ابن ماجة، أبواب السنة: بَابُ ثَوَابِ مُعَلِّمِ النَّاسَ الْخَيْرَ، رقم: (239).
(14) الحديث في الصغير برقم 94 ورمز له بالضعف، وقال المناوى: وفيه القاسم ابن إبراهيم.
(15) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).