تفسير سورة عبس 03

  • 1995-04-28

تفسير سورة عبس 03

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتحيات العطرات المُباركات على سيدنا محمدٍ خاتم النبيين والمرسلين، وعلى أبيه سيدنا إبراهيم وعلى أخويه سيدنا موسى وعيسى وعلى جميع إخوانه النبيين من عرفنا ومن لم نعرف، كما يقول القرآن:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ(78)
[سورة غافر]

وآل كُلٍ وصحب كلٍ أجمعين وبعدُ:
الآن في زيارة المسجد وفد من ألمانيا نساءً ورجالاً، قد يجلسوا بعض الوقت حسب برنامجهم ثم قد يغادروننا حسب برنامجهم، برنامج سفرهم، أسأل الله لهم السعادة والسرور في زيارتهم لبلدنا.
وبعد: فقد تقدَّم معكم في سورة عبس سبب النزول، وعَتب الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام سيدنا محمد، وأبقى هذه القصة وهذا العَتب الإلهيَّ قُرآناً خالداً ودستوراً دائماً تكفَّل الله بحفظه عن التغيير والتحريف، لتنبيه الإنسان برعاية أخيه الإنسان خاصةً الإنسان الضعيف، فقراً، أو صحةً، أو أيَّ ظرفٍ من الظروف التي تجعل الإنسان الضعيف موضع عدم عناية الإنسان القوي.
فإنسانٌ فقيرٌ وإنسانٌ أعمى وفي مجتمعه لا أحدٌ يأبه به أو يفكر فيه، أو في حفظ كرامته وإنسانيَّته، حتى النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا محمد مع عظيم ما أكرمه الله به من أخلاقٍ ورعايةٍ للإنسان، ولكن انشغاله بِعُظماء المجتمع جعله يُغفل أو ينشغل عن رعاية هذا الإنسان الضعيف الفقير الأعمى، تقديماً من النبي صلى الله عليه وسلم للأهمِّ على المُهم، لأنَّ لقاء النبي مع زعماء أهل مكة رجاء إيمانهم، فيما لو آمنوا لآمن المجتمع كلُّه، مع هذا الواقع الله في علياءِ سمائه ما تسامح في إضاعة حقِّ الإنسان الفقير الضعيف الأعمى، ما جعل الوحيُّ السماويُّ ينزل حالاً وفوراً وبلا تخلُّف لمُعاتبة الله لنبيه على عظيم قدر سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم عند ربه، يُعاتبه على عدم إعطاء هذا الإنسان الفقير الأعمى الذي المجتمع وأبناء المجتمع كثيراً ما يزهدون في مثله ولا يكترثون لحقِّه الإنساني، هذا من ناحية ومن ناحيةٍ أُخرى يُبيِّن القرآن مسؤولية الإنسان تجاه أخطائه مهما كانت يسيرةً ومهما المُخطئ كان عظيماً.

المعاتبة الربانية لسيد الخلق من أجل أعمى:
فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على عظيم منزلته عند الله عز وجل يُؤاخَذ ويُعاتَب ويُسجَّل عَتبُ الله له ومؤاخذته على عدم إعطاء الإنسان الضعيف حقَّه، ويُسجَّل هذا العَتب وهذه المُؤاخذة تسجيلاً سماوياً، تُقرَأ كلَّ يومٍ، وكلَّ ساعةٍ، وكلَّ لحظةٍ، في مشارق الأرض ومغاربها، لتكون درساً لكلِّ مؤمن، أولاً للحفاظ والتقدير الإنسان القويّ لأخيه الإنسان الضعيف مهما كان شأنه من جهلٍ لنُعلَّمه، أو فقرٍ لنُساعده، أو ضعيفٍ لنعاونه، مع أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام ما أهمل الفقير ولا يُهمل الأعمى، وإنما بُعِث لتعليم الجاهلين، ولكن وهو في نفس الوقت قائم بتبليغ الدعوة لعُظماء القوم، ما إن آمنوا آمن الناس كلُّهم، مع هذا السماء لم تُسامح في إهمال الإنسان الضعيف مهما كانت الظروف المحيطة بذلك الحادث.
هذا من ناحية ومن ناحيةٍ أُخرى فيه تعليمٌ للإنسان لأنّ الإنسان إذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لم يُسامحه الله في مُخالفةٍ بسيطةٍ، وهي عدم عنايته بالإنسان الضعيف، مع عظيم مكانة النبي عند الله، وعند ملائكته، وفي الأرض، وفي السماء، وتكون المُحاكمة والمؤاخذة فوريةً وحاليةً بالعناية بالإنسان الضعيف وعَتبٌ مُخلَّدٌ أبديٌ يُتلَى في الأرض وفي السماء، فكيف بنا نحن إذا وقعنا في مخالفة الله وليست لنا تلك المنزلة القدسيَّة عند الله وبذنوبٍ كبار كبارٍ وذنوبٍ عِظامٍ عِظام؟! فكيف تكون مؤاخذة الله لنا على ذنوبنا وخطيئاتنا وخطايانا؟ مثل هذا العتب الإلهيِّ للعظماء عند الله، ما آخذ الله نبيه يُونس عليه السلام عندما ملَّ من قومه حين يدعوهم إلى الإيمان وهم يُقابِلونه بالرفض والإعراض والإيذاء، فملَّهم، وتركهم، وهجرهم، وذهب إلى البحر، وغرق في السفينة وابتلعه الحوت وذكر الله قصَّته أنَّ ما حصل معه إنَّما هي مؤاخذةٌ له لتركه تعليم قومه رسالة السماء ولملله، وعدم صبره على جفاء قومه وإعراضهم عن الإيمان.

وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
[سورة الأنبياء]


الله عاتب أنبيائه في القرآن تعلّيماً لنا حتى لا نُخطئ:
وذا النون الله قال للنبي أذكر صاحب الحوت (إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا)،غضبان من قومه فابتلعه الحوت (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ)، ظُّلمة البحر، وظُّلمة الليل، وظُّلمة بطن الحوت، (أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) اعترف بذنبه لمَّا نزلت عقوبة الله له ومؤاخذته له، وترك الله قصة يونس وعَتب الله عليه قرآناً يُتلى ما دام الإنسان على هذا الكوكب، تعليماً لنا حتى لا نُخطئ، فإذا كان أنبياء الله إذا أخطؤوا هكذا يؤاخذون وهكذا يُقاصصون، وقبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا يونس، سيدنا آدم وهو في الجنة خالف أمر الله مُخالفةً بسيطةً أكل من الشجرة حيث نهاه الله عن الأكل من الشجرة، آدم أول أنبياء الله وهو صفيُّ الله خَلقه بيده ونفخ فيه من روحه، ولـمَّا خالف أمر الله :

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121)
[سورة طه]

أخرجه الله من الجنة.
وإبليس كان من عُظماء الملائكة، فلمَّا أمره الله بالسجود لآدم، وثارت عليه أنانيته وتقدُّمه في السن والعمر خُلِق قبل آدم بخمسين ألف سنة، وهو ما بين راكعٍ وساجدٍ وعابدٍ لله، فخالف أمر الله مُخالفةً واحدة فكان مصيره الطرد من الجنة، وآدم بمخالفةٍ واحدة أيضاً أُخرِج من الجنة بعد أن كانت موطنه ومسكنه، وهذه الوقائع من الأنبياء نقرأها في القرآن لماذا؟ لنعلم أن أعمالنا مُسجلةٌ علينا، نُكافئ على حسناتها ونُقاصَّص على سيئاتها، وليس هناك استثناء، ولو كان هناك استثناء لاستُثنيَّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قصته مع الأعمى، ولو كان هناك استثناء لاستثنيَّ ذا النون يُونس عليه السلام لمّا ترك أمر الله في إبلاغ رسالة الله إلى قومه، فأدخله الله في السجن البحري وفي قاع البحار قِصاصاً له على فِراره وإهماله لأمر الله، وهو تعليمه لقومه وتربيته لهم التربية الأخلاقيّة الربَّانيّة الملائكيّة، وقصَّ علينا قصص إبليس كان مع الملائكة وفي السماوات وبذنبٍ واحد جرى عليه ما جرى وصار ملعوناً إلى أبد الآبدين، وآدم بأكله من الشجرة أُخرِج من الجنَّة، فيا تُرى هل أحدُنا أفضل من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إذا أذنب الذنب أن يستثنيه الله من المؤاخذة ومن المحاسبة؟! إذا أذنب أحدنا ذنباً هل هو أفضل من نبي الله يونس؟! هل هو أفضل من صفيِّ الله آدم؟! هل عبدَّ الله خمسين ألف سنة ولا تمحوا حسناته الماضية هذه السيئة المُتأخِّرة؟ فقصَّ الله علينا قصص الأنبياء في مثل هذه الأحوال درساً لنا وتربيةً لنا وكما قال الله في القرآن أولئك عن الأنبياء:

