تفسير سورة العاديات 1

  • 1996-05-10

تفسير سورة العاديات 1

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيِّدنا مُحمَّدٍ خاتَم النبيين والمرسلين وعلى أبيه سيِّدنا إبراهيم، وعلى أخوَيه سيِّدَينا موسى وعيسى، وعلى جميع إخوانه مِنَ النبيين والمُرسلين وآلِ كلٍّ وصحْبِ كلٍّ أجمعين، وبعد:

ما سبق من سورة الزلزلة:
نحن قد مرَّ علينا في الأسبوع الماضي تفسير سورة الزلزلة، ووَرَدَ في الحديث أنها تعدِلُ نصف القرآن وفي روايةٍ أنها تعدِلُ ربع القرآن، لأنَّ القرآن يشتمل على قليلٍ مِنَ النصف أو الثلث عن حياة الإنسان بعد حياته على هذا الكوكب، حياة الخلود والأبَد والسعادة التي تقصُرُ عن إدراكها عقول العقلاء، يقول الله تعالى:

فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
[سورة السجدة]

(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ) وما غاب عنهم مِنْ حياة، (مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ما يُسمَّى بالآخرة والقيامة وبعالَم الروح، ذكر الله عن سورة الزلزلة باختصارها على بحث هذه الحياة الأخروية وعلى محاسبة الله للإنسان على كلِّ أعمالِه، صغيرها وكبيرها وظاهرها ما ظهَرَ للناس وخفيُّها ما خفِيَ عن أعين الناس، كما يقول الله تعالى:

لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
[سورة البقرة]

(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) أخفيت الغش والغدر والخيانة والمكر والإيذاء أو أخفيت الخير، عمِلت الخير ولم يطَّلع على عملك إلا الله، (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) يكافئكم على الخير بالخيرات وعلى الشرِّ بما تستحقون مِنْ جزاء.

موقف الأعرابي من سورة الزلزلة:
أتى أعرابيٌّ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له بما معناه: علِّمني مِنَ القرآن ولكن عقلي لا يحتمل الكثير مِنَ القرآن، علِّمني قراءةً مختصرةً تكفيني وتنفعُني، فقرأ عليه سورة الزلزلة إلى قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) يرى مكافأته وثوابه على ذلك الخير الذي عمِلَه (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) يرى جزاءه ومكافأته عليه، فقال الأعرابي: كفَتني كفَتني، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أفلَحَ الرُّويجل، أفلَحَ الرُّويجل.
فانتبهوا إخواني أن البدوي والأعرابي كان يستمع القرآن ليفهَمه وليكون إمامه فيقتدي به في حياته ليتمثَّل القرآن فيه عملاً وأخلاقاً وسلوكاً، فمَنْ كان ينظر لأصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقرأ القرآن في أعمالهم، كانوا يحرصون على الخير مهما كان صغيراً أو حقيراً فضلاً عن الكبير، وكانوا يتحاشَون عن الشر وعن الذنب مهما كان صغيراً أو حقيراً.

أدب المؤمن مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
فلما نَزَل قوله تعالى في أدب المؤمن مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
[سورة الحجرات]

(وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) إذا خاطَبت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلا يكون صوتك فوق صوته، بل يكون أخفض، خاصةً في المسجد أو في مجلس النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أن يكون صوتك مرتفعاً فهذه قلَّة أدبٍ بحسب القرآن، (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) فإذا رفعتم أصواتكم فوق صوت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُخشى: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، فالصحابي قيس بن شماس بن ثابت مِنْ أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان في سمعِه ضعفٌ ووقر، فالذي يكون سمعُه خفيفاً يظنُّ سمْعَ الناس خفيفاً أيضاً لذلك يجهَرُ بكلامه إذا تكلَّم، فكان إذا كلَّم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يرفع صوته فوق صوت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما نزلت الآية تفقَّده النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مجلسه فما عاد يراه، أين ابن شماس؟ غير موجود، اسألوا عنه، فقالت زوجته: عندما سمع الآية دخل الإسطبل وأغلق بابها وأقفلها بالمسمار-أغلقها بالمسمار لا بالمفتاح- وقال: والله أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والله يقول قد يكون حبِطَ عملي، فوالله لا آكل ولا أشرب، وظلَّ يبكي أياماً بلا طعامٍ ولا شرابٍ لأنه كان يرفع صوته فوق صوت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما بَلَغَ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم استدعاه فكسروا الباب وأخرجوه مِنَ الإسطبل، فقال له: لا تخَفْ، ستعيش سعيداً وستموت شهيداً، فاستُشهِدَ في إحدى الغزوات والمعارك تحت قيادة سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فالشاهد أن رفع الصوت مع أنه أمرٌ بسيطٌ يمكن أن يُحبِطَ العمل.

الحذر من الخطايا والذنوب:
فسورة الزلزلة علَّمت المؤمن وأشعَرَته بأن يكون يقِظاً وحذِراً مِنَ الخطايا والذنوب والأخطاء مع الله ومع خلقِه ولو كان الخطأ مثقال ذرة، فلا يحتقِرَ عمل الخير مهما كان قليلاً ولا يحتقِرُ عمل الشر ليبتعد عنه مهما كان قليلاً، فما أعظَم وما أجلَّ هذه التربية القرآنية..
فإذا حذَّرك الإسلام وأبعَدَك عن مثاقيل الذَّر، الذَّر قالوا هي النملة الحمراء الصغيرة أو ذرة الغبار التي تُرى في شعاع الشمس، فمعنى ذلك أن الإسلام يُربِّي الإنسان أن يكون مُعقَّماً من الشر مهما دقَّ وحقُرَ وصَغُر، الجرثوم لا تراه العيون وحجمه مقدار ذرة، الذرة تُرى في شعاع الشمس، والجرثوم لا يُرى مع حقارته وانفراده وقلة عدده إذا خالَطَ دمَ الإنسان قد يُهلِكُه أو يسلبُه صحته وسعادته، فهذه المدرسة السماوية الربانية جعلت مِنْ أبناء الصحراء الوثنيين الخرافيين الذين فقدوا الرحمة فكانوا يقتلون أولادهم مِنَ الجوع، ويدفِنون بناتهم أحياءً مخافَةَ الفقر، والمرأة إذا مات زوجها يرِثُها أكبر أولاد زوجها-يعني يرثون خالتهم- الولد الكبير يجعل زوجة أبيه زوجته، بينما الإسلام اعتبرها أمَّاً على كبيرهم وصغيرهم،(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) فربَّت المؤمن والمؤمنة على عمل الخير مهما كان قليلاً وتافهاً وحقيراً، وباعَدَت الإنسان عن عمل الشرِّ ولو كان حقيراً وصغيراً ونادراً.

التحذير من خائنة الأعين:
أحد الشعراء الذين كانوا يحاربون الإسلام بشعرهم وقع أسيراً وأُتِيَ به لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان لم يترك مِنْ سُبابٍ وشتائمٍ للنبي في الإيمان وفي أهله وعرضه وكلِّ شيء، لما فَتَحَ النبيُّ مكة أتى هذا الشاعر إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبعد صلاة الفجر والوقت ظلامٌ وفي المسجد لم تكن هنالك كهرباءٌ أو إضاءة، فقال: يا رسول الله! -أظنه كعب بن زهير- قال: ما تقول في كعبٍ بن زهير إذا أتاك مؤمناً مسلماً هل تقبل توبته؟ فعرَفَه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ صوته فسَكَت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يردَّ جواباً، أعاد السؤال مرةً ثانيةً وثالثةً فقال: (نقبله ونعفو عنه)، بعدما خرج وعفا عنه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: (هلَّا قام أحدكم إليه بالسيف فرمى عنقه)؟ لأنه حارب الإسلام حرباً يريد أن يقتلِعَ الإسلام مِنْ جذوره، فقالوا: يا رسول الله! لو أشرت إلينا بطرف عينك، لو غمزتنا أن ارموا رأسه، فقال:

{ إنَّهُ لا يَنبغي لنبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأعينِ (1) }

[أخرجه النسائي]

يُظهِرُ له السلام والأمان ومِنْ طرف عينه أن اقتلوه، لا يليق هذا بالمؤمن، فما أعظم التربية الإلهية، الآن الإسلام شوَّهه المسلمون وحجَبوا جماله عن الناس، الناس يظنون أن الإسلام هو واقعُ وأعمالُ وسلوكُ المسلمين، والحال كما يقول الشاعر:
طلع الدين مستغيثـــاً إلى الله وقال العباد قد ظلموني يتسمون بي وحقك لا أعرف منهم أحداً ولا يعرفوني
{ [كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشاء] }
الأمم المتقدمة عندما تتعرَّف على الإسلام بواحدٍ مِنَ المئة تُلقي بأنفسها فوراً على الإسلام فرحةً جَذِلةً تعطي الإسلام كلَّ ما يطلبه منها.