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ(90)
[سورة الأنعام]

أما قصة الأعمى وحقوق الإنسان الأعمى الفقير المُهمل في المجتمع في نظر الله وفي نظر السماء بعد أن علَّم الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حقوق الإنسان ورعايته، فكان بعد هذا العتب وهذا الدرس الإلهي كان إذا أتاه ذلك الأعمى يستقبله قائلاً مرحباً بمن عاتبني فيه ربي وجعله نائباً له، النبي عليه الصلاة والسلام استناب واستخلف نيابةً عنه في أسفاره إلى المدينة وعلى المؤمنين، استناب هذا الأعمى أميراً وخليفةً عن النبي صلى الله عليه وسلم في غيابه ثلاثة عشرة مرة، هو الأمير، وهو الحاكم، وهو القاضي، وهو المُعلِّم.

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (114)
[سورة هود]

مع أن النبي عليه الصلاة والسلام ما فعل الذي فعل إلا تقديماً باجتهاده للأهمّ على المُهم وللأفضل على الفاضل، ولكن عند الله عز وجل لا فضل لإنسانٍ على إنسان إلا بتقوى الله عز وجل والتسابق إلى محابّه من الأعمال الصالحة، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

{ خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ }

[صحيح البخاري والترمذي]


المقصود من قراءة وتدبُّر سورة عبس
فقارئ سورة عبس وتولى القراءة التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم ليكون القارئ أفضل الناس وأفضل أبناء مجتمعه الذي يَفقه سورة عبس، وبعد سورة عبس يحترم الإنسان، سواءٌ كان أعمى، سواءٌ كان فقيراً، سواءٌ كان جاهلاً، الجاهل يُعلِّمه، والفقير يُساعِده، والأعمى يُرشِده، فهذه السورة ليست لتلاوة ألفاظها كما هو شأن كلِّ سور القرآن، إنما يُقرأ القرآن لنتعلّم الهدف والمقصود من سوره ومن آياته، فإذا كان ذِكر المُخطئين لئلا نُخطئ كخطئهم، وإذا كان ذِكر الجاهلين لئلا نبقى في جهالتنا ولا نُهاجر من الجهل إلى العِلم، إذا كنّا في عداواتنا وأحقادنا ورذائلنا، إذا كانت سور القرآن تُنبّه على العُصاة، على المُذنبين، وتذكر جزاءهم وقصاص الله لهم لئلا نكون مثلهم فنعاقب من طرف الله كعقابهم ونُقاصَّص كقصاصهم، فالله قاصص أنبيائه وملائكته وأصفيائه فهل نحن أعظم من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يسامحنا الله؟! هل نحن أعظم من يونس عليه السلام؟! هل نحن أعظم من آدم عليه السلام؟! هل نحن أعظم من إبليس لمَّا عَبَدَ الله خمسين ألف سنة؟
فهذا مقصود النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه (خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ) يعني علوم القرآن، والذنب يسير والمعاقبة شديدة، الأطباء نجدهم للحفاظ على الصحة العامة إذا وجدوا جرثوماً ومكروباً لا تراه العيون تجد يُجهزون كل طاقاتهم لمكافحة هذا الجرثوم، وهذا المكروب الصغير الحقير الذي لا تراه العيون، وكلما كان التعقيم والتطهير أدقّ وأعمق تكون الصحة والسعادة والسلامة للمجتمع أضمن وأحفظ وأكمل، وهكذا أراد الله من القرآن ومن قَصص القرآن ومن ذكر مؤاخذة الله لأنبيائه لنتعلَّم حتى نكون دائماً في ميادين الكمال والفضائل والأخلاق، ففي قصة يونس المُعلِّم لا يهجر تلامذته ويصبر على إعراضهم، ويصبر على جفائهم، وفي قصة عبس وتولى، سيدنا محمد والأعمى حتى لا نحتقر ولا نتهاون في حقوق الضُعفاء في مجتمعنا، وفي قصة آدم إذا نهانا الله عن أمرٍ مهما كان بسيطاً وحقيراً ما نهانا الله عنه لا يكون حقيراً، إنما نهانا الله عنه ما هو مُضرٌّ لنا في أجسامنا أو في أرواحنا أو في عقولنا، حرَّم الله المُسكِرات والمُخدرات لماذا؟ للحفاظ على العقول وعلى الأفكار، حرَّم الله علينا أكل الميتات مثلاً، وحرَّم علينا الأشياء القذرة لأنها تحمل الأمراض وتحمل الأسقام لجسد الإنسان، حرَّم الله علينا الجهل وفرض على المؤمن العِلم ويقال: "اطلبوا العلم ولو في الصين"، وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:أنا بريئٌ وليس مني، ليس على صلةٍ معي إلا عالِمٌ أو متعلِّم.

{ ليس مني إلا عالمٌ أو مُتَعَلِّمٌ }

[الألباني ضعيف]

فرسالات السماء أتت لتعليم الجاهل، أتت لتنقية النفس من العداوات والأحقاد والبخل والأنانية ليكون الإنسان أخ الإنسان، وكما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: المؤمنون يعني المتخرجون من مدرسة السماء الحاملون لثقافة السماء.

{ مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى }

[صحيح البخاري والترمذي]

لو أن ظفراً (تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)، تعاون سائر الجسد لمساعدة العضو الضعيف ومعالجة العضو المريض.
وفي ميدان التعليم مرّةً قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على المنبر لإلزامية التعليم وفرضية التعليم والتعليم المجاني بلا أجرة، لأنَّ المُعلِّم يجب عليه أن يُعلِّم وعلى الجاهل أن يتعلَّم ولا يأخذ المُعلِّم أُجرة فقال:

{ ما بالُ أقوامٍ لا يُفقِّهون جيرانَهم، ولا يُعلِّمونهم، ولا يَعِظونَهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم؟! وما بالُ أقوامٍ لا يتعلَّمون من جيرانِهم، ولا يتفقَّهون! ولا يتَّعِظون؟! واللهِ لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم، ويُفقِّهونهم، ويعِظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم، ولَيَتَعَلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم ، ويتفقَّهون، ويتَّعِظون، أو لأُعاجِلنَّهم العقوبةَ. ثم نزل. فقال قومٌ : مَن ترونَه عَنِيَ بهؤلاءِ؟ قال : الأشعريِّينَ، هم قومٌ فقهاءُ، ولهم جيرانٌ جفاةٌ من أهلِ المياهِ والأعرابِ فبلغ ذلك الأشعريِّينَ فأتوا رسولَ اللهِ فقالوا: يا رسولَ اللهِ ! ذكرتَ قومًا بخيرٍ، وذكرتَنا بشرٍّ، فما بالُنا ؟ فقال: لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم وليَعِظُنَّهم، وليأمرُنَّهم ، ولينهونَّهم، وليتعلمَنَّ قومٌ من جيرانِهم ويتَّعظون ويتفقّهون، أو لأعاجلنَّهم العقوبةَ في الدنيا . فقالوا: يا رسولَ اللهِ! أَنُفَطِّنُ غيرَنا ؟ فأعاد قولَه عليهم، فأعادوا قولَهم: أَنُفطِّنُ غيرَنا؟ فقال ذلك أيضًا. فقالوا: أَمهِلْنا سنةً ، فأمهلَهم سنةً، ليُفقِّهونهم، ويُعلِّمونهم، ويعِظونهم . ثم قرأ رسولُ اللهِ هذه الآيةَ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ الآية }