عدم تحقير المعروف
نرجع للآية (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الصدد يشرح هذه الآية فكان يقول في هذا الموضوع:

{ ولا تحقِرنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تفرغَ من دَلوِك في إناءِ المْسُتسقِي ، وأن تلقَى أخاك ووجهُك إليه طَلْقٍ }

[صحيح مسلم]

(لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا) افعل الخير مهما كان الخير حقيراً وصغيراً،(ولا تحقِرنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تفرغَ من دَلوِك في إناءِ المْسُتسقِي) إذا كنتم على البئر تملؤون دلوَكُم ملأت قبل رفيقكُ وخرج دلوك مِنَ البئر ففرِّغَ دلوُك في دلو مَنْ لم ينزل دلوه في البئر، ما هذا الشيء؟ جاء دوره الآن وسيُنزِل دلوه، قال: اعمل الخير والمعروف مهما كان صغيراً وقليلاً، (ولا تحقِرنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تفرغَ من دَلوِك في إناءِ المْسُتسقِي) الذي جاء يملأ دلوه (وأنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ)(2)، إذا لقيت أخاك وصديقك ورفيقك فليكن وجهك ضاحكاً، لا تعبِس ولو كنت حزيناً تصدَّق عليه بانبساط الوجه، سبحان الله هذا هو الإنسان الأمِّي ابن الصحراء.. لكن لما يكون المُعلِّم والأستاذ هو الله، هذا الوَرد أصله شوك، فكيف أخرج الله مِنَ الشوك المنظر الجميل والرائحة العطِرَة المُنعِشة؟

إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (95)
[سورة الأنعام]


التقرب إلى الله ولو ببسيط الأعمال:
وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ اتقوا النارَ ولو بِشِقِّ تمرةٍ ، فإنها تُقِيمُ الْمُعْوَجَّ ، وتَقَعُ من الجائعِ ما تَقَعُ من الشَّبْعانِ }

[صحيح البخاري]

(اتقوا النارَ) تقرَّبوا إلى الله (ولو بِشِقِّ تمرةٍ ، فإنها تُقِيمُ الْمُعْوَجَّ ، وتَقَعُ من الجائعِ ما تَقَعُ من الشَّبْعانِ)(3)يعني تسُدُّ زاويةً صغيرةً في معدته، نصف التمرة، أتت سائلةٌ إلى السيدة عائشة، والفقيرة معها ابنتها، ولم تجد عائشة رضي الله عنها ما تُعطيها مِنْ ما وجدت عندها إلا تمرة، فأعطتها التمرة ولم تقل قليلة وهذا مُعيب، افعل الخير مهما كان قليلاً، فهذه الفقيرة كذلك شقَّت التمرة نصفين فأعطت ابنتها نصفها وهي أكلت النصف الآخر.
يُذكر عن رجلٍ عمَّر مسجداً كبيراً وسمّاه مسجد كأنّي، فما مناسبة تسمية المسجد بمسجد كأنّي؟ كان إذا أراد أن يشتري طقماً جديداً وعنده طقمٌ يقول هذه الطقم جيد: يستر عورتي ويُدفِّئُ بدني وبين الناس جيد، كأني اشتريت طقماً جديداً ويأخذ ثمنه ويضعه بالصندوق، يريد أن يقوم بنزهةٍ فيقول: كأني قمت بنزهة، فمصروف النزهة يضعه بالصندوق، يريد أن يُولِمَ لأصدقائه يقول: كأني أولمَت، يعني كلُّ هذه الأمور الثانوية التي ليست مِنْ ضروريات الحياة أو يكون منها عملٌ نافعٌ ومُنتجٌ للآخرين، فكان يفرِزُ ثمنه ويضعه حتى اجتمع معه مبلغٌ عظيمٌ مِنْ كأنّي، فعمَّر به مسجداً وسمَّاه مسجد كأنّي، يريد الركوب بالباص، يستطيع أن يمشي والمشي رياضة، كأني ركِبت.
الخلاصة: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) قال ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِيق، فاعتبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لقاءك بالناس وأنت مبتسمٌ اعتبرها صدقةً وعملاً خيِّراً وتُسجَّلُ لك حسنةً تُؤجر عليها عند الله يوم القيامة، وكان يقول أيضاً في هذا الموضوع:

{ يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ (4) }

[صحيح البخاري]

يعني إذا ذَبَحت الذبيحة تتفقَّد جارتها قال ولو برجل الخروف.
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) الابتسامة خير، إذا قدَّموا لك الشاي قدِّمه لمَن بجانبك هذا خير، تمشون فقدِّم رفيقك أمامك تكريماً، تكلَّمَ معك بكلمةٍ مزعجةٍ أن لا ترد عليه هذا خير، ما أعظم مدرسة الله وثقافة السماء.
لما تولَّى عمر الخلافة وأرسل كتاباً بعزل خالد عن قيادة الجيش، كان هو القائد العمومي لجيوش التحرير لبلاد العرب من الرومان، ووصل البريد في اليوم الثالث من معركة اليرموك التي استمرت ستة أيام، وفَتَحَ خالد رضي الله عنه الكتابَ وإذا فيها عزلُه وتولية أبي عبيدة رضي الله عنه قائداً مكانه، قائد الجيش وأثناء المعركة التي عليها مصير الأمة كلّها، فوضع الكتاب في عمامته وأمر بسجن البريد حتى لا يفشُوَ الخبر وأكمَلَ المعركة وهُزِمَ الرومان في اليوم السادس، معركة الستة أيام بالمخطط السماوي وبالقانون العسكري القرآني الرَّباني، في ستة أيامٍ هزَمُوا إمبراطوريةً حكَمَت ألف سنةٍ نظاماً وثقافةً وفلسفة، هؤلاء مِنَ الصحراء ولكن دخلوا جامعة السماء وكان أستاذهم خالِقَ الكون وقوانينه، هذا الاستعمار الغربي، والاستعمار الفارسي الشرقي أنهوا معركتهم معهم في نهاوند بأربعة أيام، فهزَمُوا الاستعمار العالميَّ في عشرة أيام، أربعةٌ في القادسية وستة أيامٍ في اليرموك.