[الألباني صحيح الترغيب]


مسؤولية العالِم أن يُعلِّم والجاهل أن يتعلم:
هذا العِلم إذا كانوا على أمرٍ خرافيٍّ أو وهميٍّ غير صحيح قال: ولا يفطننونهم، إذا عقولهم في نوم يجب أن نوقظ العيون للتوجه، والتمسُّك بالحقائق وترك الأوهام والخرافات (ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم)، وإذا رأيت إنساناً يعمل عملاً ناقصاً لا يجوز أن تسكت عنه ويجب أن تنصحه وتأخذ بيده لتُنقِذه مما يُضرُّه إلى ما ينفعه.
مثلاً لو رأيت إنساناً يستعمل المخدرات فأنت بحسب الإيمان مسؤولٌ عنه، أن تنصحه، أن تُبين أضراره، أن تُساعده حتى تنقذه من المخدرات من المُسكِرات، من كل ما يوقعه في الأضرار أو الأذى أو الهلكة، ثم قال:(وما بالُ أقوامٍ لا يتعلَّمون من جيرانِهم ولا يتفقَّهون) جعل المسؤولية على المُعلِّم أن يُعلِّم وعلى الجاهل أن يَتعلَّم، يا ترى المدنيّة الآن المُعاصرة وهذه القوانين الإيمانية ليست خاصةً في نظر الله بشعبٍ دون شعب، إن العرب هكذا يجب أن يعملوا، أو الإيرانيون هكذا أن يعملوا، هذا قانون لكلِّ شعوب العالم لأنَّ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رسالةً لكلِّ شعوب العالم.
ولذلك لـمَّا المسلمون حرَّروا الشعوب من الاستعمار الشرقي الفارسي، ومن الاستعمار الغربي الروماني البيزنطي، لمّا تحررت الشعوب من الاستعمار، قام العرب المسلمون بتحرير هذه الشعوب من الجهل أيضاً، فقاموا بتعليمها بكلِّ ما تعلَّموه من رسالة السماء وقاموا يُعلِّمونهم الأُخوَّة الإنسانيّة والمحبَّة الإنسانيّة والتعاون الإنساني.
فكان الإنسان في الصين يشعر بألم الإنسان على شاطئ البحر الأطلسي في العالم الغربي، وبالوسائل البدائيّة، ولو كان في زمن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أو زمن سيدنا المسيح عليه السلام من وسائل الإعلام كالتلفزيون، أو الإذاعة، أو الطباعة، أو الورق، لأمكن أن يوحِّدوا العالم في عامٍ واحدٍ أو أقل من ذلك، لذلك لا سعادة، وبهذا التعليم السماوي انقلب وتحوَّل عشرات الشعوب ومئات اللغات مع اختلاف الألوان انقلبوا إلى أمةٍ واحدة، وعشرات ومئات الأوطان توحَّدت تحت راية وطنٍ واحدٍ وفي ظل أسرةٍ واحدة وكشخصٍ واحد، ما جرى في تاريخ الإنسان والإنسانية مثل هذا الحدث العظيم السماوي، وما استطاع نبيُّ الله إبراهيم عليه السلام أن يفعل ذلك، وموسى عليه السلام كان مُرسَلاً إلى اليهود فقط لبني إسرائيل، سيدنا عيسى عليه السلام بحسب القرآن والإسلام ما استطاع أن يُبلِّغ الرسالة فأراد اليهود قتله فنجّاه الله وتدخَّل بعملية إنقاذية رفعه إلى السماء، ولولا عملية الإنقاذ لكان مصلوباً على الصليب، وبحسب الكنيسة قالوا: بأنه صُلِب وقُتِل وطَعن به اليهود ما هو معلوم.

الدعوة إلى الإيمان دعوة إلى الخير:
أما سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قتل الطُغاة ولم يُمكِّنهم أن يقتلوه، وقتل المُفسدين ولم يُمكِّنهم أن يُفشِّلوا دعوته، وهزم الجهل وهزم الطغيان، وهزم الوثنية، وهزم الخرافة وهزم الجهل، وهزم الفقر، فكان الصحابة بعده لمّا يلقون الجيوش ويتفاوضون يقولوا: نحن أرسَلَنا الله عز وجل لننقل العباد من عبادة الإنسان للإنسان إلى عبادة الله، ومن جَور الأديان إلى عدالة الإسلام، ومن فقر الدنيا إلى غِناها، الاستعمار هكذا فعل مع الشعوب المُستعمرة، لينهبها وليؤخِّرها ولينشر فيها الرذائل والأمراض الجسديّة والعقلية والفكرية.
لذلك يا إخوان والأخوات على كلِّ واحدٍ مِنّا واجبٌ إلهيٌ كبير بِحكُم القرآن:

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)
[سورة آل عمران]

الدعوة إلى الإيمان دعوةٌ إلى الخير، الظالم لا يظلم، الغشاش لا يغش، الكاذب لا يكذب، العاقُّ لا يعقُّ، الخائن لا يخون، الجاهل ليتعلَّم، الغنيَّ ليساعد الفقير، القويَّ ليُعاون الضعيف، فإذا ما قام أحدنا بتعليم من لا يعلم بتعليم الجاهل، وبالعمل على إنقاذ المُذنب من ذنبه ومعصيته، ولا يكون همُّ أحدنا أن نأكل ونشرب ونلبس، وأمَّنَّا مستقبلنا الجسدي فأين مستقبلنا الأبدي؟ مستقبل الجسد مهما عاش الإنسان سبعين أو ثمانين سنة وبعد ذلك إلى الفناء، أما مستقبل ما بعد الموت المستقبل الذي لا نهاية له!! فلمستقبل السبعين أو ثمانين سنة كل جهودك وطاقاتك وعقلك وشبابك وإمكاناتك تقول: أريد أن أؤمِّن مستقبلي الزائل أم الخالد؟ هذا الزائل فماذا أمَّنت لمستقبلك الخالد الأبديَّ الذي لا يفنى ولا يزول، إذا ما قرأنا القرآن لنعلَمه، سورة عبس النبي لمّا قرأها ماذا عمل بعدها من فهمه لها وتعلُّمه إياها؟ صار يتنكر للضُعفاء أم يُعرِض عن العميان؟! بل على العكس من شدة تأثُّره بالعَتب الإلهي ما قام من مجلسه من كثرة بكائه حتى رمدت عيناه، وما وصل إلى بيته وداره إلا وهو يتلمّس الجدران لأنه أصبح من الرمد لا يستطيع أن يفتح عينيه، فهل يا ترى أحدنا لمّا يقرأ سورة عبس يفهم هذا المعنى من السورة ليعمل بها؟ كأوامر إلهية وقانون سماوي، يرأف بالضعفاء وبالفقراء وبالمساكين وبالدراويش وبمَن لا يفكر كثيرٌ من الناس بهم مادياً أو معنوياً؟ وهنا القصة ليست قصة مادية، ليس فقيراً يطلب المال أو جائعاً يطلب الطعام، إنما هو عالِمٌ يطلب زيادة العِلم، وليس جاهل إنما هو مُزكَّى ويطلب زيادةً في التزكية على تزكيته السابقة.
فإذا قرأنا سورة عبس وفهمنا هذا الفهم وطبَّقناه حسب الفهم نكون قد قرأنا سورة عبس ونستحق قول رسول الله حيث يقول: لمّا يدخل المؤمن في الجنة يُقال له:
اقرأ وارقَ في الدرجات الجنة، ورتل القرآن كما كنت ترتله في الدار الدنيا فإن آخر منزلتك عند الله في الجنة آخر آيةٍ تعلمها وتقرأها وتتلوها.