عودة المسلمين إلى مدرسة السماء:

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
[سورة القدر]

والآن ما أهون وما أسهل أن يعود المسلمون إلى هذه المدرسة بوسائل الإعلام الحديثة والأقمار الصناعية، في الإنترنت واحدٌ يستطيع مخاطبة العالم كلَّه، أحد إخواننا بارَكَه الله كان في أمريكا سجَّل بعض الأحاديث مِنْ أحاديثي في المؤتمرات بالإنترنت مِنْ طريق الجامعة التي كان يدرس فيها، فبعض الأمريكان اطَّلع على ذلك، فأتى مِنْ أمريكا ليلتقي بصاحب هذه الكلمات، في المحاضرات التي ألقيتها في اليابان بعض اليابانيين يريدون القدوم لدمشق ليروا صاحب الكلمة، فيمكن بعشر أشخاصٍ وبعشر لغاتٍ أن يُقدَّم الإسلام إسلام القرآن لا إسلام المذاهب والذي شوِّه الإسلام به مِنْ اختلافاتٍ وتكفيرِ بعضهم البعض وجمودٍ وتخلُّف، إسلام القرآن المشروح بالصحيح مِنْ حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه الكرام، العالَم كلُّه يصبح بلداً وشعباً واحداً وعائلةً واحدة، وأصغر دولة مِنْ دول الإسلام والعرب إذا تبنَّت هذا المشروع واستدعَت الدُّعاة الأكفَّاء، ليس المهم السيارة ولا الطائرة، المهم هو القائد والطيار، والفَرَسُ مِنَ الفارس، وباللغات العالمية.. جرِّبوا يا أخي، وإذا لم يظهر الأثر بشهورٍ قليلةٍ أنا أضع المصروف الذي يُكلِّف الدولة، ألهَم الله مَنْ يملِكُ هذه الوسائل أن يُحقِّق هذا الهدف الذي فيه خير الإنسان وخير العالَم كلِّه.

التحذير من الذنوب الصغيرة:
فكان يقول: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، (يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ).

{ ردُّوا السَّائلَ ولو بظَلْفٍ مُحرَقٍ }

[صحيح ابن حبان]

أي قَدَمَ الخروف المحروقة، هذا مِنْ جهة الخير.
ومِنْ جهة الشر كان يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشة رضي الله عنها:

{ يا عائشةَ ! إيَّاكِ ومُحَقِّراتِ الذُّنوبِ (5) }

[مسند أحمد]

الذنوب الصغيرة احترس منها ولا تقُل هذا بسيطٌ والله غفورٌ رحيم، هل أنت مدير الله؟ حتى إذا غفرت؟ موظفك يكون تابعاً لك؟ نحن نجعل أنفسنا أستاذ الله ومديره! متى ما غفرنا فيجب أن يغفِرُ هو، المدير إذا وقَّعَ هل يستطيع الموظف تحته أن يُعارض؟ بينما الله يقول:

وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (82)
[سورة طه]

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ) لمن تَرَكَ الذنوب والمعاصي وأماكنها وأصحابها (وَآمَنَ) بالقرآن، عندما تُؤمن بأن هذا سُمٌّ هل تشربه؟ وعندما تُؤمن أن هذا عسلٌ هل تَحقِره؟ فالإيمان الحقيقي هو الذي يقود للعمل بغير اختيار.
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) يقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا المعنى: (يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً) .

{ إيَّاكم ومُحقَّراتِ الذُّنوبِ؛ فإنَّهنَّ يجتمِعْنَ على الرَّجُلِ حتى يُهلِكْنَه"، وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضرَبَ لهنَّ مَثلًا: "كمَثلِ قَومٍ نزَلوا أرضَ فَلاةٍ، فحضَرَ صَنيعُ القَومِ، فجعَلَ الرَّجُلُ ينطلِقُ، فيَجيءُ بالعودِ، والرُّجُلُ يَجيءُ بالعودِ، حتى جمَعوا سَوادًا، فأجَّجوا نارًا، وأنضَجوا ما قذَفوا فيها }

[صحيح الجامع]

(فإنَّهنَّ يجتمِعنَ) نقطةٌ على ورقةٍ مِنْ قلمٍ هل تسوَدُّ الورقة؟ وثانيةٌ وثالثةٌ ورابعةٌ وخامسةٌ وسادسة؟ إذا تتابعت تسوَدُّ الورقة، (فإنَّهنَّ يجتمِعنَ على الرَّجلِ حتَّى يُهلِكنَهُ)، وضرب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثلاً لذلك فقال: (كمَثلِ قَومٍ نزَلوا أرضَ فَلاةٍ) فحضر وقت طعامهم- وقت الغداء- ويريدون أن يطبخوا ولا يوجد حطب، فصاروا يجمعون مِنَ البرية ما يُوقِدون به لنُضجِ طعامهم، (فجعَلَ الرَّجُلُ ينطلِقُ، فيَجيءُ بالعودِ) ورجلٌ آخر يُحضِرُ عوداً آخر، حتى جمعوا أعواداً وحطباً كثيراً وأججوا النار وأنضجوا ما فيها، لذلك: ذنبٌ ولو كان صغيراً وفوقه ذنبٌ صغيرٌ وفوقه ذنبٌ صغيرٌ وفوقه يصبح كثيراً.. وإذا استمرَّ تصبح ذنوباً كثيرة.

مصاحبة السيئين معصية وخطر:
فجلسةٌ مع إنسانٍ شريرٍ هذه سيئةٌ وهذا مجلس شرٍّ، خبيثٌ وخائنٌ وفاسِقٌ وسِكِّيرٌ ومدمِنُ مخدراتٍ وعدوٌّ للخير ولأهله، القرآن يقول:

وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
[سورة الأنعام]

(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا) المُكذبون وأعداء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ) يتكلَّمون بالسُّباب والشتائم وتشويه الإسلام.

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)
[سورة النساء]

إذا واحدٌ كان معه كوليرا هل تُصافحه؟ هل رأيت الكوليرا بعينك في كفِّه؟ الكوليرا لا تراها العيون، هذا(مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) هذا في الأمور المادية والأخلاقية والعملية، الذي أدمَنَ القِمار مِنْ أين مصدر اكتسابه لهذه الصَّنعة الخبيثة؟ صُحبَتُه للمُقامِرين، الذي استعمل المخدرات مِنْ أين أتاه استعمال المخدرات؟ مِنْ مجالَسَتِه لمُستعملي المخدرات، لذلك كان يقول قائلهم:
فصاحب تقيا عالماً تنتفِع بِـــه فصُحبة أهل الخير تُرجَى وتُطلب وإياك والفُسَّاق لا تصحبنَّهم فقُربهم يُعدي وهذا مُجـــــــرَّب كما قيل طينٌ لاصقٌ أو مؤثــرٌ كذا دود مرجٍ خضرةٍ منه يُكسب
{ [منقول] }
إذا مشيت بأرض الطين سيلتصِقُ بنعلِك شيءٌ مِنَ الطين، أو تترك قدمك أثراً على الطين، دودة المرج ما لونها؟ مِنْ أين اكتسبت اللون؟ مِنَ الصُّحبة والمُجالسة، هذا فيما يتعلق بسورة الزلزلة.

وجوب العمل بما ورد في تفسير سورة الزلزلة:
فهل تعاهدوني على العمل بسورة الزلزلة؟ يعني تذكَّر القيامة يوم تُزلزَلُ الأرض زلزالها وتُخرِجُ أمواتها مِنْ قبورهم (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ) لما يرى الجبال تطير:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
[سورة طه]

(فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا) منبسطة، (لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) لا وادياً عميقاً ولا جبلاً شاهقاً، (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) يخرجون مِنْ قبورهم (أَشْتَاتًا)يعني أنواعاً وأشكالاً منهم السعيد ومنهم الشقي، منهم أسود الوجه ومنهم أبيض الوجه، منهم مَنْ ثقُلَتْ موازينه فهو في عيشةٍ راضية، ومنهم مَنْ خفَّتْ موازينه فأمُّه هاوية، (إِذَا) هذا ظرف زمانٍ بمعنى اذكر يوم وحين تُزلزِلُ الأرض زلزالها، فلما تقرأ سورة الزلزلة والله يقول لك: اذكر القيامة، هل تفهم كلام الله أم يُكلِّمُك الله بالتركي والهندي والألماني؟ إذاً أنت لا تفهم شيئاً، الله يُكلِّمك، ماذا قال؟ لم أفهم، هل أنت أصمٌّ! لا أريد أن أفهم، إذا أردت الفهم إذا لم تعرف فاسأل:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)
[سورة النحل]

فأنتم هل تُعاهدوني أن تقرؤوا سورة الزلزلة بحقٍّ؟ إذا قرأت الزلزلة ما معناها؟ يعني اذكر يوم القيامة ومقدماتها تُزَلْزَلُ الأرض زلزالها، هل حسَبت حساب ذلك اليوم؟ وتذكَّر ذلك اليوم الذي تُخرِجُ الأرض أثقالها وتخرُجُ الأموات مِنْ قبورها:

وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
[سورة يس]

ولما يرى الإنسان هذه الأهوال يَدهَشُ فيقول (مَا لَهَا) ماذا حصل؟ (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) يعرف أن وقت الحساب قد صار وعُرِضَت الأعمال على الله في محكمته:

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
[سورة النور]

والأرض التي عصَيْتَ الله فيها ستشهد عليك أو أطَعْتَ الله فيها ستشهد لك، فإذا زُلزِلَت تذكَّر ذلك اليوم، وخلاصة ذلك اليوم ستُحاسب على النقِير والقطمِير.

إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)
[سورة مريم]

انقطع عن كلِّ أعمال الشرِّ والآثام وصُحبة أهل الشرِّ والآثام واتجه نحو الخير وصحبة أهله ومجالِس العِلم والتقوى.

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103)
[سورة الأنبياء]

(أُولَئِكَ عَنْهَا) عن جهنم، (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) لا زُلزِلَت ولا أخرجت، (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ) مِنْ قبورهم:

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
[سورة الزمر]

(فَادْخُلُوهَا) أي الجنة، اللهم اجعلنا منهم، لكن اللّهم تحتاج تشميراً وتذكيراً وعَمَلاً.

تفسير معنى العاديات:
بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) ما معنى العاديات؟ العاديات مِنَ العَدْوِ لا العَدُوِّ، العَدْوُ هو الرَّكض والعاديات الرَّاكضات، فالمقصود منها هي الخيل عندما تركض في الجهاد في سبيل الله، فالجهاد يكون في سبيل الله لا في سبيل الاستعمار أو استعلاء الإنسان القويِّ على الضعيف أو نهْبِ القوي للضعيف أو التحكُّم في الضعفاء أو تمزيق وحدتهم، الفتح في سبيل الله، وما هي سبيل الله؟ أن تُعلِّمَهُم الكتاب -القرآن- مدرسة الله والثقافة الإلهية وبرنامج السماء، والحكمة وتزكية النفوس، هذا هو سبيل الله؛ تعميم العِلم وبناء العقل الحكيم للجميع وبشكلٍ إلزاميٍّ ومجاني، وتربية الأخلاق الفاضلة للجميع، هذا معنى في سبيل الله.. فهل يوجد قانونٌ في الدنيا مِنْ خلق آدم إلى قيام الساعة مثل هذا القانون الإلهي؟ هل يوجد مثل هذه الثقافة الربانية تاريخياً وعمَلياً وواقعياً؟ عندما مشى العرب عِلماً وثقافةً وعَملاً وتطبيقاً على منهاج الله ربِحوا أم خسِروا؟ انتصروا أم انهزَمُوا؟ عُزُّوا أم ذُلُّوا؟ افتقَروا أم استَغْنَوا؟ فهل كَتَبَ التاريخ للإنسانية مجداً مثلما كَتَبَ التاريخ للعرب بالإسلام؟
وكانوا يقولون: "نحن قومٌ أعزَّنا الله" لا بالوطنية مع أن الإسلام يُقدِّسُ الوطن ولا بالقومية مع أن القرآن والإسلام يُقدِّسُون العروبة والقومية، وهذا واجب، ولكن العروبة انتماءٌ لبلدٍ أو التكلُّم بلغةٍ هل ترفَع أو تخفِض؟ أرض الوطن هل ترفَع أو تخفِض؟ الذي يرفَع ويخفِض هو العِلم والجهل، والعقل الحكيم والعقل الأحمق الجاهل الطائش والأخلاق العالية أو الرذيلة، هذا الذي يرفَع ويخفِض ويُعزُّ ويُذِلُّ، لكن الإسلام تجمَّد في عقول الكثير مِنْ مَنْ نُسبوا إليه، وهجروا القرآن إلى آراء المذهبيين، فصار حجابٌ بين المسلمين وبين إسلام القرآن، فمِنْ هنا ضعُفوا وتمزُّقوا وفقَدوا العالِم الوارِث النبوي الذي يُعلِّم الكتاب والحكمة ويُزكِّي النفوس.
(وَالْعَادِيَاتِ) وهي الخيل عندما تركض في سبيل الله لإنقاذ الشعوب الضعيفة والفقيرة لنقلها مِنَ الفقر إلى الغنى ومِنَ الجهل إلى العِلم، فالله عزَّ وجلَّ يحضُّنا على العمل والجهاد، أنت لا تحتقر عمَلك (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا) فالذي تسمعه علِّمْهُ لجارك ورفيقك، المرأة تُعلِّمُه لجارتها وكنَّتها وابنتها، فالكبير يبدأ كبيراً أم صغيراً؟ فإذا أردت الكبير ابدأ بالصغير، وإذا أردت العظيم ابدأ بالحقير، وإذا أردت المُتمنَّى ابدأ بالمُمكن، يوجد كثيرٌ مِنَ الإسلاميين يبدؤون بالمُتمنى، فلا يصِلُون إليه ويفوتهم المُمكن فيخرجون خاسِرِي الجانبين لا المُمكن ولا المُتمنى، لو أنَّهم وضعوا أيديهم بأيدي حكوماتهم الوطنية، والحاكِم ابن بلدك وحارتك وجارُك.

وجوب الصلح مع الحاكم وعدم الخلاف معه:
اذهب إليه:

اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)
[سورة طه]

(اذْهَبَا)، لا هو فرعونٌ ولا هو نمرود، هو جارُك (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) هذا مع فرعون، أما إذا كان جارُك ويقول ربِّيَ الله لو حمَلْتَ نعلَه وخدَمته بهدف أن تتعاون معه كما علَّمنا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

{ الإسلامُ والسلطانُ أخوانِ توأمٌ لا يصلحُ واحدٌ منهما إلا بصاحبِه (6) }

[مسند الديلمي]

(الإسلامُ والسلطانُ أخوانِ توأمٌ) هؤلاء المُسمَّون بالإسلاميين أو الأصوليين يُحرِّفُون كلام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، يُحرِّفُونه بالشكل الآتي: الإسلام والسلطان عدوَّان مُتقاتلان، لا يصلُحُ أحدهما للقاء الآخر، هكذا يقرؤون، أما قراءة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم (الإسلامُ والسلطانُ أخوانِ توأمٌ لا يصلحُ واحدٌ منهما إلا بصاحبِه)، الشرطي والمخفر والقاضي والجيش مع الإسلام والداعي إلى الله ومع الشيخ أخوان توأمان، الدين يُصلِحُ النفوس والحاكِم مُهمَّته إذا سرَقَ السارق يصيُر وقت عمله، أما الدين والإسلام فمُهمَّته أن يمنَعَ المسلم أن يصير سارقاً، فأي العملين أعظم؟ هذا يمنع وجود السارق والثاني إذا وجد السارق يقطع يده، فإذا اجتمعت هاتان الطاقتان فلا تُقطَعُ يدٌ ولا يوجد سارِق، ولا يكون فقيرٌ ولا يكون جائعٌ.