{ يقالُ لصاحبِ القرآنِ : اقرأْ وارقَ ورتِّلْ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإنَّ منزلتَك عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بها }

[صحيح الترمذي]

فيا ترى المراد آخر آيةٍ يقرأها ولا يفهمها؟ أو يفهمها ولا يطبِّقها؟ أم يقرأها ويفهمها ويعلمها ويعمل بها ويعلِّمُها، القراءة التي ترفع الدرجات عند الله أي هي؟ العِلم والعمل والتعليم للآخرين، يا ترى من منكم من عِلم سورة عبس وعمل بها وعلَّمها لأهل بيته؟ تُعلِّمها لزوجتك، يا زوجتي يا ابني، وفي الجلسة يا أخي أن ننتبه على العُميَان والفقراء والمساكين، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

{ رُبَّ أشعَثَ أغبَرَ ذي طِمرَينِ لا يُؤبَهُ لهُ لَو أقسَمَ علَى اللَّهِ لأبرَّهُ }

[أخرجه مسلم والطحاوي]

(ذي طِمرَينِ) يعني ثياباً بالية (لا يُؤبَهُ لهُ) لا أحد يكترث به (لَو أقسَمَ علَى اللَّهِ لأبرَّهُ) يعني لو قال: يا ربي أقسمت عليك إلا تفعل لي الشيء الفلاني فالله عز وجل لا يُحنّثه في يمينه بل يحقق له مطلوبه.

التربية القرآنية للإنسان:
دخل رجلٌ إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء وأغنياء المجتمع، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة: هل تنظرون إلى هذا قالوا: نعم، وبعد ذلك دخل رجل آخر من الفقراء، ثياب قديمة ومنزلته الاجتماعية أيضاً بسيطة، قال: هل تنظرون إلى هذا؟ قالوا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يُشير إلى الفقير: إنَّ هذا أفضل من ذاك لو أن ذاك يملأ وجه الأرض عدداً، لكان هذا الفقير الواحد أفضل من ملئ الأرض من مثل ذاك عند الله عز وجل.

{ مَرَّ رَجُلٌ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ يُسْتَمَعَ، قالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِن فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقالَ: ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ لا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ لا يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ لا يُسْتَمَعَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا خَيْرٌ مِن مِلْءِ الأرْضِ مِثْلَ هذا }

[صحيح البخاري]

فيا تُرى هذه المقاييس القرآنية والثقافة الربانيّة يا ترى نحن بحاجةٍ إليها أو في غنىً عنها؟ يا ترى نربح بها أو نخسر بها؟ يا ترى لمّا نقرأ القرآن هل نقرأه لنأخذ منه هذه العِبر؟ لنقطف منه هذه الثمرات؟ لـمَّا العرب وهم أمّيون درسوا القرآن دراسة العِلم، والعمل، والتطبيق، والتعليم، جعلهم الله:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
[سورة آل عمران]

خير أمةٍ في ماذا؟ في الاقتصاد كانوا خير أمة، في الزراعة خير أمة، في الحروب ما عرفوا الهزائم، في الاستقلال كانوا بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً صاروا أعزَّ الأمم، حتى صاروا أعزَّ أمةٍ لا في تاريخ العرب بل في تاريخ شعوب العالم وفي تاريخ الدنيا.
والآن أنتم أيها الأخوة والأخوات إذا نعود إلى قراءة القرآن كما قرأها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيف يقرؤوا القرآن :

عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
[سورة الإسراء]

إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
[سورة الإسراء]

يا تُرى إذا حفظنا هذه السورة وطبَّقناها التطبيق العمليَّ نكون رابحين أم خاسرين؟ نُعزُّ أم نُذلُّ؟ نقوى أم نضعُف؟ اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الله تعالى ترك لنا حرية الاختيار في أن نؤمن أو نكفر:
فبعد أن ذكر الله عَتبه لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم قال في نهاية العَتب:﴿كَلَّا﴾ وكلا حرف ردعٍ وزجر، يعني يا محمد لا تَعد إلى مثل ما فعلت مع ابن أم مكتوم، والنبي عليه الصلاة والسلام ارتدع وأعاد الخطأ مرة أُخرى؟ وهل غرض النبي صلى الله عليه وسلم لهوىً أو لأنا أو لمصلحة شخصية؟ اجتهاداً منه في عمل الأفضل، لكن الله رأى الأفضل غير ما فعله سيدنا رسول الله أن يُقدِّم الصادق في طلب الهداية، أن يُقدَّم على كلِّ الناس إذا كانوا زاهدين في الهداية وفي العِلم، يعني لا تعد إلى مثلها ولم يعُد، فيا ترى إذا قال لك الله كلا وردعك هل ترتدع إذا كنت مؤمناً؟ وإذا قال لك الله كلا انتهى، قال:
وَلا تُهينَ الفَقيرَ عَلَّكَ أَن تَركَعَ يَوماً وَالدَهرُ قَد رَفَعَه
{ الأضبط السعدي }

كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)
[سورة عبس]

هذه القصة درس وعِظة وتذكير لكل مؤمنٍ ومؤمنة.

فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ (12)
[سورة عبس]

هذه القصة في القرآن (فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ) الله ترك الأمر لاختيارنا لإرادتنا.

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
[سورة الكهف]

(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) لو ملأت الدنيا معاصي وآثام لا تضرُّ الله، ولو ملأته طاعات ليس الله بحاجةٍ إلى طاعتنا، إنما طاعةُ الله وتقواه لمصلحتنا كما ورد في الحديث القدسي يقول الله تعالى: "خلقت الخلق ليربحوا علي لا لأربح عليهم"
الصحابة هم الذين ربحوا بصدق إسلامهم أم أن الله والنبيَّ عليه الصلاة والسلام ربحوا؟ والمسلمون الآن لمّا أضاعوا دين الله عز وجل يا ترى الله تضرر أم المسلمون تضرَّروا؟ بعد أن كانوا هيئة الأمم هم يحكمون العالم، وجعلوا عشرات الأمم أُمةً واحدة، ومئات الدول دولةً واحدة، هم أعلم كلَّ أمم الأرض وأرقاها، بفهمهم للإسلام وقوة رابطتهم بالمُعلِّم الأول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ) الخيار لك (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)

الله أنزل القرآن في صحف سماوية تحمل سعادة الإنسان:

فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ (13)
[سورة عبس]

هذا القرآن نزل من صُحف سماوية، صُحف مقدَّسة، صُحف ليس فيها إلا الحقائق وإلا الحِكَم إلا العلوم التي ترفع مستوى الإنسان العقلي، والجسمي، والروحي، والاجتماعي، حتى يتحقّق قول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
[سورة محمد]

إنه لا يذلُّ من واليت ولا يعزُّ من عاديت، وهل من أحدٍ يوالي الله ويُذّل؟ وهل من أحد يعصي الله ويُعزّ؟ وإن عُزَّ ففرعون عُزَّ لكن كانت نهايته الغرق.

فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ (13) مَّرۡفُوعَةٖ مُّطَهَّرَةِۭ (14)
[سورة عبس]

رفيعة القدر ورفيعة الشأن عند الله عز وجل بما تحمل من حقائق ومن نورٍ للعقول، وللأرواح ومن سعادة للإنسان (فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ (13) مَّرۡفُوعَةٖ مُّطَهَّرَةِۭ (14))رفيعة القدر مُطهَّرةً عن الباطل مُطهَّرةً عن الخرافات، عن الأوهام، عن الباطل

بِأَيدِي سَفَرَةٖ(15)
[سورة عبس]

الملائكة تحملها كسُفراء من السماء إلى الأرض، والأنبياء أيضاً سفرة تأخذها من الملائكة وتُبلِّغها إلى الناس، وبعد الأنبياء يأتي ورثة الأنبياء من العلماء العابدين فيكونوا سُفراء بين السماء وبين الأرض يُبلِّغون الناس رسالة الله عز وجل، رسالة السعادة والقوة والعِلم وكل ما يُوصِل الإنسان إلى فوق ما يفكر وإلى فوق ما يُحبُّ ويهوى.

بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
[سورة عبس]

لهم كرامتهم عند الله، مُكرّمون في الأرض والسماء ﴿ بَرَرَةٍ﴾، نفوسٌ بارَّة لا نفوسٌ فاجرة ولا نفوسٌ كافرة، فنسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء النفوس البررة الكرام الذين ليسوا بفجرة.
ثم التفت القرآن في السورة إلى كفّار قريش، وإعراضهم عن الله، وإصرارهم وتمسُّكهم بجهلهم وخرافاتهم، أحدهم إذا أراد أن يسافر يأخذ الرأي والمشورة من الحجر الصنم ويأتي إلى الصنم فيقول له: أسافر أم لا أسافر، وإذا أراد أن يُزوِّج أو يتزوَّج يأتي بحجر أو يرى غراباً ويضربه بالحجر فإذا طار جهة اليمين يقول سنسافر أو نتزوج أو نبيع ونشتري، وإذا طار نحو اليسار يقول أن السفر مشؤوم، والبيعة مشؤومة، والزواج مشؤوم وهذا اسمه التطيُّر، فكان يأخذ المشورة والرأي والمجلس النيابي مِن مَن؟ من الغربان أو من الأحجار والأصنام، حتى أتى ثعلب ويقال ثعلب وثعلُبان والثعلُبان مفرد، وأحد الصحابة في المدينة أسلم وكان يدعو والده للإسلام فيأبى ويُكابِر الابن والأب مُصرّ على عبادة الصنم، إلى أن هداه الله على يد حيوان، هدى الأب إذ أصبح ذات يوم يذهب إلى صنمه فيعبده، فرأى ثعلُبان يعني ثعلباً على رأس الصنم يرفع رجله ويبول على رأسه، فمن كان أفهم من الإنسان أم الحيوان؟ وعند ذلك استيقظ عقله وقال:
أربٌ يَبولُ الثَعلبان بِرأسِهِ لقد ذلَّ مَن بّالتْ عليهِ الثَعالبُ
{ راشد السلمي }
فكان الثعالب تبول على آلهتهم، هذا كان العربيُّ وهكذا كانت العروبة، فمن أعزَّ العروبة ورفع العروبة، وجعل العروبة مصدر العِلم والنور لكل العالم؟ القرآن ومُعلِّم القرآن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما لم يدخل المسلم الآن في مدرسة القرآن وبإشراف عالِم القرآن ومُعلِّم القرآن، فما الفائدة إذا كان عندك شيكّ وتركته في الصندوق وأنت جائع وأنت عارٍ وسيطردونك من البيت لأنك لا تدفع الأجرة وعندك شيكّ بمائة ألف دولار! فماذا يُفيدك الشيك، إذا لم تستعمله ولم تصرفه في المصارف بحسب العادة وبحسب الأصول؟ وأيضاً القرآن على الورق المصقول والتجليد المُذهَّب وبالقماش الحرير ومعلَّقٌ على الجدار فما الفائدة؟ مصحفهم كان على الأحجار، على ورق النخل، وعلى عظام وأكتاف الحيوانات المذبوحة، وما كان عندهم ورق، والورق بعد مئات السنين حتى صار الورق بين أيديهم، أعزّ إنسانٍ كان يكتب على جلد الخروف.

المحبة تورث الطاعة والإتباع فمن هو محبوبك؟
والآن ما شاء الله لكن هل استطعنا أن نكتب القرآن في عقولنا فهماً، وفي قلوبنا إيماناً ونوراً، وفي حياتنا تطبيقاً وتنفيذاً وعملاً؟ هذه تحتاج إلى المُعلّم إلى المُربِّي مع قوة رابطة الحب بالمُعلِّم المُربي،لا إيمان لمن لا محبة له.

{ ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ }

[صحيح البخاري]

يا ترى هل تحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من كلَّ الناس؟ يا ترى إذا أحبَّ أحدٌ إنساناً هل يحبُّ أن يفعل له ما يُحزنه ويُغضبه؟ وإذا قال أحدهم أنه يحبُّ النبي صلى الله عليه وسلم لكنه يفعل ما لا يحبه النبي صلى الله عليه وسلم فهل هذا مُحبٌّ؟
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ
{ [الإمام الشافعي] }
يعني شيءٌ مستغرب، كذلك يا ترى لمّا يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

{ العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ }

[أخرجه أبو دواد والترمذي وابن ماجه]

أن تحبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما سواه، هل تحب وارث النبي صلى الله عليه وسلم بعد الله ورسوله أكثر مما سواه؟ هذه الرابطة يا ابني، فهل يا ترى عندك هذا الحبَّ؟ تُحبُّ ابنك فما علامة الحُب؟وتُحب زوجتك فما علامة الحُب؟وتُحبُّ أباك فما علامة الحُب؟ إذا كنت تحب أباك وتسبَّه هل أنت محبٌّ أم أنت عدوّ؟ إذا كنت تحب أُمَّك وتضربها فهل هذا حُبّ؟ أو تؤذيها وتزعجها؟
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
{ الإمام الشافعي }
تدَّعي حبَّ الله والنبي عليه الصلاة والسلام وتعادي وارث النبي صلى الله عليه وسلم وتعادي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم؟ (إذا أبغضَ المسلمونَ عُلماءَهُم) تجد في بعض المجالس الناس يفرحوا بالكلام على العالِم وأيُّ عالِمٍ؟ العالِم الذي يُجاِهد في سبيل أُمته ليله ونهاره وشيخوخته وشبابه وكلَّ أوقاته.

{ إذا أبغضَ المسلمونَ عُلماءَهُم، وأظهَروا عمارةَ أسواقِهِم، وتألَّبُوا على جمعِ الدَّراهم، رماهُمُ اللهُ بأربعِ خِصالٍ ، بالقحطِ مِن الزَّمانِ، والجَورِ مِن السُّلطانِ، والخيانةِ مِن ولاةِ الحُكَّامِ، والصَّوْلَةِ مِن العدوِّ }

[الألباني ضعيف الجامع]

ليله ونهاره همُّه أن يربح، وما الفعل الذي فيه ربح أكثر الذي فيه نفع أكثر، في كندا يذهب إلى كندا، أو إلى أستراليا أو غيرها، أما مجلس العِلم، مجلس الذكر، مجلس الإيمان، مجلس الوارث المحمدي، (العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ) فيا ترى إذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي تُحبه أكثر من نفسك وأهلك ومالك وولدك، فالنبي عليه الصلاة والسلام لمّا يقول أن هذا وارثي يعني نائبي، فهل أعطيت للنائب والوكيل ما أعطاه له الأصيل من حقوقٍ وواجبات؟
إذا لم تفعل ذلك فقد قال: (رماهُمُ اللهُ بأربعِ خِصالٍ، بالقحطِ مِن الزَّمانِ، والجَورِ مِن السُّلطانِ، والخيانةِ مِن ولاةِ الحُكَّامِ، والصَّوْلَةِ مِن العدوِّ)
والآن إسرائيل وطائراتها في لبنان صباح مساء أليس هذا تحدياً للعالم العربي؟ أليس تحدياً للعالم الإسلامي؟ هذا الحصاد من ذلك البِذار.
(إذا أبغضَ المسلمونَ عُلماءَهُم، وأظهَروا عمارةَ أسواقِهِم) يعني همُّهم المادة، مثل عمارة المساجد والمدارس ودور الأيتام، ونهتمُّ بهذا وهذا شيء جيد، أما نهتّم بدنيانا ونُهمِل أُخرانا وهذا ليس بجيد، (وتألَّبُوا على جمعِ الدَّراهم)، أن تصير غنياً.

{ نِعمَ المالُ الصالِحُ للرَّجلِ الصالِحِ }

[ شعيب الأرناؤوط إسناده صحيح]

لكن أن يكون همُّك كلُّه في جمع الدراهم، همُّك في الآخرة ، همك في علوم القرآن فهل تعلَّمت القرآن؟ تعلَّمت سورة عبس؟ ظهرت فيك أخلاقها، أهدافها، ثمراتها، المقصود منها، لمّا نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام ماذا فعل النبي في الأعمى؟ لمّا يسافر في غزوةٍ من الغزوات من كان يستخلف على المدينة؟ عبد الله ابن أم مكتوم، وهل قبل نزول سورة عبس أم بعدها؟ بعد سورة عبس، فإذاً النبي عليه الصلاة والسلام قرأ سورة عبس؟ وقرأ القرآن وتعلَّمه؟

{ خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ }

[صحيح البخاري]

والصحابة بعد سورة عبس هل كانوا يُهينوا الفقير أو يهملوه أو لا يعتنوا به؟ هنا التهاون في تعليمه انشغالاً بأغنياء المجتمع، في الإسلام قال: كلهم سواء، في مجلس العِلم ليس هناك غنيّ وفقير كلُّهم سواء.
ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق في زمن الحرب العالمية الأولى في البرلمان أخذ المصحف في يده في البرلمان البريطاني وقال: "ما دام هذا القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نتغلَّب عليهم"، والقرآن ليس قرآن الورق بل قرآن العِلم به، والعمل به، والتعليم له، وتحويله من كلماتٍ تُقرأ وتُتلى إلى أعمالٍ تُشاهد وتُنفذ.

المعاتبة الربانية لسيد الخلق من أجل أعمى:
نحن بحاجةٍ إلى قرآن العمل، إلى قرآن العِلم، وهذا يُؤخَذ من قرآن التلاوة، فالمقصود من الصبارة ماذا؟ أكلُها، فإذا جلبت الصبارة بلوحها وشوكها وأبقيتها على حالها، لا غسلتها ولا نظَّفتها ولا قشَّرتها ولا وضعتها في الثلاجة فهل استفدت منها شيئاً؟ المقصود من الزواج مجيء الأولاد، فإذا جئت بالعروس ووضعتها في واجهة مثل واجهات السوق ومساءً وصباحاً من وراء الزجاج تقول لها: أنت عيوني وروحي وحياتي وهي قالت له أيضاً:أنت روحي وعيوني وحياتي فما الفائدة؟ هل يأتيهم أولاد؟ كذلك القرآن

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
[سورة الفرقان]

هجروا العمل به، والعِلم به من مُعلِّمه، من مُفسّره، من المُربّي، من المُزكّي الحكيم، ولذلك من زُهد المسلمين في العِلم قلَّ العلماء، والعالِم الذي يموت لا يخرج مثله عالِم آخر، والطبيب الذي يموت يأتي بدلاً منه مئة طبيب، والصيدليُّ خمسين صيدلي، والمحامي مئة محامي، والشيخ؟ لا أحد، لأنه يوجد زُهد، وعدم التقدير، وعدم التقييم الحقيقي، ولذلك ضاع المسلمون بعد أن كانوا أمةً واحدة صاروا عشرات الأمم، وبعد أن كانوا دولةً واحدة من الصين إلى إسبانيا صار العرب اثنان وعشرون دولة، فنسأل الله أن يُهيئ للمسلمين العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ومتى هذا يكون؟ يكون لمّا نرجع إلى القرآن التذكرة، القرآن

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)
[سورة القمر]

للتذكُّر، للتفكُّر، للصحوة الفكرية والفهمية والعلمية (فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) هل من مُتذكِّر؟ إذا قرأت القرآن التذكرة هل تذكرت؟ هل فهمت؟ هل تُبت؟ هل عزمت على أن تستقيم فلا تعوَّج؟ أن تُطيع الله فلا تعصيه؟ أن تذكره فلا تنساه؟ أن تحرص على مجالس العِلم ومجالس العلماء، أن تعطيهم حقَّهم من التقدير والتعظيم، كما لو رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كيف تُعظِّمه؟ كيف تُكرّمه، فالنبي عليه الصلاة والسلام حين يقول لك هذا نائبي وهذا وكيلي، والقاضي في المحكمة إذا غاب ووضع وكيلاً عنه كيف الناس يتعاملوا معه؟ وإذا رئيس الوزراء غاب وله نائب ونائبين كيف يتعامل الناس مع نائب رئيس الوزراء؟ ومع نائب رئيس الجمهورية؟ وكيف تتعامل أنت مع نائب النبي صلى الله عليه وسلم لصريح كلام النبي، تُحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم؟ نعم، تُحبَّ نائبه؟ نعم، وكيف تُحب النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تحبَّ نائبه، فإذا دخلت الامتحان ربما تأخذ علامة الصفر، لأنك تُحبَّه بالأماني والتمنّي، والأهواء، والمرور الفكري، أما بالشكل العمليِّ الواقعيِّ السلوكي ، نسأل الله عز وجل أن يوقظنا من غفلتنا ويوقظنا من رقدتنا.

تذكير الله تعالى للناس من أصل خلقهم لأجل ألا يغتروا
ثم قال تعالى:

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)
[سورة عبس]

هذا الكافر الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي يدعوهم وهم مُعرِضون، وابن أم مكتوم مُقبِلٌ على النبي صلى الله عليه وسلم والنبي أعرض عنه، لا لحظِّ نفسه وأنانيَّته ولكن من أجل المصلحة العامة، فالله عز وجل قال له: لا أقبِل على من أقبَل عليك ولو كان صُعلوكاً، وأعرض عمَّن أعرض عنك ولو كان من أعظم الملوك.
(قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) قاتل الله هذا الإنسان والذين هم من؟ كفار قريش الذين كان يدعوهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يُعرِضون ولماذا يُعرِضون؟ ألا يفكّرون في من خلقهم

قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)
[سورة عبس]