قراءة القرآن للفهم والعمل للآخرة:
(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) ما معنى والعاديات ضبْحَاً؟ فلما قرأناها هل فهمناها وفكرنا أن نُحوِّلها مِنْ ألفاظٍ تُقرَأ وتُتلى إلى أعمالٍ تُرى وتُشاهد؟ لهذا السبب يُقرأ القرآن، تأخذ الوصفة خطاً مكتوباً إلى الصيدلي ثمناً وأخذاً للدواء، عند المريض استعمالاً وشرباً فتكون النتيجة شفاءً وهزيمةَ المرض ومجيء العافية، أما إذا أخذت الوصفة وقرأتها ولم تفهم شيئاً ولم تذهب للصيدلي ولم تستعمل الدواء، والحمد لله تحفَظُ القرآن مِنْ أوَّلِه لآخره، ماذا فهمت مِنْ أوَّلِه لآخره وماذا عمِلت وماذا علَّمت؟

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
[سورة ص]

القرآن أُنزِلَ لا لحِفْظِ كلماته، القرآن أُنزِلَ لتتحوَّل كلِماته إلى أعمالٍ وأخلاقٍ وواقعٍ وصفاتٍ:

{ خَيرُكم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ (7) }

[صحيح البخاري]

اعمل في دُنياك، ولكن هل كلُّ شيءٍ لدنياك؟ يعني إذا صار عمرك خمسين وستين وسبعين وثمانين وتسعين ومئة هل تُحب أن تبقى ماشياً للمئة وعشر وعشرين وثلاثين لتغرَقَ في أوساخك وأقذارك ويهرُبَ منك ابنك وابن ابنك؟ هل ستُخلِّدُ؟ ستنتقل، ماذا هيَّأت لعالَم الخُلود للعمر الذي لا نهاية له؟ نحن في غفلة.

الذهاب إلى معلم التزكية:
هل ذهبت إلى:

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21)
[سورة الغاشية]

هل ذهبت إلى العلماء ورثة الأنبياء ليجعلوا منك مُسلماً حقيقياً أصيلاً لا اسميَّاً مُزيَّفاً؟ (وَالْعَادِيَاتِ) الواو ما هي؟ واو القسم، يعني أحلِفُ وأُقسِمُ، فالله يقول: أُقسِم! ألا تُصدِّق الله لكي يحلِفَ لك يميناً؟ لو ضربونا مئة ألف كفٍ لأن الله يحلفنا لأنه يعرِفُ أننا لن نصدِّق أما لو أن أحدهم يُصدِّقك هل تحلِفُ له يميناً؟ قولوا.. إذا عرَفَنا أننا كاذبين ومُكذبين، حلفنا أيضاً لم نستفِدْ ولم نفهم، (وَالْعَادِيَاتِ) أُقسِمُ بالخيل الراكضة والمُهاجمة على الطغاة والجائرين والاستعمار والمُذِلِّين للإنسانية، مذبحة قانا اليهودية، أمريكا أمُّ الحرية والإنسانية وحقوق الإنسان برَّرت ولم ينقُصْها إلا أن تُعطي شهادةً لإسرائيل لتبرير ما فعلته في العدوان على النساء والأطفال والشيوخ والعُجَّز!
أين المدنية والإنسانية والتقدُّمية؟ تحتاج للعاديات، لأن النفوس الظالمة لا تفهم إلا بطريق الخيل العاديات الهاجِمات.

وصف العاديات في المعركة:
(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) الضَّبح هو صوت الفرس لما يركض طويلاً يعطي صوتاً عن نفسِها، أما الخيل الجالسة ولا تركض ولا تُستَعْمَلُ في سبيل الله ولا تضبَحُ الله لا يحلِفُ بها، لأنه لا يوجد لها قيمة، لسباق الخيل واللهو والبطالة! يجب أن تكون عادياتٍ وراكضاتٍ في سبيل الله، ليس فقط العاديات بل كلُّ شيءٍ تملِكُه مِنَ الحياة يجب أن تُفكر أن تستعمِلَه في سبيل الله، شبابك وعِلمك وجاهُك ووظيفتك وقوَّتك ومالُك كلُّه في سبيل الله، ما معنى العبودية؟ العَبْد وما ملَكَت يده لسيِّده، أُقسِمُ بالعاديات ضَبْحاً، فقط؟ قال: (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) عند هجومها لا يُهمُّها الصخر والجبال، فإذا جاءت حوافِرُها على الصخر تقدَحَ شرراً، قال: أريد أن تقدَحَ خيلكم على الصخور في عدْوِها وهُجومها على الطغيان وعلى الجبَّارين المستعمرين الظالمين، (فَالْمُورِيَاتِ) تقدَحُ الشرر تحت حوافِرها.
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) فرسانها لا ينامون الليل حتى قريب الصبح يُهيِّئون فرصة الهجوم الناجح، أما إذا هجَموا عليهم بعد العصر وكلُّهم جالسون ومستيقظون فيكون النصر مشكوكاً في تحقيقه، أما لما يناموا وقواهم كلُّها تخمُدُ حتى تكسِب النصر بأقلِّ الكُلف مِنْ سفك الدماء، (فَأَثَرْنَ بِهِ) فإذا اجتازوا المسافات وصاروا في وسط القوم وفي الصباح، هل ناموا الليل؟ سهروا الليل لماذا؟ لإنقاذ الضعيف مِنَ الطغاة وتعميم العِلم على كلِّ شعوب الأرض.
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا) تصير المعركة، النَّقع هو الغبار، فيصير الغبار والعَجاج في الفضاء، (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) في قلب المعركة، الله يحلِفُ بالخيل خيل المجاهدين، فالخيل أعظم أم راكِبُها أعظم؟ إذا حلَفَ الله بفرسِك، مِنْ شدة حبِّه لك حلَفَ بفرسِك وأنت ألا يحلِف بك؟ فما أحلى كلام الله وما أحلى تعليمه، بدلاً مِنْ أن يقول: هيِّئوا الخيول قال: أُقسِمُ بالخيول، وبدلاً مِنْ أن يقول: جاهدوا على الخيول قال: سأجعل خيولكم يميناً مقدَّسة، فهذا الإسلام هو دين النضال والجهاد لماذا؟ لا لاغتصاب ونهْبِ الأموال ولا لإذلال الإنسان ولا لإبقاء الشعوب جاهلة، الاستعمار استعمَرَ إندونيسيا ثلاثمئة سنة، فهل نهَضَ بإندونيسيا كما هو حال المُستعمر في النَّهضات العِلمية أم أبقاها في جهلها وأمِّيتها وتمزُّقِها وأمراضها؟ أما الإسلام لم يدخل بلداً إلا ونهَضَ بذلك الشعب حتى جعله على مستواه عِلماً ومعاملةً وإخاءً ومحبةً ورحمةً مع الحرية الدينية:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
[سورة البقرة]

(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا) نحتاج خيلاً تُثير الغبار وتقدَحُ حوافِرُها ناراً وهجوميةً على الطغاة والاستعمار، فإذا كانت الخيل هكذا فما أعظم ركّابها وفُرسانها! فكونوا مثل أولئك الفرسان لتكون خيولكم قسَماً لله ويميناً للرحمن، الآن بدلاً مِنَ الخيل الدبابات والطائرات، هذه العاديات، فأين عادياتُنا؟

إعداد المغيرات:
(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) تراها ليلاً والنار يخرج مِنْ ذيلها، هذا بدل غبار هذا الزمان، (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) يُغيرون في الصباح والنهار وعند الغروب والشروق، أين مُغيراتنا على الظلم والطغيان والطغاة؟ أيننا نحن وأين قرآننا؟ لا تيأسوا لكن ابدؤوا، إذا رأيت التينة الكبيرة ولا تعرف التين ولا زراعته، تقول ليتَ عندي شجرةٌ مثل هذه الشجرة، هل تريد؟ نعم، خُذْ هذه البذرة الصغيرة وضَعْها في الحوض واسقِها تصبح عندك بعد مدةٍ معينةٍ شجرةً كبيرة، يخرج مِنْ هذه البذرة هذه الشجرة، تقول: هل مِنَ المعقول أن توضَعُ الشجرة الكبيرة في هذه البذرة الصغيرة؟ هل يدخل في العقل؟ إذا الله يقول لك هذا، صدق الله العظيم أم لم يصدُق؟ ابدؤوا بالبذرة، البذرة:

اقْرَأْ (1)
[سورة العلق]

والبذرة:

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
[سورة التوبة]

البذرة:

{ ألا أخبرُكُم بالأجوَدِ الأجوَدِ اللَّهُ الأجَودُ الأجوَدُ وأنا أجوَدُ بني آدمَ وأجوَدُهم من بعدي رجلٌ علمَ علمًا فنشرَ عِلمَه يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ ، ورجلٌ جادَ بنفسِه في سبيلِ اللَّهِ }

[مسند أبي يعلى]

(جوَدُهم من بعدي رجلٌ) ماذا؟ أنت قُلْ، ثمَّ؟ (يبعثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ)(8)، الإسلام يقول لك: أنا أجعلُكَ أمَّة، فأي مبدأ في الحياة يجعل إنساناً في الميزان بوزن أمَّة؟

حقيقة الإسلام بعيدةعن واقع المسلمين:
ما هذا الإسلام الضائع عن المسلمين والمظلوم مِنَ المسلمين والمجهول منهم ومِنْ غيرهم؟ وماذا ربِحَ المسلمون بجهلهم وهجرِهِم للإسلام؟ وماذا ربحوا بثقافات كلُّها غثائيَّة؟ أما الثقافة الحقيقية لم نصِل لها، الإسلام وحَّدَ العرب وجعلهم دولةً وأمَّةً واحدة، هل العرب الآن دولةٌ واحدة؟ اثنان وعشرون دولة، الإسلام وحَّد الشعوب، والمؤتمر الإسلامي اثنان وخمسون دولة، هل هذا إسلام؟ لو كان الإسلام لصاروا دولةً واحدة؟ نحتاج العلماء ورثة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ماذا يرِثون؟ يُعلِّمُون الناس القرآن، لا النطق بألفاظه والإجادة والتجويد لأحكامه المدود والغُنة والقَلقَلة.
هل كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هكذا يُعلِّم القرآن؟ يقول لهم المدُّ المتصل والمنفصل؟ يُعلِّمُهم قرآن العمل والحياة والقوة والجهاد والكفاح لتحقيق العدالة والسلام والإخاء والحب في العالَم كلِّه، (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) هل أنتم في قلب أوروبا وأمريكا واليابان والصين ووسطهم؟ القرآن هكذا يقول: لتحمِلُوا لهم العِلم والحكمة وتُزكُّوا النفوس وتحققوا الإخاء وحقَّ الإنسان بصدقٍ لا بدَجَلٍ، حقوق الإنسان في أمريكا صحيح، لكن يستعملون حقوق الإنسان في البلاد الأخرى ليتسلَّطوا على تلك البلاد، كمثل الذئب الذي رأى الخروف بالحمام، قال له: لماذا تُثير الغبار علي؟ قال له: الحمام هل به غبارٌ لأثير الغبار عليك؟ إذا أردت أن تأكلني فكُلني ولا تقُم بأعذارٍ سطحية.

القوة في الإسلام:

إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
[سورة العلق]

الإنسان متى ما أُغرِيَ بالمال أو بالقوة فمِنْ طبيعته أن يطغى على أخيه الإنسان الضعيف، إلا الإيمان هو الذي يجعل مِنْ قوة القوي إسعافاً ومساعدةً للإنسان الضعيف، الآن لظهور مظاهر إسلامية في بعض الدول الثانية مثل السودان أمريكا وضعت رأسها برأس السودان، في ليبيا ظَهَرَ شيءٌ مِنَ الإسلام فوضعت رأسها برأس ليبيا، في إيران ظَهَرَ شيءٌ مِنَ الإسلام فوضعت رأسها برأس إيران، إسرائيل المجرمة القاتلة الأطفال والنساء والشيوخ والضعفاء، أمريكا هي المحامية، بلد الحرية، هذا هو الجبان المسيح الدجال، النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

{ من نبيٍّ إلا وأنذر قومَه الأعْوَرَ الدَّجَّالَ }

[صحيح الجامع]

{ إنْ يخرجْ وأنا فيكم فأنا حجيجُكُم منه }

[مجمع الزوائد]

أنا أدبِّرُه.

{ فمن أدركَه منكم فلْيقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ }

[السلسلة الصحيحة للألباني]

انتبهوا، سورة الكهف:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)
[سورة الكهف]

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ) العشر الآيات الأُوَل (الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) لا اعوِجَاج فيه، إذاً ماذا يوجد؟ (قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا).

أعظم أنواع الكفر :
مَنْ الذي يقول اتخذ الله ولَداً؟ أمريكا وفرنسا والعالم الغربي وأوروبا، هم الذين اتخذوا لله ولداً، إذاً هذا هو الدجال، إذا لم يكن هو بشخصه فبمعناه، وإذا كان له شخصٌ معينٌ فمرحباً، لكن ظاهر كلام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفي أولِّه قال: إذا لم أكن موجوداً تحصَّنوا، مَنْ هو الدجال؟

وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)
[سورة الكهف]

(مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) لا يتكلمون عن عِلمٍ وحقيقة.. إلى آخر الآيات، ليبيا تُهدَّد، تُمنَعُ طائراتها مِنَ الحج ومِنْ أداء النُّسِك المقدسة، والأغرب مِنْ هذا أن الدول العربية استجابت لمثل هذه القرارات، أين العروبة والإسلام والقومية؟

الانتصار للحلفاء:

إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ (23)
[سورة النجم]

لما حالَفَ بنو خزاعة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صُلح الحديبية وبنو بكرٍ حالفوا قريشاً (قبائل العرب)، بعد ذلك اعتدى حلفاء قريش على حلفاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقتلوا منهم ثلاثة عشر شخصاً، فجاء وفد بني خزاعة إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يشكون الغدر والعدوان مِنْ بني بكرٍ وبمؤامرة قريش، مثل مؤامرة أمريكا مع إسرائيل، هي تمدُّها بالسلاح والمال والتكنولوجيا، والآن تريد أن تعمل معها حِلفاً يعني العدوان على إسرائيل وعلى أمريكا، فلما بَلَغَ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقالوا له بكَى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على العدوان على الضعفاء الآمنين، فيا تُرى هل بكى العرب؟ يوجد منهم مَنْ حالَفَ إسرائيل ومنهم مَنْ قبَّل شوارب إسرائيل ومنهم ومنه.. أعان الله رئيسنا وتولَّاه بعنايته وإن شاء الله سينصرُه ويبيِّض وجهه ويرفع رأسه عالياً ويسجِّلُه في التاريخ كما يصمُد وكما يُجاهِد، فبكَى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعبَّر عن تأثُّرِه بالعدوان على حلفائه فقال: ((لا نُصِرت)) لا نصَرَني الله ((إن لم أنصُركم))، قال لهم: ارجعوا لمكة ولا تعطوا خبراً على أنَّكم أتيتم إلي:

{ استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان (9) }

[المعجم الكبير للطبراني]

وأمَرَ عائشة بأن تُهيِّئ عدة السفر، دخل أبو بكر فرآها مشغولة، خيراً؟ قالت: لا أعلم، كانت أزواج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يكتُمْنَ أمره، ثم أخبَرَ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكرٍ وجَمَعَ الصحابة وكذا وبجيشٍ من عشرة آلافٍ وأمَرَ بوضع قوى على كلِّ الطرق التي تُوصِلُ إلى مكة لكي لا يصِلَ خبر الزحف نحو مكة حتى يأخُذهم فجأةً.