النطفة من ماذا خُلِقت؟ من قليلٍ من الطعام أكلها بأسنانه فهضمتها المعدة وحوَّلها الكبد إلى دم وضخَّها القلب إلى الخلايا وإلى الخصيتين وأين وطنك الأصلي؟ وأين خُلِقت؟ خُلِقت في خصيتي والدك وفي بويضة أمك، يعني من بيضة أبيك فأنت ابن بيضة، ومن بويضة ولماذا سُميت بويضة؟ لأن البيضة تُرى أما البويضة فلا تُرى، والحيوان المنوي أيضاً لا يُرى فتجتمع البويضة والحيوان المنويّ في الرحم وتختلط ببعضهم البعض، نطفةٍ أمشاج فإذا كان الحيوان المنويُّ من الرجل مُذكراً يأتي الولد ذكراً، وإذا كان الحيوان المنويّ من الرجل أُنثى يأتي المولود أنثى، فالذي يأتيه البنات ويتزوَّج على امرأته الذكورة والأنوثة مصدرها الزوج، ولو كان الشرع يُبيح أن تتزوَّج المرأة على زوجها لأجل الصبيان والبنات كان يجب أن تتزوَّج عليه، أما الإسلام فلا يسمح كما هو المعلوم، ولا تفرح بالولد وتحزن من البنت مثل أهل الجاهلية، وهناك بنت تساوي مليون ولد، فاطلب الولد الصالح التقيَّ المستقيم، ولد فاسق أو فاجر أو عاقَّ هل هذا يُفرح به؟! والبنت لا،
فلو كان النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال فما التّأنيثُ لاسْمِ الشّمسِ عيْباً ولا التّذكيرُ فخْرًا للهلالِ
{ }
فالقمر مذكَّر، والشمس مؤنث، فأيهما أعظم الشمس أم القمر؟ الشمس، فنسأل الله أن يعطينا الولد الصالح ذكراً أو أنثى.
(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) قاتله الله هذا الإنسان الذي أنت كنت مشغول به يا محمد صلى الله عليه وسلم،( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) لا يفكر ما أصله، وعلى ماذا يتكبَّر؟ وعلى ماذا يتعاظم؟ ولماذا يُعرِض؟ (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) ، ومن الذي يُقدِّر العظام لوحدها والأعصاب لوحدها والمفاصل لوحدها والعضلات لوحدها وخلايا، الكلية تنظف الدم من البول ومن السموم، والكليتين تغسل لك دمك كم مرة في الأربع وعشرين ساعة؟ وغسيل الدم كم يُكلِّف؟ إذا كان خمسة آلاف فالذي يغسل كليتيه في الأسبوع مرتين كم يحتاج؟ عشرة آلاف، وفي الشهر أربعين ألفاً، فالكليتين تغسل لك كل دمك في الأربع وعشرين ساعة كم مرة؟ ستاً وثلاثين مرة! فلو أن الله تعالى حاسبكم على غسيل الدم وخصم لكم بالمئة عشرة وليكن عشرين بالمئة، فإذا حسبنا ستاً وثلاثين مرة وضربناها بعشرة، ثلاث مئة وستون ألف كل يوم يكون حساب غسيل الكلى لله، فلو كان هذا المبلغ فمن أين تأتي بالأموال هذه ولو كنت تملك مملكة قارون مقابل غسل الدم الذي جعله الله عز وجل وضع جهاز غسيل دم في جسمك، وجهاز غسيل الدم من صنع البشر بحجم البراد، فالله تعالى لو لم يخلق لك كليتين وقال لك: احمل البراد حتى تغسل دمك، فما أعظم اللطيف الخبير!! جعل لك جهاز الغسيل بحجم البيضة أو يزيد، وكلية واحدة تكفي لغسل الدم، فجعل لك الثانية احتياطاً، ورئة واحدة تكفيك لاستنشاق وتنظيف الهواء فجعل لك اثنتين، وعين واحدة تصير بها أعور وترى من جهة واحدة فجعل لك عينين فهل كنت من الشاكرين؟ وهل كنت من العارفين؟ بفضل الله وبإحسان الله بعظمة الله؟ وخلايا الكلية حين كانت بالنطفة، مَن قدَّر ومَن ميَّز هذه الذرّة وقسَّمها وقسَّم خلاياها كلُّ خلية لها وظيفة معيَّنة! خلايا المخ لها وظائف، خلايا القلب لها وظائف، خلايا المعدة لها وظائف، خلايا الكليتين فمن قدَّر هذا التقدير؟ من قسَّم هذا التقسيم؟ ومن نظَّم هذا التنظيم؟ فإذا بعث لك أحدهم سلة صبار وتأكلها تتسخ ثيابك بالشوك وتشكره، والله عز وجل الذي خلقك من ذرّة، فإذا الحلَّاق حلق شعرك ولم يأخذ منك النقود، فلا تقبل ثم تدعو له، كما أنه إذا قدَّم لك أحدهم ثياباً أو حذاءً!! فالله تعالى أعطاك العيون

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8)
[سورة البلد]

وأعطاك اللسان، ولو لم يكن لك شفتين كيف كنت تشرب الماء؟! والشفتين تأتي على كأسٍ كالأنبوب، والمحرِّك الإلهي لو لم يكن كذلك فإنك كنت إلا أن تستلقي وتشرب الماء.
(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) هل تُفكّر كيف كنت؟ وكيف خلقك؟ وكيف المراتب من مرحلة إلى مرحلة إلى مرحلة حتى صار لك الشارب؟!
ومرة ذهب بدويٌّ إلى الحج فرأى أحدهم مقطوع وسيموت من عطشه وجوعه، فحنَّ عليه ورحمه وأركبه معه على الفرس، فقال له: ما أعظم فرسك! وبعد قليل قال له: ما أعظم فرسنا، فقال له: انزل فقال: ولِمَ؟ قال: لأنك بعد قليل ستقول ما أعظم فرسي وترميني أيضاً، فعلينا أن نذكر الله، فحين تأكل الكعك الناشف هل يُبلع من غير لُعاب؟ لماذا حين تأكل في كلِّ مضغةٍ تفرز لك اللعاب على قدر الطعام، فإن كان جافاً زاد اللعاب، فحين يُحسُّ اللسان أن اللقمة صارت تستساغ وجاهزة تبلعها، فمن خلق هذا الريق؟!ولو جعله يفيض من غير هذا الميزان الأوتوماتيكيِّ فكلُّ واحدٍ يأتي إلى المسجد وقد وضع بدل ربطة العنق مناديل من أجل ريقه، لأن الريق ليس له موازين، (خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) وبعد ما قدَّر ونظر ورتَّب خلقه وكبر، يُخرِجه إلى الدنيا، لمّا يكون الإنسان في بطن أمه يكون رأسه إلى الأعلى وقدميه إلى الأسفل، وعند الولادة الله يقلبك فيكون رأسك من الأسفل وقدميك إلى الأعلى، فمن قلبه وأمر القلب؟ من خلق لك عيونك؟ من خلق لك سمعك؟ من خلق لك الشمَّ في أنفك؟ من خلق لك الذوق في لسانك؟ واللمس فتعرف الخشن من الناعم؟ وفي جيبك المفتاح والقلم والورقة لو لم توجد حاسة اللمس؟!

أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ(10)
[سورة البلد]

حين تخرج من بطن أمك من علَّمك الرضاعة؟ والآن أنتم كبار تعرفوا كيف ترضعوا من أمهاتكم مثل ما يرضع الطفل ابن يوم؟! ذاك نزل من بطن أمه مباشرةً إلى الرضاعة فمن علَّمه؟ (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) نجد كل شيء مرتفع ما اسمه؟ التلة واسمها نجد لذلك أراضي نجد أراضي مرتفعة في الجزيرة العربية، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) هل تفكر في هذا الخالق العظيم جبار السماوات والأرض في خلقه لك وفي نِعَمه عليك؟! قال جهاز البصر يحتوي على ثلاثين مليون عصب حتى يتحقق البصر والصِلات بين العين وبين الدماغ، فثلاثين مليون شريط كهربائي هؤلاء ألا تحتاج إلى صيانة وإشراف وفحص دائماً؟ً فإن صار خلل أو انقطع شريط يكون اختلال، وستين وسبعين وثمانين سنة كلُّ أعصاب جسمك في النخاع الشوكي ضمن فقرات، وكلُّ عصبٍ مغلَّف بغلاف حتى لا يكون اختلالٌ وإشكال، فمن خلق؟ ومن قدَّر؟ ومن رتَّب؟ ومن نظَّم؟ فهل عرفت هذا الإله؟ قُتل الإنسان ما أعظم كفره بالله.
(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) لا يُفكّر هذا الكأس لوحده صار؟ ماذا كان أصله؟ كان تراب في باطن الأرض، ومادة الزجاج مخلوطة بالأحجار والتراب وهل لوحدها صارت كأس؟ خمسين مهندساً، وخمسين صانع، وخمسين آلةً، وخمسمائة تاجر حتى وصلت إليك، فيا ترى هل الجسم صار لوحده من غير صانع؟
(قُتِلَ الْإِنْسَانُ) فالذي لا يمتثل لأوامر الله هل هو مؤمنٌ بالله الإيمان الحقيقي؟ الذي يرتكب معاصي الله لا يخاف الله ويخاف من شرطيِّ السير إذا مشى على شماله، إذا كانت هناك إشارة حمراء والشرطي موجود فهل يستطيع أن يتجاوزها؟ إذا تجاوز يقول له أبوه: يا بني ألا ترى الشرطي يراك، والله تعالى ألا يرانا؟!

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
[سورة الحديد]

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
[سورة الملك]

أسرُّوا أعمالكم أو أجهروا بها، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، اللطيف الذي يعلم دقائق الأمور وأخفاها، الخبير بكل شيء (خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)

ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
[سورة عبس]

{ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جَنَازَةٍ، فأخَذَ شيئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ به الأرْضَ، فَقالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا، ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، أمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقَاءِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَن أعْطَى واتَّقَى وصَدَّقَ بالحُسْنَى} الآيَةَ }

[صحيح البخاري]

هذا يُحبّب إليه العِلم، و هذا الطبّ وهذا الصيدلية، لو حبب الناس كلهم بالطب، ولو حبَّب الناس كلهم بالصيدلة، لو حبَّب الناس كلهم بالعسكرية!! ولكن لا ترى إلا أن المجتمع قائم وكل الأمور مُهيَّئة ومُرتبة على أحسن ما يؤمِّن للمجتمع حوائجه ومصالحه

ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
[سورة عبس]

هل حسبتم حساب أماته أنك ستموت؟ فأقبره وهل حسبت حساب القبر وما بعد القبر؟

ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)
[سورة عبس]

ثم سيبعثه الله ويُخرِجه من قبَلِهِ بمشيئته ليُحاسبه وليقوم بين يديه في محكمة الله، فإذا الله حاكم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على إعراضه عن ابن أم مكتوم، هل نية النبي صلى الله عليه وسلم غرض شخصي، مالي، أناني؟ لا فكل شيء عنده إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.
فأنت ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ(22)﴾ فهل أنت عملت عملاً كعمل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ عمل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس هناك أعظم منه فهو يصرف وقته وحياته ودمه وروحه في سبيل الله، وأنت روحك وحياتك وشبابك ومالك وشغلك وفكرك بماذا تُفرِّغُه؟!

وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
[سورة الفجر]

حلالاً وحراماً لسانك حلالاً وحراماً وعينك حلالاً أو حراماً، وأُذنك، وقدمك، وأكلك وشربك، فهل حسبت حساباً وقرأت﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ(22)﴾

كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
[سورة عبس]

لمّا يقف بين يدي الله، أوامري وصلت إليك وبلغك النبي محمد؟ وبعد النبي عليه الصلاة والسلام ورثة النبي صلى الله عليه وسلم هل بلَّغوك؟ نعم في الإذاعة والتلفاز والكتب فماذا فعلت؟
يا ترى هذه الآية ( ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ(22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ(23)) يا ترى يقف القارئ عند هذه الآية، يا ترى هل قضيت كل ما أمرك الله به؟ هل نفَّذت كل واجباتك نحو الله عز وجل؟ هل وقفت عند حدوده فلم تتجاوزها إلى محارمه؟ هذه قراءة القرآن يا ابني، أما القلقلة والمدود، والإدغام، والإخفاء، هذه للنطق بالألفاظ، والشريط ينطق أحسن من تلاوتك وتلاوته أحسن، وأنت عليك أن تقرأ القرآن لتحوله كما المعدة تحوِّل الطعام والجهاز الهضميَّ إلى دمٍ والدم إلى طاقة، أيضاً والقرآن كغذاءٍ يجب أن يتحول فيك إلى طاقة إلى عملٍ صالح بذلك تكون قد قرأت القرآن.
(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ)، قال: إذا نظرت إلى خلقك تصل إلى معرفة الله، تقف عند حدود الله، تسارع إلى مرضاة الله وامتثال أوامره، وإذا لم تكفيك هذه فانظر نظرة ثانية.

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)
[سورة عبس]

من أين كان الماء؟ كان من البحر المالح الأُجاج فمن حلَّاه من غير معامل التصفية؟ يتبخَّر في الفضاء وتأتي الرياح فتسوقه فيُنزِله الله حيث يشاء.

ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)
[سورة عبس]

بذرة التين بين الصخر تفلق الصخر، من الذي أعطى هذا الشيء الضعيف هذه القوة العظيمة؟!

فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)
[سورة عبس]

القمحة مُركبة من عدة أشكال من السكر والنشاء فمن ركَّب هذا التركيب، ولا تُخطئ حبةٌ عن حبة كلها مثل بعضها البعض، وتركيب الذُرة، الشعير، العدس، الفول، المشمش، العنب، والطعام، كل هذا لوحده صار؟! مثل شوربة العدس مثلاً إن طبخها أحدهم ولم تكن بطعمٍ لذيذ فلأسباب أنهم لم يغسلوا العدس ولم ينظِّفوه، ومن الناس من يحتاج إلى تأديب وضرب بالعصا ولكن الله يحلم عليه ولا يستعجل عليه، فهل تتوب إلى الله قبل أن تموت؟

النهاية المحتَّمة ووجوب الإعداد لخيرها:
(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)). فنسأل الله أن يجعلنا من الذي يقضي ما أمره.
(فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا) العنب كم لوناً له؟ كثيرة جداً فمنها الحلواني والديراني والبلدي وغيره، نسأل الله عز وجل ألا يجعلنا من الغافلين، والقضبا هي الخضراوات كالخس قضباً، السلق قضباً، الفاكهة والخضراوات

وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)
[سورة عبس]

الغابات الكثيرة وبعضها لبعض حتى تُنظّف الهواء من الآزوت وتعطيه الأوكسجين حتى تستمر الحياة.

مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)
[سورة عبس]

الزيتون والعنب لمن؟ لنا، والأبّ الحشائش التي تأكلها الدوابّ فاكهتها، والمشمش، والدراق، والخيار، والعنب لمن؟ فاكهة الإنسان، (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)

فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
[سورة عبس]

هذه مرحلةٌ من مراحل الإنسان في الحياة وسينتقل إلى مرحلة الآخرة، يا ترى هل استعددتم لها؟ هل هيَّأتم سعادتكم فيها ونجاتكم بالإيمان والعمل الصالح؟ الله يجعلنا من الذين يستعدون للقاء الله بالإيمان الصالح الحقيقي والعمل الصالح.
وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
فاعلم أنه لا إله إلا الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم تقبل منا هذه التهليلة المباركة وأوصل ثوابها إلى حضرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم إلى روح شيخنا وأستاذنا، وروح والدتنا ووالدنا، وإلى أرواح والدينا وإخواننا وأحبابنا والمسلمين أجمعين، اللهم وردَّنا والمسلمين جميعاً إلى كتابك الكريم ودينك القويم ردَّاً جميلاً واغفر لنا ولوالدتنا ومشايخنا والمسلمين أجمعين.
فسورة عبس وأمثالها ماذا جعلت من كفار قريش ومن عبدة الأصنام ومن الجاهليين؟ جعلت منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والعشرة، وأهل بدر، وأهل الحديبية، الذين فتحوا مكة وبعدها فتحوا الدنيا بالقرآن والقرآن وحده.

واجبنا وما علينا أن نعمل:
وأنتم يا بني ويا إخواني وأخواتي علينا أن نقرأ القرآن القراءة الحقّ.

﴿ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
[سورة الواقعة]

لمّا نزلت هذه الآية هل كان هناك مصحفٌ مطبوعٌ ومكتوبٌ؟ كان مكتوباً على الأحجار، فبعض المفسرين قال: لا يمسّه أي لا يمسُّ روح القرآن وحقائق القرآن حتى تتحوَّل فيه إلى عمل وأخلاق وسلوك ( إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الذين طهَّروا نفوسهم بالتوبة الصادقة وقلوبهم من الغفلة عن الله وحياتهم زيَّنوها بتقوى الله، هذا الذي روح القرآن تمسُّ روحه فيحيا بعد موته والمسألة تحتاج كما قال تعالى:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
[سورة ق]

إما أن تتفكر وإما أن تشتغل بكثرة ذِكر الله حتى يحيا قلبك، فلما يحيا قلبك وتسمع هذه الآية تدخل في قلبك نوراً يشتعل كطاقة كهربائية وبكل طاقاتك وكلِّ قواك، فيجعلك في شوقٍ وجوعٍ إلى تنفيذ أوامر الله والمُسارعة إلى مرضاة الله وتحويل القرآن من كلماتٍ تُتلى إلى أعمالٍ تُرى وتشاهد.
فنسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الحقيقي ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.