الحرب تحتاج إلى تخطيط وكتمان وعمل:
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا)، (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) وصل الجيش إلى مكة ولا أحد يدري ما الذي يحصُل في الدنيا، فأي تخطيطٍ عسكريٍّ وهجوميٍّ ومخابراتيّ؟ أمَرَ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سيدنا العباس رضي الله عنه: أنت تبقى وتبْعَثَ لنا أخبار قريش، مدير مخابرات النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَنْ كان؟ العباس رضي الله عنه، يعني الأمر ليس بالبلاهة والدعاء، دلائل الخيرات كلُّها بالحكمة والعِلم وبتعاليم القرآن، المسلمون يا تُرى هل يقرؤون القرآن؟ قرآن الفهم والعِلم والعمل والتطبيق؟ هل نفهمه؟ هل آمنا به؟ إذا آمنت بصُرَّةٍ فيها مئة ليرةٍ مِنْ ذهب وأحدهم قال لك تفضل هذه الصُّرَّة وأنت مؤمنٌ بما فيها هل ترفضها، وإذا كان في الصُّرَّة ثعبانٌ ورأيته وأنت تعرف ما الذي في الصُّرة، وقال لك: هل تقبل هذه الصُّرة؟ ما الذي جعلك تقبل الأولى؟ إيمانك بحقيقتها، وما الذي جعلك ترفض الثانية وتبتعِدُ عنها؟ إيمانك بحقيقتها، فهل نحن مؤمنون بالقرآن لنعمَل بحقيقته؟ العمل هو دليل الإيمان:

{ ليس الإيمانُ بالتَّمَنِّي ولا بالتحلِّي ، ولكن هو ما وقر في القلبِ ، وصدقَهُ العملُ }

[ضعيف الجامع]

وأعود وأقول لكم: يجب أن نبدأ ونجعل السلطان والقرآن أخوين توأمين متعاونين لا يُصلِحُ أحدهما بدون الآخر، فالإسلام أسٌّ، أساس النصر والعز والمجد العقيدة والتربية والأخلاق والسلطان هو القوة التي تحرِسُ البلاد والعقيدة والأمَّة، وما لا أسَّ له ينهدِمُ وما لا حارِسَ له يضيع.

القسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) ركّاب وفوارس الخيول العاديات إذا حلَفَ الله بخيولهم ألا يستحقون أن يحلِفَ بهم؟ هل حلَفَ بهم؟ حلَفَ بهم، أين؟

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
[سورة القيامة]

(لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) ما معنى لا أقسِم؟ يعني أُقسِم هذه لا لتأكيد القسَم (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ) الرقيبة على صاحبها، متى ما أخطأ تقول له أخطأت وتشدُّ أذُنَه وتقول له لا تُعِدْها فتلُومه، (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) اللوَّامة إذا بقيت على عملها تستقيم أعمالها وتتزكَّى وتصير مُطمئنة.

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
[سورة الفجر]

(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) إلى عطائه وجنَّته ونصرِه، (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) لا في عباد الشيطان (وَادْخُلِي جَنَّتِي)، فهذا الإنسان الذي حلَفَ الله بخيلِه، فمن باب أولى أن يحلِفَ به، قال يوجد إنسانٌ آخر بالمقابل وهو الكنود الكَفُور الجَهول، هذا الإنسان الخام الذي لم يدخل مدرسة القرآن ولا أخذ علوم القرآن مِنْ مُعلِّم القرآن، هذا مثل الأرض البور، مهما كانت واسعةً ولو كانت مئة ألف دونمٍ وليس لها فلاح، فلا تُنبِتُ إلا الشوك ولا تُربِّي إلا الحشرات والأفاعي والوحوش، أما المزرعة التي لها مزارعها تُنبِتُ:

وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
[سورة ق]

فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69)
[سورة الرحمن]

(فَبِأَيِّ آلَاءِ) وهي النِّعم، إذا استعملناها نرى الآلاء والنِّعم والعطاء والخيرات.
فهل تريدون أن تكون تربةُ نفوسكم صحراء قاحِلةً لا ماء ولا خُضرة ولا نبات، أم أن تكون جنةً فيحاء مثمرةً خضراء تجري مِنْ تحتها الأنهار؟ هذا يكون بفهم القرآن ونبدأ بالعمل، هل أنتم مستعدون للبدء؟ ابدؤوا بأنفسكم ثمَّ بأهليكم ثم بجيرانكم، مثلما تُفكِّر بأكلك وبعد عشر أو خمس عشرة ساعة تعرف ماذا يحدث بنهاية الأكل، وبشربك تعرف ما الذي يحدث، وبنومك تُعطِّل مِنْ عمرك ثلثه، أما والله إذا جعلت غذاءك القرآن عِلماً وقلباً وعملاً والله أنت أسعد السعداء.

حال المعرض عن ذكر الله عزَّ وجلَّ
أما الإنسان الثاني الذي أعرَضَ عن القرآن:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
[سورة طه]

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) القرآن (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) لأنه كان في الدنيا أعمى، لا يرى الحق ولا الواجب ليُؤديه ولا كلام الله ليعمَل به، (إِنَّ الْإِنْسَانَ) الخام الذي ليس له مُعلِّمٌ ومُربٍ ومُرشدٌ ومُزكٍ وحكيمٌ ليُعلِّمه القرآن (لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) كفُورٌ بنِعَمِ الله وتعاليم الله ومُعرِضٌ عن مدرسته، لا مُعلِّم له ولا مُرشِد له ولا مُربٍ له، تريد أن تعلم اللغة الإنكليزية هل تتعلَّمها مِنْ دون مُعلِّم؟
توجد قصةٌ ذهبت عن بالي كان شيخي يقولها لنا عن واحدٍ تعلَّم اللغة الإنكليزية، هل تذكرون أولها؟ قال كرديٌّ يريد تعلُّمَ اللغة الإنكليزية، جاء إلى رجل وقال له: أريد تعلُّمَ اللغة الإنكليزية، قال له: صعبة، فقال: لا يُهمك، قال: تحتاج الكثير مِنَ النقود والمُعلِّم ليُعلِّمك، قال: لا يُهمك، قال: كيف لا يُهمني؟ قال أنا أعلِّمُها لك بخمسِ دقائق! ما هذا الكلام؟ قال له: والله إذا علَّمتني إياها بخمسِ دقائق فسأعطيك مئة ليرةٍ مئة من الذهب، هم يُريدون مئة ليرةٍ من الذهب على سنتين وثلاثة، إذا علَّمتني إياها بخمس دقائق تستحق مئتي ليرةٍ من ذهب، قال له: بسم الله أحضِر النقود، فأحضرها ودفعها، قال له: كلُّ كلمةٍ باللغة العربية اقرأها بالمقلوب تصبح إنكليزية، هذه قصةٌ واقعية، الذي حصلت معه قالها لشيخنا وأنا سمعتها مِنْ شيخنا، لكن مئة ليرة لا توجد، يضحك عليه، فهي اللغة الكردية أنا أخطأت، فجاء هذا أحضر كتاباً وكتَبَ الخبز ماذا كتبه بالمقلوب؟ زبَخ، الشاي: ياش، والقلم: ملق، وكتب كتاباً مئة صفحةٍ ويحفظ ليتكلَّم الكردية، فجاء وقال لشيخنا، قال له: شيخي كم هي هيِّنةٌ اللغة الكردية؟ قال له: كيف هي هيِّنة يا بنيّ؟ قال له: أنا تعلَّمتها بخمس دقائق، قالك كيف بخمس دقائق، هذه لغةٌ مثل كلِّ لغات العالم لها نحوُها وصَرْفها وقواعدها، قال له: لا يا شيخي أنت لا تعرف، يا بنيّ كيف؟ قال له: اسألني عن أي كلمة بالكردية لأقولها لك، قال له: الخبز بالكردي ما هو؟ قال له: زبَخ! الخبز بالكردي يقولون نام وهذا أصلها، والماء آم، الخلاصة الآن نحن مَثَلُنا كهذا المثال، نفهم الإسلام بالعكس، نفهم الهمَّة أن نترك العمل باسم التوكل على الله، والحكمة أن ما أراده الله سيحدث، أما أن نستعمل عقلنا وتفكيرنا ونرجِع لقرآن العِلم ونُفتِّش عن العالِم الذي يُعلِّم القرآن، لا فَرَجَ لنا إذا لم ندخل الإسلام الحقيقي العلمي العملي في المعركة، وتكون معركة سلامِ وحبِّ ووحدة العالم.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[سورة الحجرات]

(إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ) لتتقاتلوا وتتحاربوا؟ (لِتَعَارَفُوا) والسبَّاق في ميدان السباق (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الذي يمتثِلُ أوامر الله أكثر هو الأكرم والأسبَق.

الجهول الكنود هو الذي لم يدخل مدرسة القرآن:
فالإنسان الثاني الذي لم يدخل مدرسة القرآن هل هو مؤمنٌ أم كفُورٌ وشاكرٌ أم كنودٌ لنِعَم الله؟ (إِنَّ الْإِنْسَانَ) الخام الجَهول الذي ليس له مُعلِّمٌ ولم يدخل مدرسة القرآن، فاسألوا أنفسكم أنتم كنُودٌ أم شكورٌ ومُتعلِّمٌ أم جاهلٌ وأمِّيٌّ أم مُثقفٌ بثقافة القرآن؟ المحامي أمِّيٌّ في عِلم الطب، والطبيب أمِّيٌّ في عِلم المحاماة، أنت المسلم النجار مُثقفٌ بالنجارة، هل تعلَّمت الإسلام؟ هل تعلَّم القرآن؟ مَنْ مُعلِّمُك وأين مدرستك؟ لا مُعلِّم ولا مدرسة، والله أبوه وجدُّه وجدُّ جدِّه كانوا حدادين فأخذ هو لقب حداد لذلك صار حداداً، أبوه وجدُّه كانوا حكماء فأخذ لقب حكيم لذلك هو وأولاده مِنْ بطن أمِّهِم يكونون حكماء، هذا هو إسلام المسلمين الآن، (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)، هل تريدون أن تكون مِنَ الإنسان الكَنود أم مِنْ راكِب العاديات ضَبْحاً؟

القراءة الصحيحة للقرآن الكريم:
هل يكون الجيش كلُّه فرسان؟ يوجد فرسان ومشاة فالمشاة جيدون أيضاً، أليس كذلك؟ إما مشاةً أو رُكباناً، سنحوِّل القرآن إلى القراءة الصحيحة، العمل والتعليم بالأعمال والأقوال وبحضور المدرسة، يعني أن تأخذ بكالوريا في السنة فتأتي للمدرسة يوماً واحداً وتأخذ بكالوريا؟ في كلية الطب وفي السنة تأتي ساعةً هل تصبح طبيباً؟ هل يجوز؟ (إِنَّ الْإِنْسَانَ) أي إنسانٍ؟ الجهول الذي لم يُهاجِر، كان المسلم يُهاجر مِنْ مكة للمدينة ليتعلَّم الكتاب والحكمة وتتزكَّى نفسه مِنَ المُعلِّم الحكيم المُزكِّي، مَنْ هو مُعلِّمك الحكيم المُزكِّي؟ هل تُداوم على الدروس؟
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أرجوك يا رب أنا مِنَ الكَنُود أم مِنَ راكِب العاديات؟ افحصوا أنفسكم، إذا فحَصْتَ نفسك قد تُعطي لنفسك علاماتٍ ناجحة، لكن غداً أمامك فحصُ الله، فإذا فحَصَك الله يا تُرى مَنْ الكَنود؟ هناك لا يوجد غير أنكَرُ ونَكير في التحقيق، وثم بعد التحقيق يكون التوقيف، وبعد التوقيف على حسب أعمالك:

ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52)
[سورة يونس]

أما بالتَّمني والكسل والقعود بلا جهدٍ ولا بذلٍ فهذا لا يجوز، المسلمون هكذا.. وهم نيامٌ مثل أصحاب الكهف:

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
[سورة الكهف]


الدين بحقيقته وجوهره:
عندما أخرجت أمريكا قرار مقاطعة ليبيا لو وُجِدَت العروبة الحقيقية والقومية بالمعنى الصحيح فهل يسألون عن قرارات هيئة الأمم؟ هذه إسرائيل خمسمئة ألف قرارٍ ولم تسأل، فماذا حصل لها؟ نحتاج إسلاماً حقيقياً، مثلما يقول الرئيس: بحقيقته وجوهره، هذا يحتاج مُعلِّماً، هل تتعلَّم الرياضة والنجارة والطيران بلا مُعلِّم؟ هل يجوز؟ مَنْ مُعلِّمُك زوجتك أم حماتك؟
(وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد) الكَنود، أعماله تشهد عليه أنه كَنُود.

{ إنَّما هيَ أعمالُكم أُحصيها لَكم ثمَّ أوفِّيكم إيَّاها (10) }

[صحيح مسلم]

(وَإِنَّهُ) أين عقله؟ (لِحُبِّ الْخَيْرِ) والمال (لَشَدِيدٌ)، عقله في المال والدنيا.

الإنسان محاسب على كل شيء:
(أَفَلَا يَعْلَمُ) الكَنود (إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) شُقَّت الأرض:

وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)
[سورة الانشقاق]

(إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ) جُمِعَ وأُخرِجَ ما خُبِّئَ في الصدور، إذا كنت ستُحاسَب على ما في الصدور فكيف لن تُحاسب على ما صنعته يداك ومشَتْهُ رجلاك وأبصَرَتْهُ عيناك وتصرَّفتَ فيه بالمال بالحلال والحرام؟ (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ).

دعاء وخاتمة:
جعلنا الله مِنَ الذين يستمِعون القول فيتَّبِعون أحسَنه، ويُعلِّمُنا القرآن فهماً وعِلماً وعملاً، وفرَّج عن إخواننا في ليبيا ورفَعَ عنهم تسلُّط أمريكا، هذه الأحكام الجائرة والهيئة الدَّجالة الكاذبة، قرارات هيئة الأمم تُطبَّقُ على المسلمين وإسرائيل تذبح وتسفِكُ الدماء وتهدِمُ وتُخرِّب وتُدمِّرُ وبرداً وسلاماً.. هذا هو زمن المسيح الدَّجال إلى أن يأتي الدَّجال الأكبر والله أعلم بالحقيقة، وصلَّى الله على سيدنا محمَّدٍ وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

الحواشي:
(1) أخرجه النسائي في الكبرى ، في كتاب المحاربة، الْحُكْمُ فِي الْمُرْتَدِّ، رقم( 3516) (3/ 443)، ومسند البزار = البحر الزخار (3/ 351)
(2) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، رقم: (2626)، ولفظه: ((لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ))، وفي السنن الكبرى للنسائي، كتاب الزينة، باب الاختلاف على أبي إسحق فيه، رقم: (9616)، بلفظ: ((لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ، وَإِيَّاكَ وَتَسْبِيلَ الْإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنَ الْخُيَلَاءِ وَالْخُيَلَاءُ لَا يُحِبُّهَا اللهُ، وَإِذَا سَبَّكَ رَجُلٌ بِمَا يَعْلَمُهُ فِيكَ فَلَا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَجْرُ ذَلِكَ لَكَ وَوَبَالُهُ عَلَيْهِ)).
(3) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل الرد، رقم: (1413)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، رقم: (1016)،
(4) صحيح البخاري، كتاب الهبة وفضلها، باب /، رقم: (2566)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بقليل، رقم: (1030).
(5) مسند أحمد، رقم: (3818)، (6/367)، (22809)، (37/467).
(6) مسند الديلمي (1/117)، رقم: (396).
(7) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب خيركم من تعلم القرآن، رقم: (5027).
(8) مسند أبي يعلى، رقم: (2790)، (5/176).
(9) المعجم الكبير، الطبراني، (20/94). شعب الإيمان، البيهقي، رقم: (6228) ، (9/34) و اعتلال القلوب للخرائطي (2/ 335) رقم680.
(10) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2577).